رحلة إلى بلاد بني عدوان

مجلة المنهل
محرم - صفر 1393 هـ
مارس - ابريل 1973 م



مقال للكاتب والباحث المعروف : عاتق بن غيث البلادي
بعنوان : رحلة إلى بلاد عدوان [/COLOR]
[/CENTER][/B]







[/SIZE]
تقع بلاد بني عدوان في الشمال الشرقي من الطائف ، و تشمل جزءا من كل من وادي "العرج" أسفل وادي "وج" ، ووادي ليّه من أسفله.

في يوم الخميس الموافق 29/7/1392 هـ ، كنت عند العيال في مصيفهم بالطائف ، وبعد صلاة الفجر طرأ عليّ أن أقوم برحلة قصيرة إلى بلاد عدوان ، التي طالما فكرت في زيارتها . - كلمه غير واضحة - باب المنزل وانسللت إلى حيث تقف السيارة ، فأدرت محركها لتحميته ، فإذا بابني حسين قد استيقظ ، ولما علم بالقصد ، أصر على المرافقة ، لا للتمتع بالرحلة و لكن ليحصل على نوبة في قيادة الجيب التي يعلو مقودها رأسه ..

لم أجد إلا الرضوخ لطلبه ، فتحركت بنا سيارة الرحلات التي طالما أنّت ورنّت من وعر تركبه أو رمل تنغرز فيه عجلاتها.

كان المسير من حيّ "الريان" قبيل طلوع شمس ذلك اليوم ، فمررنا بحيّ الفيصليه الجميل الذي يشبه إلى حدٍ ما ، حي شهار ، ثم بمستشفى الأمير منصور العسكري ، وهو مستشفى هيء له كل ما هيء للمستشفيات الحديثة لوقاية جسوم أسودنا البواسل ، حماة الديار من الآفات المرضيه ، وكان على يميننا جبل "دمة" الأحمر الجميل ، الذي انتصب كأنه يفرع بين واديي وج والعقيق لئلا يختلطا عند اقترابهما من بعضهما في هذه الناحية . وعلى بعد ثلاثة أكيال من مسيرنا ريع التمار ، الذي يعتبر بوابة الطائف من الشمال و الشمال الشرقي ، وعلى بعد تسعة أكيال وصلنا أرض "قديره" ، هذا المكان الجميل ذا المقاهي النزهة و الهواء العليل الذي يشفي العليل. وبعد ثلاثة أكيال من هذا المكان مررنا على جسر وادي العقيق الذي تحوّل اتجاهه من الشمال إلى المشرق ، وبعد 15 كيلا من مسيرنا مررنا على بلدة الحويّه الهادئه الجميله ، ذات المساجد الكثيرة بالنسبة لصغرها. وكان من أروع المناظر عندما أخذت الشمس تتهايق من وراء جبل القنة وكأنه يحاول تأخير شروقها دون حساب للنظام الفلكي، فأخذت تنشر شعاعها على القصر الملكي الذي يعتبر من درر الشرق (أعتقد أنه يقصد قصر الملك سعود يرحمه الله) ، غير أننا لم نكن بصدد التمتع بمثل هذه المناظر ، فكان حسين يلح في طلب تسلم مقود السيارة ، فسلمته إياه و شرعت أسجل ملاحظاتي .. وعلى بعد 22 كيلا كنا بطرف مطار الطائف ، وبعده بكيل واحد فرق طريق بلاد بني عدوان الى الجنوب الشرقي ، فهبطنا "الربوة" وهي عقلة من شجر الطلح تقع في وادي الريكة الجنوبي ، ثم صعدنا حزما فهبطنا وادي "شرب" وهو أسفل العقيق يسمى هنا شربا ، ويبعد عن مطار الطائف ثلاثة أكيال جنوبا شرقيا . ثم صعدنا في سلسلة جبال "مدسوس" وهي غرابيب تمتد من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي ، فاصلة بين واديي شرب "العقيق" و العرج "وج" ، وفي رأس ريع يعطيه الطريق على بعد سبعة أكيال من مطار الطائف ، وجدنا قلعة حربية مبنية من الحجر ذات طابقين ، وبها ثقوب للرماية ، تشرف في الجنوب و الجنوب الغربي على سهل العرج الزراعي ، و تسيطر سيطرة تامة على قرية "العقرب" التي تقع تحتها من الجنوب مباشرة ، ويمتد نظر الناظر جنوبا و جنوبا شرقيا إلى ما وراء وادي ليّه و قرية الأخيضر ، أي أنها تحدد كل بلاد عدوان كشفا ، و تشرف شمالا على وادي شرب ، ويمتد النظر منها إلى وادي الريكة و العرفاء ، حيث كنا نرى السيارات على طريق الاسفلت منها ، غير أنه يعينها وجود رأس جبل الزريبة في الشمال الغربي منها على بعد يسير ، حيث يحد النظر من تلك الجهة ، وتفاديا لهذا النقص وضعت في راس الجبل زريبة كنقطة مراقبة أمامية انذارية ، وبسفح الجبل الذي تقوم القلعة عليه من الجنوب عين جارية تسقي مزارع قرية العقرب ، وهي للعثامين "بني عثمان" من عدوان ، وهم ذرية عثمان المضايفي وزير الشريف غالب.

و يسكن في هذه القرية شيخ بني عدوان كافة ، وهو الشيخ منصور بن محمد بن عثمان نسبة إلى الجد الأعلى عثمان المضايفي. وعندما هبطنا من القلعة إلى قرية العقرب ، اجتمهنا بثلاثة شبّان من هذه القرية ، فاسرع اثنان منهما فعرضا علينا مرافقتهما كأدلاء ، وهما : الأخ محسن بن علي العدواني الطالب بمعهد الطائف العلمي ، و الأخ محمد بن سعد العدواني الطالب بمتوسطة دار التوحيد بالطائف .. فرحّبنا بهما ، وعرفنا منهما أن هذه القلعة بناها عبدالله بن عثمان المضايفي . فتوجهنا جنوبا شرقيا فهبطنا وادي العرج ، فوصلنا إلى قصر قديم مهجور ، قال مرافقاي : هذا قصر الشريف ابن زيد . ولا يعلمان أكثر من ذلك ، وأظنه حدود بن زيد داعي القيم وهو معاصر من الأشراف العبادله . وقالا : إن صاحب هذا القصر كانت له بئر بهذه الأرض البؤر تسمى "السعيدة" لا يجف ماؤها ، فقال يفتخر :







بيـري السعيـدة دون كـل البيـار
اذا جف قطر الغيث يزداد ماها





فارسل الله عليها صاعقة أحرقت نخلها و جف ماؤها . روى ذلك الأخ محمد بن سعد. وتذكرني هذه الحادثة برواية سمعتها في رحلتي إلى وادي ثمالة ، فقد وقفت على سدّها فسألت شابا عمّا يعرفه عن هذا السد .. فقال : هذا سد السملقي .. فقلت ومن هو السملقي؟ .. قال : رجل بنى هذا السد وعندما فرغ من بنائه أعجب بقوته ، فقال :







بــنــيــنــاك يــــــــا ســــــــد الـسـمــلــقــي
بالحنطه البرصاء و السمن الزملقي





فامطرت السماء فاجتاحت السد لأول سيل ولم يستفد بانيه منه. وليس هذا بغريب على من تحدى قدرة الله أو يعجب بما أعطي. واصلنا سيرنا ، وبعد كيلين هبطنا وادي "نسيم" ، وهو وادي ذو شعبتين يدفع في العرج من الجنوب ، فاذا اجتمعا سمِي الوادي "وادي الاخيضر" نسبة إلى قريه فيه بهذا الاسم. وعلى بعد ستة أكيال من العقرب - بعد أن اعتدل بنا الطريق باتجاه مطلق الشمس - وصلنا قرية "المجنب" - بدون تشديد - وهي بطرف وادي ليّه من الشمال ، وفيها المدرسة الإبتدائية الوحيدة في بلاد عدوان . بها مزارع على آبار ضخ ، فيها نخل و فواكه و حبوب ، و يسمى وادي ليّه في هذه المنطقة "وادي عدوان" ، ومن المجنب اتجهنا شمالا شرقيا

صلبه (كتبت في خريطة لمكة طبعت سنة 1948 م "سلابة" خطأ) - بضم الصاد المهملة و تشديد اللام وفتحها - ، لهذا الاسم وقع خاص في نفسي ، ذلك أنني عندما كنت صغيرا ، حضرت مع والدي "رحمه الله" مجلسا يضم جمعا من شيوخ البادية ، فقال أحدهم : سخر (السخرة : كانت الى عهدنا هو اجبار أهل الجمال على تحميل عهدة حكومية الى مكان ما بأجر تقرره الحكومة) جمالى مرة الشريف وحملها جمبخان (الجمبخان : كلمة كانت معروفة الى عهد قريب فاندثرت ، ومعناها الذخائر وهي كلمة تركيه كما يبدو) من مكة إلى صلبة ، وعندما وصلنا هناك منعنا من العودة ، فانشدت :







اللـيـلـة أنـــا أمـسـيـت بـاغــي نـيـاقـي
من دونها الزيمه ومن دونها السيل
ومـــن دونـهــا قـيـمــة ثـلاثـيــن وادي
يــا رافــع القـامـات يــا عـــادل الـمـيـل




و الواقع أن الشيخ لم يبالغ ، فقد عددت ما بين صلبه و ديارنا من الأوديه فزاد على 28 واديا !. ومنذ ذلك الحين و هذا الاسم يرن في ذاكرتي إلى أن قدرت لي زيارتها. بعد مسيرنا من المجنب بأقل من نصف كيل ، وطانا طرف - كلمة غير واضحة - تشبه الغابه من النخيل الملتف الذي يقدّر بألفي نخلة ، وهي في منعرج من وادي ليّه على جانبيه الشمالي ، ومن عندها ينعطف الوادي فيتجه شرقا . وكان الطريق يطيف بها بشكل نصف دائرة ، فطفنا معه من شمالها و شرقها ثم اعاد بنا جنوبا عدلا.

ويقع بجانب صلبه من الشرق تل أبيض يسمى "العبل" بفتح العين و الباء . واعتقد أنه العبلاء التي ورد ذكرها في أيام الفجّار ، فليس المكان بعيدا من عكاظ . واتجهنا جنوبا فجزعنا وادي ليّه في مجرى هائل من دهل السيول له ، وفي عدوته المقابلة لصلبه جنوبا وصلنا البارده ، وهي قرية من أعمر قرى عدوان ، وفيها سكنى مزارعي صلبه ، يفصل بينهما الوادي. والبارده آخر قرية في ليّه من جهة الشرق ، وبها مسجد ، فوقفنا فيها ، فذهب أحد مرافقينا فاحضر لنا ماء فشربنا ، وواصلنا سيرنا جنوبا مع محاذاة وادي ليّه وفي الاتجاه المعاكس لمجراه فظهر لنا جبل "الحلاة" بعيدا في الجنوب ، وهو جبل أسود ذو ظهر مستطيل من الشرق إلى الغرب ، يمر وادي "بسل" من طرفه الجنوبي متجها شرقا. وبعد مسيرنا بأربعة أكيال من البارده هبطنا إلى قرية "العبيلاء" بضم العين و فتح الباء ، وهي قرية تتلبط جبل مروان من الغرب و الجنوب الغربي ، على طرف مزرعة تعرف بهذا الاسم ، وجبل مروان تل حجارته من المرو ، على رأسه قلعة طينيه مهدمة ، يقال : أن الذي بناها عثمان المضايفي. وعند العبيلاء انتهى بنا المطاف ، فعدنا مع طريق لا تبعد عن طريق الذهاب إلى قرية العقرب ، وقبل أن يودعنا الأخوان محسن و محمد أصرا اصرار الكرام على أن ننزل ضيفين عليهما ولو لمجرد شرب الشاي ، ولكننا اعتذرنا اعتذارا يظهر أنه لم يرضهما . فلهما شكرنا الجزيل على كرم احاطونا به . وقد استمليت منهما من المعالم مالم احصل عليه في أية رحلة قصيرة قبل هذه ، حيث قرب ما أملياه عليّ من قرى و جبال و أودية من 50 مادة.



:: التعليق ::


[B][CENTER][SIZE="4"][COLOR="Black"]
و ديار عدوان اليوم هي جزء من ديار عدوان في الجاهلية و صدر الإسلام ، وبيان ذلك التالي :

ذكر الجغرافيون و البلدانيون رقبة (ركبة) من ديار عدوان في الجاهلية و صدر الإسلام ، و رقبة (ركبة) هي مفيض وادي ليه ووادي القيم ووادي وج ووادي الأخيضر، في جهة الشرق من الطائف ، ومما يدل على ذلك ، قول ذو الإصبع العدواني:



ولــنـــا مــنـــازل بـرقْــبــة لا
يُسْمعُ فيه تهاذي الأخبارِ
مُنزلٌ أحرز الحواضِن فيه
كــــلُّ قــــرم مُــتــوّج جــبّـــارِ

و رقبة (ركبة) ، ذكرها الزمخشري (467 هـ - 538 هـ) قائلاً : ((هي مفازه على يومين من مكة يسكنها اليوم عدوان)) ، و ما زالت عدوان تسكنها إلى يومنا هذا


vpgm Ygn fgh] fkd u],hk