معجم معالم قبيلة جُهَينة القديمة والحديثة
للكاتب الاستاذ الكبير .. ابن غنيم المرواني
الحمد لله ذي المعاد , الذي رفع السماء بلا عماد , وبسط الأرض تحتها كالمهاد , وأثبتها بالراسيات الجبال كالأوتاد , والصلاة والسلام على نبي الحشر والمعاد , خير من وطئ البلاد , ونطق بفصيح الضاد , عليه وعلى آله في كل سهل وواد , أزكى صلاة وسلام إلى يوم التناد .
وبعد :
هذا كتاب معجمي جغرافي مختصر يختص بمعالم وديار قبيلة جهينة , ويبحث في منازلها وأرضها في الجاهلية والإسلام وذلك بالرجوع إلى كتب البلدان , والدواوين , والرحلات , والمعاجم , والتاريخ , والأنساب , والأدب , قديمها وحديثها , وفيه استدراكات وإضافات وتصحيحات لما وقع فيه المؤلفون السابقون واللاحقون من أخطأ شنيعة , وأضفت إليه ما لدي من حصيلة المشاهدات والرحلات والمعرفة بتلك المنازل والديار , وقد أجتمع لدي بحمد الله عدد لا بأس به من أسماء تلك المواضع والديار فقمت بتوضيح كل موضع وبيان حدوده وصفة موضعه وبيان أسماء أوديته , وآباره , ومناهله , وجباله , وبيان تحديده من حيث الطول والعرض , وبعد ذلك أحببت أن أقوم بجمعها وتدوينها في مؤلف خاص علها تكون نواة لمعجم شامل لكل ما يختص بقبيلة جُهينة من حيث , مدنها , وقراها , وهجرها , وجبالها , وحممها , وأوديتها , وسهولها , وآبارها , ومواردها , وعيونها , ومناهلها , وكذلك يوجد في معجمنا هذا على اختصاره الكثير من الزيادات والاستدراكات على ما كتبه السابقون واللاحقون , بل وفيه عدد كبير من مواضع جهينة وديارها تذكر لأول مرةٍ والتي تشمل مناطق شاسعة وذلك من شمال أملج إلى مصب وادي الحمض " إضم " بقرب منطقة الوجه شمالاً , ومن مصب الوادي في البحر الأحمر إلى ذي المروة " المارامية " ثم إلى العيص وهذه المساحات الشاسعة أهملها وجهلها الكثير من السابقين واللاحقين ممن كتبوا عن المنازل والديار , فمن اللاحقين عاتق البلادي في معجمه الضخم " معجم معالم الحجاز " والواقع في عشرة أجزاء , فإن قمت بالبحث بين اجزاء معالم الحجاز وصفحاته لا تجد ذكراً لتلك المواضع , وتنبع أهمية كتابنا هذا أن يذكر مواضع لم يذكرها السابقون , وقد وقفت على كثير منها وذكرت حدودها وصفتها وبيان القبائل التي تستوطنها والتي تذكر لأول مرة , فبحسب علمي هو أول معجم جغرافي يتناول موضوعه منازل قبيلة جهينة قديمها وحديثها .
وأما قبيلة جهينة فهم بحمد الله لا يزال أبنائها يسكنون بأرضهم ومنازلهم القديمة من قبل الإسلام وإلى اليوم , وهي الحجاز وتهامة وما حولهما , كما أنه مع تحضر كثير من أبنائها اليوم إلا أن غالبيتهم مع سكناهم المدن والقرى وتعلمهم في المدارس والجامعات إلا أنه لا تزال مظاهر البداوة العربية الأصيلة في كثير منهم , ولا زلت أذكر أثر أحد أبنائها وروادها ومفكريها الكبار إنه نسابة وباحث جهينة الأول عبد الله المرواني الجهني - رحمة الله - في تحفته الثمينة والنادرة كتاب " الأمجاد البادية من عرب البادية " , حين يذكر أثر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ووصيته لخليفته عثمان عند وفاته حين قال له : ( أكرموا عرب البادية , فإنهم مادة الإسلام , وأصل العرب , ولا تجهلونهم , حتى لا يحتقروا أنفسهم .. ) .
وقبيلة جهينة من أكبر القبائل العربية المهيمنة على الحجاز , قبل البعثة النبوية وبخاصة على الأنحاء الغربية للحجاز , من المدينة حتى ساحل البحر ، فكانت منازلها ومناطق نفوذها ممتدة من المدينة , فينبع , والعيص , وذي المروة ( المارامية ) , وجبال الأشعر , والأجرد ، وقدس , وصندد , وآره ، ورضوى ، وذا خشب , وانتشروا كثيرا في تلك الأودية والشعاب ، واستوطنوا بطن وادي الحمض " إضم " على طوله حتى مصبه في البحر الأحمر , ونزلوا بواطاً ، وبدراً ، وقرى الصفراء بجميعها , وودان ، والحوراء ، وامتدوا بمحاذاة ساحل البحر الأحمر حتى بلغوا الوجه وضباء ، إلى أن بلغت منازلهم حقل , ثم بعد ذلك تقلصت بعض الشيء حدود أراضهم وذلك بسبب انضمام كثير من أبنائها إلى جيوش الفتوحات الإسلامية في العراق والشام ومصر وهجرة كثير منهم بعد ذلك إلى الشام والعراق ومصر ونزولهم بها , وأما اليوم فغالبية منازلهم بالحجاز , وهذه المنازل والديار هي ما سنستعرضها بالبحث في كتابنا هذا باختصار .
وما السبب الذي دفعني إلى نشر هذه الفصول التاريخية عن معالم ومنازل قبيلة جهينة , فهي عدة أمور قد يكون من أهمها مطالبة وتشوق كثير من أبناء جهينة الكرام إلى معرفة شي من تاريخهم المجيد وحاضرهم التليد ومنازل ومواضع ديارهم , فلعلها تكون مقدمة لتاريخ جهينة الكبير الذي سيدون بمداد من نور تاريخ جهينة وأنسابهم وأعلامهم ورموزهم وفضائلهم ومنازلهم , فقمت بذلك استجابة لهم ونزولاً عند رغباتهم وتحقيقاً لمطالبهم , وثانياً : قلة ما كتب عن تاريخها ومنازلها اليوم , بل وندرة الكتب التي تحدثت عن تاريخ هذه القبيلة .
وحقيقة الأمر أعلم أنه سوف يفوتني كثير من تلك الديار , وذلك لأسباب عديدة يمكن إجمالها في قلة المصادر الحاضرة التي أفردت للكتابة عن تاريخ هذه القبيلة ومنازلها , بل أجزم أنني مع شدة البحث والتحري والتدقيق لم أطلع إلا على بعض الكتب القليلة : كـ ( تاريخ جهينة ) للخطيب وهو صغير الحجم جدا لم يتطرق فيه مؤلفة إلى منازل وديار القبيلة , والثاني هو ملحق ( بلاد ينبع ) تأليف : المؤرخ الحجة بحاثة الجزيرة حمد الجاسر - صب الله عليه شآبيب الرحمة - وتعرض فيه فقط لجغرافية ومواضع القبيلة القديمة ولم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى المواضع والمنازل الحديثة , وهو كتاب صغير الحجم جداً يقع بحدود 40 ورقة , ولكنه نافع ومهم لا يستغنى عنه أي باحث في تاريخ المنطقة , وقد فاته الكثير من المواضع وسيأتي معنا استدراك ما فاته , ويضاف إليها أيضا كتاب : ( العيص ) للأستاذ معتاد بن عبيد السناني الجهني , وهو ثمين وقيم ونادر من أفضل ما أطلعت عليه , ومما زاد من أهميته أن صاحبه من أهل المنطقة وكذلك سؤاله لكبار السن من رجالات جهينة ومشايخها , وهذا هو الفعل الصحيح والأثبت في الكتابة عن الأنساب والجغرافيا , وذلك مصداقاً لقول أهل البادية : ( ما حك جلدك مثل ظفرك ) , ولكنه يعد أيضاً محصوراً في منطقة العيص وجغرافيتها .
وأما الطريقة والمنهجية التي سوف نتبعها في هذه الكتاب , فهي تقوم على الاختصار ما أمكن وعدم التوسع , إلا في بعض المواضع التي تحتاج إلى مزيد توضيح وقد يلاحظ القارئ الكريم ذلك كما سيأتي معنا , كما أنني لن ألتزم بالكتابة على حروف المعجم أو على أي طريقة أخرى إنما أترك ذلك لما يهديني إليه اختياري بحسب الأهمية ,
أما بخصوص الحقوق الفكرية للنشر , فهي محفوظة للمؤلف وأتمنى ممن سيقتبس أو سينقل شي من هذه المواضيع التاريخية والجغرافية أن يكون أميناً في النقل وأن يعزو إلى المصدر الذي أقتبس ونقل منه , وذلك من باب التعاون على البر والتقوى وحفاظاً على الحقوق الفكرية والتزاماً بالأمانة العلمية والدينية .
وختاماً أنا إذ أدون بكتابي هذا بعض من تاريخ هذه القبيلة لا أريد من وراء ذلك جزاءاً ولا شكوراً , ولا متاجرة ومرابحة فتاريخ جهينة أكرم من أن أجعله عرضة لذلك , إنما يكفيني شرفاً خدمة هذه القبيلة وأبنائها وذلك بكتابة صفحات من تاريخها العظيم , وأتمنى من الله العلي القدير أن أكمل وضع حلقات هذا المعجم الجغرافي , وأن لا تضطرني الظروف إلى التوقف عن إكماله , حيث أنه عمل ومجهود فردي عرضة للخطأ والصواب ولا أدعي له الكمال ولا الشمولية , ولكن كما قيل : ما لا يدرك جله لا يترك كله , فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمني والشيطان وأستغفر الله عنه , والسعيد من عدت غلطاته وما اشتدت سقطاته ! .
الإهداء :
إلى شيخ عرب جُهينة في الجزيرة العربية , الشيخ : سعد بن غنيم المرواني الجهني - رحمة الله عليه - , أهدي عملي لهذا الشيخ الراحل العلم والرمز لما له من مآثر جليلة وأعمال خالدة لجميع أبناء القبيلة وأبناء الجزيرة العربية بأكملها .
نبذة عن قبيلة جُهينَة :
( جُهَينَة ) : بضم الجيم وفتح الهاء ثم ياء ساكنة بعدها نون مفتوحة .
قبيل عظيم من قضاعة الحميرية القحطانية العربية , من أقدم قبائل العرب وأعظمها تاريخاً , أنجبت عدد من كبار الصحابة والمشاهير والقواد والعظماء , وجهينة الذي تنتسب إليه هذه القبيلةُ :
اسمه : جُهَينَة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن إلحافِ بن قضاعةَ .
وهذا الترتيب الصحيح لتسلسل أسماء الآباء , ذكر ذلك ابن الكلبي في " نسب معد واليمن الكبير " , وابن حزم في " جمهرة نسب العرب " , وغيرهم , وهو ليس محل خلاف , كما هو الحال مع كثير من القبائل القديمة , فقد احتفظت جهينة باسمها ونسبها وأرضها إلى اليوم فهي قضاعية النسب , وأجمع على نسبتها لقضاعة جميع النسابون والمؤرخون ( بإجماعهم ) , واختلف في نسب قضاعة فمنهم من عدة إلى عدنان والجمهور على أن قضاعة من قحطان , وهو الرأي الصحيح , وهو ما نرجحه وتقوية وتثبته عدد من الأحاديث النبوية التي نسبت قضاعة إلى قحطان , ولنا رسالة في تحرير نسبة قضاعة إلى قحطان ,
وقد أختلف بكلمة " إِلحافِ " وهو خلاف ناشئ من رسم الحرف , والصحيح أن ضبطه بكسر الفاء , وتجد في بعض كتب النسب يظهر رسم الاسم هكذا " إلحافي " وهو خطأ , والأصح الاكتفاء بوضع الكسرة تحت الألفِ والفاء هكذا ( إِلحافِ ) .
ولجهينة تاريخاً حافل في الجاهلية وصدر الإسلام لا تتسع هذه الصفحات لذكره ولو دون بعض من تاريخها لبلغ مجلدات عديدة , فقد كان لهم أعظم الأثر في معارك وغزوات الإسلام الأولى , فكانت أول قبيلة بادرت إلى مبايعته صلى الله عليه وسلم عندما وطئت أقدامه الشريفة طيبة الطيبة دار الهجرة , فكانوا بذلك أول أنصاره بالمدينة فإذا ذكر الأنصار فجُهينة هم الأوائل كما ذكر ذلك أصحاب كتب الأوائل , ولا ريب أن يكون بعد ذلك جل جيش فتح مكة هم من أبناء هذه القبيلة جُهينة , وكذلك كانوا في بدراً واحداً وحنين , ولنا في الصحابة من جهينة رواة الحديث معجم تراجم لهم يبلغ الأربعمائة صحابي , وقد ذكر هذه القبيلة العظيمة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وامتدحهم وأثناء عليهم خيراً كثيراً .
قال ابن خلدون في " تاريخ ابن خلدون " :
( فجهينة ) : ما بين الينبع ويثرب إلى الآن , في متسع من برية الحجاز وفي شماليهم إلى عقبة آيلة مواجهين موطن بلى , وكلاهما على العدوة الشرقية من بحر القلزم , وأجاز منهم أمم إلى العدوة الغربية , وانتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة وكاثروا هنالك سائر الأمم , وغلبوا على بلاد النوبة وفرقوا كلمتهم وأزالوا ملكهم , وحاربوا الحبشة فأرهقوهم إلى هذا العهد .
وقال القلقشندي في " صبح الأعشى في صناعة الإنشا " :
( جهينة ) : بضم الجيم وفتح الهاء والنون , وهم : بنو جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة , وهي قبيلة عظيمة , ولهم بقايا ببلاد الصعيد من الديار المصرية وبالحجاز وغيرهما , والنسبة إليهم ( جهني ) بحذف الياء بعد الهاء .
وقال الزمخشري في " الجبال و الأمكنة و المياه " نقلاً عن علي بن وهاس العلوي الحجازي : نسخة طبعة ليدان سنة 1855
وجبال القبلية : ( الزغباء , والأجرد , والحت , والقلادة , والكويرة , والمقشعر , وصرار , وسكاب , وقاعس , وفيه نقب أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجره ناهض من ينبع إلى المدينة , والمخيلة , وذو القصة بين ذي القصة وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا , مثغر , حزرة , الثاجة , السيالة , والرس , مثغر , ظلم , وظلم , منكثه , العشيرة , رسوس , حوزة , أذية , تيتد , أذينة , المحيلة , شميسى ) .
( القبلية ) : قال الشريف علي : سراة فيما بين المدينة وينبع فما سال منها إلى ينبع يسمى بالغور ، وما سال في أودية المدينة يسمى بالقبيلة ، و حدها من الشام ما بين الحث وهو جبل من جبال بني عرك من جهينة ، وما بين شرف السيالة ، والسيالة أرض تطؤها طريق الحاج .
( فأودية القبيلة ) : التاجة , وحزرة , ومثغر , والرس , وحوزة , وحراضان , وظلم , وملحتان , وبواط , ومنكثة , ورسوس , والعشيرة , والبلياء , وتيتد , وهو المعروف بأذينة ، و فيه عرض فيه النخل من صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم نحلها فاطمة صلوات الله عليها ، وشميسي , والناصيفة .
( وجبل القبلية ) : الزغباء , والأجرد , والحت , والقلادة , والكوبرة , والمقشعر , وصرار , وسكتاب , وقاعس : وفيه نقب أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهاجرة ناهض من ينبع إلى المدينة ، والمحيلة ، وذو القصة ، و بين ذي القص وبين المدينة أربعة وعشرون ميلاً .
يقول بن غنيم الجهني :
نقل هذه المعالم كاملة الفيروز أبادي في " المغانم المطابة في معالم طابة " , وكذلك ذكرها ياقوت الحموي في " معجم البلدان " , وحمد الجاسر في " بلاد ينبع " ولكن في - الطبعة الأولى - من بلاد ينبع خطأ مطبعي حيث الرسم يظهر ( القلية ) , وسنستعرض في معجمنا هذا جميع هذه المواضع والرسوم وتصحيح أسمائها وضبطها وبيان مواضعها بعون الله .
وقال الهمداني في " صفة جزيرة العرب " نسخة طبعة الإرشاد اليمنية - بتحقيق الأكوع - , تعليق وإشراف بحاثة الجزيرة - حمد الجاسر - :
( أرض جُهينة ) : تيدد , ومثعر , ووادي غوى ويحال فيقال وادي رشد ، وكذلك أحال رسول الله صلى الله عليه وسلم في " بني غيان " فقال : بنو رشدان ، والأشعر , والأجرد , وقدس , وآرة , ورضوى , وصنديد , وإضم , وهو واد عظيم تغزره أودية كثيره , وهو من أعراض الحجاز الكبار , كنخال وغيره , وفيه يقول أمية بن الصلت :
آباؤنا دمنوا تهامة في الدهروســالــت بجـيـشـهـم أضــــم
والصفراء , وساية , وذو خشب , والحاضر , وثقباء , ونعف , وبواط , والمصلى , وبدر , وجفجاف , ورهاط , وودان , ( وينبع ) , والحوراء , والعرج , والأثاية , والرويثة , والمجنبتان , والروحاء , وحقل , وساحل تيما , وذو المروة , والعيص , وفيف الفحلتين , وفيف الريح في أرض هوزان , وخيبر , وفدك , وحرة النار , ويين , إلى الربذة , إلى النقرة , إلى إرن , إلى صفينة , إلى السوارقية قرية بني سليم .
وقال الأستاذ الكبير عبد الكريم الخطيب في " تاريخ جهينة " :
ويشير ابن الكلبي ومن وافقه من خيرة علماء النسب أن منازل قضاعة قديماً من شاطئ البحر الأحمر جدة وما دونها إلى أسفل عرق , وفيه الحرم من السهل , ولماء جاء الإسلام تدافعت قبائل جهينة الأمناء مع قبائل الجزيرة لتنظم إلى الجيوش الإسلامية الفاتحة لعديد من البلاد , وكانت جهينة في مقدمة القبائل , ومن ذلك فقد تفرقت جهينة وانتشرت في أكثر الأقطار الإسلامية .. ولكن لا تزال لجهينة بقية في أماكنها القديمة , ولعل هذا البقاء يرجع إلى عاملين :
الأول : لم تكن هناك هجرات جماعية من جهينة ,
أما العامل الثاني : فهو خصوبة أوديتها , كواحة ينبع النخل ومنطقة العيص , وظلت جهينة محافظة على مساكنها القديمة مع تفرق أجزاء منها أكثرها في المواضع القريبة من منازلها كصعيد مصر والسودان لوقوع هذه المناطق قريبة من بلاد جهينة الأصلية على ساحل البحر الأحمر , وهي الينبعان : النخل والبحر , والعيص , وما جاورهما من الأودية والجبال , مع ملاحظة انتشار أقسام منها إلى الشام والعراق وفي شرق البلاد الإسلامية التي دخلت الإسلام , وفي الشام , ويقصد بالشام كما يشير استاذنا البحاثة حمد الجاسر في بحوثه عن قبيلة جهينة في مجلة العرب الشام المدلول اللغوي القديم الذي يشمل القطر من الحجاز إلى بلاد الروم , في هذا الجزء انتشرت أقسام من جهينة منذ الفتوحات الإسلامية الفاتحة عند غزو العراق واستوطن بعض الجهنيين الكوفة , وأصبح لهم في مدينة الكوفة حي كبير يسمى جهينة , وفي ناحية الموصل من العراق قرية تقع على نهر دجلة وعندها مرج يسمى مرج جهينة , وذكر ابن فضل العمري في كتاب ( مسالك الأمصار ) أن بمدينتي حلب وحماة بالشام قوماً من جهينة .. وينقل البكري عن ابن الكلبي : ( وتلاحقت قبائلهم وفصائلهم فأصبحت نحواً من عشرة بطون وتفرقت جهينة في تلك البلاد , وهي : الأشعر , والأجرد , وقدس , وآراه , ورضوى , وصندد , وانتشروا في أوديتها وشعابها وأعراضها , وفيها النخل , والزيتون , والبان , والياسمين , والعسل , وأنواع من الأشجار الأخرى , واسهلوا إلى بطن أضم واعراضه , وهو واد عظيم تدفع فيه اوديته ويفرغ في البحر الأحمر , وذو خشب , وتتيد ( تيدد ) , والحاضرة , وتعبقاء , والمصلى , وبدر , وودان , وينبع , والحوراء .
وكل عام والجميع بخير وصحة وعافة ..
تاريخ العيص :
( العِيْص ) : بكسر العين ثم ياء ساكنة بعدها صاد مهملة , على وزن النيص الحيوان البري الشرس , والعيص : لا يعرف سبب تسميته بهذا الاسم , ولم أجد من ذكر سبب لتسميته بذلك , إنما أشار كثير من المؤرخين وأصحاب المعاجم إشارات يفهم منها أنه قد سمي بذلك نسبة إلى كثرة الأشجار التي تنمو حوله , وهذا ما رجحه معتاد بن عبيد الجهني في كتابه " العيص " والزبيدي في " تاج العروس " وياقوت الحموي في " معجم البلدان " وغيرهم , وهو ما نرجحه نحن بدورنا لتوافر الشواهد والأدلة على ذلك , فمنطقة العيص لا زالت منذ القدم وهي واحة غناء تكثير فيها المياه والعيون الجارية والواحات وبساتين النخيل الوافرة , وهي لا تزال إلى اليوم مصدراً رئيسي من مصادر التمور في المنطقة , وقد عارضني بهذا الرأي شيخي ووالدي بما حدثنيه أنه قرأ قديماً في بعض الكتب أن العيص سمي بذلك نسبة إلى العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام , وأنه نزل في ذلك الموضع المسمى اليوم ( العيص ) , وقد بحثت عن مصدر ذلك الخبر فلم أظفر به بما توفر لدي من مصادري الحاضرة - فنظرة إلى ميسره - والله أعلم .
وقال ابن بليهد في " صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار " :
( العيص ) : قد أختلف علماء المعاجم في تحديده , ولكني أعرفه فهو وادٍ مشهور لجُهينة , وهو بين المدينة وبين بلد ينبع , وعند أهل نجد سنة يعرفون تاريخها بسنة العيص , وهو حين ثار الشريف الحسين على الأتراك رابطت سرية من سراياه في وادي العيص فعُرِف بعد الحرب بالعيص وهو اسمه الجاهلي .
يقول المؤلف بن غنيم المرواني :
خبر حصار سرية الشريف بوادي العيص ذكرها الأمير خالد بن سلطان آل سعود في كتابه " مقاتل من الصحراء " , والزركلي في " الإعلام " , ونجدة فتحي في " الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية " , ولورانس في " أعمدة الحكمة السبعة " ومحمد حسين زيدان في " العهود الثلاثة " وغيرهم , وابن بليهد هو : محمد بن عبد الله بن بليهد النجدي المتوفى سنة 1377هـ , وكتابه صحيح الأخبار هو من أول الكتب التي بحثت في جغرافية الجزيرة العربية في العصور المتأخرة , له بضعة مؤلفات صغيرة من أشهرها كتابة صحيح الأخبار , وفية بعض الأخطاء بينها الشيخ البحاثة حمد الجاسر رحمة الله في " جريدة البلاد " لأعداد سنة 1371هـ , وقد ردها بما لا طائل تحته ابن بليهد في كتابة صحيح الأخبار بملحق الجزء الثالث , وتعسف وتحامل كثيراً في الرد ولم تحذف تلك الردود للأسف في الطبعات اللاحقة للكتاب , فرحمهم الله جميعاً .
وقال الهجري في كتاب " أبو علي الهجري وابحاثة في تحديد المواضع " جمع الشيخ : حمد الجاسر , طبعة : دار اليمامة :
( دبراء ) : وادٍ من أرض جهينة , وراء العيص بين مغرب الشمس وبين العيص , وشميساً نقب مطلع على العيص من سلك فيفاء الفحلتين , وبالفيفاء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من استقبل مغرب الشمس أطرق شُميساً .
وقال الحربي في كتاب " المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة " تحقيق : الشيخ حمد الجاسر , طبعة : دار اليمامة :
( منابر المدينة ) : حدثني محمد بن عبد الحميد بن الصباح العثماني من أهل الجُحفة , قال : المدينة تجبى على أربعة عشر منبراً , فأولها : خيبر , ثم وادي القرى : وبه أخلاط من الناس , ثم المروة : وهي لجُهينة , ثم العيص : وهي لجُهينة والحسينيين , ثم ينبع : وبها مائة عينٍ غير عين , وهي لعلي بن أبي طالب .
وقال بحاثة الجزيرة الجاسر في " هامش تحقيق المناسك وأماكن طرق الحج " :
( العيص ) : وادٍ فيه عيون ذات تخل , لا يزال معروفاً , ويبعد عن ينبع بما يقارب 150 كيلاً , شمالاً , وسكانه جهينة .
وقال السمهودي في " وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى " :
( العيص ) : بالكسر ثم السكون وإهمال الصاد , من الأودية التي تجتمع مع إضم , وفي غزوة ودان : وبعث النبي صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب إلى سيف البحر من ناحية العيص , وفي حديث أبي بصير : خرج حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش إلى الشام , وقال ابن سعد : سرية زيد بن حارثة إلى العيص على أربع ليالٍ من المدينة وعلى ليلة من ذي المروة .
وقال السمهودي أيضاً في " خلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى " :
( العيص ) : بالكسر ثم السكون وإهمال الصاد , وادٍ من ناحية ذي المروة على ليلة منه , وعلى أربع من المدينة .
يقول ابن غنيم الجهني :
كتاب خلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى , من تأليف مؤرخ المدينة السمهودي , اختصر فيه تاريخه السابق " وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى " , الذي هو الآخر وأعني وفاء الوفا , اختصره من تاريخاً ضخماً له سماه : اقتضاء الوفاء بأخبار دار المصطفى , كما ذكر ذلك في مقدمة كتابة وفاء الوفاء , وفقده مع جمله كتبه في حريق المسجد النبوي الشهير , يقول الشيخ حمد الجاسر في كتابه : " رسائل من تاريخ المدينة " الواقع في جزئين طبعة : دار اليمامة : اقتضاء الوفا بأخبار دار المصطفى ، وجاء اسمه في " النور السافر " , " وكشف الظنون " , وغيرهما , اقتفاء الوفا ، ولا أراه صحيحاً ، إذا الوفاء يقتضى لا يقتفى , وهذا هو الكتاب الذي أراد السمهودي أن يكون جامعاً لكل ما يتعلق بالمدينة من أخبار ووصف وتاريخ ، غير أنه لم يتمكن من إتمامه ، كما نص على ذلك في مقدمة " وفاء الوفا " وقد احترقت مسودته مع كتبه التي احترقت أثناء التهام الحريق للمسجد النبوي الكريم ، في : 13 رمضان سنة 886 هـ , كما تقدم .. قال السخاوي : ولقيته في الحرمين غير مرةٍ , وغبطته على استيطانه المدينة ، ورسوخ قدمه فيها , بحيث صار شيخها ، قل أن لا يأخذ عنه أحد من أهلها ، وهم مع هذا يحسدونه ! .
وقال العباسي المتوفى في القرن العاشر في " عمدة الأخبار في مدينة المختار " : تحقيق : محمد الطيب الأنصاري , وإشراف البحاثة حمد الجاسر :
( العيص ) : بالكسر ثم السكون وإهمال الصاد , ماء فوق السوارقية , قال ابن إسحاق في حديث أبي بصير : حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون إلى الشام .
يقول بن غنيم الجهني :
العباسي في كتابة عمدة الأخبار في باب ذكر مواضع وأماكن المدينة : هو جماع أكثر منه مؤرخاً , ينقل كثيراً عمن سبقه من المؤلفين كالسمهودي , والفيروز آبادي , وغيرهم , وإن كان الفيروز آبادي هو الأخر جماع أيضاً كما أشار إلى ذلك الشيخ حمد الجاسر في مقدمة تحقيقه للمغانم المطابة في معالم طابة , والنص السابق نقله العباسي من الفيروز آبادي بتمامه .
وقال المؤلف ابن غنيم في " أخبار تنبع من تاريخ ينبع " :
( والعيص ) : هي منطقة بمحاذاة ينبع النخل , وفيها عدد كبير من العيون والخيوف والمياه الجوفية , والحرار البركانية الواقعة شمالها هي بمثابة خزان للمياه الجوفية تحفظ لها الماء طوال العام , وتنبع أغلب عيون العيص الجارية من تلك الحرار , ويدل على كثرة الآبار والعيون والمياه الجوفية في العيص قديماً قول شاعرهم :
تسعون في تسعين في العيص عيناً رويةوتـسـعـون فـــي تسـعـيـن بـئــراً معيـنـهـا
مـجـمـعـهـا الــقـــرن قـــــرن أم عــامـــريحول الحول والمصفى ما صفـى جرينهـا
وقال حمد الجاسر في " بلاد ينبع " ملحق " بلاد جهينة ومنازلها القديمة " :
( العيص ) : بكسر العين المهملة بعدها ياء , ثم صاد مهملة , واد من من أشهر أودية الحجاز الواقعة في الجهة الشمالية الغربية من المدينة , وهو تابع الأن لإمارة ينبع , ولهذا الوادي ذكر كثير في السيرة النبوية , لوقوعة بقرب طريق القوافل التي تأتي من الشام وتذهب إليه .. ووادي العيص فيه عيون ونخل .. ويسقي العيص من عيون تنحدر من الحرة وما يقرب من الوادي من الجبال , والطريق الموصل إليه ليس معبداً , ويبعد عن ينبع ما يقارب 150 كيلا , ولا يزال سكان العيص من قبيلة جهينة .
يقول ابن غنيم الجهني :
ونقل النص السابق عن الجاسر عبد الكريم الخطيب في تاريخه " تاريخ ينبع " , أما اليوم فجميع الطرق المؤدية إلى العيص هي معبدة ومسفلته بحمد الله ثم بجهود حكومتنا الرشيدة وفقها الله وأعانها , أما قوله : بأنه يبعد ما يقارب 150 كيلاً فهذا تحديد ليس بدقيق , بل هو قريب جداً من ينبع النخل والفارق بحدود 40 إلى 50 كيلاً , إلا إن كان يقصد بذلك ينبع البحر فهذا صحيح .
وقال علي مسعد برجس الجهني في " شعراء من وادي العيص " :
( العيص ) : بكسر العين يعني باللغة العربية الغابة , ( والعيس ) بكسر العين يعني باللغة العربية الإبل , يقع وادي العيص شمال محافظ ينبع البحر بحوالي 150 كيلو متر وغرب المدينة بحوالي 180 كيلو متراً , وشرق محافظة أملج بحوالي 80 كيلو متراً .. والعيص يعمل أهله بالزراعة والرعي ويوجد به أشجار النخيل , ومن أشهرها برني العيص , والكعيمر , .. يقع الوادي بين جبال وحرة بركانيه يسكنه قبائل جهينة .. العيص حاضرة جهينة منذ القدم , ولا يعرف متى نمت به أشجار النخيل حيث الماء كان يجري باستمرار بهذا الوادي .
وقال فهد بن سعد الزايدي الجهني في " جهينة في عهد النبوة الفضيلة والصحبة " :
( العيص ) : هذه البلدة العريقة والحاضرة القديمة , ذات التاريخ ومحط القوافل والجيوش , والتي وطأتها أقدام أفضل البشر بعد الأنبياء وأعني بهم صحابة محمد صلى الله عليه وسلم وجنده , .. أما من حيث موقع هذه البلدة فهو معروف قديماً وحديثاً , عرف قديما بأنه موضع على ساحل البحر الأحمر , وهو في الحقيقة يبعد عن أقرب نقة للبحر الأحمر من جهة ( أملج ) ما لا يقل عن 70 كم .. والعيص حصن بين ينبع والمروة , وقيل هو عرض من أعراض المدينة على ساحل البحر , ولا خلاف من كونه من بلاد جهينة كما ذكرت ذلك كتب التاريخ والسير والأنساب .. وتعرف العيص قديماً كما جاء في كتب السنة والتاريخ (بسيف البحر ) بكسر السين , وقد ثبت في صحيح البخاري مجيء جيش الصحابة لهذه البقعة وأميرهم أبو عبيدة رضي الله عنه , وفي هذه الغزوة قصة الحوت المشهورة الذي أكل الصحابة جميعا في تلك الغزوة في ثمان عشرة ليلة , جاء في " فتح الباري شرح صحيح البخاري " وقد ذكر ابن سعد وغيره : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم إلى حي من جهينة ( بالقبلية ) مما يلي ساحل البحر , بينهم وبين المدينة خمس ليال وأنهم انصرفوا ولم يلقوا كيدا , وأن ذلك كان في رجب سنة ثمان , وهذا لا يغاير ظاهره ما في الصحيح , لأنه يمكن الجمع بين كونهم يلتقون عيرا لقريش ويقصدون حياً من جهينة فمحصل الكلام هنا : أن هذه السرية هل كان سبب بعثها ملاقاة عير قريش ؟ أو كانت تقصد حياً لجهينة ؟ وأيا كان الباعث , فالشاهد أن هذا الموضع من ديار جهينة ( العيص ) أو ما جاوره هو محل هذه السرية المباركة .
يقول ابن غنيم المرواني :
قولهم العيص من سيف البحر , هو قول خطأ نقله كثيراً من أهل السير وشراح الحديث , ويبدوا أن من جاء بعد ابن إسحاق ينقل قوله من كتابة السيرة النبوية حيث يقول ابن إسحاق : والعيص بناحية سيف البحر , وأقول : هذا تحديد غير صحيح , فالعيص بعيد جداً عن البحر بمسيرة يومين قديماً , وبمقاييس اليوم يبعد عن ينبع البحر 150 كيلاً , وأما قوله : أن خبر الحوت وقصته المشهورة حصلت في سرية ( العيص ) فغير صحيح أيضاً , إنما الثابت والمشهور أن خبر حوت العنبر وقذف البحر له حصل في غزوة بواط كما حررنا ذلك خلال حديثنا عن موضع بواط في كتابنا " تعطير الصفحتين بشيءٍ من تاريخ الينبعين " فليرجع إليه .
وقال فهد بن سعد الجهني أيضاً في " جهينة في عهد النبوة " :
( العيص والصحابة ) : شرف الله هذه البلدة وأهلها بأن كانت ملجئاً ومكمناً لأنصار الله ورسوله , من حيث كانت ثغراً من ثغور الإسلام , فقد لجأ إليها صحابيان جليلان فرا بدينهما وكان لهما أثر عظيم في النكاية بأعداء الله ورسوله .. ولديار جهينة عموماً , ووادي ينبع النخل خصوصا ذكر عظيم وخبر حافل , وتعلق كبير في كتب رحلات حجاج بيت الله الحرام , فهذه الديار ومنذ القرون الأولى إلى القرون المتأخرة كانت طريق الحاج القادم من بلاد مصر والشام , وتجد لهذه البلدان ذكر في كتب رحلات الحج , فلا يكاد يخلو كتاب من هذه الكتب إلا وفيه ذكر لبلاد جهينة ولهذه القبيلة , حيث كانت تقوم هذه القبيلة بأفخاذها المتعددة باستقبال ركب الحجاج عند وصولة إلى أراضيهم , والسير معه لحمايته ودلالته على الطريق , حتى توصله كل قبيلة من جهينة إلى حدود القبيلة الأخرى , وهكذا حتى تودعه هذه القبائل عندما يخرج من حدودها , بل إن الوصول إلى هذه الديار ( ينبع وما جاورها ) مما يكون سبباً في استبشار الحاج وإيذاناً بقرب وصوله إلى الديار المقدسة .
وقال صالح عبد اللطيف عليان في " ملامح من تاريخ ينبع " :
( أهمية العيص ) : كانت العيص تقع على أحد طرق القوافل المتجهة إلى الشام , وتعتبر من المناطق التاريخية القديمة , ويؤيد هذا القول انتشار الواحات الزراعية وتوفر المياه فيها , وهما من العناصر الرئيسية في الاستيطان .. والعيص : تعتبر اليوم مدينة متكاملة الخدمات حيث تتوفر فيها الخدمات الصحية والتعليمية والهاتفية والمصرفية والأمنية والقضائية وغيرها .
( تنبيه خارج كتابنا ) :
أخي القارئ الكريم إذا استفدت من كتابنا هذا فلا تنسى أن تدعو لكاتب هذه الأسطر - بظهر الغيب - بهذه الدعوات البسيطة وهي : ( اللهم أغفر لكاتب هذه الأسطر ووالديه ) فقد كانت هذه الدعوة موضوعة تحت معرفنا - ابن غنيم المرواني - ووجدتها اليوم قد حذفت من الإدارة ! , والحمد لله أولاً وأخراً , ولتاريخ العيص بقية .
قال الفيروز آبادي في " المغانم المطابة في معالم طابة " طبعة : دار اليمامة :
( العيص ) : بالكسر , ثم السكون وإهمال الصاد , ماء فوق السوارقية , قال ابن إسحاق - في حديث أبي بصير - : خرج حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر , بطريق قريش التي كانوا يأخذون إلى الشام .
وقال باحث الجزيرة حمد الجاسر في " هامش تحقيقه للمغانم المطابة " :
الماء الذي فوق السوارقية جاء في رسالة عرام ما نصه : وبأسفل بيضان موضع يقال له : العيص , به ماء يقال له : ذنبان العيص , والعيص ما كثرت أشجاره من السلم والبان . انتهى , أما الموضع الذي ذكره ابن إسحاق وإليه كانت سرية العيص , فهو عرض كبير من أعراض ينبع , وفيه عيون وسكان كثيرون , وهو غير الأول , فذاك في بلاد سليم , وهذا في بلاد جهينة , وليس على ساحل البحر بل يبعد عنه مسيرة يومين تقريباً , ولكنه بقرب طريق القوافل التي كانت تذهب إلى الشام مع الطريق الساحلية , ولهذا كان أبو بصير بن سهيل بن عمرو القرشي لما فر من كفار قريش يترصد لقوافلهم في ذلك الموضع .
وقال عاتق البلادي في " معجم معالم الحجاز " :
( العيص ) : بكسر العين وسكون المثناة تحت وآخره صاد مهملة , وادٍ بين روافد إضم , يأخذ أعلى مياهه من حرة بني سنان شمال وادي ينبع , ثم يتجه شمالاً حتى يصب في وادي الحمض ( إضم ) عند قرية المربع قرب ( ذي المروة ) فيه قرى عديدة منها : الفرع , والعين , والقعرة , والحصين وغيرها كثيرة , سكانه بنو عروة من جهينة , وله مركز تابع لإمارة ينبع .. وقال ياقوت وهو موضع في بلاد بني سليم به ماء يقال له : ( ذنبان العيص ) قال أبو الأشعث : هو فوق السوارقية .. وأرى قوله : في بلاد بني سليم وهماً ممن رواه .
وقال صالح عبد اللطيف عليان في " ملامح من تاريخ ينبع " في استدراكه على البلادي في هذا الموضع :
وهذا وهمٍ منه , فعروة ليسوا من سكان العيص , وسكانهُ عنمة , ويخالطهم : سنان , والموالبة , والحوافظة , وغيرهم من جهينة .
يقول المؤلف بن غنيم المرواني :
واستدراكهُ صحيح , إلا أن ذلك لا يعني أنهُ لا يوجد من قبيلة عروة من هو نازلاً في العيص , فالعيص تسكنه قبائل جهينة بجميع فروعها وبطونها , وأما قبيلة عروة الجهنية فمن منازلها : تيدد ( تيتد ) , وأخبارها كثيرةٍ , وجراجر , وشجوى ( شجوا ) , والمليليحُ , ومقرحُ الفحلةَ , والبوير , والأجرد , وله شهره كبيرة ذكرنا بعضها في تاريخنا الينبعين , ورأس ملل , ولمللٍ تاريخ وأحداث , وإليه يُنسب جماعةٍ من المتقدمين , منهم الشاعر خارجة بن فليح المللي , وللأستاذ الأديب عبد العزيز بن أحمد الرفاعي الجهني , صاحب دار الرفاعي , كتاب ترجمةٍ له ولأشعاره , وفيفاء الفحلتين , وفيها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوكَ , وفيها جبلٍ الفحلتين الذي تنسجُ حوله الأساطير , وهي أن في أعلاه بداخل القلعتان صحون وقلالٍ من الذهب , وهذا كذب فقد صعدته ووقفت عليه قديماً , ولم أجد شيئاً من تلك القصص الخرافية , ومنازل عروة كثيرة , وغالبيتها تقع غرب المدينةِ المنورة , ببطن وادي الحمض " أضُمَ " , وستأتي في مواضعها .
ويقول ابن غنيم المرواني أيضاً :
أما كتاب : " معجم معالم الحجاز " تأليف : الباحث عاتق بن غيث البلادي الحربي , فهو تاريخاً ضخمٍ لمعالم الحجاز , من أوسع ما كتب عن معالم الحجاز وجغرافيتها , قضى مؤلفه في تدوينه ست سنواتٍ من البحث والجمع والإعداد , وأراد به أن يستقصي جميع معالم الحجاز قديمها وحديثها , إلا أنه لم يكتب له ذلك , بل أراه ناقصاً , ومن جوانب نقصه على سبيل المثال , إهماله كثير من المنازل والديار الواقعة بشمال العيص , وصولاً إلى منطقة الوجه , وهذه المساحات يبلغ طولها حوالي 300 كيلاً , وكذلك من ساحل البحر الأحمر شمال أم لج ( أملج ) إلى بطن وادي الحمض " أضم " ناحية ذي المروة ( المرامية ) , ويبلغ عرضها قريب من 250 كيلو متراً , فهذه المساحات هي بطن الحجاز وأوتادهُ , وذلك بسلسلة جبالها العظيمة بالاتساع والارتفاع , وقد غفل عن ذكرها البلادي , ولم يتطرق لها في معجمه , مع أنه حاول جاهداً حصر جميع معالم الحجاز , حتى أنه لم يدع ذكر أسماء الشوارع والمزارع , فعلى سبيل المثال ذكر في [ ج9 / ص 56 ] , فقال : النشير : بالتصغير , مزرعة في قربان بالمدينة المنورة , ذات حقول برسيم يتنزه فيها الناس . انتهى كلامه , ونسختي التي أنقل منها هي الطبعة الأولى , سنة 1400هـ , طبعة دار مكة , ولكن في معجمنا هذا تحديد وصفة بعض هذه المواضع التي لم يتطرق إليه الأستاذ البلادي .
وقال الحازمي في " الأماكن أو ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة " تحقيق : حمد الجاسر , طبعة : دار اليمامة :
( باب : العيص ، والغيض )
أما الأول : بكسر العين وآخره صاد مهملة , موضع في بلاد سليم ، يقال له : العيص به ماء يقال له : ذنبان العيص ، قاله الكندي ، وهو فوق السوارقية .
يقول المؤلف بن غنيم :
قوله : من بلاد سليم , هذا وهم منه , وهو ايضاً بعيداً عن السوارقية .
وقال الأصطخري في " المسالك والممالك " :
والعيص : حصن صغير بين ينبع والمروة .
وقال عرام السلمي في " كتاب أسماء جبال تهامة وجبال مكة والمدينة " بتحقيق : عبد السلام هارون , ط1 , سنة 1373 هـ :
( العِيص ) : به ماء يقال له : ذَنَبانُ العيص , والعيص : ما كثرت أشجارهُ من السَلَمِ والضالِ , ويقال له : عِيص وخِيس , وحذاءه جبل يقال له : [ الحراض ], أسودٍ , ليس به نباتٌ حسن , وفي أصله أضاءةٌ , يقال لها : الحوق , تمسك الماء من السماء كثيراً .
يقول المؤلف ابن غنيم الجهني :
كتاب عرام بن الأصبغ السلمي الأعرابي : " أسماء جبال تهامة ومكة وجبال مكة والمدينة وما فيها من القرى وما ينبت عليها من الأشجار وما فيها من المياه "
منسوب إلى عرام السلمي , وهو الصحيح , ومنهم من نسبه إلى أبي الأشعث الكندي وهي نسبة خطأ , لأن الكندي ما هو إلا راوياً عن عرام , وليس هو صاحب الكتاب , ولذلك وقع عند البعض الخلط بينهما , وعرام هذا من المغمورين , لا توجد له ترجمةٍ في كتب التراجم , ولكنهُ كان أعرابياً بدوياً من بني سليم , ويظهر ذلك جلياً في لغة كتابته التي كتب بها كتابه هذا , وهو لم يؤلف غير هذا الكتاب , وكان ذا دراية في بلاد الحجاز , بحكم سكنى قومه لها وهم بنو سليم , المجاورون لقبيلة جُهينة منذ الجاهلية , ولكن يغلب على كتابه كثرة الأخطاء عند تحديده للمواضع , وله كثير من الأخطاء والشطحات الكبيرة في وصف المواضع وتحديدها , فقد ينقلك عند تحديد موضعاً ما إلى أكثر من مائةِ كيل ! , ولعل ذلك ناشئ من أنه كتب كتابه هذا بعد أن بلغ به العمر عتياً , قيل أنه كتبه وهو شيخاً هرماً , واعتمد في تدوينه للكتاب على ذاكرته التي لم تسعفه كثيراً , وطبع الكتاب عدة طبعات أجودها طبعة شيخ المحققين : عبد السلام هارون , وهي الطبعة التي ننقل منها , وكذلك ما نشره مجمع اللغة العربية بإشراف الشيخ البحاثة : حمد الجاسر , وللعثور على المخطوطة قصة , وبسببها حدث - بعض نفس - بين المحققين الكبيرين : بحاثة الجزيرة حمد الجاسر , وشيخ المحققين : عبد السلام هارون , رحمهما الله , وله طبعات متعددة لا يتسع المجال لذكرها ,
وفي طبعة : - دار الكتب العلمية - وهي طبعةٍ سقيمة جداً , بتحقيق الشناوي , ظهرت كلمة العيص محرفة فظهرت هكذا ( عيض ) بالضاد المنقوطة , وليست بالصاد , وكتب المحقق في الهامش أن في المخطوطة الأصل كلمة : ( جبل الحراض ) وأن الأصح الذي أثبته في متن الكتاب هو ( جبل الحراس ) وقال في الهامش : والتصحيح من كتاب البكري ومعجمه , وأقول : بل الأصح هو ما ظهر في أصل المخطوطة , والذي غيره المحقق عمداً ووهماً منه وهو : " جبل الحراض " وكذا في معجم ما استعجم للبكري نسخه - دار عالم الكتب - بالضاد وليس بالسين , كما صحف ذلك المحقق بوهمه , والشناوي يبدوا لي أنه قال بذلك نقلاً عن عبد السلام هارون في هامش تحقيقه للكتاب , حيث قال : ذكرهُ البكري في رسمه , وفي " الستار " وفي " شوحط " وفي إحدى نسخ أصله " الحراض " , ولم يرسم له ياقوت , بل لم يذكره , بتتبع فهارس وستنفلد , انتهى كلامه . وأقول : وهذا لا يصح من شيخ المحققين رحمه الله , لأن حراض لا يزالُ معروفاً باسمه إلى اليوم , ويقع بجوار الشبحة في منطقة العيص , ويبعد عن أملج 110 كيلو متراً , وقد ذكره ابن برجس الجهني في كتابه " شعراء من وادي العيص " , ومعتاد الجهني في " كتاب العيص " , وابن خميس في " معجم جبال الجزيرة " , وقال باحث الجزيرة الشيخ حمد الجاسر : ( الحراضة ) : من مناهل قبيلة جهينة بمنطقة العيص في إمارة المدينة , وقال البلادي في " معجم معالم الحجاز " ( الحراضة ) : وادٍ يصب في ينبع النخل من الشمال , إلى جانبه الشرقي بقايا آثار وحفريات , انتهى كلامه , وقد ذكره كثير عزة في أشعاره , وانظر أيضاً لتحديده أيضاً كتاب أبو علي الهجري , وهو غير وادي حراض أحد أودية القبلية ومن روافد جبل جهينة الأشعر , وسيأتي معنا مزيد توضيح في موضعه بعون الله .
وقال الهمداني في " صفة جزيرة العرب " تحقيق : نسابة اليمن الأكوع , وإشراف : حمد الجاسر , طبعة : دار اليمامة :
باب مساكن العرب فيما جاوز المدينة : العيص : وفيها جُهينة ومزينة .. وإليه ينسب التمر العيصي .
يقول المؤلف بن غنيم :
الهمداني العلامة الأخباري نسابة اليمن : أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني , يكنى بابن الحائك , وابن الدمينه , والنسابة , ويدعو نفسه بلسان اليمن , ولد سنة 280هـ , وتوفي سنة 334 هـ , من أهم مصنفاته كتابة الأنساب : " الإكليل في أنساب حمير وأيام ملوكها " ، ألفهُ في عشرة أجزاء ، لم يعثر منها إلا على : الأول , والثاني , والثامن , والعاشر , طبع في دار الإرشاد اليمنية , بتحقيق العلامة النسابه القاضي محمد بن علي الأكوع - رحمه الله - , وقول الهمداني عن العيص : وفيه مزينة , هذا وهماً منهُ , فليست العيص من منازل قبيلة مزينة ولا من أرضها لا في جاهليتها ولا بعد إسلامها , وقد ذكر الحربي في " المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة " وهو من المتقدمين عن الهمداني فقال عنها : وهي لجُهينة والحسينيين , وقوله التمر العيصي هو خطأ , إنما الصحيح التمر البرني .
وقال الهمداني في " صفة جزيرة العرب " :
قال الشاعرالحجازي العجلاني : وهو يصف أسماء بلاد العرب والمناهل , والأودية , التهامية , والسروية , المشهورة المعروفة , بأبيات طويلة ومنها :
سقـيـت يـنـبـع فساحـتـهـا تـلــكفـتـلــك الـضــيــاع فـالـشـعـثـاء
واتلأبت تصب من فوق رضوىفـــبـــواطٍ دلـــويـــة وطـــفــــاء
رويــت مــن بعاعـهـا الـعـيـصفالرس سيولاً فالمروة البيضاء
وأربت تصب في الحجـر والـودكمـا صـب فـي الحيـاض الـدلاء
يقول المؤلف بن غنيم الجهني :
( ينبع ) من منازل جُهينة القديمة , قدمت منه وفود جهينة لمبايعة صلى الله عليه وسلم عندما جاء مهاجراً إلى المدينة , أقطع صلى الله من جُهينة هو كشد بن مالك - رضي الله عنه , وهي رابع مدن الحجاز أهمية , ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة مدن في إمارة واحدة : ينبع النخل , وينبع البحر , وينبع الصناعية , وهي أشهر من أن نُعرفها انظر " تعطير الصفحتين بشي من تاريخ الينبعين " .
( الضياع ) : هي المنازل والقرى المجاورة لبلاد ينبع , كالعيص , والأجرد , والأشعر , والمارمية , والحوراء .. وما جاورها .
( شعثاء ) : قرية في وادي ينبع لها عين جارية , وفيها حوانيت , ونزلها من جُهينة , كذا قال البلادي في معالم الحجاز , وأقول : هي بفتح الشين المعجمة وإسكان العين المهملة وفتح التاء المثلثة بعدها ألف ممدوه , إحدى قرى الجابرية من ينبع النخل , وإليها تنسبُ عين شعثاء من العيون البائرة التي لم يعد لها نبع .
( رضوى ) : جبل جُهينة القديمة , من أشهر جبال الحجاز وأعظمها حجماً , وهو الجبل الذي ألهم الشعراء وأسال قرائحهم , فلم يقع نظر شاعراً عليه إلا وذكره بأبيات , ولنا به كتاب : ( تحية الإجلال والإكبار مما قيل بجبل رضوى من الأشعار ) , وسيأتي معنا .
( بواط ) : من منازل جُهينة القديمة , وهو بواطان غوري وجلسي , غزاه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لاعتراض قافلة عير قريش , راجع صفتهُ ورحلتنا إليه في " تاريخ الينبعين " وسيأتي .
( الرس ) : من منازل القبلية الجهنية , يطلق على جبل وواد , كما ذكرها الزمخشري في الجبال والأمكنة نقلاً عن علي بن وهاس , والرِس , بكسر الراء , هو النبع الذي يخرج من صخور الجبال , لا تردهُ إلا الوحوش والصيد , يعرفهُ أهل القنص , وسيأتي معنا تفصيله .
وقال الزمخشري في " الجبال والأمكنة والمياه " :
( العيص ) : موضع .
يقول ابن غنيم المرواني الجهني :
كتاب " الجبال والأمكنة والمياه " تأليف : أبو القاسم جار الله الزمخشري المعتزلي صاحب التفسير اللغوي البديع " الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل " سافر إلى مكة وجاورها ست سنواتٍ فسمي بها " جار الله " لمجاورة مكة المكرمة , وصنف بها تفسيره اللغوي العظيم الكشاف , وكتابنا هذا " الجبال والأمكنة والمياه " وكتابه هذا من أجود ما كتب عن جغرافية الحجاز ومعالمها بعد معجم ياقوت , وما زاد من جودته أنه يروي عن الأمير علي بن وهاس العلوي الحسني الزيدي الحجازي , وعلي هذا كان الزمخشري مصادقاً وملازماً له طوال الفترة التي مكثها بجوار مكة , ولا زال بعد رحيله عنها يثني عليه خيراً كثيراً ويذكرهُ في كتبه ورسائله كربيع الأبرار وغيرها , وقال عنه في مقدمة خطبة تفسيرهُ الكشاف : الأمير الشريف الإمام شرف آل رسول الله , أبي الحسن علي بن حمزة بن وهاس , أدام الله مجده , وهو النكتة والشامة في بني الحسن , مع كثرة محاسنهم , وجموم مناقبهم . انتهى , وقال عنه ابن المقرى في " أزهار الرياض " هو عُلَي بضم أوله وفتح ثانيه , ابن عيسى ابن حمزة ابن وهاس الحسني العلوي . وقال عنه الصفدي في " الوافي بالوفيات " ابن وهاس العلوي اليمني علي بن عيسى بن حمزة بن وهاس بن أبي الطيب ، يعرف بابن وهاس ، من ولد سليمان بن حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب , توفي بمكة سنة نيف وخمسين وخمس مائة وهو في عشر الثمانين , وأصله من اليمن ، وكان شريفاً جليلاً من أهل مكة وشرفائها ، وله قريحة في النظم والنثر ، وله تصانيف مفيدة , قرأ على الزمخشري بمكة وبرز عليه ، وصرفت عنه الطلبة إليه , توفي في أول ولاية الأمير عيسى بن فليتة . انتهى .
قلت : وابن وهاس كان خبيراً عارفاً بمواضع البلدان والقرى , وأعني بها ينبع ومجاورها من أرض الحجاز , ويبدوا أنه كان كثير التردد إلى بلاد ينبع , هذا إن لم يكن قد استوطنها لبعض الوقت , وبخاصة أنها كانت سكن للأشراف آل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - , ولذلك حدد بدقةٍ - مواضع القبلية - والقبلية : هي كل ما يسيل ناحية المدينة , كذا قال الجاسر في " ملحق الجوهرتين " , وقولهُ فيهِ نظر , والقبلية : هي منازل قبيلة جُهينة في الجاهلية وبعد الإسلام , وابن وهاس العلوي قد حددها تحديداً دقيقاً , والكتاب الموسوم قد طبع عدة طبعات , أولها طبعة ليدان , وهي طبعة سقيمة , بها كثير من التصحيف , وأجودها طبعة دار النجف , بتحقيق : بحر العلوم النجفي , وتوجد للكتاب نسخةٍ مخطوطة محفوظة في مكتبة الشيخ عارف حكمت بالمدينة , تحت مسمى : أسماء البقاع والجبال والأمكنة .
وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري بشرح صحيح البخاري " :
العيص : وهو بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها مهملة , قال : وكان طريق أهل مكة إذا قصدوا الشام , قلت : وهو يحاذي المدينة إلى جهة الساحل وهو قريب من بلاد بني سليم .
وقال الإمام السيوطي في " لب اللباب في تحرير الأنساب " :
( العيصي ) : للعيص , وادٍ مشهور فوق السوارقية , على أربع ليالٍ من المدينة المنورة .
يقول المؤلف بن غنيم المرواني الجهني :
الإمام الحافظ السيوطي أحد الأئمة الأعلام , له في كل فن من فنون العلم مؤلفاً , ولِد سنةَ 849 هـ , وتوفي سنة 911هـ , ويذكر الشيخ حمد الجاسر في كتاب " بلاد ينبع " نقلاً عن القفطي أن للسيوطي مولفاً عن بلاد ينبع لم يعثر عليه , أنظره في مقدمة كتابنا " تاريخ ينبع " ويقول الحافظ السيوطي عن نفسه : شرعت في التصنيف سنة ست وستين وثمانمائة - أي في السابعة عشر من عمره - وبلغت مؤلفاتي إلى الآن ثلثمائة كتاب سوى ما غسلته ورجعت عنه , ويقول عبد السلام هارون : وقد عد له بروكلمان 415 مصنفاً ما بين مطبوع ومخطوط , والعلامة فلوجل 560 مصنفاً , وذكر له الأستاذ جميل العظم 576 مصنفاً بين كتب ورسائل , وفي تاريخ ابن إياس أن مؤلفاته بلغت ستمائة مؤلف , انتهى .
وقول السيوطي : العيصي نسبة إلى العيص , فيه تجوز لا يثبت بحال , وأظن أن السيوطي قال ذلك قياساً لا نسباً وإلا لما وقع بمثل هذا الوهم , وسكان العيص هم جهينة , ولم ينتسبوا أو ينسبوا يوماً إلى العيص , إنما هم باقون تحت نسبهم الأصل جُهينة , وعرب البادية ليس من عوائدهم الانتساب إلى المدن والقرى , إنما هم ينتسبونَ إلى أصولهم , قال عبد السلام هارون : لم يكن العرب القدماء يعرفون نسبة الرجل إلى البلاد , إذ كانت حياةُ جمهورهم بين الانتجاع والارتياد , لا يقر لهم في ذلك قرار , وإنما كانوا ينتمون إلى شي ثابت وهو القبيلة , التي يقرون بها , ويجتمعون بها , ويخضعون لقوانينها , فالعربي قرشي , وتميمي , وهذلي , وسعدى , وجهني , وإذا عز عليه الانتماء إلى الفخذ انتمى إلى البطن , ثم إلى العمارة , ثم إلى الفصيلة , ثم إلى القبيلة , ثم إلى الشعب الكبير , العدناني , أو القحطاني , أو القضاعي , ونادر ما ينتمي العربي إلى موطن معين , انتهى كلامه , ويذكر الشيخ النسابة عبد الله المرواني صاحب " الأمجاد البادية من عرب البادية " : ويقول الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : لا تكونوا كنبط السود , إذا سئل أحدهم ممن أنت ؟ , قال : من مدينة كذا ! , أحفظوا أنسابكم , وعلموا أولادكم لاميةُ العرب , فإنها تعلم على مكارم الأخلاق . انتهى , وقد وجدت ما يدل على صحة هذا الأثر وهو قوله تعالى : ( ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله ) , ويقصد الخليفة الفاروق بقوله : من مدينة كذا , أي : أن ينسُب الرجل نفسه إلى تلك المدينة , لكونه يجهل نسبه الحقيقي وإلى أي جذم انتمائه , فحذرهم الفاروق من مغبة هذا الفعل الشنيع , ولكي لا يعتاد المسلمون الانتساب للمدن فتخلفهم ناشئه لا تعرف عن أصلها ونسبها ورحمها شيئاً ف , يرتكبون بذلك فاحشةٍ وإثماً عظيماً , ولامية العرب التي أوصى بحفظها الفاروق ابن الخطاب هي قصيدة الشاعر الجاهلي الشنفري التي مطلعها :
أقيموا بني أُمي صَـدورَ مطيكـمْفإنّـي إلـى قـومٍ سواكـم لأ مَـيْـلُ
فقد حُمتِ الحاجاتُ والليلُ مُقْمِرُوشُـدَّت بطيّـاتٍ مَطـايـا وأَرْحَــلُ
وقال لورانس في " أعمدة الحكمة السبعة " :
( وادي العيص ) : وهو الوادي الشهير بينابيعة وقرى النخيل فيه , المتدفقة من خلال جبال جُهينة المنيعة , ويمر من خلف جبل الرضوة "رضوى " , في اتجاه الشرق إلى وادي حمده , بالقرب من الحديه (؟) .. وزخر وادي العيص بأشجار الزعرور الشائكة , وبالأعشاب , وكان هوائه مشبعاً بالفراشات البيضاء , وعطر وعبق الأزهار البرية .
يقول المؤلف بن غنيم المرواني الجهني :
لورانس هو : توماس إدوارد لورانس , اشتهر بلورانس العرب ! , وهو قائد ما يسمى الثورة العربية ضد العثمانيون الأتراك , وقام بإشعال الثورة بعد أن حضي بدعم قبائل الجزيرة العربية له , وكانت أغلب نشاطاته في الجزيرة العربية ترتكز على الحجاز وما حولها , وكان مقرهُ وقاعدة تحركاته بلاد ينبع , ألفهُ لورانس بعدما عاد إلى موطنه بريطانيا , وكتبه في ثلاث سنوات , والكتاب مطبوع متداول بعدة طبعات , لم أجد من بينها طبعة تستحق الإشادة بها , فجميعها طبعاته سقيمة , غارقة من التحريف والتصحيف , وغالب تلك الأخطاء في مسميات المواضع الجغرافية وأسماء القبائل , وأقتبس لورانس اسم مؤلفه هذا : أعمدة الحكمة السبعة , من كتاب الإنجيل , حيث جاء في " سفر الأمثال " 9: 1 ( الحكمة بنت , بيتها نحت , أعمدتها السبعة ) ولعل في هذا النص وجد لورانس ما يصبوا إليه فأقتبس مسمى كتابه , وللورانس لغة جميلة مشوقة , وهو صاحب قلم طلق , وفكر متوقد , وذاكرة عميقة , ولكتابة أهميته الجغرافية , حيث أنه يوثق ويسجل الطرق والمعالم التي يمر بها , وكذلك توثيقه أسماء القبائل والبطون في تلك المنطقة التي يسلكها , إلا أن المترجمين للكتاب وأخطائهم اللغوية في التعريب وجهلهم بمسميات المواضع والأماكن والقبائل , جعل الانتفاع من الكتاب أمره يسيراًً .
وقال معتاد عبيد السناني الجهني في " كتاب العيص " :
( بلاد العيص ) : منطقة العيص ملتقى لمجموعة من الطرق القديمة والحديثة , ويمكن أن نقول عن وصف تلك المنطقة بأنها مجموعة من الجبال تشبة عقداً انفرط طرفاه عند الالتقاء بوادي الحمض , وتتشابك في تلك المنطقة الجبال الوعرة ذات السفوح المنحدرة مع عدد من الأودية التي تشكل روافد مهمة لوادي الحمض " أضم ", وتتخلل هذه الوديان مساحات واسعة من السهول الغرينية , والتي تزرع بالقمح عند هطول الأمطار .
يقول المؤلف بن غنيم المرواني الجهني :
مؤلف كتاب العيص : الأستاذ والمؤرخ والأديب معتاد بن عبيد السناني الجهني, احد أعلام الفكر والأدب المعاصرين ومن أبناء قبيلة جهينة, ولد المؤلف سنة 1367هـ , في بلاد العيص , وتلقى تعليمه في ينبع البحر , حيث تخرج منها عام 1384هـ , ثم دخل المعهد العلمي في المدينة النبوية فتخرج منه عام 1389هـ , ثم التحق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , قسم كلية اللغة العربية بشعبة التاريخ والآثار , وتخرجَ منها سنة 1394هـ , ثم بعد ذلك عين مدرساً في معهد الرس العلمي في الفترة ما بين 1395هـ إلى 1397هـ , ثم عمل مدرساً في معهد المدينة المنورة العلمي في الفترة ما بين 1398هـ إلى 1399هـ , ثم بعد ذلك أوفدَ إلى المعهد الإسلامي في جيبوتي فعمل فيه من العام 1400هـ إلى 1404هـ , ثم عاد بعد ذلك فعين مديراً لمعهد القريات العلمي وذلك سنة 1405هـ , ولم أجد له ترجمة وافية بمصادري , فلم يترجم له عبد الكريم الحقيل في " معجم مؤرخي الجزيرة العربية في العصر الحديث " , وكذلك هي الحال مع صاحب " موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين " إصدار : النادي الأدبي بالمدينة , وأيضاً لم يذكره صاحب " ملامح من تاريخ ينبع " ومن أهم أعماله وآثاره الفكرية : كتاب العيص , وهو كتابنا هذا الذي نتناوله بالبحث , وقد أحسن مؤلفه في تدوينه وأجاد أيما إجادة , وأظهر في تأليفهُ علماً غزيراً , بل أراه من أفضل وأدق ما قرأت على كثرته , ولا أعلم له مؤلفاً غيره , والكتاب بذلك يعد محاولة فريدة ورائدة من نوعها , إذ أنه أول كتاب يتناول موضوعة أحد معالم بلاد جهينة .
وقال أمير البيان شكيب أرسلان المتوفى سنة 1350هـ في " الإرتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف " :
ثم قبيلة جهينة المنتشرة من ينبع إلى الوجه, وهم بنو جهينة بن زيد بن ليث ابن سود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة, من العرب القحطانية, وهم من أكبر القبائل, قيل: إن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا أحصاهم فبلغوا في أيامه 40 ألفاً, وسمعت من يحرزهم اليوم [أي زمن المؤلف سنة 1340هـ] بسبعين ألفاً وبمائة ألف, وهم فئتان : موسى ومالك .
وقال المؤرخ التركي أيوب صبري باشا المتوفى سنة 1307هـ في " مرآة جزيرة العرب " :
( قبيلة جهينة ) : يعيش أفراد هذه القبيلة في حالة تنقل وترحال دائم [ذلك سنة 1280هـ] بين المناطق الممتدة من جبل الحساين [حسان] حتى ينبع البحر, ومن ساحل البحر حتى نبع هدية الواقع في جبل الحساين, ومن قلعة شجوة [شجوى] حتى بئر فقير من وادي عباس, وينبع البحر إلى جبل رضوة [رضوى] الذي يبعد خمس ساعات عن ينبع البحر شرقاً, كما يقيمون في ينبع النخل أحياناً, ولما كانوا جميعا من البدو الرحالين غير المتوطنين, فإنهم ينتقلون حيث يشاءون ووقتما يشاءون, وتنقسم القبيلة المذكورة إلى قسمين عرفا : بأولاد مالك , وأولاد موسى ..
يقول المؤلف بن غنيم المرواني الجهني :
الكتاب ألفهُ أمير الحج أيوب صبري باشا سنة 1289هـ , وقدمه هديةٍ لسلطان عبد الحميد الثاني, وطبع طبعة الأولى سنة 1306هـ قبل وفاة مؤلفه بعام, بمطبعة الآستانة العثمانية . ولم أجد بناحية جبل حسان بئر يسمى هدية, إنما ماء هدية بئراً ونبعاً, ذكره ابن فضلان والبلوي في رحلتيهما, ويقع فيما بين العلا ووادي الحمض, وهو إلى العلا أقرب.
وقال ياقوت الحموي في " معجم البلدان " طبعة صادر , ط1 , سنة 1397هـ :
( العِيِص ) : بالكسر ثم السكون , وآخره صاد مهملة , قد ذكر اشتقاقه في الذي قبله , وفي العُوَيص آنفاً أيضاً : وهو موضع في بلاد بني سُليم , به ماء يقال له : ( ذنبان العيص ) قاله أبو الأشعث , وهو فوق السوارقية , وقال ابن إسحاق في حديث أبي بصير : خرج حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون منها إلى الشام , وقال أفنون التغلبي , واسمه : صُريم بن معشر بن ذُهل ابن تيم بن عمرو بن تغلب :
لـو أننـي كنـتُ مـن عـادٍ ومـن إرَمٍغُذيـتُ فيـهـم ولقُـمـانٍ وذي جَــدَنِ
لـمـا فــدوا بأخيـهـم مــن مُـهـولـةأخا السكونِ ولا حادُوا عن السنن
سألتُ عنهـم وقـد سَـدت أباعرُهـممن بين رحبة ذات العيص فالعدن
يقول المؤلف ابن غنيم :
معجم البلدان , تأليف : العالم الكبير شيخ الجغرافيين , الإمام شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي , أخذ أسيراً من بلاد الروم وهو لا يزال طفلاً صغيراً , وحُملَ إلى بغداد , فاشتراه تاجراً يسمى عسكر الحموي , فنتُسبَ إليه ياقوت , وسُمي بالحموي , عهد إليه مولاه بتجارته , وما لبث طويلاً حتى توفي مولاهُ الحموي , فسافر بعد وفاة مولاه إلى حلب , ثم أخذ بالتنقل من بلداً إلى آخر , إلى أن استقر به المقام في خوارزم , فمكث بها إلى أن أغار عليها جنكيز خان - لا برد الله تربتهُ إلى يوم الدين - , فعاث فيها فساداً , فلم يدع في خزائن مكتباتها العامرة شيئاً , فهرب ياقوت منها إلى الموصل , تاركاً أمواله بها , ثم لم يطب له المقام بالموصل , فرحل إلى حلب واستقر بها إلى أن توفي رحمة الله عليه ,
ولمعجم ياقوت أهمية كبيرة لدى الباحثين,
فهو يعد موسوعة جغرافية ضخمة , وقد ألفهُ في ست سنواتٍ قضاها متنقلاً بين خزائن المكتبات الوقفية حينذاك , وكتب ياقوت معظم مادة كتابة عن الحجاز وجغرافيتها , والعجيب أن ياقوت على عظم أهمية معجمه هذا إلا أنه لم تطأ أقدامه أرض الحجاز (!) , بل لم يكتب له الحج إلى مكة , وإنما استقصى مادة معجمه من كتب الجغرافيين الذين سبقوه , ويذكر الشيخ بكر أبا زيد القضاعي في : " إتحاف الخلان بمعارف معجم البلدان " , وهو كتاب ترجمة للأعلام الواردة أسمائهم في معجم ياقوت , إلى أن ياقوت رجع في تدوين معجمه إلى أكثر من 251 كتاباً , وأرى أنه رجع إلى أكثر من ذلك , وأما التي ذكرها الشيخ بكر أبا زيد فهي التي صرح بالنقل منها ياقوت , أما ما لم يصرح به فهو كثير , وقد أشار إلى بعضها الشيخ حمد الجاسر في سلسلة مقالاته في " مجلة العرب " بعنوان : " نظرات في معجم البلدان " , ولمعجم البلدان عدة طبعات , لعل من أجودها وأصحها الطبعة التي نشرها المستشرق الألماني وستنفيلد سنة 1866م , وكذلك طبعة : دار صادر هي نسخة طبق الأصل عن طبعة وستنفيلد , وهي من أجود الطبعات اليوم لاعتمادها على الطبعة الأصل النادرةَ , ويقول المستعرب الروسي كراتشكوفسكي المتوفى سنة 1951م في كتابه " الأدب الجغرافي العربي " : وأهمية معجم ياقوت تتجاوز بكثير حدود الأهداف الجغرافية الضيقة , وهو أوسع وأهم بل وأكاد أقول أفضل مصنف من نوعه لمؤلف عربي للعصور الوسطى .. يكفي أن نذكر أن متن الكتاب المطبوع يضم ثلاثة آلاف وثمانمائة وأربعاً وتسعين صفحة , وهو جماعاً للجغرافيا .. وبالرغم من إتباعه لدرب مطروق سلكه قبله الكثيرون فإن ياقوت قد خشي أن يتهم بأن هدفه من وضع المعجم كان جغرافياً بحتاً , لذا فقد جهد في أن يدعم معطياته قبل كل شي بالشواهد من القرآن والحديث . انتهى كلامه , أما سبب تأليف ياقوت للمعجم فيحدثنا قائلاً :
لم أقصد بتأليفه، وأصمد نفسي لتصنيفه،
لهواً ولا لعباً ، ولا رغبة حثتني إليه ولا رهباً ، ولا حنيناً استفزني إلى وطن ، ولا طرباً حفزني إلى ذي ودٍ وسكن , ولكن رأيت التصدي له واجباً ، والانتداب له مع القدرة عليه فرضاً لازباً ، وفقني عليه الكتاب العزيز الكريم ، وهداني إليه النبأ العظيم ، وهو قوله عزوجل ، حين أراد أن يعرف عباده آياته ومثُلاتِه ، ويقيم الحجة عليهم في إنزاله بهم أليم نقماته : ( أفلم يسيروا في الأرض ، فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ، فإنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) .. وكان من أول البواعث لجمع هذا الكتاب ، أنني سُئلتُ بمرو الشاهجان ، في سنة خمس عشرة وستمائة ، في مجلس شيخنا الإمام السعيد الشهيد فخر الدين أبى المظفر عبد الرحيم ابن الإمام الحافظ تاج الإسلام أبي سعد عبد الكريم السمعاني , تغمدهما الله برحمته ورضوانه ، وقد فعل الدعاء إن شاء الله ، عن حُباشَةَ اسم موضع جاء في الحديث النبوي ، وهو سوق من أسواق العرب في الجاهلية , فقلت : أرى أنه حُباشَةُ بضم الحاء ، قياساً على أصل هذه اللفظة في اللغة ، لان الحُباشَةَ : الجماعة من الناس من قبائل شتى ، وحبشتُ له حُباشَة أي : جَمعت له شيئاً , فانبرى لي رجل من المحدثين ، وقال : إنما هو حَباشةُ بالفتح , وصمم على ذلك وكابَرَ ، وجاهَرَ بالعناد من غير حجة وناظر ، فأردت قطع الاحتجاج بالنقل ، إذ لا معول في مثل هذا على اشتقاق ولا عقل ، فاستعصى كشفه في كتب غرائب الأحاديث ، ودواوين اللغات مع سعة الكتب التي كانت بمرو يومئذ ، وكثرة وجودها في الوقوف ، وسهولة تناولها ،
فلم أظفر به إلا بعد انقضاء ذلك الشغب والمِراء ، ويأس من وجوده ببحثٍ واقتراء ، فكان موافقاً والحمد لله لما قلته ، ومكيلاً بالصاع الذي كلته ، فألقي حينئذ في روعي افتقار العالم إلى كتاب في هذا الشأن مضبوطاً ، وبالإتقان وتصحيح الألفاظ بالتقييد مخطوطاً ، ليكون في مثل هذه الظلمة هادياً ، وإلى ضوء الصواب داعياً ، ونبهت على هذه الفضيلة النبيلة ، وشرح صدري لنيل هذه المنقبة التي غفل عنها الأولون ، ولم يهتد لها الغابرون , يقول من تقرع اسماعهُ : كم ترك الأول للآخر (!) , وما أحسن ما قال أبو عثمان : ليس على العلم أضرُ من قولهم : لم يترك الأول للآخر شيئاً ، فإنه : يفتر الهمة ، ويضعف المنة . انتهى كلامه .
وأقول : شيخ ياقوت الذي عقد في مجلسه ذلك اللغطُ هو الإمام السمعاني صاحب " كتاب الأنساب " , أما استشهاده بالأبيات السابقة فأرى أنه استشهاد في غير موضعه , فالعيص المقصود في شعر أفنون التغلبي هو العيص الواقع في حضرموت من أرض اليمن, ولذلك قال أفنون : رحبة ذات العيص ( فالعدن ) , فهو عيص اليمن وليس عِيص جهينة الماثل بأرض الحجاز , ولم أرى من نبه على ذلك قبلنا , وقوله : بخزائن مرو الكبيرة , فأظنهُ يكفي أن نشير إلى أنه كان في أحد تلك الخزائن الوقفية ما يقربُ من خمسةَ عشر ألف كتاباً , ولعمري فذاك زمن طفرة التأليف , فأين كل هذه الكتب جميعاً ؟ , لقد طوح بها الزمن وضرب الدهر عليها بكُلله فلم يعد لها أثراً ننتفع به , ولله درهم كيف لو علموا حاجتنا وعوزنا اليوم (!.!) .
وقال البغدادي في " مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع " :
( العِيص ) : بالكسر , واحد الذي قبلهُ , موضع في بلاد بني سُلَيم , به ماء يقال له : ذنبان العيص , وهو فوق السوارٍيقية , والعيص : حصن بين ينبع والمروة , وقيل : هو عرضٍ من أعراض المدينة , على ساحل البحر .
يقول المؤلف ابن غنيم المرواني :
كتاب : الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع , تأليف : صفي الدين البغدادي المتوفى سنة 739هـ , والكتاب عبارة عن مختصر لمعجم البلدان , لياقوت الحموي , اختصر فيه المؤلف الكتاب , وحذف منه ما هو خارج عن صلب الموضوع , من فضوله وحشوه , وأصلح بعض ما في الكتاب من أوهام وأخطاء وخلل , وربما زاد فيه, وبخاصة في مواضعُ ومنازلِ بغداد , والكتاب ليس بهِ كثير فائده , وأما معجم البلدان فقد طُلبَ من مؤلفه اختصاره في حياته فرفض ذلك, وقال في مقدمة كتابه : ولقد التمس مني الطلاب اختصار هذا الكتاب مراراً ، فأبيتُ ولم أجِد لي على قصر هممهم أولياء ولا أنصاراً ، فما انقدتُ لهم ولا ارعويتُ , ولي على ناقل هذا الكتاب والمستفيد منه أن لا يُضيع نصبي ، ونَصبَ نفسي له وتعبي , انتهى وأورد بعد ذلك نقول للجاحظ يستشهد بها على عيوب اختصار الكتب .
وقال الأستاذ محمد حامد السناني الجهني في " شعراء من الحوراء " :
ومنازل جهينة الآن من ديار قبيلة بلي شمالاً إلى ينبع البحر جنوباً , ومن ساحل البحر غرباً إلى المدينة المنورة شرقاً .
يقول المؤلف ابن غنيم المرواني الجهني :
كتاب شعراء من الحوراء , مشروع لتدوين التراث في أملج , صدر منه الجزء الأول , في طبعة الأولى , سنة 1420هـ , وهو في ثلاثة أجزاء , وهو كتاب قيم في بابه , جمع فيه مؤلفه عدد لا بأس به من القصائد الشعبية لشعراء جُهينة من أبناء الحوراء, ويقع في ثلاثمائة ورقة ذات حجم متوسط , ويتميزُ الكتاب بالقصائد الشعبية النادرة , واعتمد المؤلف في جمعه لمادة الكتابة على الرواية الشفهية , وذلك بتلقيها من أفواه الرواة , فمع أنه الكتاب مصنفاً في خانة كتب الأدب , إلا أن فيه صفة لبعض الأماكن والمياه والآبار والآثار في الحوراء أرض جُهينة,
وفي المثل يقال :
لا رجال إلا رجال الحوراء , ولا جمال إلا جمال الدوراء .
ومن رحلة العياشي المتوفى سنة 1090هـ في " ماء الموائد "وبالحوراء قالوا :
جئنا إلى الحوراء وهي محطةفيـهـا الأراك نـزاهـة لـلـرائـي
ناديـت خلـي قـف بـهـا متـأمـلاًوانـظـر لـرمـل مغـمـر بالـمـاءِ
واغنـم زمانـاً مقـبـلاً بسـعـودهفيه اجتماع الشمـل بالحـوراءِ
وبالحوراء منازل مشيخة جُهينة, وسيأتي معنا المزيد بعونه ومنه وكرمه وحفظه في تاريخ الحوراء .
وإلى هنا ينتهي الباب المختصر من أخبار بلاد العيص وما قيل فيها وفي صفتها , ولو إن كنا أثقلنا الكتاب بطول التعليقات وكثرتها, إلا أنه كان لا بد منها , فالحكم على الشيء فرع من تصوره .
lu[l luhgl rfdgm [EiQdkm hgr]dlm ,hgp]dem - frgl hfk ykdl hglv,hkd lu[l luhgl rfdgm [EiQdkm hgr]dlm ,hgp]dem
مواقع النشر (المفضلة)