من أخبار عدوان في العصر الجاهلي

بقلم نواف العدواني

أخبار عدوان في العصر الجاهلي


الإفاضة من المزدلفة الى منى في عدوان:
أول من دفع بالحج في الجاهلية عامر بن الظرب العدواني، فقد أورد السجستاني في المعمرون والوصايا: (( وكان من حديث عامر بن الظرب أيضا، أنه كان يدفع بالناس في الحج، وذلك أنه كان هو وقومه طلبوا أن يجيزوا من ورد عليهم من تلقاء محلتهم ببطن وج، وكان طريق أهل السراة، وهم أزد شنوءة، فدخلوا على صوفة ، فكانوا يجيزون عدوان يوما، وصوفة يوما، وكان الذي يتولى إجازة الحج من عدوان أبو سيارة العدواني، فقال:
ياربـة الـعير رديـه لمرتعـه لا تظعني فتهيجي الناس بالظعن
أضحت أيادي بني عمرو مجللة تـمت بلا كدر فيها ولا منن
ثواب مـا قد أتوه عنـدنا لهم الشكر منا لما اسدوا من الحسن))

وبنو عمرو هم فهم وعدوان، وكانت الإجازة في بني زيد من عدوان يتوارثون ذلك حتى جاء الإسلام وفي ذلك يقول ذو الإصبع العدواني:
ومنهـم مـن يجـيز الـنا س بالسـنة والفــرض
والإجازة بمعنى أن يتقدم العرب فيأذن لهم بالإفاضة من منى إلى المزدلفة في موسم الحج، وقد كان من شأن العرب إذا جاء الحج اجتمعوا في منى فتقدمهم أحد بني زيد من عدوان ثم خطب فيهم قائلا: اللهم اصلح نساءنا، وعاد بين رعائنا، واجعل المال في سمحائنا، أوفوا بعهدكم، وأكرموا جاركم، وأقروا ضيفكم ثم يقول أشرق ثبير كيما نغير، وكانت هذه إجازته، ثم ينفر إلى المزدلفة فيتبعه الناس. وثبير جبل بمكة وكيما نغير أي نسرع في النحر .

فلما تولى قصي بن كلاب أمر البيت الحرام وخدمة الحجاج بعد خزاعة، وقد أطاعته قريش وأتـمرت بأمره فكانت الحجابة والسقاية والرفادة والندوه واللواء له، إلا أنه أقر للعرب ماكانوا عليه وذلك لأنه يـراه دينا في نفسه لاينبغي تغييره، فأقر آل صفوان وعدوان والنساة ومره بن عوف على ماكانوا عليه .

عدوان من قبائل الحُمْس:
قديماً قالوا قبائل العرب ثلاثة وهم:قبائل الحُمْس وقبائل الحلة وقبائل الطلس.

وتضم قبائل الحُمْس: قريشا، وكنانة، وما ولدت الهون بن خزيمة، والغوث، وثقيفا، وعدوان، وخزاعة، وبني ربيعة بن عامر بن صعصعة من قبل الولادة.

قال مجاهد: (( الحُمْس قريش وبنو عامر بن صعصعة وثقيف وخزاعة ومدلج وعدوان والحارث بن عبدمناة وعضل وأتباع قريش، وسائر العرب حله)).
والحُمْس ليس حلفا إنما دين إبتدعته قريش، فقالوا: نحن بنو إبراهيم وأهل الحُرمة وولاة البيت وقطان مكة وساكنُها، فليس من العرب مثل حقنا، ولا مثل منـزلتنا، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف عنا، فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظّمون الحرم، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحُرمتكم، فتركوا الوقوف بعرفة والإفاضة، ثم زادوا عليه أن لا يدخلوا بيتا من شعر ولا يأتقطوا الإقط، ولا يطبخون السمن وهم حُرُم، ثم زادو أن لا ينبغي لغيرهم من أهل الحل من الحجاج أن يأكلوا طعاما جاءوا به، ولا يطوفوا بالبيت إلا في ثياب الحُمْس، فإن لم يجدوا طافوا عراة، وإن طاف بثيابه فعليه أن يلقيها بعد طوافه.

والحُمْس هم أهل الحرم، ومن ولدوا من العرب من ساكن الحل والحرم، وسبب تسميتهم بالحُمْس فيه أقوال: فمنهم من قال: (( نسبة إلى الكعبة لأنها حمساء حجرها أبيض يضرب إلى السواد ))، وقيل:(( الحماسة هي الشجاعة ))، وقيل أيضا: (( الأحمس المتشدد في دينه )). وقد أقرت العرب ماكان للحُمْس، ولما جاء الإسلام ألغى ذلك . واللاتي أدخلن عدوان في الحُمْس هن: هند بنت عبدالله بن الحارث بن وائلة بن ظرب العدواني جدة الرسول صلى الله عليه وسلم الخامسة من أبيه عبدالله بن عبدالمطلب، وعاتكة بنت عامر بن الظرب العدواني جدة الرسول صلى الله عليه وسلم السابعة من أبيه، وعاتكة بنت عدوان جدة الرسول صلى الله عليه وسلم الحادية عشر وهي أم مالك بن النضر بن كنانة .
قتال معد بن عدنان لليمن:
وقعت بين معد واليمن ثلاثة وقائع، أما الوقعة الأولى فهي يوم البيداء تزعم معدا عامر بن الظرب العدواني حينما تمذحت مذحج وسارت إلى تهامة، وقال فيها ابن الظرب:
أبـونا مـالك والصلب زيد معـد ابنـه خـير البنينا
أتاهم من ذوي شـمران آت فظلت حولها امـد السنينا
فيا عـوف بن بيت يا لعوف وهل عوف لتصبح موعدينا
فـلا تعصوا معدا إن فيـها بـلاد الله و البيت الكمينا

والثانية يوم السلان قاد معدا فيها ربيعة بن الحارث، والثالثة يوم خزازي قادها وائل بن ربيعة.

قتال نزار بن معد لقضاعة وإجلاؤها:
اختلفت نزار مع قضاعة، فاجتمعت نزار وعليهم عامر بن الظرب العدواني وأعانتهم كندة، واجتمعت قضاعة وأعانتهم عك والأشعرون ، فاقتتل الفريقان فانهزمت قضاعة وأُجلوا عن منازلهم منجدين، فقال عامر بن الظرب:
قضاعـة أجلينا من الغور كلـه إلى فلجات الشام تُـزجى المواشيا
لعمري لئن صارت شطيرا ديارها لقد تـأصِرُ الأرحامُ من كان نائيا
و ما عـن تقالٍ كان إخراجُنا لهم و لكن عُقوقاً منهـم كان بـاديا
بمـا قـدّم النّهـديُّ لا در درُّهُ غداة تـمنّى بالحِـرارِ الأمـانيا

جُديلة قيس تجلي أياد:
أجلت جديلة قيس ايادا، وأخرجتها من الطائف، وسبب ذلك أن خرج رجلان من أياد ومن مضر يتصيدان، فأخطأ سهم الإيادي فأصاب المضري فقتله، فبلغ الخبر مضر، فاجتمعت فقالوا إنما أخطأه فأبت فهم وعدوان إلا قتله فتناوش الناس، فقالت لهم اياد اجلوا لنا ثلاثا فإنا لانساكنكم بأرضكم فاجلوهم ثلاثا فساروا قبل المشرق. فلحقت بهم فهم وعدوان وأدركوهم بعد مسيرة يوم فقالوا: ردوا علينا نساء مضر المتزوجات فيكم فقالوا: لاتقطعوا قرابتنا اعرضوا على النساء فأية امرأة اختارت قومها رددتموها وإن أحبت الذهاب مع زوجها اعرضتم لنا عنها فقالوا: نعم . ويقال إن إمرأة من خزاعة إختارت الرجوع إلى أهلها، فلما رجعت إليهم أخبرت قومها سراً عن المكان الذي أخفت فيه اياد مفتاح الكعبة، وأخفته عن عدوان. ولذلك يقول الشاعر الخزاعي:

أخذت الحج من عدوان غصبا ولو ادركت صوفه لاشتفيت

قتال قيس وخندف:
وكانت بينهم عدة وقعات، أقدمها قد حدث عندما ثارت قيس لمقتل غزّية بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن.
وكان غزيّة بن جشم الهوازني جليساً لربيعة بن حنظلة التميمي، فشربا حتى ثملا، فقتل ربيعة غزيةّ، فطلبت قيس من خندف الدية، فامتنعت خِندِف، فاقتتل الفريقان فهُزِمت قيس فكان ذلك سبباً في تفرق مضر، فقال فراس بن غنم الكناني:
أقمنا على قـيس عشيّة بارق ببيض حديثات الصّقال بواتِكِ
ضربناهم حـتى تولوا وخُليت منازلُ حِيزت يـوم ذاك لمالكِ

ثم التقت قيس وخندف في حرب الفجار الأولى، ثم الفجار الثانية وهو يوم نخلة، وكان بعد عام الفيل بعشرين سنة، وسمي الفجار لما استحلت قيس وكنانه من المحارم.

وسببها أن النعمان بن منذر أراد أن يبعث بضاعة إلى عكاظ ليبيعها، فأجازها لعروة بن عتبة القيسي المعروف بالرحال لكثرة تجواله بين الملوك، ومنعها عن البراض بن قيس الكناني، وكان رجلاً كثير شر وخلاعة، فغضب وكاد للرحال فقتله.

وعندما وصل الخبر حرب بن أمية اجتمع بسادة قريش ممن كانوا في عكاظ وتشاوروا، فاتفقوا على أن يأتوا عامر بن مالك أحد سادة قيس فيقولوا له: انه كان قد حدث بين نجد وتهامة، وأنه لم يأتنا علمه فأجز بين الناس حتى نعلم وتعلم، فقام نفر من قريش وقالوا: يا أهل عكاظ أنه قد حدث في قومنا بمكة حدث أتانا خبره ونخشى إن تخلفنا عنهم أن يتفاقم الشر فلا يروعنكم تحملنا.
ثـم ركبوا متوجهين إلى مكة. فلما علم عامـر بن مـالك ملاعب الأسنة سيد قيس غضب وقال: غدرت قريش، وخدعني حرب بن أمية، والله لاتنـزل كنانة عكاظ أبدا، فذهب في طلبهم وتلاقى القوم فاقتتلوا حتى دخلت قريش الحرم. فقالت قيس: يامعشر قريش إنا لانترك دم عروة وميعادنا عكاظ في العام المقبل وانصرفوا.

ثم اجتمعت قبائل قيس من بني عامر، وبني نصر، وسعد، وثقيف، وغطفان، وسليم، وفهم، وعدوان. وخرجت قريش، وكنانة، وبطونهم من بني هاشم، ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعمامه، وبني أمية، وبني عبدالدار، وأسد، ومخزوم، وتميم، وجمح، وبني سهم، وبني عامر، وبني فهر، والأحابيش، وبني بكر، وبني فراس. فتلاقوا عند عكاظ، واقتتل الناس قتلا شديدا فكان النصر أول النهار لقيس وانهزم كثير من كنانة وقريش، فلما انتصف النهار كان الظفر لقريش وكنانة، وقتل من قيس الكثير حتى قال أبو السيد النصري: يامعشر كنانة أسرفتم في القتل، فرد عليه ابن جدعان قائلاً: إنّا معشر يسرف. فقام سبيع بن ربيع وكان على بني نصر وسعد وثقيف وعقل نفسه واضطجع وقال: يامعشر بني نصر قاتلوا عني أو ذروا، فعطفت عليه بنو نصر وجشم وسعد وفهم وعدوان وانهزم باقي قبائل قيس. فقاتل هؤلاء أشد قتال رآه الناس، ثم أنهم تداعوا للصلح فاصطلحوا وانتهت الحرب بينهم وتعاهدوا على أن لايؤذي بعضهم بعضا .
وقد شهدت عكاظ أربعة وقائع بين قيس وخندف، في أربع سنين متوالية.

فالأول يوم شمظة وكان النصر فيه لقيس، قال خداش بن زهير العامري:
فأبلـغ إن مـررت به هشامـا وعبـدالله أبلـغ والوليـدا
بأنّا يـوم شمظـة قـد أقـمنا عـمود الـدين إن له عمودا

والثاني يوم العبلاء وكان أيضا لقيس، وفيه يقول خداش بن زهير:
ألـم يبـلغكم أنَّـا جدعنـا لدى العبْـلاء خِنْـدف بالقـياد
ضربناهم ببطن عُكـاظ حتى تولوا ضـالـعـين من النـجاد

والثالث يوم شرب وكان أعظمها وصارت الدائرة على قيس، وفيه يقول أمية الكناني:
ألا سـائل هـوازن يوم لاقوا فـوارس مـن كنانـة معلمينا
لدى شرب وقد جاشوا وجشنا فأوعب في النفـير بنـو أبيـنا

والرابع يوم الحريرة وكان لقيس، قال شاعرها مفتخراً:
وقـد بلـوكم فأبلوكم بلاءهم يـوم الحـريرة ضربا غير تكذيب

قتال قيس وخزاعة:
أرادت عدوان أن تتولى أمر البيت ( الكعبة) وتنتزعه من خزاعة، فسارت جموع قيس وعليهم عامر بن الظرب العدواني لقتال خزاعة فاقتتلوا وهزمت قيس، ثم أغارت قيس عليهم وأوقعت ببطن يقال لهم بنو العنقاء وبني ضاطر وقتلت منهم رجالا، فقال نصر ابن الأحت العدواني:
تركنا بها عوفا وعيدا وأقرما وغبشان سُؤرا للنسور القشاعم

وقال حليل بن حبشية الخزاعي:
نحن بنو عمرو ولاة المشعر نذب بالمعروف أهل المنكر
حسا ولسنا بهذا المحصر

فقال نصر العدواني يرد عليه:
إن الخنا منكم وقول المنكر جئناكم بالزحف في المنسور
بكل ماض في اللقاء مسعر

واستمرت الحرب سجالاً بينهم حتى تولت قريش أمر البيت بعد خزاعة.

قتال جديلة قيس لكلب:
حالفت عدوان وفهم رهطاً من كلب القضاعية، فأخفرتها وقاتلتها، وفي ذلك قال تأبط شرا الفهمي:
لقد أطلقت كلب إليكم عهودكم ولستم إلـى سلمى بأفقر من كلب
وهم أسلموكم يـوم نغف مُرامِرٍ وقد شمّرت عن ساقها جمرة الحرب
بصرتُ بنار شِـمتُها حين أوقدت تلوحُ لنا بعد الـرُّتيلةِ فالـهضبِِ

و مُرامِر في ديار كلب . وفي ذلك يقول شاعرهم:
يامـرّة بن عـامر يـا مُـرّة كـل قتـيل وابـشي عـرّة
يعني وابش بن زيد بن عدوان.

غزو جديلة قيس لخثعم:
غزت عدوان وفهم على خثعم بعد أن دلهم حاجز بن عوف الأزدي على منازل قبيلة خثعم، فهجموا عليهم في حين غفلة فأصابوهم وغنموا منهم ما شاؤوا. فلما علمت خثعم أمر حاجز توعدته بالقتل، فأنشد حاجز قائلاً:
وإني من إرعادكم وبروقكـم وإيعـادكم بالقتل صم مسامعي
وإني دليل غير مخـف دلالـتي على ألف بيت جدهم غير خاشع

غزو جديلة قيس لهذيل:
هجم السمع بن جابر الفهمي برجال من عدوان وفهم على بيت من عتـير من هذيل كثير المال ثأراً لمقتل أخيه عمرو بن جابر فلم يفلت منه أحد، فأنشد قائلاً:
بأعلى ذى جماجم أهل دارٍ إذا ظعنت عشيرتـهم أقاموا
طرقتُـهم بفتيـان كـرامٍ مسـاعيرٍ إذا حمي الـمُقام
متى ما أدعُ من فهم تُجبني وعدوان الحماة لهم نـظام
نزول ثقيف الطائف:
قال ابن قتيبة في ومثله قال البري : ((وعدوان أنزلوا ثقيفا الطائف)) .

والشاهد الشعري قول ذي الإصبع العدواني :
وهـم بـوّوْا ثقيفا دا ر لا ذل ولا خـفــض

ويقال أن قسي بن منبه بن بكر بن هوازن وهو ثقيف قد اتفق مع ابن خاله النخع على الهجرة في طلب الرزق.

فذهب النخع إلى اليمن فنـزل بها، وذهب ثقيف إلى وادي القرى فنـزل على عجوز يهودية لا ولد لها واتخذها أُما له.

فلما حضرت الموت أوصت له بما كان عندها من دنانير وقضبان، ثم دفنها وذهب نحو الطائف.

فلما كان على مقربة منها وجد أمةٍ حبشية ترعى غنما، فأراد أن يستولي على ماشيتها فارتابت منه وأخبرته بأن يصعد إلى الجبل فيستجير بسيد عدوان عامر بن الظرب العدواني، فإن من عادته أن يأمر رسوله إذا أقبل المساء بأن ينادي من أراد اللحم والدرمك والتمر واللبن فليأت دار عامر بن الظرب، فيأتيه قومه، فاسبقهم إليه واستجره فانه سيجيرك ويغنيك.

ففعل ذلك فأجاره وأغناه وأنزله عنده، وزوجه ابنته زينب فأنجبت له: جشم وعوفا ولما ماتت تزوج أختها عمرة فولدت له: سلامة ودارس، حتى تكاثر ولده و زاحموا بني عامر، وكانت الطائف لهم من بعد عدوان، فتلاحيا ثم اقتتلا فتغلبت ثقيف على بني عامر، واخرجتهم من الطائف، وتفردت في ملكها .

فظلت الطائف لثقيف، يزرعون أوديتها ويعمرونها ويمنعون عنها الغزو، فأطلقت العرب على قسي بن منبه ثقيفا من ثقف الشيء أي أحكمه، قالوا: ما أثقفه حين ثقف عامرا حتى أمّنه وزوجه، يقصدون عامر بن الظرب العدواني.

قال أبو طالب بن عبدالمطلب:
منعنا أرضـنا من كل حـي كما امتنعت بـطائفها ثقيف
آتاهم معـشر كي يسلبوهم فحالت دون ذلكم السيوف

وفد عدوان الى سيف ذي يزن:
لما أهلك الله أبرهة الحبشي وجيشه وردهم عن بيته الحرام، وعادت الحملة إلى الحبشه ولم يتحقق مرادها في جزيرة العرب، رجع ملك العرب إلى سيف بن ذي يزن الحميري بعد أن ظفر بالأحباش، وثأر لقومه.

ففرحت جميع العرب وسرت بذلك، وبعثت وفودها من الأشراف والشعراء إليه لتهنئه، فأرسلت عدوان وفهم وفداً منها إلى سيف بن ذي يزن، كما أرسلت ثقيف وجشم وسعد ونصر من هوازن وفداً منها وعليهم مسعود بن معتب، وأرسلت قريش وغطفان وتميم وطيىء وأسد وقضاعة والأزدوفودها . وكان ذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين.

إختلاف عدوان وتفرق أمرها وخروجها من الطائف:
استمرت عدوان في سيادة قيس وحكم الطائف بزعامة عامر بن الظرب العدواني حتى أوائل القرن السادس ميلادي، حين تفرقت عدوان، وضعف أمرها وأفل نجمها، ونزحت بعض بطونها، ودخلت أحلافاً مع القبائل المجاورة في تهامة والحجاز.

أماسبب تفرق عدوان وتشتت جمعها فيكمن في ثلاثة أسباب:

السبب الأول: كان من أمر عدوان أن كثرت ساداتها وتعددت رؤساؤها، فلم تجتمع عدوان على رأي، وقد اختلفوا فيما بينهم وتنافروا، ومن الشواهد قول ذي الإصبع العدواني:
ومنـهـم كـانـت الســادا ت والــموفـون بالـقـرض

وقول أُمامة بنت ذي الإصبع العدواني:
كانـوا ملوكا سـادة فـي الذرا دهـرا لهـا الفـخر على الفاخر

وقول البلعاء بن قيس الليثي الكناني:
لعمرك ما لـيث وإن كنت مـنهم بتـاركة ليث خلافـي وعصياني
وهم أسلموني يوم ذي الرمث والفضا وهم تركـوني بين هـرش و ودان وهم أخرجوا من كل بيتـين سـيداً كما كثرت سـاداتها قبل عدوان
السبب الثاني: تنافرهم وتقاتلهم، حين وقع خلاف بين بني ناج وبني عياذ أكبر بطون عدوان وأكثرها سادة.

ويبدو أن ذلك الصراع أستمر فترة من الزمن أضعف القبيلة، وأضعفها.

وسببه ما أورد الأصفهاني في الأغاني عن أبي عمرو بن العلاء قال: (( أن بني ناج بن يشكر بن عدوان أغاروا على بني عوف بن سعد بن ظرب بن عمرو بن عياد ]عياذ[ بن يشكر بن عدوان، ونذرت بهم بنو عوف فاقتتلوا، فقتل بنو ناج ثمانية نفر، فيهم عمير بن مالك سيد بني عوف، وقتلت بنو عوف رجلا منهم يقال له سنان بن جابر، وتفرقوا على حرب.

وكان الذي أصابوه من بني واثلة ]وائلة[ بن عمرو بن عياذ وكان سيدا، فاصطلح سائر الناس على أن يتعاطوها ورضوا بذلك، وأبى مرير بن جابر أن يقبل بسنان بن جابر دية، واعتزل هو وبنو أبيه ومن أطاعهم ومن والاهم، وتبعه على ذلك كرب بن خالد ]جبلة[ أحد بني عبس بن ناج، فمشى إليهما ذو الإصبع وسألهما قبول الدية وقال: قد قتل منا ثمانية نفر فقبلنا الدية وقتل منكم رجل فاقبلوا ديته، فأبيا ذلك وأقاما على الحرب، فكان ذلك مبدأ حرب بعضهم بعضا حتى تفانوا وتقطعوا)) .

قال ذو الإصبع العدواني:
ويـا بُؤس للأيام والدهـر هالـكا وصـرف الليـالـي يختلفن كذلكا
أبعْـد بني نـاجٍ و سعْـيِك فيهمُ فـلا تُتبعن عينيك مـاكان هالكـا
إذا قلـت معروفا لأُصـلح بينـهم يقـول مـريرٌ لا أُحـاول ذلـكا
فأضحوا كظهر العودِ جُبّ سنامُـه تحُـوم عليه الـطير أحـدب باركا
فان تك عـدوان بن عمرو تفرقت فقد غنِيت دهراً ملـوكا هُنـالكا

وفي رواية أُخرى:
وأمـا بنو نـاج فـلا تذكرنـهم و لا تتبعن عينيك ما كان هالـكا
إذا قلـت مـعروفـا لأُصلح بينهم يقـول وهيـب لا أُسـالم ذلكا
فأضحى كظهر الفحل جُبّ سنامُـه يدب إلى الأعـداء أحدب باركا

ويبدو أن الخلاف بين سادات وبطون عدوان قضى على كثير من رجالها، ومزقها إلى فرق وجماعات، ضعفت على أثرها عدوان وتفرقت. قال ذو الإصبع العدواني في رثاء قومه:
عـذير الحـي مـن عـدو ان كـانـوا حيــة الأرض
بغـى بعـضـهم بعـضا فـلم يبقـوا علـى بعـض

أي من يعذر عدوان على مافعلوه بينهم من تنازع وبغي وقد كانوا حية الأرض بمعنى لايقربهم أحد من هيبتهم وعلو مكانتهم، تقول العرب للرجل منيع الجانب حية الأرض. قال ابن منظور: (( كانو ذوي إرب وشدة لا يضيعون ثأرا)) .
السبب الثالث: هو ما وقع بين بني عدوان وبين بني عامر بن صعصعة من خلاف حتى قاتلتهم وأخرجتهم من الطائف، ثم غلبت ثقيف علي بني عامر وأخرجتهم.

قال البكري: ((…ووقعت بين عدوان حرب فتفرقت جماعتهم، وتشتت أمرهم، فطمعت فيهم بنو عامر وأخرجتهم من الطائف، ونفوهم عنها)) .

قال ابن الأثير: (( كانت أرض الطائف قديما لعدوان بن عمرو ثم لعامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن خصفة بن قيس غلبوهم على الطائف بعد قتال شديد)) .

قال الأندلسي ابن سعيد: (( وكان بنو عدوان يسكنون الطائف، فغلب عليهم بنو ثقيف…)) .

وقد عايش ذو الإصبع العدواني تلك المرحلة الصعبة من حياة القبيلة فسطرها في شعره في حرقة وحسرة، وقد أنشد يرثي قومه:

جزعت أمامةُ أن مشيتُ على العصا وتذكـرت إذ نحن ما الفِتْيـان
فلقبـل مـارام الإلـه بكيــده إرماً وهـذا الحي من عـدوان
بعد الحـكومة والفضيـلة والنُّـهي طـاف الزمـان عليهم بأوانِ
وتفرقـوا وتقطـعت أشـلاؤهـم وتبـددوا فـرقا بكل مكـان
جدب البـلادُ فأعقمت أرحـامهم و الدهر غـيرهـم مع الحدثـان
حتـى أبـادهُمُ علـى أُخراهُـم صرعـى بكـل نُقيْـرة و مكان
لا تعجبن أُمـامُ مـن حدث عرا فـالدهر غيّـرنا مع الأزمـان

وله أيضا:
أطاف بنا ريب الزمـان فجاسنا له طائـف بالصالحـين يضـير
إذا قرعـت فينا صوائـب نبـله صعـدن إلى أخرى فقلن نصـير
فما ان لنا نصف فيأخـذ حـقنا وما ان على ريـب الزمان مجـير

وتقول أُمامة بنت ذي الاصبع العدواني في رثاء قومها:
قـد لقـيت فهـم وعـدوانها قتـلا و هلكا آخـر الغابـر
كانـوا ملوكا سـادة في الذرا دهـرا لها الفـخر على الفاخر
حـتى تساقوا كـأسهم بينهم بغيا فيـا للشـارب الخاسـر
بـادوا فمن يـحلل بأوطانهم يـحلل برسـم مقفـر داثر

ولو استعرضنا التعابير المستخدمة في النصوص السابقة، لوجدنها تحمل دلالات ومعاني تعبر عن واقع أليم وتحول كبير، فيما كانت عليه عدوان وفيما آلت إليه، مثل:

- تفرقوا وتقطعت أشلاؤهم.
- جدب البلاد فأعقمت أرحامهم.
- تساقوا كأسهم.
- حتى أبادهم عن أخراهم.
- صرعى بكل نقيرة.
- قتلا وهلكا.
- بادوا.
- فلم يبقوا على بعض.

لقد أصبح ما حل بعدوان وفهم بني عمرو بن قيس مثلاً لصروف الليالي وحوادث الأيام، حتى تلاشت أخبارهم، واندثرت مآثرهم، وانتهت دولتهم، وردد الشعراء المراثي فيهم، قال الشاعر الفهمي في رثاء قومه:
درج الليـالى عـلـى فـ..ـهم بن عمرو فاصبحوا كالصّرِيمِ
وخلت ديـارهم فأضحت يباب بعـد عـزّ وثـروة ونـعيـم
وكذاك الزمـان يذهب بالنـا س وتبقـى ديـارهم كالرسُوم

وقال الأعيمي الأندلسي في رثاء شاب قُتل غيلة:
خـذا حدثاني عن فل وفـلان=لعـلي أرى باق على الحـدثان
ولو شاء عدوان الزمان ولويشا=لكان عذير الحي من عـدوان
وأي قبيـل لم يصدع جميعهم=يبكـر من الارزاء أو بعـوان



lk Hofhv u],hk td hguwv hg[higd