الحبوس اهل الجبال و فرسانها

alshohooh-1f6c1757a3
بدأ الحديث عن حياة الرجل الحبسي في الماضي فيقول الوالد راشد بن أحمد بن محمد اليهمور «في الماضي كنا ننتقل بين الجبال والوديان وكانت حياة الناس صعبة لكنهم تتسم بالنشاط والقوة فالرجل يقوم بأعمال شاقة منها بناء البرك ونقل الصخور إلى مزارع النخيل في الوادي وصعود الجبال للبحث عن العسل.

alshohooh-674e9d2210

وكذلك نجمع منتجات المنطقة من العسل والبر والسمن والحطب لنأخذها إلى أسواق رأس الخيمة قرب السواحل ونبيعها فنشتري بثمنها المالح والرز والقهوة والبهارات، والمرأة كانت تقف إلى جانب الرجل في العمل والحياة فهي تقوم بجميع شؤون بيتها فضلاً عن الأعمال الأخرى مثل رعي المواشي وجلب الماء والحطب والثمار الجبلية وطحن البر وخبز العجين حيث تعودنا أن نأكل خبز «السفاع» وقد تميزت المرأة بصبرها وقوتها وكونها عوناً للرجل في ذلك الزمن الصعب».ويتشعب الحديث حول حياة اليوم فيرى اليهمور ان هذا الزمان له محاسنه كذلك فقد بنيت المساجد والمدارس والبيوت الحديثة وتوفرت فرص العمل والحياة المرفهة للشباب، وأصبحت المرأة تعيش مدللة في بيتها ويتوفر لديها كل ما تحتاجه ونعود بالذكريات مع أبناء قبيلة الحبسي إلى رمضان في الماضي .

alshohooh-f89844245d
وكيف كانوا يستقبلونه فيقول الوالد سعيد محمد الدبدوب «عندما يأتي شهر رمضان المبارك تكون له نكهة خاصة فيكون اهتمام الناس متركزاً عليه وهناك من يؤذن للإفطار ويجتمع الناس معاً ما استطاعوا، وكان عندي راديو صغير تبث فيه الإذاعة من الشارقة عام 1967 أو 1968 وكنت أعرف موعد الافطار من الراديو حيث نجتمع لنستمع إليه، وكنا نفطر ونتحول عند جيراننا في الجبال ثم نصلي التراويح وفي شهر رمضان يأتينا «المطوع» ليصلي بنا جماعة وبعدها نجتمع للحديث و«نتقهوى» معاً ثم نعود إلى بيوتنا للراحة، وليس للسحور وقت محدد تماماً، فكنا نتابع النجوم فإذا ارتفع نجم السحور عند حد نعرفه توقفنا عن الأكل والشرب».* التنقل بين الأماكن ويتناول الحديث الوالد راشد بن اليهمور قائلاً: «لم تكن مساكننا ثابتة في مكان واحد ففي الصيف نصعد إلى رؤوس الجبال وفي القيظ وهو أول الرطب نكون في السيح وفي الشتاء ننزل إلى الوادي اتقاء للمطر والبرد الشديد، ونستقبل الشهر الفضيل أينما كنا بذات الاهتمام لكن المساكن الجبلية كانت تجعل الناس يفطرون منفردين في بيوتهم أغلب الأحيان لبعد المسافة وصعوبتها.وفي الماضي لم تكن لدينا مساجد كما هي اليوم، وإنما مواضع بسيطة يجتمع فيها الناس للصلاة، وكانت أوقات سحورنا وفطورنا تعتمد على المقايسة للنجوم، ولم تكن هناك مدارس أو مراكز لتعليم القرآن الكريم فكان المرء يقرأ ما تيسر له من القرآن، والناس تعيش على الفطرة والرزق وفير والأمطار كثيرة والجبال خصبة والحمد لله.

alshohooh-a75e876890
ويضيف الوالد سعيد محمد الدبدوب «كان تواصلنا في الماضي أكثر من اليوم، فالجار يزور جاره ويجلس ويتحدث معه، أما اليوم فالكل يقول أنا مستعجل أو مشغول ولا يدري ما الذي يحدث من حوله، ففي شهر رمضان يزداد التواصل بين الناس في الماضي وتشعر بروح التكافل موجودة ولا فرق بين غني وفقير، ويكمل الدبدوب حديثه عن انتهاء شهر رمضان المبارك .وقدوم العيد قائلاً: في العيد نذهب إلى «المعايد» أي مساجد العيد في قرى رأس الخيمة ونصلي صلاة العيد ويضيفنا أحد أبناء القرية، ويقيم أمير المنطقة مأدبة للمهنئين بالعيد فنلتقي هناك وبعد الغداء نعود إلى بيوتنا في الجبال، وكان الصغار يحتفلون بالعيد فتنصب «المريحانة» بين شجرتين لتلعب بها البنات والصبيان يرزفون بالسيوف الصغيرة.

وكان الرجال كذلك يجتمعون ويرزفون في الأعياد والمناسبات السعيدة، ولذكريات الطفولة جمال خاص في النفوس فهي تكتنز بالبراءة والمرح خاصة حين تكون بين أحضان الطبيعة البكر، لذا يتذكر محمد سليمان محمد حسن أيام طفولته بمحبة فيقول: لقد كان من حسن حظي أني عاصرت حياة الآباء في الجبال أيام طفولتي فقد ولدت في جبل «الظهر» .

وشهدت حياة البساطة فحين كنا صغاراً كان الأهل يحثوننا على الصوم وفي البداية نصوم خوفاً من غضبهم وننتظر الفطور بفارغ الصبر حتى نعتاد الصوم ونفهم أهميته للمسلم، وكانت الأكلات الرمضانية آنذاك صحية وخالية من المواد الحافظة فتجد العصيد والمقطع والفريد والسمن والدبس والتمر وخبز البر واليقط والكامي.

وكان الرجل يمتلك من القوة والطاقة ما يجعل صعود الجبل أمراً طبيعياً له فهو يمارسه مرات عدة أحياناً في اليوم، وكان يمكن للرجل أن يشرب لتراً من السمن أو العسل من دون أن يتأثر لأنه يبذل جهداً عالياً في العمل يجعله قادراً على الأكل بهذه الطريقة، بل ويحتاج إلى الطعام المغذي الجيد.

وكان الناس يحفظون الطعام لفترات طويلة فتجد مخازن للحبوب والتمر «البينز» ويجففون اللحوم والأسماك كذلك يحفظون العسل ويشترون المواد اللازمة قبل حلول شهر رمضان المبارك. ويشارك في الحديث عن الفرق بين رمضان في الماضي والحاضر عبد الله الهبهوب قائلاً:

فعاليات الناس في رمضان اليوم تغيرت عن الماضي ففي الماضي كانت له فرحة لأن الأجواء الرمضانية والتواصل بين الناس أكثر حضوراً وكانت العائلة كبيرة والجميع متقاربين، بينما نجد الناس اليوم محاطين بمسؤوليات ومشاغل عديدة، ومع ذلك في مناطقنا يحرص المتزوجون على الإفطار في بيوت أهلهم مرة أو مرتين في الأسبوع.

* ترقب وانتظار

ويعود محمد بن سليمان إلى ذكرياته عن رمضان قائلاً: كان الناس يترقبون هلال الشهر الكريم في رؤؤس الجبال، فإذا شاهدوه أشعلوا النار فوق الجبل ليكون علامة للجميع، وكانت النساء يبدأن بإعداد الطعام بعد صلاة العصر ويجتمعن لإعداد الخبز حيث يتساعدن فيما بينهن، وكانت الحياة بسيطة وجميلة لا يوجد «زعل» بين الناس فكل المشكلات تحل في وقتها، وكلمة الكبير مسموعة ومطاعة من الجميع.

alshohooh-594a3622e9
وفي الوقت الذي يشيد به الجميع بعادات الماضي وتقاليده تجدهم اتفقوا على الحفاظ على ذلك التراث، فكانت ضيافتهم تدل على الكرم العربي فقد حرصوا على تقديم القهوة التي لا تتم الضيافة من دونها، وكذلك كانت الأكلات المحلية التقليدية حاضرة فتجد الرطب والكامي بأنواعه والجبن وخبز البر و«المقطّع» و«الخبيص» وغيرها من الأكلات التي تسيدت مائدة الضيافة، فضلاً عن العسل الذي تجده خالصاً يميزون فيه الأفضل فيختارونه.

وفي متحف الجمعية يمكن أن تتعرف على فعاليات الحياة وأشكالها فقد قدم لنا دليلنا وصاحب الدعوة «مالك بن علي بن حسن الحبسي» معلومات عن المتحف الذي ضم أكثر من مئتي قطعة تراثية في أقسام عدة منها قسم للأسلحة القديمة من السيوف والخناجر والبنادق مثل أم فتيلة والصمعة والفلاسي .

والكند وقسم للأدوات المنزلية التي استخدمت في الحياة القديمة وكذلك الأدوات الزراعية والأدوية الشعبية وأدوات العلاج الشعبي وقسم للصور التراثية ومناطق سكنى القبيلة بين الجبال.

خرجنا من مقر الجمعية وما زال في جعبة الشواب الكثير من ذكريات الماضي وحكاياته، لكن وقت العودة قد أزف ونحن ندرك أن عمراً بكامله لا يختزل بالكلمات ولا يمكن أن تضمه الصفحات، فما بالك بعمر قبيلة عريقة كقبيلة الحبوس؟ كان الوداع وعداً باللقاء، ورغبة بالعودة نحو بيت «القفل» لنفك أسراره ورموزه.

منقول من برزة الشحوح


hgpf,s hig hg[fhg , tvshkih