إسرائيل استغلت مقتل أحد ضباطها من أجل تنفيذ عملية طرد عشيرة السراحين إلى سيناء
وثائق إسرائيلية تم رفع السرية عنها مؤخرا: "تطهير" جنوب النقب من العرب تم بعد أكثر من عشرة أعوام على إقامة إسرائيل
2010-09-21



إسرائيل استغلت مقتل أحد ضباطها من أجل تنفيذ عملية طرد عشيرة السراحين إلى سيناء*


لم تنته عمليات الطرد الإسرائيلية للفلسطينيين من وطنهم في العام 1948. بل استمرت بعد ذلك، وفي العام 1959، أي بعد أكثر من عشرة أعوام على قيامها، نفذت عملية طرد عشيرة من بدو النقب إلى سيناء.
وتكشف وثائق إسرائيلية تم رفع السرية عنها، مؤخرا، النقاب عن عملية طرد عشيرة السراحين، وهي من عشائر قبيلة العزازمة. واستغلت إسرائيل مقتل أحد ضباطها من أجل تنفيذ عملية الطرد. ووفقا للمعلومات المتوفرة، التي أوردتها صحيفة هآرتس، يوم الجمعة الماضي، فإن عدد الذين طُردوا ليس معروفا بالتحديد، لكنه يتراوح ما بين مئات وثلاثة آلاف شخص. وأدت عملية طرد أبناء السراحين إلى إفراغ، أو "تطهير" وفقا للمصطلح الإسرائيلي، جنوب النقب من العرب. كذلك فإن جنودا إسرائيليين أعدموا مشتبهين بقتل الضابط من دون محاكمة ومن دون حتى استكمال التحقيق معهما.
في السابع من أيلول العام 1959 تم العثور على قائد سرية تابعة لوحدة المظليين، هو النقيب يائير بيلد، مقتولا في جنوب النقب. ووفقا لهآرتس فإن الموقع أصبح معروفا باسم "قبر الضابط"، علما أنه تم دفن بيلد في كيبوتس "ياجور" قرب حيفا. وتجدر الإشارة بداية إلى أن إسرائيل لم تنفذ عملية طرد عشيرة السراحين انتقاما لمقتل ضابطها، وإنما نفذت "خطة درج" معدة سلفا. فقد كتبت هآرتس أنه "تم استغلال فرصة تاريخية لإعادة تنظيم الخارطة الديمغرافية في جنوب البلاد". والجدير بالذكر أيضا، أنه في موازاة تغييب عملية الطرد تخلد إسرائيل من خلال مراسم رسمية ودورات عسكرية اسم بيلد و"تراثه".
وفي أعقاب مقتل بيلد فتحت الشرطة تحقيقا مكثفا وسريعا لم يؤد إلى نتائج، إذ لم تتم معرفة القاتل وتم إغلاق ملف التحقيق. ويتبين أن الجيش الإسرائيلي لم يتعاون مع الشرطة، وقد سلم المواد المتعلقة بمقتل الضابط إلى الشرطة بعد شهر. واستغرق شعبة التحقيقات في الشرطة شهورا طويلة من التدقيق في ملف التحقيق قبل الموافقة على فتحه أمام الجمهور، مؤخرا.
وبعد أن تم إغلاق ملف التحقيق قال نائب قائد شعبة التحقيقات في الشرطة، يهودا براغ، خلال اجتماع تلخيصي شارك فيه ضباط كبار من الشرطة والجيش، في 29 تشرين الأول 1959، إن التأخير في تسليم الجيش للمواد "لا يخدم القضية. فعندما تم تسليمها إلى الشرطة بتأخير كبير وبعد تنفيذ أمور لم يعد بالإمكان منعها فإنه لم تنفذ أمور لم يعد بالإمكان القيام بها". وكان يشير الضابط بذلك إلى إعدام المشتبهين البدويين، عليان سالم العتايقة وعواد أبو منعم، وعدم التمكن من استجوابهما.
وقال ضابط كان يخدم في حينه في قيادة الجبهة الجنوبية للجيش الإسرائيلي لهآرتس، طالبا عدم ذكر اسمه، إنه كان هو يعرف أن العتايقة هو أحد الرجلين اللذين قتلا بيلد. وأضافت الصحيفة أنه تبين من أقوال الضابط أنه فيما وصل تحقيق الشرطة إلى طريق مسدودة، جرت تطورات ميدانية دراماتيكية بعيدا عن الأضواء ومن دون أي توثيق. وقال الضابط بهدوء إن "القاتلين لم يبقيا على قيد الحياة. قتلهما مجهولون ليسوا قريبين من العائلة [أي عائلة بيلد] أو أبناء الكيبوتس أو سرية المظليين"، وأضاف أن الإعدام تم في شهر تشرين الأول أو تشرين الثاني.
وتابع الضابط أنه "كان واضحا أنه إذا وصل المتهمان إلى المحكمة فإنهما سيذهبان إلى السجن. وكان ينبغي التحدث بلغتهما وأن يكون واضحا أنهما تجاوزا الحدود وأن قتل ضابط ليس مقبولا عندنا بأي حال من الأحوال. والسراحين، وهم عشيرة من قبيلة العزازمة، سلموهما. وقد تحدث القاتلان طواعية واعترفا بفعلتهما. ولم يكونا خائفين من التحدث وعلى ما يبدو فإنه في الطريق لتسليمهما أغروهما ووعدوهما بأنهما سيحضران إلى صلحة أو اتفاق ما". وأضاف الضابط أنه تم إحضار الاثنين أمامه قبل إدخالهما إلى التحقيق. ومضى قائلا إنه "لم يوثق أحد أقوالهما لكني استمعت إليهما. لقد قالا إن الدافع للقتل كان السرقة. فقد كمنا ليائير من أجل سرقة عتاده. وكانت هذه فرصة بالنسبة لهما لأنه كان وحيدا بزي مظليين ويحمل [بندقية أوتوماتيكية من طراز] عوزي. وقد قالا إنهما لم يعتزما قتله وإنما إصابته فقط". وقال الضابط إنه في نهاية التحقيق تقرر إعدام الاثنين. وتم أخذهما إلى الصحراء وأطلقوا النار عليهما هناك. وبعد ذلك اتصل منفذو الإعدام به وأبلغوه أن المهمة نُفذت "مئة بالمئة".
وقال الضابط الإسرائيلي السابق إن أبناء عشيرة السراحين وافقوا على تسليم العتايقة وأبو منعم "لأنهم أرادوا حماية قبيلتهم. وكانوا يعرفون أنهم إذا لم يفعلوا ذلك فإنه ستتم ملاحقتهم طوال سنوات حتى يتم العثور على القتلة. قلنا لهم: ’سلموا القتلة ولن نضطر إلى طردكم’. والقسم الذي وافق على التعاون، وعدد أفراده مئة شخص تقريبا، انتقل إلى منطقة ديمونا [أي المنطقة التي تم تجميع بدو النقب فيها] وحصل على بطاقات هوية زرقاء وانضم إلى العزازمة. وعمليا فإنه حتى العام 1966 كان جبل النقب نظيفا من البدو".
وبعد يومين من مقتل بيلد أصدر قائد الجبهة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، اللواء أبراهام يافيه، أمرًا بتنفيذ "عملية هاجر"، وهي تسمية جاءت من القصة التوراتية التي تقول إن إبراهيم الخليلي أرسل هاجر وابنها إسماعيل إلى الصحراء. وقضت "عملية هاجر" بطرد عشيرة السراحين إلى سيناء وبسرعة. وكان يافيه قد قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة هآرتس، في العام 1977، "أنا بنفسي طردت قبيلة العزازمة بعد القتل". كذلك قال الباحث الإسرائيلي في الثقافة البدوية، الدكتور يتسحاق بايلي، إنه سأل يافيه في العام 1968 عن طرد السراحين، "وأجابني يافيه، لأنهم أرادوا منذ وقت طويل التخلص من العزازمة فإنه [أي يافيه] استغل توقيت قتل يائير بيلد من أجل إصدار أمر بإخراج الجميع" وطردهم إلى سيناء.
وكتب في شهر تشرين الثاني العام 1960 في وثائق محفوظة في أرشيف الجيش الإسرائيلي أنه "بعد مقتل النقيب يائير بيلد رحمه الله في أيلول 1959 تم تطهير جبل النقب بواسطة عملية هاجر". وأضافت الوثائق العسكرية أنه تم تنفيذ العملية العسكرية ما بين 18 و24 أيلول، وأنه طُرد خلالها إلى سيناء حوالي 400 - 450 شخصا "وهرب الباقون إلى المنطقة بسبب خوفهم بعد القتل. ونقل الجيش الإسرائيلي ما بين 700 إلى 750 من أبناء السراحين إلى المنطقة التي تم تجميع بدو النقب فيها بعد إخلائهم من أراضيهم، وحوالي 200 شخص هربوا إلى الأردن بعد أن تم سد آبار الماء. ورافق عملية الطرد قتل ثلاثة أشخاص من السراحين. كذلك فإن الجيش الإسرائيلي نصب كمائن لمنع عودة البدو إلى النقب".
ويظهر من الوثائق الإسرائيلية أن الطرد تم بمعرفة رئيس حكومة إسرائيل حينها، دافيد بن غوريون، الذي قال خلال اجتماع للحكومة عقد في 7 تشرين الأول 1959: "أريد أن أضيف شيئا لما قلته عن النقيب بيلد الذي قتل: كان معروفا تقريبا أية قبيلة قتلته، أو نصف قبيلة بدوية، وهذه قبائل بدوية انتقلت إلى جانبنا [من الحدود] وذهبت ثم عادت. وطلبنا منهم أن يعترفوا بمن فعل ذلك. قسم من القبيلة وافق على التعاون والقسم الثاني لم يعد بالتعاون. وقد طردوا القسم الذي لم يعد بالتعاون".

منقول عن موقع مدار
المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية



Ysvhzdg hsjygj lrjg Hp] qfh'ih lk H[g jktd` ulgdm 'v] uadvm hgsvhpdk Ygn sdkhx