هل هناك مؤامرة لاستنساخ «توت عنخ آمون» عن طريق الحامض النووي؟
أحمد عثمان
صحيفة الشرق الاوسط
ثارت شائعات في مصر تقول ان اسرائيل تحاول نسبة الملك توت عنخ آمون الى الجنس اليهودي، وان جامعة واسيدا اليابانية تآمرت معها للحصول على عينة جينية من مومياء الملك الفرعوني، لاستنساخ توت عنخ آمون آخر يحمل الجنسية الاسرائيلية. ومع تعودنا على صدور مثل هذه الشائعات عادة عن بعض العامة او عن طريق الانترنت، فإن مصدر هذه الشائعة هذه المرة هو رجال الآثار المصريون انفسهم.
فقد تقدمت بعثة من جامعة واسيدا اليابانية بعرض لتحليل الحامض النووي لمومياء توت عنخ آمون، بهدف تحديد نسب الملك وهل هو اخو اخناتون ام ابنه. وتحمس الدكتور جاب الله علي جاب الله الامين العام للمجلس الاعلى للآثار بمصر، لطلب البعثة، نظرا لما يمكن ان يؤدي اليه استخدام المعارف العلمية ووسائل التكنولوجيا الحديثة من كشف المزيد من الحقائق التاريخية. والمعروف ان توت عنخ آمون هو الذي خلف اخناتون على العرش، بعدما تزوج من ابنته سنبا آمون. واصطحب الدكتور جاب الله ممثلي البعثة الى مدينة الاقصر، لتصوير مومياء توت عنخ آمون، التي لا تزال محفوظة في مقبرته بوادي الملوك. وبعد موافقة اللجنة العليا للآثار في اجتماعها منذ ثلاثة اشهر، على تحليل البعثة العلمية اليابانية الحامض النووي، قررت جامعة واسيدا ارسال بعثة الى مصر بقيادة الدكتور يوشي مورا (تزوج من مصرية) وحدد موعد 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لوصول افراد البعثة والاجهزة العلمية الى مدينة الاقصر بالصعيد. الا ان البعثة اليابانية لم تتمكن من فحص مومياء توت عنخ آمون كما كان مقررا، بسبب خلاف نشب بين المسؤولين الاثريين في مصر. وكانت صفحة «آثار ومقتنيات» هي اول من كشف عن ان نشوب الخلاف بين الدكتور جاب الله والدكتور زاهي حواس وكيل وزارة الثقافة المصرية المسؤول عن آثار الجيزة، كان وراء الغاء التصريح الذي حصلت عليه البعثة اليابانية من اللجنة العليا للآثار. فقد اعترض الدكتور حواس على عمل البعثة اليابانية، ورفض اجراء فحص الحامض النووي على مومياء توت عنخ آمون. وفي تصريح اذاعته وكالة انباء اسوشيتيدبرس للانباء نقلا عن جريدة «أخبار اليوم» قال حواس «رفضت في الماضي السماح للبعثات الاجنبية اجراء هذه الفحوص على عظام بناة الاهرام، لأن هناك بعض الناس يحاولون العبث بالتاريخ المصري» وهكذا ظهرت شائعة استنساخ توت عنخ آمون، لتبرير الغاء عمل البعثة اليابانية رغم حصولها على تأييد الدكتور جاب الله وموافقة اللجنة العليا للآثار.
من هو أبوه؟
كان الهدف من الفحص عن طريق الحامض النووي كما حددته البعثة اليابانية في طلبها، اثبات نسب توت عنخ آمون ومعرفة ابوته وهل كان ابنا لأمنحتب الثالث ام لاخناتون وكلاهما من ملوك الاسرة 18 عاشا منذ حوالي 3 آلاف و400 سنة. فعند اكتشاف مقبرته كان الباحثون يعتقدون ان الملك الشاب لم يكن ينتمي الى العائلة المالكة، وانما كان واحدا من النبلاء تزوج من عنخ سنبا آمون ـ ابنة اخناتون ـ للحصول على الحق في الجلوس على العرش. وليس هناك نص مكتوب في المقبرة ذاتها يذكر اسماء عائلة الملك، وان امكن العثور على اسماء عدد من الملوك الذين سبقوه في الحكم من تحتمس الثالث وأمنحتب الثالث. ومن الواضح ان اولئك الذين اطلقوا شائعة الاستنساخ، تعمدوا تجاهل طبيعة عمل البعثة اليابانية، اذ كان من المقرر ان تؤخذ عينة صغيرة الحجم من مومياء توت عنخ آمون من المقبرة الى معامل جامعة عين شمس بالقاهرة لكي يصار الى فحصها. كما تقرر ان يساهم مع بعثة جامعة واسيدا اليابانية خمسة من كبار العلماء المصريين بجامعة عين شمس في اجراء الفحوص. ومن المؤكد ان عينة المومياء الملكية وكذلك الاجهزة التي كان من المقرر ان تستخدم في فحصها، كانت ستبقى جميعها في جامعة عين شمس ولن تنقل الى خارج الاراضي المصرية. وقد شرح الدكتور جاب الله هذه الاجراءات، قائلا «ما حدث ان جامعة واسيدا عرضت امدادنا بأحدث الاجهزة العلمية لتحليل الحامض النووي لتوت عنخ آمون. وكان سيشارك هذه البعثة فريق عمل مكون من اساتذة الطب والعلوم بجامعة عين شمس يضم الدكتور محمد عوض تاج الدين عميد كلية الطب السابق والدكتور حامد شتلة عميد كلية الطب الحالي والدكتورة كريمان عبد الفتاح استاذة التشريح والدكتور محمد فريد استاذ الكيمياء الحيوية والدكتور عادل المسيري رئيس مركز البحوث الطبية، وكانت البعثة (اليابانية) ستهدينا الاجهزة والمعامل المعدة بعد انتهاء المهمة، وبها يمكن تدريب ابنائنا في مصر. ونحن نعمل في دراسة الاسرة 18 ونسب توت عنخ آمون غير مؤكد بالنسبة لاخناتون، وما اذا كان ابنه ام اخاه.. ونحن نستعين بالعلم لكي نؤكد حقائق او جزءا من حقائق نعلمها عن التاريخ المصري، بدلا من الاعتماد على الشواهد والتكهنات.. والعينة التي كانت ستؤخذ في حجم رأس الدبوس او بالتحديد 2 ملم * 2 ملم» (روزاليوسف 2/24).
لقد نسي اصحاب الشائعة ان عينة من مومياء توت عنخ آمون، خرجت قبل ذلك بالفعل الى الولايات المتحدة وما زالت موجودة هناك حتى الآن، ولم يحاول الاميركيون استنساخه ليصبح يهوديا. فقبل حوالي خمس سنوات استخرج فريق من جامعة بريجهام يونج الاميركية بقيادة البروفيسور سكوت وورواد حامض الـ «دي إن إيه» من المومياوات الملكية المصرية، من بينها مومياء توت عنخ آمون. وكان هدف البعثة التعرف على شجرة العائلة لملوك الاسرة الثامنة عشرة. كذلك لم يذكر مروجو الشائعات كيفية نسب توت عنخ آمون الى اليهود، بينما يتطلب هذا الاجراء مقارنة جيناته مع جينات لاشخاص من اليهود معاصرين له. ولما كان الملك المصري قد عاش منذ حوالي 33 قرنا من الزمان (800 سنة قبل ظهور اليهود) اصبحت هذه المقارنة مستحيلة، اذ يتطلب التعرف على النسب عن طريق الحامض النووي، المقارنة بين نتائج فحص عينات من شخصين مختلفين فعندما تتشابه عناصر الحامض النووي لشخص مع شخص آخر، يمكن استنتاج وجود علاقة نسب سلالي او عائلي بينها، وهذا الفحص العلمي هو ما تجريه الآن سلطات الامن في البلدان المتقدمة لاثبات النسب.
وفي حالة توت عنخ آمون، لم يعثر رجال الآثار حتى الآن على مومياء اخناتون، وعليه لا يمكن مقارنة الحامض النووي بها مع مومياء توت. الا ان البعثة اليابانية كانت تنوي مقارنتها مع مومياء امنحتب الثالث والد اخناتون، الموجودة الآن في المتحف المصري بالقاهرة. والسؤال الذي لم يجب عليه مروجو الشائعات، هو كيف يمكن اثبات نسب الملك توت عنخ آمون الى بني اسرائيل، اذا لم يكن لدينا اي بقايا جسدية لأي واحد منهم؟ فلم يعلن رجال الآثار عثورهم على اي مومياوات او عظام قديمة ـ سواء في مصر او في غيرها ـ تنتمي الى بني اسرائيل الذين كانوا في مصر.
جينات اليهود وقد اجرى بعض العلماء الاميركيين في العام الماضي، فحصا للحامض النووي لبعض الافراد من يهود العصر الحالي في محاولة للتعرف على اصلهم السلالي. واراد هؤلاء العلماء معرفة مدى التشابه بين يهود العصر الحاضر، ونوع الكروموسوم الذكري الذي كان لاجدادهم الذين خرجوا من الشرق الاوسط في الازمنة القديمة، بعدما اظهرت بعض الدراسات الجينية وجود اختلاط بين اليهود والشعوب التي عاشوا بينها في المهجر. واستخدم علماء الابحاث الجينية عينات حصلوا عليها من سبعة تجمعات يهودية مختلفة، وقارنوا بينها وبين عينات اخرى لست عشرة مجموعة من الشعوب التي تعيش مع هؤلاء اليهود، من بينها الاقوام العربية.
وللعلم حتى القرن العاشر الميلادي كان معظم يهود العالم يسكنون البلدان الاسلامية، خاصة العراق والاندلس، وفجأة ظهرت في القرن الحادي عشر شعوب يهودية في شرق اوروبا والمانيا، تفوق عدديا اليهود الشرقيين. واحتار الباحثون في اصل هذه الشعوب وقيل انهم يمثلون قبائل بني اسرائيل الضائعة. الا ان خطابا وجد في جنيزة الكنيس اليهودي في القاهرة، اوضح ان يهود اوروبا هم من الخزر الآريين ولا ينتمون سلاليا الى بني اسرائيل الساميين، فالمعروف ان اليهود الاوائل ينتمون الى احد اسباط يعقوب، وينسبون انفسهم الى اصل عبراني سامي، نسبة الى عابر بن سام بن نوح عن طريق ابراهيم. وعلى هذا الاساس ـ وبالرغم من تغير الطبيعة السلالية لليهود الذين سكنوا فلسطين عند انتهاء مرحلة السبي البابلي ـ فإن اليهود في غالبيتهم حتى القرن الثامن للميلاد، كانوا يعتبرون من سلالة سامية وهم الذين يمثلون جماعات السفارديم.
الا ان حدثا مهما وقع في القرن الثامن الميلادي في بلاد القوقاز بأواسط آسيا أدى الى تغيير كامل لهذا الوضع، حين اصبحت الغالبية العظمى من يهود العالم الموجودين في عصرنا الحديث، من غير الساميين ولا هم ينتمون الى ابراهيم او الى بني اسرائيل.
حدث هذا عندما اعلن «بولان» خاقان الخزر اعتناقه للديانة اليهودية، وفي عهد خليفة بولان اعتنق شعب الخزر في غالبيته الديانة اليهودية. والخزر، او اتراك الشرق كما تسميهم المصادر العربية القديمة، يمثلون تحالفا من الشعوب من الرحل، الذين قدموا من شرق واواسط آسيا وسيطروا على ارض شمال القوقاز في جنوب روسيا، الواقعة شمال اذربيجان وارمينيا، بين الجانب الغربي لبحر قزوين والحدود الاوروبية لروسيا. واستطاع الخزر تأسيس مملكة مهمة استمرت ثلاثة قرون من الزمان الى ان قضى عليها هجوم الروس الشماليين، عند نهاية القرن العاشر للميلاد. وعندما سقطت دولتهم انتشر الخزر شمالا وغربا في اوكرانيا وفي مناطق عديدة من روسيا، كذلك في المجر وليتوانيا وبولندا بشرق اوروبا. ثم ظهرت كلمة اشكناز لتدل على اول منطقة يستقر بها اليهود بكثافة في شمال غرب اوروبا اولا على ضفاف نهر الراين، وظهرت منطقة اوروبا الشرقية في ما بين القرنين الرابع عشر والتاسع عشر كموطن لغالبية يهود العالم.
وفي البداية تحاشى اليهود السفارديم الاختلاط مع الاشكناز الذين اعتبروهم من الاجانب، الا ان عدد الاشكناز ونفوذهم اصبحا ـ مع مرور الزمن ـ اكبر بكثير من عدد السفارديم ونفوذهم، وعلى هذا فإن اليهود الاشكناز ـ الذين يمثلون الآن غالبية يهود العالم ـ ليسوا ساميين ولا هم ينتمون الى بني اسرائيل ولا الى ابراهيم.
ويتضح من التقرير الذي نشره علماء الجينات الاميركيون ان اليهود الاشكناز لا ينتمون الى الاجناس التي تعيش في الشرق الاوسط، ذلك ان العينات التي فحصها العلماء جاءت من سبع مجموعات يهودية من وسط اوروبا، روما وشمال افريقيا، وكردستان والشرق الادنى واليمن واثيوبيا. وبينما يمثل الاشكناز الغالبية العظمى لليهود الحاليين، فإن المجموعات الست التي اتفقت جينات ابنائها مع الجينات العربية تنتمي كلها الى اليهود الشرقيين والسفارديم ولم تتفق جينات الاشكناز الا مع جينات بعض سكان مناطق شمال سورية، التي وقعت تحت التأثير السلالي لشعوب آسيا الصغرى منذ عهد الحيثيين في القرن 14 قبل الميلاد وإلى العصر العثماني الحديث.
صحيفة الشرق الاوسط - 2001
مواقع النشر (المفضلة)