الحمله الأنجليزية على دبي عام 1910 وتداعياتها في الخليج والجزيرة


الأخوة الأعزاء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أن عزة وكرامة الشعوب تقاس بما لديها من موروثات قديمة تجسد أصالتها و انتمائها وجذورها التاريخية والتي تتعلق بالعلاقة بين الأنسان والأرض التي عاش عليها أسلافه منذ القدم ، ونحن نستعرض أمامكم مفخرة من مفاخر العزة والكرامة والتي سطرها الآباء والأجداد على أرضنا الغالية فعزة وشموخ الآباء والأجداد أبت أن تحركها رياح المستعمر لكي تغير من أنتماء أبن هذا الوطن وجعله ألعوبة في يده ، وقد أبت عزة وكرامة أبن هذا الوطن أن يقوم المستعمر بتغيير ديموغرافية هذا الوطن وجعله هشا طيعا كباقي الدول التي كانت ظمن فلك الأمبرطورية البريطانية والتي كانت تسمى من قبل ( الأمبرطورية التي لا تغيب عنها الشمس ) ، لقد حاول المستعمر و أعوانه المساس بكرامة وعزة أبناء هذا الوطن وذلك بمنع تجارة السلاح وتداوله في الإمارات ذلك الزمان وقد علموا أن ميناء دبي كان مركزا مهما لتجارة السلاح وتصديره إلى بلاد الأفغان ودول الخليج حينئذ ، وقد كانوا مهتمين من دبي كميناء مهم يخدم مصالحهم .
أن السبب الرئيسي التي دعت بريطانيا إلى أتخاذ قرارا بمنع تجارة السلاح في دبي ومصادرته من أيدي أبناء هذا الوطن ليس الهدف منه إلا التمهيد لإحتلال الخليج والجزيرة العربية وتقسيمها إلى مناطق نفوذ كما حدث في أيران في ذلك الزمان وقد أيقن أبناء الإمارات قديما أن مقاومة بريطانيا لتجارة السلاح أنما هو موجها ضدهم بالذات ، لنزع السلاح تدريجيا من أيديهم ، وقد كانوا يتسائلون لماذا يتشدد البريطانيون لمنع تجارة السلاح في ميناء دبي ، بينما يقومون بحماية هذه التجارة في بعض المدن القريبة من الإمارات ، ولماذا لا تتعرض البحرية البريطانية للسفن الفرنسية التي تتاجر في السلاح ، فهم لم يستطيعوا أن يقدروا قيمة البندقية بالنسبة للعربي البدوي ، إذ تعتبر البندقية أعز ما يمتلك وهي مصدر أمنه الوحيد على حياته وممتلكاته .
قد أثار هذا التصرف أستياء أهل الإمارات عام 1910 وزاد هذا الأستياء والتذمر عندما ظهرت سفينة مسلحة بريطانية للمناورة قرب دبي .
وقد فسر القس الأمريكي ( س-م - زويمر ) الذي زار الخليج في تلك السنة ، سبب هذا الشعور العدائي لبريطانيا كأثر لما تنشره الصحف المصرية والتي كانت تأتي من القاهره إلى دبي عن طريق بومباي بواسطة ( شركة الملاحة الهنديه البريطانية التجارية ) وكانت هذه الصحف المصرية تؤكدان فيما تنشرانه { ان تقسيم إيران إلى مناطق نفوذ بين روسيا و أنجلترا عام 1907 إنما هو خطوة نحو تقسيم الجزيرة العربية }.
وكانت حادثة دبي 1910 في ظاهرها مشكلة تفتيش وبحث عن سلاح في المدينه ولكن في حقيقة الأمر هو تكريس للأحتلال ويتبين ذلك من خلال نمو المصالح البريطانية في ميناء دبي ورغبة المسؤلين البريطانيين في الخليج بتشديد قبضتهم على ساحل عمان عامة ودبي خاصة .
وقد كان مهندس هذا التوجه هو ( بيرسي كوكس )

لقد كان شعور كوكس وقادة البحرية البريطانية القائمين بالحصار تجاه دبي وشيخها يتسمم بالمرارة لأنتعاش تجارة السلاح في هذا الميناء .
والأمر المهم والخطير والذي أجج نار الأستياء من قبل الشيخ ( سهيل بن بطي آل مكتوم ) حاكم إمارة دبي في ذلك الوقت وشيوخ و اعيان و أهالي دبي هو ذلك الطلب الغريب الذي الذي أبداه التجار الهنود في دبي والذين يعتبرون من رعايا الحكومة البريطانية عندما أجتمع بهم كوكس عندما قام بزيارة إلى الساحل فقد طلبوا منه أن يعين وكيل سياسي أنجليزي برتبة ضابط خلف للوكيل السياسي الحالي ( عبد اللطيف ) والذي كان مريضا وقتئذ . وحمل كوكس هذا الطلب الغريب إلى الشيخ ( سهيل بن بطي آل مكتوم ) وفاتحه بهذا الموضوع فماكان من الشيخ سهيل إلا ان ابدى غضبه و امتعاضه من هذا الطلب ورده بشدة و أصرار ، حتى ان كوكس وصف الشيخ سهيل آل مكتوم بانه غير مستنير ومن الصعب التعامل معه كما وصف أقاربه ومستشاريه بأنهم متعبون .

وردة فعل الشيوخ و أعيان البلد هو امر مشروع فكيف يكون لحفنة من التجار الهنود بتقديم طلب كهذا وحاكم الإمارة موجود ؟ وان دل هذا الأمر على شيئ فإنما يدل على مدى التدخل السافر في شئون الإمارة ومقدراتها .

ونتيجة لهذه الأحداث فقد قام الأنجليز بالحصار البحري على كافة الموانئ من مسقط مرورا ببلوشستان و أيران مما أضطر تجار السلاح إلى البحث عن طريق آخر .

وقد تبين الأنجليز بعد ذلك ان الأسلحة والمؤن والذخائر تأتي إلى دبي و أبو ظبي والشارقة ورأس الخيمه عن طريق البر وبواسطة القوافل من مطرح ومن هذه الأماكن كان السلاح يشحن في سفن محلية إلى قطر و أيران و إلى داخل الجزيرة العربية وصارت القوافل المحملة بالأرز والبضائع من ميناء دبي إلى داخل عمان تعود وهي محملة بالسلاح من مسقط ومطرح إلى الساحل و أصبحت دبي هي المركز الرئيسي لتوزيع السلاح .


وهذا الأمر قد أقلق الأدميرال سليد قائد بحرية الخليج وقد أضطر بعد ذلك إلى اتخاذ أجراءات قاسية منها أحراق السفن العربية المحملة ومصادرة ما فيها من بضائع وسلاح .

و أخطر قرار أتخذه سليد والذي أشعل نار المواجهة بين الأنجليز و أهل دبي هو :

{ أعطاء الأوامر بالأستيلاء على الأسلحة سواء وافق شيخ دبي على ذلك أم عارضه }

وبالفعل ففي يوم 20 ديسمبر سنة 1910 زار الملازم نوكس على رأس مجموعة من القوارب الشيخ ( سهيل بن بطي آل مكتوم )وطلب منه الأذن والتعاون لتفتيش بعض الأماكن في المدينة .

ولم يكن نوكس مدركا للتقاليد العربية التي تعتبر البيوت حرمه ولم يكن مقدرا للموقف الحرج الذي وضع فيه الشيخ ( سهيل بن بطي ) كحاكم عربي حينما طلب منه ذلك . وفسر ذلك الملازم الأنجليزي أن تردد الشيخ كان وسيلة لتأخير البحث عن السلاح حتى يمكن نقل الأسلحة من مخابئها . وفي النهاية سمح له بذلك التفتيش الذي جاء صوريا وعديم الفائدة ولم تكن له من نتيجة سوى زياددة الكراهية والعداوة بين أهل دبي والأنجليز .

وفي 23 ديسمبر 1910 أحيط الكابتن ج- ف - ديك قائد المركب هياسنث علما بما جرى بعملية التفتيش الفاشلة عن السلاح في دبي من الملازم نوكس فاستشاط غضبا وسرعان ما جاءته بعد ذلك أنباء تفيد أن شحنة جديدة من السلاح قد وصلت دبي و انها أخفيت في بيت الوجيه التاجر ( احمد بن دلموك الفلاسي )، وبيت التاجر ( ثاني بن خلف ) و رأى ديك أن من واجبه القيام بتفتيش آخر على أن يكون مفاجئا وسريعا و أعتمادا على تعليمات الأدميرال سليد العامة ودون انتظار إذن أو موافقة من قيادته وتجاهلا للمخاطر التي سوف يلقاها في المدينة أنزل ديك إلى بر دبي قوة قوامها مائة رجل في صباح 24 ديسمبر 1910 لتفتيش بيتي ( ابن دلموك ) و ( ابن خلف ) أحاط ديك شيخ دبي علما بما ينوي القيام به ونتيجة لأصرار ديك على تفتيش المنزلين نشب قتال حامي بين أهل دبي والسرية الأنجليزية وخسر الأنجليز خمسة قتلى و أصيب تسعة بجراح وأستشهد من اهل دبي خمسة وعشرين شهيدا .

ومن المعلوم أن الأنجليز كانوا معتادين أن يخفوا خسائرهم فلا يذبعوها ولكن تأبى الحقيقة إلا أن تتضح فيما بعد .
ففي رواية المؤرخ ( حميد بن سلطان الشامسي ) يقول :

{ قتل من العرب عشرة رجال ومن الأنكليز ثلاثون رجلا }

وبعد هذه المعركة الدامية للحفاظ على الممتلكات و أعراض الناس أضطر الأنجليز إلى الأنساحب والهروب بمن تبقى من جنودهم تحت طلقات مدافع السفينة هياسنث ، وقد تدخل الشيخ ( سهيل بن بطي آل مكتوم ) لأيقاف هذا القتال ليس حفاظا على أهل دبي بل على أرواح الجنود الأنجليز فلولا انه لم يتدخل لحصلت مذبحة كبيرة عليهم وعلى من ولاهم وتوقف القتال ولقد كان لحادث دبي صدى كبير في الصحف الأنجليزية والهندية و أثارت الكثير من التعليقات في الأوساط الرسمية .

فقالت التايمز الهنديه إن الحادثة كانت مفاجأة تماما و أستغربت الصحيفة وغيرها من الصحف كيف أن هذا الساحل المتصالح الذي عاش في سلام مع بريطانيا أكثر من نصف قرن و أزدهر نتيجة لذلك في تجارته كيف يكون فجأة مسرحا لقتال مرير ؟

فكان بعد ذلك القتال في دبي ان سلكت حكومة الهند سياسة حذرة وحريصة أزاء هذا الحادث لمعرفتها الوثيقة بمدى حساسية الرأي العام الأسلامي في الهند لأي تدخل بريطاني في شئون شبه الجزيرة العربية .

وفي 22 يناير 1911 أبرقت حكومة الهند إلى كوكس تشجب قيام الكابتن ديك بتفتيش المنازل في غيبة الشيخ ودون تفويض منه

و انتقدت حكومة الهند محاولة تعيين ضابط سياسي عن طريق القصف بالقنابل والقوة .

وقالت الحكومة في برقيتها : أن الحاجة ماسة إلى التأكد بان البريطانيين لا يقصدون المساس بأستقلال العرب .

وقد أقر الأدميرال سليد بعنف المقاومة والشعور بالعزة والكرامة وعدم الأستسلام لأرائهم بهذه السهولة من قبل الشيوخ والأعيان والأهالي في إمارة دبي وباقي الإمارات وقال قولته المشهورة :

{ ومن المشكوك فيه مع كل هذه الأجراءات أن يستسلم العرب مكرهين }

والحق ما شهدت به الأعداء .
و أشكركم على حسن متابعتكم للموضوع

بقلم لسان بني ياس


hgplgi hgHk[gd.dm ugn ]fd uhl 1910 ,j]hudhjih td hgogd[ ,hg[.dvm