اسباب سقوط الدولة الطولونية في مصر


بقلم د عبد الحليم عويس*

الانتصار في معركة ‏.‏‏.‏ والحصول على مكسب وقتي ‏.‏‏.‏‏.‏ والوصولإلى السلطة‏.‏‏.‏ هذه كلها ليست هي قضية التاريخ ‏.‏‏.‏ ولا معركة التقدم البشري‏.‏‏.‏ بل هي عموما ليست من عوامل تحريك التاريخ إلى الأمام أو الخلف على نحو واضحوضخم‏.‏‏.‏ إن الانتصار في معركة ‏.‏‏.‏ قد لا يعني الهزيمة الحقيقية للأعداء ،فحين لا تتوافر العوامل الحقيقية للنصر ‏.‏‏.‏ يصبح أي نصر مرحلي عملية تضليل ،واستمرارا للسير الخطأ ، وتماديا في طريق الوصول إلى الهزيمة الحقيقية ‏.‏‏.‏ هكذاسار التاريخ في مراحل كثيرة من تطوراته ‏.‏‏.‏ كان النصر بداية الهزيمة ، وكانت الهزيمة بداية للنصر ‏!‏
الطولونية 3004_image002.jpg
وحين يصل إنسان ما إلى الحكم ‏.‏‏.‏ دون أن يكون معدا إعدادا حقيقياللقيادة ، ودون أن يكون في مستوى أمته ‏.‏‏.‏ يكون وصوله على هذا النحو هو المسمارالأخير الذي يدق في نعش حياته وحياة الممثل لهم ‏.‏‏.‏ ‏!‏
والتاريخ في دوراته غريب وهو يعلمنا أنه لا توجد قاعدة ثابتة للتحولترتكز على أسس متينة ، اللهم إلا قاعدة التغيير من الداخل المرتكزة على عقيدة لهاجذورها في أعماق النفس ، ولها انسجامها مع حركة الكون ولها صلاحياتها في البقاءوالانتشار والخلود ‏!‏
وعندما أعلن ‏"‏ أحمد بن طولون ‏"‏ مؤسس الدولة الطولونية في مصرانفصاله عن الدولة العباسية بعد سنة 254هـ ، كان ينقصه الوعي بحركة التاريخ والشروطالضرورية للتغيير ، وكان بإنشائه هذه الدولة ليس أكثر من ‏"‏ انقلابي ‏"‏ سيطر علىالحكم في ظل أوضاع معينة مرت بها الدولة العباسية ، سمحت له ولأمثاله بإظهارمطامحهم في مزيد من السلطة والشهرة والرغبة الجامحة في السيطرة ‏.‏ لم يحاول هذاالرجل - ما دام قد وصل إلى مستوى الثقة لدى الجهاز العباسي الحاكم - أن يتقدمبإصلاحاته ، وأن يبحث عن السبل المؤدية لحماية الدولة الإسلامية الجامعة ، وإنماراح في إغراق في عبودية الذات يبحث عن استغلال الظروف لصالحه ‏.‏
ومنذ استقر في مصر سنة 254هـ وهو يحاول جمع كل مقاليد السلطة في يده، فيتخذ من الإجراءات ما يجعله الرجل الوحيد في مصر ، وليس الرجل التابع لدولةإسلامية كبرى تستطيع عزله وتولية غيره ‏.‏ وقد عزل - في سبيل ذلك - عامل الخراجالذي عينه العباسيون على مصر - وتمكن من التحكم في الشئون المالية إلى جانب الشئونالإدارية والعسكرية ‏.‏
ودخل أحمد بن طولون في صراع مع الدولة العباسية الجامعة وانتصر علىأخي الخليفة أبي أحمد ‏"‏ الموفق ‏"‏ واتخذ من الإجراءات الثورية ما يكفل له الوقوفعلى قدميه لصد أي هجوم عباسي ‏.‏
لكنه في الحقيقة لم يكن في حاجة إلى هجوم ‏.‏‏.‏ فنشأته على النحوالسابق تحمل في أحشائها النهاية الطبيعية العاجلة ‏.‏ ورأت الخلافة من الحكمة أنتستغله ‏.‏ بدل أن تدخل معه في صراع ، وكلفته بمهام جديدة ، منها حماية الثغورالشامية ‏.‏‏.‏ ومات أحمد بن طولون تاركا دولة تقف كلها على أقدامه وحده وليست لهاأقدام أخرى ‏.‏‏.‏ من عناصر الحياة التاريخية والحضارية ولذا فإنها بموته وقعت علىالأرض‏.‏‏.‏ وعلى الرغم من كل ما أبداه ‏"‏ خمارويه ‏"‏ ابنه من اتباع لسياسة أبيه، ومن تمسك بمعالم استقلال وقوة دولته المستقلة ‏.‏‏.‏ إلا أنه لم يعد أن يكونمرحلة عبرها التاريخ ليدخل بالدولة - فورا - في مرحلة الأفول والفناء ‏.‏
فبعد خمارويه انغمس الأمراء الطولونيون في لهوهم ، وتفشت ظاهرة حبالسلطة والاستقلال لدى عمالهم في الأقاليم ‏.‏ وانقلب الثوريون على أنفسهم ، أوبالتعبير الدارج ‏.‏‏.‏ بدأت طلائع الثورة يأكل بعضها البعض ‏.‏ وقد ولي الأمر بعدخمارويه ثلاثة من آل طولون لم يزد حكمهم على عشر سنوات ، ولم تستفد البلاد المصريةأو الشامية منهم شيئا غير الفوضى والتنافس بين الطامعين في السلطة أو الفساد الذينجم عن الترف ، وعن الاستبداد وغيبة الأمة عن الرقابة أو الحكم ‏.‏‏.‏ وفي هذهالحال ‏.‏‏.‏ لم يكن الأمر متعبا بالنسبة للدولة العباسية ‏.‏‏.‏ فتقدمت جيوشهالاسترداد مصر من خامس الولاة الطولونيين وهو ‏"‏ شيبان ‏"‏ الذي كانت الفوضى قدوصلت في عهده قمتها وأعلى معدلات خطورتها ، وشهدت سنة 292 هـ دخول هذه الجيوش إلىالقطائع في القاهرة ‏.‏‏.‏ ومن فوق المنبر أعلن إزالة الدولة الطولونية التي لمتستطع أن تحكم أكثر من أربعين سنة عاشتها في صراع خارجي وعاشت معظمها في صراع داخلي، مع شعب لم يهضم حركتها التي لم يكن لها المبرر الحضاري الهام لإحداث التغيير ‏.‏
وعادت مصر إلى حظيرة الدولة العباسية ‏.‏‏.‏ وعلى امتداد تاريخناسجلت صفحاته عشرات من الانقلابات وسجلت أسماء مئات الانقلابيين ‏.‏‏.‏ ولكنهم - جميعا وبلا استثناء - لم يقدموا ما يتوازى مع أحجام الخسائر التي كبدوها لأمتهم‏.‏‏.‏ لأن الانقلاب ليس الوسيلة التاريخية المهيئة للتغيير ، إذ هو موجة انفعاليةسرعان ما تنحسر محدثة رد فعل انحساري عنيف ‏.‏‏.‏ ودائما ‏.‏‏.‏‏.‏ دائما أثبتت كلتقلبات تاريخنا كما أثبتت كل تطورات الحضارة ‏"‏ أن الانقلاب يدفع إلى انقلاب‏.‏‏.‏ وأن حركة التاريخ لا تندفع بالعنف والانفعال ‏"‏ ‏!‏‏!‏
---
* كتاب الدكتور عبد الحليم عويس "دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية"



hsfhf sr,' hg],gm hg',g,kdm td lwv - frgl ] uf] hgpgdl u,ds* hsfhf sr,' hg],gm hg',g,kdm td lwv