الفينيقيون يبحرون بأشرعتهم حول أفريقيا من جديد

ضاحي حسن

بي بي سي

تم بناء السفينة باستخدام نفس المواد والوسائل التقليدية التي اعتمدها الفينيقيون في بناء سفنهم

في حوض قديم لبناء السفن في جزيرة أرواد الصغيرة الواقعة على بعد حوالي 3 كيلومترات قبالة مدينة طرطوس على الساحل السوري، انهمك خالد حمود ورفاقه خلال الأيام والأسابيع الماضية بوضع اللمسات الأخيرة على سفينتهم الشراعية الحلم "فينيقيا" التي لن تحمل لهم على متنها الشهرة فحسب، بل ستعيد إلى الأضواء قصة أجدادهم الفينيقيين القدماء "أسياد البحار" بعد أكثر من 2000 عام!

وعلى بعد آلاف الأميال من أرواد، وتحديدا في ذلك الكوخ الصغير في "إيست شولدن" بمقاطعة دورسيت جنوبي إنكلترا، بدا فيليب بيل أكثر انهماكا وقلقا بشأن "فينيقيا"، فهو صاحب الفكرة وقائد البعثة الأسطورية التي ستأخذه "فينيقيا" على متنها ليدور حول قارة أفريقيا، محاولا إعادة رسم تفاصيل ملحمة أول رحلة يعتقد بأن سفينة شراعية فينيقية كانت قد قامت بها حول القارة السمراء منذ حوالي 600 سنة قبل الميلاد.

"محاكاة" الرحلة الفينيقية الرحلة ملحمة ثقافية تربط سورية الفينيقية بإفريقيا وأوروبا وتستحضر تاريخ هذه التجربة التاريخية الفريدة التي سيتابعها العالم وسيتبين أكثر روح المغامرة وحس الاكتشاف التي تحلى بها الفينيقيون

يقول بيل إنه سينطلق مع طاقمه، المؤلف من حوالي 20 بحارا من جميع أصقاع المعمورة، في شهر أغسطس/آب المقبل في "المغامرة المجنونة" على متن السفينة الخشبية البدائية المصنوعة بنفس الطريقة ومن نفس المواد التي اعتاد الفينيقيون الأوائل على استخدامها في صناعة سفنهم، وذلك في بعثة ترمي إلى "محاكاة تجربة الرحلة الفينيقية الأصلية وإعادة تقديمها إلى البشرية من جديد".

إلا أن بيل، وهو رحالة عصري مغامر وضابط سابق في البحرية البريطانية، يذكر بأهمية الرحلة إذ يقول: "إنها حقا تعيد الحياة إلى التاريخ وتبعثه من جديد، إذ سيتمكن الأطفال من أفريقيا وأروبا والشرق الأوسط وبقية أنحاء العالم من متابعة تطور الرحلة كلما اكتشفنا وعرفنا المزيد عن حياة الفينيقيين وعن حس الاكتشاف المذهل لديهم."

حضارة وقرصنة

أسأل بيل عن الفكرة وكيف ومتى خطرت بباله للمرة الأولى، فيجيب: "إن قراءتي لكتب التاريخ، وتحديدا لكتابات المؤرخ الإغريقي هيرودوتوس، جعلتني أدرك أهمية الحضارة الفينيقية وضرورة إعادة سبر أغوار الماضي لمعرفة المزيد عنها، وإن اضطرنا الأمر لأن نركب أمواج البحر من جديد ونواجه القراصنة قبالة سواحل القرن الإفريقي بالقرب من الصومال ونخبر عن قرب التيارات البحرية وغيرها من الصعاب والمشاق."

ويستطرد بيل في وصفه لفكرته، فيقول: "قد تكون الفكرة مجنونة بعض الشيء، إلا أن أفضل الأفكار هي تلك الأفكار المجنونة."

وعن تلك المصاعب التي يتوقع أن يواجهها وطاقمه خلال الرحلة المرتقبة، يقول رجل البحرية البريطانية السابق: "إن في الأمر مجازفة وعواقب قد تكون وخيمة. فهناك تحديان رئيسيان أمام الطاقم: الأول هو كيفية تدبر حياتنا بعيدين عن بيوتنا وأوطاننا في ظل ظروف قاسية وبعيدا عن وسائل الراحة التي اعتدنا عليها في منازلنا، والثاني هو القدرة على التكيف مع عامل الخوف من الإقدام على فعل أمر ينطوي على المغامرة والمجازفة والخطر، وإن بوسائل جد بدائية."

لا حمامات ولا رفاهية

تحظى البعثة بموافقة الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية وتلقى اهتمام جامعات وهيئات ثقافية وآثرية وعلمية عدة

وما يدفع بيل على خوض التحدي هو "الرغبة الجامحة" في إثبات أن الفينيقيين تمكنوا فعلا من الإبحار حول رأس الرجاء الصالح قبل أن يفعل الأوروبيون ذلك بعد ألفي عام من تلك الرحلة الأولى المفترضة.

تشكيك

ومرد تلك الرغبة، كما يقول بيل، هو أن بعض المؤرخين يشككون بأن يكون الفينيقيون قد قاموا أصلا بمثل تلك الرحلة، فهم يعتقدون أنه كان من الصعب على السفن الشراعية البدائية، كتلك التي اعتاد الفينيقيون الإبحار على متنها، أن تجتاز منطقة رأس الرجاء الصالح الخطيرة جدا. أعطانا الفينيقيون، أولئك الأبطال الذين لم يذكر التاريخ أمجادهم ويتغن بها بالشكل الذي يستحقونه، الأبجدية الأولى وكانوا أول من اخترع نظام التأمين وأول من اهتدى بالنجوم خلال رحلاتهم، كما كانوا هم من اكتشفوا النجم القطبي
فيليب بيل قائد بعثة السفينة "فينيقيا"

ويقول بيل إن الرواية الوحيدة الموجودة التي تتحدث عن إتمام رحلة من ذلك القبيل هي تلك التي وردت في كتابات المؤرخ الإغريقي هيرودوتوس عام 440 قبل الميلاد، رغم أنه لم يكن متأكدا تماما من أن الفينيقيين كانوا قد قاموا فعلا بمثل تلك الرحلة.

من هنا، يقول بيل، إنه يسعى للتجريب بنفسه ويقتفي الآثار التي يمكن أن يكون البحارة الفينيقيون قد خلفوها وراءهم ويسترجع الصعاب التي واجهوها خلال رحلتهم الشاقة المحتملة، إذ سيخبر عن قرب قوة التيار البحري القادم من السواحل الصومالية ويعرج على المرافىء والمدن التي يمكن أن يكون مر بها الفينيقيون، مثل مومباسا في كينيا ودار السلام في تنزانيا وكيب تاون في جنوب أفريقيا وأكرا أو تيما في غانا وغيرها من المدن والمواقع الأخرى.

الأبجدية الأولى

يقول بيل: "لقد أعطانا الفينيقيون، أولئك الأبطال الذين لم يذكر التاريخ أمجادهم ويتغن بها بالشكل الذي يستحقونه، الأبجدية الأولى وكانوا أول من اخترع نظام التأمين وأول من اهتدى بالنجوم خلال رحلاتهم، كما كانوا هم من اكتشفوا النجم القطبي."

واللغز الآخر الذي يحاول بيل حله من خلال رحلته المرتقبة هو سبب ضحالة ما نعرفه عن الفينيقيين من معلومات، مقارنة بالإغريق والرومان، رغم أن الإغريق كانوا أول من عُرفوا بلقب "أسياد البحار" ونشروا علومهم وثقافتهم وتجارتهم عبر رحلاتهم البحرية تلك في ربوع العالم المختلفة.

وقد حظي مشروع "بعثة السفينة الشراعية فينيقيا"، والذي أمضى بيل وفريقه أكثر من عام يخططون له ويعدون العدة لإنجازه انطلاقا من قاعدتهم الصغيرة في دورسيت، وسط اهتمام العديد من الجهات العلمية والأكاديمية والثقافية في كل من سورية وبريطانيا وخارجهما، ومنها المتحف البريطاني الذي من المقرر أن يستضيف عامي 2009 و2010 معرضا عن الحضارة الفينيقية تكون "السفينة فينيقيا" أحد ركائزه الأساسية ويسلط الضوء على الرحلة ونتائجها.

تسلط الضوء على حضارة الفينيقيين التي بدأت عام 1200 قبل الميلاد على ساحل ما يعرف الآن بسورية ولبنان وفلسطين، حيث استمرت حضارتهم قرابة الألف عام
تم بناء السفينة باستخدام نفس المواد والوسائل التقليدية التي اعتمدها الفينيقيون في بناء سفنهم، إذ اعتمد على المعلومات المستمدة من حطام السفن الفينيقية القديمة والاكتشافات الأثرية، كالأواني والنقود المعدنية، بالإضافة إلى آراء الباحثين والخبراء

يبلغ طول السفينة 21.5 مترا (70 قدما) وقد بنيت على يد وتحت إشراف السوري خالد حمود في حوض قديم لبناء السفن في جزيرة أرواد، التي كانت تُعتبر أحد أهم المدن الفينيقية على الساحل السوري يقودها فيليب بيل، وهو رحالة ومغامر وضابط سابق في البحرية البريطانية من دورسيت جنوبي إنكلترا وسبق له أن قام بمغامرة مشابهة عامي 2003 و2004 على متن السفينة "بوروبودور" التي أعاد من خلالها اكتشاف طريق التجارة القديم بين آسيا أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح

تقطع الرحلة 17 ألف ميل خلال 10 أشهر تمضيها في البحر بطاقم مكون من 20 بحارا من دول مختلفة في جميع مراحل الرحلة

تنطلق في شهر أغسطس/آب من عام 2008 من جزيرة أرواد قبالة الساحل السوري وتدور حول القارة الأفريقية بعد أن تعبر قناة السويس إلى البحر الأحمر ومن ثم تتجه إلى الساحل الشرقي لأفريقيا وبعدها إلى رأس الرجاء الصالح فساحل أفريقيا الغربي فمضيق جبل طارق عبر المتوسط، لتعود أخيرا في أيار،مايو المقبل إلى حيث انطلقت من الساحل السوري

تغادر طفينيقيا" بعدها سورية متجهة إلى بريطانيا حيث ستعرض في المتحف البريطاني بلندن كجزء أساسي من "معرض الحضارة الفينيقية" المزمع تنظيمه عامي 2009 و2010

ويأمل بيل بأن يستفيد الكثير من تجربته السابقة ليجعل من بعثة "فينيقيا" أكثر نجاحا ومتعة وإثارة، إذ يقول: "أعتقد أنني قد نضجت وأصبحت أكثر ثقة بالنفس وبت قادرا على عمل شيء من هذا القبيل."

ويضيف قائلا: "تمثل الرحلة المقبلة تحديا كبيرا، ولذلك أقوم بها. وأعتقد أنه يتعين على المرء أن يتبع أحلامه، وهذا هو أحد أحلامي."

مختصر من bbc


hgtdkdrd,k dfpv,k fHavujil p,g Htvdrdh lk []d]