رؤية جديدة لنسب الفاطميين
من خلال الصراع الأموى الفاطمى
فى المغرب والأندلس
بقلم : الأستاذ الدكتور محمد زغروت (والد مؤسس الموقع)
أستاذ التاريخ المغاربي - دار العلوم جامعة القاهرة
اتسعت دوائر الصراع بين الخليفة الناصر الأموى فى الأندلس والخلفاء الفاطميين فى الشمال الافريقى بعد قيام دولة الفاطميين فى تونس إبان القرن الرابع الهجرى , العاشر الميلادى . وقد اشتدت حدة هذا الصراع على وجه الخصوص بين الخليفة المعز لدين الله الفاطمى والناصر الأموى .
ولا سيما بعد تلقب الخليفة الأخر بلقب الخلافة فى الأندلس , وقد تعددت مظاهر الصراعات فشملت النواحى السياسية على صعيد الحكم والحكام فى المنطقتين وكذلك النواحى السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والمذهبية واتسعت أنشطت هذه الصراعات فعمت المسلمين فى بر العدوتين المغرب والأندلس وسوف أقصر الحديث هنا على أحد الأسلحة التى أستخدمها الناصر الأموى وأهل السنة والجماعة ضد الفاطميين الشيعة وأقصد بذلك الحديث الطعن فى نسب الفاطميين .
وهذه أحدى القضايا التى شغلت حيزا كبيرا من تاريخ الصراع الفاطمى الأموى فى العالم الإسلامى مغربه ومشرقه , وخاض فيها المؤرخون القدامى والمحدثون ما بين مؤيد وطاعن ,
وقد ساعد هذا بطبيعة الحال على ازدياد حدة الصراع حيث استغله الخليفة الناصر سلاحا من أمضى الأسلحة ضد الفاطميين وردده السنيون فى كل مكان فى العالم الإسلامى .
وقد لعب أعداء الإسلام وأصحاب الميول والاتجاهات السياسية والمذهبية المساندة والمعادية لأى من الطرفين دورا بارزا فى هذه القضية لإيقاع الشقاق والخلاف فى صفوف المسلمين , متخذين من هذه الخلافات فرصة سانحة لبث سمومهم واتجاهاتهم المضللة ونتج عن ذلك جدل عقيم حول نسب الفاطميين , فالبعض يسلمون بصحة انتسابهم إلى على بن أبى طالب وذريته , بينما البعض الأخر ينكرون عليهم هذه النسبة ويرجعونهم إلى أصل يهودى أو مجوسى , واضطربت الآراء حول هذا النسب اضطرابا كبيرا .
ولذا كانت هذه القضية قد أثيرت على هذا النحو المضطرب , فمن الملاحظ أنها نالت فى عهد المعز حظا أكبر من الإثارة , ولعل مبرر ذلك يعود فى المقام الأول إلى عظمة ذلك الرجل والذى يعد أقوى خلفاء الفاطميين والمدعم الحقيقى لكيان دولتهم , فإن انتصاراته العديدة سياسيا وعسكريا على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية , ومد نفوذه إلى العديد من الأقطار الإسلامية جعل أعداءه من العباسيين فى المشرق والأمويين فى الأندلس يطعنون فى نسبة وعقيدته .
فلم يتورع هذان الخصمان من القدح فى نسبه وإشاعة ذلك على الملأ من المسلمين لذا نراه فى أغلب مجالسه يحاول دفع هذه التهمة ويرد عليها ويقدح فى انساب بنى أمية(1) ويصفهم هم والعباسيين بأخس الصفات .
وقد ظل الطعن فى نسب الفاطميين مثار استفزاز لهم حتى بعد رحيلهم إلى المشرق واجهه المعز ثم ابنه العزيز من بعده , فقد ذكر ابن خلكان أن الحكم المستنصر بن الخليفة عبد الرحمن الناصر الاموى " تلقى من " العزيز الفاطمى " بمصر كتابا يسبه فيه ويهجوه , فكتب إليه " الحكم المستنصر " قد عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك لأجبناك " (2) ثم بعد مرور قرن على قيام الدولة الفاطمية فى المغرب وفى عام 402هـ يصدر الخليفة " القادر " العباسى محضر طعن فى انساب الفاطميين وإن كان هذا المحضر قد جاء متأخرا بعد موت الناصر الاموى إلا أنه كان صدى لجهوده التى بذلها فى هذا الصدد .
ولعله من المفيد أن نقف وقفة متأنية مع تلك القضية المعقدة التى شغلت أذهان المؤرخين قرابة ثلاثة قرون , نصنف فيها آراء المثبتين لنسب الفاطميين , وكذلك آراء الطاعنين فيه , ثم نخلص إلى رأى لعله يكون مقنعا ومعينا لنا على تفهم بعض جوانب الصراع الذى إبان تلك الحقبة .
مواقع النشر (المفضلة)