السلاطين الظهوريين العصر الذهبي ومملكة هرمز

ارتفاع وسقوط مملكة هرمز


اذا كان العالم خاتما ، فهرمز جوهرته النفيسة



هناك ثلاثة أماكن في الهند ، هي بمثابة أسواق لكل تجارة البضائع الرائجة في ذلك الجزء من العالم والمفاتيح الرئيسية لها ، وأولها ملقا باعتبارها مخرج مضايق سنغافورا ، والثانية هي عدن في مدخل ومخرج البحر الأحمر ، والثالثة هي هرمز في مدخل ومخرج مضايق الخليج ... وان مدينة هرمز هذه ، هي في اعتقادي اهمها جميعا
.



الفونسو البوكيرك


الفاتح البرتغالي المشهور




وبين هذين القولين تكمن مأساة هرمز ولنقرأ:


هرمز كانت في البداية في القرن العاشر والميناء البحري لتجارة منطقة كرمان وسيستان ، ولكن لم يكن لها اهمية في التجارة العالمية ، وقد ذكرت "النيله" باعتبارها اهم منتوج في المنطقة .


هرمز لم تبلغ الأهمية التي بلغتها هرمز الا بعد الفتح الاسلامي ، كانت خيولها تصدر الى الهند ، وظلت على هذا الحال حتى القرن الخامس العشر ، حيث يشير اليها الرحالة الايطالي الشهير ماركوبولو بقوله ان هرمز ( مدينة عظيمة ونبيلة على البحر ) . ويقول ماركوبولو .. في هذه البلاد اعداد هائلة من الخيول المطهمة ، والناس يأخذونها الى الهند للبيع لأنها خيل غالية الثمن ...


وهنا يوجد أيضا أجود حمير في العالم لانها كبيرة وسريعة وتمتاز بخفة نادرة


ويواصل ماكرو بولو حديثة في وصف المدينة : حين تأتي الى البحر المحيط ، وعلى الشاطئ تجد مدينة ذات مرفأ يقال لها هرمز ، والتجار يأتون الى هناك من الهند بسفن محملة بالتوابل والأحجار الكريمة واللؤلؤ وأقمشة الى الحرير والذهب والعاج . وبضائع اخرى كثيرة حيث يبيعونها لتجار هرمز ، وهؤلاء بدورهم يحملون هذه الاشياء الى جميع أنحاء العالم لبيعها ثانية .


اما الإدريسي الجغرافي العربي الشهير فيقول عنها : هرمز هي السوق الرئيسية لكرمان ، وهي مدينة واسعة حسنة البنيان .. وهرمز مبنية على ضفلف خور يقال له حيز مشتق من الخليج وتصل السفن للمدينة بواسطة هذا القنال .



وابتداء من حوالي سنة 1100 م كان لهرمز حكام من العرب ، وكان لهرمز من العرب ، مؤسس هذا الحكم يدعى محمد وهو أمير عربي عبر الخليج من اليمن وكون نفسه هناك ، ولكن التاريخ هنا غير مؤكد ، الا ان أول سم لحاكم من هذه السلالة يظهر ... وهو الحاكم الثاني عشر ، وفي خلال حكم الامير الخامس عشر سنة 1301م ، كانت هرمز القديمة على البر قد ناوشتها الغارات الوحشية المتكررة من جانب التتر ، لدرجة ان الامير وشعبة هجروا مدينتهم في البر الاصلي وانتقلوا الى جزيرة قشم .. ومن ثم انتقلوت الى جزيرة جيرون الجديدة التي تقع وسط البحر ويفصل بينها قنال عرضة ثلاثة فراسخ وسموها هرمز . ثم تحولت الى امبراطورية خليجية مستقلة .


ويصف لنا ابن بطوطة الرحالة العربي الشهير مدينة هرمز الجديدة بقوله هي مدينة واسعة وفاخرة ولها سوق مجهزة احسن تجهيز وهي بمثالة مستودع بضائع للهند والسند .


ويواصل ابن بطوطة حديثة قائلا : وماء الشراب غالي الثمن في هذه الجزيرة ، وهناك صهاريج وخزانات صناعية لجمع ماء المطر، وهي موضوعة على مسافة معينة من المدينة ، والناس يذهبون للاستسقاء منها بآنية جلدية كبيرة (القرب) حيث يملئونها ويحملونها على ظهورهم حتى البر ثم يحملونها على القوارب ومن ثم يأتون بها الى المدينة


وتتطور هرمز حيث يصفها أحد الرحالة الغربيين بقوله : أصبحت هرمز عاصمة لامبراطورية اشتملت على جانب كبير من شبه جزيرة العرب من ناحية وعلى فارس ناحية آخرى ، وفي أيام وصول التجار الاجانب كانت تبدو بمنظر أفخر وأجمل من أية مدينة اخرى ، وفي أيام وصول التجار الاجانب كانت تبدو بمنظر أفخر وأجمل من أية مدينة اخرى في الشرق ، وكان الناس من جميع انجاء المعمورة يغدون اليها يتبادلون السلع ويعقدون الصفقات التجارية في جو من الادب الرعاية مما يندر مثلة في أي مكان تجاري اخر ، وكانت الشوارع مغطاة بالحصر وبعض الاماكن بالسجاجيد ، وكانت الأصص المذهبة والخزف الصيني والمليء بالنباتات المزهرة أو الأزهار المعطرة تزين بيوتهم .


قد يعجب البعض من تمكن مؤسسة سياسية محدودة الحجم في جزيرة بركانية ضئيلة وقاحة كهرمز من مد نفوذها على مختلف مناطق الخليج ، ولكن هرمز لم تكن بدعا فمن قبلها كانت سائر المدن التجارية كقرطاجنة وتدمر والبتراء تمد نفوذها على مساحات شاسعة بفضل المال الذي يمكنها من تجييش الجيوش وتكثير الاتباع والموالين ، وفي حالة هرمز فان المعابر البحرية والمحطات والجزر لا تزال لها ما للحياة نفسها من أهمية ، فلو انغلق المضيق فمعناه الموت المحقق لهرمز .


ظلت مدينة هرمز لمئتي عام تتمتع بدرجة عالية من الرخاء وامتدت سلطتها على طول جانبي الخليج حتى البصرة ، وفي سنة 1503 أي قبل مجئ البرتغاليين بقليل يصفها مسافر غربي قائلا : جئنا الى مدينة هرمز ، بعيدة جدا ، وهي لا ثانية لها في المواقع الممتاز وكثرة اللآلئ ، ويرى أحيانا ما يقرب من ثلاثمائة سفينة وغيرها من أنواع السفن التى تأتي الى هناك من أماكن بعيدة وبلاد عدة ، ويوجد هنا حوالى أربعمائة تاجر ووكيل .


وتصبح مملكة هرمز مطمعا للدول الاستعمارية . ويقول أحد البرتغاليين في عام 1518 .. ان المدينة ليست كبيرة على قدر ما هي ظريفة ففيها مبان عالية من الحجر والطين ذات سقوف منبسطة ونوافذ كثيرة ، وكلها مبنية بطريقة مناسبة لتمكن الهواء من ان يهب من الطوابق العالية الى المنخفضة حينما يحتاجون اليه . ( هل يقصد البادجير؟).


ويصف رحالة آخر سكان هرمز بانهم يسيرون وهم يرتدون قمصانا قطنية بيضاء طويلة ورفيعة ، وتحتها يلبسون السراويل القطنية كما يرتدون أيضا أردية حريرية كثيرة من الأنواع الثمينة وغيرها من الصوف الاحمر والبنفسجي ويتمنطقون بأحزمة يعلقون بها خناجرهم المزينية بالذهب والفضة .


ونواصل قراءة وصف السكان :


وهؤلاء الرجال اثرياء ومهذبون ذوو شهامة ويعتنون كثيرا بملابسهم ، وغذائهم الذي يتبلونه ، وكل شئ لديهم منه الكثير ، لحم الطبخ وخبز القمح والأرز الممتاز ومختلف أنواع الفواكه الطازجة والمحفوظة ، والتفاح والرمان والخوخ وكميات كبيرة من المشمش والتين واللوز والعنب والبطيخ .


ويأخذ هؤلاء النبلاء وعظماء التجار معهم اينما ذهبوا في الطرق والاماكن والعامة أو الشوارع خادما يحمل برميلا صغيرا من الماء أو زجاجة ماء مزخرفة بالفضة يحملونها للعرض والظهور ولارضاء احتياجات طريقة حياتهم والمرفهة .


ومدينة هرمز على الرغم من غناها المسرف ووفرة مأكولاتها من كل صنف ، فان تكاليف المعيشة بها مرتفعة ، لان كل شيء يأتيها من الخارج ، فيما عدا الملح فقط ، وحتى الماء يأتي من الخارج من الجزر الاصلية والمجاورة من اجل شربهم حيث يأتي في قوارب معينة صغيرة ، وكل الأماكن المفتوحه مملوءة بصورة مستمرة بكل هذا الطعام.


ولكن هذه المملكة شهدت في مطالع القرن الخامس عشر صرعات أرغمةه على التنازل عن العرش ، كذلك ثار الأمير فخر الدين حاكم ميناء قلهات العماني ضد ابنه سيف الدين ملك هرمز.


كان العالم الاوربي يرسل المستكشفين الى الشرق ، هذا الشرق المملوء بالثروات ، وفي سنة 1505 قرر ايمانويل الاول ملك البرتغال ان يقضى على سيطرة الدول العربية التجارية مرة واحدة وللأبد عن طريق احتلال عدن وهرمز وملقا. كان الفاتحون الجدد يحملون السيف في يد والانجيل في يد اخرى ، ودون الدخول في ملابسات كل التوجه البرتغالي في المنطقة ، ندخل رأسا في موضوعنا ( هرمز ).


وصل الاسطول البرتغالي بقيادة الفونسو البوكريك وألقى مراسيه امام مدينة هرمز ، وكان البرتغاليون في البداية في خشية وتردد لعظم طبيعة الامر الذي عليهم القيام به لانهم ( حينما وقفوا في النقطة التى رأى فيها البحارة البرتغاليون عظمة المدينة وعدد الرجال الفرسان المجتمعين على الشاطىء والسفن الكثيرة المرابطة في الميناء والمجهزة بالرجال والسلاح اصيبوا بالخيبة والأسى ) وفي غضون تلك الحالة النفسية جاءوا الى مقربة من القائد البوكيرك وحذروه من مغبة ما هو مقدم عليه، لأن تلك المدينة لم تكن كغيرها من المدن التى دمرها .


لكن واقع هرمز الداخلي لم يكن كمظهرها الخارجي البراق ، حينما وصل البوكيرك الى هناك ، كان يحكم الجزيرة الامير سيف الدين الصبي ذو الاثنى عشر ، وكان تحت وصية أحد رجال البلاط ، ولدى سماعهم بوصول البوكيرك وبما صنعه في بقية المدن التى فتحها ، أقاموا الاستعدادات ومنعوا السفن الراسية من المغادرة ، واستأجروا جنودا من المقاطعات المجاورة ، وأرسل الفونسو رسالة يطلب فيها من الملك أن يصبح تابعا لتاج البرتغال.


فأرسلوا رسولا الى البوكيرك قائلا له : سيدى القبطان لقد سمع ملك هرمز رسالتكم ويرغب ان يعرف منكم ماذا تريدون وماذا جئتم تنشدون في هذا المرفأ؟


فأجاب البوكيرك ، قل لملك هرمز ان الملك دون عمانويل ملك البرتغال وسيد الهند يرغب في صداقته كثيرا ، فأرسلني الى هذا المرفأ لأخدمه بأسطوله ، واذا كان الملك راغبا في ان يكون تابعا له ويدفع الجزية فسأعمل سلاما معه وأخدمه في كل شيء يأمرني به ضد اعدائه ، واذا كان غير راغب دعه يعلم انني حتما سوف أدمر كل أسطوله الذي يضع ثقته وأخذ مدينته عنوة بقوة السلاح .


وفشلت المفاوضات..


وشن البوكيرك معركته مستعملا المدافع ، وأحرز انتصار بحريا كاملا وأصبح ملك هرمز تابعا لتاج البرتغال ، ووافق على دفع نفقات الاسطول البرتغالي والجزية ، وأقر ترتيبا تجاريا مفادة ان البضاعة التى ترد من البرتغال والجزية ، وأقر ترتيبا تجاريا مفادة ان البضاعة التى ترد من البرتغال تعفي من الضرائب .. بينما لا يدفع البرتغاليون ضرائب أكثر من المواطنين على البضائع التى يشترونها في هرمز والموانىء التابعة لها ، كما منع أية سفينة هرمزية منالتجارة في الخليج من غير أذن ، وحينما أبرم أتفاق السلام بنى البرتغاليون قلعة على الجزيرة نفسها .


وهكذا ولم ينته القرن السادس عشر حتى كانت البرتغال هي الدولة الاوربية الوحيدة المحتلة في الخلليج ، واستمرت هرمز بموقعها القيادي على فم الخليج تحتل مكان الصدرارة ، وتحول الحكام فيها الى مجرد دمى صورية ، وأصبح البرتغاليون هم المالكون الفعليون لهرمز باعتبار الأمر الواقع.


وفي الوقت نفسه كانت انجلترا تضع أقدامها في الخليج من خلال البعثات التجارية ودون الدخول في التفاصيل قام الاسطول الانجليزي في عام 1619 وبالتحالف مع فارس التى لا تملك قوة بحرية بصدام مسلح مع الاسطول البرتغالي انتهي بانتصار الانجليز وكان من شروط الاتفاق بين الطرفين ضد هرمز كالتالي:


1- انتقسم الاسلوب مناصفة بين الايرانين والانجليز.


2- ان يختص الانجليز بالاسرى المسيحين ويختص الايرانيون بالمسلمين.


3- ان يؤدي الحصن الموجود في هرمز بكل ما فيه من أسلحة وذخائر وعتاد الى الانجليز ويبقى الايرانيون احرارا وان يشيدوا لانفسهم حصنا آخر.


4- ان يقتسم الانجليز والايرانيون مستقبلا العوائد الجمركية في هرمز بالتساوى.


5- ان تعفى التجارة الانجليزية من الضرائب الى الابد .


وعندما انتصر المتحالفون واستسلم البرتغاليون في 23 ابريل 1622 حدث سلب ونهب من جانب الطرفين لتلك الجزيرة المملكة.وهكذا سقطت هرمز في ظل الصراع الدولي والاقليمي ، ويصف احد الكتاب الانجليز المدينة بعد الهزيمة بقولة : هذه المدينة الفقيرة


( هرمز) قد غدرت بأمالها ومجدها المتواصل .


وهكذا ما لبثت مدينة هرمز التى كانت شهيرة يوما والتى سلمت لفارس ، ما لبثت ان نزع منها كل ما هو ذو قيمة وباتت مثل صور وبابل ، وخلال سنوات قليلة أصبحت مأوى للبوم.


ان تلك الجزيرة التى كانت رفاهيتها وغناها مضرب الامثال ، والتى قيل انها كانت تعج باربعين ألف نسمة ، وكانت احدى أسواق التجارة الرئيسية ( للشرق الفاخر ) أصبحت عبارة عن صخرة قاحلة يقطنها حوالي مائتي نسمة يعيشون عيشة قاسية على بيع الملح الذي أصبح مورد التجارة الرئيسي ،


وبعد خمس سنوات من الاحتلال يقول أحد الانجليز سيرتوماس هربرت (1627 ) في وصف هرمز :


في نهاية الجزيرة تبدو خرائب تلك المدينة المجيدة ، المأسوف عليها .. لقد كانت مرة في حجم ( اكستر ) وكانت مبانيها جميلة وفسيحة ، وفيها بعض الاديرة وسوق كبيرة ، هذه المدينة المسكينة قد سلبت اليوم من كل بطولاتها .. ان هذا المكان الحزين الذى لا يساوي الان التملك ، كان منذ عشر سنين فقط المدينة الفخمة الوحيدة في الشرق .


تلك هى قصة صعود وسقوط مملكة هرمز الشهيرة – درس للترف!



بقلم ابراهيم بشمي
من اصدارات : مؤسسة الايام للصحافة والطباعة والنشر



hgsgh'dk hg/i,vddk hguwv hg`ifd ,llg;m ivl.