دولة آل العمودي من كتاب المختصر في تاريخ حضرموت
تأليف : محمد عبد القادر بامطرف

تميزت هذه الدولة، دون أية دولة أُخرى قامت في حضرموت بأنها قامت بالجمع بين السلطتين الروحية والزمنية.
وُلد الشيخ سعيد بن عيسى العمودي، الذي ينتسب إليه المشائخ آل العمودي سنة 600هـ (1203م) في مدينة (قيدون) بدوعن. وكان أُميًّا لا يعرف القراءة والكتابة، ولكنه كان ذكي الفؤاد وقد وهبه الله القدرة على الرياضة وسلوك طريق الصوفية. وقد استطاع هذا الأُميُّ، بفضل قوة شخصيته أن يخلق له مكانة مرموقة بين رجال الدين والتصوف في عصره، وأن يجمع حوله <98> الأنصار والمريدين، وأن يصبح أحد مشاهير الدعاة إلى الله بين البادية والحضر، وأن يؤسس له في دوعن نفوذًا روحيًّا تطور على مدى الزمن حتى أصبح نفوذًا سياسيًّا لعب دورًا هامًّا في تاريخ حضرموت «عمود الدين».
وتُوفي الشيخ سعيد بن عيسى بقيدون سنة 671هـ (1272م) ودُفن بها. وقد خلف من بعده ابنه محمد فثبّتَ مقام أبيه في نفوس الناس. وتوارث هذا المنصب أولاده وأحفاده، والتف حولهم رؤساء القبائل وكثير من حملة السلاح. وقد بلغت درجة النفوذ الروحي عند آل العمودي حدًّا جعلهم بفضلها لا يشعرون بالولاء والطاعة لأية سلطة سياسية في البلاد. ولهذا فكروا في الاستقلال السياسي وبسط نفوذهم المادي إلى جانب نفوذهم الروحي.
ثم آلت السلطة إلى الشيخ عبد الله بن عثمان بن سعيد العمودي، وكان أول من استعمل نفوذه السياسي، فاستولى على بلدة الخريبة في دوعن سنة 837هـ (1433م).
وخلفه الشيخ عثمان بن أحمد العمودي في النصف الأول من القرن العاشر الهجري. وقد عاصر الشيخ عثمان السلطان بدر أبا طويرق الكثيري ونشأت بين هاتين الشخصيتين خصومة ولّدتها القوة الذاتية الكامنة في كل منهما.
وقد تسلح آل العمودي «بالبنادق» ربما قبل الوقت الذي تسلح به جنود أبي طويرق. لذلك كان العمودي ينازل أبا طويرق على قدم المساواة في السلاح. وعندما عقد أبو طويرق علاقات <99> ودية مع الأتراك، أعلن العمودي عدم موافقته على تصرفات بدر وانحاز إلى إمام الزيدية في اليمن وكوَّن في اليمن جبهة سياسية معارضة لسياسة أبي طويرق.
وفي الوقت الذي كان أبو طويرق يتودد فيه إلى البرتغاليين ويسكت على قرصنتهم ضد السفن الحضرمية في أعالي البحار، كان العمودي ينادي بالجهاد ضد البرتغاليين المعتدين.
وإمعانًا في إحراج أبي طويرق وإظهاره بمظهر السلطان المتخاذل الممالئ للإفرنج القراصنة، شن العمودي سنة 938هـ (1531م) غارة على بلدة (تبالة) بالشحر، وكان تجار الشحر يخزنون بها أموالهم خيفة مهاجمة البرتغاليين الشحر وعدم قدرة أبي طويرق على الدفاع عنهم وعن أموالهم، ونهب العمودي تلك الأموال. ثم استولى على وادي دوعن (الأيمن) ثم على وادي دوعن (الأيسر) وكانا تابعين لأبي طويرق.
وكان رد الفعل من قِبَل أبي طويرق أن هاجم مدينة آل العمودي المقدسة (قيدون)، التي بها قبر الشيخ سعيد بن عيسى العمودي، ونهبها وهدَّم خزان المياه الذي بها وأذاق جند أهلها صنوفًا من التعذيب والعسف. وتحت إغراء المال انحاز رئيس جند العمودي إلى أبي طويرق. وقد حاول أبو طويرق أن يحيل (قيدون) إلى قرية صغيرة حيث أنه أمر تجارها وأعيانها بالانتقال إلى المدن المجاورة. وفي سنة 949هـ (1542م) هاجم أبو طويرق مدينة (بُضة) مقر السلطة العمودية، ولكنه لم يستطع التغلب عليها.
وفي سنة 955هـ (1548م) حاصر أبو طويرق (بُضة) للمرة الثانية بجيش تحت قيادة الأمير يوسف التركي والأمير علي بن <100> عمر الكثيري. وأخذ الكثيريون يرمون (بُضة) بالمدافع.. لكن هذا الحصار انحصر عن (بُضة) بسبب انتفاضات قامت ضد أبي طويرق في مناطق أخرى من سلطنته الحضرمية. وبمساندة القبيلة النهدية هاجم العمودي (شبوة) التي كانت من أملاك أبي طويرق وقد حاول الأمير علي بن عمر الكثيري - عامل بدر في شبوة - فك الحصار فلم يفلح، فدخل جنود العمودي شبوة ونهبوا ما كان بها من أموال.
وفي سنة 956هـ (1549م) عقد السلطان بدر صلحًا مع العمودي بعد أن باءت بالفشل محاولاته للقضاء على سلطة العمودي. وقد دام هذا الصلح إلى أن ألقى ابناء أبي طويرق القبض على أبيهم والزج به في السجن.
وفي أجواء سنة 1014هـ (1605م) شبت الفتنة من جديد بين آل كثير وآل العمودي. وظل آل العمودي موالين لأئمة اليمن مدة حكمهم السياسي في دوعن، ففي سنة 1070هـ (1659م) عقد الإمام في صنعاء ولاية رسمية للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن العمودي، بناء على طلب الأخير.
ولما غزا الزيود حضرموت في العام نفسه، بقيادة الصفي أحمد بن حسن الحيمي، في عهد الإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم، قدّمَ الشيخ عبدالله العمودي، بوساطة ابنه محمد، المواد الغذائية ووسائل النقل من جِمال وحمير للجيش الزيدي الزاحف على آل كثير.
ودارت الأيام دورتها، وقد توسعت شُقة الخلاف بين رؤساء آل العمودي في أواخر القرن الثاني عشر الهجري (1784م).
وقد أدى هذا التناحر فيما بينهم إلى لجوء بعضهم إلى الكسادي <101> أمير المكلا مستنصرًا به على منافسيه من ابناء عمومته، فأرسل الكسادي سنة 1286هـ (1869م) جنودًا بقيادة مَجْحِمْ بن علي الكسادي فاستولى على أكثر وادي دوعن الأيمن.
لكن آل العمودي، بعد أن تضايقوا من تصرفات جنود الكسادي عادوا فتضامنوا للتخلص من هذا الاحتلال ودارت بينهم وبين الكسادي معارك انتهت بجلاء الكسادي عن دوعن.
والممتع في الأمر أن آل كثير أعداء العمودي القدامى وقفوا إلى جانبهم ضد الكسادي اليافعي، نصيرهم بالأمس، كما وقف إلى جانبهم خصم جديد للكسادي هو القعيطي اليافعي.. والأيام تلد العجائب!!
لكن التطاحن بين آل العمودي ظل مشتعلًا، وقد اكتوى به سكان الوادي العُزل من السلاح فالتجأوا إلى القعيطي وطالبوه بإنقاذهم.
فاستقدم القعيطي إلى المكلا الشيخ عبد الرحمن بن علي بن عبد الكريم العمودي أحد رؤساء آل مطهر، وإتفق معه على أن تكون السلطة القعيطية هي المسئولة الأولى في منطقته عن الأمن وقرر له مرتبًا شهريًّا على أن ينحصر نفوذ العمودي في داخل منطقته. فكان ذلك بداية التدخل القعيطي وبداية النهاية لحكم آل العمودي.
لكن الشيخ عبد الرحمن ظل مرهقًا الرعايا بالضرائب الفادحة لإشباع حاجته إلى المال الذي يقدمه وقودًا للفتن والدسائس ضد الرؤساء والآخرين من آل العمودي.
فاضطر القعيطي إلى حرب الشيخ عبد الرحمن، ففر العمودي إلى جهة الوديان الغربية (القِبلَة) حيث جمع عسكرًا من البادية <102> وهاجم بلدة الخريبة واستولى عليها وأكثرَ من النهب والسلب في الوادي.
فهاجمه القعيطي مرة أخرى، مستعينًا بقبائل الوادي، وانتهى الأمر بهزيمة العمودي سنة 1317هـ (1899م). واحتل القعيطي الخريبة والقرى التي كانت تحت نفوذ (ابن عبد الكريم العمودي).
واسند القعيطي حكم وادي دوعن (أيمنه وأيسره) إلى المقدم عمر بن أحمد باصرة الخامعي السّيباني الذي قَدّمَ للجيش القعيطي مساعدة فعالة في حربه ضد العمودي.


],gm Ng hgul,]d lk ;jhf hglojwv td jhvdo pqvl,j jHgdt : lpl] uf] hgrh]v fhl'vt