(( حقوق الطبع متاحة للهيئات العلمية والخيرية ))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن الله تعالى قد ختم هذه الرسالة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه يعلم أنها خير الأمم فقال تعالى عنها : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } (110) سورة آل عمران
وأورثها الكتاب بعد أن ضيَّعه من قبلنا ، فقال تعالى : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } (32) سورة فاطر
وقد تكفل الله تعالى بحفظ هذا الكتاب ، فقال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (9) سورة الحجر
وأناط بالأمة الإسلامية حفظ السنَّة النبوية ، التي هي ( الحكمة ) فاختبرها من خلالها ، وهو القائل عنها ، { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ..} (143) سورة البقرة
فقامت بذلك خير قيام ،ومن هنا نشأت علوم السنَّة النبوية دراية ورواية ، وهذه العلوم قد تفردت بها الأمة الإسلامية عن سائر الأمم ، إذ لا توجد إلا فيها ، وعمدتها قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } (6) سورة الحجرات
ومن هنا قيل : (( الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ))
وقد كُتبتْ - بفضل الله تعالى - كتبٌ كثيرة في هذا الموضوع ، لم يخلُ منها عصر ،ولا سيما عصرنا هذا فجزى الله مؤلفيها عنا خير الجزاء .
وهذا الكتاب الذي بين يدينا ، يتحدث عن علوم الحديث كلها ، بشكل مفصَّل ، وقد استفدت من كتابات المتقدمين - وهي الأساس في هذا الموضوع - ومن تحقيقيات المتأخرين ، وغصتُ إلى أعماقها واستخرجت دررها، وذللت صعابها، فهاهي دونكم فاقطفوا ثمارها اليانعة ....
هذا وقد قسمته لستة أبواب :
الباب الأول- تاريخ السنة ونشأتها
وفيه فصلان:
الفصل الأول-تاريخُ السنَّة النبويةِ
الفصل الثاني - نشأتُ علم المصطلح وتطوره
----------------
البابُ الثاني- الخبرُ
وفيه أربعة فصول :
الفصلُ الأول-تقسيمُ الخبر باعتبار وصوله إلينا
المْبحَثُ الأولُ ... -الخبرُ المتواتر ...
المبحث الثاني ... -خبرُ الآحادِ ...
الفصلُ الثاني- الخبرُ المقبولُ
المبحثُ الأول " أقسام المقبول "الصَّحيحُ والحسن بشقيه ...
مسائلُ هامَّةٌ حول خبرِ الآحادِ
ثانيا-حُكْمُ الحديثِ الصحيحِ ...
ثالثا-هل خبرُ الآحاد يفيد القطع واليقين أم غلبة الظنِّ ؟
المبْحَث الثَاني ... ـ تقسيمُ الخبر المقبول إلى معمول به وغير معمول به ـ
الفصلُ الثالثُ ... -الخَبَرُ المَرْدوُد
الخبرُ المردودُ وأسباب ردِّه ...
أولاً- تعريفُ الحديث الضعيف
ثانياً- أقسامُ الضعيف
ثالثا- أَوْهَى الأسانيد
رابعاً- متى يقوَى الحديثُ الضعيفُ ؟
خامسا- حكمُ العملِ بالحديثِ الضعيفِ
سادساً - أمثلةٌ للحديث الضعيف الذي يجوزُ العملُ به في الفضائل بالشروط الأنفة الذكر: ...
سابعاً- سببُ الأخذ بالحديث الضعيف
ثامناً-كيفَ يروَى الحديثُ الضعيفُ ؟
تاسعاً- الجوابُ عن روايةِ بعض كبار الأئمةِ عنِ الضعفاءِ
عاشراً- مسائلُ تتعلقُ بالضعيف
المبْحَثُ الثَاني ... -المردودُ بسببِ سَقْطٍ من الإسناد ، التدليس ، الإرسال ، الإتقطاع ، الإعضال ...
المبحثُ الثالثِ-المردودُ بسببِ طعن في الراوي، كالموضوع ،المتروك ، المنكر، المعلل ، المخلفة للثقات ،المدرج ، المقلوب ، المزيد في متصل الأسانيد ،المضْطَّرِبُ،التصحيفُ والتحريفُ ،الشاذُّ والمحفوظُ،الجهَالة بالرَّاوي ، المسكوت عنه ، المبتدع ،سوءُ حفظ الراوي ، المختلط ،
الفصْلُ الرابعُ-الخبرُ المُشْتَرَك بين المقبول والمردود
المبْحَثُ الأولُ ... -ـ تقسيم الخبر بالنسبة إلى من أُسْنِد إليه ـالحديثُ القُدْسيُّ -الحديثُ المَرْفُوعُ-الحديثُ المَوْقوفُ -الحديثُ المَقْطوُعُ
المبْحَثُ الثَاني-أنواعٌ أخرى مشتركة بين المقبول والمردود
-----------------
البابُ الثالث-صفة من تُقبل روايتهُ وما يتعلق بذلك من الجرح والتعديل
وفيه ستة فصول :
الفصل الأول- في الراوي وشروط قبوله.
الفصل الثاني- علم الجرح والتعديل
الفصل الثالث-مراتب الجرح والتعديل
الفصل الرابع -منهجُ الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه التقريب
الفصل الخامس-تعارض الجرح والتعديل ...
الفصل السادس-تفسير عبارات الجرح والتعديل
------------------
البابُ الرابع -الرواية وآدابها وكيفية ضبطها
وفيه فصلان :
الفصلُ الأولُ ... -كيفية ضبط الراوية وطرق تحملها وغريبُ الحديث
الفصلُ الثاني ... -آدابُ الرواية
-----------------
البابُ الخامس ... -الإسنادُ ومَا يتعلقُ بهِ
وفيه فصلان :
الفصلُ الأولُ-لطائفُ الإسناد
الفصلُ الثاني ... -معرفة الرواة
--------------------
البابُ السادس-بحوثٌ في فقه الحديث ومعانيه
وفيه فصلان :
الفصلُ الأول-فقهُ الحديث ...
الفصلُ الثاني-قضايا كثيرةٌ حول العمل بالسنَّة النبوية
-------------------
وكانت طريقتي على الشكل التالي :
1- الكلام عن علوم الحديث كلها عند الفقهاء والمحدِّثين وعلماء الأصول
2- الإكثار من النقول من المصادر الأساسية حتى تكون هذه العلوم مفهومة لدى طلاب العلم .
3- الإكثار من الشواهد والأمثلة لهذه العلوم سواء من السنَّة النبوية أو من أقوال أهل العلم الذين تكلموا عنها .
4- تخريج الأحاديث من مصادرها الرئيسة بشكل مختصر ، والحكم على الأحاديث التي ليست في الصحيحين بما يناسبها جرحاً وتعديلاً وفق المنهج الوسط الذي سار عليه أئمة الجرح والتعديل .
5- الإسهاب في المواضع التي تحتاج لذلك.
6- التعقيب على كثير من الأقوال .
7- تحرير محل النزاع في كثير من الأحيان
8- ترجيح قول على قول
9- جمع ما تناثر حول علوم الحديث رواية ودراية
10- لم نسلك مسلك المتشددين ، ولا المتساهلين ، بل بين بين
وقد زادت هوامش الكتاب على خمسة آلاف وخمسمائة هامش ، ونافت صفحاته على الألفين وثمان مائة وثمانين صحيفة من القطع الكبير .
ومع كتبي الأخرى :
الخلاصة في علم الجرح والتعديل
والمفصل في أصول التخريج ودراسة الأسانيد
والخلاصة في أحكام الحديث الضعيف
والحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب
نكون قد تكلمنا على سائر ما يتعلق بمصطلح الحديث والجرح والتعديل ودراسة الأسانيد ، فلله الحمد والمنَّةُ .
قال تعالى على لسان النبي شعيب عليه السلام : {.. إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (88) سورة هود
أسأل الله تعالى أن ينفع به مؤلفه وقارئه وناشره والدال عليه في الدارين .
كتبه
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 13 رمضان 1429 هـ الموافق ل 13/9/2008 م
- - - - - - - - - - - - - - -
الباب الأول
تاريخ السنَّة ونشأتها
وفيه فصلان:
الفصل الأول-تاريخُ السنَّة النبويةِ
الفصل الثاني - نشأتُ علم المصطلح وتطوره
الفصل الأول
تاريخُ السنَّة النبويةِ
المقدمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وكرمه ورحمته يقبل اليسير من العمل ويغفر الكثير من الزلات، والصلاة والسلام على من اكتملت برسالته الرسالات، وختمت بنبوته النبوات سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد...
فإنه مما لا شك فيه أن تاريخ العلوم يشابه إلى حد كبير تاريخ الإنسان، فكما أن لكل إنسان تاريخه الذي يبدأ من لحظة ميلاده ثم يمر بأطوار مختلفة من طفولة وغلامية وشباب ورجولة وهكذا.
كذلك العلوم، فإن لكل علم مراحلَه التي يمر بها: ميلادًا ونشأةً ونموًّا وكمالاً.
والسُّنةُ النبوية وعلومها، ومنزلتها، وأهميتها، وشرفها، ومكانتها، تلي منزلة القرآن الكريم، وقد امتحن الله خلقه بالانقياد لها، والتسليم لأحكامها، حيث فرض الله في كتابه طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، والانتهاء لحكمه، فمن قبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبفرض الله قبل.
كما جعل طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - طاعته تعالى، وحكمه حكمه، ومبايعته مبايعته، فمن قبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن الله قبل، لما افترض الله من طاعته، كما أنّ من قبل عن الله فرائضه في كتابه قبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سننه، بفرض الله طاعة رسوله على خلقه، وأن ينتهوا إلى حكمه.
لأنه تعالى وضعه من دينه وفرضه وكتابه، الموضع الذي أبان جلَّ شأنه أنه جعله علمًا لدينه، بما افترض من طاعته، وحرَّم من معصيته، وأبان من فضيلته.
قال تعالى: ((مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)) [النساء:80].
وقال تعالى: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)) [الحشر:7].
وقال تعالى: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [النساء:65].
وقال تعالى: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا)) [الأحزاب:36].
لهذه الآيات وغيرها أدركت الأمة المسلمة- سلفًا وخلفًا- قيمة السنة النبوية، وضرورتها في معرفة أحكام دينها، لذلك أولوها جلّ اهتمامهم، حفظًا لها، وتطبيقًا لأحكامها، ووضع القواعد والضوابط التي تضمن سلامتها من الدسِّ والتغيير، وصيانتها من التحريف والتبديل، وقد تنوعت هذه الجهود المباركة حتى أثمرت علومًا شتى، وقواعد متعددةً، منها ما يتعلق بالمتون، ومنها ما يتعلق بالأسانيد، ومنها ما يتعلَّق بهما معًا، حتى قال بعض المستشرقين: " ليهنئ المسلمون بعلم حديثهم".
وفي هذه الزاوية سنقف على الجهود الخلاقة المبدعة التي قدّمها علماؤنا - عبر القرون المتتابعة - من أجل أن تكون السَّنةُ نقيةً للمسلمين، كي ينهلوا من وردها العذب، ومعينها الصافي، وأن أبرز أن المسلمين لا يمكن أن يكون لهم غِناء عن سنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، فهي جزء من دينهم الذي أرسل الله سبحانه وتعالى به محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إليهم، وهو - صلى الله عليه وسلم - بأقواله وأفعاله وسلوكه وأخلاقه، وكل ما صدر عنه أساس متين من أسس هذا الدين، وباب من أبواب الرحمة المتمثلة في شرع الله ودينه، وصدق الله عز وجل، إذ يقول: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) [الأنبياء:107].
نسأل الله أن يوفقنا لصدق القول وحسن العمل، وأن نكون من المتبعين غير المبتدعين، لنكون ممن قال الله فيهم: ((وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [الزمر:61].
hgltwg td ug,l hgp]de Yu]h] hgfhpe hgrvNk ,hgskm ugd fk khdt hgap,]
مواقع النشر (المفضلة)