الشاذ لايستقيم مع الاصاله.
اسباب سقوط الدولة الاخشيدية
بقلم د عبد الحليم عويس*
في قوانين الحضارة : أن المادة والروح لا تفنيان فناء مطلقا.. وأن بذور الخير والشر لا يمكن أن تموت موتا أبديا .. وأن الخير أو الشريتحولان إلى مادة خام ... لميلاد جديد سواء كان هذا الميلاد انبعاثة خير أوانبثاقة شر .وبوسع علماء الحضارة أن يقدموا نماذج عديدة تبين بوضوح أن " الخمرالعتيقة " لا يمكن أن تذوب دون أن تدخل في صنع مآدب حضارية جديدة .. تماماكالجسم الميت الذي يدخل في أجسام أخرى حية يمنحها من طاقته الذاهبة طاقات جديدةمندفعة للحياة والإبداع ، وكما يأكل الإنسان لحوم الدواجن والحيوانات الأخرى الحلالوالأسماك .. ثم يتحول هو يوما إلى طعام يسهم في إحياء حيوانات أخرى.. أو فيمنح الأرض بعض المواد الكيماوية والحضارات تمر بنفس الطريق الدائري الخالد ..فأثينا برقيها الفلسفي والأدبي .. تتحول إلى خميرة حضارة لروما . والحضارةالأوربية تقوم على خميرة الحضارة الإسلامية وبقايا الحضارات الرومانية .----
وعندما زرع أحمد بن طولون منشئ الدولة الطولونية أولى بذور الحركاتالانفصالية في مصر عن الخلافة العباسية الجامعة والأم ، بدأت بزرعه لهذه البذرةالخبيثة بذور الانفصام تدب في نفوس قوى كثيرة جياشة بالفوضى . زاخرة بالطموحالشخصي، ناقمة على قيادة العباسيين .. الجامعة .
متأثرة بعوامل قومية من تلكالعوامل التي تدمر روح الحضارة وتبشر بمستقبل ضائع ميت .. لقد كانت دولة ابنطولون مثالا لكثير من الدويلات التي شذت على الخلافة ، وشيدت أبنيتها المتداعية علىأنقاض الخلافة ، ولم يعد لكثير منها علاقة بالخلافة أكثر من الاعتراف بسلطة الخليفةالاسمية .
وبعد السقوط المتوقع لهذه الدولة عادت مصر وسورية إلى حكم العباسيين، بيد أن بذرة الانفصال - كما ذكرنا - كانت قد زرعت في نفوس قوى كثيرة ، جائشةبالفوضى فوارة بالنوازع القومية الوثنية .. فما كادت دولة ابن طولون تموت حتىحلت محلها بعد برهة زمنية قصيرة - في مصر - دولة الإخشيديين التي أسسها " محمد بنطغج " والتي عاشت آيلة للسقوط بين سنوات ( 323 - 358هـ ) ( 935 - 969م ).
وكانت بداية الدولة نظيرة لنفس البداية التي انطلقت منها الدولةالطولونية ، فمحمد ابن طغج وكل إليه من قبل الخلافة العباسية أمر مصر لتنظيمأحوالها .. فنظم أحوالها لنفسه واستقل بالأمر ، واستولى على سورية وفلسطين وضممكة والمدينة إلى دولته .
وبموت ابن طغج حكم بعده ابنان له صغيران لم يكن لهما من الحكم إلااسمه .. وكانت مقاليد الأمور في الحقيقة منوطة بيد عبد خصي حبشي يدعى " كافور" " أبا المسك " - كان ابن طغج الذي لقب بالإخشيد - قد اشتراه من تاجر زيتبثمانية دنانير .
وقد استقل هذا العبد الحبشي بإدارة مصر .. ( وكانت له مع شاعرالعصر أبي الطيب المتنبي قصص مشهورة) كما أن هذا العبد الخصي نافس دولةالحمدانيين التي ظهرت في شمال سورية .
وعبر خمسة حكام ضعاف باستثناء أولهم محمد بن طغج - مشت الدولة مسرعةفي طريقها إلى الموت المحقق .. فلم يكن الحاكمان التاليان لمؤسسي الدولة إلاتابعين لكافور - كما ذكرنا - وبموت كافور وتولي ( أبي الفوارس أحمد ) سقطتالدولة سقوطا مروعا على يد جوهر الصقلي قائد المعز لدين الله الفاطمي سنة 358هـ .
ولم يقدر لهذه الدولة أن تخلف شيئا يذكر من المآثر العامة ، كما أنالحياة الأدبية والفنية لم تكن ذات بال فيها ، ولم يظهر كلمعة الشمس المتوهجة إلاذلك الضيف الباحث عن فضلة من كأس الحكم .. يدعم بها غروره الشعري وتفوقه الجديربالتقدير في ميدان الكلمة المسيطرة الآمرة !! وعندما ضن عليه كافور بفضلة الكأسهرب من مصر دون " تأشيرة خروج " ولقي حتفه جزاء له .. بعد أن ترك حقده علىالسلطة ممثلا في أشهر أبياته :
لا تشتر العبد إلا والعصا معه ** إن العبيد لأنجاس مناكيد
مريدا بذلك أشهر حكام الدولة الإخشيدية " كافور " .
ولو لم يصل جوهر إلى حدود مصر لسقطت الدولة الإخشيدية بفعل عامل آخر، فعندما لا يكون هناك مبرر للوجود .. لا يكون ثمة مبرر للبقاء .. ولا تفعل القوى الخارجية التي تسيطر على الأمم والشعوب سوى أن تتقدم في فراغ دون أن تصطدمبجدران حضارية أو صخور قوية راسخة بالعقيدة " بمبرر الوجود ... ومؤهل البقاء " !
* كتاب الدكتور عبد الحليم عويس "دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية"المصدر: ..ٌ::ٌ:: النسابون العرب ::ٌ::ٌ.. - من قسم: تاريخ عصر السلاطين العظامhsfhf sr,' hg],gm hghoad]dm - frgl ] uf] hgpgdl u,ds
الشاذ لايستقيم مع الاصاله.
مشكور على هذا البحث الرائع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)