النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: معجم معالم قبيلة جُهَينة القديمة والحديثة - بقلم ابن غنيم المرواني

معجم معالم قبيلة جُهَينة القديمة والحديثة للكاتب الاستاذ الكبير .. ابن غنيم المرواني الحمد لله ذي المعاد , الذي رفع السماء بلا عماد , وبسط الأرض تحتها كالمهاد

  1. #1

    افتراضي معجم معالم قبيلة جُهَينة القديمة والحديثة - بقلم ابن غنيم المرواني


    معجم معالم قبيلة جُهَينة القديمة والحديثة

    للكاتب الاستاذ الكبير .. ابن غنيم المرواني

    الحمد لله ذي المعاد , الذي رفع السماء بلا عماد , وبسط الأرض تحتها كالمهاد , وأثبتها بالراسيات الجبال كالأوتاد , والصلاة والسلام على نبي الحشر والمعاد , خير من وطئ البلاد , ونطق بفصيح الضاد , عليه وعلى آله في كل سهل وواد , أزكى صلاة وسلام إلى يوم التناد .

    وبعد :
    هذا كتاب معجمي جغرافي مختصر يختص بمعالم وديار قبيلة جهينة , ويبحث في منازلها وأرضها في الجاهلية والإسلام وذلك بالرجوع إلى كتب البلدان , والدواوين , والرحلات , والمعاجم , والتاريخ , والأنساب , والأدب , قديمها وحديثها , وفيه استدراكات وإضافات وتصحيحات لما وقع فيه المؤلفون السابقون واللاحقون من أخطأ شنيعة , وأضفت إليه ما لدي من حصيلة المشاهدات والرحلات والمعرفة بتلك المنازل والديار , وقد أجتمع لدي بحمد الله عدد لا بأس به من أسماء تلك المواضع والديار فقمت بتوضيح كل موضع وبيان حدوده وصفة موضعه وبيان أسماء أوديته , وآباره , ومناهله , وجباله , وبيان تحديده من حيث الطول والعرض , وبعد ذلك أحببت أن أقوم بجمعها وتدوينها في مؤلف خاص علها تكون نواة لمعجم شامل لكل ما يختص بقبيلة جُهينة من حيث , مدنها , وقراها , وهجرها , وجبالها , وحممها , وأوديتها , وسهولها , وآبارها , ومواردها , وعيونها , ومناهلها , وكذلك يوجد في معجمنا هذا على اختصاره الكثير من الزيادات والاستدراكات على ما كتبه السابقون واللاحقون , بل وفيه عدد كبير من مواضع جهينة وديارها تذكر لأول مرةٍ والتي تشمل مناطق شاسعة وذلك من شمال أملج إلى مصب وادي الحمض " إضم " بقرب منطقة الوجه شمالاً , ومن مصب الوادي في البحر الأحمر إلى ذي المروة " المارامية " ثم إلى العيص وهذه المساحات الشاسعة أهملها وجهلها الكثير من السابقين واللاحقين ممن كتبوا عن المنازل والديار , فمن اللاحقين عاتق البلادي في معجمه الضخم " معجم معالم الحجاز " والواقع في عشرة أجزاء , فإن قمت بالبحث بين اجزاء معالم الحجاز وصفحاته لا تجد ذكراً لتلك المواضع , وتنبع أهمية كتابنا هذا أن يذكر مواضع لم يذكرها السابقون , وقد وقفت على كثير منها وذكرت حدودها وصفتها وبيان القبائل التي تستوطنها والتي تذكر لأول مرة , فبحسب علمي هو أول معجم جغرافي يتناول موضوعه منازل قبيلة جهينة قديمها وحديثها .

    وأما قبيلة جهينة فهم بحمد الله لا يزال أبنائها يسكنون بأرضهم ومنازلهم القديمة من قبل الإسلام وإلى اليوم , وهي الحجاز وتهامة وما حولهما , كما أنه مع تحضر كثير من أبنائها اليوم إلا أن غالبيتهم مع سكناهم المدن والقرى وتعلمهم في المدارس والجامعات إلا أنه لا تزال مظاهر البداوة العربية الأصيلة في كثير منهم , ولا زلت أذكر أثر أحد أبنائها وروادها ومفكريها الكبار إنه نسابة وباحث جهينة الأول عبد الله المرواني الجهني - رحمة الله - في تحفته الثمينة والنادرة كتاب " الأمجاد البادية من عرب البادية " , حين يذكر أثر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ووصيته لخليفته عثمان عند وفاته حين قال له : ( أكرموا عرب البادية , فإنهم مادة الإسلام , وأصل العرب , ولا تجهلونهم , حتى لا يحتقروا أنفسهم .. ) .

    وقبيلة جهينة من أكبر القبائل العربية المهيمنة على الحجاز , قبل البعثة النبوية وبخاصة على الأنحاء الغربية للحجاز , من المدينة حتى ساحل البحر ، فكانت منازلها ومناطق نفوذها ممتدة من المدينة , فينبع , والعيص , وذي المروة ( المارامية ) , وجبال الأشعر , والأجرد ، وقدس , وصندد , وآره ، ورضوى ، وذا خشب , وانتشروا كثيرا في تلك الأودية والشعاب ، واستوطنوا بطن وادي الحمض " إضم " على طوله حتى مصبه في البحر الأحمر , ونزلوا بواطاً ، وبدراً ، وقرى الصفراء بجميعها , وودان ، والحوراء ، وامتدوا بمحاذاة ساحل البحر الأحمر حتى بلغوا الوجه وضباء ، إلى أن بلغت منازلهم حقل , ثم بعد ذلك تقلصت بعض الشيء حدود أراضهم وذلك بسبب انضمام كثير من أبنائها إلى جيوش الفتوحات الإسلامية في العراق والشام ومصر وهجرة كثير منهم بعد ذلك إلى الشام والعراق ومصر ونزولهم بها , وأما اليوم فغالبية منازلهم بالحجاز , وهذه المنازل والديار هي ما سنستعرضها بالبحث في كتابنا هذا باختصار .

    وما السبب الذي دفعني إلى نشر هذه الفصول التاريخية عن معالم ومنازل قبيلة جهينة , فهي عدة أمور قد يكون من أهمها مطالبة وتشوق كثير من أبناء جهينة الكرام إلى معرفة شي من تاريخهم المجيد وحاضرهم التليد ومنازل ومواضع ديارهم , فلعلها تكون مقدمة لتاريخ جهينة الكبير الذي سيدون بمداد من نور تاريخ جهينة وأنسابهم وأعلامهم ورموزهم وفضائلهم ومنازلهم , فقمت بذلك استجابة لهم ونزولاً عند رغباتهم وتحقيقاً لمطالبهم , وثانياً : قلة ما كتب عن تاريخها ومنازلها اليوم , بل وندرة الكتب التي تحدثت عن تاريخ هذه القبيلة .

    وحقيقة الأمر أعلم أنه سوف يفوتني كثير من تلك الديار , وذلك لأسباب عديدة يمكن إجمالها في قلة المصادر الحاضرة التي أفردت للكتابة عن تاريخ هذه القبيلة ومنازلها , بل أجزم أنني مع شدة البحث والتحري والتدقيق لم أطلع إلا على بعض الكتب القليلة : كـ ( تاريخ جهينة ) للخطيب وهو صغير الحجم جدا لم يتطرق فيه مؤلفة إلى منازل وديار القبيلة , والثاني هو ملحق ( بلاد ينبع ) تأليف : المؤرخ الحجة بحاثة الجزيرة حمد الجاسر - صب الله عليه شآبيب الرحمة - وتعرض فيه فقط لجغرافية ومواضع القبيلة القديمة ولم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى المواضع والمنازل الحديثة , وهو كتاب صغير الحجم جداً يقع بحدود 40 ورقة , ولكنه نافع ومهم لا يستغنى عنه أي باحث في تاريخ المنطقة , وقد فاته الكثير من المواضع وسيأتي معنا استدراك ما فاته , ويضاف إليها أيضا كتاب : ( العيص ) للأستاذ معتاد بن عبيد السناني الجهني , وهو ثمين وقيم ونادر من أفضل ما أطلعت عليه , ومما زاد من أهميته أن صاحبه من أهل المنطقة وكذلك سؤاله لكبار السن من رجالات جهينة ومشايخها , وهذا هو الفعل الصحيح والأثبت في الكتابة عن الأنساب والجغرافيا , وذلك مصداقاً لقول أهل البادية : ( ما حك جلدك مثل ظفرك ) , ولكنه يعد أيضاً محصوراً في منطقة العيص وجغرافيتها .

    وأما الطريقة والمنهجية التي سوف نتبعها في هذه الكتاب , فهي تقوم على الاختصار ما أمكن وعدم التوسع , إلا في بعض المواضع التي تحتاج إلى مزيد توضيح وقد يلاحظ القارئ الكريم ذلك كما سيأتي معنا , كما أنني لن ألتزم بالكتابة على حروف المعجم أو على أي طريقة أخرى إنما أترك ذلك لما يهديني إليه اختياري بحسب الأهمية ,

    أما بخصوص الحقوق الفكرية للنشر , فهي محفوظة للمؤلف وأتمنى ممن سيقتبس أو سينقل شي من هذه المواضيع التاريخية والجغرافية أن يكون أميناً في النقل وأن يعزو إلى المصدر الذي أقتبس ونقل منه , وذلك من باب التعاون على البر والتقوى وحفاظاً على الحقوق الفكرية والتزاماً بالأمانة العلمية والدينية .

    وختاماً أنا إذ أدون بكتابي هذا بعض من تاريخ هذه القبيلة لا أريد من وراء ذلك جزاءاً ولا شكوراً , ولا متاجرة ومرابحة فتاريخ جهينة أكرم من أن أجعله عرضة لذلك , إنما يكفيني شرفاً خدمة هذه القبيلة وأبنائها وذلك بكتابة صفحات من تاريخها العظيم , وأتمنى من الله العلي القدير أن أكمل وضع حلقات هذا المعجم الجغرافي , وأن لا تضطرني الظروف إلى التوقف عن إكماله , حيث أنه عمل ومجهود فردي عرضة للخطأ والصواب ولا أدعي له الكمال ولا الشمولية , ولكن كما قيل : ما لا يدرك جله لا يترك كله , فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمني والشيطان وأستغفر الله عنه , والسعيد من عدت غلطاته وما اشتدت سقطاته ! .




    الإهداء :
    إلى شيخ عرب جُهينة في الجزيرة العربية , الشيخ : سعد بن غنيم المرواني الجهني - رحمة الله عليه - , أهدي عملي لهذا الشيخ الراحل العلم والرمز لما له من مآثر جليلة وأعمال خالدة لجميع أبناء القبيلة وأبناء الجزيرة العربية بأكملها .


    نبذة عن قبيلة جُهينَة :
    ( جُهَينَة ) : بضم الجيم وفتح الهاء ثم ياء ساكنة بعدها نون مفتوحة .
    قبيل عظيم من قضاعة الحميرية القحطانية العربية , من أقدم قبائل العرب وأعظمها تاريخاً , أنجبت عدد من كبار الصحابة والمشاهير والقواد والعظماء , وجهينة الذي تنتسب إليه هذه القبيلةُ :
    اسمه : جُهَينَة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن إلحافِ بن قضاعةَ .
    وهذا الترتيب الصحيح لتسلسل أسماء الآباء , ذكر ذلك ابن الكلبي في " نسب معد واليمن الكبير " , وابن حزم في " جمهرة نسب العرب " , وغيرهم , وهو ليس محل خلاف , كما هو الحال مع كثير من القبائل القديمة , فقد احتفظت جهينة باسمها ونسبها وأرضها إلى اليوم فهي قضاعية النسب , وأجمع على نسبتها لقضاعة جميع النسابون والمؤرخون ( بإجماعهم ) , واختلف في نسب قضاعة فمنهم من عدة إلى عدنان والجمهور على أن قضاعة من قحطان , وهو الرأي الصحيح , وهو ما نرجحه وتقوية وتثبته عدد من الأحاديث النبوية التي نسبت قضاعة إلى قحطان , ولنا رسالة في تحرير نسبة قضاعة إلى قحطان ,
    وقد أختلف بكلمة " إِلحافِ " وهو خلاف ناشئ من رسم الحرف , والصحيح أن ضبطه بكسر الفاء , وتجد في بعض كتب النسب يظهر رسم الاسم هكذا " إلحافي " وهو خطأ , والأصح الاكتفاء بوضع الكسرة تحت الألفِ والفاء هكذا ( إِلحافِ ) .

    ولجهينة تاريخاً حافل في الجاهلية وصدر الإسلام لا تتسع هذه الصفحات لذكره ولو دون بعض من تاريخها لبلغ مجلدات عديدة , فقد كان لهم أعظم الأثر في معارك وغزوات الإسلام الأولى , فكانت أول قبيلة بادرت إلى مبايعته صلى الله عليه وسلم عندما وطئت أقدامه الشريفة طيبة الطيبة دار الهجرة , فكانوا بذلك أول أنصاره بالمدينة فإذا ذكر الأنصار فجُهينة هم الأوائل كما ذكر ذلك أصحاب كتب الأوائل , ولا ريب أن يكون بعد ذلك جل جيش فتح مكة هم من أبناء هذه القبيلة جُهينة , وكذلك كانوا في بدراً واحداً وحنين , ولنا في الصحابة من جهينة رواة الحديث معجم تراجم لهم يبلغ الأربعمائة صحابي , وقد ذكر هذه القبيلة العظيمة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وامتدحهم وأثناء عليهم خيراً كثيراً .

    قال ابن خلدون في " تاريخ ابن خلدون " :
    ( فجهينة ) : ما بين الينبع ويثرب إلى الآن , في متسع من برية الحجاز وفي شماليهم إلى عقبة آيلة مواجهين موطن بلى , وكلاهما على العدوة الشرقية من بحر القلزم , وأجاز منهم أمم إلى العدوة الغربية , وانتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة وكاثروا هنالك سائر الأمم , وغلبوا على بلاد النوبة وفرقوا كلمتهم وأزالوا ملكهم , وحاربوا الحبشة فأرهقوهم إلى هذا العهد .

    وقال القلقشندي في " صبح الأعشى في صناعة الإنشا " :
    ( جهينة ) : بضم الجيم وفتح الهاء والنون , وهم : بنو جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة , وهي قبيلة عظيمة , ولهم بقايا ببلاد الصعيد من الديار المصرية وبالحجاز وغيرهما , والنسبة إليهم ( جهني ) بحذف الياء بعد الهاء .

    وقال الزمخشري في " الجبال و الأمكنة و المياه " نقلاً عن علي بن وهاس العلوي الحجازي : نسخة طبعة ليدان سنة 1855
    وجبال القبلية : ( الزغباء , والأجرد , والحت , والقلادة , والكويرة , والمقشعر , وصرار , وسكاب , وقاعس , وفيه نقب أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجره ناهض من ينبع إلى المدينة , والمخيلة , وذو القصة بين ذي القصة وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا , مثغر , حزرة , الثاجة , السيالة , والرس , مثغر , ظلم , وظلم , منكثه , العشيرة , رسوس , حوزة , أذية , تيتد , أذينة , المحيلة , شميسى ) .

    ( القبلية ) : قال الشريف علي : سراة فيما بين المدينة وينبع فما سال منها إلى ينبع يسمى بالغور ، وما سال في أودية المدينة يسمى بالقبيلة ، و حدها من الشام ما بين الحث وهو جبل من جبال بني عرك من جهينة ، وما بين شرف السيالة ، والسيالة أرض تطؤها طريق الحاج .
    ( فأودية القبيلة ) : التاجة , وحزرة , ومثغر , والرس , وحوزة , وحراضان , وظلم , وملحتان , وبواط , ومنكثة , ورسوس , والعشيرة , والبلياء , وتيتد , وهو المعروف بأذينة ، و فيه عرض فيه النخل من صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم نحلها فاطمة صلوات الله عليها ، وشميسي , والناصيفة .
    ( وجبل القبلية ) : الزغباء , والأجرد , والحت , والقلادة , والكوبرة , والمقشعر , وصرار , وسكتاب , وقاعس : وفيه نقب أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهاجرة ناهض من ينبع إلى المدينة ، والمحيلة ، وذو القصة ، و بين ذي القص وبين المدينة أربعة وعشرون ميلاً .

    يقول بن غنيم الجهني :
    نقل هذه المعالم كاملة الفيروز أبادي في " المغانم المطابة في معالم طابة " , وكذلك ذكرها ياقوت الحموي في " معجم البلدان " , وحمد الجاسر في " بلاد ينبع " ولكن في - الطبعة الأولى - من بلاد ينبع خطأ مطبعي حيث الرسم يظهر ( القلية ) , وسنستعرض في معجمنا هذا جميع هذه المواضع والرسوم وتصحيح أسمائها وضبطها وبيان مواضعها بعون الله .

    وقال الهمداني في " صفة جزيرة العرب " نسخة طبعة الإرشاد اليمنية - بتحقيق الأكوع - , تعليق وإشراف بحاثة الجزيرة - حمد الجاسر - :
    ( أرض جُهينة ) : تيدد , ومثعر , ووادي غوى ويحال فيقال وادي رشد ، وكذلك أحال رسول الله صلى الله عليه وسلم في " بني غيان " فقال : بنو رشدان ، والأشعر , والأجرد , وقدس , وآرة , ورضوى , وصنديد , وإضم , وهو واد عظيم تغزره أودية كثيره , وهو من أعراض الحجاز الكبار , كنخال وغيره , وفيه يقول أمية بن الصلت :
    آباؤنا دمنوا تهامة في الدهروســالــت بجـيـشـهـم أضــــم
    والصفراء , وساية , وذو خشب , والحاضر , وثقباء , ونعف , وبواط , والمصلى , وبدر , وجفجاف , ورهاط , وودان , ( وينبع ) , والحوراء , والعرج , والأثاية , والرويثة , والمجنبتان , والروحاء , وحقل , وساحل تيما , وذو المروة , والعيص , وفيف الفحلتين , وفيف الريح في أرض هوزان , وخيبر , وفدك , وحرة النار , ويين , إلى الربذة , إلى النقرة , إلى إرن , إلى صفينة , إلى السوارقية قرية بني سليم .

    وقال الأستاذ الكبير عبد الكريم الخطيب في " تاريخ جهينة " :
    ويشير ابن الكلبي ومن وافقه من خيرة علماء النسب أن منازل قضاعة قديماً من شاطئ البحر الأحمر جدة وما دونها إلى أسفل عرق , وفيه الحرم من السهل , ولماء جاء الإسلام تدافعت قبائل جهينة الأمناء مع قبائل الجزيرة لتنظم إلى الجيوش الإسلامية الفاتحة لعديد من البلاد , وكانت جهينة في مقدمة القبائل , ومن ذلك فقد تفرقت جهينة وانتشرت في أكثر الأقطار الإسلامية .. ولكن لا تزال لجهينة بقية في أماكنها القديمة , ولعل هذا البقاء يرجع إلى عاملين :
    الأول : لم تكن هناك هجرات جماعية من جهينة ,
    أما العامل الثاني : فهو خصوبة أوديتها , كواحة ينبع النخل ومنطقة العيص , وظلت جهينة محافظة على مساكنها القديمة مع تفرق أجزاء منها أكثرها في المواضع القريبة من منازلها كصعيد مصر والسودان لوقوع هذه المناطق قريبة من بلاد جهينة الأصلية على ساحل البحر الأحمر , وهي الينبعان : النخل والبحر , والعيص , وما جاورهما من الأودية والجبال , مع ملاحظة انتشار أقسام منها إلى الشام والعراق وفي شرق البلاد الإسلامية التي دخلت الإسلام , وفي الشام , ويقصد بالشام كما يشير استاذنا البحاثة حمد الجاسر في بحوثه عن قبيلة جهينة في مجلة العرب الشام المدلول اللغوي القديم الذي يشمل القطر من الحجاز إلى بلاد الروم , في هذا الجزء انتشرت أقسام من جهينة منذ الفتوحات الإسلامية الفاتحة عند غزو العراق واستوطن بعض الجهنيين الكوفة , وأصبح لهم في مدينة الكوفة حي كبير يسمى جهينة , وفي ناحية الموصل من العراق قرية تقع على نهر دجلة وعندها مرج يسمى مرج جهينة , وذكر ابن فضل العمري في كتاب ( مسالك الأمصار ) أن بمدينتي حلب وحماة بالشام قوماً من جهينة .. وينقل البكري عن ابن الكلبي : ( وتلاحقت قبائلهم وفصائلهم فأصبحت نحواً من عشرة بطون وتفرقت جهينة في تلك البلاد , وهي : الأشعر , والأجرد , وقدس , وآراه , ورضوى , وصندد , وانتشروا في أوديتها وشعابها وأعراضها , وفيها النخل , والزيتون , والبان , والياسمين , والعسل , وأنواع من الأشجار الأخرى , واسهلوا إلى بطن أضم واعراضه , وهو واد عظيم تدفع فيه اوديته ويفرغ في البحر الأحمر , وذو خشب , وتتيد ( تيدد ) , والحاضرة , وتعبقاء , والمصلى , وبدر , وودان , وينبع , والحوراء .

    وكل عام والجميع بخير وصحة وعافة ..



    تاريخ العيص :

    ( العِيْص ) : بكسر العين ثم ياء ساكنة بعدها صاد مهملة , على وزن النيص الحيوان البري الشرس , والعيص : لا يعرف سبب تسميته بهذا الاسم , ولم أجد من ذكر سبب لتسميته بذلك , إنما أشار كثير من المؤرخين وأصحاب المعاجم إشارات يفهم منها أنه قد سمي بذلك نسبة إلى كثرة الأشجار التي تنمو حوله , وهذا ما رجحه معتاد بن عبيد الجهني في كتابه " العيص " والزبيدي في " تاج العروس " وياقوت الحموي في " معجم البلدان " وغيرهم , وهو ما نرجحه نحن بدورنا لتوافر الشواهد والأدلة على ذلك , فمنطقة العيص لا زالت منذ القدم وهي واحة غناء تكثير فيها المياه والعيون الجارية والواحات وبساتين النخيل الوافرة , وهي لا تزال إلى اليوم مصدراً رئيسي من مصادر التمور في المنطقة , وقد عارضني بهذا الرأي شيخي ووالدي بما حدثنيه أنه قرأ قديماً في بعض الكتب أن العيص سمي بذلك نسبة إلى العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام , وأنه نزل في ذلك الموضع المسمى اليوم ( العيص ) , وقد بحثت عن مصدر ذلك الخبر فلم أظفر به بما توفر لدي من مصادري الحاضرة - فنظرة إلى ميسره - والله أعلم .

    وقال ابن بليهد في " صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار " :
    ( العيص ) : قد أختلف علماء المعاجم في تحديده , ولكني أعرفه فهو وادٍ مشهور لجُهينة , وهو بين المدينة وبين بلد ينبع , وعند أهل نجد سنة يعرفون تاريخها بسنة العيص , وهو حين ثار الشريف الحسين على الأتراك رابطت سرية من سراياه في وادي العيص فعُرِف بعد الحرب بالعيص وهو اسمه الجاهلي .

    يقول المؤلف بن غنيم المرواني :
    خبر حصار سرية الشريف بوادي العيص ذكرها الأمير خالد بن سلطان آل سعود في كتابه " مقاتل من الصحراء " , والزركلي في " الإعلام " , ونجدة فتحي في " الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية " , ولورانس في " أعمدة الحكمة السبعة " ومحمد حسين زيدان في " العهود الثلاثة " وغيرهم , وابن بليهد هو : محمد بن عبد الله بن بليهد النجدي المتوفى سنة 1377هـ , وكتابه صحيح الأخبار هو من أول الكتب التي بحثت في جغرافية الجزيرة العربية في العصور المتأخرة , له بضعة مؤلفات صغيرة من أشهرها كتابة صحيح الأخبار , وفية بعض الأخطاء بينها الشيخ البحاثة حمد الجاسر رحمة الله في " جريدة البلاد " لأعداد سنة 1371هـ , وقد ردها بما لا طائل تحته ابن بليهد في كتابة صحيح الأخبار بملحق الجزء الثالث , وتعسف وتحامل كثيراً في الرد ولم تحذف تلك الردود للأسف في الطبعات اللاحقة للكتاب , فرحمهم الله جميعاً .

    وقال الهجري في كتاب " أبو علي الهجري وابحاثة في تحديد المواضع " جمع الشيخ : حمد الجاسر , طبعة : دار اليمامة :
    ( دبراء ) : وادٍ من أرض جهينة , وراء العيص بين مغرب الشمس وبين العيص , وشميساً نقب مطلع على العيص من سلك فيفاء الفحلتين , وبالفيفاء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من استقبل مغرب الشمس أطرق شُميساً .

    وقال الحربي في كتاب " المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة " تحقيق : الشيخ حمد الجاسر , طبعة : دار اليمامة :
    ( منابر المدينة ) : حدثني محمد بن عبد الحميد بن الصباح العثماني من أهل الجُحفة , قال : المدينة تجبى على أربعة عشر منبراً , فأولها : خيبر , ثم وادي القرى : وبه أخلاط من الناس , ثم المروة : وهي لجُهينة , ثم العيص : وهي لجُهينة والحسينيين , ثم ينبع : وبها مائة عينٍ غير عين , وهي لعلي بن أبي طالب .

    وقال بحاثة الجزيرة الجاسر في " هامش تحقيق المناسك وأماكن طرق الحج " :
    ( العيص ) : وادٍ فيه عيون ذات تخل , لا يزال معروفاً , ويبعد عن ينبع بما يقارب 150 كيلاً , شمالاً , وسكانه جهينة .

    وقال السمهودي في " وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى " :
    ( العيص ) : بالكسر ثم السكون وإهمال الصاد , من الأودية التي تجتمع مع إضم , وفي غزوة ودان : وبعث النبي صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب إلى سيف البحر من ناحية العيص , وفي حديث أبي بصير : خرج حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش إلى الشام , وقال ابن سعد : سرية زيد بن حارثة إلى العيص على أربع ليالٍ من المدينة وعلى ليلة من ذي المروة .

    وقال السمهودي أيضاً في " خلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى " :
    ( العيص ) : بالكسر ثم السكون وإهمال الصاد , وادٍ من ناحية ذي المروة على ليلة منه , وعلى أربع من المدينة .

    يقول ابن غنيم الجهني :
    كتاب خلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى , من تأليف مؤرخ المدينة السمهودي , اختصر فيه تاريخه السابق " وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى " , الذي هو الآخر وأعني وفاء الوفا , اختصره من تاريخاً ضخماً له سماه : اقتضاء الوفاء بأخبار دار المصطفى , كما ذكر ذلك في مقدمة كتابة وفاء الوفاء , وفقده مع جمله كتبه في حريق المسجد النبوي الشهير , يقول الشيخ حمد الجاسر في كتابه : " رسائل من تاريخ المدينة " الواقع في جزئين طبعة : دار اليمامة : اقتضاء الوفا بأخبار دار المصطفى ، وجاء اسمه في " النور السافر " , " وكشف الظنون " , وغيرهما , اقتفاء الوفا ، ولا أراه صحيحاً ، إذا الوفاء يقتضى لا يقتفى , وهذا هو الكتاب الذي أراد السمهودي أن يكون جامعاً لكل ما يتعلق بالمدينة من أخبار ووصف وتاريخ ، غير أنه لم يتمكن من إتمامه ، كما نص على ذلك في مقدمة " وفاء الوفا " وقد احترقت مسودته مع كتبه التي احترقت أثناء التهام الحريق للمسجد النبوي الكريم ، في : 13 رمضان سنة 886 هـ , كما تقدم .. قال السخاوي : ولقيته في الحرمين غير مرةٍ , وغبطته على استيطانه المدينة ، ورسوخ قدمه فيها , بحيث صار شيخها ، قل أن لا يأخذ عنه أحد من أهلها ، وهم مع هذا يحسدونه ! .

    وقال العباسي المتوفى في القرن العاشر في " عمدة الأخبار في مدينة المختار " : تحقيق : محمد الطيب الأنصاري , وإشراف البحاثة حمد الجاسر :
    ( العيص ) : بالكسر ثم السكون وإهمال الصاد , ماء فوق السوارقية , قال ابن إسحاق في حديث أبي بصير : حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون إلى الشام .

    يقول بن غنيم الجهني :
    العباسي في كتابة عمدة الأخبار في باب ذكر مواضع وأماكن المدينة : هو جماع أكثر منه مؤرخاً , ينقل كثيراً عمن سبقه من المؤلفين كالسمهودي , والفيروز آبادي , وغيرهم , وإن كان الفيروز آبادي هو الأخر جماع أيضاً كما أشار إلى ذلك الشيخ حمد الجاسر في مقدمة تحقيقه للمغانم المطابة في معالم طابة , والنص السابق نقله العباسي من الفيروز آبادي بتمامه .

    وقال المؤلف ابن غنيم في " أخبار تنبع من تاريخ ينبع " :
    ( والعيص ) : هي منطقة بمحاذاة ينبع النخل , وفيها عدد كبير من العيون والخيوف والمياه الجوفية , والحرار البركانية الواقعة شمالها هي بمثابة خزان للمياه الجوفية تحفظ لها الماء طوال العام , وتنبع أغلب عيون العيص الجارية من تلك الحرار , ويدل على كثرة الآبار والعيون والمياه الجوفية في العيص قديماً قول شاعرهم :
    تسعون في تسعين في العيص عيناً رويةوتـسـعـون فـــي تسـعـيـن بـئــراً معيـنـهـا
    مـجـمـعـهـا الــقـــرن قـــــرن أم عــامـــريحول الحول والمصفى ما صفـى جرينهـا

    وقال حمد الجاسر في " بلاد ينبع " ملحق " بلاد جهينة ومنازلها القديمة " :
    ( العيص ) : بكسر العين المهملة بعدها ياء , ثم صاد مهملة , واد من من أشهر أودية الحجاز الواقعة في الجهة الشمالية الغربية من المدينة , وهو تابع الأن لإمارة ينبع , ولهذا الوادي ذكر كثير في السيرة النبوية , لوقوعة بقرب طريق القوافل التي تأتي من الشام وتذهب إليه .. ووادي العيص فيه عيون ونخل .. ويسقي العيص من عيون تنحدر من الحرة وما يقرب من الوادي من الجبال , والطريق الموصل إليه ليس معبداً , ويبعد عن ينبع ما يقارب 150 كيلا , ولا يزال سكان العيص من قبيلة جهينة .

    يقول ابن غنيم الجهني :
    ونقل النص السابق عن الجاسر عبد الكريم الخطيب في تاريخه " تاريخ ينبع " , أما اليوم فجميع الطرق المؤدية إلى العيص هي معبدة ومسفلته بحمد الله ثم بجهود حكومتنا الرشيدة وفقها الله وأعانها , أما قوله : بأنه يبعد ما يقارب 150 كيلاً فهذا تحديد ليس بدقيق , بل هو قريب جداً من ينبع النخل والفارق بحدود 40 إلى 50 كيلاً , إلا إن كان يقصد بذلك ينبع البحر فهذا صحيح .

    وقال علي مسعد برجس الجهني في " شعراء من وادي العيص " :
    ( العيص ) : بكسر العين يعني باللغة العربية الغابة , ( والعيس ) بكسر العين يعني باللغة العربية الإبل , يقع وادي العيص شمال محافظ ينبع البحر بحوالي 150 كيلو متر وغرب المدينة بحوالي 180 كيلو متراً , وشرق محافظة أملج بحوالي 80 كيلو متراً .. والعيص يعمل أهله بالزراعة والرعي ويوجد به أشجار النخيل , ومن أشهرها برني العيص , والكعيمر , .. يقع الوادي بين جبال وحرة بركانيه يسكنه قبائل جهينة .. العيص حاضرة جهينة منذ القدم , ولا يعرف متى نمت به أشجار النخيل حيث الماء كان يجري باستمرار بهذا الوادي .

    وقال فهد بن سعد الزايدي الجهني في " جهينة في عهد النبوة الفضيلة والصحبة " :
    ( العيص ) : هذه البلدة العريقة والحاضرة القديمة , ذات التاريخ ومحط القوافل والجيوش , والتي وطأتها أقدام أفضل البشر بعد الأنبياء وأعني بهم صحابة محمد صلى الله عليه وسلم وجنده , .. أما من حيث موقع هذه البلدة فهو معروف قديماً وحديثاً , عرف قديما بأنه موضع على ساحل البحر الأحمر , وهو في الحقيقة يبعد عن أقرب نقة للبحر الأحمر من جهة ( أملج ) ما لا يقل عن 70 كم .. والعيص حصن بين ينبع والمروة , وقيل هو عرض من أعراض المدينة على ساحل البحر , ولا خلاف من كونه من بلاد جهينة كما ذكرت ذلك كتب التاريخ والسير والأنساب .. وتعرف العيص قديماً كما جاء في كتب السنة والتاريخ (بسيف البحر ) بكسر السين , وقد ثبت في صحيح البخاري مجيء جيش الصحابة لهذه البقعة وأميرهم أبو عبيدة رضي الله عنه , وفي هذه الغزوة قصة الحوت المشهورة الذي أكل الصحابة جميعا في تلك الغزوة في ثمان عشرة ليلة , جاء في " فتح الباري شرح صحيح البخاري " وقد ذكر ابن سعد وغيره : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم إلى حي من جهينة ( بالقبلية ) مما يلي ساحل البحر , بينهم وبين المدينة خمس ليال وأنهم انصرفوا ولم يلقوا كيدا , وأن ذلك كان في رجب سنة ثمان , وهذا لا يغاير ظاهره ما في الصحيح , لأنه يمكن الجمع بين كونهم يلتقون عيرا لقريش ويقصدون حياً من جهينة فمحصل الكلام هنا : أن هذه السرية هل كان سبب بعثها ملاقاة عير قريش ؟ أو كانت تقصد حياً لجهينة ؟ وأيا كان الباعث , فالشاهد أن هذا الموضع من ديار جهينة ( العيص ) أو ما جاوره هو محل هذه السرية المباركة .

    يقول ابن غنيم المرواني :
    قولهم العيص من سيف البحر , هو قول خطأ نقله كثيراً من أهل السير وشراح الحديث , ويبدوا أن من جاء بعد ابن إسحاق ينقل قوله من كتابة السيرة النبوية حيث يقول ابن إسحاق : والعيص بناحية سيف البحر , وأقول : هذا تحديد غير صحيح , فالعيص بعيد جداً عن البحر بمسيرة يومين قديماً , وبمقاييس اليوم يبعد عن ينبع البحر 150 كيلاً , وأما قوله : أن خبر الحوت وقصته المشهورة حصلت في سرية ( العيص ) فغير صحيح أيضاً , إنما الثابت والمشهور أن خبر حوت العنبر وقذف البحر له حصل في غزوة بواط كما حررنا ذلك خلال حديثنا عن موضع بواط في كتابنا " تعطير الصفحتين بشيءٍ من تاريخ الينبعين " فليرجع إليه .

    وقال فهد بن سعد الجهني أيضاً في " جهينة في عهد النبوة " :
    ( العيص والصحابة ) : شرف الله هذه البلدة وأهلها بأن كانت ملجئاً ومكمناً لأنصار الله ورسوله , من حيث كانت ثغراً من ثغور الإسلام , فقد لجأ إليها صحابيان جليلان فرا بدينهما وكان لهما أثر عظيم في النكاية بأعداء الله ورسوله .. ولديار جهينة عموماً , ووادي ينبع النخل خصوصا ذكر عظيم وخبر حافل , وتعلق كبير في كتب رحلات حجاج بيت الله الحرام , فهذه الديار ومنذ القرون الأولى إلى القرون المتأخرة كانت طريق الحاج القادم من بلاد مصر والشام , وتجد لهذه البلدان ذكر في كتب رحلات الحج , فلا يكاد يخلو كتاب من هذه الكتب إلا وفيه ذكر لبلاد جهينة ولهذه القبيلة , حيث كانت تقوم هذه القبيلة بأفخاذها المتعددة باستقبال ركب الحجاج عند وصولة إلى أراضيهم , والسير معه لحمايته ودلالته على الطريق , حتى توصله كل قبيلة من جهينة إلى حدود القبيلة الأخرى , وهكذا حتى تودعه هذه القبائل عندما يخرج من حدودها , بل إن الوصول إلى هذه الديار ( ينبع وما جاورها ) مما يكون سبباً في استبشار الحاج وإيذاناً بقرب وصوله إلى الديار المقدسة .

    وقال صالح عبد اللطيف عليان في " ملامح من تاريخ ينبع " :
    ( أهمية العيص ) : كانت العيص تقع على أحد طرق القوافل المتجهة إلى الشام , وتعتبر من المناطق التاريخية القديمة , ويؤيد هذا القول انتشار الواحات الزراعية وتوفر المياه فيها , وهما من العناصر الرئيسية في الاستيطان .. والعيص : تعتبر اليوم مدينة متكاملة الخدمات حيث تتوفر فيها الخدمات الصحية والتعليمية والهاتفية والمصرفية والأمنية والقضائية وغيرها .

    ( تنبيه خارج كتابنا ) :
    أخي القارئ الكريم إذا استفدت من كتابنا هذا فلا تنسى أن تدعو لكاتب هذه الأسطر - بظهر الغيب - بهذه الدعوات البسيطة وهي : ( اللهم أغفر لكاتب هذه الأسطر ووالديه ) فقد كانت هذه الدعوة موضوعة تحت معرفنا - ابن غنيم المرواني - ووجدتها اليوم قد حذفت من الإدارة ! , والحمد لله أولاً وأخراً , ولتاريخ العيص بقية .

    قال الفيروز آبادي في " المغانم المطابة في معالم طابة " طبعة : دار اليمامة :
    ( العيص ) : بالكسر , ثم السكون وإهمال الصاد , ماء فوق السوارقية , قال ابن إسحاق - في حديث أبي بصير - : خرج حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر , بطريق قريش التي كانوا يأخذون إلى الشام .

    وقال باحث الجزيرة حمد الجاسر في " هامش تحقيقه للمغانم المطابة " :
    الماء الذي فوق السوارقية جاء في رسالة عرام ما نصه : وبأسفل بيضان موضع يقال له : العيص , به ماء يقال له : ذنبان العيص , والعيص ما كثرت أشجاره من السلم والبان . انتهى , أما الموضع الذي ذكره ابن إسحاق وإليه كانت سرية العيص , فهو عرض كبير من أعراض ينبع , وفيه عيون وسكان كثيرون , وهو غير الأول , فذاك في بلاد سليم , وهذا في بلاد جهينة , وليس على ساحل البحر بل يبعد عنه مسيرة يومين تقريباً , ولكنه بقرب طريق القوافل التي كانت تذهب إلى الشام مع الطريق الساحلية , ولهذا كان أبو بصير بن سهيل بن عمرو القرشي لما فر من كفار قريش يترصد لقوافلهم في ذلك الموضع .

    وقال عاتق البلادي في " معجم معالم الحجاز " :
    ( العيص ) : بكسر العين وسكون المثناة تحت وآخره صاد مهملة , وادٍ بين روافد إضم , يأخذ أعلى مياهه من حرة بني سنان شمال وادي ينبع , ثم يتجه شمالاً حتى يصب في وادي الحمض ( إضم ) عند قرية المربع قرب ( ذي المروة ) فيه قرى عديدة منها : الفرع , والعين , والقعرة , والحصين وغيرها كثيرة , سكانه بنو عروة من جهينة , وله مركز تابع لإمارة ينبع .. وقال ياقوت وهو موضع في بلاد بني سليم به ماء يقال له : ( ذنبان العيص ) قال أبو الأشعث : هو فوق السوارقية .. وأرى قوله : في بلاد بني سليم وهماً ممن رواه .

    وقال صالح عبد اللطيف عليان في " ملامح من تاريخ ينبع " في استدراكه على البلادي في هذا الموضع :
    وهذا وهمٍ منه , فعروة ليسوا من سكان العيص , وسكانهُ عنمة , ويخالطهم : سنان , والموالبة , والحوافظة , وغيرهم من جهينة .

    يقول المؤلف بن غنيم المرواني :
    واستدراكهُ صحيح , إلا أن ذلك لا يعني أنهُ لا يوجد من قبيلة عروة من هو نازلاً في العيص , فالعيص تسكنه قبائل جهينة بجميع فروعها وبطونها , وأما قبيلة عروة الجهنية فمن منازلها : تيدد ( تيتد ) , وأخبارها كثيرةٍ , وجراجر , وشجوى ( شجوا ) , والمليليحُ , ومقرحُ الفحلةَ , والبوير , والأجرد , وله شهره كبيرة ذكرنا بعضها في تاريخنا الينبعين , ورأس ملل , ولمللٍ تاريخ وأحداث , وإليه يُنسب جماعةٍ من المتقدمين , منهم الشاعر خارجة بن فليح المللي , وللأستاذ الأديب عبد العزيز بن أحمد الرفاعي الجهني , صاحب دار الرفاعي , كتاب ترجمةٍ له ولأشعاره , وفيفاء الفحلتين , وفيها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوكَ , وفيها جبلٍ الفحلتين الذي تنسجُ حوله الأساطير , وهي أن في أعلاه بداخل القلعتان صحون وقلالٍ من الذهب , وهذا كذب فقد صعدته ووقفت عليه قديماً , ولم أجد شيئاً من تلك القصص الخرافية , ومنازل عروة كثيرة , وغالبيتها تقع غرب المدينةِ المنورة , ببطن وادي الحمض " أضُمَ " , وستأتي في مواضعها .

    ويقول ابن غنيم المرواني أيضاً :
    أما كتاب : " معجم معالم الحجاز " تأليف : الباحث عاتق بن غيث البلادي الحربي , فهو تاريخاً ضخمٍ لمعالم الحجاز , من أوسع ما كتب عن معالم الحجاز وجغرافيتها , قضى مؤلفه في تدوينه ست سنواتٍ من البحث والجمع والإعداد , وأراد به أن يستقصي جميع معالم الحجاز قديمها وحديثها , إلا أنه لم يكتب له ذلك , بل أراه ناقصاً , ومن جوانب نقصه على سبيل المثال , إهماله كثير من المنازل والديار الواقعة بشمال العيص , وصولاً إلى منطقة الوجه , وهذه المساحات يبلغ طولها حوالي 300 كيلاً , وكذلك من ساحل البحر الأحمر شمال أم لج ( أملج ) إلى بطن وادي الحمض " أضم " ناحية ذي المروة ( المرامية ) , ويبلغ عرضها قريب من 250 كيلو متراً , فهذه المساحات هي بطن الحجاز وأوتادهُ , وذلك بسلسلة جبالها العظيمة بالاتساع والارتفاع , وقد غفل عن ذكرها البلادي , ولم يتطرق لها في معجمه , مع أنه حاول جاهداً حصر جميع معالم الحجاز , حتى أنه لم يدع ذكر أسماء الشوارع والمزارع , فعلى سبيل المثال ذكر في [ ج9 / ص 56 ] , فقال : النشير : بالتصغير , مزرعة في قربان بالمدينة المنورة , ذات حقول برسيم يتنزه فيها الناس . انتهى كلامه , ونسختي التي أنقل منها هي الطبعة الأولى , سنة 1400هـ , طبعة دار مكة , ولكن في معجمنا هذا تحديد وصفة بعض هذه المواضع التي لم يتطرق إليه الأستاذ البلادي .


    وقال الحازمي في " الأماكن أو ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة " تحقيق : حمد الجاسر , طبعة : دار اليمامة :
    ( باب : العيص ، والغيض )
    أما الأول : بكسر العين وآخره صاد مهملة , موضع في بلاد سليم ، يقال له : العيص به ماء يقال له : ذنبان العيص ، قاله الكندي ، وهو فوق السوارقية .

    يقول المؤلف بن غنيم :
    قوله : من بلاد سليم , هذا وهم منه , وهو ايضاً بعيداً عن السوارقية .

    وقال الأصطخري في " المسالك والممالك " :
    والعيص : حصن صغير بين ينبع والمروة .

    وقال عرام السلمي في " كتاب أسماء جبال تهامة وجبال مكة والمدينة " بتحقيق : عبد السلام هارون , ط1 , سنة 1373 هـ :
    ( العِيص ) : به ماء يقال له : ذَنَبانُ العيص , والعيص : ما كثرت أشجارهُ من السَلَمِ والضالِ , ويقال له : عِيص وخِيس , وحذاءه جبل يقال له : [ الحراض ], أسودٍ , ليس به نباتٌ حسن , وفي أصله أضاءةٌ , يقال لها : الحوق , تمسك الماء من السماء كثيراً .

    يقول المؤلف ابن غنيم الجهني :
    كتاب عرام بن الأصبغ السلمي الأعرابي : " أسماء جبال تهامة ومكة وجبال مكة والمدينة وما فيها من القرى وما ينبت عليها من الأشجار وما فيها من المياه "
    منسوب إلى عرام السلمي , وهو الصحيح , ومنهم من نسبه إلى أبي الأشعث الكندي وهي نسبة خطأ , لأن الكندي ما هو إلا راوياً عن عرام , وليس هو صاحب الكتاب , ولذلك وقع عند البعض الخلط بينهما , وعرام هذا من المغمورين , لا توجد له ترجمةٍ في كتب التراجم , ولكنهُ كان أعرابياً بدوياً من بني سليم , ويظهر ذلك جلياً في لغة كتابته التي كتب بها كتابه هذا , وهو لم يؤلف غير هذا الكتاب , وكان ذا دراية في بلاد الحجاز , بحكم سكنى قومه لها وهم بنو سليم , المجاورون لقبيلة جُهينة منذ الجاهلية , ولكن يغلب على كتابه كثرة الأخطاء عند تحديده للمواضع , وله كثير من الأخطاء والشطحات الكبيرة في وصف المواضع وتحديدها , فقد ينقلك عند تحديد موضعاً ما إلى أكثر من مائةِ كيل ! , ولعل ذلك ناشئ من أنه كتب كتابه هذا بعد أن بلغ به العمر عتياً , قيل أنه كتبه وهو شيخاً هرماً , واعتمد في تدوينه للكتاب على ذاكرته التي لم تسعفه كثيراً , وطبع الكتاب عدة طبعات أجودها طبعة شيخ المحققين : عبد السلام هارون , وهي الطبعة التي ننقل منها , وكذلك ما نشره مجمع اللغة العربية بإشراف الشيخ البحاثة : حمد الجاسر , وللعثور على المخطوطة قصة , وبسببها حدث - بعض نفس - بين المحققين الكبيرين : بحاثة الجزيرة حمد الجاسر , وشيخ المحققين : عبد السلام هارون , رحمهما الله , وله طبعات متعددة لا يتسع المجال لذكرها ,

    وفي طبعة : - دار الكتب العلمية - وهي طبعةٍ سقيمة جداً , بتحقيق الشناوي , ظهرت كلمة العيص محرفة فظهرت هكذا ( عيض ) بالضاد المنقوطة , وليست بالصاد , وكتب المحقق في الهامش أن في المخطوطة الأصل كلمة : ( جبل الحراض ) وأن الأصح الذي أثبته في متن الكتاب هو ( جبل الحراس ) وقال في الهامش : والتصحيح من كتاب البكري ومعجمه , وأقول : بل الأصح هو ما ظهر في أصل المخطوطة , والذي غيره المحقق عمداً ووهماً منه وهو : " جبل الحراض " وكذا في معجم ما استعجم للبكري نسخه - دار عالم الكتب - بالضاد وليس بالسين , كما صحف ذلك المحقق بوهمه , والشناوي يبدوا لي أنه قال بذلك نقلاً عن عبد السلام هارون في هامش تحقيقه للكتاب , حيث قال : ذكرهُ البكري في رسمه , وفي " الستار " وفي " شوحط " وفي إحدى نسخ أصله " الحراض " , ولم يرسم له ياقوت , بل لم يذكره , بتتبع فهارس وستنفلد , انتهى كلامه . وأقول : وهذا لا يصح من شيخ المحققين رحمه الله , لأن حراض لا يزالُ معروفاً باسمه إلى اليوم , ويقع بجوار الشبحة في منطقة العيص , ويبعد عن أملج 110 كيلو متراً , وقد ذكره ابن برجس الجهني في كتابه " شعراء من وادي العيص " , ومعتاد الجهني في " كتاب العيص " , وابن خميس في " معجم جبال الجزيرة " , وقال باحث الجزيرة الشيخ حمد الجاسر : ( الحراضة ) : من مناهل قبيلة جهينة بمنطقة العيص في إمارة المدينة , وقال البلادي في " معجم معالم الحجاز " ( الحراضة ) : وادٍ يصب في ينبع النخل من الشمال , إلى جانبه الشرقي بقايا آثار وحفريات , انتهى كلامه , وقد ذكره كثير عزة في أشعاره , وانظر أيضاً لتحديده أيضاً كتاب أبو علي الهجري , وهو غير وادي حراض أحد أودية القبلية ومن روافد جبل جهينة الأشعر , وسيأتي معنا مزيد توضيح في موضعه بعون الله .
    وقال الهمداني في " صفة جزيرة العرب " تحقيق : نسابة اليمن الأكوع , وإشراف : حمد الجاسر , طبعة : دار اليمامة :
    باب مساكن العرب فيما جاوز المدينة : العيص : وفيها جُهينة ومزينة .. وإليه ينسب التمر العيصي .

    يقول المؤلف بن غنيم :
    الهمداني العلامة الأخباري نسابة اليمن : أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني , يكنى بابن الحائك , وابن الدمينه , والنسابة , ويدعو نفسه بلسان اليمن , ولد سنة 280هـ , وتوفي سنة 334 هـ , من أهم مصنفاته كتابة الأنساب : " الإكليل في أنساب حمير وأيام ملوكها " ، ألفهُ في عشرة أجزاء ، لم يعثر منها إلا على : الأول , والثاني , والثامن , والعاشر , طبع في دار الإرشاد اليمنية , بتحقيق العلامة النسابه القاضي محمد بن علي الأكوع - رحمه الله - , وقول الهمداني عن العيص : وفيه مزينة , هذا وهماً منهُ , فليست العيص من منازل قبيلة مزينة ولا من أرضها لا في جاهليتها ولا بعد إسلامها , وقد ذكر الحربي في " المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة " وهو من المتقدمين عن الهمداني فقال عنها : وهي لجُهينة والحسينيين , وقوله التمر العيصي هو خطأ , إنما الصحيح التمر البرني .

    وقال الهمداني في " صفة جزيرة العرب " :
    قال الشاعرالحجازي العجلاني : وهو يصف أسماء بلاد العرب والمناهل , والأودية , التهامية , والسروية , المشهورة المعروفة , بأبيات طويلة ومنها :
    سقـيـت يـنـبـع فساحـتـهـا تـلــكفـتـلــك الـضــيــاع فـالـشـعـثـاء
    واتلأبت تصب من فوق رضوىفـــبـــواطٍ دلـــويـــة وطـــفــــاء
    رويــت مــن بعاعـهـا الـعـيـصفالرس سيولاً فالمروة البيضاء
    وأربت تصب في الحجـر والـودكمـا صـب فـي الحيـاض الـدلاء

    يقول المؤلف بن غنيم الجهني :
    ( ينبع ) من منازل جُهينة القديمة , قدمت منه وفود جهينة لمبايعة صلى الله عليه وسلم عندما جاء مهاجراً إلى المدينة , أقطع صلى الله من جُهينة هو كشد بن مالك - رضي الله عنه , وهي رابع مدن الحجاز أهمية , ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة مدن في إمارة واحدة : ينبع النخل , وينبع البحر , وينبع الصناعية , وهي أشهر من أن نُعرفها انظر " تعطير الصفحتين بشي من تاريخ الينبعين " .

    ( الضياع ) : هي المنازل والقرى المجاورة لبلاد ينبع , كالعيص , والأجرد , والأشعر , والمارمية , والحوراء .. وما جاورها .

    ( شعثاء ) : قرية في وادي ينبع لها عين جارية , وفيها حوانيت , ونزلها من جُهينة , كذا قال البلادي في معالم الحجاز , وأقول : هي بفتح الشين المعجمة وإسكان العين المهملة وفتح التاء المثلثة بعدها ألف ممدوه , إحدى قرى الجابرية من ينبع النخل , وإليها تنسبُ عين شعثاء من العيون البائرة التي لم يعد لها نبع .

    ( رضوى ) : جبل جُهينة القديمة , من أشهر جبال الحجاز وأعظمها حجماً , وهو الجبل الذي ألهم الشعراء وأسال قرائحهم , فلم يقع نظر شاعراً عليه إلا وذكره بأبيات , ولنا به كتاب : ( تحية الإجلال والإكبار مما قيل بجبل رضوى من الأشعار ) , وسيأتي معنا .

    ( بواط ) : من منازل جُهينة القديمة , وهو بواطان غوري وجلسي , غزاه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لاعتراض قافلة عير قريش , راجع صفتهُ ورحلتنا إليه في " تاريخ الينبعين " وسيأتي .

    ( الرس ) : من منازل القبلية الجهنية , يطلق على جبل وواد , كما ذكرها الزمخشري في الجبال والأمكنة نقلاً عن علي بن وهاس , والرِس , بكسر الراء , هو النبع الذي يخرج من صخور الجبال , لا تردهُ إلا الوحوش والصيد , يعرفهُ أهل القنص , وسيأتي معنا تفصيله .

    وقال الزمخشري في " الجبال والأمكنة والمياه " :
    ( العيص ) : موضع .

    يقول ابن غنيم المرواني الجهني :
    كتاب " الجبال والأمكنة والمياه " تأليف : أبو القاسم جار الله الزمخشري المعتزلي صاحب التفسير اللغوي البديع " الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل " سافر إلى مكة وجاورها ست سنواتٍ فسمي بها " جار الله " لمجاورة مكة المكرمة , وصنف بها تفسيره اللغوي العظيم الكشاف , وكتابنا هذا " الجبال والأمكنة والمياه " وكتابه هذا من أجود ما كتب عن جغرافية الحجاز ومعالمها بعد معجم ياقوت , وما زاد من جودته أنه يروي عن الأمير علي بن وهاس العلوي الحسني الزيدي الحجازي , وعلي هذا كان الزمخشري مصادقاً وملازماً له طوال الفترة التي مكثها بجوار مكة , ولا زال بعد رحيله عنها يثني عليه خيراً كثيراً ويذكرهُ في كتبه ورسائله كربيع الأبرار وغيرها , وقال عنه في مقدمة خطبة تفسيرهُ الكشاف : الأمير الشريف الإمام شرف آل رسول الله , أبي الحسن علي بن حمزة بن وهاس , أدام الله مجده , وهو النكتة والشامة في بني الحسن , مع كثرة محاسنهم , وجموم مناقبهم . انتهى , وقال عنه ابن المقرى في " أزهار الرياض " هو عُلَي بضم أوله وفتح ثانيه , ابن عيسى ابن حمزة ابن وهاس الحسني العلوي . وقال عنه الصفدي في " الوافي بالوفيات " ابن وهاس العلوي اليمني علي بن عيسى بن حمزة بن وهاس بن أبي الطيب ، يعرف بابن وهاس ، من ولد سليمان بن حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب , توفي بمكة سنة نيف وخمسين وخمس مائة وهو في عشر الثمانين , وأصله من اليمن ، وكان شريفاً جليلاً من أهل مكة وشرفائها ، وله قريحة في النظم والنثر ، وله تصانيف مفيدة , قرأ على الزمخشري بمكة وبرز عليه ، وصرفت عنه الطلبة إليه , توفي في أول ولاية الأمير عيسى بن فليتة . انتهى .

    قلت : وابن وهاس كان خبيراً عارفاً بمواضع البلدان والقرى , وأعني بها ينبع ومجاورها من أرض الحجاز , ويبدوا أنه كان كثير التردد إلى بلاد ينبع , هذا إن لم يكن قد استوطنها لبعض الوقت , وبخاصة أنها كانت سكن للأشراف آل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - , ولذلك حدد بدقةٍ - مواضع القبلية - والقبلية : هي كل ما يسيل ناحية المدينة , كذا قال الجاسر في " ملحق الجوهرتين " , وقولهُ فيهِ نظر , والقبلية : هي منازل قبيلة جُهينة في الجاهلية وبعد الإسلام , وابن وهاس العلوي قد حددها تحديداً دقيقاً , والكتاب الموسوم قد طبع عدة طبعات , أولها طبعة ليدان , وهي طبعة سقيمة , بها كثير من التصحيف , وأجودها طبعة دار النجف , بتحقيق : بحر العلوم النجفي , وتوجد للكتاب نسخةٍ مخطوطة محفوظة في مكتبة الشيخ عارف حكمت بالمدينة , تحت مسمى : أسماء البقاع والجبال والأمكنة .

    وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري بشرح صحيح البخاري " :
    العيص : وهو بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها مهملة , قال : وكان طريق أهل مكة إذا قصدوا الشام , قلت : وهو يحاذي المدينة إلى جهة الساحل وهو قريب من بلاد بني سليم .

    وقال الإمام السيوطي في " لب اللباب في تحرير الأنساب " :
    ( العيصي ) : للعيص , وادٍ مشهور فوق السوارقية , على أربع ليالٍ من المدينة المنورة .

    يقول المؤلف بن غنيم المرواني الجهني :
    الإمام الحافظ السيوطي أحد الأئمة الأعلام , له في كل فن من فنون العلم مؤلفاً , ولِد سنةَ 849 هـ , وتوفي سنة 911هـ , ويذكر الشيخ حمد الجاسر في كتاب " بلاد ينبع " نقلاً عن القفطي أن للسيوطي مولفاً عن بلاد ينبع لم يعثر عليه , أنظره في مقدمة كتابنا " تاريخ ينبع " ويقول الحافظ السيوطي عن نفسه : شرعت في التصنيف سنة ست وستين وثمانمائة - أي في السابعة عشر من عمره - وبلغت مؤلفاتي إلى الآن ثلثمائة كتاب سوى ما غسلته ورجعت عنه , ويقول عبد السلام هارون : وقد عد له بروكلمان 415 مصنفاً ما بين مطبوع ومخطوط , والعلامة فلوجل 560 مصنفاً , وذكر له الأستاذ جميل العظم 576 مصنفاً بين كتب ورسائل , وفي تاريخ ابن إياس أن مؤلفاته بلغت ستمائة مؤلف , انتهى .

    وقول السيوطي : العيصي نسبة إلى العيص , فيه تجوز لا يثبت بحال , وأظن أن السيوطي قال ذلك قياساً لا نسباً وإلا لما وقع بمثل هذا الوهم , وسكان العيص هم جهينة , ولم ينتسبوا أو ينسبوا يوماً إلى العيص , إنما هم باقون تحت نسبهم الأصل جُهينة , وعرب البادية ليس من عوائدهم الانتساب إلى المدن والقرى , إنما هم ينتسبونَ إلى أصولهم , قال عبد السلام هارون : لم يكن العرب القدماء يعرفون نسبة الرجل إلى البلاد , إذ كانت حياةُ جمهورهم بين الانتجاع والارتياد , لا يقر لهم في ذلك قرار , وإنما كانوا ينتمون إلى شي ثابت وهو القبيلة , التي يقرون بها , ويجتمعون بها , ويخضعون لقوانينها , فالعربي قرشي , وتميمي , وهذلي , وسعدى , وجهني , وإذا عز عليه الانتماء إلى الفخذ انتمى إلى البطن , ثم إلى العمارة , ثم إلى الفصيلة , ثم إلى القبيلة , ثم إلى الشعب الكبير , العدناني , أو القحطاني , أو القضاعي , ونادر ما ينتمي العربي إلى موطن معين , انتهى كلامه , ويذكر الشيخ النسابة عبد الله المرواني صاحب " الأمجاد البادية من عرب البادية " : ويقول الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : لا تكونوا كنبط السود , إذا سئل أحدهم ممن أنت ؟ , قال : من مدينة كذا ! , أحفظوا أنسابكم , وعلموا أولادكم لاميةُ العرب , فإنها تعلم على مكارم الأخلاق . انتهى , وقد وجدت ما يدل على صحة هذا الأثر وهو قوله تعالى : ( ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله ) , ويقصد الخليفة الفاروق بقوله : من مدينة كذا , أي : أن ينسُب الرجل نفسه إلى تلك المدينة , لكونه يجهل نسبه الحقيقي وإلى أي جذم انتمائه , فحذرهم الفاروق من مغبة هذا الفعل الشنيع , ولكي لا يعتاد المسلمون الانتساب للمدن فتخلفهم ناشئه لا تعرف عن أصلها ونسبها ورحمها شيئاً ف , يرتكبون بذلك فاحشةٍ وإثماً عظيماً , ولامية العرب التي أوصى بحفظها الفاروق ابن الخطاب هي قصيدة الشاعر الجاهلي الشنفري التي مطلعها :
    أقيموا بني أُمي صَـدورَ مطيكـمْفإنّـي إلـى قـومٍ سواكـم لأ مَـيْـلُ
    فقد حُمتِ الحاجاتُ والليلُ مُقْمِرُوشُـدَّت بطيّـاتٍ مَطـايـا وأَرْحَــلُ

    وقال لورانس في " أعمدة الحكمة السبعة " :
    ( وادي العيص ) : وهو الوادي الشهير بينابيعة وقرى النخيل فيه , المتدفقة من خلال جبال جُهينة المنيعة , ويمر من خلف جبل الرضوة "رضوى " , في اتجاه الشرق إلى وادي حمده , بالقرب من الحديه (؟) .. وزخر وادي العيص بأشجار الزعرور الشائكة , وبالأعشاب , وكان هوائه مشبعاً بالفراشات البيضاء , وعطر وعبق الأزهار البرية .

    يقول المؤلف بن غنيم المرواني الجهني :
    لورانس هو : توماس إدوارد لورانس , اشتهر بلورانس العرب ! , وهو قائد ما يسمى الثورة العربية ضد العثمانيون الأتراك , وقام بإشعال الثورة بعد أن حضي بدعم قبائل الجزيرة العربية له , وكانت أغلب نشاطاته في الجزيرة العربية ترتكز على الحجاز وما حولها , وكان مقرهُ وقاعدة تحركاته بلاد ينبع , ألفهُ لورانس بعدما عاد إلى موطنه بريطانيا , وكتبه في ثلاث سنوات , والكتاب مطبوع متداول بعدة طبعات , لم أجد من بينها طبعة تستحق الإشادة بها , فجميعها طبعاته سقيمة , غارقة من التحريف والتصحيف , وغالب تلك الأخطاء في مسميات المواضع الجغرافية وأسماء القبائل , وأقتبس لورانس اسم مؤلفه هذا : أعمدة الحكمة السبعة , من كتاب الإنجيل , حيث جاء في " سفر الأمثال " 9: 1 ( الحكمة بنت , بيتها نحت , أعمدتها السبعة ) ولعل في هذا النص وجد لورانس ما يصبوا إليه فأقتبس مسمى كتابه , وللورانس لغة جميلة مشوقة , وهو صاحب قلم طلق , وفكر متوقد , وذاكرة عميقة , ولكتابة أهميته الجغرافية , حيث أنه يوثق ويسجل الطرق والمعالم التي يمر بها , وكذلك توثيقه أسماء القبائل والبطون في تلك المنطقة التي يسلكها , إلا أن المترجمين للكتاب وأخطائهم اللغوية في التعريب وجهلهم بمسميات المواضع والأماكن والقبائل , جعل الانتفاع من الكتاب أمره يسيراًً .


    وقال معتاد عبيد السناني الجهني في " كتاب العيص " :
    ( بلاد العيص ) : منطقة العيص ملتقى لمجموعة من الطرق القديمة والحديثة , ويمكن أن نقول عن وصف تلك المنطقة بأنها مجموعة من الجبال تشبة عقداً انفرط طرفاه عند الالتقاء بوادي الحمض , وتتشابك في تلك المنطقة الجبال الوعرة ذات السفوح المنحدرة مع عدد من الأودية التي تشكل روافد مهمة لوادي الحمض " أضم ", وتتخلل هذه الوديان مساحات واسعة من السهول الغرينية , والتي تزرع بالقمح عند هطول الأمطار .

    يقول المؤلف بن غنيم المرواني الجهني :
    مؤلف كتاب العيص : الأستاذ والمؤرخ والأديب معتاد بن عبيد السناني الجهني, احد أعلام الفكر والأدب المعاصرين ومن أبناء قبيلة جهينة, ولد المؤلف سنة 1367هـ , في بلاد العيص , وتلقى تعليمه في ينبع البحر , حيث تخرج منها عام 1384هـ , ثم دخل المعهد العلمي في المدينة النبوية فتخرج منه عام 1389هـ , ثم التحق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , قسم كلية اللغة العربية بشعبة التاريخ والآثار , وتخرجَ منها سنة 1394هـ , ثم بعد ذلك عين مدرساً في معهد الرس العلمي في الفترة ما بين 1395هـ إلى 1397هـ , ثم عمل مدرساً في معهد المدينة المنورة العلمي في الفترة ما بين 1398هـ إلى 1399هـ , ثم بعد ذلك أوفدَ إلى المعهد الإسلامي في جيبوتي فعمل فيه من العام 1400هـ إلى 1404هـ , ثم عاد بعد ذلك فعين مديراً لمعهد القريات العلمي وذلك سنة 1405هـ , ولم أجد له ترجمة وافية بمصادري , فلم يترجم له عبد الكريم الحقيل في " معجم مؤرخي الجزيرة العربية في العصر الحديث " , وكذلك هي الحال مع صاحب " موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين " إصدار : النادي الأدبي بالمدينة , وأيضاً لم يذكره صاحب " ملامح من تاريخ ينبع " ومن أهم أعماله وآثاره الفكرية : كتاب العيص , وهو كتابنا هذا الذي نتناوله بالبحث , وقد أحسن مؤلفه في تدوينه وأجاد أيما إجادة , وأظهر في تأليفهُ علماً غزيراً , بل أراه من أفضل وأدق ما قرأت على كثرته , ولا أعلم له مؤلفاً غيره , والكتاب بذلك يعد محاولة فريدة ورائدة من نوعها , إذ أنه أول كتاب يتناول موضوعة أحد معالم بلاد جهينة .

    وقال أمير البيان شكيب أرسلان المتوفى سنة 1350هـ في " الإرتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف " :
    ثم قبيلة جهينة المنتشرة من ينبع إلى الوجه, وهم بنو جهينة بن زيد بن ليث ابن سود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة, من العرب القحطانية, وهم من أكبر القبائل, قيل: إن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا أحصاهم فبلغوا في أيامه 40 ألفاً, وسمعت من يحرزهم اليوم [أي زمن المؤلف سنة 1340هـ] بسبعين ألفاً وبمائة ألف, وهم فئتان : موسى ومالك .

    وقال المؤرخ التركي أيوب صبري باشا المتوفى سنة 1307هـ في " مرآة جزيرة العرب " :
    ( قبيلة جهينة ) : يعيش أفراد هذه القبيلة في حالة تنقل وترحال دائم [ذلك سنة 1280هـ] بين المناطق الممتدة من جبل الحساين [حسان] حتى ينبع البحر, ومن ساحل البحر حتى نبع هدية الواقع في جبل الحساين, ومن قلعة شجوة [شجوى] حتى بئر فقير من وادي عباس, وينبع البحر إلى جبل رضوة [رضوى] الذي يبعد خمس ساعات عن ينبع البحر شرقاً, كما يقيمون في ينبع النخل أحياناً, ولما كانوا جميعا من البدو الرحالين غير المتوطنين, فإنهم ينتقلون حيث يشاءون ووقتما يشاءون, وتنقسم القبيلة المذكورة إلى قسمين عرفا : بأولاد مالك , وأولاد موسى ..

    يقول المؤلف بن غنيم المرواني الجهني :
    الكتاب ألفهُ أمير الحج أيوب صبري باشا سنة 1289هـ , وقدمه هديةٍ لسلطان عبد الحميد الثاني, وطبع طبعة الأولى سنة 1306هـ قبل وفاة مؤلفه بعام, بمطبعة الآستانة العثمانية . ولم أجد بناحية جبل حسان بئر يسمى هدية, إنما ماء هدية بئراً ونبعاً, ذكره ابن فضلان والبلوي في رحلتيهما, ويقع فيما بين العلا ووادي الحمض, وهو إلى العلا أقرب.


    وقال ياقوت الحموي في " معجم البلدان " طبعة صادر , ط1 , سنة 1397هـ :
    ( العِيِص ) : بالكسر ثم السكون , وآخره صاد مهملة , قد ذكر اشتقاقه في الذي قبله , وفي العُوَيص آنفاً أيضاً : وهو موضع في بلاد بني سُليم , به ماء يقال له : ( ذنبان العيص ) قاله أبو الأشعث , وهو فوق السوارقية , وقال ابن إسحاق في حديث أبي بصير : خرج حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون منها إلى الشام , وقال أفنون التغلبي , واسمه : صُريم بن معشر بن ذُهل ابن تيم بن عمرو بن تغلب :
    لـو أننـي كنـتُ مـن عـادٍ ومـن إرَمٍغُذيـتُ فيـهـم ولقُـمـانٍ وذي جَــدَنِ
    لـمـا فــدوا بأخيـهـم مــن مُـهـولـةأخا السكونِ ولا حادُوا عن السنن
    سألتُ عنهـم وقـد سَـدت أباعرُهـممن بين رحبة ذات العيص فالعدن

    يقول المؤلف ابن غنيم :
    معجم البلدان , تأليف : العالم الكبير شيخ الجغرافيين , الإمام شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي , أخذ أسيراً من بلاد الروم وهو لا يزال طفلاً صغيراً , وحُملَ إلى بغداد , فاشتراه تاجراً يسمى عسكر الحموي , فنتُسبَ إليه ياقوت , وسُمي بالحموي , عهد إليه مولاه بتجارته , وما لبث طويلاً حتى توفي مولاهُ الحموي , فسافر بعد وفاة مولاه إلى حلب , ثم أخذ بالتنقل من بلداً إلى آخر , إلى أن استقر به المقام في خوارزم , فمكث بها إلى أن أغار عليها جنكيز خان - لا برد الله تربتهُ إلى يوم الدين - , فعاث فيها فساداً , فلم يدع في خزائن مكتباتها العامرة شيئاً , فهرب ياقوت منها إلى الموصل , تاركاً أمواله بها , ثم لم يطب له المقام بالموصل , فرحل إلى حلب واستقر بها إلى أن توفي رحمة الله عليه ,

    ولمعجم ياقوت أهمية كبيرة لدى الباحثين,
    فهو يعد موسوعة جغرافية ضخمة , وقد ألفهُ في ست سنواتٍ قضاها متنقلاً بين خزائن المكتبات الوقفية حينذاك , وكتب ياقوت معظم مادة كتابة عن الحجاز وجغرافيتها , والعجيب أن ياقوت على عظم أهمية معجمه هذا إلا أنه لم تطأ أقدامه أرض الحجاز (!) , بل لم يكتب له الحج إلى مكة , وإنما استقصى مادة معجمه من كتب الجغرافيين الذين سبقوه , ويذكر الشيخ بكر أبا زيد القضاعي في : " إتحاف الخلان بمعارف معجم البلدان " , وهو كتاب ترجمة للأعلام الواردة أسمائهم في معجم ياقوت , إلى أن ياقوت رجع في تدوين معجمه إلى أكثر من 251 كتاباً , وأرى أنه رجع إلى أكثر من ذلك , وأما التي ذكرها الشيخ بكر أبا زيد فهي التي صرح بالنقل منها ياقوت , أما ما لم يصرح به فهو كثير , وقد أشار إلى بعضها الشيخ حمد الجاسر في سلسلة مقالاته في " مجلة العرب " بعنوان : " نظرات في معجم البلدان " , ولمعجم البلدان عدة طبعات , لعل من أجودها وأصحها الطبعة التي نشرها المستشرق الألماني وستنفيلد سنة 1866م , وكذلك طبعة : دار صادر هي نسخة طبق الأصل عن طبعة وستنفيلد , وهي من أجود الطبعات اليوم لاعتمادها على الطبعة الأصل النادرةَ , ويقول المستعرب الروسي كراتشكوفسكي المتوفى سنة 1951م في كتابه " الأدب الجغرافي العربي " : وأهمية معجم ياقوت تتجاوز بكثير حدود الأهداف الجغرافية الضيقة , وهو أوسع وأهم بل وأكاد أقول أفضل مصنف من نوعه لمؤلف عربي للعصور الوسطى .. يكفي أن نذكر أن متن الكتاب المطبوع يضم ثلاثة آلاف وثمانمائة وأربعاً وتسعين صفحة , وهو جماعاً للجغرافيا .. وبالرغم من إتباعه لدرب مطروق سلكه قبله الكثيرون فإن ياقوت قد خشي أن يتهم بأن هدفه من وضع المعجم كان جغرافياً بحتاً , لذا فقد جهد في أن يدعم معطياته قبل كل شي بالشواهد من القرآن والحديث . انتهى كلامه , أما سبب تأليف ياقوت للمعجم فيحدثنا قائلاً :

    لم أقصد بتأليفه، وأصمد نفسي لتصنيفه،
    لهواً ولا لعباً ، ولا رغبة حثتني إليه ولا رهباً ، ولا حنيناً استفزني إلى وطن ، ولا طرباً حفزني إلى ذي ودٍ وسكن , ولكن رأيت التصدي له واجباً ، والانتداب له مع القدرة عليه فرضاً لازباً ، وفقني عليه الكتاب العزيز الكريم ، وهداني إليه النبأ العظيم ، وهو قوله عزوجل ، حين أراد أن يعرف عباده آياته ومثُلاتِه ، ويقيم الحجة عليهم في إنزاله بهم أليم نقماته : ( أفلم يسيروا في الأرض ، فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ، فإنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) .. وكان من أول البواعث لجمع هذا الكتاب ، أنني سُئلتُ بمرو الشاهجان ، في سنة خمس عشرة وستمائة ، في مجلس شيخنا الإمام السعيد الشهيد فخر الدين أبى المظفر عبد الرحيم ابن الإمام الحافظ تاج الإسلام أبي سعد عبد الكريم السمعاني , تغمدهما الله برحمته ورضوانه ، وقد فعل الدعاء إن شاء الله ، عن حُباشَةَ اسم موضع جاء في الحديث النبوي ، وهو سوق من أسواق العرب في الجاهلية , فقلت : أرى أنه حُباشَةُ بضم الحاء ، قياساً على أصل هذه اللفظة في اللغة ، لان الحُباشَةَ : الجماعة من الناس من قبائل شتى ، وحبشتُ له حُباشَة أي : جَمعت له شيئاً , فانبرى لي رجل من المحدثين ، وقال : إنما هو حَباشةُ بالفتح , وصمم على ذلك وكابَرَ ، وجاهَرَ بالعناد من غير حجة وناظر ، فأردت قطع الاحتجاج بالنقل ، إذ لا معول في مثل هذا على اشتقاق ولا عقل ، فاستعصى كشفه في كتب غرائب الأحاديث ، ودواوين اللغات مع سعة الكتب التي كانت بمرو يومئذ ، وكثرة وجودها في الوقوف ، وسهولة تناولها ،

    فلم أظفر به إلا بعد انقضاء ذلك الشغب والمِراء ، ويأس من وجوده ببحثٍ واقتراء ، فكان موافقاً والحمد لله لما قلته ، ومكيلاً بالصاع الذي كلته ، فألقي حينئذ في روعي افتقار العالم إلى كتاب في هذا الشأن مضبوطاً ، وبالإتقان وتصحيح الألفاظ بالتقييد مخطوطاً ، ليكون في مثل هذه الظلمة هادياً ، وإلى ضوء الصواب داعياً ، ونبهت على هذه الفضيلة النبيلة ، وشرح صدري لنيل هذه المنقبة التي غفل عنها الأولون ، ولم يهتد لها الغابرون , يقول من تقرع اسماعهُ : كم ترك الأول للآخر (!) , وما أحسن ما قال أبو عثمان : ليس على العلم أضرُ من قولهم : لم يترك الأول للآخر شيئاً ، فإنه : يفتر الهمة ، ويضعف المنة . انتهى كلامه .

    وأقول : شيخ ياقوت الذي عقد في مجلسه ذلك اللغطُ هو الإمام السمعاني صاحب " كتاب الأنساب " , أما استشهاده بالأبيات السابقة فأرى أنه استشهاد في غير موضعه , فالعيص المقصود في شعر أفنون التغلبي هو العيص الواقع في حضرموت من أرض اليمن, ولذلك قال أفنون : رحبة ذات العيص ( فالعدن ) , فهو عيص اليمن وليس عِيص جهينة الماثل بأرض الحجاز , ولم أرى من نبه على ذلك قبلنا , وقوله : بخزائن مرو الكبيرة , فأظنهُ يكفي أن نشير إلى أنه كان في أحد تلك الخزائن الوقفية ما يقربُ من خمسةَ عشر ألف كتاباً , ولعمري فذاك زمن طفرة التأليف , فأين كل هذه الكتب جميعاً ؟ , لقد طوح بها الزمن وضرب الدهر عليها بكُلله فلم يعد لها أثراً ننتفع به , ولله درهم كيف لو علموا حاجتنا وعوزنا اليوم (!.!) .

    وقال البغدادي في " مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع " :
    ( العِيص ) : بالكسر , واحد الذي قبلهُ , موضع في بلاد بني سُلَيم , به ماء يقال له : ذنبان العيص , وهو فوق السوارٍيقية , والعيص : حصن بين ينبع والمروة , وقيل : هو عرضٍ من أعراض المدينة , على ساحل البحر .

    يقول المؤلف ابن غنيم المرواني :
    كتاب : الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع , تأليف : صفي الدين البغدادي المتوفى سنة 739هـ , والكتاب عبارة عن مختصر لمعجم البلدان , لياقوت الحموي , اختصر فيه المؤلف الكتاب , وحذف منه ما هو خارج عن صلب الموضوع , من فضوله وحشوه , وأصلح بعض ما في الكتاب من أوهام وأخطاء وخلل , وربما زاد فيه, وبخاصة في مواضعُ ومنازلِ بغداد , والكتاب ليس بهِ كثير فائده , وأما معجم البلدان فقد طُلبَ من مؤلفه اختصاره في حياته فرفض ذلك, وقال في مقدمة كتابه : ولقد التمس مني الطلاب اختصار هذا الكتاب مراراً ، فأبيتُ ولم أجِد لي على قصر هممهم أولياء ولا أنصاراً ، فما انقدتُ لهم ولا ارعويتُ , ولي على ناقل هذا الكتاب والمستفيد منه أن لا يُضيع نصبي ، ونَصبَ نفسي له وتعبي , انتهى وأورد بعد ذلك نقول للجاحظ يستشهد بها على عيوب اختصار الكتب .

    وقال الأستاذ محمد حامد السناني الجهني في " شعراء من الحوراء " :
    ومنازل جهينة الآن من ديار قبيلة بلي شمالاً إلى ينبع البحر جنوباً , ومن ساحل البحر غرباً إلى المدينة المنورة شرقاً .

    يقول المؤلف ابن غنيم المرواني الجهني :
    كتاب شعراء من الحوراء , مشروع لتدوين التراث في أملج , صدر منه الجزء الأول , في طبعة الأولى , سنة 1420هـ , وهو في ثلاثة أجزاء , وهو كتاب قيم في بابه , جمع فيه مؤلفه عدد لا بأس به من القصائد الشعبية لشعراء جُهينة من أبناء الحوراء, ويقع في ثلاثمائة ورقة ذات حجم متوسط , ويتميزُ الكتاب بالقصائد الشعبية النادرة , واعتمد المؤلف في جمعه لمادة الكتابة على الرواية الشفهية , وذلك بتلقيها من أفواه الرواة , فمع أنه الكتاب مصنفاً في خانة كتب الأدب , إلا أن فيه صفة لبعض الأماكن والمياه والآبار والآثار في الحوراء أرض جُهينة,
    وفي المثل يقال :
    لا رجال إلا رجال الحوراء , ولا جمال إلا جمال الدوراء .

    ومن رحلة العياشي المتوفى سنة 1090هـ في " ماء الموائد "وبالحوراء قالوا :
    جئنا إلى الحوراء وهي محطةفيـهـا الأراك نـزاهـة لـلـرائـي
    ناديـت خلـي قـف بـهـا متـأمـلاًوانـظـر لـرمـل مغـمـر بالـمـاءِ
    واغنـم زمانـاً مقـبـلاً بسـعـودهفيه اجتماع الشمـل بالحـوراءِ
    وبالحوراء منازل مشيخة جُهينة, وسيأتي معنا المزيد بعونه ومنه وكرمه وحفظه في تاريخ الحوراء .

    وإلى هنا ينتهي الباب المختصر من أخبار بلاد العيص وما قيل فيها وفي صفتها , ولو إن كنا أثقلنا الكتاب بطول التعليقات وكثرتها, إلا أنه كان لا بد منها , فالحكم على الشيء فرع من تصوره .




    lu[l luhgl rfdgm [EiQdkm hgr]dlm ,hgp]dem - frgl hfk ykdl hglv,hkd lu[l luhgl rfdgm [EiQdkm hgr]dlm ,hgp]dem


  2. #2

    افتراضي

    [align=right]


    والباب القادم عن :
    القرى , والهجر , والجبال , والأودية , والآبار , والآثار , والمناهل , والعيون , والأشجار , والنباتات , والحيوانات , والطيور , في بِلاد جهينة العِيص



    ( الحَرَاضَة ) :
    بفتح الحاء والراء ثم ضاد مفتوحة بعدها هاء مهمله, والمتقدمون يضبطوها بضم الحاء,
    والحراضة هي اسم يطلق على : هجرة, وجبل, وواد, ومعدن, وجميعها لجهينة, والمعدن هو أحد معادن الذهب القديمة, قال نصر الإسكندراني في كتابه " الأمكنة والمياه والجبال والآثار ", طبعة : مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات, الحراضة أرض, ومعدن الحراضة بين الحوراء وبين شغب وبدا, وينبع قريب من الحوراء . وأقول : وكذا قال ياقوت الحموي في " معجم البلدان " : نقلاً عن ابن السكيت, ووصف السكيت للحراضة وصف خبير بها, ومعدن الحراضة : هو أحد معادن الذهب القديمة في تلك الناحية, كان معروفاً منذ الجاهلية, واستغل كغيره من المعادن في عهد الخليفة أبو بكر الصديق ومن ثم عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - وذلك عندما فتحت معادن بلاد العرب وكانت حينذاك غزيرة الإنتاج,
    وسوق عورش : يقع بجوار الحراضة, وهو سوق للحدادين والنحاسين في العصور القديمة, كذا قال معتاد الجهني في كتاب العيص. وأقول : ذلك السوق الغرض من إنشائه توفير الأدوات والمؤن ومستلزمات عمال المعدن.

    وقال الشيخ حمد الجاسر في " ملحق كتاب الجوهرتين العتيقتين المائعتين الصفراء والبيضاء " تأليف : الهمداني , طبعة دار اليمامة :
    ( معدن الحُرَاضة ) : قال أبو عبيد البكري : الحُراضة : أرض, ومعدن الحراضة : بين الحوراء وبين شغبٍ وبَدَا, وينبع من الحوراء قريب من طيخ, وطيخ من أسافل ذي المروة, وذو المروة : بين ذي خُشُبٍ ووادي القرى, ونقل ياقوت عن ابن السكيت : الحراضة أرض, ومعدن الحراضة بين الحوراء وبين شغبٍ وبدا, وينبع قريب من الحوراء . ويظهر أن هذا المعدن هو الذي ذكره البشاري قائلاً : إن بين ينبع والمروة معادن الذهب, وقال : من ينبع إلى رأس العين مرحلة, ثم إلى المعدن مرحلة, ثم إلى المروة مرحلتين.

    والحراضة لا تزال معروفة, ولكن الاسم يُنطق الآن بفتح الحاء بخلاف ضبط المتقدمين أنهُ بالضم, وتقع الحراضة شمال ينبع النخلِ, في المنتصف بين هذه البلاد وبين العيص, ويطلق الاسم على جبلٍ وعلى وادٍ يفيض سيله إلى جهة ينبع النخل, وشرقها آثار معادن, منها أمُ مريقب , وأم حفرة , وبينهما هشيم , وتقع على خط العرض 48/ 24 وخط الطول 18/ 38 تقريباً , وقد وضع اسم ( القَبَلِيَةِ ) تحت اسم الحراضة في مصور " بلاد العرب " الخارطة طبعة سنة 1377هـ - 1958م , ونرى وضع القبلية تحت اسم الحراضة خطأً, إذ هي غورية وليس قبليةً , إذ القبلية الجبال المقبلة نحو المدينة , والغورية ما اتجهت نحو الغور وهو تهامة .

    وقال معتاد بن عبيد الجهني في " كتاب العيص " باب : الآثار في العيص :
    ( سوق عورش في الحراضة ) : وهو عبارة عن سوق حرف حدادين ونحاسين ونحو ذلك, ولم أجد اسماً لهذا السوق في المراجع التي وقعت بين يدي , لكن ذكر ذلك الشيخ : بخيت بن جزاء من أمراء قبيلة الموالبة [من جهينة], ويشرب أصحاب هذا السوق من بئر حميس, وحميس : هم بنو حميس بن عامر بن ثعلبة بن مودعة بن جهينة, ويقال لهم : الحرقة .. وقد وقفت أمام أطلال ذلك السوق على ما أذكر, وهو مجموعة من المباني التي أصبحت أثراً بعد عين, وقد يكون ذلك السوق محل استراحة لقوافل التجارة, ولتقديم الخدمات لهم, وتبادل السلع معهم .. كما يوجد بجانب السوق أثر لمناجم , قد تكون للذهب والفضة, كما أن حجر المسن يوجد في تلك المنطقة, حسب ما ذكر لي أحد سكان المنطقة .

    يقول المؤلف ابن غنيم المرواني الجهني :
    تسمية السوق الواقع بجانب معدن الحراضة, بسوق عورش لم أتحققه حتى الآن, وما وجدته هو قول الصاغاني في " العباب الزاخز " وعَوْرَش : كجوهر, موضع نقله الصاغاني. قلت : ونقله عنه أيضا الزبيدي في " تاج العروس ", وقال ياقوت في معجمه : عورش : بفتح أوله وسكن ثانيه وفتح الراء وشين معجمه, علم غير منقول, يجوز أن يكون من قولهم بئر معروشة, انتهى. وأقول : لا شك لدينا أنه سوق حدادة, وأن الغرض من إنشائه هو توفير مستلزمات العمل بالمعدن, وقوله أن حجر المسن يوجد في تلك المنطقة فذاك صحيح, إذ أن حجر المسن يستخرج من جبل جهينة رضوى ومنه يوزع إلى جميع البلدان, بل إلى الدنيا كلها كما نقل ذلك ياقوت في معجمه عمن سبقوه من الجغرافيين, وحجر المسن هو الحجر الذي تسن به السيوف والسكاكين ويسمى الصُلبِيةُ, ولعل بسوق عورش هذا كان يقطع حجر المسن المستخرج من جبل جُهينة رضوى, ومنه ويوزع إلى الأسواق, وقيل أن أهل تلك الناحية من أبناء جهينة يتناقلون خبر العمل في ذلك المعدن والسوق قبل أن يتوقف وينقطع العمل به.


    وقال عبد الكريم الخطيب في " شعراء ينبع وبنو ضمرة "ط1, سنة 1392هـ :
    ( الحراضة ) : وهي أرض, ومعدن الحراضة بين الحوراء وشغب وبدا, وينبع قريب من الحوراء هكذا قال ياقوت, ونقول : الحراضة لا تزال معروفة وتنطق بفتح الحاء, وتقع شمال ينبع النخل في المنتصف فيما بينه وبين العيص, وهي جبال وواد يفيض سيلهُ على ينبع النخل, وفي شرقها آثار ومعادن, يقول كثير عزة :
    وأجمعن بيناً عاجـلاً وتركننـيبفـيـفـا خـريــم قـائـمـا أتــلــدد
    كما هاج إلف صابحت عشيـةله وهو مصفـود اليديـن مقيـد
    فقـد فتننـي لمـا وردن خفينـنـاًوهن على ماء الحراضة أبعد

    يقول المؤلف بن غنيم الجهني :
    هذا النص : ( الحراضة تقع شمال ينبع النخل في المنتصف فيما بينه وبين العيص, وهي جبال وواد يفيض سيلهُ على ينبع النخل, وفي شرقها آثار ومعادن ) نقله الخطيب, وعاتق البلادي, بدون أن يعزو أي منهما إلى مصدر, وهذا النص لا شك لدي أن قائلهُ هو مؤرخ ينبع وابنها الأستاذ عبد الكريم الخطيب صاحب تاريخ جهينة, وقال ذلك في كتابه الذي نقلنا منه أنفا, بطبعته الأولى سنة 1392هـ, أما البلادي فقد نقله عن الخطيب إلى " معجمه معالم الحجاز " [ج2 / ص253] بتمام نصه من غير أن ينسبه إلى الأستاذ الخطيب (!), لأن البلادي طبع معجمه معالم الحجاز الجزء الثاني ط1, سنة 1399هـ, إذاً فالنقل في هذا النص عن المؤرخ الخطيب متجلياً ظاهراً.


    وقال أمير البيان شكيب أرسلان في " الإرتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف " :
    وفي جنوبي مدين معدن يقال له (الحراضة) ثم إلى الجنوب منه معدن غير الذي ذكره الجغرافي العربي المقدسي وقال : إنه بين ينبع النخل وذو المروة, وهذا المعدن المجهول لم يزل بكراً, وأصحابه قبائل صغيرة لا يمكن أن يجول في أرضهم, وأما المعادن المهمة في الجزيرة فهي التي في الحجاز واليمن, ويكثر فيها الذهب والفضة, وفيها قليل من النحاس, وفيها الحديد . ففي جنوبي الحجاز معادن كثيرة شهيرة, وكانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يستخرجون منها بمجرد رفع الحجارة, ومما لا شك فيه أن الاستخراج منها وقع بعد المسيح بستمائة سنة وكان حثيثا.

    يقول المؤلف ابن غنيم المرواني :
    المعادن في تلك الناحية كثيرة, وبعضها لم يكتشف بعد وإن كانت الأغلبية قد مسحت وأجريت عليها الأبحاث, من خبراء المعادن, وبعض أهل البادية يستدل على وجودها بعروق تكون ظاهره بملقاة الجبل, وطرق استخراج معادن الذهب والفضة القديمة سهلة ميسره, ذكرها الهمداني في الجوهرتين العتيقتين, والبيروتي في " الجماهر في علم الجواهر " وغيرهم.


    وقال الشيخ حمد الجاسر في " ملحق كتاب الجوهرتين العتيقتين " :
    ( معادن يَنبع ) : جاء في كتاب " أحسن التقاسيم " للمقدسي : أن بين يَنبُعَ والمرَوةِ معادن كثيرة للذهب, وقد تقدمت الإشارة إلى بعضها كمعدن الحراضة, ولا تزال آثار التعدين الكثيرة بارزة في تلك المنطقة, وقد أشار المستشرق الألماني " مورتس " إلى طرف من أخبارها في بحثه الذي نشرته " العرب " معرباً, ونشرت جريدة " أم القرى " تقريراً للمهندس الأمريكي " تويتشل " ذكر كثيراً من مواقع المعادن القديمة في تلك الجهة.

    وقال معتاد بن عبيد الجهني في " كتاب العيص " باب : الآثار في العيص :
    كما أن هناك آثار منجم في أم الهيب, على حافة وادي الحمض, جهة الزبائر بين الضليعة والسليلة, بها رحى كبير لطحن المرو, وحسب تحديد موقع ذي المروة هو تابع لها لأن تحديدها قرب الضليعة تطل على وادي الحمض, وقد ذكر أستاذنا الجاسر أن ذا المروة هي أم زرب, كما توجد آثار كتابات قديمة في أودية العقوقفي قرب الفشغات وخذوة وعلى الأصح بينهما, وهذا المنجم عبارة عن قرية صناعات.. كما توجد آثار لمناجم الذهب والفضة والنحاس قرب "جبل الغياية " في منطقة تسمى " أم الحفر ", سميت بذلك لكثرة الحفر فيها, أي : حفر المناجم.

    يقول المؤلف ابن غنيم الجهني :
    كل تلك المعادن الواقعة بأرضي جُهينة ستأتي معنا بمواضعها, وقول الجهني نقلاً عن الشيخ حمد الجاسر أن ذي المروة هي أم زرب, وهماً كشفنا عوره ودفعناه بالأدلة والقرائن الثابتة, فذو المروة هي المرامية, ولا حاجة لإعادة ذلك مرة أخرى.

    وقال ابن بليهد في " صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الأثار " :
    ( حَرَاضَةُ ) : تطلق على موضعين : الأول يقع في جبل حضن, منهل يقال له " حراضة " هي التي قال ياقوت ماء لبني جشم بن معاوية, والثاني قرية من قرى الأفلاج يقال لها " حراضة " وسبق الكلام عليها في ج1 ص209 في السطر السابع من كتابنا هذا, والموضعان يحملان اسميهما حتى هذا العهد, التي في جبل حضن في بلاد بني هلال في الجاهلية, وفي هذا العهد للبقوم, وحراضة الأفلاج في بلاد بني قشير في الجاهلية, وفي هذا العهد للدواسر.

    يقول المؤلف ابن غنيم المرواني :
    مسميات مواضع حراضة وحراض في بلاد العرب متعددة, وليس صحيح أن حراضة هذين الموضعين فقط كما قال ابن بليهد, ولا أدل على ذلك من موضع حراضة جُهينة الذي نذكره هنا, ولولا ذكره ووصفه لما تطرقنا إلى حراضات بلاد العرب, فابن بليهد وهم هنا في حصر حراضة بهذين الموضعين, والبلادي وهم أيضاً في حصر حراضة بالحجاز كما سوف يأتي, وكلاهما قد جانب الصواب ..

    وقال نصر الإسكندري في " كتاب الأمكنة والمياه والجبال الآثار ونحوها المذكورة في الأخبار والأشعار :
    (يَرَعَةَ) : بفتح ياء تحتها نقطتان وفتح الراء أيضاً : ناحية من ديار فَزَارةَ من أعمال والي المدينة بين الحُرَاضَةِ وَبُوانَةَ. انتهى, وأقول كذا نقله الحازمي بالأماكن ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة, والحَرَاضَة هُنا ضبطها نصرٍ بالضم, وقد ذكرنا سابقاً أن المتقدمين يضبطوها بالضم, و يَرَعَةُ التي ذكرها نصرٍ والحازمي بالقرب من الحراضة وبوانة, لا أظن إلا أن نصرٍ قد صحفها, وإنما هي تُرْعَة : بالتاء المثناة, موضع ووادٍ لِجُهَيْنَةَ من أرْضِ العِيْص, كانت بها صدقات لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه, قال ابن شبه بأخبار المدينة : عن روافد وادي أُضَم : ويلقاه وادي تُرْعَة من القبلة ثم يلتقي هو ووادي العيص من القبلة. انتهى,

    وقال الهجريّ من أهل القرن الثالث : السرد قُنّةٌ بجانب تُرْعة من جانب الحصير جَبَلٌ لجُهَيْنَةَ. انتهى, وأقول : ولا تزال تُرْعَةٍ الجبل والوادي والهجرة معروفة هُناك سكانها جُهَيِنَةَ, وقول نصرٍ من أرض فزارة, وهماً أيضا, إنما هي بِالقَبَلِيَّة مِن أَرْضِ جُهَيْنَةَ كما نقل الهجريّ, قال الشيخ حمد : والحراضة وبُوانة موضعان يقعان شمال بلاد يَنْبُع, ولا يزالان معروفين, ولكنهما ليسا من بلاد فزارة في ذلك العهد, بل من بلاد جُهَيْنَة غرب بلاد فزارة. انتهى, وأقول : لم يذكر الشيخ الجاسر ترعة في بلاد ينبع وَجُهَيْنَة ومنازلها القديمة, وهذا مما يُستدرك عليه رحمة الله.

    وقال الهجري في " كتاب أبو علي الهجري وأبحاثه في تحديد المواضع " : تحقيق : الشيح حمد الجاسر , طبعة : دار اليمامة , ط 1, 1388هـ.
    وَيلِيْ حَوْرَةَََ الشَّامِيَّة, يُنازِعُها مِنْ شِقِّها الشَّامِيّ, حُرْاض(1) وبِها بِئرٌ يقَالُ لَهَا بْئر حُرْاض (2), ولِعِمْرانَ بِن عَبْدِ اللهِ بِن مُطِيعٍ بِفَرْعِ حُرْاض قَصْرٌ, وهُنَاكَ أيضاً حُرْيض (3), وهو لِبَني الرَّبْعَة(4), فيهِ ماءٌ يَسِيح, لا يُفْضِي إلى شيْءٌ يُنْتَفَعُ به, وَيلِي حُريضاً ظََلِمٌ (5), وصَدْرُه لِبَنِي الْحَارِث (6), بَطْنٌ مِنْ مُرَّةَ من بَنِي الرَّبْعَة, وبأَسْفَلِ ظََلِمٌ بِئْرٌ يُقَالُ لَها : بِئْر عُطَيِل المُلَيِحِي(7), ومُليْح(8) : مِنْ الرَّبْعَة.وبِفَرْعِ ظََلِمٌ : الصَّهْوَةُ (9), صَدَقَةَ عَبْدُ الله بِن عَبّاس على زَمْزَم, يَفْتِلُ رَقِيِقُهَا الخَزَم مِنْ الصَّهْوَةُ لِزَمَزَم, ورقِيِقُهَا مِتَناسِلُونَ بِها إِلى اليَوْم, وَيلِي ظُلْماً مِن شِقِّةِ الشَّامِيُ مِلْحَتانِ(10) : مُليْحَةُ الرَّمْثِ, وَمُليْحَةُ الحَرِيض (11), لأَنَّ بِها شِعْباً ضَيّقاً, يحْرِضُ الإبِلُ, أَي : يُقْشَرَ جُلُودِها, يُسَدُ بِخَشَبٍِ.

    يقول المؤلف بن غنيم المرواني الجهني :
    نقله البكري بمعجم ما استعجم, وأورده الجاسر بكتاب الهجريّ لغلبة الظن أنه للهجريّ, وأنظره عند السمهودي بوفاء الوفا ومختصره.

    [1] ( حُرَاض ) :
    وادٍ يسيلُ من جَبَل الأَشْعَر, يبلغُ طولهُ قريب من عِشْرينَ كِيل, وَيَمر بالجارة من أسفل الجَفْرُ, ثم يفيضُ إلى العفره فمِلحه, ماراً بجبلي دحلٌ وظلم: وهما غَرْبِ الجَفْرُ ناحية مَغِيبُ الشَّمْسِ, ثم يَصبُّ بأُضُم جُهَيْنَةَ وادِي الحَمْضِ مِما يلي المُندسة, لم يذكرهُ نصرٍ والحازمي, ولا يَزَال معروفاً باسْمِه إلى يومنا, والجَفْرُ رَسَم ضَبْطُها البلادي بمعالم الحجاز: بفتح أوله وسكون ثانيه وراءٌ مُهمله, هكذا ضَبَطَهَا خطأً, وأظنهُُُ جَعَلَها بِمَعْنَى صَغِير المَاعِز : فأوله جَفْرٌ ثم تَيْس, وهي ليست كذلك, إنما هو (الجَفْرُ) بضم أخره, وهي اليوم لا تعرف بهذا الضبط, قال كُرَاع النمل : الجَفْرُ : هي البئر الغير مطْوِيَّةٍ, وكذا أورد ابن الأعرابي بكتاب البئر, وأقول : وهي أيضا البئر الواسعة القريبة القعر والتي لم تطوئ, والجَفْرُ بها الكثير من الآبَار ومياهُها غزيرة, قال الشيخ حمد الجاسر بهامش كتاب الهجريَّ : حُراض : بالضم آخره ضادٌ معجمة : وادٍ مِن أَوْدِيَةِ الأَشْعَر, في شَّامِيّ حَوْرَةَََ, ليس به إلا ماء سَيحٌ يسمى الثَاجَةٌ " وفاء الوفا " الثَّاجَةٌ : بالجيم المشددة : ماءٌ يَشِجُّ بِحُرْيض, وبِحُرْاض ثَاجَةٌ أخرى " وفاء الوفا ". انتهى, وقال الجاسر في بلاد يَنْبُع وبلاد جٌهَيْنَة ومنَازِلَها القَدِيمة : حُراض : موضع في جَبَل الأَشْعَر, معمُور, تقدم ذكره. انتهى, وقال البلادي بمعجم معالم الحجاز : حريض : وادٍ يسيل من الفقرة شرقاً في إضم, مجاور لحراض.

    [2] ( بئر حَرَاض ) :
    هي كما يظهر بئرٌ كانت بِحَرَاض وادٍ من جَبَل الأَشْعَر, لا أعرفه اليوم, والآبار كثيرةٌ في تلك الناحية.

    [3] (حُرْيض ) :
    قال مؤرخ الجزيرة حمد الجاسر ببلادِ ينبع ملحق بلاد جُهَيْنَةَ ومنازلها القديمة : حُريض : مَوْضِعٌ في الأَشْعَر, تَقَدَّم ذِكْرُهُ, وقال الشيخ أيضا بهامش تحقيقه للمغانم المطابة : حراض وحريض من أودية الأشعر جبل جهينة. انتهى, وأقول : حراض وحريض هما متجاوران, أنظرهما بِحُراض.
    [4] ( بَنِي الرَّبَعَة ) :
    قال البلادي بمعجم قبائل الحجاز : الرَّبَعَة : بفتح الراء والموحدة والعين المهملة وآخره هاء, قال البكري في مادة الأَشْعَر : بطن من جهينة. وانظر كليب. وفي معجم قبائل العرب : الربعة بن رشدان : بطن من جُهَينة تنتمي إليه جماعة من الصحابة وغيرهم, وفي معجم ما استعجم للبكري : الربعة هم ولد سعد بن هميم بن ذُهل بن هني بن بلي, انتهى كلامه. وأقول : الرَّبَعَة هو ابن رشدان : بفتح الراء الموحدة التحتية والعين المهملة وآخره هاء, أباً جاهلي قديم مِنْ جُهَيْنَةَ, ينتسب إليه عدد من الصحابة الْجُهَنِيُّون, كانت منازلهم وإلى يومنا يَنْبُعَ, ووادي رشاد, والعيص, والمارامية, وبواطٍ, والأجرد والأشعر جبلي جهينة, وجبال القبلية هي منازلٌ لبني الربعة من جُهينة وتشاركهم بها بقية قبائل جُهَينة, وخط النبي صلى الله عليه وسلم لبني الربعة من جهَيْنَةَ مسجد جُهَيْنَةَ بالمدينة.

    قال المطري في : التعريف بما أنست به معالم دار الهجرة - طبعة الدارة - :
    نا إبراهيم بن عمر, عن سمعان, عن خارجة بن الحارث بن رافع بن مُكيث الجُهنيّ, عن أبية, عن جده قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلاً من أصحابة من الربعَةَ من جُهَيْنَة يقال له أبو مريم, فعاده بين منزل بني قيس العطار الذي يقال فيه الأراكة, وبين منزلهم الآخر الذي يلي دار الأنصار, فصلى في المنزل, فقال نفرٌ من جُهَيْنَة لأبي مريم : لو لحقتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته أن يخط لنا مسجداً, فقال : احملوني, فحملوه فلحق النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما لك يا أبا مريم ؟, فقال : يا رسول الله, لو خططتَ لنا مسجداً, قال : فجاء إلى مسجد بني جُهَيْنَة وفيه خيام لبلى فأخذ ضِلعاً أو محجناً, فخط لهم به, فالمنزل لَبلى, والخِطَّة لِجُهَيْنَة. انتهى, وأقول : أبا مريم الصحابيّ الذي زارهُ النبي صلى الله عليه وسلم : هو عُقبةَ بن عامر الجُهَنيّ رضي الله عنه, والمسجد لم يبق له آثر اليوم, وإنما موقعة معروف ذكرهُ العياشي وأطنب بوصفه, وقد فتح الله علينا بأن هدانا للوقف عليه, وسيأتي وصفهُ إن شاء الله.

    ولبني الرَّبَعَة الْجُهَنِيُّون كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاب مُوادَعَة وفيه :
    ( إنهم آمِنُونَ على أَنْفُسِهِِمْ وَأَمْوَالَهُمْ, وَأَنَّ لهم النَّصْرَ على مَنْ ظَلَمَهُمْ أو حَارَبْهُم, إِلاَّ فِيْ الدَّيِن وَالْأَهْل, ولأَهْلِ بَادِيَتِهِم مِنْ بَرّ مِنهُم وَاتَّقَى ما لَحَاضِرَتِهِِم, والله المُسْتَعان ).

    وَالرَّبَعَة :
    واحدهم الرَبَعي, وجمعهم الرَّبَعَة, قيل بضم الراء وقيل بفتحه, وأهل الحديث بالفتح ضبطوه, ونُرجِح كسر أوله, وأما الربعة التي ذكرها البلادي في بلي فتلك ربعةٍ أخرى غير رَبَعَة جُهَيْنَة إن صح أَمرُها, وقد ذكر بنو الرَّبَعَة الْجُهَنِيُّون هؤلاء ابن الكلبي بنسب معد واليمن الكبير فقال : وولد الرَّبَعَة بن رُشدَان: غَنْماً ، وسَلََمَةَ ، وَسُرَيْراً ، وعَدِيَّاً , منهم : عُلَةُ بن عَدِيّ بن مَنَاف بن كَراثةَ بن جَهْمَةَ بن عدي بن الرَّبعَة، شهد بدراً, ووَدِيعَةُ بن عَمْرو بن سِنان بن عوف بن حَرَّاد بن يَرْبُوع بن طَحل بن عدي بن الربعة ، شهد بدراً, في بني النجار, وعَبْدُ العُزَّى بن زَيْد بن معاوية بن خِشَّان بن أسعد بن وديعة بن مَبْذُول بن عدي بن غَنْم، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وغير اسمهُ. انتهى.

    والصَّحَابة بني الرَّبَعَة من جُهَيْنَة جماعةٌ, أفردنا لهم مُعْجَم تَراجِم, فمن رواة الحديث منهم : عقبة بن عامر الجهني من كبار الصحابة وأكثرهم رواية, وعثم بن الربعة الجهني, وعنمة بن عدي الجهني, شهد بدراً والمشاهد كلها, وجندب بن مكيث الجهني, أستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات جُهَيْنَة, ورافع بن مكيث الجهني أخو جندباً, شهد الحديبية وبايع تحت الشجرة وكان أحد الأربعة الذين حملوا ألوية جُهَينة يوم الفتح, نزل بِالقَبَلِيَّة من بلادِ جُهَيْنَة وكانت له دار بالمدينة بحارة جُهَيْنَةَ بجوار مسجد جُهَيْنَة الذي خطه النبي صلى الله عليه وسلم لهم, وعبد العزيز بن بدر الجهني, كان ينزل بالأَشْعَر (الفِقْرَة), قال ابن حبان : كان حامل لواء جُهَيْنَة يوم الفتح, ونزل القَبَلِيَّة من جِبْال جُهَيْنَة. انتهى, قلت : وهو الوافد على النبي من وادي رشاد وكان اسمهُ عبد العزى فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد العزيز, وتميم بن ربيعة الجهني, شهد الحديبية, من أهل الشجرةِ بايع بيعة الرضوان, وزياد بن كعب الجهني, شهد بدر وأُحداً وكان حليفاً للأنصار, وضمرة بن عمرو الجهني كان معدوداً من الأنصار, وهو ليس كذلك إنما هو جُهَنِيَّ النسب حليفاً لهم, وربيعة بن عمرو الجهني كان حليفاً لبني النجار من الأنصار, وديعة بن عمرو الجهني شهد بدراً واُحد والخندق والمشاهد كلها, وهو أخو ربيعة السابق, رضي الله عنهم جميعاً وأرضاه.

    [5] ( ظَلِمٌ ) :
    قال نصر في كتاب الأمكنة والمياه : ظََلِِمٌ : جَبَلٌ بالحِجاز بين إِضَمٍ وجَبَلِ جُهَيْنَةَ. وقال نصرٍ أيضا : دُخَّلٌ : قُربَ المَدينةِ بينَ ظَلِمٍ ومِلْحَتَيْنِ. انتهى, وقال البكري بمعجمه : ظَلِم : بفتح أوله وكسر ثانيه, على وزن فعل, جَبَلٌ مشهور من جبال الحجاز. وقال الحموي بمعجم البلدان : ظَلِمٌ : بفتح أوله, وكسر ثانيه, يجوز أن يكون مأخوذاً من الظَّلِمةَ, أو من الظَّلِم, أو مقصوراً من الظليم ذكر النعام : وهو وادٍ من أودية القبلية, عن عُليّ العلويّ. انتهى, وأقول : وكذا أورد السمهودي بوفاء الوفا, والفيروز آبادي بالمغانم, إلا أن الفيروز ضَبَطَهُ بضم آخره, وعدة الزمخشري من جبال القبلية فقال : وظَلِمٌ, ونقل ابن شبة بأخبار المدينة, والسمهودي بوفاء الوفا : أسماء الأودية التي تدفع بإضُمَ نقلاً عن الزبير بن بكار وفيها : ويلقاها وادي مللٌ بذي خشب, وظلم. وقال الشيخ الجاسر في بلاد ينبع وجُهَيْنَة ومنازلها القديمة : ظَلِمُ : من أودية القبلية, وهو من أودية الأشعر, على ما ذكر الهجري. وقال الجاسر بملحق الجوهرتين العتيقتين : ظلم : من معادن الذهب القديمة, خط طول شمالاً: 41 - 22, خط عرض شرقاً: 12 - 42. ويقول الشيخ حمد الجاسر : وظَلِم وَمِلْحَتَان : من مواضع الأشعر جبل جُهَينَة القديم, المعروف الآن باسم (الفقرةِ) غرب المدينة, وأرى هذا الموضع المُسمى دُخَّل هو المذكور في معجم ما استعجم بهذا النص : وبين ظَلِم ومُلَحَتَيْن الدَّحْلان : دَحْل وعَذْمَرُ وهو جبل عظيم بين مُليْحَةَ وصَعِيد ظلم, وبطرف هذا الجبل الشامي ماءٌ يقال له : الوَشَلُ, وبطرفه الغربي ردْهَةُ عَاصِم, ثم يلي مُلحتين بُواطَانِ المذكوران. انتهى.
    وأقول : ظلم : موضع, وفيه جبلٌ أسود شامخ شمال المندسة, وأرضه خَبْتٌ بين العفرة والجفرُ, وبكيِحُهُ موضع دُخَّلٌ (دَحْل), ويحاذيهُ وادي حُراض الغوري, تسيلٌ منه شعاب يفرغُ سيلُها بوادي الحمض, ومصبها غرب المندسة قبل المليليح, وكل الأودية التي تدفع بوادي الحمض والآتية من جبل الأَشْعَر هي غوريه, وقد ذكر هذه الأمكنة الشاعر الجُهَنِيُّ المصري محمد ابن عبد المطلب ابن بكر ابن بخيت ابن حارس ابن قراع ابن علي ابن أبي الخير الجُهَنِيُّ أحد شعراء القرن الثاني عشر, فيقول بإحداها :
    مَا لِقَلْبِي بِالحَنِيْنِ يُضْحِي ويُمْسِيشَقَّةُ البَرْقَ لاَحَ مِنْ عَيْنِ شَمْـسِ
    حَنَّ فِـيْ شَجْـوَةَ إِلـى جَبَـل الطَّيـرحَنِيـنِـي إِلــىْ الغـوَيـرِ وجِـلــسِِ
    لاَ تَلُمْ وَيْحَكَ الغَرِيِب علَىْ الدَّمْـعِفَـفِــيْ الـدَّمْــع لِلْـغَـرِيـبِ تــأَسِّــيِ
    واِبْنُ جُهَيْنَةَ إِذا الأُصُوْلِ تَلاََقَتْبَـذَّ أَهْــلَ الـعُـلا إِلــىْ خَـيْـر رَأْسِ
    وعين شمس : قرية بصَّعِيد مصر, وشجوه : أرضٌ لِجُهَيْنَةَ بوادي الحمض بها جبل الفحلتين, وَجَبل الطَّيرُ : بالصَّعِيد ذكرهُ ياقوت, أما الغوير وجلس : فهي صفة للأودية التي تدفع بواد الحمض من الغرب, كوادي رشد, وبواط, وأودية جبلي : الأجرد, والأشعر, فقالوا عن بواط : بواطان: غوري وجلسي, والله أعلم.
    [/align]

  3. #3

    افتراضي

    [align=right]
    [6] ( بَني الْحَارِث ) :
    ذكرهم الهَجَرِيّ من علماء القرن الثاني أو الثالث منسوب إلى أرض هَجَر, ولم أجدهم بما لدي من مصادر, إلا قول ابنُ الكلبي بالنسب الكبير عند ذكرهُ بَنو جُهَيْنة بن زَيْد قال : والحَارِثَ : وَهْو سَبْرَة : بَطن دَخَلَوا في بَني أُسَامَةَ بن حذَام بن رِفَاعَةَ بن نَهْد, وأقول : كذا أورد ابن الكلبي, ويظهر أن هؤلاء ليسو بأولئك الحجازيين سكان جبل الأشعر, وبنو نهد منازلهم اليوم بأرض اليمن وما جاورها, إلا أن عرام السُلمي أورد بكتابه أسماء جبال تهامة وسكانها ما يدل على أن بني نهد كانوا من سكان القَبَلِيَّة فقال : الصَّفْراء : قرية كثيرة النخل والمزارع وماؤها عيون كلَّها, وهي فوقَ يَنْبُع مما يلي المدينة, وماؤها يجرى إلى يَنبُع, وهي : لجُهَيْنَةً, والأنصار, ولبني فهر, ونَهد, ورًضْوَى منها من ناحية مَغِيب الشمس, وحواليها قِنَان : واحدها قُنَةً, وضَعاضِع صغار : واحدها ضَعضاع, والقِنان والضَّعاضع : جبالٌ صغار لا تسمَّى. انتهى, وأقول : القُنَّةُ وَالقُلَّةُ : هي الذورةُ والعلو والارتفاع, وليس كما قال عرام, والضعاضع مفردها : ضعضاع : وهي الضليعات الضعاف الركيكة.

    [7] ( بئْر عُطيل ) :
    لا أَعْرِف بئراً بهذَا الاسْمِ في تلْكَ الناحِيَةِ, وأظنُ أن هذه البِئْرَ سُمِّيت بِذالكَ نِسْبَةٌ إِلى هذَاَ الاسْم : عُطيل المُليِحِي الرَّبَعِيِّ الجُهَنِيُّ, وما وَجَدْتُ لعُطيلٌ المُفْتَرض هَذَا أَي ترجَمَة, ولم يُعلق الشيخ حمد الجاسر بهامش الكتاب.

    [8] ( بَنِي مُليْحِ ) :
    قال الخطيب في تارِيِخ جُهَيْنَةَ : مُليْح : عدهم البكري من بطون الرَّبَعَة مِن سُكَّان الأَشْعَر. انتهى, وكذا أورد البلادي بمعجم قبائل الحجاز, إلا أنه قال بمعجم قبائل الحجاز : المِلحَان : والنسبة إليهم أملح!, بطن من الغنيم من موسى من جُهَيْنة, والغُنََّيم فيهم شيخة جُهَيْنَةَ. انتهى كلامه, وأقول : لا أعلم بطناً بِجُهَيْنَةَ اليوم يسمى بني مُليْح عدا بطن من مراوين جُهَيْنَةَ, واحدهم يُسمى المُليحِي, وجمعهم المُليحات, ومراوين جُهَيْنَةَ ذكرهم الجزيري بالقرن التاسع الهجري 900هـ فقال : بدنات عديدة بقرب نبط والحوراء. وقوله هُنا يدل على أنها قبيلة كبيرة العدد والعُدة, ولا زالوا من أكبر قبائل جُهَيْنَةَ يربو عدد أفخاذها الرئيسية على الثلاثين فرعاً, وإليهم مَشْيَخَة جهَيْنَةَ, ومساكنهم طولاً من شمال ينبع فالحوراء ثم شمالاً حتى مصب وادي إضم بالبحر الأحمر, وعرضاً بمحاذاة مفيض وادي الحمض (أضم) حتى ذي المروة, والجزيري من أكثر الناس معرفة بتلك الطرق وقبائلها, فقد طرقها لأكثر من خمسين عاماً, عندما أوكلت إليه إمرة بعثات الحج المصرية حينذاك, وكذلك ذكرهم العياشي صاحب ماء الموائد - طبعة فأس - من أهل القرن العاشر, أما المؤلفات بعد القرن العاشر فكثيرة جدا لا يتسع المجال للاستطراد بذكرها, والضبط الدقيق لمسمى هذا البطن مُليْح جُهَيْنَةَ : بضم أوله ثم لامٌ مفتوحة بعدها ياءٌ مثناهٌ ساكنه فحاءٌ مكسورة, على وزن فليح, ومُليح تصغير حبة المِلح, وقول البلادي الملحان, لا أظن إلا أنهُ قد أبعد النجعة بصيغة جمع الاسم, فالضبط الصحيح للقبيل ما أثبتناه, وبني مُليح بطن من جُهَيْنَة أشتق من اسمهم كثير من الأمكنة بِجَبَل الأشْعَر, فبني الرَّبَعَة هم سكان الجبل كذا قال الهجريّ, ولا زالت الشعاب والأودية والقيعان بالجبل غالبيتها تحتفظ بمسمياتها القديمة, وتعليل مسميات أمكنة الجبل لم أجد من أشار إليها قبلنا, ومن تلك المواضع : المِلْحَتانِ, وهُما : (مُليْحَةُ الرَّمْثِ) و (مُليْحَةُ الحَرِيض), وهذه الملحتين اشتقت من اسم بني مُليح الْجُهَنِيُّون, ووادي مليحة أيضا : شعب بأعلى الجبل بجوار معدن الشُب, ذكره البكري بمعجمه ولا زال معروفاً بمسماه إلى يومنا, وَمُلحَةُ أيضاً موضع أسفل جبل الأشعر مجاوره لظلمٍ, يمر بها وادي حُراض, ذكرناها سابقا وهي مِلْحَتينِ شماليهٍ وجنوبية, ولا زالت معروفةٍ إلى يومنا.

    ( وَمَلَح ) : موضع بقربهما مقابل للمندسة من شرقها, بينه وبينها مسافة 15 كيل, تحدهُ غرباً (تلعة هتيم), وليسو بهتيم إنما هم بنو رشِيد, تفصله عن المُليليح, يفيض سيله بوادي الحمض قاطعاً الطريق الإسفلتي, طريق الحمض (خط تبوك) محاذي لحميمة دودان وجبال البيضاء من الغرب, والبيضاء ذكرها البكري. قال البلادي بمعجم معالم الحجاز : مَلَح : وادٍ بين المدينة والمُلَيْلِيح, يصب في وادي الحمض, من الشرق في المندسة منه, يقابل بواطاً من الشرق, يقطعه طريق الإسفلت المار في تلك الجهة من أسفله.

    [9] ( الصَّهْوَةُ ) :
    بفتح أولهُ وسكون ثانية, والصّهوةُ هي الارتفاع والعلو, والصَهوةُ أيضاً مقعد الفارِس على ظهر الفرسِ, وفي تاج العروس : وفي الصِّحاحِ عن أَبي عَمْروٍ الصَّهاءُ : منابِعُ الماءِ الواحِدَةُ صَهْوَةٌ. انتهى, وفي المغانم المطابة : مِلْحَتانِ : تثنية مِلحةٍ للقطعة من المِلْح, وادٍ من أودية القَبَلِيَّة, حكاه أبو القاسم الزَّمخشريُّ [عن عُليّّ]. انتهى, وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان : الصَّهْوَةُ : صهوة كلّ شيء أعلاه : بنواحي المدينة, وهو صدقة عبد الله بن عباس في جَبْلُ جُهيَنَة.

    [10] ( مِلْحَتانِ ) :
    بكسر أولها وسكون ثانية فحاءٌ مفتوحة, ذكرها البكري نقلاً عن الهجريّ فقال (مليحتان) وهو تصحيف, إنما هي (مِلْحَتانِ) كتثنية قطع الملح, قال الشيخ حمد الجاسر : وَمِلْحَتَان مواضعَ بالأَشْعَر جَبََل جُهَينَة القديم, المعروف الآن باسم (الفِقْرَة) غرب المدينة من الصفراء, ولا زالت معروفة هناك باسمها حتى الآن. انتهى, وقال أيضاً في بلاد جُهَينة ومنازلها القديمة : مُليْحَةُ الرَّمْثِ : موضع في الأشعر. انتهى, وقال البلادي مستدركاً على بحاثة الجزيرة حمد الجاسر في كتابه: الميضاح تصحيح ما جاء في بعض المؤلفات عن بلاد العرب : وتعرف اليوم بوادي الرَّمث, وهو بعيد عن الأشعر نوعاً, أنظر كتابنا على طريق الهجرة انتهى, وأقول : بل هي معروفةٍ بلميحة الرَّمْثِ حتى اليوم, وقد تناقض هُنا البلادي مع ما أورده بمعجمه معالم الحجاز إذ قال : مِلْحَة : مؤنث الملح : هما مِلْحتان : الشرقية والشمالية, تسيلان من الفقرة في إضَم .

    [11] ( الحُريض ) :
    في الأصل الحريص بدون ضادٌ منقوطةَ, كذا بأصل كتاب أبو علي الهجري الهجريّ, وهو خطأً مطبعي, إنما هو بالضاد المنقوطة, ذكرناه سابقا.







    ::
    ::

    ( تَيْدَد ) :
    بَعْدَ فَتْحُ التاءِ سكون ثانية ثم دَالَيْن مُهْمَلَتَيْن, وَضُبِطَتْ أيضاً بفتح أَوَّلُ الدَّالَيْن, وَتَيْدَد
    كصِنْدِد وَفَيْدد, وَتَيْدَد بُلَيْدَةٌ جُهَنْيَةٌ مِن نَواحِي المَدِينَةِ على صاحبها أفضل التسليم مِمّا يَلِي مَغِيبَ الشّمْسِ, المَسَافَة بَيْنها وبَيْنَ المَدِينَةِ 70 كيلٍ, أَكْثَر أَرْضِهَا بَسَاتين وَنَخِيلٌ وَمَنَازِل لِجُهَيْنَةَ, وهِيَ أَرْضٌ عَهِيدةٌ حَلَّتْ بِهَا جُهَيْنَةَ قبلَ أَلْفَيْ عام, عندما تفرقت قبائل العرب من أَرْضِ اليَمَن, وذلِكَ بعْدَ تَخْريب سَيْلُ العَرِم لِسَدِ مأْرِبَ, ذلك السَّيلُ الذي قَصَّ الله لنا خبره بِكِتَابِهِ العزيز, وزَعَمَ ابنُ الكَلْبِيِّ أَنَّها كَانَتْ مِن قَبْلُ لبَنِي جُذَام, حَكاهُ بافْتِراقِ العَرَب ولاَ يَثْبتُ عِنْدَنا, وَتَيْدَد اليوم هِجرَةٌ لَجُهَيْنَةَ مَعْمُورَةٌ بمنازِلَ ومَزَارِعَ, وبِهَا آبارٌ كَثيرَةُ المَاءِ .

    وهي أَرْضٌ زَرَّاعَة, وبِهَا أشْجارِ النَّخْل الطّيِّبَة, وتَمْرُها أوَّل تَمْرٍ يَقْدَمُ لِلْمَدِينَةِ عند وقت الجِذَاذ, وذلِكَ بعْدَ وادِي الصَّفْراءِ, يَحُدُّهَا غَرْباً البُوَيْر والعَيْن وهُمَا قَرْيتانِ لِجُهَيْنَةَ, والطَّرِيقَ إِليهَا مُعَبَّدٌ, وهي مُعْلِمَةً بلَوْحَة من وِزَارةَ الطُّرُقِ تَحْتَ اسْم (تايتد) وهاذاَ تَصْحِيفٌ قَبِيحٌ وجَهْلٌ, حيث جُعِلَتْ بمَدِّ الألِفِ, وكان حقُّ التاءُ أََن تُفْتَحَ, وهُنَاكَ مَنْ يَكْتبُها هكذا : (تَيتد) بتاءَيْنِ فوْقيَّة مُثَنَّاةٌ, أَوَّلَهُما بالفتْح, ولا بأْسَ بذلكَ, والضَّبْطُ الصَّحِيحُ لِلْكَلِمةِ (تَيْدَد) كذا بدَالَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ, وَذَا هو الأشْهَر للمَوْضِع, وَكَذَا بالحَدِيثِ الشَّريف المَرْفوع : لا أَسْهَلَت تَيْدَد, وكذا ذَكَرَتْها الجُذاميَّةُ بالجاهِلِيَّةِ بقولها : تيدد لا ابرى لك, والشّاعِر المُزَنِيُّ أَحَدُ شُعَرَاءِ مُزَينَةَ في الجاهِلِيَّة بقوله : أََكْنَافِ تَيْتدَدُ مَرْتَعاً, وكذا ضَبَطَها ابنُ الكَلْبِيِّ في كتابِهِ افْتِراقِ العَرَب, وكذا تِلْمِيذُه ابن حبيب بالمُنَمَّقِ, وكذا أبو علي الهجريّ, والهمداني بجزيرة العرب, والسمهودي بوفاء الوفا, ونصر في كتاب الأمكنة والمياه والجبال, وياقوت بمعجم البلدان .

    قال نصرٍ في كتاب الأمكنة والمياه والجبال والآثار:
    تَيْدَد : أرضٌ كان سُكانها جُذام فنزلتها جُهَيْنَةَ, بها نَخْلٌ وماءٌ, وبخط ابن الأعرابي : فيدرُ وتَيْدَرُ, وهما تَصَحيف . وقال الشيخ حمد الجاسر معقباً على كلام نصر : ويبدو أن كلام نصر أَصْلَه من كتاب الافتراق لابن الكلبي, ما عدا ذكر ابن الأعرابي, ... وتَيْتَدُ الوادي الذي يسيل منه إلى إضَم مجتمع أودية المدينة لا يزال معروفاً على ما بلغني, ولا يزال لجهينة في تلك الجهة بقيةٌ . انتهى, وقال البلادي في معجم معالم الحجاز : تَيْتَد : بالمثناتين فوق المفتوحتين, بينهما مثناة تحتية ودالٌ مهملة : وادٍ يسيل شرقاً من الأجرد في الشمال الغربي من القطار, فيه نخل على نجلٌ يسيح . وقال الزمخشري بالجبال والأمكنة والمياة عند ذكره لأودية القبلية : وَتَيْتَد : وهو المعروف بأُذَيْنَة, وفيه عِرْضٌ فيه النخلْ من صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم, نَحَلَها فاطمةَ صلوات الله عليها. انتهى, قلت : عُليّ العلويّ من أهل الخِبْرة بهذة الأمكنة, إلا أنه قد يَهِمُ كما حَصَل هُنا, فَتَيْدَدُ لا تَعْرف بأُذَيْنَة, إنما أُذَيْنَة اسم عَيْنُ ماءٌ تسيح بأرض تَيْدَدٌ كما حكَاهُ الهجريّ, والهجريّ يُعَدُّ أوثق وأدق من وَصَفَ تلكَ المَواضِع .

    وقال ياقوت بأسماء البلدان والجبال : تَيْتَدُ : ثالثه مثل أَوله مفتوح, ودالٌ مهملة : اسم وادٍ من أَودية القبلية, وهو المعروف بأُذَيْنَة, وفيه عرضٌ فيه النخل من صدقة رسول الله, صلى الله عليه وسلم, عن الزمخشري عن السيد عُلَيّ العَلوي . وقال ياقوت الحموي أيضا : تَيْدَدُ : بدالين, أَحسبها التي قبلها, وقال نصر : تيددُ أرض كانت لجذام فنزلها جُهينَة, بها نخلٌ وماء, قال : وبخط ابن الأَعرابي فيدر وتيدر, وهما تصحيف, وكان بها رجلٌ من جذام فظعَنَ عنها ثم التفت فنظر إلى تَيدد ونخلها فقال : يا بَرَى تَيْدَد لا أبر لك, قالوا : بنات فريجنة من نوع النخل, قال فريجنة اسم امرأَة كانت بفناء بيتها نخلات وكانت تقول : هنَّ بناتي, فنسب ذلك النوع من النخل والتمر إِليها, لا يعلمونها كانت بموضع قبل تَيْدَد.

    وأقول : بل كِلاهُمَا اسْمٌ واحِدٍ, فَتَيْددُ الثانية هي ما قَبْلَها, وقول ياقوت في المثل : بنات فريجنة !, هاذا تحريف غريب من ياقوت, ولا أدري ممن وقع الخطأ, أهو من ياقوت أم ابن الأعرابي ؟, إنما المثل : بَناتُ بَحْنَة, كذا بجمهرة الأمثال للعسكري, والسجستاني بكتاب النخله, وقال الأزهري بتهذيب اللغة : قال ابن الأعرابيّ : يقال لضَرْبٍ من النخل بَحْنَةٌ, وبه سُمى ابن بُحَيْنَةَ, قال : وابن بَحْنَةَ : السوطُ, قلت : قيل للسوط ابن بَحْنَةَ لأَنه يُسوى من قُلُوس العَرَاجين. انتهى, ويظهر أن هذا النص نقله الأزهري من كتاب ابن الأعرابي صفة النخل, ونقل الهمداني بكتابه جزيرة العرب عند تحديده أَرْضُ جُهَيْنََةَ فقال : تَيْدَدُ .

    وأما اشْتِقاق تَسْميةَ تيدد لم أَجِدْ قَبْلَنا مَنْ ذَكَرَها, فنَقُول : التَّيْد: بِمْعَنى الرِّفْق, فيقال : على تَيْدَكَ ياهذا, أي : على هَوْنِكَ, واتِّئِدْ بأَمْرك, أي : تَثَبَّتْ, وتيدد لُغَةٌ قَديمَةٌ لا يُعْرَفُ اشْتِقاقُهَا, بل أُرَاها مِنْ غَرِيبِ لُغَةِ العَرَب, وَأحْسِبُهَا اسْمُ رجل, قال الزَّبيدِيّ بجواهر القاموس : التَّيْد : قال ابنُ الأَعْرَابيّ: هو الرِّفْقُ, يقال : تَيْدَكَ يا هاذا !, أَي : اتَّئِدْ, قال : وربَّمَا زيدَ فيها الكاف فيقال : رُوَيدَك, وزاد أَهلُ الغريب: تُوَيْدَكَ : كرُوَيدك. انتهى, وحَكَى ابن الجزري بالنهاية في غريب الأثر والقاضي عياض بمشارق الأنوار: من حديث علي والعباس رضي الله عنهما, قال لهما عمر رضي الله عنه : تَيْدَكُمْ, أي : على رِسْلِكم. انتهى, وأَتَيْدَةُ : كجُهَيْنَة, مَوضعٌ فِي ديَار قُضَاعَة بباديةِ الشأْمِ, حَكَاه الزَّبيدِيُّ عن ياقوت, هذا مُجْمَل اشتقاقُ الاسم من اللغة, ولا نستطيع الجزم بكنهة تسمية تيدد, وإلا لصار ذلك تكلفاً, ومن يُفتش بمعاجم اللغة لن يظفر بفائدة أكثر من هذه .
    __________________


    قال السمهودي بوفاء الوفا بأخبار دار المصطفى وملخصه, والهجري في كتاب أبو علي الهجري وأبحاثه في تحديد المواضع, والبكري بمعجم ما استعجم من اسماء المواضع والبلدان, والنص للسمهودي :
    ( تَيْدَد ) : تقدم في أسماء المدينة(1), وهو اسم موضع آخر من أودية الأجرد جبل جهينة, يلي وادي الحاضرة(2), به عيون صغار خيرها عين يقال لها أذينة(3), وعين يقال لها الظَّلِيل(4), وعيون تيدد كلها تدفع في أسنان الجبل(5), فإذا أسهل بغراسها لم ينجب زرعها, وذلك أن صاحبها وكان من جهينة ذمها, وقال : هي في الجبل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا أسهلت تيدد, فما أسهل منها فلا خير فيه), نقله الهجري(6), وقال رجل من مزينة في شيء وقع بينهم وبين جهينة في الجاهلية :
    فإِن تِشِبعُوا مِنَّا سِباَعُ رُواوَةٍفإِنَّ لها أََكْنَافِ تَيْتَـدُ مَرْتَعـاً

    [ 1 ] :
    ليس التي بأسماء المدينة تيدد, إنما هي يندد, بالياء المثناة, ذكر السمهودي من أسماء المدينة: (تندد, ويندر, وتندر) فقال: تندد : بالمثناة الفوقية والنون وإهمال الدالين, وتندر: براء بدل الدال الأخيرة مما قبله, يندد : ذكره كُراع هكذا بالمثناة التحتية ودالين, وهو إما من النَّدّ وهو الطيب المعروف, وقيل العنبر, أو من النَّد للتل المرتفع, أو من الناد وهو الرزق, يندر : بإبدال الدال الأخيرة من الاسم قبله راء, ذكره المجد عند سرد الأسماء.. وقال المجد : إن ذلك كله تصحيف وإن الصواب يندد بالمثناة التحتية ودالين. انتهى, قلت : وحكاه الفيروز آبادي بقوله تصحيف إنما هي يندد, ويندد ضَبَطَهَا كُرَاع هكذا يَنْدَد, بفتح أولها وسكون ثانيه وفتح أول الدالين, كضبط تيدد, قال الفيروز آبادي : وَيَنْدَدُ : مَوْضِعٌ, وقِيلَ : هي من أسماءِ مَدِينة النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم . انتهى, وفي تاج العروس لزبيدي : يَنْدَدُ : أَهمله الجماعَةُ هٌنا, وهو اسم موضعٍ . وقال أيضاً : وَيَنْدَدُ : كجَعْفَرٍ, نقلهُ الصاغانيُّ, وَقَيل : هي اسم مَدِينَة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . انتهى, وذكر الفراهيدي بكتاب العين : ويَنْدَد : اسم موضع, قال : لو كنت بالشَّرْوَيْنِ شَرْوَى يَنْدَدِ, انتهى, وكذا حكاه البكري بمعجمه, فقال : يندد : بدالين مهملتين, على مثال مهدد, تقدم ذكره برسم المدينة, وذكر بيت الفراهيدي وعزاه للخليل, إلا أنه قال : بالسروين, بالسين المهملة, وكذا أورد يندد بأسماء المدينة النميري والزبير بن بكار, كلاهما بأخبار المدينة, بإسنادهما عن زيد بن أسلم مرسلاً, وقال الرفاعي : حديث موضوع لا يثبت .

    [2] ( الحاضِرةُ ) :
    ذكر السمهودي بوفاء الوفا الحاضر, بدون هاءٌ أخره, فأسقط هاء التأثنيث تغليباً للتذكير وإلحاقاً بالوادي, هذا إن ثبت اسقاطه للهاءِ وأن السقط ليس من المحقق!, فقد نقل العباسي في عمدة الأخبار النص السابق عن السمهودي وفيه : (الحاضرة), مما يَدُلُّ على أن السقط من المحقق, وعند الهَمَداني بجزيرة العرب الحاضر, وبكتاب أبو علي الهجري ومعجم ما استعجم للبكري الحاضرة, بأخرها هاءٌ, وكذا ذكرها ابن الكلبي بكتابه افتراق العرب, والسمهودي بوفاء الوفا وملخصه, وقال : وسوس : من الوسواس, من أودية القبلية, يصب من الأجرد على الحاضرة والنكباء, وهما فرعان, بهما نخل لجُهَيْنَةَ وغيرهم, والحاضرة : عينٌ في صدر الحرار, وقال حمد الجاسر في بلاد جهينة ومنازلها القديمة : الحاضِرةُ : من أودية الأجرد, تقدم ذكرها, وأقول : الحاضرة أَظُنُّهَا ما يعرف اليوم بالقطار : وادٍ دُوَيْنَ تَيْدَد, قال البلادي : القَطَّار : بتشديد الطاء المهملة من القطر : وادٍ يسيل من الأجرد شمالياً في وادي الحمض شمال المليليح, فيه نخل على آبار لعروة من جهينة .انتهى, وأقول : القَطَّار شمال غرب المليليح, وادٍ لِجُهَيْنَة بين تَيْدَد والمُليليح, يَبْعُدْ عن تَيْدَد بضعة أكيالٌ, وهو شمال غرب وادي رَشَاد, بينه وبين تَيْدَد, ويَصُبُّ سَيْلُه من جَبَل الأَجْرَد ماراً بنَواشِغُ الأكحليه, لم أجده في الأسماء القديمة لأَرْض جُهَينة .

    [3] ( أُذَيْنَةُ ) :
    ونقل البكري عن الهجريّ بِرَسْمِ الأَجْرَد : تَيْدَدُ : وبه عُيُونٌ صِغَار, عَيْنٌ لعبْدِ الّلهِ بنِ محمّدُ بِن عِمْرَانَ الطَّلْحِيُّ, يقال لها : أُذَيْنَةُ, وهي خيرَ مالِه . وكذا نقلهُ الجاسر بكتاب أبو علي الهَجَريّ, وقال ياقوت الحموي بمعجم البلدان : أُذَينَةُ : بضم أَوله, وفتح ثانيه, كأَنه تصغير الأُذن : اسم وادٍ من أَودية القبلية, عن أَبي القاسم عن عُلَيٍّ العَلَوي, وعُلَيََّ هذا بضم العين وفتح اللام . ونقله عنه البغدادي بمراصد الإطلاع وهو مختصر لمعجم البلدان, وحَكاه الزَّمَخْشَرِيُّ في الجِبَالَ والأمكِنةِ والمِياه, وقال حمد الجاسر بكتابه بلاد ينبع وجُهَينة ومنازلها القديمة : أُذَيْنَةُ : وادٍ من أودية القَبَلِيَّة, ويُسمى تَيْتَد, على ما نقل الزمخشري عن السيد عُلَيّ بن وهاس المكيّ, وهو عليم بهذه المواضع. انتهى, ولم يزد البلادي بمعجم معالم الحجاز على ما أورد ياقوت, وقال النسابة عمر كحالة : أذينة : وهو وادٍ من أودية القبلية ويسمى تَيْتَد. وأقول : لا أرى أن تيدد سميت يوماً من الأيام بأذينة, إنما أذينة عينُ ماءٌ بِتَيْدَد, وأرَ أن أول من قال بهذا الزَّمَخْشرِيُّ عن ابن وهاس العَلَويّ, وهذا القول لاَ يُعْتَدُّ بِهِ لمخالفته مُسَمَّى المكان اليوم, وقد خالَفَهُ بهذا أيضا أبو علي الهجريّ, وهو من العلماء الأوائل المُتَقدِّمِين الذين شاهدوا تلك المواضع, ونقلنا قوله السابق بأن أذينة ما هي إِلّا عَيْنُ ماءٌ بتيدد, ولعلها سميت بذلك نسبة إلى وادي أذينة الذي ذكره الزمخشري عن علي المكي . وأُذَيْنة : كَعُيَيْنَةُ وَجُهَيْنَة, ويبدو أنها لا زالتْ مَعْروفَةٌ هناك بتَيْتَد إِلى يَوْمنا, وأُذَيْنة اسم مَلِكٌ من مُلُوكِ العَمالِيقِ, وَمن مُلوكِ اليَمَنِ, ومن ملُوكِ قضاعة, والأخير في شِعرِ الأعشى, وحكى سيبوية بالكتاب أنها محقرة من تصغير آذن, وقال الفيروز آبادي بالمحكم المحيط : ليسَت مُحَقَّرة على أُذُن في التَّسْميةِ, إذ لو كانَ كَذلِكَ لم تَلْحَقِ الهاءُ .

    رد : معجم معالم قبيلة جهينة القديمة والحديثة

    [4] ( الظَّلِيل ) :
    كأَنَّه مَأْخُوذٌ مِن الظِّلّ, وَالظَّلِيلُ : هو الظِّلُ الدائم الطيب الذي لا يزول, فيقال ظِلٌّ ظَلِيلٌ دائِمٌ, وَالظِّلُ يكون في أول النهار, فإذا رجع وتحول فهو الفَيْءُ, وَالظِّلُّ جَمْعُهُ الظِّلاَلِ وَأَظْلالٌ وظِلالٌ وظُلُولٌ, قال تعالى عن المؤمنين: ( وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً ) قال الواحدي : الظَّلِيلُ هو مُبالَغَةٌ في نَعْتِ الظِّلّ, مثل قولهم : لَيْلٌ أَلْيَلُ, حَكاه الرَّازِي بتفسيره, وقال أبو عبيد الأَنْدَلُسِيُّ في مُعْجَمِ ما اسْتَعْجَمَ من أسماء المواضع والبلدان : الظَّلِيل : بفتح أوله, فعيل من الظلّ, قد تقدم ذكره في رسم الأشعر. يقول المؤلف ابنُ غنيم : بل برسم الأجرد, وكذا أشار المحقق بالهامش إلى أَنه بِإِحدَى نسخ المخطوطة عبارة برسم الأجرد, ومما وجدناه بمعجم معالم ينبع : وَتَيْدَد وَالظَّلِيلُ مُتَجاوِرَتان, وَنَخْلهُمْا في الجبال, ولا يزال الماء هناك يَرْشَحُ من صخور الجبال إلى اليوم . انتهى كلامه, وأقول : الظَلِيْل : بفتح أوله وكسر ثانية, لا يزال الظَّلِيل يحتفظ باِلاِسْم القديم له, ويقع شَمَالٍ من تَيْدَدُ ناحِيَةُ الجَبَلِ, ويُسَمَّى اليوم تَيْدَد الظَّلِيلِ, وبه أشْجَار نَخْلٌ عَثَرِيُّ, ومَزَارِعَ وآبار, كُلِّهَا لجُهَيْنة, وعَيْنُ الظَلِيْلِ لا تَزالُ ناضِحةٌ, حَدَّثَني بهذاَ رَجُلٌ قديمٌ مِن الزَّوَايِدة مِنْ جُهَيْنَةَ .

    [ 5 ] ( أَسْنانُ الْجِبَال ) :
    قَوْلَه فِي أَسْنانُ الْجِبَال, هو تَصْحيفٌ وَقَعَ فيه مُحَقِّق كِتَاب وفاء الوفا طبعة دار الكتب العلمية, والأصْلُ بِصِيغَةِ الجَمْع فِي أَسْنانُ الْجِبَال, فكذا في طبعة إحياء التراث بتحقيق محمد محي الدين, وكذا عند البكري في معجم ما استعجم, والسمهودي في خلاصة الوفا, وأبو علي الهجري وأبحاثه, والعباسي في عمدة الأخبار, وكتاب وفاء الوفا المطبوع لا يُعْتَمَد عليه لكَثْرَةِ الأَخْطَاء .

    [6] ( لا أَسْهَلَتْ تَيْدَد ) :
    الحَدِيث انْفَرَدَ بِهِ أبو علي الهَجَريُّ, ولَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِه, ولمْ يُورِد السَّمْهُودِيَّ إِسْنَادُ الحَدِيث, ويَظْهَرُ أَن السَّمْهُودِيَّ نَقَلَه مِنْ كِتابِ العَقِيقِ للهَجَريّ, كَمَا أَشَارَ إِلَى ذلِكَ الْإِمَام الْعَالِم الْعَلَّامَة حَمَد الجَاسِر رَحْمَةُ اللَّهِ عَليه, وذلِكَ في كِتَابَيْهِ بِلادِ جُهَيْنَةَ ومَنازِلَها القَدِيمَةِ, وكِتاب أبو عليَّ الهَجَريُّ, إِلاَّ أَنَّهُ حَصْرَ مَتْنِ الحَدِيث فِي : ( لا أَسْهَلَتْ تَيْدَد ) ومَا بَعْدَهُ من قول الهجريّ, وعِنِدي أَن ضَبْطُ الشّيْخ فيه نَظَرٌ لِوَجْهَيْنِ, أَحَدهُمَا أَن سِيَاقِ الكَلاَم يُوجِبُ ذلِكَ, فَلَوْ قُلْنَا أَنْهُ قال لا أَسْهَلَتْ تَيْدَد ثم توقف لكان ذلك دعاء على الأرض وأهلها, وَحَاشَى لرَّحْمَةُ المهداة رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكون قَصْدَهُ الدُّعَاء على هذِه الأَرْض بالبَوْرُ والهَلاَك, وهو الّذِي لَهُ بِهَا أرضٌ وَنَخْلٌ وقد أعْطاها فاطِمَةَ رضِيَ اللَّهُ عنها كما حكَاهُ الزَّمَخْشَرِيّ, الوَجْهُ الثَّاني : أن الحديث هكذا : (لا أَسْهَلَتْ تَيْدَدَ, فَمَا أَسْهَلَ مِنْهَا فَلاَ خَيْرَ فيه) أي : اللهُمَّ إِجعل خَيْرَها مِنْ أرْضِهَا بِجَبَلِهَا ووعرها, وهَذَا هُوَ الواقِع المُشَاهَد بأَرْضِ تَيْدَد اليوم .

    [7] ( فإِن تِشِبعُوا مِنَّا سِباَعُ رُواوَةٍ ) :
    هذا البَيْت الجَاهِلِيُِّ في شرْحِهِ وَجْهانِ, والاخْتِلاف كُلُّه حَوْلَ كَلِمَة تشبعوا وَضَبْطِها, وهَلْ هِيَ بالفَتْحِ أَو بالكسْرِ, فَإِنْ ضُبِطَت بالكَسْرِ كان مَعْناهُ أَنَّكُمْ يا جُهَيْنَةَ إِن أَشْبَعَتُم منا سِبَاع ووُحُوش جَبَل رُواوَةُ بِكَثْرَةِ قَتْلَكُم لنا, فإِنْ مَوعِدُنا وإِيَّاكُمْ بأَكْنَافِ أَرْض تَيْدَد بقادِمِ الأَيَّام, ورُواوَةٌ هُوَ جَبَلٌ بِالحِجَاز قَرِيبٌ مِن تَيْدَد, قيل لِجُهَيْنَةَ أو لمُزَيْنَةَ, وبالِبيت أَنَّه لمُزَيْنَةَ, وإِن ضُبِطَت بالفَتْح كَانَ ضَمِيرَ الفاعِل عائِداً إِلى فُرْسانِ جُهَيْنَةَ, وهم بَنو سِباَعُ بِجَبَلُ رُواوَةٌ, وَسِباَعُ بَطْنٌ من جُهَيْنَةَ أَرْضَهُمْ بِالقِبَلِيَّةِ الأَجْرَدُ ومَا جَاورَهَا, ولا يَزَال بَنِي كَلْب مِنْهُم هُناكَ إِلى يَوْمنا, وبِئْرُ بَنِي سِباَعٌ بالأَجْرَد, حَكَاهُ أبو علي الهَجَريّ, ومُزَيْنَةَ وغالِبُ قَبائِلَ الحِجازِ القَديمَةُ مُنْذُ الجاهِلِيَّةِ قد ضُرِسَتْ مِنْ الحِجاز, كَبَني سُلَيْم, وبَتِي أَسْلَم, والأَوْسِ, والخَزرَج, ونَهْد, وغَطَفَان, وأَشْجَعَ, وغِفَارٌ, وَبَنِي ضَمْرَةَ, ولِحْيَان, وعُصَيَّة, كُلُّها لم يَعُدْ لَهَا وُجُودِهَا بالحجاز, ولم يَبْقَ مِنها إِلا جُهَيْنَةَ وبَلِيٌّ وهُما أَوَّلُ من أَصْحَرَ من العَرَبِ بِأَرْضِ الحِجَاز واسْتَوْطَنَاهَا معَ جُرْهُمَ, حَكاهُ جَماعَةٌ من عُلَماءِ النَّسَب الأوائِل, ومِن جُرْهُمٍ تَزَوَّج إسْمَاعِيلَ عَلَيه السَّلاَم, ومِن جُرْهُمٍ بَني لِحْيَان, ومَساكِنَهم بِوَادِي القُرَى وَمَدائِنِ صَالِحٍ عَلَيْه السَّلامُ, وَجُهَيْنَةَ أَخْرَجوا جُرْهُمٌ مِن تَيْدَد, ولَيْسَ كَمَا زَعَمَ ابنُ الكَلْبِيِّ ومن قَلَّدَه من أَنَّهم جُذَام . .






    رد : معجم معالم قبيلة جهينة القديمة والحديثة

    رَشَاَدْ بِبِلاَدِ جُهَيْنَةَ :
    رَشَاَدْ : بِفَتْحِ أَوّلِهِ وباءٌ مُوَحَّدَةِ مَفْتُوحَةٌ تَلِيهَا شِيناً مَفْتُوحَةٌ أَيْضا وَآخِرَهُ دْالٌ سَاكِنَةً, وَرَشَاَدْ عَلَى وَزْنِ فِعَال, وَالرَّشَاد نَقِيْضُ الْغَيّ, وَهِيَ أَرْضٌ وَوَادٍ لِجُهَيْنَةَ كَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيّةِ غَوَى, فَسَمّاهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم رَشَاَدٌ, وَهَذِهِ التّسْمِيَةَ الشَّرِيفَةِِ رَوَاهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيْثَ وَالنّسَب, فَعِنْدَمَا قَدِمْت وُفُوْدُ قَبَائِلَ جُهَيْنَةَ طَائِعَةً مُنْقادَةٌ يَقْدُمُهَا قَائِدُهَا عَمْرُوٌ ابْنُ مُرّةَ الْجُهَنِيّ المُلَقَّبُ بِأََسَدِ جُهَيْنَةَ رَسُولِِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِجُهَيْنَةَ, رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِم جَمِيعًا, وَذَلِكَ لِْمُبَايَعَتهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم, كَانَ مَقْدَمِهِمْ مِنْ وَادِيَ غَوَى, وَكَانُوا هُمْ أَوّلَ قَبِيلَةٍ مِنْ الْعَرَبِ تُبَايِعَهُ بِالْمَدِينَة النّبَوِيّة طَوَاعِيَةً, قَالَ ابْنُ السّائِبِ الْكَلْبِيّ بِالْيَمَنِ الْكَبِيرِ فِيْ نَسَبِ جُهَيْنَةَ : فَوَلَدَ قَيْسُ بْنُ جُهَيْنَةَ : غَطَفَانَ, وَغيَّانَ, فَوَفْدَ بَنو غيَّان عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم, فَقَاْلَ : مَنْ أَنْتُم ؟, قَالوا : نَحْنُ بَنُو غَيَّان, قال : أَنْتُمْ بَنو رُشْدَان, فَغَلَبَتْ عَلَيْهِم, وَكَانَ وَادِيَهُمْ يُسَمَّى غَوَى, فَسُمّيَ رَشَاد . انْتَهَى, قُلْت : كَانَ وَاحِدُهُمْ يُسَمَّى بِالْجَاهِلِيّةِ الْغَيّانِي, وَجَمْعُهُم بَنُو غَيَّان, مَنَازِلَهُمْ مِنْ نَاحِيَةِ غَرْبِ الْمَدِينَةَ,

    قَالَ الْحَافِظَ السَّمْعَانِيّ بِالأَْنْسَابِ : الْغَيَّانِي : بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءُ الْمُشَدّدَةِ بَعْدَهُمَا الْأَلِف وَفِي آخِرِهَا النّوْن, هَذِهِ النِسْبَةُ إلَى غَيّان, وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ, وَهُوَ غَيَّانَ بْنُ قَيْسُ بْنُ جُهَيْنَةَ بْنُ زَيْدٍ, وَسُمّوا بَنِي رَشْدَان لِأَنّهُمْ قَدِمُوا عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ, فَقَاْلَ : مَنْ أَنْتُم ؟, فَقَالُوا : نَحْنُ بَنُو غَيَّان, فَقَال : بَلْ أَنْتُمْ بَنو رُشْدَان, فَغَلَبَ عَلَيْهِم, وَكَان وَادِيهِمْ يُسَمّى غَوَى فَسُمّيَ رَشَاَداً, وَرُوِيَ عَنْ سَعِيد بْنِ وَهْب الْجُهَنِيّ أَنّهُ قَال : كَانَ هَذَا الرّجُلُ يُدْعَى فِي الْجَاهِلِيّةَ غَيَّان, وَكَانَ أَهْلُهُ حِينَ أَتَى رَسُولِ اللّه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم, يُبَايِعَهُ بِبَلَدٍ مِنْ بِلَادِ جُهَيْنَةُ يُقَالُ لَهَا : غَوَى, فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ اسْمِه وَأَيْنَ تَرَكَ أَهْلَه, فَقَال : اسْمِي غَيَّان, وَتَرَكْتُ أَهْلِي بِغَوَى, فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : بَلْ أَنْتَ رَشْدَان, وَأَهْلِكَ بِرَشَاَد, قَال : فَتِلْكَ الْبَلْدَةُ إلَى الْيَوْمِ تُدْعَى رَشَاَداً, وَيُدْعَى الرّجُل رَشْدَان . قَالَ الْمُؤَلّف ابْنُ غُنَيْم الْجُهَنِيّ : وَإِلَى زَمَانِنَا هَذَا وَتِلْكَِ الأَْرْضُ تُدْعَى بِرَشَاَد, وَلاَ زَالَ أَهْلُهَا بَنُو رَشْدَان بَاقُونَ عَلَى نَسَبِهِمْ وَأَرْضِهِمْ, وَمِنْهُم بَنُو ذِبْيَان وَبَنُو كَلْبٍ وَغَيْرِهِم مِنْ جُهَيْنَةَ, وَلَا يَزَالَ الرّجُل مِنْهُمْ يَتَسَمّى بِرَشْدَان حَتّى السّاعَة, وَمِنْهُمْ طَبِيبُ الأَعْرَابِ وَالْخَبِيرُ بِالأَعْشَابِ سَلَامَةَ بْنِ رَشْدَان الْكَلْبِيُّ الْجُهَنِيّ .

    وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيُّ بِكِتَاب نَسَبِ الْيَمَنِ الْكَبِير : فَولدَ رُشْدَانُ بن قَيْس بن جُهَيْنَةَ : ذُبْيَانُ, والرُبعَةَ بَطنٌ, فَولدَ ذُِبْيَانَ بِن رَشْدَان : سَعْداً, وعَامِراً, وخُدَارَةَ, مِنْهُم : بَسْبَسُ, وضَمْرَةُ, وزِيادُ, بَنو عَمْرو بن ثَعْلَبَةَ بن خَرْشَةَ بن عَمْرو بن سَعد بن ذِبْيَان, وعِدَادُهم فِي الأَنْصَار, وكَعْبُ بِنْ حِمَّانَ بنِ خَرَشَةَ, شَهِدَ بَدْراً مَعَ بَنِي سَاعِدَةَ . انْتَهَى, يَقُول ابِنُ غُنَيْم الْمَرْوَانِيُّ : وَمِنْ بَنُو غَيَّان أَيْضا ثَابِتِ بْنِ صُهَيْب بْن كُرْزٍ, مِمّنْ شَهِدَ أُحُدٍ, وَحَبِيبِ بْن خُمَاشة اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ, وَابْنُهُ عُمَيْر, وَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ الْأَنْصَار حُلَفَاءَ بَنِي الْخَزْرَجِ, وَفَاتَهُ نَسَب عَاتِكَةَ بِنْتُ رَشْدَان بْنُ قَيْسُ بْنُ جُهَيْنَةَ, وَهَذِهِ الجُهَنِيَّةُ مِنْ الْعَوَاتِكِ اللّوَاتِي وَلَدْنَ نَبِيّنَا مُحَمّداً صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم, وَكَانَ يَعْتَزِي بِهِنّ فِي المَعَارِك, صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ, فَقَدْ رُوِيَ أَنّهُ قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ حُنَيْن : ( أَنَا ابِنُ الْعَوَاتِكِ ), رَوَاهُ الطَّبَرَانِيَّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ, وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ : وَرِجَالَهُ رِجَال الصّحِيحِ, وَرَوَى النّسّابَةُ ابْنُ حَبِيبَ بِالْمُحَبّرِ : الْعَوَاتِكِ اللّوَاتِي وَلَدْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم, مِنْ قُرَيْشٍ ثِنْتَان, وَمِنْ بَنِي يَخْلُدَ بِن النّضْرِ بِن كِنَانَةَ وَاحِدَةٌ, وَمِنْ بَنِي سُلَيْمٌ ثَلَاثً, وَمِنْ عَدْوَانَ ثِنْتَان, وَأَسَدِيّةٌ, وهُذَلِيَّةٌ, وقُضاعِيَّةٌ, وأَزْدِيَّةٌ, ثُمّ قَال : وَأَمّا القُضاعِيَّةُ فَوَلَدْتُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم مِنْ قِبَلِ كَعْبُ بْنُ لُؤَيّ بْنِ غَالِب, أُمّهُ مَاوِيّةُ بِنْتُ الْقَيْنِ بْنِ جَسْر بْنِ شَيْعِ اللّهِ بْنِ أَسَد بْنِ وَبْرَةَ, وَأُمّهَا وَحْشِيّةُ بِنْتُ رَبِيعَةُ بْنُ حَرَامٍ بْنُ ضِنَّةَ بْنُ عَبْدِ بْنُ كَثِير بْنُ عُذْرَةَ, وَأُمّهَا عَاتِكَةَ بِنْتُ رَشْدَان بْنُ قَيْسُ بْنُ جُهَيْنَةَ بْنُ زَيْدٍ بْنُ لَيْثِ بْنُ سَوْدٍ بْنُ أَسْلَمَ بْنُ الْحَافِ بْنُ قُضَاعَةَ .

    يَقُول ابْنُ غُنَيْم : وَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِ دِمَشْق الْكَبِير, وَابْنُ الأَْثِيرِ فِي تَارِيخِهِ, والْهِنْدِيّ بِكِتَابِهِ الْكَنْز, وَقَال : قَالَ أَحْمَد أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ كُلّه بَعْضُ الطّالِبِيّيْن, وَرَوَاهُ لِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه الْعَدَوِيّ, وَكَذَا البَلاذُرِيُّ فِي أَنْسَابِ الْأَشْرَاف, وَقَالَ الْيَعْقُوبِيَّ فِي تَارِيخِهِ : وَرُوِيَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ كَانَ يُكْثِرَ أَنْ يَقُولَ أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ, وَأَمّا القُضاعِيَّةُ فَوَلَدْتُهُ مِنْ قِبَلِ كَعْبُ بْنُ لُؤَيّ, وَهِيَ الثّالِثَةِ مِنْ أُمَّهَاتِهِ عَاتِكَةَ بِنْتُ رَشْدَان بْنُ قَيْسُ بْنُ جُهَيْنَةَ . وَمِمّا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَلْبِيّ : الرَاسِيَةُ بِنْتُ رَشْدَان بْن قَيْسُ بْن جُهَيْنَةَ, قَال البَلاذُرِيُّ بأَنْسَابِ الْأَشْرَاف فِي نَسَبِ قَيْسٍ نَقْلاً عَنْ ابْنُ الْكَلْبِيّ : وَأُمّهُمَا الرَاسِيَةُ بِنْتُ رَشْدَان بْن قَيْسُ بْن جُهَيْنَةَ بْنُ زَيْدٍ بْنُ لَيْثِ بْنُ سَوْدٍ بْنُ أَسْلَمَ بْنُ الْحَافِ بْنُ قُضَاعَةَ, وَكَذَا وَقَعَ بِكِتَاب الْأَمِيرُ نَصْرٍ, وَعَزَاهُ لِابْنِ الْكَلْبِيّ بِجَمْهَرَةُ النّسَب, إِلاَّ أَنّهُ جَعَلَهَا ابْنَهُ الرَّبْعَةِ بْن رَشْدَان .
    [/align]

  4. #4

    افتراضي

    [align=right]
    قَالَ الْمُؤَلّف ابْنُ الغنيم الْجُهَنِيّ :
    وَمِنْ نَسْلِ رَشْدَان بْن قَيْسُ بْن جُهَيْنَةَ, أَكْثَرُ قَبَائِلِ جُهَيْنَةَ الْحَاضِرَةَ بِالْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ, وَمِنْهُمْ ذُبْيَانُ بْنُ رَشْدَان بْنُ قَيْسِ بْنُ جُهَيْنَةَ, وَهُمْ الْيَوْمَ بِرَشَاَد وَمَا حَوْلَهَا مِنْ أَرْضِ الْقَبْلِيّةَ, وَمِمّا يُلاَحَظ أَنْ قَبِيلَةِ جُهَيْنَةَ تَحْتَفِظُ بِأَرْضهَا واِسْمِهَا وَأَنْسَاب وَبُطُون فُرُوعَهَا الْقَدِيمَةِ, كَبَنِي ذُبِْيَان مِنْ جُهَيْنَةُ مَثَلا, وَهُمْ فُرُوعٌ وَأَفْخَاذٌ عَدِيدَه, لَيْسَ هَذَا مَوْضِع ذِكْرِهَا .

    قََالَ العَيْنِيِّ فِي مَغَانِيَ الْأَخْيَار : الذُِّبْيانيُّ : بضَمِّ الَّذالِ وكَسْرِها, وَسُكُونِ الباءِ المُوَحَّدَةِ, وَهُوَ مِنْ ذَبَى الشّيْءَ يَذْبِي ذَبْياً, إذَا لَانَ وَاسْتَرْخَى، وَفِيْ جُهَيْنَةَ : ذُبْيَانُ بْنُ رَشْدَان بْنُ قَيْسِ بْنُ جُهَيْنَةَ, مِنْهُمْ مِن الصّحَابَةِ : بَسْبَسَ بْنَ عَمْروٍ بْنَ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَرَشَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ الذُِّبْيانيَّ ثُمّ الْأَنْصَارِيّ, حَلِيفٌ لِبَنِي طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ . انْتَهَى, يَقُول ابْنُ غُنَيْم : وَفِي اشْتِقَاقِ اسْمِ ذُبْيَانَ غَيْرِ هَذَا, مِنْهُ مَا حَكَاهُ الزّبَيْدِيّ بجَوَاهِرهُ بِقَوْلِهِ أَصْلُ مَعْنَى ذُبْيَانَ فِي اللّغَةِ: قَالَ فِي الْمُحْكَمِ : الذُّبْيانُ بَقِيَّةُ الوَبَرِ, عَنْ كُرَاعٍ, قالَ ابنُ سِيدَه : وَلسْتُ مِنْهُ عَلَى ثِقَةٍ, والذي حَكَاه أَبو عبيدٍ الذُّوبانُ والذِّبيانُ, وَقَالَ ابِنُ دُرَيْدٍ : حْسَبُ اشْتِقاق ذُبْيان مِن قَوْلِهم : ذَبَتْ شَفَته إذا ذبلَتْ, قالَ ابنُ سِيدَه : وهذا يُقَوِّي أنَّ ذَبَتْ مِن الياءِ, لو أنَّ ابنَ دُرَيْدٍ لم يُمَرِّضْه . انْتَهَى, وَالّذِي وَجَدْته لِكُِرَاعٍ ذُبْيَانُ وذِبْيَانُ, وَلَمْ يَزِدْ كُرَاعٌ عَلَى هَذَا, وَأَوْرَدَ الْأَزْدِيّ بِكِتَابِ الِاشْتِقَاقِ : فأمَّا ذُِبِيان ففُعلانُ أو فِعلانُ, وذِبيانَ يكسر وّله ويضمّ . انْتَهَى, وَقَالَ ابِنُ حَبِيبَ فِي مُخْتَلَف الْقَبَائِلِ وَمُؤْتَلِفِهَا : ذُبيان، وذِبيان، وَاحِدٌ, قَالَ ابْنُ لْأَعْرَابِيّ : رَأَيْت الْفُصَحَاءِ يَخْتَارُونَ الْخَفْضِ . قَالَ ابْنُ غنيم الْجُهَنِيّ : وَأَمّا فِي يَوْمِنَا هَذَا فَلَا خِلَافَ فِي أَنَ ضَبْطُهَا وَنُطْقِهَا بِكَسْرِ أَوّلِهِ, فَأَمّاَ الضّمّ فَهُوَ شَاذٌ, وَهَذَا مِنْ فَصَاحَةُ الْقَوْمِ وَدْقِهِ عِنَايَتَهُمْ بِالنّسَبِ .

    وَفِي جُهَيْنَةَ الْيَوْم مِنْ بَنِي كَلْبًا فَرْعَانِ وَأَصُلْهُمَا وَاحِدٌ, وَهُمَا : الْكَلْبِيّ, وَالْكِلِبِيّ, أَمَا الْأَوّلُ : بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ اللّامِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مَكْسُورَه وَآخِرَهُ يَاءٍ مُثَنَّاةٌ مُشَدَّدَةٍ, بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ فِي بَنِي مَالِك, وَأَمّا الثّانِي : بِكَسْرِ أَوّلِه وثانِيه وثَالِثُه وَآخِرَهُ يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مُشَدَّدَة, كَذَا يَنْطَِقُ الْجُهَنِيُّونَ ضَبْطِهِ الْيَوْم, بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ فِي بَنِي مُوسَى, وَكِلَاهُمَا مِنْ قَبَائِلِ جُهَيْنَةَ ومَساكِنَهم بُوَاطاً, والأَجْرَدُ, وَوَادِي رَشَادٍ, والسَّلَيْلَة وغيْرِهَا, وَكِلاَهُمَا أَصْلَهُمَا وَاحِدًا, وَهُمْ غَيْرُ بَنِي كَلْبٍ الْقَبِيلَةُ الْقُضَاعِيّة, الّتِي يَقُولُ فِيهَا أَحَدُ شُعَرَاءِ جُهَيْنَةَ الأَْقْدَمُونَ :
    فإنّا وكلَباً كاليدَيْن متى تَقُمْ *** شِمْالُكَ في الهيجَاء تُعِنْها يَمِيْنُهَا

    وَرَشَاَد وَادٍ شَآمٌ مِنْ الْمَدِينَةِ, وَيَقَع غَرْبهَا مِنْ جِهَةِ مَغِيبِ الشّمْس, وَهُوَ وَادٍ فَحْلٌ جَلْوَخٌ, تَصُبُّ شُجُونُهُ مِنْ أَعَالِي جِبَالِ الْأَجْرَد, يَدْفَعُ سَيْلهُ فِي إِضَمٌ الْمُسَمّى بِوَادِي الْحَمْضِ, ويَلْتَقِي مَعَ أُضُمَ بَيْنَ بُوَاطً وَتَيْدَد, بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مَسِيرَةُ خَمْسٌ وَسِتّونَ كِيلٌ أَوْ يَزِيد, وَسَكّانُهُ هُمْ جُهَيْنَةَ, نْزِلَتُهُ جُهَيْنَةَ حِينَ أَصْحَرَت بِأَرْضِ الْحِجَازِ مَعَ بَعْضِ قَبَائِلِ قُضَاعَةَ, بَعْدَ أَنْ تَفَرّق الْعَرَب مِنَ مَهْدِهِمْ, رَوَاهُ أَبُو الْمُنْذِر السّائِب بِكِتَاب افْتِراقِ العَرَب فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ الْمَدَنِيّ, وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْهَمْدَانِيّ بِكِتَابِ الْإِكْلِيل مِنْ أَنْسَابِ الْيَمَنِ وَأَخْبَارِ حِمْيَرَ, وَالزّبَيْرُ بْنُ بَكّار بِأَخْبَارِ الْمَدِينَةِ, وَدِعْبِل الْخُزَاعِيّ بِوَصَاياَ الْمُلُوكِ وَأَبْنَاءَ الْمُلُوك مِنْ وَلَد قَحْطَانَ بْنِ هُودٍ, وَابْنُ الْفَقِيهِ الْهَمَذَانِيِّ فِي كِتَاب الْبُلْدَانِ عَنْ الشَّرْقِيَّ بْن الْقَطَامِيّ, وَابْنُ حَبِيبَ النّسّابَةُ بالمُنَمَّقِ وَغَيْرُهُمْ .

    وَأَمَّا عَن سَبَبِ تَسْمِيَتُهُ بِرَشَاد فَقَدْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ هَذِهِ التّسْمِيَةَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ, إذْ كَانَ يُسَمّى بِالْجَاهِلِيّةِ غَوَى, وَيَظْهْر أَنّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ نِسْبَةٍ إلَى سَاكِنِيهِ وَهُمْ: بَنو غيَّان مِنْ جُهَيْنَةَ, ثُمّ أَحَالَهُ النّبِيّ إلَى نَقِيضُهُ وَهُوَ : الرَشَاد, فَهُوَ إلَى الْيَوْمِ يُعْرَف وَيُدْعَى بِرَشَاد, فَأَكْرِمْ بِهِ مِنْ مُسَمِي وَمُسَمّىَ, فَأَيّ تَشْرِيفٍ وَتَكْرِيمٍ لِتِلْكَ الْبُقْعَةِ وَأَهْلِهَا يُضَاهِي شَرَفًا مِثْلِ هَذَا ؟؟, وَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِجَبْلِيّ جُهَيْنَةَ الأَشْعَر وَالأَجْرَد هُمَا مِنْ جِبَالِ الْجَنّةِ لا تَطْؤهٌمَا فِتْنَةٌ, رَوَاهُ أَبُو عَلِيّ الهَجَريُّ, وَابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ, وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي جَمْهَرَة اللّغَةِ : والرُّشْد ضِدّ الغَيّ, رَشَدَ الرّجُلُ يَرْشُدْ, وَأَرْشَدَهُ الله إِرْشَاداً, وَالِاسْمُ الرُّشْد والرَّشَد والرَّشَاَد, وَرَجُلٌ رَاشِد ورَشيد, وَبَنُو رِشْدان بَطْنٍ مِنْ العَرَبِ كَانَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو غَيّان فَسَمّاهُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ بَنِي رِشْدَان, وَقَدْ سَمَّت الْعَرَبُ راشِداً ورُشيداً ورَشيداً ومُرْشِداً ومَرْشَداً ورِشْديناً, وَفُلَانٌ لرِشْدَة, وَهُوَ خِلَافَ الغِيّة والزِّنية, وَقَدْ قَالُوا غَيَّة أيضاً بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَهُوَ قَلِيلٌ, وَكَانَ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو الزِّنْيَة فَسَمّاهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ بَنِي الرِّشْدَة . انْتَهَى, وَقَالَ ابْنُ مَنْظُور بِلِسَانِ الْعَرَبِ : وَهَذَا وَاسِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُحَافِظُونَ عَلَيْهِ ويَدَعونَ غيره إلَيْه, أَعْنِي أَنّهُمْ قَدْ يُؤْثِرُون المُحَاكَاةَ والمُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ تارِكينَ لِطَرِيقِ الْقِيَاسِ . انْتَهَى, قُلْت : وَعَنْ الْأَصْمَعِيُّ قَالَ : غَوَى الْفَصِيلُ يَغوَي غَيَا, وَهُوَ الّذِي لَمْ يَذُوق مِنْ اللّبَنِ شَيْئًا, وَرُبّمَا مَاتَ مِنْ الغَوَى . وَقَالَ الزّبَيْدِيّ بِتَاجِ الْعَرُوس : وَرَشَاداً كسَحَاب, مَصْدَرُ رَشِدَ كفَرِحَ اهْتَدَى وأَصابَ وَجْهَ الْأَمْرِ والطَّرِيق, فَهُوَ رَشيدٌ وراشدٌ, والرَّشَاد نَقيضُ الضَّلال, وَنَقْلَ شَيْخُنَا عَنْ بَعْضِ أَرْبَابِ الِاشْتِقَاقِ أَنَ الرُّشْد يُسْتَعْمَلُ فِي كُلّ مَا يُحْمَد والغَيّ فِي كُلّ مَا يُذَمّ .


    : معجم معالم قبيلة جهينة القديمة والحديثة

    قَالَ الْمُؤَلِف ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَانِيُّ الجُهَنِيُّ :
    وَوَجَدْت لِشَيْخِنَا الْعَلَامَةَ النّسّابَةُ مُؤَرِخ وَجُغْرَافِيُّ جَزِيرَة الْعَرَب حَمِد الجاسِر رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ تَعَالَى, بَحْثاً حَوْلَ هَذَا الْوَادِي وَمَا يُحِيط بِهِ مِنْ أَرْضِ جُهَيْنَةَ, نَشَرَهُ فِي مَجَلّةُ الْعَرَبِ مِنْ شَهْر مُحَرَّمِ وَصَفَرُ سَنَةَ 1404 مِنْ الْهِجْرَة, يَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَنْقُلَهُ كَامِلاً بِنَصِّهِ, مَعَ التَّعْقِيب عَلَيْهِ, وَاسْتِدْرَاك مَا بِهِ مِنْ أَخْطَاء, قَالَ الشَّيْخ :

    وَادِي رَشَادْ مِنْ بِلَادِ جُهَيْنَةَ :
    سَّائِلَانِ كَرِيمَانِ هُمَا دَخِيل اللَّه بْن عَوَض بْن سَلْمَان دَخِيل اللَّه بْن عَوَض بْن سَلْمَان، الْجُهَنِيّان، كَتَبَا إليَّ بِمَا مُلَخَّصُهُ : سُؤالِنَا عَنْ قَرْيَةُ المُلَيْلِيْح وَبِالذَّاتِ عَنْ وَادٍ يُقَالُ لَهُ رَشَادْ، مَا هُوَ سَبَب تَسْمِيَتِهِ بِهَذَا الِاسْم ؟؟, وَهَذَا الْوَادِي يَقَعُ شِمَال الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، ويَتَّصِلُ بِوَادِي الْحَمْضِ, فَمَا الِاسْمُ الْقَدِيمُ لِقَرْيَة المُلَيْلِيح ؟، وَقَدْ عَرَفْنَا مِنْ آبَائِنَا أَنَّ اسْمِهَا ( أَبِيَارِ نَصِيف )؟؟ .

    أَمَّا الاِسْمُ الْقَدِيمِ لِقَرْيَة المُلَيْلِيح فَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ الْمَصَادِرِ مَا يُوَضِّحُهُ، وَكَانَتْ تُعْرَفُ بِاسْمِ أَبِيَار نَصِيف فِي الْقِرْنِ الْمَاضِي, كَمَا فِي كُتُبِ رَحَلات الْحَجّ مِثْل كِتَابِ « مِرْآةَ الْحَرَمَيْنِ » وَقَبّلَهُ رِحْلَة مُحَمّد بْن عُثْمَانَ السَنوسِيّ التُّونِسِيّ الّذِي حَجّ سَنَةَ 1299هـ, انْظُرْ « الْعَرَبِ » س13 ص291, فَقَدْ مَرَّ بِهَا وَسَمّاهَا : آبَارِ نَصِيف .

    وَأَرَى أَنَّ اسْمَهَا الْقَدِيمُ هُوَ : مُرٌ : بِالْمِيمِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ مُشَدّدَةٌ، فَقَدْ ذَكَرَ الْمُتَقَدّمُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَقْطَعَ عَوْسَجَة بْن حَرْمَلَة بْن جُذَيْمَة بْن سَبْرَة الْجُهَنيّ، مَنْ رِفَاعَةَ أَقْطَعَهُ ذَا مُرٍّ، وَأَمَرَهُ عَلَى أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ « جَمْهَرَةِ أَنْسَابِ الْعَرَبِ » لاِبْنِ حَزْم ص417 ـ الطَبعة الْأُولَى ـ , ومُرٌّ هَذَا ذَكَرَهُ الْحَازِمِي فِي « كِتَابِ الْبُلْدَانَ » أَنّهُ وَادٍ مِنْ بَطْنِ إضَم، وَقِيلَ : هُوَ بَطْنِ إضَم, وإضَمُ هُوَ : وَادِي الْحَمْضِ .

    هَذَا الّذِي أَرَاهُ استنتاجاً مِنْ كَوْن الْمَوْضِعِ مَعْمُورًا مُنْذُ عَهْدٍ قَدِيم، وَقَدْ تَكُونَ هُنَاكَ صِلَةً بَيْنَ كَلِمَةِ ( الُْمليْلِيح ) وَ ( مُرٍ ), وَهِيَ أَنَّ الْمَاءُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَيْسَ عَذْباً, أَمَّا وَادِي رَشَاد، فَيَرِدْ فِي بَعْضِ الْمُؤَلَّفَات الْقَدِيمَةِ بِاسْم (رَشَدْ ), وَلَعَلَ هَذَا ناشيءٌ عَنْ كَوْنِ بَعْضُ الْكُتَّابِ يَحْذِفُونَ حَرْفَ الْأَلِف مِنْ بَعْضِ الْأَسْمَاءِ مِثْلَ (الرّحْمَنِ) وَ (الْحَرْثِ) وَ (وَإِسْحَاق) وَنَحْوَهَا, وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَزْم ٍ فِي « جَمْهَرَةِ أَنْسَابِ الْعَرَبِ » وَغَيْرِهِ أنَّ بَنِي غَيَّان بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَة وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ, فَقَالَ لَهُمْ : « أَنْتُمْ بَنُو رَشْدَان », وكَانَ وَادِيْهِم يُسَمَّى غَوَى فَسُمِّيَ رَشَداً, ويَحْسُنُ أَنْ نُورِدَ هُنَا أَسْمَاء بَعْضَ الْمَوَاضِعِ الّتِي لَهَا صِلَةً بِهَذَا الْوَادِي، لَعَلَ مِنْ بَيْنَ الإِْخْوَةِ القُرَّاء مَنْ يُوَضِّحُ مَا يَعْرِفُهُ مِنْهَا مَشْكُورًا .

    الأَجْرَدُ : قَالَ الْهَجَريّ : الْأَجْرَدِ أَحَدُ جَبَلَيْ جُهَيْنَةَ ، وَالثّانِي الأَشْعَرُ ، وَإِلَيْهِمَا تُنْسَب أَوْدِيَتِهِمْ, والأجرد : مِمّا يَلِي بُوَاطَ الْجَلْسِيّ ، وَهُمَا بَوَاطَانِ , فَمِنْ أَوْدِيَةِ الأَجْرَد الّتِي تَسِيْلُ فِي الْجَلْسِ : مَنْكَثَة : وَهِيَ تِلْقَاءَ وَادِي بُوَاط, وَيَلِي مَنْكَثَةَ رشَادُ : وَهُوَ يَصُبُ فِي إضَم، وَكَانَ اِسْمُهُ غَوَى، فِيمَا تَزْعُمُ جُهَيْنَةُ، فَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَشَاداً ، وَهُوَ لِبَنِي دِيْنَارٍ إِخْوَةُ الرَّبْعَة, وَيَلِيَ رَشَاداً الحاضِرَةُ : وَبِهَا قَبْرُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْن مُحَمّد بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ بْن عُمَرَ بْن عَبْدِ الرّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، وَهِيَ عَيْنٍ لَهُمْ , وَيُصَب عَلَى الحاضِرَةُ الْبُلَيُّ : وَفِيهِ نَخْلٌ، وَهُوَ لِمُحَمّدِ بْن إبْرَاهِيمَ اللّهَبِيّ, ثُمَّ يَلِي الحاضِرَةُ تَيْدَدُ : وَبِهِ عُيُونٌ صِغَار : عَيْنٌ لِعَبْدِ اللّهِ بْن مُحَمّد بْن عِمْرَان الطَّلْحِيّ، وَيُقَالُ لَهَا : أُذَيْنة، وَهِيَ خَيْرُ مَالِهِ، وَالظَّلِيْلُ : لِمُبَارَكِ التُرْكِيّ, وَعُيُونَ تَيْدَدَ فِي أَسْنَانَ الْجِبَالِ .

    وَمِنْ أَوْدِيَةِ الأجرد الّتِي تَصُبُ فِي الْغَوْرِ, هزْر : وَهُوَ لِبَنِي جُشَمٍ، رَهْطٍ مِنْ بَنِي مَالِك, وَفِيهِ يَقُولُ أَبُو ذُؤَيْب :
    « أَكَانَتْ كليلة أهل الهزر »؟ . وَمِنْ مِيَاهِ جُهَيْنَةَ بالأجرد، بِئْرُ بَنِي سِبَاع : وَهِيَ بِذَاتِ الْحَرَّى، وَبِئْرُ الحَوْتِكَةُ : وَهِيَ بزقب الشطان، الَّذِي ذَكَرَهُ كُثَيِّرٌ فَقَالَ :
    كَــأَنَّ أُنَـاســاً لَـــمْ يَـحِـلُّـوا بِتَـلْـعَـةٍفَيُضْحُوا، وَمَغْنَاهُمْ مِنَ الدَّارِ بَلْقَعُ
    وَيَمْرُرْ عَلَيْهَا فَرْطُ عَامَيْنِ قَدْ خَلَتْوَلِلْوَحْـشِ فِيْهَـا مُسْـتَـرادٌ ومُـرْتَـعُ
    مَـغَـانِـي دِيَـــارٍ لا تــــزال كَـأَنَّـهَــابأَصْـعِـدَةِ الشّـطَّـانِ رَيْــطٌ مُـضَـلَّـعُ
    وَهُوَ بِالْمَنْصَفِ بَيْنَ عَيْن بَنِي هَاشِمٍ الّتِي بِمَلَلٍ، وَبَيْنَ عَيْنِ إِضَمٍ, اِنْتَهَى كَلَام الْهَجَرِيُّ .

    أُذَيْنَةُ : وَادٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ .

    الْبُلَيُّ : لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ سِوَى الزَّمَخْشَرِيُّ, نَقَلٍ عَنْ السّيّد عُلَيٍّ، فِي أَوْدِيَةِ الْقَبَلِية الْبَلْيَاء، وَضَبَطَ يَاقُوت هَذَا بِفَتْحِ الْبَاء وَإِسْكَان اللَّام, أَمَّا البلي فَقَدْ وَرَدَ فِي « مُعْجَم مَا اِسْتَعْجَمَ » كَمَا تَقَدَّمَ فِي وَصْفِ الأجرد, وَأَصْلُ الْكَلَام لِلْهَجَرِيُّ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّح الْبَكْرِيُّ بِذَلِكَ .


    معجم معالم قبيلة جهينة القديمة والحديثة

    بُوَاط : قَالَ الْهَجَرِيُ فِي كَلَامهِ عَلَى الْأَشْعَرْ جَبَلُ جُهَينَةَ الْمَعْرُوفُ الآْنَ بِاسْمِ (الفِقْرَة) وَبِحِذَاء الأشَعَر مِنْ شِقِه الْيَمَانِيّ وَادِي الرّوْحَاءِ, وَمِنْ شِقِّهِ الشَّامِيُّ بُواطَانِ : الْغَوْرِيُّ ، والْجَلْسِيُّ ، وَهُمَا جَبَلَانِ مُتَفَرِقَا الرَأْسَيْنِ، أَصُلْهُمَا وَاحِدٌ، وَبَيْنَهُمَا ثَنِيَّةٍ سَلَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي غَزْوَةِ ذِي العُشَيْرَةِ مِنْ يَنْبُعَ، فَأَهْلُ بُوَاطٍ الْجَلْسِيّ بَنُو دِينَارٍ مَوَالِي بَنِي كُلَيْب بْن كَثِير، وَكَانَ دِينَار طَبِيباً لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَان، وَهُمْ إِخْوَة الرَّبَعَة مِنْ بَنِي جُهَيْنَةَ, وَهُوَ يَلِيَ مِلْحَتَيْن, انْتَهَى, وغَزْوَة بُوَاط مِنْ الْغَزَوَاتِ النَّبَوِية، ذَكَرَهَا ابْنُ هِشَامٍ فِي « السّيرَةِ » فَنَقَل عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَزَا فِي الشَّهْرِ الأَْوَّل فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ يُرِيدُ قُرَيْشًا حَتّى بَلَغَ بُوَاطَ مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْداً, ثُمّ ذَكَرَ بَعْدَهَا غَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ, وَمِلْحَتَانِ الوَارِدَتَان فِي كَلَامِ الْهَجَرِيّ مِنْ أَوْدِيَةِ القبَلِيَّة بالأشَعَر، مِمّا يَلِي ظَلِمَ مِنْ شِقِه الشَّامِيُّ, وَهُمَا مِلحَة الرِّمْثِ, وَمِلحَة الحَريض بِهَا شِعْبٌ ضيِّقٌ يَحْرِضُ الْإِبِلَ, أَيّ : يَشِقُ جُلُودِهَا .

    وَوَادِي بُوَاطٍ يَجْتَمِعُ سَيْلِهِ بِسيول أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةَ بَعْدَ اِنْحِدَارِهَا وَاجْتِمَاعِهَا بِوَادِي مَلَلٍ, بِذِي خُشُبٍ, وَظَلْمٌ, والْجُنَيْنَةُ ، ثُمَّ يَلْقَاهَا وَادِي ذِي أَوْان وَدَوَافِعُهُ مِنْ الشَّرْقِ ، وَيَلْقَاهَا مِنَ الْغَرْبِ بُوَاطٍ, والحزَّار، وَيَلْقَاهَا مِنْ الشَّرْقِ وَادِي الأتمة، ثُمَّ تَمْضِيَ فِي وَادِي إضَمَ حَتّى يَلْقَاهَا وَادِي بُرمَة, الّذِي يُقَالُ لَهُ : ذُو الْبَيْضَه مِنْ الشّامِ، وَيَلْقَاهَا وَادِي تُرْعَة مِنْ الْقِبْلَةِ, ثُمَّ يَلْتَقِي هُوَ وَوَادِي الْعِيْصِ مِنَ الْقِبْلَةِ, ثُمَّ يَلْقَاهُ دَوَافِع وَادٍ يُقَالُ لَهُ : حِجِر، وَوَادِي الْجِزْل، الّذِي بِهِ السُّقْيَا والرَّحَبَة، فِي نَخِيلِ ذِي الْمَرْوَةِ مُغَرِّباً، ثُمَّ يَلْقَاهُ وَادِي عَمُودَان فِي أَسْفَلِ ذِي الْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَلْقَاهُ وادٍ يُقَالُ لَهُ سفان حِينَ يُفْضِي إلَى الْبَحْرِ عِنْدَ جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ : أراك، ثُمّ يَدْفَع فِي الْبَحْر مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْدِيَةِ : اليعبوب, والنتيجة, وحقيب, انْتَهَى مِنْ « وَفَاءِ الْوَفَاء » .

    الشُّطْأنُ : أَوْرَدَ يَاقُوت, الشُّطْأن : بِضَمّ أَوّلِهِ وَسُكُونِ الطّاءِ ثُمّ أَلِفٌ مَهْمُوزَةٌ وَنُوّنَ, وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةَ، قَالَ كُثَيِّرُ :
    مَـغَـانِـي دِيَـــارٍ لا تَــــزَالُ كَـأَنَّـهــابِأفْـنِـيـةَ الـشُّـطْـأنِ رَيْـــطٌ مُـضَـلَّـعُ
    وأُخْرَى حَبَسْتَ الرَّكْبَ يَوْمَ سُوَيْقَةٍبِـهَـا وَاقِـفـاً، أَنْ هَـاجَـكَ الْمُتَـرَبَّـعُ

    مِنْكَثَة : مِنْ نَكَثَ يَنْكُثُ إذَا نَقَضَ, مِنْ أَوْدِيةِ الْقَبَلِيّةِ يَسِيْل مِنْ الأَجْرَدِ جَبلِ جُهَيْنَةَ، فِي الْجَلْسِ، وَيَلْقَى بُوَاطاً, « وَفَاءِ الْوَفَاء » : 2/379 , وَكَذَا نَقْلَ يَاقُوت عَنْ الزَّمَخْشَرِيُّ، عَنْ السّيّد عُلَيِّ, وَقَدْ رَأَيْتَهُ فِي كِتَابِ الزَّمَخْشَرِيُّ وَهُوَ يُعَرِّفُ القَبَلِيَّة عَنْ الشَّرِيف عُلَيِّ, غَيْرُ مَضْبُوطٍ، وَلَكِنّ اتّفَاقُ يَاقُوت وَالسَّمَهُودِيّ عَلَى ضَبْطِهِ يَدُلّ عَلَى أَنّهُ تَصَحّفَ عَلَى الْبَكْرِيّ الّذِي سَمّاهُ مَبْكَثَة : بِالْبَاءِ بَدل النّون .

    هَزْرُ : لَمْ أَرَ مِنْ ذَكَرَ هَذَا مِنْ مَوَاضِع الأجرد, وَبَيْتُ أَبِي ذُؤَيْبِ أَوْرَدَهُ يَاقُوت فِي هزر, وَلَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي الأَشْعَر، بَل ذَكَرَ أَنّهُ فِي بِلَادِ هُذَيْلٍ, كَمَا ذَكَرَ أَنّهُ قَدْ يَقْصِدْ بِهِ اسْمُ وَقْعَةٌ قَدِيمَة .

    تَيْدَدُ : أَوْرَدَ السَّمَهُودِيّ فِي « وَفَاءِ الْوَفَاء: 2/272» ما نَصُّهُ : تَيْدَدْ : مِنْ أَوْدِيَة الأَجْردِ جَبَل جُهَيْنَة، يَلِيَ وَادِي الحاضِرَ, كَذَا, بِهِ عُيُونٌ صِغَار، خَيْرِهَا عَيْنُ أُذَيْنَة، وَعَيْنٌ يُقَالُ لَهَا الظَّلِيْلُ، وَعُيُونِ تَيْدَدْ كُلّهَا تَدْفَعُ فِي أَسْنَانِ الْجِبَال، فَإِذَا أُسْهِلَ بِغِرَاسِهَا لَمْ يُنجِبْ زَرْعُهَا، وَذَلِكَ أَنّ صَاحِبِهَا وَكَانَ مِنْ جُهَيْنَةَ، ذَمَّهَا، وَقَال : هِيَ فِي جَبَلٌ, فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « لا أَسْهَلَتْ تَيْدَد » فَمَا أَسْهَلَ مِنْهَا فَلاَ خَيْرَ فيه, نَقَلَهُ الْهَجَرِيُّ, وَقَالَ رَجُل مِنْ مُزَيْنَةَ، فِي شَيْءٍ وَقَعَ بَيْنهمْ
    وَبَيْنَ جُهَيْنَةُ فِي الْجَاهِلِيّةِ :
    فَإِنْ تُشْبِعُوا مِنَّا سِبَاع رُوَاوَةٍفَـإنَّ لَهَـا أَكْنَـافَ تَيْـدَدَ مَرْتَعَـا
    وَنَقَل الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْ السّيّد عُلَيٍّ : تَيْتدَ : هُوَ الْمَعْرُوف بِأُذَيْنَةَ، وَفِيهِ عِرْضٌ فِيه نَخْلٌ مِنْ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحَلَها فَاطِمَةَ,ذِكْرُهُ فِي أَوْدِيَةِ الْقِبْلِيَّةِ .



    معجم معالم قبيلة جهينة القديمة والحديثة

    قَال الْمُؤَلِف ابْنِ الغُنَيْم الْمَرْوَانِيّ :
    إلَى هُنَا انْتَهَى مَا نقلته من كِتَابِ الشّيْخِ الْإِخْبَارِيّ حَمَد, وَفِي بَعْض مَا قَال الشّيْخ نَظَر, وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ : أَمَّا الاِسْمُ الْقَدِيمِ لِقَرْيَة المُلَيْلِيح فَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ الْمَصَادِرِ مَا يُوَضِّحُهُ، وَكَانَتْ تُعْرَفُ بِاسْمِ أَبِيَار نَصِيف فِي الْقِرْنِ الْمَاضِي, ثُمّ حَاوَلَ الشّيْخ أَنْ يَجِد عَلاَقَةٌ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ فَلَمْ يَرْبِطَ بَيْنَهُمَا إلّا بِتَّعْلِيلهِ لِسَبَب تَسْمِيَة الْمَوْضِع, فَقَال : وَأَرَى أَنَّ اسْمَهَا الْقَدِيمُ هُوَ : مُرٌ : بِالْمِيمِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ مُشَدّدَةٌ، فَقَدْ ذَكَرَ الْمُتَقَدّمُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَقْطَعَ عَوْسَجَة بْن حَرْمَلَة بْن جُذَيْمَة بْن سَبْرَة الْجُهَنيّ مَنْ رِفَاعَةَ أَقْطَعَهُ ذَا مُرٍّ، وَأَمَرَهُ عَلَى أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ, ومُرٌ هَذَا ذَكَرَهُ الْحَازِمِي فِي « كِتَابِ الْبُلْدَانَ » أَنّهُ وَادٍ مِنْ بَطْنِ إضَم، وَقِيلَ : هُوَ بَطْنِ إضَم, وإضَمُ هُوَ : وَادِي الْحَمْضِ, هَذَا الّذِي أَرَاهُ استنتاجاً مِنْ كَوْن الْمَوْضِعِ مَعْمُورًا مُنْذُ عَهْدٍ قَدِيم، وَقَدْ تَكُونَ هُنَاكَ صِلَةً بَيْنَ كَلِمَةِ « الْمُليْلِيح » وَ « مُرٍ », وَهِيَ أَنَّ الْمَاءُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَيْسَ عَذْباً .

    قَالَ ابْنُ غنَيْم الجُهَنِيُّ :
    المُلَيْلِيْح : بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْحِ اللاَّمِ بَعْدهَا يَاءٌ أُخْتُ الْوَاوِ مُثَنَّاةٌ تَحْتَانِيَّة سَاكِنَةً فَلَامٌ مَكْسُورَةٍ فَيَاءٌ أُخْرَى سَاكِنَة وَآخِرَهُ حَاءٌ مُهْمَلَة, هَكَذَا نَضْبِطََهُ, وَكَذَا رَأَيْنَاهُ مَضْبُوطاً فِي كِتَابِ أَسْمَاءِ الْمُدُنِ وَالْقُرَى وَمَوَارِدَ الْبَادِيَة, وَوَقَعَ فِي كِتَاب مَعَالِم الْحِجَاز : المُلَيْلِيْح : عَلَى وَزْنِ فَعِيعِيل, كَأَنّهُ تَصْغِيرَ الْمِلوْح, قَرْيَةٍ عَامِرَة لِجُهَيْنَة فِي طَرَف وَادِي الْحَمْض مِنْ الْغَرْبِ فِي الْمُنْدَسَّةُ مِنْهُ, يَصبُّ عَلَيْهَا مِنْ الْغَرْب وَادٍ بِاسْمِهَا مِنْ جَبَلِِ الأَجْرَد, تَبْعُدُ عَنْ الْمَدِينَة غَرْبًا 68 كَيْلاً, فِيهَا مَدْرَسَةٍ وَمَسْجِد وَمَرْكَز تَابِعٌ لِلْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ, وَالْأَرْضِ الْمُحِيطَةُ بِهَا وَالْمَعْرُوفَة بِالْمُنْدَسَّةُ هِيَ جزعٌ كَبِيرٌ مِنْ وَادِيَ الْحَمْض, صَالِحَةٍ لِِلزِرَاعَة, وَفِيهَا كَثِيرٍ مِنْ الْآبَارِ وَالْبَسَاتِين, وَلَكِنْ نِسْبَة الْمَزْرُوعِ مِنْ الْأَرْضِ ضَئِيلٌ جِدّا, وَلَوْ اُسْتُصلِحت تِلْكَ الْمِنْطَقَةِ لا تَسَعْت لِعَشَرَاتِ الْأُلُوف مِنْ السُّكَّانِ . اِنْتَهَى كَلَامه.

    قُلْت : وَأَمَّا عَنْ سَبَبِ تَسْمِيَة المُلَيْلِيْح بِآبَارِ نَصِيف, فَيُجَاب عَنْهُ بِأَنَّ هَذِهِ تَسْمِيَةٍ مُحْدَثَةٌ مُتَأَخِّرَة, لَمْ يَعْرِفهَا أَوْ يَأْلَفهَا أَعْرَاب أَهْل الْمِنْطَقَة, وَإِنَّمَا أُطْلِقَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ التَّسْمِيَة مِنْ حَجِيجُ الرّكَبِ الشَّامِيُّ وَالْمَغْرِبِيّ, وَلَمْ يُسْتَعْمَل هَذَا الِاسْم أَوْ يَشْتَهِرَ إِلَّا فِي مَا بَيْنَهُمْ, وَلاَ تَجِدْهُ إِلَّا فِي كُتُب رَحَلات الْحَجّ, وَيَبْدُو أَنَّ نَصِيف هَذَا أَمِيراً مِنْ الأَْتْرَاكِ الْعُثْمَانِيِّينَ, احْتَفَرَ بِالمُلَيْلِيْح عَدَدًا مِنْ مِيَاهِ الْآبَارِ لسْقِيَاء الحُجّاج فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ نِسْبَةً إلَيْهِ, وَلِهَذَا سَمَّاهَا النابلسي فِي رِحْلَتِة آبَارِ الْأَمِير, وَهَكَذَا الْخيَارِيّ بِرِحْلَتِهِ, وَرَأَيْتهَا فِي مَخْطُوط مِشْعَل الْمَحْمَل, وَسَمَّاهَا عَبْد السَّلَام الدُرَعِي آبَارِ نَصِيف, وَكَذَا أَوْرَدَ تَسْمِيَتُهَا السنوسي بِكِتَابَة, وَذَكَرَ أَنَّهُ بِالمُلَيْلِيْح قَدْ اِجْتَمَعَ بِالشَّيْخ صَالِح الْأَصَمّ أَحَد عُلَمَاء الجراكسة, وَأَطَالَ بِالْحَدِيثِ عَنْهُ, وَكَذَلِكَ إِلْتَقَى بِصَالِح الإربيلي مِنْ عُلَمَاء الشِّيعَة, وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا المكناسي آبَارِ نَاصِف, وَقَال ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الدُرَعِيّ : وَسِرْنَا حَتّى نَزَلْنَا, وَقَدْ مَضَى مِنْ اللَّيْلِ سَاعَات, آبَارِ نَصِيف : ذَاتِ الْمِيَاه الْعَذْبَة، وَفِيهَا الْمَالِح، وََتَعْذَب بِمَاءِ الأَْمْطَارِ إِنْ نَزَلَتْ بِهَا, وَلَيْسَ بِهَا عِمَارَةٌ وَلاَ سُوْق, وَبِهَا سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ لِحَاجٍّ : إِبْغِنِي بَرْدَعَةِ بَعِيرٌ أَشْتَرِيَهَا, مِنْ بَغَا الشّيْءَ يَبْغُو : نَظَرَ إِلَيْه، أَوْ مِنْ بَغَيْتَهُ أبغِيه بُغَاء طَلَبَتْهُ, وَإِبِغَاءُ الشَّيْءُ طَلَبُهُ لَهُ, كَبَغاهُ إيّاهُ : أَعَانَهُ عَلَى طَلَبِهِ, وَالْمَعْنَى عَلَى الأَْوَّل : اُنْظُرْ لِي بَرْدَعَة اشْتَرِهَا، وَعَلَى الثَّانِي : أُطْلُبهَا لِي, كَمَا فِي الْقَامُوس . اِنْتَهَى كَلَامه .

    وَوَجَدْتُ فِي مَخْطُوطَةِ اِسْتِكْشَاف طَرِيق الأَْرَاضِ الْحِجَازِيَّة مِنْ الْوَجْه وَيَنْبُع النّخْل إلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة, قَال : وَفِي السَّاعَة 7 و20 دَقِيقَةً أَنَخْنَا لِلاِسْتِرَاحَةِ قَدْرَ نِصْف سَاعَةً, عَلَى مَسِير 23 أَلْف مِتْرٍ, وَكَانَتْ الشّمْس كَثِيرَة الْحَرَارَةِ فِي هَذَا الْيَوْم, مَعَ أَنَّ الشّمْس كَانَتْ فِي الْحُوت, وَالْفَصْل فَصْل الشّتَاء, وَلَوْلَا كَثْرَةُ الْمِيَاه الَّتِي مَعْنَا لا تَعْبَتْنَا شِدّةِ الْحَرّ, ثُمَّ سِرْنَا وَأَنَخْنَا عَلَى مَسِيرَةِ 35 أَلْف مِتْرٍ مِنْ سَيْرِ هَذَا الْيَوْم بِمَحْطة « المليح », وَهَذِهِ الْمَحْطة بُقْعَةٍ سَهْلَة الْأَرْضِ, بِهَا آبَار مِيَاه حُلْوَةٌ . اِنْتَهَى,

    قَالَ الجُهَنِيّ وَقَدْ حَدَّثَنِي جَدِّي عَنْهَا, وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لِقَوْمِه يُقِيمُ بِالْبَادِيَةِ, قَدْ خَنْقَ الْمِائَة سَنَة, فَقَال : مَرَرْتُ بِهَا وَأَنَا فَتَىٍ صَغِير السِّنّ, مُرْتَحِلٌ بِإِبِلِي, فَوَرِدْتُ آبَارِهَا لِسِقَايَة الْإِبِل, فَإِذَا هِيَ ثَمَايِلٌ عَدِيدَة, تَنْبِعُ مِنْ بَطْنِ وَادِي الْحَمْض, وَكَانَتْ تُدْعَى حِينهَا « مِلْحَه », بِكَسْرِ الْمِيم وَسُكُونِ ثَانِيه, ثُمَّ حَاء مُهْمَلَة مَفْتُوحَة, كَذَا نَطَقَ لِي ضَبْطِهَا عَافَاهُ اللَّه, وَلَمْ أَجِد مَنْ ذَكَرَ هَذَا الِاسْمِ قَبْلنَا مِنْ سَلَفاً أَوْ خَلَفًا, وَمَا كِدْتُ أَسْمَعْهَا حَتّى فَرِحَتُ بِهَا, وَلِهَذَا أَرَ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي كِتَاب أَبُو عَلِيّ الهَجرِيّ مِنْ تَحْدِيدُهُ لِمَوْضِع « مِلْحَتان », هُوَ فِي غَايَة الدِّقَّة بِالْوَصْفِ للمُلَيْلِيْح, فَلِلَّهِ دَرُّهُ مِنْ أَخْبَارِيٌّ فَحْل, وَلَعَمْرِي لَقَدْ وَقَعَ الحَافِرُ عَلَى الحَافر, فمَوضِعُ المُلَيْلِيْح يَنْطَبِق عَلَى مِلْحَه,

    وَإِنّ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ لِهَؤُلَاءِ الْعَرَب الأَقْحَاح, مَا أَشَدّ وَلاَئِهِمْ لِلْأَرْض وَالْبَقَاءِ فَوْقَهَا, مَعَ إِسْتِبْسَالٌ فِي حِمَايَة بَيْضتِها, فَلَمْ يَعْتَرِي شَيْءٌ مِنَ التَّغْيِيرِ أَوْ التّصْحِيف أَسْمَائِهَا الْقَدِيمَةِ كُلّ هَذِهِ الْقُرُون, وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْقَاسِم الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْجِبَالِ وَالْأَمْكِنَة وَالْمِيَاه : مِلْحَتانِ : تَثْنِيَةِ مِلْحةٍ, لِلْقِطْعَةِ مِنْ الْمِلْح : وَادٍ مِنْ أَوْدِيَة القَبَلِيَّة, وَحَكَاهُ الْفَيْرُوزُ آبَادِي فِي مَعَالِم الْمَدِينَة, وَكَذَلِكَ أَوْرَدَهُ الْحَمَوِيّ بِمُعْجَمِة, وَلَمْ يَزِدْ فِي التَّعْرِيف بِهِ عَلَى مَا فِي هَذَا, وَنَقَلَ السَّمَهُودِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِير وَالصَّغِير عَنْ أَبُو عَلِيّ الْهَجَريُّ : مِلْحَتانِ تَثْنِيَةِ مِلْحةٍ, لِلْقِطْعَةِ مِنْ الْمِلْح : مِنْ أَوْدِيَة القَبَلِيَّة بالأشَعَر, مِمَّا يَلِي ظَلِمٌ مِنْ شِقِّهِ الشَّامِيّ, وَهُمَا مِلحَة الرِّمْثِ, وَمِلحَة الحَريض, بِهَا شِعْبٌ ضيِّقٌ يَحْرِضُ الْإِبِلَ . انْتَهَى, يَقُول ابْنُ الْغُنَيْم الْمَرْوَانِيّ : الْمِلْحَتانِ, هُمَا : مُلْحَةُ الرَّمْثِ, وَمُلْحَةُ الحَرِيض, وَهَاتَيْنِ الْمِلْحَتَيْن يَظْهَر أَنَّ أَصْل تَسْمِيَتهُمَا بِذَلِكَ اُشْتُق مِنْ اِسْم بَنِي مُلْْيِح الْجُهَنِيُّون, وَمِلْحَه قَدْ تُضْبَط « مُلْيحَة » بِزِيَادَةِ الْيَاء أُخْتُ الْوَاوِ, بَيْنَ اللّامِ وَالْحَاء الْمُهْمَلَة, إلّا إِنَّهُ ضَبْطٌ غَيْر مَحْفُوظ, بَلْ أَرَهُ تَصْحِيف, وَلِهَذَا أَفْرَدَ أَبُو عُبَيْدٍ الْأَنْدَلُسِيّ فِي الْبُلْدَانِ رَسْمُهَا فَقَالَ : مِلْحَة : بِكَسْرِ أَوّلِهِ، وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ، وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة, مَوْضِعٌ قَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُهَا فِي رَسْم الأشْعَر . انْتَهَى, ... :: ..::

    .. :: .. ::

    .. :: .. ::

    وَمُليْحَة كَذَلِكَ شِعْبٌ بِأَعْلَى جَبَلِ الأشْعَر, مُجَاوِرَةٌ لِمَعْدِن الشَبّ, ذَكَرَهَا الْبَكْرِيّ بِكِتَابَةِ أَسْمَاءِ الْمَوَاضِع وَالْبُلْدَان, وَلَا يَزَالُ الْمَعْدِنُ مَعْرُوفاً بِمَكَانِهِ وَمُسَمَّاة, وَقَدْ أَخْطَأَ يَاقُوت فِي تَحْدِيدَهُ لَهُ إِذْ قَال : ذُو الشَبّ : شَقٌّ فِي أَعْلَى جَبَل جُهَيْنَةُ بِالْيَمَنِ, يُسْتَخْرَج مِنْ أَرْضِهِ الشَبّ الْمَشْهُور. اِنْتَهَى كَلَامِه, قُلْت : وَهِمَ يَاقُوت فِي هَذَا الْمَوْضِع, وَإِنَّمَا دَخَلَ الْوَهْم عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الْأَسْمَاء, وَهُوَ خَطَأ فِي التّحْدِيد بَيْنَ الْمَعْدِنَيْنِ, الّذِي بِجَبَلِ جُهَيْنَةَ وَذَاكَ اَلّذِي بِالْيَمَن, وَإِنَّمَا الصَّوَاب أَنَّ مَعْدِن الشَبُّ الْوَاقِعَ فِي بِلَادِ جُهَيْنَةَ هُوَ بِأَعْلَى جَبَل الأشْعَرَ, وَلَيْسَ مِنْ الْيَمَن بِشَيْء, فَأَيْنَ جُهَيْنَةَ مِنْ أَرْض الْيَمَنِ ؟؟, وَلَا أَعْلَمُ لِجُهَيْنَةُ أَيْ وُجُود بِأَرْضِ الْيَمَن, لَا فِي قدِيمِهَا أَوْ حَدِيثِهَا, عَدَا نِتَفٌ مِنْ إِخْبَارِ هِجْرَتهَا عِنْد التَّفَرُّقَ, وَسَتَأْتِي مَبَاحِث هَذَا الْبَاب

    وَقَدْ ذَكَرَ الْقَزْوِينِيُّ فِي كِتَابِهِ عَجَائِب الْمَخْلُوقَات وَغَرَائِب الْمَوْجُودَات عِنْد إِيرَادُهُ لْغَرَائِبِ الْجِبَال مَعْدِن الشَبّ الْمَوْجُود بِالْيَمَنِ, فَقَال : جَبَل الشَبّ : بِأَرْضِ الْيَمَن, وَعَلَى قُلّةُ الْجَبَل مَاءٌ يَجْرِي مِنْ كُلّ جَانِب, وَيَنْعَقِد حَجَراً قَبْلَ أَنْ يَصِل إِلَى الْأَرْض, وَالشَبّ الْأَبْيَض الْيَمَانِيّ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَل . قُلْت : وَكَذَا وَجَدْته عِنْدَ اِبْن الْفَقِيه الْهَمَذَانِيّ فِي كِتَاب مُخْتَصَر الْبُلْدَان, وَرَوَاهُ صَاحِبَ خَرِيْدَة الْعَجَائِب وَالْغَرَائِب, وَأَضَافَ الْبَكْرِيّ فِي مَوْضِع آخَر : وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ أَنَّ الْغَرْض بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَإِسْكَان الرَّاء الْمُهْمَلَةِ: الشَّعِيبَةُ [الشَّعِيب] فِي الْوَادِي، وَالْجَمْعِ غَرْضانُ, انتهى,

    يَقُول الْمَرْوَانِيّ : إنّمَا هُوَ الشَّعِيب, وَلَا يَحْتَمِل الِاسْم هَاءُ التّأْنِيثِ, وَالشَّعِيب هُوَ مَجْرَى ماءُ السَّيْلِ فِي الْجَبَل, قَبْل أَنْ يَصِل لِلْأَرْضِ, فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْأَرْض سُمّيَ بِالْوَادِي, وَروَافِد الشَّعِيب تُسَمّى الخَرَايِر, وَاحِدَتُهَا : خَرِيرَه, وَالشَبّ : هُوَ مَعْدِنٍ فِي شِعْبٌ مِنْ رَأْس جَبَلِ الأشْعَر, وَالْمُسَمَّى فِي هَذَا الزّمَن «الفقرة», وَيَقَع فِي حَوْرَة مِنْ شِقِّهَا اَلشَّامِيّ, رَوَى لِي ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ سُكَّان الْجَبَل, وحَوْرَةِ مِنْ مَنَازِل بَنِي مُرَّة, بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَة, وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِم المُرِيَّ, بِضَمّ أَوّلِهِ, مِنْهُمْ أَبِي الغادِيَة سَعْد بْن يَسَار المُرِيَّ الْجُهَنِيّ, وُلِدَ فِي حَيَاةِ النّبِيّ فَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَمّاهُ سَعْداً, وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْن حَسَنَةَ المُريّ الْجُهَنِيّ, صَحَابِيّ مِنْ رُوَاةِ الْأَحَادِيث

    وَوَجَدْت فِي كِتَاب نَسَبُ مَعَدّ وَالْيَمَنِ الْكَبِير لابْنُ الْكَلْبِيَّ عِنْدَ ذِكْرِهِ جَمْهَرَةِ نَسَب جُهَيْنَةَ, قَال : فَولدَ كَاهِلُ بن نَصْرُ : جُشَمَ، وَعَدِيَّاً، وَنَصْراً، وَمُرَّةَ، اِنْتَهَى كَلَامِه, قُلْت : وَلَا يُزَال بَطْنُ المُرِيَّ فِي عِدَاد جُهَيْنَةُ, وَلَمْ أَرَ مِنْ عَدّهُمْ فِي جُهَيْنَةَ مِنْ قَبْلِ, مِنْهُمْ نِزلْهٌ فِي الْمَارَامْيَة, وَالْمَدِينَةِ, وَجِدَّة, وَيَنْبُع النّخْل هِيَ مَقَرٌ لشَيْخِهِمْ سَالِم بْن حَمِيد, وَحَمِيْد بِفَتْحِ أَوّلِهِ وَكَسْرِ الْمِيمِ, وَخُؤُولَتْهُ مِنْ أَشْرَاف يَنْبُعَ, حَدّثَنِي بِهَذَا بَعْض أَعْرَابُ جُهَيْنَةَ السَّاحِل مِمَّنْ لَهُ عِنَايَة بِالنّسَب, إلّا أَنْ الْغَالِبِيَّةِ قَدْ هَاجَرَ عَنْ هَذِهِ الْمَوَاضِع, وَمِنْ مَنَازِل بَنِي مُرّةَ الْقَدِيمَةِ : وَادِيَ الْقُرَى, وَخَيْبَر, وَحَرّةِ النَّار أَوْ ذَاتِ لْظَى, وَمِنْهَا وَفَدَ شِهَاب جَمْرَة عَلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب, وَكَذَلِكَ العُلاَ, وَلَا تَزَال لجُهَيْنَةَ الْيَوْمَ بَقِيّةٌ بَاقِيَةً هُنَالِكَ

    وَيَوْمُ حَوْرَةِ مِنْ أَيّامِ جُهَيْنَة, كَانَ بَيْن بَنِي سُلَيْمٍ, وَبَنُو مُرّةَ مِنْ جُهَيْنَة, وَفِي ذَلِكَ الْيَوْم قُتِلَ مُعَاوِيَة السُّلَمِيّ, وَقَبْرُهُ هُنَالِكَ, قَتَلَهُ هِشَام اِبْن حَرْمَلَة المُرِيَّ ثُمّ الْجُهَنِيّ, وَيَرْوُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْم أَشْعَارٌ, وَسَنَذْكُرُهَا فِي مَظَانِّهَا, وَقَالَ أَبُو عَلِيّ الْهَجَريُّ عِنْدَ وَصْفِهِ لِلْمَعْدِنِ أَنَّهُ بِالمَخَاضَةُ, وَقَدْ سَأَلْت الرَّاوِي : عَنْ آثَارِ الْمَعْدِن, فَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً,

    وَأَمّا قَوْلُ شَيْخُنَا بِأَنَّ الْمُليْلِيح أَوْ «آبَارِ نَصِيف» هِيَ « ذَا مُرٍّ » فَلَيْسَ كَمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّه, وَمَكَان مُرٍّ لَا أَعْرِفهُ إلّا فِي هَذِهِ النُّصُوص, وَوَصْفه الْعُلَمَاءِ الْأَوّلِين بِأَنّهُ بِبَطْنِ وَادِي الْحَمْضِ, وَعَلَى هَذَا يُمْكِن أَنْ نُحَدِد مَوْقِعه بِأَنّهُ بَيْنَ المُلَيْلِيْح وَالبُوَيْر, وَذَلِكَ لِأَنّ بَنُو مُرّةَ بْنِ كَاهِلِ وَبُذَيْلُ بْن عَدِيّ بْن كَاهِلِ فِي هَذِهِ الْأَمْكِنَة, وَبُذَيْلٌ بَطْنٍ قَدِيم مِنْ جُهَيْنَة, وَيُقَال لَهُمْ : الْبُذَيْليّ, وَهُوَ عَلَى وَزْن المُلَيْحِيّ, وَعِدَادُهُمْ الْيَوْم فِي قَبِيلَةِ عِرْوَة, وَعِرْوَةَ بَطْنٌ جُهَنِيّ عَظِيمٌ, وَهُمْ عَرَب بَادِيَة, وَأَهْلُ نَجْدَةٍ وَشَجَاعَة, وَالمُلَيْلِيْح هِيَ عِقْرَ دَارِهِمْ, وَبَعْض الْبُذَلةُ فِي بَنِي إِبْرَاهِيم بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ, وَمَنَازِلهُمْ فِي يَنْبُع النّخْل, وَقَدْ حَكَى السَّمْعَانِيّ فِي كِتَابِهِ الْأَنْسَاب وَأَبُو الْحَسَن الشّيْبَانِيّ بِذَيْلِهِ اللُّبَاب, فَقَالَا : الْبُذَيْليّ : بِضَمِّ الْبَاء الْمُوَحَّدَة, وَفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة, وَسُكُون الْيَاء, هَذِهِ النِّسْبَة إلَى بُذَيْلٌ, وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ, وَهُوَ بُذَيْلُ بْن سَعْدِ بْن عَدِيّ بْن كَاهِلِ بْن نَصْرٍ بْن مَالِكِ بْن غَطَفَانَ بْن قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ, مِنْهُمْ عَدِيّ بْن أَبِي الزّغْبَاءِ بْن سُبَيْع بْن رَبِيعَةَ بْن زُهْرَةَ بْن بُذَيْلٍ, لَهُ صُحْبَة, وَهُوَ الَّذِي بَعَثَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ بَسْبَسَ بْن عَمْرو يَتَجَسَّسَانِ الْأَخْبَار, وَقَدْ ذَكَرْت تَرْجَمَته بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِي الصَّحَابَة مِنْ جُهَيْنَةَ

    قَال ابْنُ غُنَيْم : وَقَالَهُ أَبُو الْمُنْذِر فِي الْيَمَنِ الْكَبِير, وَابْنُ حَبِيبٍ فِي الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ, وَالدّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابِ النّسَبِ, وَالْأَمِير نَصْرٍ فِي الْأَسْمَاء وَالْكُنَى وَالْأَنْسَاب, « وَالزّغْبَاءِ » اِسْم جَبَلٍ لِجُهَيْنَة, هُنَالِكَ فِي أَرْض الْقَبْلِيْةِ, وَعَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاء الْأَنْصَارِيّ الْبُذَيْليّ الْجُهَنِيّ, حَلِيفِ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ, مِنْ جُهَيْنَةَ الْأَنْصَار, وَهُوَ الرّاجِزُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ, وَالْقَائِلِ :
    أَقِمْ لَهَا صُدُورَهَا يَا بَسْبَسُ ... أَلَيْسَ بِذِي الطّلْحِ لَهَا مُعَرَّسُ
    وَلَا بِصَحْرَاءِ غُمَيْرٍ مَحْبَسُ ... إنّ مَطَايَا الْقَوْمِ لَا تُحَبسُ
    فَحَمَلَهَا عَلَى الطّرِيقِ أَكْيَسُ ... قَدْ نَصَرَ اللّهُ وَفَرَّ الْأَخْنَسُ

    وَأَلْفَيْتُ فِي كِتَابِ ابْنُ حَبِيبٍ النَّسَّابَة الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ, قَوْلَهُ : وَفِي جُهَيْنَةَ مُرّ بْنِ كَاهِلِ بْنِ نَصْرٍ بْنِ مَلَكِ بْنِ غَطَفَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ, وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ عَنْهُ الْوَزِير الْمَغْرِبِيُّ فِي الإِْينَاس بِعِلْم الْأَنْسَاب, وَمَوْضِع « مُرٌ » أَوْ « ذَا مُرٍّ » إنّمَا سُمّيَ بِذَلِكَ نِسْبَةٍ إلَى مُرٌّ هَذَا, الْبَطْن الْجُهَنِيّ, وَأَرَى أَنّ الِاسْمَ قَدْ تَصَحَّفَ عَلَى ابْنُ حَبِيب وَالْأَمِيرُ أَبِي نَصْرٍ, وَإِنّمَا هُوَ مُرّةَ بْنِ كَاهِلِ بْنِ نَصْرٍ, كَذَا نَسَبَهُ أَبُو الْمُنْذِر فِي الْيَمَنِ الْكَبِير, وَلَمْ يَذْكُرْ مُرٌّ هَذَا فِي سِلْسِلَة النّسَبَ الْجُهَنِيّ, وَأَمّا ابْنُ حَبِيب فَتِلْمِيذٌ لِلْكَلْبِيِّ, وَلِهَذَا نَجِدْ السَّمْعَانِيّ نَسَبَ مُرُّ هَذَا فِي رَسْم المُرِيََّ, مِمّا يَدُلّك عَلَى أَنّ الِاسْمَيْنِ كِلَاهُمَا وَاحِد .
    وَقَالَ الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمَة مَا اُسْتُعْجِمَ مِنْ أَسْمَاءِ الْبُلْدَان:
    رَشَاد : بِفَتْح أَوَّله, وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَة, مَوْضِعٌ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْره فِي رَسْم الأشعر, وَسَيَأْتِي فِي رَسْم ضرية, ثُمَّ َقَالَ بَعْد أَنْ ذَكَرَ رَشَادٍ السَّابِق, وَرَشَد : بِفَتْح أَوَّله وَثَانِيه، وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَة : مَاءٌ لِجُهَيْنَةَ .

    وَأَقُولُ: هَكَذَا وَقَعَ التَّفْرِيق بَيْن الْمَوْضِعَيْنِ عِنْدَ الْبَكْرِيُّ, وَقَدْ غَفَلَ وَوَهِمَ الْبَكْرِيّ إِذْ فَرِّقَ بَيْنَهُمَا, وَإِلَّا فَلَا فَرْق بَيْنهمَا, لأَنَّهُمَا إِسْمَيْن لِمَوْضِعٍ وَاحِد, وَأَمّا وَادِي الرّشَاد الّذِي ذَكَرَهُ بِرَسْمِ ضَرِيّةَ, فَلَيْسَ هُوَ بِرَشَادٍ الْوَادِي الَّذِي مِنْ بِلَادِ جُهَيْنَةَ, وَإِنّمَا اِتَّفَقَ تَشَابَهَ الاِسْمَيْنِ, فَلِذَلِكَ خَلَطَ بَيْنَهُمَا, وَإِلّا فَأَيْنَ حِمَى ضَرِيّةَ مِنْ وَادِي الْحَمْضِ ؟, وَنُقِلَت مِنْ تَارِيخ السَّمَهُودِيُّ الْكَبِير : رَشَاد : مِن أَوْدِيَةِ الأَجْرَد, وكَانَ اسْمُه غَوَى, وهو لِبَنِي عَنان [غَيّانَ] مِنْ جُهَينَةَ, فسَمَّاه النبيُّ صلَّى الله عليْه وسلّم رَشَاداً, وقَالَ لَهُمْ : أنْتُمْ بنو رَشْدَانَ .

    قَالَ الْمَروَنِيّ : عَنَان بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة ثُمَّ نُون, كَذَا وَجَدْته مُقَيّدًا فِي نُسَخِ الْوَفَا لِلسَّمَهُودِيُّ, وَهُوَ تَصْحِيفٌ ظَاهِر, وَجَدَتْهُ فِي أَكْثَرِ نُسَخ اَلْكِتَاب, بِاسْتِثْنَاءِ نُسْخَةَ الشَّيْخ الأُْصُولِيِّ النَّافِع وَالْمُحْدَثُ الْبَارِع اِبْنُ الْأَمِين الْجَكَنِيُّ, فَقَدْ ضَبَطَهَا بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ, َبعْدَهَا يَاءٌ تَحْتَانِيَّةٌ مُثَنَّاة, وَتِلْكَ النُّسْخَةِ تَقْرُب لِلْأَصْلِ

    وَفِي كِتَاب أَبُو عَبْدِ اللّهِ يَاقُوت: فَيْفَاءَ : بِالْفَتْحِ وَتَكْرِير الْفَاءِ, الْفَيْفُ : الْمَفَازَة الَّتِي لَا مَاء فِيهَا مِنْ الِاسْتِوَاء وَالسَّعَة, فَإِذَا أُنِّثَ فَهِيَ الْفَيْفَاءِ, وَجَمْعُهَا الفَيافِيَ, قَالَ المُؤَرِّجُ الفَيْفُ مِنْ الْأَرْضِ مُخْتَلَفُ الرِّياحِ ورجَّحَه شَمِرٌ وأَقرَّه, وَقِيلَ: الْفَيْفَاءِ الصّحْرَاء الْمَلْسَاء, وَقَدْ أُضِيفَ إلَى عِدَّة مَوَاضِع, وفَيْفَاءُ رَشَادٍ : مَوْضِعٍ آخَرَ, قَالَ كُثَيِّرٌ :
    وَقَد عَلمَتْ تِلكَ المَطِيَّةُ أَنَّكُمْ *** مَتَى تََسْلُكُوا فََيْفَا رَشَادٍ تَحَرَّدُوا

    قُلْت : وَكَذَا حَكَاهُ الْفَيْرُوزُ آبَادِي, وَمُرْتَضَى الزَّبِيدِيّ بِالتَّاجِ, وَفِي تَهْذِيب اللّغَةِ: الْفَيْف: الْمَفَازَة الّتِي لَا مَاءَ فِيهَا, مَعَ الِاسْتِوَاء وَالسَّعَةِ, وَإِذَا أَنَّثْتَ فَهِيَ الْفَيْفَاءِ, وَجَمْعُهَا : الفَيافِيَ, وَجَمْعُ الْفَيْف : فُيُوفُ وَأَفْياف, وَقَالَ أَبُو عَمْروٍ : كُلّ طَرِيقٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَيْفٌ, وَأَنْشَدَ : مَهِيلُ أَفْيافٍ لَهَا فُيُوفُ, وَأَصْلُ الْفَيْفُ الْفَيْفَا بِالْقَصْرِ, وَالْفَيْفَاءُ بِالْمَدّ كُلّ أَرْضٍ وَاسِعَةٌ, قَالَهُ الْبَكْرِيّ, وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ : المفَازةُ والفَلاةُ إذَا كَانَ بَيْنَ الماءَيْنِ رِيْع مِنْ وِرْدِ الإبل وغِبٌّ مِنْ وِرْدِ سائرِ الْمَاشِيَةِ فَهِيَ الفَيْفَاةُ, وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ : الْفَيْفُ وَالْفَيْفَاءُ: الْمَفَازَة

    وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيّ : سُمّيَتْ الصّحْرَاء مَفَازَةً؛ لِأَنّ مَنْ خَرَجَ مِنْهَا وَقَطَعَهَا فَازَ, وَرَوَى الزَّبِيدِيّ بِتَاجِ الْعَرُوس : الفَيْفُ المَكانُ المُسْتَوِي نَقَلَهُ الجوهريُّ, أَوْ هِيَ المَفازَةُ الّتِي لاَ مَاءَ فِيهَا, مَعَ الاسْتِواءِ والسَّعَةِ قالَهُ اللَّيْثُ, قَالَ ابْنُ الغنَيْم : وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيث : « يَصُبُّ عَلَيْكُمْ الشّرّ حَتّى يَبْلُغَ الفَيافِي », وفُيُوفُ جُهَيْنَةَ كَثِيرَةٌ, سَنَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي مَظَانِّهَا

    وَفِي كِتَاب جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لَابْنِ الْحَائِكِ قَال:
    وَادِي رَشَد : وَكَذَلِكَ أَحَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي غَيّان, فَقَالَ : بَنُو رَشْدَان, وَجَاءَ فِي كِتَاب مُعْجَمِ مَعَالِمِ الْحِجَاز للْبِلَادِيُّ: رَشَاد : ضِدُّ الضَّلَال, وَادٍ يَسِيلُ مِنْ جَبَلِ الْأَجْرَدِ شَرْقًا فِي وَادِي الْحَمْضِ « إضَمٍ », يَقَعُ جَنُوب المُلَيْلِيح, فِيهِ مَزَارِعٌ عَثَرِيَّه, انْتَهَى, وَقَالَ الْعَبَّاسِيّ فِي عُمْدَةَ الْأَخْبَار مِنْ مَدِينَةِ الْمُخْتَار: رَشَادْ : مِنْ أَوْدِيَةِ الْأَجْرَد, سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَشَادٍ, وَكَانَ إِسْمهُ غَوَى, إِنْتَهَى .

    وَقَالَ الْحَافِظُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَنْسَاب: وَأَمّا غَيَّان : بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ, فَهُوَ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ الْكَلْبِيَّ فِي « الأَْلْقَابِ » قَالَ : إنّمَا سُمّوا بَنِي غَيَّان بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ بْنِ زَيْد بَنِي رشدان, لِأَنّهُمْ قَدِمُوا عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم, فَقَال : « مَنْ أَنْتُمْ ؟ », فَقَالُوا : نَحْنُ بَنُو غَيَّانَ, فَقَالَ : « أَنْتُمْ بَنُو رشدان », فَغَلَبَ عَلَيْهِمْ, وَكَانَ وَادِيهِمْ يُسَمّى غوياً, فَسُمّيَ رشداً, حَدّثَنَا الْقَاضِي حُسَيْن بْن إِسْمَاعِيل, حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْن شَبِيب, حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي أُوَيْس, حَدّثَنِي أَبِي, حَدّثَنَا وَهْبٍ بْن عَمْرِو بْن سَعْد بْن وَهْب الْجُهَنِيّ : أَنّ أَبَاهُ أَخْبَرَه, عَنْ جَدّهِ : أَنّهُ كَانَ يُدْعَى فِي الْجَاهِلِيّةِ غَيَّان, وَكَانَ أَهْلهُ حِينَ أَتَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ, يُبَايِعهُ بِبَلَدٍ مِنْ بِلَادِ جُهَيْنَةَ, يُقَالُ لَهَا : غَوْا, فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم : عَنْ إِسْمه ؟, وَأَيْنَ تَرَكَ أَهْله ؟, فَقَال : إِسْمِي غَيَّانَ, وَتَرَكْت أَهْلِي بِغَوا, فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم : « بَلْ أَنْتَ رشدان, وَأَهْلِك برشادٍ », قَالَ : فَتِلْكَ الْبَلْدَةِ إلَى الْيَوْمِ تُدْعَى برشاد, وَيُدْعَى الرّجُل رشدان .

    وَقَدْ أَلْفَيْت فِيمَا نُقِلَ السَّمَهُودِيُّ مِنْ كِتَابِ « الْعَقِيقِ », لِأَبِي عَلِيّ الْهَجَرِيُّ مَا هَذَا نَصّهُ: ويَلِيْ مَبْكَثةَ رَشَادٌ : وَهوَ يَصُبُّ في إِضَمٍ, وكَانَ اسْمُه غَوَى فِيمَا تَزْعُمَ جُهَيْنَة, فسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَشَاداً, وَهوَ لِبَنِي دِينارٍ إِخْوَةُ الرَّبَعَة .

    جَعْنَا إِلَى ذِكْرِ مِلْحَة « الْمُليْلِيح »
    وَالْمُليْلِيح : قَرْيَةٌ عَامِرَةٌ بِطَرَفِ وَادِي الْحَمْضِ مِنْ الْغَرْبِ, فِي مِنْطَقَةٌ زِرَاعِيَّةٌ تَمْتَدُّ قَرَابَةَ عِشْرِينَ كَيْلًا مِنْ وَادِي بُوَاط : مَصَبِّهِ جَنُوباً إلَى حَرَّةَ مُدرَّجة شَمَالًا بِعَرْض يَقْرُبُ مِنْ خَمْسَةِ أَكْيَالٍ, أَرْضُهَا طِينِيَّةٌ صَفْرَاء يَكْسُوهَا نَبَاتِ الرِمْث : نَوْعٌ مِنْ الْحَمْضِ

    وَفِي الْمِنْطَقَةِ مَزَارِعٌ, قَالَ لِي أَحَدِهِم : أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى مِائَةِ بِئْرٌ زِرَاعِيَّة, وَمِيَاهُهَا غَزِيرَةٍ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ, وَهِيَ لَيْسَتْ مُستَصلَحَه كُلِّيَّةٍ فالمَساحة الصّالِحَةُ لِلزِّرَاعَةِ تَتَّسِعُ لأِضْعَافِ الْمَوْجُودِ الآْنَ, وتُجاورَ الْمُليْلِيح مِنْ الْجَنُوبِ قَرْيَةَ العُصَيليب: قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ فِيهَا حَرَكَة بِنَاء وَمَزَارِعٌ حَدِيثَةِ, وَيَزْرَعَ فِي الْمِنْطَقَةِ: الْعِنَبِ, وَالرُّمَّانِ, وَالْخَضْرَوَاتِ, وَاللَّيْمُونِ, إلَى جَانِبِ النَّخْل الَّذِي هُوَ الزِّرَاعَةُ الرَّئِيسِيَّة

    وَصِفَة الْأَرْضِ مِنْ الْمُليْلِيح : شَمَالاً جِبَال اللُّقّ : جِبَالٌ تَظْهَرُ بَعِيدَةً حَوَالَيْ 25 كِيْلاً, دُونَهَا حَرَّةِ مُدرَّجة, تَمْتَدُّ مِنْ الشَّرْقِ إلَى الْغَرْبِ تَحْرِفَ وَادِي الْحَمْضِ « إضَمٍ » إلَى الْغَرْبِ, دُونَهَا هَذِهِ الْمِنْطَقَةِ الزِّرَاعِيَّةِ مِنْ الْوَادِي, وَيُسَمَّى هَذَا الْجِزْعِ مِنْ وَادِي إضَمٍ الْمُنْدَسَّةُ

    وَفِي الْجَنُوبِ جِبَالُ بُوَاطَ مِنْ الْغَرْبِ إلَى الشَّرْقِ, وَفِي رَأْسِهِ ثَنِيَّةُ بُوَاطٍ الَّتِي سَلَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الْعُشَيْرَةِ فِي يَنْبُعَ, وَتَظْهَرُ بَعِيدًا شُعُوفِ جِبَالٌ شَخَانِيبٌ بَيْنَهَا فَجَوَاتٍ عَمِيقَةٌ, وَهِيَ أَطْرَافِ جِبَالِ الْأَشْعَرِ, حَيْثُ تَسِيلُ الحَوْرَتان « حَوْرَةَ, وَحُوَيرة »

    أَمَّا فِي الشَّرْقِ فَتَرَى الْهَضْبَةُ الْبَيْضَاءِ, وَهِيَ أَبْرَز عَلَمٌ هُنَا بَعْدَ الْأَجْرَدِ, شَمَالَهَا جَبَلِ شَوْفان : جَبَلٌ أَسْمَرُ, ثُمَّ وَادِي أَلَتْمَة فِي آخِرِ الشَّمَالِ الشَّرْقِيِّ, تَمُرُّ دُونَ ذَلِكَ الطَّرِيقِ الَّتِي أَتَيْتَ عَلَيْهَا, ثُمَّ تَعْدِل هَذِهِ الطَّرِيقُ فَتَأْخُذ أَلَتْمَة إلَى اللِّحِن ثُمَّ الصُّلْصُلَة, وَقَدْ صَارَ هُوَ طَرِيقُ الشَّامِ الْآنَ

    وَفِي الْغَرْبِ تَظْهَر نُعُوفُ جِبَال الأَْجْرَد مِنْ جِهَتِهِ الْجَنُوبِيَّةَ الشَّرْقِيَّةَ, عِنْدَمَا يَتَّصِلُ بِبُوَاطٍ مِنْ أَعْلَاهُ, دُونَهُ سّلَاسِلَ جَبَلِيَّةٌ غَيْرَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ, تَصِلُ سُفُوحِهَا إلَى قَرْيَةِ الْمُليْلِيح, وَالْمَسَافَةُ مِنْ الْمُليْلِيح إلَى الْمَدِينَةِ 68 كَيْلًا, وَسُكَّانُهُ جُهَيْنَةُ, انْتَهَى, قَالَ ابْنُ غُنَيْم : وَهَذَا الْوَصْفُ كُلُّهُ قَرَأْتَهُ وَنَقَلْتُهُ مِنْ كِتَاب طَرِيقِ الْهِجْرَةِ .

    قَالَ الْمُؤَلِفُ ابْنِ الغُنَيْم الْمَرِوْاتِيّ :
    الْمُليْلِيح أَرْضٌ تَقَعُ غَرْبَ الْمَدِيَنَةِ النَّبَوِيّة شَرَّفَهَا اللّهُ تَعَالى, فِيمَا بَيْنَ بُوَاطٌ وَالْعَيْن وَتَيْدَدُ, وَأَرْضُهَا رَمْلِيّةٌ سَهْلَةٌ, وَهِيَ شَمَالَ غَرْبِيِّ وَادِي الْحَمْض « إضَمَ », وَبِهَا عُمْرَانُ, وَهِيَ ذَاتُ بَسَاتِينَ وَمَزَارِعُ النَّخِيلِ بِهَا كَثِيرَةٌ خَضِرَةٍ نَضِرَه, وَسُكَّانِهَا جُهَيْنَةُ, يَطِلُ عَلَيْهَا مِنْ الشَّمَالِ سِلْسِلَةُ طَبَقَاتٍ جَبَلِيَّةٌ عَالِيَةً, بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ, أَعْلَاهَا جِبَالُ الأَْجْرَدِ, وَدُون تِلْكَ الْجِبَالِ أَرْضٌ فَيْفَاء يَكْثُرُ فِيهَا نَبَات الرِمْثُ وَأَشْجارِ السّمَرِ, وَيُحَاذِيَهَا مِنْ الْجَنُوبِ وَالشَّرْقِ سِلْسِلَةٌ مِنْ الْجِبَالِ أعُلاها إِرْتِفَاعاً جِبَالِ الْبَيْضَاءِ, وتلاصق المليليح فِي الْجِهَة الشَّرْقِيَّةِ لَهُ قَرْيَةَ عُصَيليب, وَالْعُمْرَان بَيْنَهُمَا مُتَّصِلاً, وَالْمَسَافَةُ الْفَاصِلَةُ لَا تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَكْيَالٍ فَقَطْ,

    وَمِنْ مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ يَأْتِيكَ بُوَاط, وَكُلُّ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ تَقَعُ شَمَالَ غَرْبَ مَفِيضِ وَادِي الْحَمْضِ « إضَمْ قَدِيماً », وَهَذَا الْوَادِي سُمِّيَ بِوَادِي الحَمْض نِسْبَةٌ إلَى نَبَاتَات وَأَشْجَارِ الحَمْض الَّتِي تَنْمُوَ فِيهِ وَحَوْلَهُ بِكَثْرَةٍ, وَهُوَ وَادٍ فَحْلٌ لِجُهَيْنَةَ, مِنْ أَطْوَل أَوْدِيَةِ الْحِجَازِ, بَلْ هُوَ أَطْوَل أَوْدِيَةِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَشْهَرُهَا عَلَى الإِْطْلاَقِ, وَتَرْفِدُهُ أَوَدِيَةٌ عِظَامٌ قَبْلَ أَنْ يَسِيلُ فِي الْبَحْر الْأَحْمَرِ, غَرْبَ قَرْيَةَ الْمَنْجُور : وَهِيَ أَرْضٌ لِبَلِيٍّ, يَنْزِلُ بِهَا أَمِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ ابْنُ رِفَاْدَه, أَطَال اللَّهُ بَقَاءَه

    وَجَاءَ فِي مَوْسُوعَةِ أَسْمَاءِ الْأَمَاكِنَ فِي الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ مِنْ الْمُجَلَّدِ السَّادِسِ : يَبْدَاء [يَبْدَأُ] وَادِي الحَمْض مِنْ قُرْبِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ, عَبْرَ رَوَافِدَ تَنْحَدِرُ مِنْ الْجِبَالِ الْمُحِيطَةُ بِهَا, يَتَّجِهُ بَعْدَ ذَلِك نَحْوَ الشَّمَالِ الْغَرْبِيِّ لَيَنْتَهِيَ فِي الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ جَنُوبَ مَدِينَةِ الْوَجْهِ, وَيُعَدُّ مِنَ أَطْوَلَ الْأَوْدِيَةِ فِي الْمَمْلَكَةِ
    [/align]

  5. #5

    افتراضي

    [align=right]
    قَالَ بْن غُنَيْم الْمَرواتِيّ :
    وَادِيَ الْحَمْضِ يَزِيدُ طُولِه عَلَى أَرْبَعمِائَةِ وَخَمْسُونَ كَيْلاً, وَمِنْ أَكْبَرُ الْأَوْدِيَةِ الَّتِي تَرْفِدهُ, وَادِي الْجَزْلِ وَيَسِيلُ مِنْ حَرَّةِ الرَّحَا, وَيُدْفَعُ بِهِ قُرْبِ ذُو الْمَرْوَةِ, وَهِيَ مَرْوَةَ الْمَرَاوِين, وَحَاضِرَتِهِمْ مُنْذُ مِئَات الْقُرُونِ, وَهُوَ وَادٍ عَظِيمٌ يُعْرَفُ سَيْلُهُ بِوَادِي الْجَزْلِ, وََفِي عَام 1406 مِنْ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ, انْحَدَرَ مِنْ هَذَا الْوَادِي سَيْلٌ عَرِمٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ, فَذَهَبَ بِخَلْقٍ كَثِير مِنَ النَّاس, فَكَانُوا يُؤَرِّخُونَ مِنْ سَنَةِ مَقْدَمِهِ, وَذَلِكَ لاِسْتِفَاضة شُهْرَتِهِ, وَلَهُ ذِكْرٌ فِي أَشْعَار بَادِيَةِ جُهَيْنَةَ وَبَلِيّ


    وَمِنْ رَوَافِدِ الْحَمْضِ وَادِي خَيْبَرَ, وَمَصَبِّهِ مِنْ أَعَالِي حَرَّةُ لَيْلَى, وَوَادِي الشُّعْبَةِ ومسِيلُهُ مِنْ شِمَالِ قَرْيَة الدَفِيْنَةِ, وَمِنْ رَوَافِدِهِ وَادِي الْعِيْص وَمُبْتَدَأَهُ مِنْ جَبَلِ الثَّبْرَةُ, وَوَادِي الحَمْض أَوْ إضَمٍ وَرَدَ ذِكْرُهُ كَثِيرًا فِي كِتَاب التَّعْلِيقَاتُ وَالنَّوَادِر لِلْنّسّابَةُ الْجُغْرَافِيّ اللُّغَوِيّ أَبُو عَلِيّ زَكَرِيّا بْن هَارُون الْهَجَرِيُّ, وَمِمّا جَاءَ فِيه, قَال الهَجَرِيُّ : سُمَّي إِضَم لإيضَامِ السُّيُولِ بِهِ وَاجْتِمَاعَهَا فِيهِ, وَبِإضَمٍ أَمْوَالٌ رِغَاب عَلَى عُيُون, مِنْ أَمْوَالِ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ, مِنْهَا : عَيْنُ مَرْوَانِ, وَالْيُسْرُ, وَالْغَوْرُ, وَالشَّبَكَةِ وَتُعْرَفُ بِالشَّبكِيَّة, وَيُقَالُ: أَنَّ رَجُلَيْنِ دُهْمَانِيَيْنِ كَانَا بِبَطْنِ إضَمٍ, ثُمَّ قَحَطَ الزَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَاخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ, وَأَوَّلَ إِضَم مُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ, وَإِيَّاهُ عَنِيَّ الْأَحْوَص الْأَنْصَارِيّ :
    يَا مُوْقِدَ النَّار بِالعَلْيَاءِ مِنْ إِضَمِ .... أوْقِدَ فَقَدْ هِجْتَ شَوْقاً غَيْرَ مُنْصَرِمِ
    يَا مُوْقِدَ النَّارِ أَوْقِدَهَا فإنَّ لَهَا ....... سَناً يَهِيجُ فُؤَادَ العَاشِقُِ السَّدِمِِ

    وَإِضَمٍ أَيْضا مَاءٌ بِالحَلَّة, شَمَالِيَّ النِبَاحِ, وَلَيْسَ بِاضَمِ الحِجَاز, وَالحَلَّتَانِ : حَلَّةُ النِبَّاج, وَحَلَّةُ السْرِّ, وَأَنْشَدَ أَبِي طَلْحَةَ الْبَاهِلِيّ :
    تَرَبَّعَتْ مَا بَيْنَ أَقْطَارِ إِضَمِ .... فَالقُفَّ قُفَّ الحَلَّتَيْنَ ذِي الثُّلَمِ

    وَقَالَ الْمُؤَرِّخَ الْقُطْبِيُّ فِي كِتَابِهِ « الْفَوَائِدِ السُّنِّيَّة فِي الرِحْلَةَ الْمَدَنِيَّةِ وَالرُّومِيَّة » :
    مَا أَوْمَضَ الْبَرْقُ لِمََّاعاً عَلَى إضَمِ .... إلَّا تَذَكَّرَتُ أَحْبَابِيِّ بِذِي سَلَمِ

    وَوَرَدَ فِي كِتَاب « إِفْتِرَاقُ الْعَرَبِ » لِأَبِي النّضْرُ هِشَامِ بْنِ مُحَمّدِ الْكَلْبِيُّ النَّسَّابَةُ قَوْلُه : إضَمٌ : هُوَ وَادٍ عَظِيمٌ، تَدْفَعُ فِيهِ أَوْدِيَةٌ، وَيَفْرُغَ فِي الْبَحْر, وَقَالَ النّسّابَةِ أَبِي الْفَتْح نَصْرٍ فِي كِتَابِهِ الْأَمْكِنَةِ وَالْمِيَاهِ وَالْجِبَالِ وَالْآثَار : إِضَمٍ : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتحِ الضَّادِ المُعْجَمةِ وَتَخفيفِ الْمِيْم, بِتِهَامَةَ مِنْ أَرْضِ جُهَيْنَةَ, جَبَلٌ أوْ وَادٍ, وَجَبَلٌ أَيْضاً بَيْنَ الْيَمَامَةِ وَضَريَّةَ, وَقَالَ شَيْخنَا حَمْدَ الجَاسِر فِي حَاشِيَةِ لِلْكِتَابِ : قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ : إضَمٍ وَادٍ يَشُقُّ الْحِجَاز حَتَّى يَفْرُغُ فِي الْبَحْرِ، وَأَعْلَى إضَمٍ الْقَنَاةُ الّتِي تَمُرُّ دُوَيْنَ الْمَدِينَةِ، وَقِيلَ إضَمٍ وَادٍ لِأَشْجَعُ وَجُهَيْنَةَ

    قَالَ الْمُؤَلَّفُ الْمَرْواتِيَّ :
    وَمِنْ فَضَائِلِ وَادِيَ الْحَمْضِ « إِضَمَ » أَنَّ مِنْبَرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ أَشْجَار هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ, فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ فِي الصَّحِيح مِنْ حَدِيثِ أَبُو حَازِمٍ : أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْسَلَ إلَى فُلَانَةَ إِمْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ, « مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إذا كَلَّمْتُ النّاس », فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ, وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ, قَالَ اِبْنُ الغُنَيْم : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّرْفَاء وَالْأَثْل, فَكِلاَهُمَا شَجَرٌ مِنْ فَصِيلَْةِ الْحَمْضِ, وَالْغَابَةُ هِيَ مَوْضِعٌ مِنْ بَطْنِ وَادِيَ الْحَمْض, وَتُسَمَّى الْيَوْم الخِليْل, وَبِهَذَا الْوَادِي الْجُهَنِيّ وَأَعْنِي بِهِ وَادِ الْحَمْض, كَانَتْ تَرْعَى لِقَاحٌ لِنَبِيِّنَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ, وَأَخْرَجَ الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده بِحَدِيث صَحِيح مِنْ حَدِيثِ أُمّ سَلَمَةٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : « قَوَائِمَ مِنْبَرِي هَذَا رَوَاتِبُ في الْجَنَّةِ », وَفِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ : « مِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي », وَقَال الْحَافِظُ اِبْنُ النَّجَّار فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْحَدِيث : وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْمَعْنَى هَذَا الْمِنْبَرَ بِعَيْنِهِ يُعِيدُهُ الله عَلَى حَالِهِ, فَيَنْصِبُهُ عِنْدَ حَوْضِهِ, كَمَا تَعُودَ الْخَلاَئِقِ أَجْمَعُون

    قُلْت : وَبِسَيْلُ إضَمٍ كَانَ هَلاَكُ مَنْ بَقِيَ مِنْ جُرْهُمٍ الآْخِرَة, وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولَ جُهَيْنَةَ وَبَلِيُّ الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ, وَكَانَ ذَلِكَ قَبْل مِيلَاد الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلاَمُ, كَمَا يُفْهَمُ مِنْ رِوَايَة الطَّبَرِيّ, وَإِنْ كَانَ شَيْخُنَا النَّسَّابَةُ الْمُؤَرِخُ اللُّغَوِيُّ النَّحْوِيِّ الأَدِيْبُ عَبْدِ اللّهِ سَلاَمَةَ الْجُهَنِيّ الْمَرْوَنِيَّ رَحِمَهُ الله قَدْ ذَهَبَ إِلَى خِلَاف قَوْلنَا هَذَا فِي كِتَابِهِ « عِلْمُ الأَْنْسَابِ » نُسْخَةِ الأَْصْفَهَانِيُّ سَنَةَ 1379 لِلْهِجْرَةِ الْمُبَارَكَةِ, إذْ يَقُول : جُهَيْنَةُ من بُطُونِ قُضَاعَةَ, كَانَتْ دِيَارِهَا بِنَجْدٍ, ثُمّ هَاجَرَتْ إلَى الْحِجَازِ, فَسَكَنَتْ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ يَثْرِبَ, فِي الْمِنْطَقَةِ الّتِي بَيْنَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ وَوَادِي الْقُرَى, عِنْدَ ظُهُورِ الإِْسْلاَمِ, وَقَدْ دَخَلَتْ فِي الإِْسْلاَمِ فِي حَيَاةِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ, وَلَمْ تَشْتَرِك مَعَ مَنْ اشْتَرَكَ فِي حُرُوبِ الرِّدَّةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ, انْتَهَى, وَيَظْهَر أَنّ قَوْلَهُ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى نَقْلٌ مِنْ كِتَابِ الْعَرَبُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ, وَهُوَ عِنْدَنَا خَطَأٌ شَائِعٌ مَرْدُود, وَالصّوَابُ مَا فِي كِتَابِنَا هَذَا, مِنْ أَنَّ سُكْنَى جُهَيْنَةَ وَإِخْوَتهمْ لِلحِجَازِ قَدِيمُ الْعَهْد, فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى جَمْهَرَةِ أَبُو الْمُنْذِرِ الْكَلْبِيَّ, فَقَال : وَوَجَدْنَا فِي كُتُبِ بَطْلَيْمُوسَ، وَفِي كُتُبِ الْعَجَمِ الْقَدِيمَةِ، ذِكْرُ الْقُضَاعيّينَ وَنَبَذَهٌ مِنْ أَخْبَارِهِمْ وَحُرُوبِهِمْ, فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَهُمْ أَوَائِلَ قُضَاعَةُ هَذِهِ وَأَسْلَافِهِمْ، أَمْ هُمْ غَيْرَهُمْ ؟

    قََالَ إِبْنُ الْغُنَيْم الجُهَنِيَّ :
    لاَ شَكَّ أَنَّ قُضَاعَةَ الَّتِي وُجَدَ أَخْبَارُهَا الإِْمَامُ ابْنُ حَزْمٍ عِنْدَ بَطْلَيْمُوسَ هِيَ أُمَةُ قُضَاعَةَ الْعَظِيمَةِ وَالَّتِي مِنْ أَشْهَرِهَا جُهَيْنَةَ وَبَلِيّ وَغَيْرِهِمَا, وَأَمّا كِتَابُ الْجُغْرَافِيَا لِبَطْلَيْمُوسِ فَإِنّي تَطَلَّبْتهُ كَثِيرا وَلَمْ أَظْفَرْ بِهِ مَعَ شِدَّةِ تَطْلُبِي لَهُ, وَقَدْ نَظَرْتُ فِي مُخْتَصَر كِتَاب « الْمَجِسْطِي », لِِلْقَلْوَذِيَّ الْفَلَكِيّ الْيُونَانِيُّ الَّذِي إِخْتَصَرَهُ إِبْنُ سِينَا فَلَمْ أَجِدْهُ يَذْكُر شَيْئًا مِنْ أَخْبَارِ قُضَاعَةَ, وَإِنْ كَانَ اِبْنُ سِينَا لَمْ يَخْتَصِر مِنْهُ إِلاَّ مَقَالَات الطِّبِّ, وَفَتَّشْت فِي كِتَاب الْحَسَنُ بْن الْهَيْثَمِ الْمُسَمَّى « الشُّكُوكُ عَلَى بَطْلَيْمُوس » وَاَلَّذِي تَنَاوُلَ فِيه إِبْنُ الْهَيْثَمِ بِالنَّقْد ثَلاَثَة مُؤَلَّفَاتٍ لِبَطْلَيْمُوسُِ, وَهِيَ : الْمَجِسْطِي, وَالاِقْتِصَاصُ, وَالْمُنَاظِر, وَلَمْ أَجِدْ فِيهَا أَيُ شَيْءٍ أَيْضا,

    ثُمَّ وَقَعْتُ عَلَى كِتَابِ « بِلَادِ الْعَرَبِ الْحَجَرِيَّةُ », لِمُوسِيْل, نُسْخَة مِصْرَ, لِعَام 1373 لِلْهِجْرَةِ, وَوجَدْنَاهُ قَدْ ذَكَرَ الْحِجَاز وَسُكَّانُهَا الأَْقْدَمُونَ, وَأَشَارَ إِلَى قُضَاعَةَ بِدُونِ تَصْرِيح مِنْهُ بِذَلِكَ, وَهُوَ يَنْقُل عَنْ كُتُبِ بَطْلَيْمُوس وَزّبُورِ الْعَهْدُ الْقَدِيمِ, وَوثَائِقِ الآْشُورِيِّينَ وَالْبَابِلِيُّون وَالرُّومَانِ وَالْيُونَانِ وَغَيْرِهِم, وَلَهُ اِطِّلَاع وَاسِعٌ عَلى تَوَارِيخِ أُمَمِ الْعَجَم, يَقُول مُوسِيْل بِكِتَابَةِ : يَذْكُرُ بَطْلَيْمُوس فِي جُغْرَافِيتِه عَدَدًا كَثِيراً جِدّا, مِنَ الْمُدُنِ وَالْقُرَى الَّتِي تَقَعُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ بِلاَدِ الْعَرَبِ السَّعِيدَةِ, الْمَعْرُوفِ الآْنَ بِاسْم الْحِجَاز, وَوَاضِحٌ مِن الصِّفَاتِ الْخَاصَّةِ بِالإِْقْلِيم أَنَّ أَسْمَاء الْمُدُن وَالْقُرَى هَذِهِ لَمْ تَكُنْ تَدُل فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَْحْيَانِ, إلّا عَلَى أَهَمِّ الآْبَارِ وَالْعُيُونِ أَوْ مَضَارِبِ الْخِيَامِ, إِنتَهَى, وَنَقَلَ كَذَلِكَ عَنْ بَطْلَيْمُوس مَوَاضِعٌ عَدِيدَةٍ تُنْسَب إِِلَى مَنْ سَكَنَهَا : كَتَيْمَان تَيْمَاءَ, وَتَباوْا تَبُوكَ, وَمَكنا (makna) مَقْنا, وَِعِيصُو الْعِيص, وَهَذَا النَّصُّ الْأَخِير مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّة عَلَى أَنَّ رِوَايَة شَيْخِي وَوالِدِي أَبُو عَبْد اللَّه عَلَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهِ وَرِضْوَانهُ, هِيَ صَحِيحَةً نَافِذَةً, وَذَلِكَ حِينَ قَالَ لِي بِأَنَّ أَرْضُ العِيصِ تُنْسَبُ إِلَى العِيصِ مِنْ أَبْنَاءِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَام

    وَقَدْ أَوْرَدَ مُوسِيْل أَيْضاً نُصُوصٍ لِلْعَهْدِ الْقَدِيم, جَاءَ فِيهَا ذِكْرَ عِيْصُو, ثُمَّ قَال : فِي بَابِ أَخْبَارِ الْعَمَالِقَةِ : وَنَجِدُ فِي سَفَرُ التَّكْوِين أَنَّ سَرِيّةُ الْيفَازَ قَدْ وَلَدَتْ لَهُ الْعَمَالِقَة, وَلَكِنَّ الْيفَاز كَانَ ابْنُ عِيسُو [عِيصُو], وَعِيصُو هُوَ الإِبْنُ الأَْكْبَر لإِِبْرَاهِيم, عَلَى الرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ عَمَالِيقِ كَانَ يَعِيشُ فِي عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ [عَلَيْهِ السَّلاَمُ] فِي جَنُوب أَرْضِ الْمِيعَاد (!), وَلِهَذَا فَإِنَّهُ وَاضِحٌ أََنَّ النَّصَّ الَّذِي يَرِدُ فِي سَفَرُ التَّكْوِين لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُحَدِّدَ الأَْصْل الْحَقِيقِيّ للعَمَالِقَةِ, وَإِنَّمَا يَدُل عَلَى أَنَّهُمْ قَد اتَّصَلُوْا وَقْتاً مَا بِأَوْلاَد عِيصُو الَّذِينَ كَانُوا يُقِيمُونَ إِلَى جِوَارهمْ, وَأَنَّهُمْ قَدْ تَزَوَّجُوا مِنْهُم, انْتَهَى كَلَامُ الْمُسْتَشْرِقِ ..

    وَإِعْلَمْ أَنَّ جُهَيْنَةَ وَبَلِيُّ مِنْ أَقْدَمِ قَبَائِلِ الْعَرَب, وَأَنَّهُمْ أَوَّل مَنّ سَكَنُوا الْحِجَاز, وَقَدْ نَزَلُوا عَلَى قَوْمٌ مِنْ جُرْهُمٍ الْآخِرَةِ, وَلَيْسَتْ بِجُرْهُمٌ الْأُولَى الْبَائِدَةِ, وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ اِبْنُ النّجّارِ فِي كِتَابِهِ الدُّرَّةُ الثَّمِينَةِ مِنْ أَخْبَار الْمَدِينَةِ, قَالَ : أَنْبَأَنَا ذَاكِرَ بْن كَامِل قَالَ : كَتَبَ إلَيَّ أَبُو عَلِيّ الْحَدَّاد, أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ الْحَافِظ أَخْبَرَهُ إجَازَةً عَنْ أَبِي مُحَمّد الخلدي قَالَ : أَنْبَأَنَا مُحَمّد بْن عَبْدِ الرّحْمَنِ الْمَخْزُومِيَّ قَالَ : حَدّثَنَا الزّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ قَالَ : حَدّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن زُبَالَة, عَنْ إبْرَاهِيمَ بْن أَبِي يَحْيَى قَالَ : قَالُوا : وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ قُرَىٍ وَأَسْوَاق مِنْ يَهُودَ بَنِي إِسْرَائِيل, وَكَانَ قَدْ نَزَل عَلَيْهِمْ أَحْيَاءٌ مِنْ الْعَرَبِ, فَكَانُوا مَعَهُمْ وَابْتَنَوْا الآْطَامَ وَالْمَنَازِل « قَبْل نُزُول الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ, وَهُمْ بَنُو أُنَيْف حَيٌّ مِنْ بَلِيّ », انْتَهَى,

    وَقَدْ حَكَى اِبْنُ سَعِيد الْأَنْدَلُسِيّ بِكِتَاب نَشْوَة الطَّرَب فِي تَارِيخِ جَاهِلِيَّةِ الْعَرَبِ : قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : لَمَّا دَخَلَتْ قُضَاعَةَ بِالْفِتْنَةِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي عَمَّها التّبَابِعَةِ بِالْحِجَازِ, خَمَدَ ذِكْرُهُمْ فِي الْيَمَنِ وَجِهَاتِهِ, وإِشْتُهِرُوا بِالْحِجَازِ, وَنُسِبُوا إلَى مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ, فَقِيلَ قُضَاعَةَ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ, وَإِنَّمَا الْأَصَحُ وَالْأَشْهَر مَا قَالَهُ شَاعِرُهُمْ :
    نَحْنُ بَنُو الشَّيْخِ الهِجَانِ الأَزْهَرِ .... قُضَاعَةُ بْنُ مَالِك بْن حِمْيَرِ

    وَيَرْوِي ابْنُ زَبَالَة الْمَدَنِيّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 197 مِنَ الْهِجْرَةِ فِي كِتَابِهِ أَخْبَار الْمَدِينَة :
    وَكَانَ لِبَنِي أُنَيْفٍ بِقُبَاءَ : الْأَجَش, عِنْد الْبِئْر الَّتِي يُقَالُ لَهَا : لاوَة, وَأُطْمَان فِيمَا بَيْنَ الْمَال الَّتِي يُقَالُ لَهَا : الماثة, وَالْمَال الَّذِي يُقَال لَهُ : الْقَائِمُ, وَآطَامٌ عِنْد بِئْر عَذْق وَغَيْرِهَا, وَقَالَ شَاعِرُهُمْ :
    وَلَوْ نَطَقَتْ يَوْمًا قُبَاء لْخَبَرْت .... بِأَنَّا نَزَلْنَا قَبْلَ عَادٌ وَتُبّعُ
    وَآطَامِنَا عَادِيَةٌ مُشْمَخِرَّاتٍ ....... تَلُوحُ فَتُنكِي مِنْ يُعَادِي وَتَمْنَعُ
    وَكَانَ مِمَّنْ بَقِيَّ مِنَ الْيَهُود حِينَ نَزَل الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ عَلَيْهِمْ بَنُو القصيص وَبَنُو ناغصة مَعَ بَنِي أُنَيْفٍ, إِِنْتَهَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْإِخْبَارِيُّ ابْنُ زَبَالَةَ .

    وَمِمَّا جَاءَ فِي كِتَابِ جُهَيْنَةَ أَصْلِهَا وَتَفَرُّقِهَا فِي الْبِلاَدِ, لِلشَّيْخ حَمْد الْجَاسِر قَوْلُهُ :
    وَيَظْهَرُ أَنَّ صِلَةَ قَبِيلَةُ جُهَيْنَةَ بِالْمَدِينَةِ كَانَتْ عَرِيقَةً وَقَدِيمَةٍ، لأَِنَّ الْمُؤَرِّخِينَ ذَكَرُوا أَنَّ هُنَاكَ بَعْض الأُسَرِ [الْبُطُوْن] الْقَرِيبَةُ النَّسَب مِنْ جُهَيْنَةَ كَبَنِي أُنَيْفٍ المَنْسُوبِيْنَ إِلَى قَبِيلَةِ بَلِيّ، كَانُوا اسْتَوْطَنُوا الْمَدِينَةَ قَبْلَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ, ثُمَّ لَمَّا جَاءَ الإِْسْلاَمُ وَجَدْنَا فِي الْمَدِينَةِ جَالِيَةً كَبِيرَةٌ مِنَ جُهَيْنَةَ، حَدَّدَ مُؤَرِّخو الْمَدِينَةِ كَابْنِ زَبَالَة وَمِنْ بَعْدَهُ مَنَازِلَهُمْ

    وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ ابْنِ قُتَيْبَةَ الدّينَوَرِيَّ فِي كِتَابِهِ فَضْلِ الْعَرَب, وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ الزّينَةِ, وَالسَّنَد لِلدّينَوَرِيَّ, قَال : حَدّثَنِي أَبُو حَاتِم قَالَ : حَدّثَنِي الْأَصْمَعِيُّ قَال : أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاءِ قَال : تِسْعُ قَبَائِلٌ قَدِيمَةً : طَسْمٍ, وَجَدِيسٍ, وَجُهَيْنَةُ, وَضْجمُ, وَجَدِيسٍ, وَالْعَمَالِيق, وَقَحْطَانُ, وَجُرْهُمٍ, وَثَمُودَ, فَهَؤُلَاءِ قُدَمَاءِ الْعَرَبِ الّذِينَ فَتَقَ اللَّه أَلْسِنَتِهِمْ بِهَذَا اللِّسَان, وَكَانَت أَنْبِيَاؤُهُمْ عَرَباً : هُودٍ, وَصَالَحَ, وَشُعَيْبٍ

    وَأَلْفَيْتُ فِي كِتَاب مُحَمَّد بْن بلَيْهِد الْمُسَمَّى صَحِيحُ الْأَخْبَار عَمّا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ مِنْ الْآثَار, قَوْلَه :
    المَلْحاء : بِفَتْحِ أَوّلِهِ، وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة مَمْدُودٌ, مَوْضِعٍ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي رَسْمِ أُبْلَى، قَالَ الزّبَيْر : وَالمَلْحاء يَدْفَعُ فِيهَا وَادِي ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَنْشَدَ لِلْمُزَنِيِّ :
    إِنَّ بمَِدْفَعِ المَلْحَاءِ قَصْراً ........ قوَاعِدُهُ عَلَى شَرَفٍ مُقِيْمِ
    جَزَاكَ اللَّهُ ياعُمَرَ بْن حَفْصٍ ... عَنْ الْإِخْوَانِ جَنَّات النَّعِيمِ

    يَعْنِي قَصْرَ عُمَر بْن حَفْصٍ بْن عَاصِم بْن عُمَر بْن الْخَطّاب، وَكَانَ يَنْزِلُ المَلْحَاء,
    قَالَ الْمُؤَلّفُ [ابْنُ بُلَيْهِد] : المَلْحاء يُوجَدَ مَحَلٍ مَعْرُوفٌ بِحِجَازِ الْمَدِينَةَ, يُقَالُ لَهُ : الْمُليْلِيح : وَهُوَ وَادٍ غَزِيرُ الْمِيَاه, وَاحِد ضِفَّاته لِوَلَدِ مُحَمّد, وَالضَّفَّةِ الْأُخْرَى لِقَبَائِلَ حِجَازِيَّة, مِنْهَا قَبِيلَةُ عِرْوَةُ, وَالْجَمِيعُ مِنْ قَبَائِلِ حَرْبٍ, وَهَذَا الْوَادِي هُوَ الَّذِي يَنْطَبِق عَلَيْه الْوَصْفُ الْوَارِد فِي عِبَارَةِ يَاقُوتُ, عَلَى ذِكْر المَلْحاءِ فَإِنَّ وَادِي ذِي الْحُلَيْفَةِ الَّذِي هُوَ وَادِي الْعَقِيقَ, يُسَمَّى أَعْلَاهُ النَّقِيعَ ثُمَّ الْعَقِيقِ, ثُمَّ يَصُبُّ فِي الْغَابَةِ, ثُمَّ يَصُبّ فِي الْمُليْلِيح, اُنْظُرْ رِوَايَة الزُّبَيْر حِينَ قَال : وَالمَلْحاء يَدْفَعُ فِيهَا وَادِي ذِي الْحُلَيْفَةِ, فَالرِّوَايَات هُنَا قَدْ اِتَّفَقَتْ جَمِيعَهَا

    قََالَ الْمُؤَلّفُ الجُهَنِيَّ :
    كُلُّ مَا فِي هَذَا النَّصّ هُوَ خَطَأٌ بِلَا مِرْيَةَ, وَمُعْتَرَضٌ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ, فَأَمَّا الْأَوَّل : فَأَخْطَأَ بِوَصْفِهِ أَنَّ المَلْحَاء هِيَ الْمُليْلِيح, وَالصَّوَاب مَا وَقَعَ فِي كِتَابَنَا هَذَا مِنْ بَيَانِ الإِسْمَ الْقَدِيم لِلْمُليْلِيحَ, ثُمَّ أَيْنَّ وَادِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ الْمُليْلِيحَ ؟, وَإِنّمَا المَلْحَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا الزّبَيْرُ بْن بَكّارٍ هِيَ بِمَوْضِع رِيم شَمَالَ غَرْبِ مَسْجِد ذِي الْحُلَيْفَةِ, عَلَى طَرِيقِ مَكَّةَ, قَال السَّمْهُودِيَّ : المَلْحاء : بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة مَمْدُودْاً, مِنْ أَوْدِيَةِ الْعَقِيقِ, قَالَ ابْنُ أُذَيْنَةَ :
    مباعِدَةً بعدَ أَزْمَانِهَا ... بمَلْحاءِ رِيمٍ وأَمْهِارِهَا

    وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي : فَهُوَ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ بِقَوْلِهِ أَنَّ عِرْوَةَ بَطْنٌ مِنْ حَرْب, وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَخْفَى عَلَى عَوَام النَّاس, وَإِنَّمَا عِرْوَةَ بَطْنٌ قَدِيمٍ مِنْ جُهَيْنَةَ, وَسَيَأْتِي ذِكْرُ نَسَبِهِمْ, وَلَكِنَّ الشَّيْخَ يَكْتُبُ وَهُوَ بَعِيداً عَنِ الْبِلاَدِ وَأَهْلِهَا, وَلِهَذَا وَقَعَتْ لَهُ أَوْهَامٌ رَحِمَهُ اللَّه .

    وَحُكِيَّ أَنَّ بَنُو بَلِيّ هُمْ أَوَّلُ مَنْ أَدْخَلُ لُغَةِ الْعَرَبِ لأَفْرِيقِيَّا, وَهَذِهِ مِنْ فَضَائِلَ وَمَفَاخِرَ قَبِيلَة بَلِيّ, وَقَدْ قَالَ شَاعِرُهُمْ الْمُجَذّرُ بْن ذِيَادٍ الْبَلْوِيّ ثُمَّ الأَْنْصَارِيُّ, رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ, مُرْتَجِزٍ بِيَوْمِ بَدْرٍ بَعْدَمَا نَازَلَ أَبُو الْبَخْتَرِيَّ وَقَتَلَهُ :
    إِمَّا جَهِلْتَ أَوْ نَسِيتَ نَسَبِي ....... فَأَثْبِتْ النّسْبَةَ أَنّي مِنْ بَلِي
    الطّاعِنِينَ بِرِمَاحِ الْيَزِنِي ......... وَالضّارِبِينَ الْكَبْشَ حَتّى يَنْحَنِي
    أَنَا الّذِي يُقَالُ أَصْلِي مِنْ بَلِيَ .... أَطْعُنُ بِالصّعْدَةِ حَتّى تَنْثَنِي
    وَأَغْبِطُ الْقِرْنَ بِعَضْبِ مَشْرَفِي ... أُرْزِمُ لِلْمَوْتِ كَإِرْزَامِ الْمَرِي

    قَال إِبْنُ الغُنَيْم المَرْوْانِيَّ :
    وَالدُهْمَانِيَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْهَجَرِيُّ هُمَا مِنْ بَنِي دُهْمَان, بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةُ, رَوَى ابْنُ السّائِبِ فِي جَمْهَرَةُ جُهَيْنَةَ : وَوَلَدَ عَوْفُ بْن غَطَفَانَ : عَدِيَّاً، وَمَالِكاً، وَطُولاً، وَدُهْمَانَ، وذُهْلاً، وَسَلَمَةَ, ثُمّ قَالَ الْكَلْبِيُّ : فَوَلَدَ مَالِكُ بْن عَدِيّ بْن الطُّول : خُزَامَةَ بَطْن؛ وَدُهْمَانَ بَطْن؛ وَسُحَيْماً بَطْن؛ وَنَصْراً؛ انْتَهَى, وَأَرَى أَنَّ « بَنُو دُهْمَان » النّازِلِينَ بِبَطْنِ إِضَمْ, لَا يَزَالُونَ فِي جُهَيْنَةَ الْيَوْمَ, وَأَنَّهُ قَدْ تَحرَّفَ بِاسْمِهِِمْ الْقَدِيمِ, وَإِضَماً أَو وَادِي الْحَمْض أَخْبَارُهُ كَثِيرَةٌ مُسْتَفِيضَة بِالأَْحَادِيثِ وَالْآثَار وَكُتُبِ الْأَدَبِ وَالْأَنْسَابِ وَالْمَعَاجِمِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْجُغْرَافِيَّة,
    وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِأَوْفَى مِنْ هَذَا فِي كِتَابِنَا « وَادِي الْعَقِيق فَضَائِلهُ وَأَخْبَاره » .

    ..:: .. :: ..
    جَبَلِ بُوَانَةَ :

    بُوَانَةَ : بِضَمّ أَوّلِهِ, وَفَتْحِ ثَانِيهِ الْوَاوِ أُخْتُ الْيَاءِ, ثُمَّ نُونٍ فَوْقِيَّةٌ مَفْتُوحَة, وَآخِرُهُ هَاءٌ بِالْفَتْحِ أَيْضا, جَبَلٌ لِجُهَيْنَةَ بَيْنَ الْحَوْرَاءِ وَيَنْبُعَ, قَالَ الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِ مَا اُسْتُعْجِمَ : بُوَانَةُ : بِضَمِّ أَوَّلِهِ, وَبِالنُّونِ, عَلَى بِنَاء فُعَالةُ, مَوْضِعٌ بَيْنَ الشَّامِ وَبَيْنَ دِيَارِ بَنِي عَامِرٍ, قَدْ ذَكَرَتْهُ بأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي رَسْمِ المُضَّيح, فَانْظُرْهُ هُنَاكَ, وَحَكَى يَاقُوتُ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ: بُوَانَةَ : بِالضَّمِّ وَتَخْفِيف الْوَاو, قَرِيبٌ مِنْها مَاءَةٌ تُسَمَّى القُصَيْبَة, وَمَاءٌ آخَرُ يُقَال لَهُ : الْمَجَاز, قَالَ الشَّمَّاخ ابْنُ ضِرَار :
    نَظرْتُ وَسَهْبٌ مِِنْ بُوَانَةُ بَيْننَا ... وَأَفْيَحٌ مِنْ رَوْضِِ الرَّباب عَمِيْقُ
    وَهَذَا يُرِيكَ أَنَّهُ جَبَلٍ, وَقَال آخَرُ :
    لقد لَقِيَتْ شَوْلٌ بجَنْبَيْ بُوانةٍ ... نَصِيًّا كَأَعْرَافِ الكَوادِنِ أَسْحَما
    وَفِي حَدِيثِ مَيْمُونَة بِنْت كَرْدَمٍ أَنَّ أَبَاهَا قَال لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَذْبَحَ خَمْسِينَ شَاةً عَلَى بُوَانَةَ, فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ هُنَاكَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ النُّصُبِ ؟, فَقَال : لاَ, قََال : فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ فَذَبَحَ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ, وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٍ, فَجَعَل يَعْدُو خَلْفَهَا وَيَقُولَ : اللَّهُمَّ أُوفِيَ بِنَذْرِي, حَتَّى أَمْسَكَهَا فَذَبَحَهَا, وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ لاََ لَفْظِهِ .

    وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كِتَابِهِ الأَْمْكِنَةِ وَالْجِبَال وَالْمِيَاهِ, نُسْخَةَ السَّامُرَائِيّ : بُوَانَةَ : قَالَ السَّيِّد عُليّ : هَضْبَةٌ وَرَاء يَنْبُع قَرِيبَةٌ مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ, وَقَرِيبٌ مِنْهَا مَاءٍ يُسَمَّى القُصَيْبَة, وَمَاءٌ أُخَرُ يُقَالُ لَهُ : الْمَجَاز, وَأَنْشَدَ :
    تُرَانِي يَا عُلِيَّ أَمُوتُ وَجْدًا ... وَلَمْ أََرْعََ الْقَرَائِنُ مِنْ رِئَامِ
    وَلَمْ أََرْعََ الْكَرَى فَمُشَاوِطْاتٍ ... وَأوْرِدهَا الْمَجَاز وَهِيَ ظَوْامِي
    قَال : وَقَدْ رَأَيْتُ بُوَانَةُ وَتَرْعَيْتُ فِيهَا, قَالَ : وَكَرَى وَمُشَاوِطْاتُ : خَبْتَان, وَالْقَرائِنُ بِرَاقٌ, وَرِئامِ : وَادٍ تَسِيلُ فِيهِ الْقَرَائِن, وَفِي التَّاجِ لِلزُّبَيْدِيِّ: وَبُوانَةُ : كثُمامَةَ, هَضْبةٌ وَرَاءَ يَنْبُعُ, ويُفْتَحُ, كَذَا ذَكَرَهُ اِبْنُ الأثيرِ بالوَجْهَيْن, وَأَيْضاً : مَاءَةٌ لِبَنِي جُشَمَ بْن مُعاوِيَةَ بْنِِ بكْرِ بْنِِ هَوَازِنَ بالقُرْبِ مِنْ مكَّةَ, قالَهُ نَصْرٍ, وَأَيْضاً : مَاءٌ لِبَنِي عُقَيْلٍ, وَأَنْشَدَ الجوْهَرِيُّ :
    لقد لَقِيَتْ شَوْلٌ بجَنْبَيْ بُوانةٍ ... نَصِيًّا كَأَعْرَافِ الكَوادِنِ أَسْحَما
    وَقَالَ وَضَّاحُ الْيَمَنِ :
    أَيا نَخْلَتَيْ وَادِي بُوانَةَ حَبَّذا ... إِذَا نَامَ حُرَّاسُ النَّخِيل جْنَاكُمَْاََ

    وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ : قَوْلُهُ بِبُوَانَةَ : بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ, قَال فِي التَّلْخِيصِ : مَوْضِعٌ بَيْنَ الشَّامِ وَدِيَارِ بَكْرٍ قَالَهُ أَبو عُبَيْدَةَ, وَقَال الْبَغَوِيّ : أَسْفَلَ مَكَّةَ, دُونَ يَلَمْلَمُ, وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ : هَضْبَةٌ مِنْ وَرَاءِ يَنْبُعَ, وَمِثْلُهُ في النِّهَايَةِ, وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كِتَابِهِ الأَْمْكِنَةِ وَالْجِبَال وَالْمِيَاهِ: بُوَانَةَ : مَوْضِعٌ, قَالَ :
    لَقَدْ لَقِيتْ شَوْلٌ بِجَنْبَيْ بُوَانَةٍ ... نَصِيًّا كَأَعْرَافِ الكَوادِنِ أَسْحَمَا
    وَقَالَ ابْنُ الأَْثِيرِ فِي غَرِيبِ الْأَثَرِ: بُوَانَةَ : هِيَ بِضَمِّ الْبَاءِ, وَقِيلَ بِفَتْحِهَا, هَضْبَةٌ مِنْ وَرَاءِ يَنْبُعَ, وَأَنْشَدَ الزَّفَيَانُ :
    مَاذَا تَذَكَّرْتُ مَنْ الأَظْعَانِ ... طَوالِعاً من نحوِ ذي بُوانِ

    وَقَالَ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَان : وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنّهُ أَرَادَ بُوَانَةَ فَأَسْقَطَ الْهَاءُ لِلْقَافِيَةِ, وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ مَا اتَّفق لَفْظُهُ وَافْترقَ مُسَمَّاهُ مِنْ أسماءِ الأَمْكِنَةِ : بُوَنَّةَ : وَأَمَّا الثَّانيَ : بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ, وَادِي بُوَنَّةَ يُذكَرُ, وَقَال النَّسَّابَةُ الْجُغْرَافِيّ عَاتِقٍ بْن غَيْث الْبِلَادِيّ فِي كِتَابِهِ مُعْجَمِ مَعَالِمِ الْحِجَازِ : بُوَانَةََ : بِضَمِّ الْمُوَحَّدَة, وَبَعْد الْوَاوِ نُونٍ, وَآخِره هَاء, الَّتِي ذَكَرَهَا عُليِّ بْن وَهّاسٍ : جَبَلٌ يَقَعُ شَمَالَ وَادِي نَبْطٍ, شَمَالَ مَدِينَةِ يَنْبُعَ الْبَحْرَ بِمَا يَقْرُبُ مِنْ مَائِةِ كَيْلٍ, تَرَاهُ مِنْ الطَّرِيقُ الْمُزَفَّتَة, الْمُمْتَدَّةُ عَلَى السَّاحِلِ وَأَنْتَ تَؤُمُّ الحَوْرَاءِ « أُمِّ لَجَّ » الْيَوْمَ, وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ مَا اتَّفق لَفْظُهُ وَافْترقَ مُسَمَّاهُ مِنْ أسماءِ الأَمْكِنَةِ : بَابِ تُرْعَةَ وَيَرَعَةَ : أمََّا الأَوَّلُ : بِضَمِّ التّآءِ بَعْدَهَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ, قَرْيَةٌ بالشَّام، قِيْل : يُنْسَبُ إِلَيْهَا بَعْضُ الرُّواةِ, وَأَمَّا الثَّانِيْ : أَوَّلُهُ ياءٌ تَحْتَها نُقْطَتان مفْتُوحَةٌ ثم راءٌ مَفْتُوحَةٌ أَيْضاً, مَوْضِعٌ بَيْنَ بُوَانَة وَالحُرَاضَةِ، فِي دِيَارِ فَزَارَةَ، وهُوَ مِنْ أَعْمَالِ وَالِي المَدِينَةِ

    قَالَ الْمُؤَلِف اِبْنُ غُنَيْم الْْمَرْوَنِيُّ الجُهَنِيُّ :
    وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَغَيْره مِنْ حَدِيثٌ صَحِيح فَقَالَ : حَدّثَنَا دَاوُدُ بْن رُشَيْدٍ, ثنا شُعَيْبُ بْن إسحاق, عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ, عَنْ يحيى بْن أَبِي كَثِيرٍ قَالَ : حَدّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ قَالَ : حَدّثَنِي ثَابِتُ بْن الضَّحَّاكِ قَالَ : نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ, فَأَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم, فَقَالَ : إِنّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ, فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ ؟, قَالُوا : لَا, قَالَ : هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ ؟, قَالُوا : لَا, قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أَوْفِ بِنَذْرِكَ, فَإِنّهُ لَاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ, وَلَاَ فِيمَا لَاَ يَمْلِكُ بْنِ آدَمَ »,

    وَفِي هَذَا الْحَدِيث مَا يَدُل عَلَى أَنَّ قِصَّةُ ذَلِكَ الْوَثَنِ « الْكَعْبَةَ » الَّتِي أَرَادَ ابْنُ حُدَيْبٍ بِنَائِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِجُهَيْنَةُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ بِنَائِهَا, بِخِلاَفِ مَا يَزْعُمُهُ بَعْض أَهْلِ الْجَهْلِ مِنْ أَنَّهُ قَدْ بَنَاهَا, لأَِنَّ بُوَانَةَ مِنْ الْحَوْرَاء, إِذْ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ ذَاكَ الصَّحَابِيِّ أَنَّ بِالْحَوْرَاء ذَلِكَ الصَّنَمُ الآْتِي ذِكْرُهُ, لِمَا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَيْسَ بِهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ, وَحَاشَا صَحَابَةِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَوْهَام, أَوْ قَوْلٍ غَيْرِ الصِّدْقِ .

    وَهَذِهِ صِفَةٌ لَجَبَلِ بُوَانَةَ, لَنْ تَجِدَ لَهُ صِفَةٍ بِأَتَمَّ مِمَّا فِي كِتَابِي هَذَا, وَإِنّمَا أَصِفهُ عَنْ مَعْرِفَةً وَمُشَاهَدَةٌ لَهُ, إِذْ أَنَّ أَرْضَ الْحَوْرَاءِ وَمَا جَاوَرَهَا مِنْ مَنَازِلِ قَوْمِي الْمَرَاوِين, وَهُمْ أُمَرَاءَ قَبِيلَة جُهَيْنَةَ عَامّةً فِي الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّه, فَجَبَل بُوَانَةَ يَقَعُ شَمَالَ بِلَادِ يَنْبُعَ الْبَحْرَ, وَهُوَ فِي الْجِهَةِ الْجَنُوبِيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ لِلْحَوْرَاء, وَيَبْعُدُ عَنْ أُمِّلَجٍّ الْحَوْرَاءِ مَسَافَةَ 40 كَيْلاً, قَالَ الْمُؤَرِّخُ تَنْضِيْب الْفَايِدِي الْجُهَنِيَّ : وَبَوَانَةَ : جَبَلٌ مُتَوَسِّطُ الاِرْتِفَاعِ, عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ، وَمَا زَالَ بِنَفْسِ الْمُسَمَّى, وَيَقَعُ قَرِيباً مِنْ الْحَوْرَاء أُمِّلَجٍّ, انْتَهَى كَلَامَهُ, وَهُوَ جَبَلٌ أَبْيَضَ اللَّوْنِ تُخَالِطْهُ حُمْرَةً, وَلَيْسَ بِشَاهِق الاِرْتِفَاعُ, وَيَبْلُغَ طُولِهِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةُ أَكْيَالٍ, وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِ, قَرِيبٌ مِنْ الشَّاطِئِ, فَإِذَا نَزَلَتْ بِسَفحِهِ الْغَرْبِيِّ تَرَى الْبَحْرَ يَمِينَك نَاحِيَةِ مَغِيبَ الشَّمْسِ, وَهُوَ مُتَنزِّهٌ بَرِيَّ لْأَهَالِي الْحَوْرَاء, وَتَجِدُهُ عَلَى يَسَارِك إذَا يَمَّمَتَ أُمِّلَجٍّ, يَحُدُّهُ جَنُوبًا الحَسِي, وَبَيْنَهُمَا حَوَالَي عَشْرَةِ أَكْيَالٍ, وَأَمَّا شَمَالًا فَحَدّهُ خَبْت الشَّبْعَان, وَالْشَّبْعَان كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الشِّبَع, ثُمَّ تَمْضِيَ قَاصِداً الْحَوْرَاء فَتَمُرَّ عَلَى يَمِينِك جِبَالُ أُمّ عضَام, وَهِيَ أَجْبُلٌ كِبَار يُفِيضَ سَيْلُهَا بِالْبَحْر, وَتَنْحَدِرُ مِنْهَا عَلَى وَادِيَ القواق, وَكَانَ يُسْمَى قَدِيماً الْعَقِيق, وَهُوَ وَادٍ عَرِيض يَدْفَعُ فِي الْبَحْرِ عِنْد الجَبْنُون, وَقَدْ أَكْثَرَ الرَّحّالةُ مِنْ ذِكْرِهِ فِي كُتُبِهِمْ, ثُمَّ تَمْضِيَ حَتَّى تَصِلَ إلَى أَرْضُ الْحَوْرَاءِ الْأَثَرِيَّةِ, وَهِيَ الْيَوْمَ مُحَاطَةً بِسِوْارٍ مِنْ الْحَدِيدِ, ثُمَّ تَدْخُلَ مَدِينَةِ أُمِّلَجٍّ الْحَدِيثَةِ, وَأَرَى أَنَّ أُمَّ لَجَّ وَالْعِلْم عِنْد اللَّه سُمّيَتْ بِذَلِكَ نِسْبَةٌ إِلَى لُجَّةِ الْبَحْرِ وَصَوْت أَمْوَاجِهِ, فَيُقَال : أُمَّ لَجَّ الْبَحْرِ, وَلُجُّ البَحْرِ ولُجَّةُ البَحرِ, وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلِهِ تَعَالَى : « أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ », وَقَالَ السُّكَّرِيّ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ دِيوَانِ الْهُذَلِيِّين: اللُّجَّةُ : الْمَاءُ الْكَثِيرُ الّذِي لاَ يُرَى طَرَفَاهُ .

    وَرَوَى أَبُو الْمُنْذِرِ الْكَلْبِيَّ الْقُضَاعِيّ فِي « كِتَابِ الْأَصْنَامِ » : وَكَانَ رَجُلً مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَالُ لَهُ : عَبْدِ الدَّارِ بْن حُدَيْبٍ قَالَ لِقَوْمِهِ ‏:‏ هَلُمُ نَبْنِي بَيْتًا بِأَرْضٍ مِنْ بِلادِهِمْ, يُقَالُ لَهَا : الْحَوْرَاء, نُضَاهِيَ بِهِ الْكَعْبَةِ, وَنُعَظِّمَهُ حَتَّى نََسْتَمِيْلَ بِهِ كَثِيراً مِنَ الْعَرَبِ, « فَأَعْظِّمُوا ذَلِكَ, وَأَبَوْا عَلَيْهِ », فَقَالَ فِي ذَلِك :
    وَلَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ بِأَنْ تُقَامَ بَِنيَّةًَ .... لَيْسَتْ بحَوْبٍ أَوْ تُطِيفُ بِمَأْتَمِ
    فَأَبَى الَّذِينَ إِذَا دُعُوْا لِعَظِيْمَةٍ ... رَاغَوْا وَلاَذُوْا فِي جَوَانِب قودمِ
    يَلحُوْنَ أَلاَّ يُؤمَرُوْا فَإِذَا دُعُوا.... وَلَّوْاْ وَأَعْرَضَ بَعْضهُمْ كَالأَْبْكَمِ
    صَفْحٌ مَنَافِعَهُ وَيَغْمُضُ بِكَلِمَةٍ ... فِي ذِي أَقَارِبِهِ غُمُوض المِيسَمِ

    [/align]

  6. #6

    افتراضي

    [align=right]
    قَالَ اِبْنُ غُنَيْم الْْمَرْوَنِيّ :
    وَقودمٍ الَّذِي فِي الْأَبْيَاتِ السَّابِقَة هُوَ جَبَلٌ لِجُهَيْنَةَ, بِقُرْبِ يَنْبُعَ, وَلاَ يُزَال الْجَبَل سُكَّانِهِ جُهَيْنَةَ, وَهُوَ إِلَى الْيَوْمِ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الاِسْمُ الْقَدِيم, وَيَقَعُ بَيْنَ جَبَلِ الْأَشْعَر وَيَنْبُعَ النَّخْل, وَقَدْ ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيَّ فِي كِتَابِهِ الأَْمْكِنَةِ وَالْجِبَال وَالْمِيَاهِ, عِنْدَ تِعْدَادِهِ لِلأَجْبُلِ الصِّغَارِ الَّتِي بَيْنَ يَنْبُعَ وَمَكَّةَ, مِنْ رِوَايَة عُليٌّ بْن وَهّاسٍ اليَنْبُعِي, وَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ يَقَعُ جَنُوبِيِّ الْسِوْيق وَالْجَابِريَّةُ مِنْ يَنْبُع النّخْل, بِالمُنْتَصَفِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّرْجةِ, لاَ يَبْعُدُ عَنْهُم سِوَى بِضْعَةُ أَكْيَالٍ, وَلَمْ أَرَهُ إِلَى الآْنَ, وَجَاءَ فِي مَوْسُوعَةِ مَوْسُوعَةِ أَسْمَاءِ الْأَمَاكِنَ فِي الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ فِي بَابِ الْجِبَال : جَبَلِ قودمِ : (JABAL QAWDAM) يَقَعُ فِي مَنْطَقَةُ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ, دَائِرَة عَرْضٍ : (24 / 23 وَخَطُ طُولٍ : 38 / 42), وَلَيْسَ فِي جَزِيرَةُ الْعَرَبِ جَبَلٍ بِهَذَا الاِسْمِ غَيْرِه, وَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرٌ عِنْدَ غَيْرِنَا .

    وَأَرْضُ الْحَوْرَاء تَارِيخُهَا قَدِيمٍ, يَقُولُ فلافيوس يوسفيوس فِي (Arhaeologia ط : Naber) : إِنَّ مُوسَى قَدْ فَرَّ إِلَى مَدِينِةِ مَدْيَنَ الْمُوَاجِهة لِلْبَحْرِ الْأَحْمَر, وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّ مَدِينَةِ مَدْيَنُ قَدْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً عَامّةً فِي أَوَائِل التّارِيخ الْمَسِيحِيّ, وَمَدِينَهَ الْحَوْرَاء مَدِينَةِ أَهْل مَدْيَنَ الْقَدِيمَةِ, الَّتِي تَقَع قَرِيبًا مِنْ وَاحَةِ الْبِدْع, وَبَطْلَيْمُوس فِي جُغْرَافِيتِه يُشِيرُ إِلَى أَنَّ فُرَضَة مَدْيَنَ تَقَع إلَى الْجَنُوب, فَهِيَ لِذَلِكَ تَقَعُ وَرَاء خَلِيجُ الْعَقَبَةِ, انْتَهَى مَا نَقَلْتُهُ مِنْ كِتَابِ بِلَادِ الْعَرَبِ الْحَجَرِيَّةُ, وَالْحَوْرَاء فِي لُّغَةِ الأُْمَمِ الأُْخْرَى تَعْنِي (Leukekome) .

    وَوَقَعَ فِي كِتَاب دُرَر الْفَوَائِدِ الْمُنَظِّمَةِ فِي أَخْبَارِ الْحَاجُّ وَطَرِيقُ مَكَّةَ الْمُعَظَّمَةِ, لِعَبْدُ الْقَادِر بْن مُحَمّدٍ الْجَزِيرِيّ الأَْنْصَارِيُّ ثُمّ الْبَلَوِيَّ الْمُتَوَفى سَنَةَ 977 لِلْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ, نُسْخَةِ الشّيْخِ حَمْد الجَاسِر : وَمَغَارَة نَبْطٌ حَدُّ جُهَيْنَةَ مِنْ بَنِي حَسَن, يَصِلُ إِلَيْهَا رَابِعَ عَشَرَ يَوْمٍ مِنْ عَقَبَةُ أَيْلَةَ, فِي مَضَايِق وَحدرَةُ, وَشَجَرِ الْأَثْل بِهَا كَثِيرٌ, وَأَصْحَابَ دَرْك سقايتها بَنُو حَسّان, مِنْهُمْ : مُحَمّد بْن حُمَيْدِيّ, وتريم [؟], وَرِفْقَتَهم, وَطَوَائِف عُرْبَان جُهَيْنَةَ بِتِلْكَ النَّوَاحِي كَثِيرُونَ, مِنْهُمْ الطَّوَائِف الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ المَحْمَلِ, وَمِنْهُمْ بَدَناتٍ اُخَرُ يَسْكُنُونَ الْبَرّ مِنْ جُهَيْنَةَ, كََالْمَقابِلةَ, وَالْفُوَايِده, وَعنَمَة, وَالْعُقب, وَبُدَيْل [بُذَيْل], وَبَنُو حَسّان, ورشم [؟], وَحُمَيْس [حُبَيْش], وَالْعَوَامِرة, إِلَى آخِرِ مَا قَال

    قَالَ اِبْنُ غُنَيْم الْْمَرْوَنِيّ :
    ورشم فِي نُسْخَة مِصْر ظَهَرَت هَكَذَا ورستم, وَلَمْ أَتَبَيَّنَ وَجْهِهَا إِِلَى الآْنَ, وَأَمَّا بَنُو حَسّان فَهُمْ الْحَسَّاسِنَةَ, بَطْنٌ قَدِيمٌ مِنْ الْجِذَمُ المُوسَاوِيّ مِنْ جُهَيْنَةَ, لاَ يَزَالُ فِي جُهَيْنَةُ, مَنَازِلِهِمْ بِأُمّلَجَّ, وإِلَيْهِم يُنْسَبُ جَبَلَ أَوْ جَزِيرَةَ الْحَسّانِي مِنْ الْحَوْرَاء, يَقُول أَبُو سَالِمٍ العَيّاشِيّ مِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الْعَاشِرَ فِي كِتَابِهِ مَاءُ الْمَوَائِدِ : الْحَوْرَاء مَوْضِعٌ قُرْبَ الْمَدِينَةِ, وَهُوَ مَرْفَأ سُفُنِ مِصْرٍ, وَبِهَا الْجَبَلُ الْمُنْقَطِعَ فِي الْبَحْرِ, « وَيُسَمَّى الْحَسّانِي » يَسْكُنُهُ أَعْرَابٌ فِي أَخْصَاصٌ وَكُهُوف، وَوَرَدَ فِي كِتَابِ أُمّلَجَّ : أَوَّلَ حَاكِمٍ لِأُمّلَجَّ كَانَ الشَّيْخُ مُبَارَك الْحَسّانِيّ الَّذِي عُيْنَ عَامَ 1302هـ, فِي عَهْدِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّة, وَعُيْنَ حَمَد الْحَسّانِيّ مُسَاعِدَ قَائِمَمَقَام أُمّلَجّ عَام 1332هـ, فِي عَهْدِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّة, وَلَدَى الشَّيْخَ مُبَارَك الْحَسّانِيُّ وَثِيقَةً مُؤَرَّخَةً فِي عَام 1140هـ, تُؤَكَّدُ مَا ذَكَرْنَا سَالِفاً وَأَمَّا الْفُوَايِدة :
    فَبَطْنٌ آخَرَ كَذَلِكَ قَدِيمٌ مِنْ جُهَيْنَةَ, وَمَسَاكِنُهُمْ بِالْحَوْرَاء وَمَا جَاوَرَهَا مِنْ أَرْضِ الْبَادِيَةِ, وَهُمْ أَهْلُ جِوَارٍ وذِمَامٌ, وَلَدَيْهِمْ عِنَايَةٍ كَبِيرَةً بِالإِْبِل الأَْصَائِل, وَلاَ يَزَالُونَ بِجُهَيْنَةَ مِنْ جُذْمِ بَنِي مُوسَى, وَهُوَ الْجُذَامُ الَّذِي فِيهِ الْكَثْرَةُ مِنْ جُهَيْنَةَ, وَجَاءَ فِي كِتَابِ أَنْسَابِ الْقَبَائِل الْعِرَاقِيَّةِ وَغَيْرِهَا, لِمَهْدِيّ الْقَزْوِينِيُّ مِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الثَّانِيَ عَشَر الْهِجْرِيّ, نُسْخَة النَّجَفَ : وَبَطْنِ مُوسَى فِيهِ الأَْفْخَاذ وَالْعَشَائِرِ الْكَثِيرَةِ الْعَدَد, وَلَهَا أَسْمَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ .

    وَوَقَعَتُ عَلَى ذِكْرِهِمْ عِنْدَ الْقُطْبِيُّ الْمُتَوَفَّى فِي سَنَةِ 980 لِلْهِجْرَةِ فِي كِتَابِهِ « الْفَوَائِدِ السَّنِيَّة فِي الرِحْلَةَ المدنيَّة وَالرُّوميَّة », قَالَ :
    وَأَهْل بَدْرٍ أَرْبَعِ طَوَائِفَ مِنْ الأَْشْرَافِ : الْمَحَاسِنَة, وَالْفَوَايِد, وَالشَكْرَة، وَالعُتق : فِيهِمْأَشْرَافٌ, وَفِيهِمْ مَنْ يَنْتَمِي إِلَيْهِمْ مِنْ الْعُرْبَان، وَيُدْعَى بِهِمْ, انْتَهَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْقُطْبِيَّ, وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحْمَلِ تِلْكَ الْقَبَائِلِ يَعُود تَارِيخُهُ إِلَى سَنَة 630 مِن الْهِجْرَةِ, وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَهُ هِيَ شَجَرَة الدُّرّ عِنْدَمَا قَدِمَتْ لِلْحَجِّ مِنْ مِصْرَ عَنْ طَرِيقِ الْبَرّ, وَمُنْذُ ذَلِكَ الزَّمَنِ إِلَى أَنَّ تَوَقَّفَ نِظَام الْمَحْمَلِ وَهَذِهِ الْقَبَائِل تَعْمَل بِهِ, وَمِمَّا يَدُل عَلَى قِدَّمَ عَهْدِهِمْ بِأَرْضِ الْحَوْرَاء أَنَّهُ قَدْ نُسِبْة إِلَيْهِمْ جَزِيرَةٌ بِالْبَحْرِ تُدَّعَى « جُزِر الْفُوَايِدةِ » كَمَا هُوَ الْحَال مَعَ جَزِيرَةِ الْحَسّانِي السَّابِقَة .

    وَقَدْ سَمِعْنَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ مِنْ الْبَطَالِينَ الْفَارِغِين يَخُوضُوا فِي أَنْسَابِ الْقَوْمِ وَغَيْرِهِمْ, بِدُونِ مُسْتَنِدًا أَوْ دَلِيل, إلّا قَالَ وَقِيل, وَلَكِنْ هَيْهَاتَ, هَيْهَات, وَلاَ نَقُول إلّا كَمَا قَالَ سُفْيَان اَلثَّوْرِيّ : « لمَا اسْتَعْمَلَ الرُّوَاةِ الْكَذِبَ اسْتَعْمَلْنَا لَهُم التَّارِيخ », وَلِلَّهِ دَرّ حَسَّان بْنِ زَيْدٍ حِينَ قَال : « لَمْ نَسْتَعِينُ عَلَى الْكَذَّابَيْنَ بِمِثْلِ التّارِيخِ », وَقَدْ قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَك : مَاذَا نَصْنَعُ بِهَذِهِ الأَْحَادِيثَ الْمَصْنُوعَةِ ؟, فَقَال : « تَعِيشُ لَهَا الجَهابِذَةُ », وَرُوِيَ أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدِ أَخَذَ زِنْدِيقًا فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقه, فَقَال لَهُ الزِّنْدِيقُ : لِمَا تُضْرَبَ عُنُقِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟, قَال : أُرِيحَ الْعِبَاد مِنْك, قَال : فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ أَلْفِ حَدِيثٍ وَضَعْتُهَا عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كُلُّهَا مَا فِيهَا حَرْفٍ نَطَقَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟, قَال : فَأَيْنَ أَنْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ مِنْ أَبِي إِسْحَاق الْفَزَارِيِّ ؟, وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ؟, يُنْخِلاَنِهَا فَيُخْرِجَانِهَا حَرْفاً حَرْفاً [!], وَأَيِّ أَرْضٍ تَقلّ وَأَيُّ سَمَاءٍ تَظِلّ, لِمَنْ تَكَلِّمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضْلّ وأَضَلَّ, وَزَلّ وَأَزْلَّ, وَقَدْ قَال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إنَّ التَّارِيخَ فَنٌّ عَظِيمُ الْوَقْعِ, جَلِيلُ النَّفْعِ, وَضَعْنَاهُ لِنَخْتَبِرَ بِهِ مَنَ جَهِِلْنََا, لَمَّا كَثُرَ الْكَذَّابُونَ, حَتَّى ظَهَرَ بِهِ كَذِبُهُمْ, وَبَطَلَ قَوْلُهُمْ الذي يُرَوِّجُونَ بِهِ على من لَا عِلْمَ له, وَأَخْبَارِ الْكَذَّابِينَ وَالْوَضَّاعِينَ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً, وَهِيَ وَاضِحَةٌ كَالشَّمْسِ بِيَقِين .

    وَأَمَّا الْمَقابِلةَ :
    الَّذِينَ ذَكَّرَهُم الْجَزِيرِيّ فَهُمْ الْمَقابِلةَ : بَطْنٌ قَدِيمٌ مِنْ الْمَرَاوِين مِنْ جُهَيْنَةَ, لاَ يَزَالُونَ بِالْحَوْرَاء فِي عِدَادِ جُهَيْنَةَ الْحَاضِرَةَ, وَالْمَرَاوِين لَهُمْ الْحَوْرَاء خَاصَّةً وَكَذَا ذِي الْمَرْوَةِ, وَإِمَارَةُ جُهَيْنَةَ بِبَابِهِمْ, قَالَ النّسّابَةُ الْبِلَادِيَّ فِي مُعْجَم قَبَائِلِ الْحِجَازِ, نُسخَةِ دَارِ مَكَّةَ, الْمَقابِلةَ : وَوَاحِدُهُمْ مقْبَلِيّ, بَطْنٌ مِنْ الْمَرَاوِين, ذَكْرَهُمْ الْجَزِيرِيّ فِي دُرَر الْفَوَائِد الْمُنَظِّمَةِ, وَالْمَرَاوِين بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ, انْتَهَى كَلاَمِه, وَهُمُ كَذَلِكَ حَتَّى السَّاعَةِ يَسْكُنُونَ الْبَرِّيَّةِ وَأَهْلُ بَادِيَةٍ, وَسَيَأْتِي مَزِيدَ تَفْصِيلٌ عَنْهُمْ,

    وَمَنْ الْمَرْاوِنَةَ مَشَائِخُ جُهَيْنَةَ, وَيَنْزِلُونَ بِالْحَوْرَاء,
    وَقَدْ أَلْفَيْتُ فِي كِتَاب الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْوَثَائِق الْبِرِيطَانِيَة نَجْدٍ وَالْحِجَاز, قَوْل دافيد جورج فِي الشَّخْصِيَّاتِ الرَّئِيسِيَّةِ بِالْحِجَازِ: مُحَمَّد بْن صَلاَح الغنَيْم : الشَّيْخ السَّابِق لِبَنِي غنَيْم, مِنْ بَطْنِ مُوسَى مِنْ قَبِيلَة جُهَيْنَةَ, « وَأَمِيرُ الْعَرَبِ فِي أُمِّلَجَّ », ثَارَ عَلَى الْأَتْرَاكَ فِي نِهَايَةِ سَنَة 1915م - 1333هـ, مَعَ ابْنَةِ سَعْدٌ, خَلِيفَتَهُ فِي الْمَشْيَخَةِ، وَقَطْعَ الطَّرِيقَ عَلَى قَوَافِلُ الْتَمْوِين بَيْنَ الْوَجْهِ وَأُمِّلِجٍّ حَيْثُ يُقِيمُ, أَرْسَل ابْنَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ حَيْثُ قَابَلَ الأَْخِير الشَّرِيفُ عَليِّ, وَلَدَى عَوْدَتِهِ حَاصَرَ مَوْقِعَيْن تُرْكِيَّيْنِ, فِي أَيْلُول سِبْتَمّبر سَنَةَ 1916م - 1334هـ, حِينَمَا أَعَادَ الْأَتْرَاك احْتِلَالِ أُمِّلِجٍّ، قِيلَ إِنَّهُ تَرَاجَعَ إِلَى الدَّاخِل, وَأَنَّهُ يُجَمِعُ عَشَائِرَهُ لِمُقَاوَمَتُهُمْ, كَبِيرِ السِّنِّ, لاَ تُرْجَى مِنْهُ فَائِدَةٌ كَبِيرَةٌ, انْظُرْ سَعْد الغنَيْم, اِنْتَهَى كَلَامه, وَلَنَا فِي هَذَا الْبَابِ كِتَابِ وَضَعْنَاهُ لِتَّرَاجِمِ هَؤُلاَءِ الْأَعْلَامِ, وَقَدْ رَجَعْنَا فِيهِ إِلَى أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ مَرْجِعًا, مَا بَيْنَ مَخْطوطٌ وَوَثِيقَةٌ وَكُتُبٍ مَطْبُوعَهٌ, يَسَّرَ اللَّهُ لَنَا إِتْمَامُهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمه .

    وَأَمَّا الْبُذَيْليّ :
    فَبِذَالٍ مَنْقُوطَةً, وَهُمْ بَطْنٌ قَدِيمٌ كَذَلِكَ مِنْ جُهَيْنَةَ, وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَا ذِكْرَهُمْ فِي رَسْمِ رَشَادَ وَالْمُليْلِيحَ, فَلْيُنْطَرْ هُنَالِكَ .

    وَأَمَّا حُبَيْش :
    فَبِضَمِّ الْحَاء الْمُهْمَلَة بَعْدهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٍ, ثُمَّ الْيَاء أُخْتُ الْوَاوِ سَاكِنَةٍ, وَأَخَّرَهُ شِينَاً مُثَلَّثَةٌ مُهْمَلَةٍ, وَضبْطِهِ الْيَوْمَ عِنْدَ بَادِيَتِهِمْ بِالْمُهْمَلَةِ أو بِكَسْرِ أَوَّلُه, وَوَجَدْنَا فِي نُسْخَة الجَاسِر حُمَيْس بِالْمِيمِ وَالْيَاء الْمُثَنَّاة مِنْ تَحْت, وَفِي نُسْخَة مِصْر خَمِيس بِالْخَاء اَلْمُعْجَمَةِ, كَاسْمِ الْيَوْمِ الْمَعْرُوف, وَأَقُول أَنَّ كِلاَهُمَا تَصْحِيفٌ, لَمْ أَرَ مِنْ نَبَّهَ إِلَيْه قَبْلَنَا, وَأَظُنُّ أَنَّ الَّذِي أَثْبَتَهَا مِنْ الْمُحَقِّقِين بِحُمَيْس كَتَبَهَا عَلَى اسْمِ الْبَطنِ الْقَدِيمُ مِنْ جُهَيْنَةَ « بَنُو حُمَيْسٍ : الْحُرْقَة », وَلَا أَرَى أَنَّ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِِ أَيُّ فَرْقٍ, فَبَنُو حُمَيْسٍ وَبَنُو حُبَيْشٍ هُمْ أَنْفُسِهِمْ, فَهَؤُلَاءِ الْمَوْجُودِينَ أُولَئِكَ الصَّحَابَةُ أَسْلاَفِهُِمْ, وَلَعَل قَدْ شَابَ اسْمَهُمْ الْقَدِيم شَيٍّ مِنْ التَّصْحِيفُ, لَمْ يَتَغَيَّرْ مَعَهُ الأَْصْلَ, وَذَلِكَ إِنْ ثَبَتَ مَعَهُ أَنَّ الاِسْمَ حُمَيْس, بِالْمِيمِ, فَهَكَذَا ضَبَطَهُ ابْنُ الْكَلْبِيّ فِي النّسَبِ الْكَبِيرِ, وَكَذَا ابْنُ حَبِيبٍ فِي كِتَابِهِ النّسَب, وَضَبَطَهُ ابْنُ الْوَزِير الْمَغْرِبِيُّ فِي الإِْينَاسِ جُمَيْس, بِالْجِيمِ, وَكِتَابه أَصْلَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ, وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ خُمَيْسٍ بِالْخَاء الْفَوْقِيَّةِ, فَكَذَا فِي الْدُرَر الْفَوَائِدِ الْمُنَظِّمَةِ, وَفِي كِتَابِ جُهَيْنَةَ أَصْلِهَا وَتَفَرُّقِهَا, وَعِنْدَ الْصَّاغَانِيّ حُبَيْش فِيمَا يَنْقُلُهُ عَنْ ابْنُ الْكَلْبِيَّ, وَفِي وَفِي فَتْح الْبَارِي جُهَيْش, وَعَزَاهُ لِابْنِ السَّائِبِ,

    وَقَالَ الرَّشَاطِيّ فِي كِتَابِ النَّسَبِ : الْجُمَيْسِي [الْحُبَيْشِي] :
    فِي جُهَيْنَةَ, يُنْسَبُ إِِلَى جُمَيْس بْن عَامِر بْن ثَعْلَبَة بْن مُودِعَة بْن جُهَيْنَة, وَالْجُمَيْسِيَّ هُوَ الْحُرَقَة, يَجْمُسُ جُمُوسْاً وَجَمْساً, وَلَا يَقُولُونَ ذَلِكَ لِلْمَاءُ, وَكَانَ الأَْصْمَعِيُّ يَعِيبُ ذَا الرّمّةِ فِي قَوْله : وَنَقْرِي سَّدِيفَ الشَّحْمِ وَالْمَاءُ جَامِسُ, وَيَقُول : هَذَا غَلَطٌ, وَحُبَيْش بَطْنٍ مِنَ عِمَارَةُ بَنِي مُوسَى, وَمَنَازِلَهُمْ لَا تَزَال مِنْ الْحَوْرَاء, وَشَمَال جَبَل رَضْوَى, وَالْشّبْحَة, وَوَادِي رَِخْوا, وَيَنْبُعَ, وَحَرَّةُ حُبَيْش, وَوَادِي النَّارِ أَوْ ذَاتُ لَظَى قَدِيمًا, وَسَمُرْ : عَلَى اسْمِ الشَّجَرِ الْمَعْرُوف عِنْدَنَا بِالْحِجَازِ, قَالَ الْحَازِمِيُّ : بِفَتْحِ السّينِ وَضَمُّ الْمِيمِ المُخَفَّفَة, ذُو سَمُرْ : مَوْضِعٌ بِالْحِجَازِ, فَذَاتُ لَظَى الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ لاَ تُزَال تُعَرِّفُ بِوَادِي النَّار, وَهُوَ وَادٍ مَعْرُوفٌ قُرْبَ نَبْطٌ جَنُوب الْبُوَانَةَ, وَأَهْلُهُ حُبَيْشُ وَغَيْرِهِمْ مِنْ جُهَيْنَةُ .

    جَبَلِ الْفَحْلَتَيْنِ

    الْفَحْلَتَيْنِ : بِفَتْحِ أَوَّله وَسُكُون ثَانِيهِ فَلَامٌ وَتَاءٌ مَفْتُوحَتَيْن ثُمَّ سُكُونٍ لِلْبَاءِ أُخْت الْوَاوِ وَكَسْرِ آخِره, جَبَلٌ بِبَطْنِ وَادِي إضَمٍ «الْحَمْض», غَرْبَ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ, وَيَقَعُ بِقُرْبِ مَوْضِعُ شَجْوَى, عَلَى قُرَابَةِ 90 كَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ, وَهُوَ مِنْ أَعَالِي الْجِبَالِ الَّتِي فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَأَشْهَرُهَا, يُشْرِفُ عَلَى السَّلِيلَةِ وَالأَبْرَق مِنْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ, يَرَاهُ الْخَارِجُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَالمُفَيِضَ عَبَرَ الْوَادِي مِنْ مَسَافَةً بَعِيدَةٍ, يَحُدُّهُ مِنْ الشَّرْق جُرَاجِر وَالْبُوَيْر, وَمِنْ الشَّمَالِ تُرْعَةَ وَالْعِيص, وَسُكَّانُهُ جُهَيْنَةُ مُنْذُ الْجَاهِلِيَّةِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا, لَهُ شِعَابٍ كَثِيرَةٌ تَصُبُّ فِي وَادِيَ الْحَمْضِ فَتَخْتَلِطُ سُيُولَهُمَا هُنَاكَ, وَهُوَ مُطِلٌّ عَلَى قَرْيَةُ شَجْوَى مِنْ جَانِبِهَا الْغَرْبِيِّ, وَوُضِعَ اسْمُهُ فِي الْخَرَائِطُ الْحَدِيثَةِ وَالْمُعْتَمَدَةُ الْيَوْمَ, جَبَلِ عَنْتَر ((JabaI Antar ؟؟, هَكَذَا ظَهَرَ فِي الْمُخَطَّطِ, وَلَكِنَّ لاَ اعْتِمَادَ عَلَيْهِ لَدَيَ, إِذْ أَنَّ الْمَعْرُوفُ هُوَ الاِسْمُ الْقَدِيم, وَهُوَ الشَّائِعِ وَالْمُسْتَعْمَل, وَيُحَبِّذُ بَعْض أَهْل تِلْكَ الْبِلاَدِ أَنَّ يَدْعُوهُ بِجَبَلِ الْفَحْله, وَفِي طَرَفِ الْجَبَلِ الْغَرْبِيِّ مَجْمُوعَةً مِنَ الْعُيُونِ وَالنَّخِيلِ وَالْآبَارِ, وَمِنْ أَشْهَرِهَا آبَيْارِ النَّابِعُ, وَهِيَ الَّتِي يَذْكُرُهَا كَثِيرٌ أَصْحَاب كُتُبِرَ الْرَحَلَات, مِنْ دُونِ تَحْدِيدٍ لِمَوْقِعِهَا أَوْ تَسْمِيَتِهَا .

    وَأَمَا سَبَبِ تَسْمِيَتِهُ بِهَذَا الِاسْمِ فَلَمْ أَجِدْ نَصًّا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ فِيمَا قَرَأْت, وَلَمْ يَعُدْ أَحَدٌ يَعْرِفُ مُسَمَّاهُ سَوَاءٌ مِنْ الْبَاحِثِينَ أَوْ الْإِخْبَارِيّينَ مِنْ أَهْلُ الْمِنْطَقَةِ, إلَّا أَنَّ مِمَّا لاَ شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ اسْمٌ قَدِيمٌ, وَقَدْ ارْتَبَطََ ذِكْرَهُ بِتَفَرُّقِ جُهَيْنَةَ وَسُكْنَاهَا لأَِرْضِ الْحِجَازِ, كَمَا فِي كِتَابَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَابْنِ الْكَلْبِيّ فِي كِتَابِهِ « إِفْتِرَاقُ الْعَرَبِ », وَالزّبَيْرُ بْن بَكّارٍ فِي « جَمْهَرَة نَسَبِ قُرَيْشٍ وَأَخْبَارهَا », وَأَبِي إِسْحَاقَ الْحَرْبِيّ في « الْمَنَاسِكِ وَأَمَاكِنَ طُرُق الْحَجّ وَمَعَالِمِ الْجَزِيرَةَ », وَأَبُو عَلِيّ الهَجَرِيّ في « التَّعْلِيقَاتُ وَالنَّوَادِر », وَالْهَمْدَانِيّ في « صِفَةِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ », وَغَيْرُهُمْ مِمَّا لاَ يَتَّسِعُ الْمَجَال لِذِكْرِهِمْ .

    وَلِهَذَا عَنْ تَسْمِيَتَهُ نَقُول : إِعْلَمْ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تُطْلَق التَّسْمِيَات لَغْوًا أَوْ مِنْ فَرَاغ, وَإِنَّمَا لِكُلِ مُسَمًّى يُسَمُّوه لَهُمْ مَعْنىً فِيه, وَعِنْدَمَا أَنْكَرَتْ نَابِتَةٌ مِنْ الْشعُوبِيَّة هَذَا الرَّأْيِ وَقَالُوا بِخِلَافِهِ, اِنْبَراء لَهُمْ ثُلَّةٌ مِنْ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ, وَذَلِكَ بِتَأْلِيفِ كُتُبِ الرُّدُود كَفَضْل الْعَرَبِ وَالاِشْتِقَاقِ وَالْفُرُوقُ وَغَيْرُهَا كَثِير, فَبَانَ زَيَّفَهُمْ الَّذِي زَخْرَفُوهُ بِعُلُوم الْكَلاَمِ وَفُنُونِ الْجَدَل, وَمَا هُوَ الْيَوْمَ مَحْفُوظٌ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ وَأَسْمَائِهِمْ لَخَيْرُ شَاهِدٍ عَلَى ذَلِك, وَيَحْسُنُ بِنَا أَنْ نُورِدُ مِثَالٍ مُخْتَصَر عَنْ مَا بَقِيَ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ, فَقَدْ ذَكَرَ قُطْرُبٌ فِي كِتَابِهِ « الْفَرْقُ » فَقَال: وَقَالُوا أَيْضًا فِي الدُّعَاء لِلْمِعْزَى « داعْ, داعْ », وَقَدْ دَعْدَعْتُ وَدَادعْتُ, انْتَهَى, فَانْظُرْ لِهَذِهِ الْكَلِمَةُ الْفَصِيحَةُ وَالَّتِي لاَ يَزَال يَسْتَعْمِلُهَا أَهْلَ بَادِيَةِ الْحِجَازِ, وَقَدْ سَمِعْتُهَا مِنْ إِحْدَى نِسَاءَ بَادِيَةِ جُهَيْنَةُ وَهِيَ تَسْرَحُ بِغُنَيْمَتِهَا بِالْمَرْعَى, وَتَحُدُّوا لَهَا وَتَمُدُّ بِالصَّوْتِ : « تاعْ, تاعْ », وَلَمْ يَخْتَلِفْ شَيْئًا بِالْكَلِمَةِ, إِلاَ أَنَّ الدَّال الْمُهْمَلَةِ أَبْدِلُوها تَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ, لِأَنَّهَا أَسْهَلُ نُطْقًا مِنْ سَابِقَتِهَا, وَنَرْجِعُ ل لِمَا سَبَقَ فَنَقُولَ: فَحْلَتَيْنِ : تَثْنِيَةُ فَحْلٌ, كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الخُصْيَتَيْنِ لِلْفَحْل, وَهُمَا قُنتَانِ صَخْرِيَتَانِ فِي رَأْسِ الْجَبَلِ مِنْ حَافَّتَيْهِ, وَمِنَ رَآهُ يَلْحَظُ مَا قُلْنَاه اسْتِنْتَاجً, كَمَا فِي صُورَةُ الْجَبَلِ الَّتِي بِذَيْلِ الْكِتَاب, وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ فِي شَرْحِهِ لِقَامُوسِِ الْفَيْرُوزُ آبَادِي: الفَحْلُ الذَّكَرُ مِنْ كلِّ حَيَوَانٍ, فُحُولٌ بالضَّمّ, وَأَفْحُلٌ كَأَفْلُسٍ, وَالفَحْلُ ذَكَرُ النَّخْلِ الَّذِي يُلقَحُ بِهِ حَوائِلُ النَّخْلِ, وَالفِحْلتان مُثَنَّى فِحْلَة, وَفِحْلٌ بالكَسْر وَبِالْفَتْحِ ككَتِفٍ مَوَاضِعُ, أَمَّا فِحْلٍ بالكَسْر فَهُوَ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الإِْشَارَةُ إلَيْهِ, وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ جَبَلٌ لهُذَيْلٍ يَصُبُّ مِنْهُ وَادِي شَجْوَةَ, أَسْفَلُهُ لِقَوْمٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ .

    وَقَالَ يَاقُوتً فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ :
    الفَحْلتَانِ : فِي غَزَاة زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى بَنِي جُذَامَ قَدِمَ رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَشَكَا مَا صَنَعَ بِهِمْ زَيْدٌ بْنِ حَارِثَةَ, وَكَانَ رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ قَدْ أَسْلَمَ وَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ, فَأَنْفَذَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا إِلَى زَيْدٍ ْيَنْزِعَ مَا فِي يَدِهِ, وَيَدِ أَصْحَابِهِ وَيَرُدُّهُ إِلَى أَرْبَابِهِ, فَسَارَ فَلَقِيَ الْجَيْش بِفَيْفَاءُ الْفَحْلَتَيْنِ, فَأَخَذَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ, حَتَّى كَانُوا يَنْزِعُونَ لبِدِ الرَّحْلِ مِنْ تَحْتِ الْمَرْأَةِ .

    وَمِنْ أَحْسَنُ مَا جَاءَ فِي كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ مَا ذَكَرَهُ الْهَجَرِيُّ النّسّابَةَ فِي كِتَابِهِ التَّعْلِيقَاتُ وَالنَّوَادِرِ، قَالَ :
    دِبَرَاءُ : وَادٍ مِنْ أَرْضِ جُهَيْنَةَ, وَرَاءَ الْعِيص, بَيْنَ مَغْرِبِ الشّمْسِ وَبَيْنَ الْعِيص, وَشُميسَاً : نَقْبٌ مُطَّلِعٍ عَلَى الْعِيص, مَنْ سَلَكَ فَيْفَاءُ الْفَحْلَتَيْنِ, وَبِالْفَيْفَاءِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, مِنَ اسْتَقْبَل مَغْرِب الشَّمْس أَطْرَقَ شُمَيْساً .

    وَأَوْرَدَ الْجَزِيرِيُّ فِي الْدُرَر الْفَرَائِدِ الْمُنَظِّمَةِ فِي أَخْبَارِ الْحَاجُّ وَطَرِيقُ مَكَّةَ الْمُعَظَّمَةِ :
    وَأَرْض الْفَحْلَتَيْنِ : وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي شِعْر الشُّعَرَاء بِالأَبرَقَيْن, وَقَدْ تَأْتِي مَضَايِقَهُ سُيُولٌ, إِنْ لَمْ يُتَحَرَّز مِنْهَا بِالنُّزُول فِي سُفُوحِ الْجِبَالِ والأَنْشَاز الْعَالِيَةِ, وَإِلاَّ مَا يُؤْمَنُ أَنْ تُبَادِرَهُم بَوَادِرَهُ, وَتَجْتَاحهُمْ سُيُولهُ, فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقَيْظ مَنَعْتهمْ الْجِبَال أَنْ يَسْتَرْوحُوا بِنَسِيمٍ, وَتَقْدَحَتْ رِمَالِهِ وَأَحْجَارِ الصَّوَّان بِهِ نَارًا فَتَتَوقَّد, , وَهَبَّتْ مِنْ فِجَاجِهِ رِيحُ السَّمُوم, فنشَّفَت القِرَبَ وَأهْلَكْت النَّاس وَالإِْبِل, وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَوَاضِع الْعَائِدَةِ مِنْهُ .

    وَوَرَدَ فِي وَثِيقَة تَحْتَ عِنْوَان : « تَقْرِيرٌ نَاطِق بِالإِْصْلاَحَاتِ وَالتَّرْمِيمَاتِ اللاَّزِمَةِ لِلْقِلاَعِ وَبِرَكُ الْمِيَاه الْمَوْجُودَةِ فِي الْمَرَاحِل وَالْمَنَازِل الْوَاقِعَةِ فِي الطَّرِيقِ بَيْنَ دِمَشْقَ الشَّام وَمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ الَّتِي تَمَّتْ مُعَايَنَتِهَا عَلَى قَدْرِ الْمُسْتَطَاع » .

    وَهِيَ مُؤَرَّخَة بِتَارِيخ 27 صَفَرٍ سَنَةَ 1223 لِلْهِجْرَةِ الشَّرِيفَةِ, وَنُشِرت فِي: « مَجَلَّةِ الْوَثِيقَة الصَّادِرَة مِنْ مَرْكَز الْوَثَائِقِ التَّارِيخِيَّةِ بِالْبَحْرَيْن », فِي عَدَدِهَا الْعِشْرُونَ مِن الْعَامِ 1412هِجْرِيِّ, وَسَوْفَ اُعَدِل بَعْضٍ مِمَّا جَاءَ فِي هَذِهِ الْوَثِيقَة مِنْ أَخْطَاء, كَمَا هِيَ الطَّرِيقَة الْمُتَّبَعَةِ فِي كِتَابِنَا هَذَا بِأَنْ أَضَعْهُ بَيْنَ قَوْسَيْنِ, هَكَذَا [.....],وَمِمَّا جَاءَ فِيهَا مَا يَلِي :

    النخلتين [الْفَحْلَتَيْنِ] :
    تَقَعُ قَلْعَةَ النخلتين [الْفَحْلَتَيْنِ] أَوْ قَلْعَةَ بِئْر السجوا [الْشَجْوا] عَلَى مَسَافَةِ عِشْرِينَ سَاعَةً مِنْ مَرْحَلَةِ الهدية, وَهِيَ مَبْنِيَّةً بِالْحِجْرِ، طُولِ كُلُّ ضِلَعٍ مِنْ أَضْلاَعِهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا معمارياً، وَبِدَاخِلهَا نَبَعٌ بُنِيَ فَوْقَهُ بِئْرٌ نُصِبَتْ عَلَيْهَا سَاقِيَةٍ تُدَارُ بالْبِغَالِ، وَقَدْ رُتِبَ لِتَدْوِيرِهَا بَغْلان, وَقَدْ قَتَل الْبَدْو الَّذِينَ يَخْدِمُونَ فِي الْقَلْعَة أَحَدُهُمَا، وَأَكَلُوا عَلِيق الْبَغْل الْآخَرِ وَأَمَاتُوه جُوعًا، وَصَفْعوا الْمُحَافِظُ الَّذِي تَسَبَّبَ فِي عَدَمِ صَرْفِ مُخَصِّصَاتِهِم فِي الصُّرَّةِ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ, وَقَدْ أَرْسَل مُحَافِظَ الْمَدِينَةِ بَغْلاً إِلَى هَذِهِ الْقَلْعَة حَتَّى لاَ تَتَعَطَّل السَّاقِيَة، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفِي بِالْحَاجَةِ، وَأَقْنَع خَدَم الْقَلْعَة ِ بِوُجُوبِ احْتِسَاب ثَمَن الْبَغْل الَّذِي قَتَلُوهُ مِن فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَصَرْف مُخَصِّصَاتِهِم فِي الصُّرَّةِ عَنْ هَذِهِ السَّنَةِ فَقَطْ، عَلَى أَنْ يَقُومُوا بِالْخِدْمَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُمْ بِالصِّدْقِ وَالأَْمَانَةِ، ثُمَّ اشْتَرَى بَغْلاً آخَرَ بِمَبْلَغ ثَمَانُمِائَةِ وَخَمْسُونَ قِرشاً, وَسُلَّمَ إِلَى الأَْوْرِطَةِ بَاشي الْقَلْعَة

    وَهَذِهِ الْقَلْعَة لاَ تَحْتَاجُ إِلَى تَرْمِيمٍ، وَهُنَاكَ بِاتِّصَالِهَا مِن الْخَارِجِ بِرْكَةِ مَاءَ, طُولَهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضَهَا خَمْسَةٌ وَثَلاَثُونَ ذِرَاعاً، وَعُمْقِهَا عَشَرَةِ أَذْرُعٍ, وَبِمَا أَنَّ هَذِهِ الْبِرِكَةِ فِي أَرْضٍ رَمْلِيَّةٌ، فَإِنَّ الرِّيَاح حَمَلَتْ إِلَيْهَا الرِّمَال حَتَّى غَمَرْتها إِلَى نِصْفِهَا، حَيْثُ يَقْتَضِي تَطْهِيرِهَا مِنْ الرِّمَال، وَإِحَاطَتِهَا بِسُوَرٍ ارْتِفَاعُهُ ذِرَاعٍ, لِيَحُول دُونَ تَسَرُّبِ الرِّمَال إِلَيْهَا، وَإِذَا لَمْ تُسَوَّر فَإِنْ الْحَالَةِ تَتَطَلَّبُ تَطْهِيرًا مِنْ الرِّمَال فِي كُل سَنَةٍ, وَمُؤَنة الْبِرِكَةِ مِنَ الدَّاخِل مُتَأَكِّلَه، وَلاَ بُدَّ مِن تَجْدِيدِهَا، وَمِنَ السَّهْل عَمَلِهَا، وَخَارِجَ الْقَلْعَةِ ثَلاَثَةِ آثَارٌ [آبَارٍ], عَدَا الْبِئْرِ الَّتِي بِدَاخِل الْقَلْعَة .

    وَحَكَى الْمَرْجَانِيُّ الْمُتَوَفَّى عَامَ 781 مِن الْهِجْرَةِ, فِي كِتَابِهِ: « بَهْجَةِ النّفُوس وَالأَسْرَار فِي تَارِيخِ دَارِ هِجْرَةِ الْمُخْتَار », وَالْمَطَرِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 741 لِلْهِجْرَةِ, فِي كِتَابِهِ: « التَّعْرِيفُ بِمَا أَنَست الْهِجْرَةِ مِنْ مَعَالِمِ دَارِ الْهِجْرَةِ », وَأَبُو بَكْرٍ الْمَرَاغِي فِي: « تَحْقِيق النُّصْرَةِ بِتَلْخِيصِ مَعَالِمِ دَارِ الْهِجْرَةِ », قَالُوا :
    وَمَسْجِدٌ بِالْفَيْفَاءِ: فَيْفَاءُ الْفَحْلَتَيْنِ, وَهِيَ أَيْضاً مِنْ عَمَلِ الْمَدِينَةَ, كَانَ أَيْضًا بِهَا عُيُونٌ وَبَسَاتِينَ لِجَمَاعَةٍ مِن الصَّحَابَةِ وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم, مِنْهُمْ : أَزْهَر بْن مُكمِل بْن عَوْف بْنِ عَبْد الْحَارِث بْن زُهْرَة الْقُرَشِيّ الزُّهْرِيِّ, كَانَ فَاضِلاً نَاسِكاً, وَكَانَ يُذْكَر أَنَّهُ سَئلَ الْخِلاَفَةِ, وَأَبُوهُ ابْنُ عَمِّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, مَاتَ بِفَيْفَاءُ الْفَحْلَتَيْنِ, وَتَوَلَّى دَفْنُهُ بِهَا ابْنُ عَمّهِ حَفْصَ بْن عُمَرَ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْفٍ, وَالْفَيْفَاءُ مَمْدُودَةٍ بِفَاءَيْنِ .

    وكل عامٍ وأنتم بأتم صحة وعافية بمناسبة العيد المبارك

    قَالَ الْمُؤَلِّفَ ابْنِ غُنَيْم الْمَرْوَنِيَّ الْجُهَنِيُّ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ - :
    جَاءَ فِي قَوْلِ الْجَزِيرِيُّ : الْفَحْلَتَيْنِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي شِعْر الشُّعَرَاء بِالأَبرَقَيْن, قُلْت : الأَبْرَق، مَا زَالَ يُعْرَفُ بِاسْمِهِ, وَهُوَ أَرْضٌ وَوَادٍ عَلَى الضِّفَّةِ الشَّرْقِيَّةِ لِوَادِي الْحَمْضَ, بِجِوَارِ السَّلِيلَةِ, يَسْكُنُهُ جُهَيْنَةَ وَبَلِيّ وَبَعْضٌ مِنْ عِنَزَةَ, وَلَيْسَ الأَبْرَقَ بِقُرْبِ الْفَحْلَتَيْنِ كَمَا رَوَى, بَلْ هُوَ بَعِيدٌ عَنْها, بِحَوَالَيْ 70 كَيْلًا, وَأَنَا عَلَى مَعْرِفَةٍ بِتِلْكَ الدِّيَار وَأَهْلِهَا جَيِّدًا, فَقَدْ جَوَّلْتُ بِهَا وَنَزَلتُهَا لِسِنِينٍ عَدِيدَة, فَفِي الأَبرَقِ تَكْثُرُ أَشْجَارِ الدّوْمِ وَمِيَاهُ الْمَرَازِيْح بِهَا كَثِيرةٌ مَلْئَ بالْدَغَالِيْب وَالأَسْماكِ الصَّغِيرَةِ, وَلَكِنَّهَا لَا تُؤْكَل, وَالْمَرَازِيْح مُفْرَدُهَا مَرَزِيح: وَهُوَ مَاءً رَاكِدٌ زُعَاقٌ, يَنْبُعُ مِن بَاطِنِ الأَْرْضِ, أَهْمَلَهُ اللّغَوِيّونَ فِي مَعَاجِمهِمْ وَهُوَ فَصِيح .

    وَنَجِدُ فِي كِتَابِ مُوسِيْل الْمَكْتُوبِ سَنَةَ 1298هـ وَالْمُسَمَّى « بِلَادِ الْعَرَبِ الْحَجَرِيَّةُ » قِسْمُ شَمَالِ الْحِجَازِ :
    وَيَذْكُرُ بَطْلَيْمُوس فِي جُغْرَافِيتِه obraka , فَهِيَ فِي اللَّفْظَ الْعَامَّ اللُّغَوِيِّ الْمُعَرِّفُ بـ ( أَبْرَقُ, وَبَرْقَا ), وَيَعْنِي الصُّخُورُ الْقاتِمِة الَّتِي تُغَطِّى إِلَى حَدٍّ مَا بِرِمَالٍ يَشِعُ مِنْهَا الضَّوْءِ, فَإِذَا أَخَذْنَا بِالتَّفَاصِيل الَّتِي يَذْكُرُهَا بَطْلَيْمُوسُ عَنْ مَوْضِعِ ابركا هَذِهِ فَنَسْتَطِيعُ أَنَّ نَضَعْهَا عِنْدَ الأَبْرَقِ, حَيْثُ كَانَ الْبَدْوِ يَتَّخِذُونَ مِنْهَا مَرَبَّعًا [مَرَتَّعًا], لَهُمْ فِي وَقْتِ الرّبِيعِ .

    قَالَ بْن غُنَيْم وَفِيهِ يَقُولُ شَاعِرَ الْحِجَاز كُثَيِّرُ عَزَّة :
    أَقْوَى وَأَقْفَرَ مِنْ مَاوِيَّةَ البُرَقُ .... فَذُو مراخٍ فقفرُ العلقِ فَالحَرقُ
    فآكُمُ النَّعْفِ وَحْشٌ لَا أَنِيس بِهَا .... إلاّ الْقَطَا فتلاعُ النَّبعةِ العمُقُ

    وَالبُرَق الْمَقْصُودَ بِهِ مَوْضِعُ الأَبْرَقِ, وَمراخٌ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ بِقُرْبِ الْعَقِيق, وَقَالَ يَاقُوت: ذَكَرَ الزُّبَيْر بْن بَكَّار فِي « كِتَاب الْعَقِيق » وَأَنْشَدَ لِأَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيّ :
    بِأَجْمَادٍ الْعَقِيق إِلَى مراخٍ ... فَنَعْفُ سُوَيْقَةٍ فرِيَاضُ نَسْرٍ
    وَالأَبْرَقانِ مَاءٌ لِبَنِي جَعفرٍ, قَالَ أَعْرَابِيٌّ :
    أَلِمُّوا بأَهْل الأَبرَقَيْنِ فَسَلَّمُوا .... وَذَاكَ لأَهْلَ الأَبرَقَيْنِ قَلِيلُ

    وَقالَ آخَرُ :
    سقْياً لأَيْامٍ مَضَيْنَ مِنْ الصِّبا .... وَعَيْشٍ لَنَا بِالأَبْرَقَيْنِ قَصِيرٍ
    وَحَكَاهُ الحُسَيْنِيّ في التَّاج عَلَى الْقَامُوسِ, وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيِّ :
    فَيَا حَبَّذا الحَصّاءُ فَالبُرْقُ فالْعُلَا .... وَرِيحٍ أَتَانَا مِنْ هُناكَ نَسِيمُها

    وَبُرْقَة الجُنَينَةِ: هَكَذَا ضَبَطَهُ الصَّاغَانِيُّ, أَنَّهَا الْجُنَيْنَةُ بِالْجِيمِ تَصْغِيرُ الجَنَّة, وَأَنْشَدَ لجَبَلَةَ بْنِ الحَارِثِ وَقَدْ جَعَلَها بُرَقاً :
    كَأَنَّهُ فَرِدٌ أَقْوَتْ مَراتِعُه .... بُرْقُ الجُنَينَةِ فالأَخْراتُ فالدُّورُ

    وَقَال الشَّيْخُ صَالِحُ ابْنُ الإِْمَامِ أَحْمَدَ بْن الإِْمَامِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الإِْمَامِ صَالِحٍ الإِْمَامَ فِي كِتَابِهِ « تَارِيخ وَادِي الْقُرَى » :
    وَقَالَ جَعْفَر بْن سُرَاقَةَ أَحَدَ بَنِي قُرَّة, يَرُدّ عَلَى جَمِيلٍ الْعُذْرِيّ الْقُضَاعِيَّ :
    نَحْنُ مَنَعْنَا ذَا الْقُرَى مِنْ عَدُوَّنَا .... وَعُذْرَةَ إِذْ نَلْقَى يَهُودًا وَيعشرا
    مَنَعْنَاهُ مِنْ عُلْيا مَعَدَّ وَأَنْتُمْ ......... سَفَاسِيفِ روح بَيْنَ قَرْحٍٍ وَخَيْبَرا

    وَمِمَّا أَلْفَيْتهُ فِي كِتَابِ « دَلِيلَِ الْمُجْتَازِ إلَى أَرْضِ الْحِجَازِ », الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ
    أُرْجُوزَةٍ فِي وَصْفِ طَرِيقِ الْحَجّ الشَّامِيِّ, مِنْ نَظْم الشَّيْخِ بَدْرِ الدِّينِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْن الشَّيْخُ الإِْمَامُ الْمُحْدِثِ أَبِي الْقَاسِمِ عُمَرَ بْن الْحَسَنِ بْن حَبِيبٍ الشَّافِعِيِّ, وَمِمَّا جَاءَ فِيهَا :
    كَمْ مِنْ جِبَالٍ قَطَعُوا عِظَامٌ .... حَتَّى أَتَوْا لَيْلًا إِلَى الْعَظَامِي
    وَالأَبرَقَيْنِ مَنْزِلٍ أَنِيقٌ ......... فِيهِ يَبِينُ الصَّاحِبِ الشَّقِيقُ
    مِنْ بَعْدِهِ يَأْتُونَ وَادِي تَيْد ........ وَقَاهُمُ الرَّحْمَنِ كُلٍّ كَيَد
    تَقَدَّمُوا فَنَزَلُوا وَادِي الْقُرَى .. لَمَّا حَدَا الْحَادِيَّ وَجَدوا فِي السُّرَى

    قُلْنَا قَوْلَهُ تَيْد, يَقْصِدُ بِهِ وَادِي تَيْدَد, وَحَذَفَ إحْدَى الدَّالَيْنِ لِضَرُورَةِ وَزْن البَيْتِ مِنَ الْكَسْر, وَالْعَظَامِي مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِطَرَفِ وَادِي الْحَمْضِ, تَرَدَّدَ ذِكْرُهُ فِي كُتُبِ الرِّحالةِ, وَمَسْجِدُ عَظَامٌ فِي صَعِيدِ قَرْحٍ صَلَّى فِيهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي طَرِيقَهُ إلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ, فَفِي حَدِيثِ أَبِي الشُّمُوس الْبَلَوِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَنَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ الّذِي فِي صَعِيدِ قَرْحٍ, فَعَلَمْنَا مُصَلاَّهُ بِعَظْمٍ وَأَحْجَارٍ, فَهُوَ الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ أَهْلِ وَادِي الْقُرَى, وَفِي قَرْحٍ أَنْشَدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فِي وَقْعَةِ مُؤْتَةَ :
    جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ آجَامِ قَرْحٍ .... تُغَرُّ مِنْ الْحَشِيشِ لَهَا الْعُكُومُ
    حَذَوْنَاهَا مِنْ الصَّوَّانِ سَبْتًا ..... أَزَلَّ كَأَنَّ صَفْحَتَهُ أَدِيَمُ
    أَقَامَت لَيْلَتَيْنِ عَلَى مَعَانٍ ..... فَأَعْقَبَ بَعْدَ فَتْرَتِهَا جُمُوْمُ

    وَقَال أَبُو عَمْرْو الشَّيْبَانِيِّ تُوُفِّيَ سَنَةَ 188هِجْرِيَّة فِي « كِتَابِ الْجِيمِ », وَالْبَكْرِيُّ فِي « مُعْجَمِ مَا اُسْتُعْجِمَ » :
    كَنَخْلٍ بِأَعْلَى قُرْحَ حِيْطَ فَلَمْ يَزَل .... لَهُ خَائِلٌ حَتَّى أَنَى وَتَمَنَّعَا
    قَالَ الْمَرْوَنِيُّ : وَعَزَاهُ الشَّيْبَانِيُّ لِجَرِيرٍ, وَأَمّا الْبَكْرِيّ فَعَزَا الْبَيْتُ لَابْنِ مُقْبِلٍ, وَزَادَ الشَّيْبَانِيّ : وَالْخَائِلُ الْقَائِمُ عَلَى النَّخْلِ وَالْمَال, يُقَال : خَالَ يَخُولُ خِيَالةً حَسَنَة, وَهُوَ خائِلُ مَالٍ, أَيَّ : حْسَنَ الْقِيَامَ عَلَيْهِ, إِنْتَهَى كَلَامِه, وَالرَّاجِحُ الْمُخْتَار عِنْدنَا أَنَّ الْبَيْتَ لَابْنِ مُقْبِلٍ, لِأَنَّهُ أَكْثَرَ فِي أَشْعَارِهِ مِنْ ذِكْرِ الْمَنَازِلَ وَالدِّيَار, وَالْخَائِلُ لَمْ أَرَهَا عِنْدَ أَبُو حَاتِم السِّجِسْتَانِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّخْلَةِ .

    وَيَقُولُ الْمُؤَرِّخُ عَلِيِّ جَوَاد فِي الْمُفَصَّل فِي تَأْرِيخِ الْعَرَبُ قَبْل الإِْسْلاَمِ :
    وَهُنَاكَ مَوْضِعٌ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ اسْمَهُ : قُرْح, عَلَى مَسَافَةِ 43 كِيلُو مِتْرًا مِنْ الحِجْرِ, فِي مَكَانٍ يَمُرُّ بِهِ خَطِّ الْحَدِيدِ الْحِجَازِيِّ فِي مِنْطَقَةٍ صَحْرَاويَة، وَكَانَ فِي الأَْزْمِنَةِ السَّابِقَةَ مِنْ الْمَحَلاَّتِ الْمَزْرُوعَةِ، وَبِهِ بَسَاتِينً عِدَّة, تُعْرَفْ بِبَسَاتِينَ قُرْحٍٍ، وَعَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهَا سُقْيَا يَزِيدُ أَوْ قَصْرُ عَنْتَرَ: إِسْطَبْل عَنْتَرَ، كَمَا تُعَرَّفُ بِهِ فِي الزَّمَنِ الْحَاضِر, عَلَى بُعْدِ 98 كِيلُو مِتْراً مِنْ الْمَدِينَةِ, وَإِلَى شَمَالَهُ وَادِي الْحَمْضِ الَّذِي يَرَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ « أَنَّهُ الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَهُ هيرودوتس », وَوَجَدَ دُوتِي : فِي قُرى وَادِي الْقُرَى وَخَرَائِبَهُ عَدَدًا كَبِيراً مِنَ الْحِجَارَةِ الْمَكْتُوبَةِ بِحُرُوفِ الْمُسْنَدِ، وَقَدْ اتَّخَذَهَا السُّكَّانِ أَحْجَارًا مِنْ أَحْجَارٍ الْبِنَاءِ, وَعُثِرَ فِي الْخُرَيْبَةِ عَلَى كِتَابَاتِ بِهَذَا الْقَلَمِ، وَعَلَى آثَارُ أَبْنِيَةٍ وَمَوَاطِنِ حَضَارَةٍ, وَعَلَى أَلْوَاحٍ مِنَ الْحَجَرِ كَانَ يَسْتَعْمِلَهَا الصَّيَارِفَةِ لِصَفِ نُقُودِهِمْ عَلَيْهَا، أَوْ لِذَبْحِ الْقَرَابِينِ, كَمَا شَاهَدَ مَوْضِعًا يُقَالُ لَهُ : (إِسْطَبْل عَنْتَر) : عَلَى قِمَّةُ جَبَلٍ شَاهِقٍ يَرْنُو إِلَى الْوَادِي, وَلَعَلَّهُ مَعْبَدِ أَحَدُ الأَْصْنَامَ الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ هُنَاكَ .

    قَالَ الْمُؤَلِفُ ابْنِ غُنَيْم الْمَرْوَنِيّ الجُهَنِيَّ :
    هيرودوتس هُوَ الأَغرَّيِقيّ الْمُؤَرِّخُ الْجُغْرَافِي اليُونَانِيِّ, الْهَالِكِ قَبْلَ الْمِيلاَد, بَيْنَ 484 ـ 455 ق. م, صَاحِبُ كِتَابِ تَارِيخِ هيرودتس, بِعُنْوَانِ :Heredot, 2, 15, Der Araber, I, s. 166 . تَحْدثَ فِيهِ عَنْ مَوَاضِعٍ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ, قَالَ عَلِيِّ جَوَاد بِالْمُفَصِلِ : وَقَدْ أَُطْلقَ لَفْظَةِ arabae عَلَى بِلاَدِ الْعَرَبِ الْبَادِيَةُ وَجَزِيرَةِ الْعَرَبِ, وَالأَْرَضِينَ الْوَاقِعَةَ إلَى الشَّرْقِ مِنْ نَهْرِ النِّيل؛ فَأَدْخَل طُورِ سَيْنَاءَ وَمَا بَعْدهَا إِلَى ضِفَاف النِّيل فِي بِلاَدِ الْعَرَبِ. انْتَهَى كَلاَمُ جَوَادِ, قُلْت وَمِمَّا قَالَهُ الأَغرَّيِقيُّ فِي جُغْرَافِيَّتِهِ : وَالْعَرَبُ كَانَتْ مَلاَبِسَهُمْ وَاسِعَةً مَرْفُوعَةً بِمَنَاطِ, وَكَانُوا يَحْمِلُونَ فِي الْجِهَةِ الْيَمِينِ قسيّاً تُؤَثِّر طَرْدًا وَعَكْسًا, والأثيوبيون كَانُوا يَلْبَسُونَ ثِيَابًا مِنْ جِلْد النَّمِرِ وَالأَْسَدِ, وَلَهُمْ قسيّاً مِنْ جَرِيدُ النَّخْل طُول الْوَاحِدَةِ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ عَلَى الأَْقَل إِلَى أَنْ قََالَ : وَكَانَ قََائِدَهُمْ وَقَائِدُ الْعَرَبِ ارساماس بن دارا ؟؟, فَكَانَ ارساماس قَائِدُ الأثيوبيين الَّذِينَ هُمْ فَوْقَ مِصْرَ وَقَائِدُ الْعَرَبِ, ثُمّ قَالَ: فهذه الأُْمَمَ هِيَ الَّتِي جَمَعْتْ فُرْسَانًا وَكَانَ عَدَدُهُمْ يَبْلُغُ ثَمَانِينَ أَلْفَ فَارِسٍ, فَضْلاً عَنْ الْجِمَالِ وَالْعَجَلاَتِ, وَكُل هَذِهِ الأُْمَمِ كَانَتْ مُرَتَّبَةً طَوَائِفَ كُلٌّ مِنْهَا تَمْشِي فِي صَفِهَا, وَلَكِنَ الْعَرَبِ كَانُوا فِي المُؤَخَّرَةُ حَتَّى لاَ يُخَوفُوا الْخَيْل, لأَِنَّ الفَرَسَ لاَ يُطِيقُ الْجَمَل ! .

    وَحَكَى عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيَّ فِي كِتَابِهِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي الرِّحْلَة إِلَى بِلَادِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْحِجَاز :
    وَصَلْنَا إِلَى الْمَنْزِلَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْفَحْلَتَيْن, وَتُسَمَّى حِصْنَ عَنْتَر أَيْضًا, وَفِيهِ الْمَاءَ الْقَلِيل, وَالتَّعَبُ الْجَلِيل, فَلاَ يَكَادُ يَسْأَل عَنْ خَلِيلِهِ الْخَلِيل, وَأَمَّا نَحْنُ فَقَد وَجَدْنَا هُنَاكَ أَنْوَاع السُّرُور, وَالأَْمْنُ مِنْ الشُّرُور, وَفِي ذَلِكَ نَقُول, وَلاَ نَبَاتَ هُنَاكَ وَلاَ بَقوْل :
    أَتَيْتُ الْفَحْلَتَيْنِ وَكُنْتُ فِيمَا .... اُحَاوَلَهُ هُنَاكَ قَرِيرُ عَيْنِ
    وَمَاءُ الْفَحْلَتَيْنِ بِهِ نِتَاجٌ ........ لِشَارِبِهِ كَمَاءِ الْفَحْلَتَيْنِ
    وَقَدْ خَصَصْنَا النِّتَاجِ بِالشَّارِبِ, حَيْثُ وَجْه تِلْكَ الأَْرْضَ لَا نَبَاتٌ وَلاَ شَارِب, وَقَال الشَّيْخُ إِبْرَاهِيمَ الخِيَارِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : مَنْزِلٍ كُلَّهُ رَمَل, قَابَلْنَا بِوَجْهٍ مَرَد مِنَ النَّبَات, قَلَّ مَاؤُهُ, وَتَعَطَّل حَيَاؤُهُ, وَقَدْ قَاسْى النَّاسُ مِنْه إِلَى الَّذِي بَعْدَهُ شِدَّةً عَظِيمَة, مِنْ قِلَّةِ الْمَاءِ وَشِدَّةُ الْحَرِّ وَالسَّمُوم, بِحَيْث يَطْلُبْهُ الأَْمِيرُ مِنَ الْمَأْمُورِ, وَتَهَادَاهُ النَّاس فِيمَا بَيْنَهُمْ لِعَزَّة الْوُرُودِ, فَمَا بَالُكَ بِالصُّدُورِ, وَلَمْ نَزَل هُنَاكَ إِلَى أَنْ صَلَّيْنَا صَلاَةِ الْعَصْرِ .

    وَيَرْوَي دُوتِي فِي تَارِيخِهِ الْكَبِير « تَرْحَال فِي صَحْرَاءِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ » :
    وَفِي اتِّجَاهِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ تُوجَدُ مَوَاقِعٍ أَثَرِيَّةٌ لَيْسَتْ بالْقَلِيلَة, وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ آثَارٍ لِقُرَى جَيِّدَةً, وَرُبَّمَا تَكُونَ هُنَاكَ نُقُوشٌ كَثِيرَةٌ مَنْحُوتَةٍ فَوْقَ أَحْجَارِ هَذَا الْبَلَدِ الرَّمْلِيَّةُ, تَسْتَقْبِل الحدية [هَدِيَّة] Hedieh , إِحْدَى قِلَاعُ الْحَجِّ فِي وَادِي حَمْضَ Humth مِيَاهَ السُّيُولِ تَجِيءُ مِنْ خَيْبَرَ, وَفِي أَقْصَى الْجَنُوبِ الشَّرْقِيِّ هُنَاكَ وَادِي جَانِبِيٌ, يَنْزِل هَابِطًا إِلَى وَادِي قُرَّةَ, أَوْ إِنْ شِئْتَ فَقُلْ مَجْرَى الحمث [الْحَمْض] الَّذِي تُوجَدْ فِيهِ آثَارٌ بَارِزَةٍ وَمَلْحُوظَةٍ, يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا كوره [الْكُوْرَةَ] korh , وَهَذَا الْمَكَانَ فِي رَأْي الْبَدْوِ أَعْظَمُ مِنَ قَرْيَةِ الْعُلَا, وَالْأَرْضُ هُنَا وَعْرَةٌ فِيمَا بَيْنَ التِّلَالِ, كَمَا أَنَّ الْوَادِي هُنَا أَوْسَعَ قَلِيلًا عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ فِي قَرْيَةِ الْعُلَا, مَنْ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ يُشَاهَدُ مَوَاقِعُ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَبَانِي الْقَدِيمَةُ, الَّتِي مِنْ بَيْنِهَا قَلْعَةٌ مُدمَرةٍ, وَبَنِيَّ وَهَّاب wahab لاَ تَشِيعَ بَيْنَهُمْ تَقَالِيدَ قورة, بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمِنْطَقَةُ هِيَ مَنْطِقَتَهُمْ مِنْ قَدِيمِ الأَْزَل, لَوْ كَانَ هَذَا الْمَكَانُ هُوَ قورة Ghorh (khorh) لنَطْقَ أَهْلُ هَذَا الْمَكَانَ الِاسْمُ حَوْرَةُ, أَوْ لَفَظُوهُ عَلَى أَنَّهُ حَوْرَةَ, وَفِي هَذَا الْمَكَانُ يَقَعُ مَسْقَطِ رَأْسِ الشَّاعِرُ البَطَلُ عَنْتَرَةَ الْعَبْسِيَّ, ذَلِكَ الرَّجُل الَّذِي لَمْ يَتفوَّقُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْبَدْوِ الرُحْل القُدَامَى, سَوَاءٍ فِي شَجَاعَةِ الْحَرْبِ أَوْ أَغانِيُّ الصَّحْرَاءِ, و وَعَنْتَرَةَ هُوَ أَحَدُ مُؤَلِفِي الْقَصَائِدَ الذَّهَبِيَّةُ السَّبْعِ, وَبِالْقُرْبِ مِنْ الْقَلْعَةِ التَّالِيَةِ أَلاَ وَهِيَ: قَلْعَةَ سجوة sujwa [شَجْوَةَ, بِالْمَنْقُوطَةِ] هُنَاكَ جَبَلٌ يُطْلَقُ النَّاسُ عَلَيْهِ اسْمَ اسْطَبْل عَنْتَر Antar istabI , عَلَى قِمَّةُ ذَلِكَ جَبَلَ تَرَى أَعْيُنِ النّاسِ الخُرَافِيَةُ هُنَا مَرْبِطًا كَبِيراً, وَكَذَلِكَ الْحَلَقَاتُ الْصَخْرِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ تُرْبَطُ فِيهَا خُيُول ذَلِكَ البَطَل, وَالنَّاسُ هُنَا يَرَوْنَ أَنَّ قَامَةِ عَنْتَرَةَ كَانَتْ تَصِل إِلَى مَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ خَمْسِ وَسِتّ قَامَاتٌ, أَبْلَغَنِي الْحَاجَّ نَجْمُ الْمَغْرِبِيِّ أَنَّهُ شَاهَدَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ خَطَاً حَدِيدياً .

    وَتَحَدَّثَ دُوتِي عَنْ الْقَبَائِلُ الْمُجَاوَرَة لِلْجَبَلِ فِي وَادِي الْحَمْضِ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: « صَحْرَاءِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ »,
    وَذَلِكَ سَنَةِ 1287 أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وسَبْعٍ وثَمَانِينَ لِلْهِجْرَةِ :
    فِيمَا يَلِي أَسْمَاء الْقَبَائِلِ الْبَدَوِيَّةَ الْمُجَاوِرَةُ لِهَذَا الْمَكَانِ : البلي [بَلِيٍّ] وَوَاحِدُهُ الْبَلْوِيُّ beIuwy , وَمَنْطِقتَهُم أَوْ إِنْ شِئْتَ فَقُل مَضَارِبَهُم فَوْقَ الْحَرَّةِ, وَإِلَى الشَّمَالِ مِنْهُمْ يُوجَدُ الْحُوَيْطَات وَاحِدَهُ حُوَيْطِيَّ, وَإِلَى الْجَنُوبِ مِنْ الْحُوَيْطَاتِ تُوجَدُ جُهَيْنَةَ : وَهِيَ قَبِيلَةٌ قَدِيمَةٍ, وَهِيَ بِلُغَةِ غَيْرُ الْيَهُودِ, جَيْهَن Jehin , وَلَمَّا كَانَ الجَهَايِنَةِ [الجِهنَانِ] مِثْلِ الكليبات [الْكِلِبْات] eI-kIeybat عَلَى الطَّرِيقِ فِيمَا بَيْنَ سورة sawra وَشَجْوَةَ sujwa وَهُنَاكَ الْعُرْوَةَ Aroa والجاعضة [الْجَعْادِنَةَ] Gadah وَالْمَرَاوِين Merowin , والزبيان [الْذِبْيَانِ, بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة] zubbian , وَكَذَلِكَ الجرون [الْقُرُونِ, بِالْقَافِ], وَمَنْ حَوْلِ يَنْبُعَ يُوجَدُ كُلٌّ مِنْ بَنِي إبْرَاهِيم, وسيدة [صََّعَايِدةِ, أَوْ , صَّيَّادلْةِ], sieyda , والسراسرة [الصَّرَاصِرَةِ, بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ] seraserra .

    وَقَرَأَتُ فِي كِتَابِ الْفَيْرُوزَ الْمَغَانِمُ المُطَابَّةِ فِي مَعَالِمِ طَابَةِ :
    الْفَحْلَتَانِ : قُنتَانِ مُرْتَفِعَتَانِ, عَلَى يَوْمٍ مِنْ الْمَدِينَةِ, تَحْتَهَا صَحْرَاءِ, وَلَهَا ذِكْرٌ فِي غَزَاةِ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ, وَكَانَ رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ قَدْ أَسْلَمَ وَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ, فَأَنْفَذَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى زَيْدٍ لْيَنْزِعَ مَا فِي يَدِهِ, وَيَدِ أَصْحَابِهِ وَيَرُدُّهُ إِلَى أَرْبَابِهِ, فَسَارَ إِلَى الْقَوْمِ, فَلَقِيَ الْجَيْش بِفَيْفَاءُ الْفَحْلَتَيْنِ, فَأَخَذَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ, حَتَّى كَانُوا يَنْزِعُونَ لَبِيْدَ الرّجْل مِنْ تَحْتِ الْمَرْأَةِ .

    وَوَقَعَ فِي رِحْلَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الدُرَعِي الْمَغْرِبِيّ :
    وَنْزلْنَا الْفَحْلَتَيْنِ : وَقَدْ مَضَى مِنَ اللَّيْل خَمْسُ سَاعَاتٍ, وَبِهَا قَلْعَةٍ صَغِيرَةً حَصِينَةٌ, يَسْكُنُهَا الْحَرْسِ, وَآبَارٍ عَذْبَةً, يُخَزَّنُ بِهَا الشَّامِيُّ عَلَى عَادَةِ بَنَادِرَ دَرْب الْمِصْرِي, وَقَدْ حَدَثَتْ الْبْنَادِرَ بِالدَّرْب الشَّامِيِّ فِي هَذِهِ الأَْزْمَانِ, وَقَبْل ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ, إِلاَّ أَنَّ عَادَة مَنْ يَحْرسُ هَذِهِ الْبْنَادِرَ الشَّامِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَ مِنَ مَرَّ بِهِمْ من حُجَّاجُ الْمِصْرِيِّينَ وَلاَ غَيْرِهِمْ أَنْ يَدْخُلَهَا, وَإِنَّمَا يُسَوّقونَ خَارِجِهَا .

    قَالَ بْن غُنَيْم الْمَرْوْانِيَّ الْجُهَنِيَّ - غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ - :
    الْقَوْلُ بِأَنَّ الْجَبَلَ مَنْسُوبٍ لِعَنْتَرَةَ الْعَبْسِيّ لَيْسَ بِشَيْءٍ, فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُعتَرّفًا بِهِ مُتَعَيّنًا مَا يَدُل عَلَيْهِ, وَيَبْدُو أَنَّ تِلْكَ الأَكَاذِيبُ وَالْمَخَارِقُ الرَّائِجَةُ جَاءَتْ مِنَ الْخَارِجِ, وَيَقُولَ شَيْخُنَا حَمْد الجَاسِر عَنْ هَذَا الرَّأْيِ وَالْقَائِلِينَ بِهِ : وَقَدْ وَهَمَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْرَحَلَات فَظَنُّوهُ مُضَافًا إِلَى عَنْتَرَةَ الْعَبْسِيَّ, وَتَخَيَّلوهُ مِنْ مَنَازِلِهِ, وَسَمَّوُا مَوَاضِعٍ بِقُرْبِهِ كَمَا فِي دُرَر الْفَوَائِدِ لْمُنَظِّمَة, وَفِي رِحْلَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الدُرَعِي, وَهَذَا خَطًّا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ, وَأَوْضَحْنَا أَنَّ بِلاَدِ عَنْتَرَةَ وَقَوْمَهُ بَنِي عَبْسٍ فِي نَجْد, وَهُنَاكَ مَوْضِعُ آخَرَ يُسَمَّى : إِصْْطَبْل عَنْتَرَ, يَقَعُ بَيْنَ مَنْزِلَتيِ الأَْزْلمِ وَالْوَجْهِ, فِي الطَّرِيقِ السَّاحِلِيُّ لِلْحُجَّاجِ اَلْقَادِمِينَ مِنْ مِصْرَ عَنْ طَرِيقِ الْبَرِّ، وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضِ الرَّحَّالِيْن أََنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى عَنْتَرَةَ الْعَبْسِيَّ, وَمَنْزِل عَنْتَرَةَ الْعَبْسِيَّ مَعَ قَوْمِهِ بَنِي عَبْسٍ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْجِهَاتِ مِنْ شَمَالِ الْحِجَازِ، بَل فِي نَجْدٍ فِي نَوَاحِي الْقَصِيمِ, وَقَدْ قُتِلَ شَرْقَ مَنْهَلِ شَرْجِ بِقُرْبِ نَاظِرَةَ مِنْ رِمَالِ الدَّهْنَاءِ .

    وَأَلْفَيْتُ فِي مَخْطُوطَةِ الْأَنْدَلُسِيُّ الْمُتَوَفَّى عَامَ 779 مِنْ الْهِجْرَةِ, وَالْمُسَمَّاةِ: « وَاسِطَةُ الْعَقْدَيْنِ فِي مَدْحِ سَيِّدُ الْكَوْنَيْنِ » : وَمَنْ بَعُدَ وَادِي هُديَّةَ خَيَّمُوا ........... عَلَى مَوْرِدٍ لاَ بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ ضَرَّا
    وَسِرْنا وَوَجْهُ الصُّبْحِ أَبْيَضُ بَاسِمٍ ...... فَلاَقَتْ مِنْ السَّوْدَاءُ أَجَالنَا شَرَّا
    وَكَانَ بِقُرْبِ الْفَحْلَتَيْنِ مَبِيتُهُمْ صَخْرَّا ... وَقُمْنَا وَصبَّحْنَا الْمَدِينَةِ خَضْرَّا

    وَقَالَ مُرْتَضَى بْن عَِلْوَان فِي رِحْلَتِهِ: « الْحِجَازِ وَالْأَحْسَاء وَالْكُوَيْتِ وَالْعِرَاقَ » :
    ثُمَّ قُمْنَا إِلَى هَدِيَّة وَكَانَ بَاقِي مِن النَّهَارِ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ, فَوَصَّلْنَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِسَاعَةٍ, فَإِذَا هُوَ مَنْزِلٌ لاَ بَأْسَ بِهِ, غَيْرَ أَنَّ الْغِيلَان فِي دُرُبِهَا كَثِيرٌ !, وَوَجَدْنَا مِنْ السَّيْل فِي أَفْنَائِهَا [أَثنَائِهَا] نَهْرًا عَظِيمًا يَدُورُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَدْرُب, كَأَنَّهُ ثَلاَثَة أَنْهُرٌ, سيئلنا [سَأَلَنَا] عَنْهُ فَقِيلَ : قَدْ جَاءَ فِي صَحْرَاءُ الْعِرَاق سَيْلٌ كَثِيرٌ عَرَمْرَمٌ, وَهَذَا مُمْتَدٌّ مِنْهُ ؟, وَكَانَ قُنْاقِها ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَاعَةً, ثُمَّ قُمْنَا مِنْهَا إِلَى الْفَحْلَتَيْنِ, وَكَانَ بَاقِي مِن النَّهَارِ سَاعَتَيْنِ, إِلَى أَنْ مَضَى مِنْ النَّهَارِ الثَّانِي خَمْسُ سَاعَاتٍ, فَنَزَلْنَا قَاطِع الْفَحْلَتَيْن, وَالْمِيَاهِ مَعَنَا مِنْ الْعُلَا وَمِنْ هَدِيَّةَ, مِن السَّيْل الْمَذْكُور, لَكِنَّهُ قناق مُتْعِبٌ نَالَ الْحَاجُّ مِنْهُ غَايَةِ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ, وَفِي أَثْنَائِهِ عَقَبَةٌ يُقَال لَهَا: الْعَقَبَةِ السَّوْدَاء, عَلَى مَا سُمِّيَت نَالَ الْحَاجّ مِنْهَا التَّعَبُ, وَتَقَطَّعَتِ الْقُطُرُ, وَتَاهَ إِلَى النَّاس بَعْضُ جِمَالٍ وأَبْغَالٌ وَأَحْمَالٍ, وَمَا زَادَ فِي عَيْبِهَا إِلاَّ تُطَاوِلَها, وَقَدْ بَلَغَ السَّيْرَ عِشْرِينَ سَاعَةً, وَفِي جُل الْقَضِيَّةِ وَتَمَامُهَا أَنْزَل اللَّهُ سَحَابَة مَطَرٍ .

    قَالَ الْمُؤَلِف ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَانِيُّ الجُهَنِيُّ :
    الهَيْلانِ وَالسَّعَالِي فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ كَثِيرَةٌ كَمَا حَكَى الْمُؤَلِّف, وَقَدْ حَدّثَنِي الثّقَةُ عَنْ نَاحِيَ الهُدْبَانِيَّ الْجُهَنِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ مِمَّنْ رَآهَا فِي قَرْحَى شَمَالَ غَرْبِيِّ الْمَارامِيَةَ فِي وَادٍ يَرْفِدُ بِالحَمْضِ يُسَمَّى طُرَيْف الرِّيحِ, وَلَنَا عَلَيْهِ كَلَامٌ فِي رِسَالَةً لَنَا عََنْ الْغِيلَان وَالهَيْلانِ, وَهَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ يَكْثُرُ وُجُودِهَا فِي تِلْكَ النَّوَاحِي مِنْ الْحِجَازِ, وَقَدْ كَتَبَ عَنْهَا بَعْضُ الْعُلَمَاء الأَْوَّلِينَ كَابْنِ طُولُونَ الْحَنَفِيّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 953 لِلْهِجْرَةِ, لَهُ « كِتَابِ الْغُول » وَمَا يَزَال هَذَا الْكِتَابِ مَخْطوط حَتّى الْآنَ, وَيُخَيَّلُ إِليَّ أَنَّهُ صَنَّفَ كِتَابَهُ هَاذَا بَعْدَ رِحْلَتِهِ لأََدئِّ مَنَاسِكَ الْحَجِّ, مَارًّا بِتِلْكَ الْمَنَازِلِ وَالدِّيَارِ, وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي « الْبَرْقُ السَّامِي فِي تعْدَادِ مَنَازِلِ الْحَجّ الشَّامِي », وَلأَِحَدِ الْمُحْدَثِينَ الْمُعَاصِرِين « الْغُول بَيْنَ الْحَدِيثِ النَّبَوِيّ وَالْمَوْرُوثَ الشّعْبِيّ », وَلِلبِلَادِيُّ كِتَاب « الْأَدَبُ الشّعْبِيَّ فِي الْحِجَازِ » وَقَالَ الْقَزْوِينِيُّ فِي كِتَابِهِ عَجَائِبَ الْمَخْلُوقَاتِ : رَأَى الغُولَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ, مِنْهُمْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب حِينَ سَافَرَ إلَى الشّامِ قَبْلِ الْإِسْلَامِ, فَضَرَبَهَا بِالسّيْفِ

    وَرَوَى الشَّيْخُ الْمُؤَرِّخُ الْدُكتُور نَاصِر بْن غُنَيْم الْمَرْوَانِيُّ فِي كِتَابَةِ : دِرَاسَاتٍ مِيْدَانِيَةً فِي وَادِي الْعِيصِ وَمُجْتَمَعُ قَبِيلَةِ جُهَيْنَةَ, نُسْخَة 1418هـ, قَال :
    وَيُطْلَقُ عَلَى الْجِنِّ فِي مُجْتَمَع جُهَيْنَةَ الْهَوْل, نَظَرًا لِمَا يُحَدِّثَهُ مِنْ خَوْفٍ وَهَلَعٌ وَتَهْوِيلٌ, وَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِي مُجْتَمَعِ الْبَحْثِ يَتَصَوَّرُونَ أَنَّ مَسَاكِنَ وَمَوَاقِعَ الْجِنِّ هِيَ الدُّورِ الْخَرِبَةَ ومَعَاطِنِ الإِْبِل وَمَوْضِعَ النَّار, وَلِذَلِكَ هُمْ يَتَحَاشَوْنَ ويَحْذَرُونَ هَذِهِ الْأَمَاكِن وَالْمَوَاقِع, كَذَلِكَ يَتَصَوَّرُونَ أَنَّ عَدُوٍّ الْجِنِّ اللَّدُود وَاَلَّذِي يَقْضِي عَلَيْهِ هُوَ الذِّئْب, وَكَثِيرًا مَا تُرْوَى الْقَصَصِ مِنْ الْإِخْبَارِيّينَ عِنْدَمَا يُقَرِّرَ أَحَدُ أَبْنَاء جُهَيْنَةَ فِي السَّابِقِ أَنْ يَشُدَّ الرِّحَالُ بعد مُنْتَصَفِ إحْدَى اللَّيَالِي عَلَى ظَهْرِ بَعِيرهُ [ذَلُولِهِ] وَحِيْداً فِي الصَّحْرَاءِ لِيَسْرِي فِي رِحْلَةِ سَفَرٍ إلى مِنْطَقَةٌ أُخْرَى لِقَضَاءِ حَاجَةٍ مَا, فَإِنْ أَهَمَّ دَلِيلٌ لِلْمُسَافِرِ عَلَى وُجُودِ الْهَوْل عَلَى سَطْحِ الأَْرْضِ بِأَنَّ يَعْرِفُ مِن الْحَرَكَاتِ الْغَيْرِ عَادِيَة الَّتِي تُصْدِرُهَا دَابَّتِهِ, مِثْل : الْوُقُوف الْمُفَاجِئٍ لِلدَّابَّةِ عَلَى غَيْرِ عَادَتَهَا, أَوْ الْهَرْوَلَةُ المُفاجَأَةُ لَهَا, وَعِنْدَئِذٍ يَفْزَعُ ذَلِكَ لْمُسَافِرِ إِلَى الْبَسْمَلَةِ, انْتَهَى كَلاَمِه, قُلْت: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ وَالْقَرِيبَ نَاصِر رْعَاهُ اللَّهُ رِوَايَاتٌ غَيْرُ هَذِهِ يُسْنِدُهَا عَنْ إِخْبَارَييْن مِنْ جُهَيْنَةَ .

    وَمِنْ أَحْسَنُ مَنْ وَصَفَ السِّعْلِيّةَ مِنْ الشُّعَرَاءِ وَالْفُرْسَانِ أَبِي الْبِلاَدِ الْطُّهَويُّ, وَذَاكَ حِينَ أَنْشَدَ :
    لهَانَ عَلَى جُهَيْنَةً مَا أُلاقِيَ مِنْ ...... الرَّوْعَاتِ عِنْدَ رَحَى بِطانِ [بُوْاطَانِ]
    لَقِيتُ الْغَوْلَ تَسْرِي فِي ظَلاَمٍ ......... بسَهْبٍ كَالْعَبَايَةِ صَحْصَحانِ
    فَقُلْتُ لَهَا كِلاَنَا نَقُضُ أَرْضٍ ......... أَخُو سَفَرٍ فَصُدي عَنْ مَكَانِي
    فَصَدَّتْ وَانْتَحَيْتُ لَهَا بِعَضْبٍ ........ حُسَامٍ غَيْر مُؤْتَشِبٍ يَمَانِي
    فَقْدَ سَرَاتُهَا وَالبَرْكُ مِنْهَا ............. فَخَرَّتْ لِلْيَدَيْنِ وَلِلجِرَانِ
    فَقَالَتْ عُدْ فَقُلْتُ رُوَيْدٍ إِنِّي .......... عَلَى أَمْثَالِهَا ثَبْتُ الْجَنَانِ
    شَدَدْتُ عِقَالهَا وَحَطَطْتُ عَنْهَا ...... لَأَنْظُرَ غُدْوَةً مَاذَا دَهَانِي ؟
    إِذَا عَيْنَانِ فِي وَجْهٍ قَبِيحٍ .......... كَوَجْهِ الْهِرِّ مَشْقُوقَ اللِّسَانِ
    وَرِجْلا مُخْدَجٍ وَلِسَانُ كَلْبٍ ....... وَجِلْدٌ مِنْ فِرَاءٍ أَوْ شِنَانِ

    [/align]

  7. #7

    افتراضي

    [align=right]
    قَالَ الْمُؤَلِف ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَانِيُّ الجُهَنِيُّ :
    وَالأَبْيَاتُ المُتَقدِّمةُ ذَكَرَهَا الْجَاحِظُ وَالطَّبَرِيِّ وَنَسَباهَا لِأَبِي الْغَوْل الْطُّهَويَّ, وَهِيَ أَيْضًا عِنْدَ اللُّغَوِيَّ السِّجِسْتَانِيُّ فِي « كِتَابِ الْوُحُوش » وَقَدْ أَبْعَدَ النُّجْعَةِ مَنْ نَسَبْهَا إِلَى تابَّطَ شَراً, وَمِنْ الْمُدْرِكِ بَدَاهَةً فِي بَادِيَةِ جُهَيْنَةُ أَنَّ بُوَاطَ الْوَادِي الّذِي سَلَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةِ ذَاتِ الْعُشَيْرَةِ كَانَ وَمَا يَزَال مَرْتَعاً تَعْبَثُ بِهِ الْغِيلاَنِ وتَعَرُّضَ فِيهِ بِالْمُسَافِرينَ, وَوَرَدَ فِي عَجُزُ البَيْتِ الْأَوَّلِ رَحَى بِطانِ, وَأَكْبَرِ الظَّنِّ أَنَّ التَّصْحِيفَ قَدْ عَرَضَ لَهُ فأَبْهَمَهُ, لأَِنَّ رَحَى بِطانٍ الْمَذْكُور لاَ يُعْلَمُ مَوْقِعِهِ, وَالشَّاهِدُ أَنَّهُ بُوَاطَانِ : وَهُوَ وَادٍ وَجَبَلٌ لِجُهَيْنَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْطُّهَويّ, قََالَ السُّهَيْلِيُّ : بُوَاطَانِ فَرْعَانِ لِأَصْلٍ وَأَحَد, هُمَا: جَلْسِيّ، وَالْآخَرُ غَوْرِيّ, وَسَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ .

    وَكُنْتُ يَوْمًا اسْتَمَعُ إلَى شَيْخًا يُحَدِّثُ فِي مَجْلِسِ سَمَّرٍ عَنْ هَذَا الأَْمْرِ, فَقَامَ أَحَدُهُمْ وَقَال : يَا فُلاَن هَذِهِ خُرَافَةٌ لاَ تَقْصُصْهَا إِلاَّ عَلَى الأَْوْلاَدِ, فَقُلْتُ لَهُ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ أَتُعَلِّمُ مَا هِِيَ الْخُرَافَةَ ؟؟, فَقَالَ: هِيَ الْقِصَصُ الْمَكْذُوبَةِ الَّتِي تَرُوجُ بَيْنَ الْعَوَامُّ مِِنْ النَّاسِ, ثُمَّ إنَّهُ قَدْ انْفَضَّ ذَاكَ الْمَجْلِسِ, وَأَنَا أَقُول: حَقاً لِقَوْلُ هَذَا الشَّيْخ حَدِيثِ خُرَافَةَ !!, فَقَدْ رَوَى الإِْمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ : حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَدِيثاً, فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ الْحَدِيثُ حَدِيثَ خُرَافَةَ, فَقَالَ : « أَتُدْرُونَ مَا خُرَافَةُ ؟؟, إنَّ خُرَافَةَ كَانَ رَجُلاً من عُذْرَةَ أَسَرَتْهُ الْجِنُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ, فَمَكَثَ فِيهِنَّ دَهْراً طَوِيلاً ثُمَّ رَدُّوهُ إلَى الإِنْسِ, فَكَانَ يُحْدِثُ النَّاسُ بِمَا رَأَى فِيهِِمْ مِنَ الأَعَاجِيبِ, فَقَال النَّاسُ : حَدِيثُ خُرَافَةَ »,

    قُلْتُ :
    وَخُرَافَةُ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ كَمَا لابْنِ الكَلْبِي اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ وَاخْتَطَفَتْهُ, ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْمِهِ فَكَانَ يُحَدِّثُ بمَا رَأَى, أَحادِيثَ يَعْجَبُ مِنْهَا النَّاسُ, فَكَذَبُوهُ فجَرَى عَلَى أَلْسُنِ النَّاسِ وَقَالُوا : حَدِيثُ خُرَافة, وَعَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ قالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ : « حَدِّثِينِي », قلتُ : مَا أُحَدِّثُكَ, حَدِيثَ خُرَافَةَ ؟؟, قَال : « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَانَ » .

    وَرَوَى السُّهَيْلِيُّ « بِالرَّوْضِ الْأنْف » وَأَبُو عُبَيْدٌ فِي « مُعْجَمِ مَا اسْتَعْجَمَ مِنْ أَسْمَاءِ الْبِلاَدِ وَالْمَوَاضِعَ », فَقَالاَ :
    وَكَانَتْ مَسَاجِدُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ إلَى تَبُوكَ مَعْلُومَةً مُسَمّاةً, إِلَى أَنْ قََالَ: وَمَسْجِدٌ بِذِي الْمَرْوَةِ، وَمَسْجِدٌ بِالْفَيْفَاءِ, وَزَادَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَمْدُودٌ بِفَاءَيْنِ .

    وَقَالَ أَبِي إِسْحَاقَ الْحَرْبِيَّ أَوْ الْقَاضِيَ وَكِيعٌ فِي مُصَنَّف « الْمَنَاسِكِ وَأَمَاكِنَ طُرُق الْحَجّ وَمَعَالِمِ الْجَزِيرَةَ » :
    مَسَاجِدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي ابْتَنَاهَا فِي خُرُوجِهِ إلَى تَبُوكَ : وَمَسْجِدٌ بِذِي الْمَرْوَةِ, وَمَسْجِدٌ بِذِي الْفَيْفَاءِ .
    وَحَكَى ابْنُ بَهْرَامَ الدِّمَشْقِيِّ فِي كِتَابِهِ الْجُغْرَافِيَا الْكُبْرَى :
    الْفَحْلَتَيْنِ : وَهُمَا تَلانِ صَغِيرَانِ, وَهُوَ مَكَانٌ بِلاَ مَاءٍ، وَبِالْقُرْبِ مِنْهُ جَبَلٌ مُرْتَفِع, وَهُنَاكَ وَقَفَ الْحِصَارِ, وَمِنْهُ إِِلَى وَادِيَ الْقُرَى، وَلاَ يُوجَدُ بِهِ مَاءٌ جَارٍ, وَلَكِنْ تَكْثُرُ فِي أَرْضِهَا أَشْجَارٌ نَابِتَةً, وَمِنْ هُنَاكَ إِلَى آبَيارِ حَمْزَةَ، حَيْثُ يُوجَد مَسْجِدٌ لِلرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

    وَقَال ابْنُ فَضْل الْيَعْمُرِيّ فِي الْمَسَالِكِ وَالمَمالِكِ :
    وَأَرْض الْفَحْلَتَيْنِ : وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي شِعْر الشُّعَرَاء بِالأَبرَقَيْن, وَقَدْ تَأْتِي مَضَايِقَهُ سُيُولٌ, فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقَيْظ مَنَعْتهمْ الْجِبَال أَنْ يَسْتَرِيحُوا بِنَسِيمٍ, وَتَقْدَحَتْ رِمَالِهِ وَأَحْجَارِ الصَّوَّان بِهِ نَارًا تَتَوَقَّد, وَهَبَّتْ مِنْ فِجَاجِهِ رِيحُ السَّمُوم, فَنَشَّفَت الْقِرْب وَأهْلَكْت النَّاس وَالإِْبِل .

    وَقَالَ اُوْلِيَاء جَلَبِي الْمُتَوَفَّى بِسَنَةِ 1081 لِلْهِجْرَةِ فِي كِتَابَةِ « الرِّحْلَةُ الْحِجَازِيَّة » :
    قَلْعَة الْفَحْلَتَيْن : يُسَمِّيهَا الأَهْالي وَسُكَّانُ الْمِنْطَقَةِ أَيْضاً « صَخْرَة السَّلاَمِ », وَيَقُولُونَ أَنَّ الرَّسُول الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا كَانَ يَمُرُّ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ أَلْقَى السَّلاَمَ قَائِلاً : « السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا جَبَل منَّور » فَجَاءَهُ صَوْتٍ مِنْ الْجَبَل مُجِيْباً : « وَعَلَيْكُمُ السَّلاَم يَا رَسُول اللَّه », وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمِنْطَقَةِ أَيْضاً وِلاَيَةِ بِلاَد خَيْبَرَ, وَالْقَلْعَةُ مُقَامَةً فَوْقَ صَخْرَةٍ مُدَببةً, وَيُقَال أَنَّ أَوَّل مَنْ أَقَامَهَا عَنْتَرَةَ, وَلَمْ يَكُنْ بِهَا أَحَدٌ, وَلَمْ نَشَأَ أَنْ نَصْعَدهَا أَوْ نَتَفْحَصُها, فِي شَرْقِ هَذِهِ الْمِنْطَقَةِ تُوجَدُ جِبَال بِهَا عُيُونٌ مَائِيَّةٌ عَذَبَةٍ مِنْ الْقَاعِ, وَقَدْ قَامَ الْجَمِيع بِمِلْئِ قِرْبَهُمْ مِنْهَا .

    وَقَالَ ابْنُ طُولُونَ الْمُتَوَفَّى بِالْقَرْنِ التَّاسِعِ الْهِجْرِيِّ فِي كِتَابِهِ « الْبَرْقُ السَّامِي فِي تعْدَادِ مَنَازِلِ الْحَجّ الشَّامِي » :
    ثَمَّ وَصَلْنَا هَدِيَّة عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَوَجَدْنَا بِهَا آثَارِ سَيْلٌ كَبِيرٌ أَتَى مِنْ شَرْقِيِّهَا مِنْ جِهَةِ أَرْضُ خَيْبَرَ, ثَمَّ رَحَلْنا مِنْهَا قَبْلَ فَجْرِ الْغَدِ, فَمَرَرْنا عَلَى الْعَقَبَةِ السَّوْدَاء ، ثُمَّ عَلَى وَادِي الْجَمَاجِمِ وَالرِّمَمْ، ثُمَّ عَلَى وَادِي الإضان ؟, ثَمَّ عَشينَا بِقُرْبِ الْفَحْلَتَيْن : وَهُمَا قِطْعَتَانِ كَبِيرَتَانِ عَلَى رَأْسِ جَبَلٌ غَرْبِيِّ الطَّرِيقِ، يَرَاهُمَا الْحَاجِّ مِنْ بُعْدٍ، « وَبَعْضُ النَّاسِ يَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعَدهُما », ثَمَّ رَحَلْنا فِي ثُلُث هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ، فَدَخَلْنَا وَادِي الْقُرَى، ثَمَّ عَشينَا فِي أَوَاخِره .

    يَقُول الْمُؤَلِفُ بْن غُنَيْم الجُهَنِيَّ :
    وَالْفَحْلَتَيْن هَذَا أَحَدُ عَجَائِبِ جِبَالِ الْحِجَازِ, وَقَدْ تَلَقَّفْتُ مِنَ أَهْلِ الْبَادِيَةُ بَعْضَ أَخْبَاره,
    وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي خَبَر صُعُودِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلجَبَلِ, وَسَلاَمِ الْجَبَلِ عَلَيْهِ وَرَدُّهُ السَّلاَمَ عَلَى الْجَبَل وَتَسْمِيَتُهُ إِيَّاهُ بِجَبَلِ منَّور, فَلَمْ أَجِدهُ فِي كُتُبِ المُتقَدِّمِينَ الَّذِينَ ذَكَرُوهُ, وَلَكِنْ مِمَّا لاَ شَكَّ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَرَّا بِجِوَارِ الْجَبَل فِي طَرِيقِهِ إلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ, وَابْتَنَى مَسْجِدًا لَهُ هُنَاكَ وَصَلَّى فِيهِ مَعَ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ, كَمَا فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي وَالْبُلْدَانِيَّاتِ وَغَيْرِهَا, هَذَا مَعَ مَعَ وُرُودِ خَبَرُ صُعُودُهُ لِلْجَبَل عِنْدَ ابْنِ طُولُونَ وَهُوَ مِنْ أَعْلاَمِِ الْقَرْنِ الثَّامِنِ الْهِجْرِيِّ, وَلَمْ يَنْتَشِرُ ذَلِكَ الْخَبَرَ لاِنْقِطَاعِ الرُّوَاةِ وَضَيَاعِ الْكُتُبُ الَّتِي أَخَذْت عَن رُوَاةَ الْبَادِيَةِ, وَلِذَلِكَ وَجَدْنَا ابْنِ طُولُونَ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةُ, ثُمَّ جَاءَ مِنْ بَعْدِهِ الْمُؤَرِّخُ جَلَبِي بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَذَكَرَ أَنَّ أَهْل تِلْكَ الْبَلْدَةِ يَرْوُونَ ذَلِكَ الْخَبَرِ, وَيَظْهَرُ أَنَّ رِوَايَةِ هَذَا الأَْثَرِ أَوِ الْخَبَرَ كَانَتْ مِنْ مَوْرُوثِ أَهْل تِلْكَ الْبِلاَدِ وَهُمْ جُهَيْنَةَ, يَرْوِيَهَا الأَْجْدَادُ لِلأَْبْنَاءِ كُل تِلْكَ الْقُرُونِ .

    فَإِنْ قََالَ قَائِلٌ : أَلَيْسَ مِنْ الإِْجْحَافِ قَبُولكُمْ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لِلجَبَلِ وَتَسْمِيَةُ النَّبِيّ لَهُ, وَرَفَضِ خَبَرَ وَرِوَايَة تَسْمِيَةُ الْجَبَلِ بِجَبَلِ عَنْتَرَ, مَعَ أَنَّهُ لاَ زَال الْجَبَل مَعْرُوفًا بِهَذَا الاِسْمِ, وَكِلَيْهِمَا رِوَايَات مُسَمَّاهُ أُخِذَتْ مِنْ طَرِيقِ الرِّوَايَةِ الْشَفَهَّيَةَ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْ رُّوَاةِ أَهْل الْبِلاَدِ, وَلَمْ تَرِدَ فِيهَا نُصُوصٌ مُعْتَمِدَةً تَدُل عَلَيْها ؟؟

    قُلْنَا: شَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا, وَذَلِكَ لسَّبَبَيْنِ, أَوَّلاً : لأَِنَّنِي لَمْ أَجِدْ فِيمَا اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَوِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا يَدُل عَلَى سُكْنَى أَوِ تَرَدُّدَ عَنْتَرَةَ الْعَبْسِيَّ لِهَذِهِ الْجِهَات مِنْ الْحِجَازِ, ثُمَّ إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ مَنَازِل قَوْمِ عَنْتَرَةَ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ, ثَانِيًا: عَنْتَرَةَ نُسِبَتْ إِلَيْهِ أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ وَعَدِيدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ, حَتَّى أََنَّ سَدَّ بَطِحَانَ الْقَدِيمِ الَّذِي فِي عَالِيَةِ الْمَدِينَةِ, أَطْلَقُوا عَلَيْهِ اسْمُ سَدَّ عَنْتَرَ, كَمَا عِنْدَ الْمَرَاغِي فِي مَعَالِمِ دَارِ الْهِجْرَةِ, ثَالِثًا: الْغَالِب عَلَى الظَّنّ أَنَّهَا مِنَ قَصَصَ إخْوَانُنَا الْمَغَارِبَةُ, لأَِنَّ هَذَا طَرِيقِهِمْ الَّذِي يَسَلُكُوه فِي رِحْلَتِهِمْ لِلْحَجِّ, وَهُمْ مُوَلَّعُونَ بِأَسَاطِير عَنْتَرَةُ وَعَبْلَةَ !! .

    وَأَمَّا مُرُورِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانُ فَهُوَ ثَابِتٌ بِلاَ شَكٍّ, وَكُتُبِ الأَْحَادِيثِ وَالتَّأْرِيخِ وَالسِّيرَةِ وَالْمَعَاجِمِ وَالْبُلْدَانِ مُلئَّ بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَضَافِرَةِ, وَقَدْ نَقَلْنَا تِلْكَ النُّصُوصِ, فَلاَ يُسْتَغْرَبُ مَعَهَا صُعُودِهِ لِلجَبَلِ وَتَسْمِيَةُ إِيَّاهُ, وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيث صَحِيحَة صَرِيحَةٍ بِأَنَّهُ قَدْ تَكَلَّمَ مَعَ بَعْضِ الْجِبَالِ كَجَبَلِ أُحُدٍ, وَحِرَاءَ, وَمَسْأَلَةِ تَكْلِيمُ الْجَمَادَاتِ لَهُ هِيَ مِنْ دَلاَئِل نُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسِّلاَمُ, وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

    وَسَمِعْتُ أَبِي رَحِمَهُ اللَّه وَهُوَ مَعَ رُفْقَةً لَنَا يَتَحَدَّثُونَ عَنْهُ وَكُنَّا نُزُولٌ بِسَفْحِ الْجَبَلِ الشَّرْقِيِّ فِي صَبَاحٌ بَارِدٍ وَكُنْتُ يَوْمَهَا صَبِيًّا لَمْ اُجَاوَّزَ الْعَاشِرَةِ, وَيَرْوُونَ أَنَّ تِلْكَ الْفَحْلَتَان مِنْ بِنَاءِ الجِنَّ لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ, وَكَانُوا يَدْعُونَهُ بِجَبَلِ الفحْلَةَ, وَأَحْسَبُ أَنَّنِي قَرَأْتُ مِثْل هَذَا الْخَبَرُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهّابِ المِكْنَاسِيِّ فِي كِتَابِهِ « إِحْرَازُ الْمُعَلَّى وَالرَّقِيبْ », وَاَللّهُ أَعْلَمْ .

    وَقَالَ مُحَمَّدُ بْن كِبْرِيتُ الْمَدَنِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 1070 مِنْ الْهِجْرَةِ في « رِحْلَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ » :
    ثَمَّ رَحَلْنا فَلَمْ نَزَل نَطْوِي بِالسَّيْرِ الْفَيَافِي وَالْقِفَارُ, فَمَرَرْنا بِالْعَقَبَةِ السَّوْدَاء, وَمِنْهَا تَرَى الْفَحْلَتَان, ثُمَّ أَتَيْنَا عَلَى الْفَحْلَتَيْن: وَهُمَا قُنّتانِ عَلَى شَاهِقِ جَبَلٍ مِنْ غَرْبِيّ الْجَادَّةِ, ثُمَّ أَتَيْنَا عَلَى وَادِيَ الْقُرَى, « قِيلَ: كَانَ بِهَا أَلْفِ قَرْيَةٍ », وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا غَيْرَ الْأَطْلَال, وَمِنْهَا كُثَيّرِ عَزّةَ .

    وَقَالَ عَلِيُّ غَبْان فِي كِتَاب الْآثَار الْإِسْلَامِيَّةِ شَمَالَ غَرْبِ الْمَمْلَكَةِ :
    قَلْعَة الْفَحْلَتَيْن : تَقَعُ بَيْنَ اسْطَبْل عَنْتَر وَآبَارِ نَصِيف, وَهِيَ أَيْضاً مِنْ الْقِلاعِ الْعُثْمَانِيَّةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا حَاكِمُ دِمَشْق وَأَمِير الْحَجِّ الشَّامِيِّ عُثْمَان بَاشَا .

    قَالَ الْمُؤَلِف ابْنُ الغُنَيْم :
    وَفِي ذَيْل الْكِتَابِ مَرْجِعُهُ arl Barbir, op p.140 , وَعُثْمَان بَاشَا مِنْ أَعْيَانِ الْقَرْنِ الْحَادِيَ عَشَرَ الْهِجْرِيِّ, تَرْجَمَ لَهُ عَارِف عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي تَارِيخه أُمَرَاءِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ, فَقَال : شَيْخُ الْحَرَم النَّبَوِيِّ الشَّرِيف فِي حُدُودِ سَنَةَ 1251هـ، إلَى سَنَةِ 1256هـ، ثُمَّ أَصْبَحَ وَالي الْحِجَازِ فِي سَنَةِ 1256هـ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 1261هـ .

    وَقَالَ الخِيَارِيّ الْمَدَنِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 1080 لِلْهِجْرَةِ, فِي رِحْلَتِهِ « تُحْفَةُ الْأُدَبَاء وَسَلْوَةُ الْغُرَبَاء » :
    الْفَحْلَتَيْن : وَيُسَمَّى حِصْنُ عَنْتَرَ, مَنْزِلٌ كُلَّهُ رَمَل, قَابَلْنَا بِوَجْهٍ مَرَد مِنَ النَّبَات, قَلَّ مَاؤُهُ, وَتَعَطَّل حَيَاؤُهُ, وَهَذِهِ الْبِلاَد كَثِيرَة الْحِجَارَةُ, وَالطَّرِيقُ فِيهَا مَارَّةٌ بَيْنَ جِبَالٍ, فَقِلنا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ إِلَى أَنْ صَلَّيْنَا الْعَصْرِ, وَسَافَرْنَا إِلَى ضَحْوَة الْغَدِ, وَمَسْجِدٌ فَيْفَاءِ الْفَحْلَتَيْنِ مِنْ أَعْمَال الْمَدِينَةِ .

    وَنَقَل الْبِلَادِيّ فِي مُصَنَّفِهِ الْمَعَالِمِ الْجُغْرَافِيَّةِ الْوَارِدَةِ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ :
    فَيْفَاءُ الْفَحْلَتَيْنِ : جَاءَتْ فِي ذِكْرِ غَزْوَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ جُذَامَ، وَخَبَرِ دِحْيَةَ وَالْهُنَيْدِ، أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لَقِيَ جَيْشَ زَيْدِ بِفَيْفَاءِ الْفَحْلَتَيْنِ, قُلْت : لَا تُعْرَفُ الْيَوْمَ الْفَحْلَتَانِ، أَمَّا الْفَيَافِي هِيَ أَرَاضٍ وَاسِعَةٌ تُضَافُ إلَى مَا جَاوَرَهَا، فَهِيَ كَالْخَبْتِ تَمَامًا، وَسِيَاقُ الرِّوَايَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ إلَى بِلَادِ جُذَامَ، وَلَكِنَّهُ إلَى الْمَدِينَةِ أَقْرَبُ وَيُخَيَّلُ إلَيَّ أَنَّهَا بَيْنَ إضَمٍ وَالْعُلَا .

    قََالَ عَاتِق غَيْث الْبِلَادِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِير « مُعْجَمِ مَعَالِمِ الْحِجَاز » :
    شِدَّادِ عَنْتَر : جَبَلٌ عَالٍ ذُو رَأْسَيْنِ, كغزالي؟ الشِّدَادِ, تَحْتَهُ مَحَطَّةَ عَنْتَر لِسِكَّةِ حَدِيدِ الْحِجَازِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالْعُلَا, .. وَلَيْسَ هُوَ اسْطَبْل عَنْتَر, ذَاكَ فِي تُهَامَةِ بَلِيٍّ, وَهَذَا فِي الدَّاخِلِ قُرْبَ الْعُلَا .

    قَالَ الْمُؤَلِفُ ابْنُ الغُنَيْم الجُهَنِيَّ :
    لَيْسَ الْجَبَلُ الْمَذْكُور مِِنْ حَوْل الْعُلَا أَوْ بِقُرْبِهِ, إنَّمَا يَبْعُدُ عَنْ الْعُلَا قُرَابَةِ 170 كَيْلًا وَيَزِيد !, وَقَدْ وَهِمَ الْبِلَادِيُّ حِينَ جَعَل اسْطَبْل عَنْتَر اسْمٌ يُطْلَقُ عَلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ, وَإِنَّمَا هُمَا اسْطَبْلانِ مُتَغَايِرَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا الْمَقْصُودَ وَالآْخَرُ بِقُرْبِ أُمِّ لَجٍّ, لَهُ ذِكْرٌ كَثِيرٌ فِي كُتُبِ الرِّحَلاتِ, وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ ذِكْرِهِ .

    وَلَهُ أَنْشَدَ النَّابُلُسِيَّ :
    تَشَبَّهْنَا بِأَهْل الْبَدْوِ حَتَّى ............. أكَلْنَا الخُبْزَ مأَدُوْماً بصَعْتَرْ
    وَسُقنا الخيْلَ خَيْلَ بَنِي تَمِيمٍ ....... وَقَدْ جِئْنَا إِلَى إصْطَبْل عَنْتَرْ

    وَأَنْشَدَ الصَّلاحَ الصَّفَديَّ فِيهِ :
    رَكْبُ الْحِجَازِ تَرَاهُ ........... إِذَا مَشَى يَتَبَخْتَرْ
    كَمْ فِيهِ عَبْلَة رِدْفٍ ......... تَخَافُ وَادِي عَنْتَرْ
    إذَا رَنَّتْ لمُحبٍّ ............... صَالَتْ عَلَيْهِ بِأَبْتَرْ
    وَلَيْسَ يَحْمَى الْمُعَنَّى ...... لَوْ بالدُّرُوْعِ تَسَتَرْ

    وَتَمَثَّلَ النَّابُلُسِيَّ بِبَيْتِ شَعْرٍ عَنْهُ :
    سِرْتُ نَحْوَ الْحِجَازِ مِنْ مِصْرَ أَسْعَى ... بِخُيُولٍ رِهَانٌ لُجَمٍ وَحَبْلِ
    وَبِإصْطَبْل عَنْتَرٍ قَدْ نَزَلْنَا ...... إنَّ مَثْوَى الْخُيُولِ بِالإِْصْطَبْلِ

    وَحَكَى أَيُّوب صَبْرِي بَاشَا فِي كِتَابِهِ « مِرْآةُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ » :
    مَنْزِل فَحْلَتَيْن : عِبَارَةٌ عَنْ هَضْبَتْينِ صَغِيرتَيْنِ تَخْلُوانِ تَمَامًا مِنْ الْمِيَاهِ, وَيُوجَدُ بِالْقُرْبِ مِنَ فَحْلَتَيْنِ جَبَلٌ مُرْتَفَعٌ فَوْقَ قِمَّتَهُ حِصْنٌ حَصِيْن, وَالْقَائِمُونَ مِنْ فَحْلَتَيْنِ يَمُرُّونَ بِوَادِي الْقُرَى, وَمِنْهُ وَمِنْهُ إلَى آبَيارِ حَمْزَةَ, وَبَعْدَ ذَلِكَ يَصِلُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ, ثُمَّ تَسْتَمِرُّ حَرَكَتِهِمْ إلَى بِيَار عَلِيٍّ .

    وَقَالَ مُحَمَّدُ صَادِق فِي مَخْطُوطَته مِشْعَل الْمَحْمَل:
    وَمَحَطَّةُ الْشَجْوَةَ عَلَى بُعْدٍ, وَفِي س9 نَزَلَ السَّيْل؟ [الْمَطَرِ] عَلَى الرَّكْبُ وَامْتَدَّ وَاشْتَدَّ, وَفِي س9 ق50 [دَقِيقَة] أَنَاخُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَطَر, وَنُصِبَتْ الْخِيَامِ عَلَى الْبَلَل, مَعَ اسْتِمْرَارِ نُزُول الْمَطَرِ, وََغُمِرَتْ الأَْحْمَالِ وَالْفُرُشِ بِالْمِيَاهِ, وَلَمْ يُوضَعْ شَيْءٍ عَلَى الأَْرْضِ لِيُجْلسَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ إلَّا ابْتَل أَسْفَلَهُ وَأَعْلاَهُ, وَفِي نُصْفِ السَّاعَةِ الأَْوْلَى مِنْ اللَّيْلِ امْتَنَعَ الْمَطَر, وَأَمْضَى كُل شَخْصٍ لَيْلَتهُ بِقَضَاهِ, وَقَدْرٌ بَيْنَ رُطُوبَةِ الْأَرْضِ وَفَرْشَهُ, وَمِنْ كَانَتْ لَهُ سحارة ؟ وَنَامَ عَلَيْهَا صَارَتْ كَنَعْشِهِ, وَأَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْقَمِيص وَمَالَهُ خَيْمَةً وَلَا غِطَاء فَكَانَ فَرْشَهُ الْمَاء: أَعْنِي الْأَرْضُ بِبَلَلِهَا, وَغِطَاؤُهُ الْهَوَاءِ, وَخَيْمَتَهُ السَّمَاء, وَيَفْعَلُ الله بِخَلْقِهِ مَا يَشَاءُ, وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ 21 مِنْهُ بَعْدَ مُضِيِّ عِشْرِينَ دَقِيقَةٍ مِنْ السَّاعَةِ الْأُولَى سَارَ الرَّكْبُ, وَفِي س1 ق45 وَصَل إِِلَى أَكَمَةٌ عَالِيَةٍ فَوْقَ جَبَلٍ شَاهِقٍ تُسَمَّى: باصْْطَبْلِ عَنْتَرَ, أَوْ قَصْرُ عَبْلَةَ ؟ .

    وَرَوَى جون لويس بيركهارت فِي « رَحَلَات فِي الدِّيَارِ الْمُقَدَّسَةِ؛ وَالنُّوبَة؛ وَالْحِجَاز » وَذَلِكَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمائَتَيْنِ بَعْدَ الأَْلْفِ مِن الْهِجْرَةِ لِلْمَدِينَةِ :
    الْفَحْلَتَيْنِ : وَتَكْثُرُ فِيهَا الْقِرَدَة؛ وَالَّتِي يَدْعُوهَا الْبَدْو الْفُهُود !؛ وَبِهَا بِنَاءٌ قَدِيمٌ مُقَام بِحِجَارَةٍ سَوْدَاء؛ وَتُسَمَّى : اِصْْطَبْل عَنْتَر؛ وَتُعْتَبَرُ الْفَحْلَتَيْنِ آخِر الْقِلاَعِ عَلَى طَرِيقِ الْحَجِّ الشَّامِيّ؛ وَجَمِيعُ الْقِلاَعِ الْمَذْكُورَةِ عِبَارَةً عَنْ حُصُونٌ صَغِيرَةٍ؛ وَغَالِبًا مَا تَكُونُ إِلَى جِوَار بِرْكِ مَاءِ الْمَطَرِ؛ أَمَّا إِذَا كَانَتْ هُنَالِكَ آبَارٌ فَغَالِباً مَا تَكُونُ دَاخِلَ أَسْوَارِ الْقَلْعَةَ؛ وَيُسْتَخْرَجُ مِنْهَا الْمَاءُ بِوَاسِطَةِ الْجِمَال الَّتِي تَسْحَبُ الْحِبَال عَلَى البكرات [الْمَكَرات: بِالْمِيمِ]؛ فَتَنتشِلَ الدِّلاَء الَّتِي تَصبُ فِي قَنَاةٍ تَخْرُجُ إِلَى الْبِرْكَةِ أَوْ الْحَوْضِ؛ الْمُقَامُ خَارِجِ سُور الْحِصْنِ مُبَاشَرَةً؛ حَيْثُ تَسْتَقِي قَافِلَةَ الْحَجِّ؛ كَمَا وَأَنَّ الْحَجَّاجِ كي [لِكَيْ] يَتَخَفَّفوا مِنْ بَعْضِ أَثْقَالهمْ؛ فَإِنَّهُمْ يَتْرُكُونَ بَعْض مَتَاعِهِمْ أَمَانَةً دَاخِل هَذِهِ الْقِلاَع؛ حَيْث يَسْتَرِدُّونَهَا فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِمْ؛ وَفِي كُل قَلْعَةٍ أَرْبَعَةِ أَوِ خَمْسَةِ رِجَالٍ مِنْ جُنُودِ دِمَشْق

    وَهُمْ طِوَال فَتْرَةِ وُجُودِهِمْ فِي الْحِصْنِ لاَ يَخْرُجُونَ مِنْهُ؛ وَلاَ يَفْتَحُونَ أَبْوَابِهِ؛ وَيَأْتِيَهُمْ الْبَدِيل مَعَ قَافِلَةَ الْحَجِّ؛ وَنَادِرًا مَا تَجَد الْقَافِلَةِ عَدَدِ رِجَالِ الْحُصُونِ بِكَامِلهم؛ فَأَغْلَبُهُمْ يَمُوتَ قَبْل أَنْ يَحُل عَلَيْهِ الْحَوْل؛ وَقَبْل وُصُول الْقَافِلَةِ؛ وَذَلِكَ إِمَّا قَتْلاً مِنْ الْبَدْو الَّذِينَ لاَ يَنْثَنون عَنْ مُهَاجَمتِهِمْ وَإِطْلَاق النَّار عَلَيْهِمْ كُلَّمَا لاحَتْ الْفُرْصَة؛ أَوْ يَمُوتُونَ كَمَدًا مِنَ السِّجْنِ؛ أَوْ مَرَضًا؛ وَجَمِيع الْجُنُودِ الَّذِينَ يَحِلُّونَ فِي هَذِهِ الْحُصُونِ هُمْ رِجَال منْطَقَةِ الْمَيْدَانِ فِي دِمَشْقَ؛ وَهُمْ مِنْ الأَشِدَّاءُ الَّذِينَ قَلَّمَا رَأَيْتُ مِثْلِهِمْ بَأْسًا وَشَجَاعَةٍ ؛ وَمَعَ أَنَّ الرَّوَاتِب الَّتِي تُصْرَف لَهُمْ قَلِيلَةً جِدًّا بِالنِّسْبَةِ لِمُعَانَاتِهِمْ وَقَسَاوَة الْمُهِمَّةِ المُوَكَّلَةُ إِلَيْهِمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ يَخْدِمُون؛ بِاعْتِبَارِ الْمُهِمَّةِ إِحْدَى فُرُوعِ الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ؛ فَأَحَدَهُمْ بَقِيَ مُدَاومَاً فِي الْفَحْلَتَيْن لِمُدَّةٍ [بَيَاضٌ بِنَحْوِ كَلِمَتَيْنِ] وَعِشْرِينَ عَامًا مُتَوَاصِلَةٍ؛ كَمَا وَأَنَّ أَحَدُهُمْ وَيُدْعَى ابْنُ الوَزَّة يُعْتَبَرُ رَئِيسُ الْجُنْدِ الْمَوْجُودِينَ [بَيَاضٌ عِنْدِي] الْحُصُونِ الْمُوَزَّعَةِ عَلَى طَرِيقُ الْحَجّ؛ وَهُوَ الْآن يُقِيمَ فِي قَلْعَةَ الْحِسَا .

    وَيَذْكُرُ عَبْدِ اللَّهِ السُّوَيْدِيّ الْبَغْدَادِيِّ الْمُتَوَفَّى مِنْ سَنَةِ 1174 لِلْهِجْرَةِ الْمُبَارَكَةِ؛ فِي كِتَابِهِ « النَّفْحَةُ الْمَسكَّيةِ فِي الرِّحْلَةُ الْمَكِّيَّةِ » :
    وَتَلِيهَا مَرْحَلَةُ الْفَحْلَتَيْنِ : بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْحَاء؛ فَفَتْحُ اللَّامِ فَتَاءٌ مَفْتُوحَةٍ؛ فَمُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ؛ وَآخِر الْحُرُوف عَلَى صِيغَةِ التَّثْنِيَةِ؛ قَالَ فِي الْقَامُوس : وَالْفَحْلَتَانِ مَوْضِعٌ؛ وَلَعَلَّ وَجْهُ التَّسْمِيَةِ انْفِرَادِهَا عَنْ الْعِمَارَاتِ؛ وَاعْتِزَالِهَا عَنْهَا كَالْفَحْلِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا قَرْعَ الْإِبِل اعْتَزَلَهَا؛ وَفِيهَا آبَارٌ عَذْبَةَ حُلْوَةً غَيْرَ مَطْوِيّةٍ وَلَا مَحْفُورَه؛ وَإِنَّمَا يَحْفِرُهَا الْحُجَّاجِ قَدَرَ قَامَةً؛ فَيَخْرُجُ الْمَاءُ مِنْ تَحْتِ الرَّمْلِ؛ وَلَعَلَّهُ مَاءُ مَطَرٍ كَامِنٌ تَحْت الرَّمْلِ؛ وَالْبَدْو تُسَمّيهَا شَجْوَى؛ مِنْ الشَّجْوِ؛ [وَ]هُوَ الْحُزْن؛ وَيَحِقُّ لَهَا ذَلِكَ حَيْثُ إِنَّهَا لمْ تَكُنْ مَوْطِئ أَقْدَامَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؛ وَلاَ دَار سُكْنَاهُ مَعَ قُرْبِهَا مِنْ طَابَةَ؛ وَمِمّا وَقَعَ لِي أَنِّي لَمَّا وَصَلْتُ إلَى تَبُوكَ أَخَذَنِي الْحَزْنُ وَالْقَلَقَ وَالْخَوْفُ وَالرّعْبِ وَالِاضْطِرَابِ؛ مَعَ كَثْرَةِ الْبُكَاءِ وَالنَّحِيبَ وَالْعَوِيل

    وَلَمْ يَزَل هَذَا الْحَال يَعْتَرِينِي كُلَّ سَاعَةٍ؛ لاََ تَهَدأ عَيْنَيّ مِنَ الْبُكَاءِ؛ وَلاَ يَبْرُد قَلْبِي مِنْ حَرّ الْفِرَاقِ وَالْخَوْف؛ إلَى أَنْ خَرَجَتْ مِنْ طَابَةَ الطّيّبَةُ؛ وَمَا كَانَ ذَلِكَ إِلاَّ خَوْفًا مِنَ أَنْ أَكُونَ مَطْرُودًا مَحْرُومًا خَائِبًا مَأْيُوسًا؛ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَلاَ مَرْضِيٍّ؛ وَخَوْفًا مِنْ أَنْ أَكُونَ مُقَصِّرًا فِي تَعْظِيمِهِ وَتَوْقِيره وَالتَّأَدُّبُ مَعَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَمَعَ ذَلِكَ كُل سَاعَةٍ أَلُوم وَأَقُول : بِأَيِّ وَجْهٍ أوَاجِهَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَأَنَا ذُو جُرْمٌ كَبِيرٍ؛ كَثِير التَّقْصِير؛ مُنْهَمِكً فِي اللَّذَّاتِ؛ غارق فِي بِحَارِ الغفلات؛ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِالطَّاعَاتِ؛ وَلَا مُجِدٍ عَلَى الْعِبَادَاتِ؛ وَلَمْ يَزَل هَذَا الْوَارِد مَعِي لَا يُفَارِقنِي؛ فَاَللَّه أَسْاَلُ أَنْ يَجْعَلنِي من الْمَقْبُولِينَ الْمَرْضِيِّينَ غَيْر الْمَطْرُودِين الْمَحْرومِين؛ وَأَنّ يَنْفَعُنِي بِزِيَارَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَيَحْشُرَنِي تَحْتَ لِوَائِهِ؛ آمِين .

    وَقَال الْبَغْدَادِيِّ فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِ مِنَ الْحَجِّ إِلَى الشَّامِ أَيْضا :
    وَلَمّا وَصَلْنَا إِلَى مَرْحَلَة الْفَحْلَتَيْن جَاءَ الْخَبَر إلَى أَمِير الْحَاجّ بِأَنّ عَشِيرَة بَنِي صَخْر والشارة [الشرارات] وَغَيْرُهُمْ حَاصَرُوا الْجَرْدة فِي تَبُوكَ؛ وَمَنَعُوهَا مَن الْمَسِيرَ؛ فَحَصَلَ غَمٌّ عَظِيمٍ وَاضْطِرَابٍ؛ وَتَيَقَّنُوا الْهَلاَكَ؛ وَاضْطَرَبَت الآْرَاءِ وَالأَْفْكَار؛ فَسَلَّمُوا أَمْرَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَفَوَّضُوهُ إلَيْهِ إلَى أَنْ جِئْنَا إِلَى بِيَار الْغَنَمِ؛ فَجَاءَ الْبَشِيرُ بِأَنْ الْجَرْدة صَبَاحَ غَدٍ تُوَافِيَ الْحَاجِّ فِي العُلى [الْعُلَا]؛ فَحَصَل السُّرُورِ وَالأَْفْرَاحِ؛ وَزَالَت الْهُمُومُ وَالأَتْرَاح؛ وَسَبَبُ خَلاَص الْجَرْدة أَنَّ أُولَئِكَ الْأَشْقِيَاء حَاصَرُوهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ؛ فَدَفَعَ أَمِيرُ الْجَرْدة الْوَزِيرَ كوسي عَلِيّ بَاشَا وَالَيَّ صَيْدا دَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ لِِيُخِلُّوا لَهُمْ الطَّرِيقُ؛ فَلَمْ يَقْبَلُوا؛ وَقَلَّتْ ذَخِيرَتَهُمْ؛ فَطَلَبُوا مِنَ الأَْمِيرِ مَا دَفَعَهُ أَوَّلا فَلَمْ يَقْبَل؛ وَتَفَرَّقُوا .

    قََالَ الْمُصَنِف ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَنِيَّ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ وَالِدَيْهِ - :
    قَوْل بيركهارت بِأَنَّ بَدْوِ جُهَيْنَةَ يَدَّعُونَ الْفَحْلَتَيْن بِشَجْوَى؛ لَيْسَ قَوْلاً مُتَعَيِّنا كَمَا تَوَهَّمَ الْمُسْتَشْرِقِ؛ فَالْفَحْلَتَيْن وَاقِعٌ بِأَرْضِ شَجْوَةَ؛ وَاسْمُ شَجْوَى لَمْ نَهْتَدِ إِلَيْهِ فِيمَا لَدَيْنَا مِنْ مُؤَلَّفَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ؛ عَدَا مَا قَالُوهُ عَنْ جَبَلِ فَحْلٌ؛ حَيْثُ قَالَ الغُدَّةَ الأَْصْفَهَانِيُّ فِي كِتَابِهِ « بِلَادِ الْعَرَبِ » : جبَلٌ لهُذَيْلٍ؛ يَصبُّ مِنْهُ وَادِي شَجْوَةَ؛ أسفلُه لقومٍ مِنْ بَني أًميّة؛ انْتَهَى؛ وَقَالَهُ نَصْرٌ أَيْضا فِي « الْأَمْكِنَةِ وَالْمِيَاهِ وَالْجِبَالِ »؛ وَلاَ أَرَاهُ هُوَ الْمَقْصُود؛ إِذْ أَنَّ بِلاَدِ هُذَيْل هِيَ تِهَامَةَ وَمَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَمَا جَاوَرَهَا؛ وَلاَ تَزَال هُذَيْلٌ مِنَ الْقَبَائِل الْعَظِيمَةِ الْقَلِيلَةِ الَّتِي تَنْزِلُ فِي أَرَاضِيهَا الْقَدِيمَةِ؛ وَحَالُهَا كَجُهَيْنَةَ فِي بِلَادهَا؛ وَشَجْوَةَ كَانَتْ تُسَمَّى عِنْدَ عُلَمَائِنَا السَّابِقِينَ فَيْفَاءُ الْفَحْلَتَيْنِ؛ وَقَدْ يَدْعُونَهَا بِالْمَقرح الَّذِي يَحُدُّهَا إِلَى مُغَيْرِبَانِ الشَّمْس؛ وَهَذَيْنِ الاِسْمَيْنِ يُسْتَعْمَلاَنِ حَتَّى الآْن عِنْدَ جَمِيع الْجُهَنِيِّين؛ مِنْ شَرْقِ الْجُهَنِيَّةِ إِلَى غَرْبِهَا .

    وَنَقَلَ مُحَمَّد صَادِق فِي مَخْطُوطِهِ « اسْتِكْشَافِ طَرِيقِ الْأَرْضِ الْحِجَازِيَّةَ » :
    وَفِي صَبَاح يَوْمُ الْجُمُعَةِ 28 رَجَبٍ قُمْنَا مِنْ هَذَا الْمَحَل فِي السَّاعَةِ [الْ]وَاحِدَة وَنِصْف؛ وَبَعْدَ مَسَافَةً قَلِيلَةٌ انْتَهَى الْوَادِي لِتِّلٍ يَتَخَطَّاهُ الطَّرِيق؛ وَمِنْهُ دَخَلْنَا فِي طَرِيقٍ مُتَّسَعٍ ذِي أَشْجَارِ صنط وعبل؟ [حَمْضٍ وَأَثْلٍ]؛ وَتَرآئ لَنَا مِنْ بُعْدٍ عَنْ جِهَةِ الْيَمِينِ جَبَلٌ شَاهِقٍ فِي ارْتِفَاعَ 500 مِتْرٍ؛ وَفَوْقَهُ صَخْرَةٌ عَظِيمَةً؛ كَهَيَّأَةُ أَعْظَمَ مَا يَكُونُ مِنَ الطوابى الْعَسْكَرِيَةَ؛ يَظُنُّهَا الرَّائِي مُرَكَّبَةٌ مِنْ بِنَاءٍ, تُعْرَفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ باصْْطَبْلِ عَنْتَرَ؛ وَهُوَ عَلَى مَسِيرِ 19 أَلْفَ مِتْرٍ مِنْ سَيْر هَذَا الْيَوْمِ؛ وَمَا زَال مِنَّا بِمَرآى الْعَيْنِ لِثَّانِي يَوْمٍ؛ وَفِي السَّاعَة 7 وَ 50 دَقِيقَةٍ وَصَلْنَا إِلَى مَرْحَلَة الْشَجْوَى؛ عَلَى مَسِيرِ 11 أَلْفٍ وَ 500 مِتْرٍ مِنْ اصْْطَبْلِ عَنْتَر؛ وَبِهَذِهِ الْمَحْطة آبَارٍ وَقَلْعَةٍ مَهْجُورَةً؛ قِيلَ إِنَّهَا مُنْذُ سَنَتَيْن نَهْبَتهَا الْعُرْبَان؛ وَشتَّتَ مُحَافِظيهَا؛ وَعِنْدَهَا يَجْتَمِعُ وَيَفْتَرِقُ طَرِيقَا الْحَجّ الشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيّ .

    وَجَاءَ عِنْدَ إبْرَاهِيم بَاشَا فِي « الْرَحَلَات الْحِجَازِيَّةِ؛ وَالْحَجّ وَمَشَاعِرِهِ الدِّينِيَّةِ » :
    الْمرَحَّلَةُ الْخَامِسَةِ مِنْ بِئْرِ الْعَيْنِ إلَى « الْمَقْرَحَ؛ أَوْ الْشَجْوَة »؛ قُمْنَا مِنْ بِئْرِ الْعَيْنِ عِنْدَ تَمَامِ السَّاعَةِ الثَّامِنَة مِنْ لَيْلِ الْجُمُعَةِ؛ وَسِرْنَا إلَى السَّاعَةِ 12 لَيْلاً فِي أَرْضٍ أَكْثَرَهَا حَجَرَّي؛ وَقَلِيلٌ مِنْهَا رمْلِيّ؛ وَمِن السَّاعَةِ 12 تَغَيَّرَ الاِتِّجَاه إِلَى دَرَجَة 120 وَاتَّسَعَ الطَّرِيق؛ وَرَأَيْنَا قَصَّرَ عَبْلَةُ ؟؟؛ عَلَى مَبَعِّدَةٌ؛ وَزَادَ اتِّسَاع الطَّرِيقَ؛ وَوُجِدَ بِهِ الأَْحْجَارِ وَالْحَصَى الْكَبِير الأَْمْلَسِ؛ وَقَدْ اِسْتَرَحْنَا بِالطَّرِيقِ, وَبَعْدَ 5 دَقَائِق مِن مَسِيرِنَا تَغَيَّرَ الاِتِّجَاه إِلَى 145 [دَرَجَةً]؛ وَسَهْلَت الْأَرْضَ؛ وَتَخْصَبَتْ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ ووَقتََئِذٍ بَلَغْنَا مَحَلًّا يُقَالُ لَهُ: الْمَقْرَح أَوْ الْشَجْوَةِ؛ بِحِذَاءِ قَصْرُ عَبْلَة !؛ أَوْ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهُ .

    وَقَالَ الْبَاشَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ نُسْخَة مِصْرَ لِسَنَة 1344 هِجْرِيِّ :
    مِنْ الملاليح [المُلَيْلِيح] إلَى قَصَّرِ عَبْلَةَ أَوْ الْشَجْوَةَ؛ سِرْنَا السَّاعَة 9 وَالدَّقِيقَة 40 مِنْ لَيْلَة الْخَمِيس الْمُحَرَّم؛ وَبَلَغْنَا قَصَّر عَبْلَةَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِسَاعَةٍ؛ بَعْدَ أَنْ اِسْتَرَحْنَا بِالطَّرِيقِ خَمْس سَاعَاتٍ؛ وَكَانَ سَيْرَنَا إلَى الشَّمَالِ الْغَرْبِيِّ 6 سَاعَاتٍ؛ وَالطَّرِيقُ وَادٍ مُتَّسَعٌ يُسَمَّى : وَادِي الْحَمْض؛ بِهِ حَنْظَلٍ كَثِير؛ وَخَشَبٍ [حَطَبٍ] لِلْحَرِيقِ؛ وَأَكْثَرُ الْأَرْضِ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ؛ وَفِي مُنْتَهَى الطَّرِيق أَرْضٌ حَجَرِيَّةٍ سَهْلَةٌ؛ ذَاتُ مَسَالِك؛ قَطَّعْنَاهَا فِي سَاعَتَيْنِ .

    وَأَلْفَيْت فِي كِتَابِ مُحَمَّد بْن عُثْمَان السَّنُوسِيّ التُّونِسِيُّ « الرِّحْلَةُ الْحِجَازِيَّة » :
    ارْتَحَلْنَا بَاكَّرَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ 19 الْمُحَرَّمِ؛ مِنْ آبَارِ نَصِيف, اِصْْطَبْل عَنْتَرَةَ بْن شَدّادٍ الْعَبْسِيّ؛ مِنْ أَشْهَرِ شُجْعانِ العَرَبِ وَفُرْسَانِهِم؛ وَمَنْزِلُهُ بَيْنَ جِبَالٍ فِي هَاتِه الْجِهَةِ؛ نَزَّلْنَا حَوْلَهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ؛ ارْتَحَلْنَا مِن اِصْْطَبْل عَنْتَرَ السَّاعَة التَّاسِعَة مِنَ اللَّيْل؛ فَوَصَّلْنَا الْفَحْلَتَيْن عِنْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ؛ وَصَلَّيْنَا هُنَاكَ؛ وَسِرْنَا إلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ نَهَار الْجُمُعَةِ 20 الْمُحَرَّمِ .

    وَعَنْ الْحَمْض قَالَ أَبُو حَنِيفَة الدِّينَوَرِيّ فِي « كِتَابِ النَّبَات » :
    الْحَمْض : لَيْسَ بِاسْم نَبَتٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ؛ وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لِجِنْسٍ مِنَ النَّبَاتِ؛ وَهُوَ كُل مَا كَانَ فِيهِ مُلُوحَةٍ؛ دقَّ أوْ جَلّ .

    قَالَ ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَنِيَّ :
    وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ الدِّينَوَرِيّ رَحِمَهُ اللّهُ؛ اتّبَعَهُ فِيه الْكَثِيرِينَ؛ وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْء؛ وَالصّوَابُ أَنَّ هُنَاكَ شَجَرَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِعَيْنِهَا تُدْعَى شَجَرَةُ الْحَمْضه؛ وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْجَارُ تَنْمُو بِكَثْرَةٍ فِي وَادِي إضَمٍ « وَادِي الْحَمْض الْيَوْمَ »؛ وَقَدْ اجْتَثَّها سَيْلُ الْجَزْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ سَابِق؛ وَكَانَ الْوَادِي حَرِجٌ بِأَشْجَارِ الْحَمْض قَبْلَ السَّيْلُ الْمَذْكُورِ؛ حَتَّى إِنَّهُمْ قَالُوا : إِذَا سَامَتْ فِيهِ النَّاقَةُ لَا تَرَى مِنْهَا إلَّا حِرْدُ السّنَامِ؛ وَحَدّثَنِي بِكُل هَذَا أَعْرَابِيٌّ مِنْ الْمَرَاوِين؛ الْتَقَيْتَهُ عِنْدَ بِئْرٍ يُدْعَى الكَوْد بِذِي الْمَرْوَةِ .

    وَوَقَعَ فِي كِتَابِ « عُمْدَةِ الطَّبِيبِ فِي مَعْرِفَةِ النَّبَاتِ » لأَبُو الْخَيْر الإِْشْبِيلِيّ :
    وَمِنْ أَنْوَاع الْحَمْض؛ القُطْب : هَذَا الِاسْم يَقَعُ عَلَى أَنْوَاعِ الْحَمْض كُلُّهَا؛ وَمِنْ أَنْوَاعِ الْحَمْض : القَرْمَل : نَبَاتٌ لَهُ سَاقٌ قَصِيرَةً مَائِلَةٌ إِِلَى الْخُضْرَةِ؛ لَهُ زَهْرٌ صَغِير؛ لَوْنَهُ إِلَى الصُّفْرَةِ؛ كَثِيرُ الرُّطُوبَةِ؛ إِذَا مَشَى الْإِنْسَان عَلَيْهِ فِي مَنَبْتِة اخْضَرَّتْ قَدَمَاهُ؛ وَإِذَا إِلْْتَقَمَهُ الْبَعِيرَ سَالَتْ رُطُوبَتِهِ فِي فَمِهِ؛ يَمْلأَ الأَْصْل الْوَاحِدِ مِنْهُ فَمِ الْبَعِيرِ؛ نَبَاتُهُ الرَّمْلِ؛ وَالغَضَى : شَجَرٌ يَنْبُتُ بِالرَّمْلِ؛ دَائِمُ الْخُضْرَةِ؛ كَثِيرٍ بِالْحِجَازِ؛ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْحَمْض؛ وَرَقَهُ مُهدَّبُ؛ يَعْلُو نَحْو الْعُقْدَة .

    قَالَ ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَنِيَّ :
    وَفِي نَبَاتَاتِ الْحَمْضِ وَالْمُلُوحَةِ شِفَاءٌ لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَسْقَام وَالْأَوْجَاع؛ وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَلْفِيّتَهُ فِي « كِتَابِ طِبّ الْعَرَب » لِعَبْدِ اللَّه بْن حَبِيب السُّلَمِيّ الْأَنْدَلُسِيّ: قَال عَبْد الْمَلِك بْن حَبِيب؛ حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد؛ عَنْ أَبِيهِ؛ عَنْ جَدّهِ؛ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَال : « اجْعَلُوا الْمِلْحَ أَوَّلَ طَعَامِك؛ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءٌ مِنْ إِثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ دَاءٌ؛ مِنْهَا : الْجُنُون, وَالْجُذَام, وَالْبَرَص, وَوَجَع الْأَضْرَاس, وَوَجَع الْبَطْن »؛ وَذَكَرَ الْأَصْمَعِيّ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَمْض فِي كِتَابِهِ « النَّبَاتِ وَالشَّجَر » : الرِمْث؛ وَالنَّجِيلُ؛ والدُّعَاعُ؛ وَالقُلَّام، وَالرُّغْلُ؛ وَالعِكْرِشُ؛ وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ؛ وَلَيْسَ هَذَا مَحَل الإِْفَاضَةِ .


    :: :: :: :: :: ::

    :: :: :: :: :: ::
    وَمِمّا جَاءَ عِنْدَ الْنّسّابَةُ اللُّغَوِيّ أَبُو عَلِيّ زَكَرِيّا بْن هَارُون الْهَجَرِيُّ؛ فِي كِتَابِهِ « التَّعْلِيقَات وَالنَّوَادِر » :
    الْعَلَاء بْن مُوسَى اَلْجُهَنِيَّ:
    أَنْشَدَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْكَرِيم كَعْبيٌ؛ وَالنَّهْدِيُّ؛ وَالْفَزَارِيُّ؛ لِلْعَلَاءِ بْن مُوسَى اَلْجُهَنِيَّ :
    أَتَعْرِفُ دَاراً بَيْنَ رَضْمٍ وَأَمْهُدٍ ..... لَمِيٍّ تعَفَّتْ غَيْرَ نَيٍّ وَمَسْجِدِ
    وَغَيْرَ ثَلاَثٍ يَصْطَلْنَ كَأَنَّمَا ....... عَلَيْهِنَّ رَدْعٌ مِنْ خِضَابٍ مُرَدَّدِ
    وَقَفَتْ عَلَيْهَا الَّنضْوَ أَنْشُدُ أَهْلَهَا ..... مَنَازِلَ قَفْرٍ لَيْسَ مِنْهَا بِمَنْشَدِ
    بِهَا عَاجَ عُوَّادِيْ عَلَيَّ وَعَادَنِي ..... على النَّايِ مِنْ ذكْرَاكِ يَامَيَّ عُوَّدِي
    فَهَلْ لَيْلَةُ الْقَوَّيْنِ رَاجِعَةٌ لَنَا ..... وَأًنْتِ لأُخْرَى مِثْلِهَا الْدَّهْرَ تَهْتَدِي
    بِهَا رُمْتُ نَفْسِي أَنْ أُجَاهِرَ مُعْلِناً ..... عُيُونَ اَلْعُدَى لَمَّا حَوَوا كُلَّ مَرْصَدِ
    فَلَمَّا هَدَا جَرْسُ الأَنِيْسِ وَلَمْ يَكَدْ ..... وَأَفَنَيْتُ بَاقِي لَيْلَتِي بِالتَّكَيُّدِ
    بَدَرْتُ انْسِلاَلَ السَّيْدِ مِنْ تَحْتِ غَابَةٍ ..... هَدَا الْجَرْسُ عَنْهُ فَانْبَرَى نَحْوَ مَوْرِدِ
    وَأَحْلِفُ مَاأَدْرِي مَعَ الْخَوْفِ وَالْعُدَا ..... أَتَنْجَحُ أَمْ لاَحَاجَةُ الْمُتَكَيَّدِ
    وَإِلاَّ هُجُودَ الأمِنِيْنَ لِغِرَّةٍ ..... يُصَادِفُ سَارِي اللَّيْلِ أَمْ غَيْرَ هُجَّدِ
    فَلَمَّا دَنَا مِنَّي الرَّوَاقُ وَدُوْنَهُ ..... سُتُورٌ وَفَوْدَا ذِيْ كُسُوْرٍ مُمَدَّدِ
    إِلَى مِثْلِ قَرْنِ الشَّمْسِ يَوْمَ دُجُنَّةٍ ..... بَدَتْ بَدْوَةً مِنْ فَرْجَةٍ لم تَرَبَّدِ
    هَدَانِيْ إِلَيْهَا رِيْحُ مِسْكٍ تَلَبَّخَتْ ..... بِهِ فِي دُخَانِ المَنْدِليَّ المُقَصَّدِ
    فَلَمَّا رَأَتْنِي مُخْطِراً شَوْكَةَ الْعُدَى ..... رَدَى النَّفْسِ مُجْتَاباً إِلَى غَيْرِ مَوْعِدِ
    جَلَتْ دَاجِيَ الظَلْمَاءِ مِنْهَا بِسُنَّةٍ ..... وَنَحْرٍ مَشِيْبٍ لَوْنُهُ بِالزَّبَرْجَدِ
    وَبِالشَّذْرِ مَسْبُوكاًَ كَأَنَّ الْتِهَابَهُ ..... تَلْهُّبَ حُمْرِ الْفَرْقَدِ الْمُتَوَقّدِ
    وَقَالَتْ أَجْرَنَا مِنْكَ وَالعِرْضُ وَافِرٌ ..... مَقَالةَ مَغْصُوْبِ الْمَقَالَةِ مُوْحَدِ
    فَقُلْتُ نَعَمْ إِلاَّ لِمَاماً بِمَبْسَمٍ ..... نَقِيّ وَأَنَّي لا أُبَرَّيْكِ مِنْ يَدِي
    وَقُلْتُ اجْعَلِيْهَا لَيْلَةً غَابَ شَرُّهَا ..... عَلَيْنَا وَلَوْ أَيْقَنْتِ بِالْمَوْتِ مِنْ غَدِ
    فَقَالَتْ علَى اسْمِ اللهِ أَمْرُكَ طَاعَةٌ ..... وإِن كُنْتُ قَدْ عُوَّدْتُّ مَالَمْ أُعَوَّدِ
    وَجَاءَتْ كَسَلَّ السَّيْفِ لَومَرَّ مَشْيُهَا ..... عَلَى الْبَيْضِ أَضْحَى سَالمِاً لَمْ يُخَضَّدِ
    فَبِتْنَا مَعاً جَارَا عَدُوٍّ مُجَاوِرٍ ......... بِلَيْلَةٍ طَلٍّ مِنْ تِمَامٍ وَأَسْعُدٍ
    وَبِتْنَا وَبَاتَ الطَلُّ فَوْقَ ثِيَابِنَا ..... وَمَنْ يَقْتَنِصْنَا آخِرَ اللَّيْلِ يَصْطَدِ
    وَبِتْنَا وَلاَ نَكْذِبْكَ لَوْ دَامَ لَيْلُنَا ..... إِلَى الْحَوْلِ لم نَمْلَلْ وَقُلْنَا لَهُ ازْدَدِ
    نَذُود النُفُوْسَ الصَّادِيَاتِ عَنِ الهَوَى ..... ذِيَاداً وَنَسْقِيْهِنَّ سَقْيَ المُصَرّدِ
    فَلَمَّا بَدَا ضَوْءُ الصَّبَاحِ وَرَاعَنَا ..... مَعَ الصُّبْحِ صَوْتُ الْهَاتِفِ الْمُتَشهَّدِ
    جَهَضْنَا بِشَخْصٍ وَاحِدٍ فِيْ عُيُونِهِمِ ..... نَطَا فِيْ حَوَاشٍ مِنْ مُعَضَّدِ
    إِلَى جُنَّةٍ مِنْهُمْ وَسَلَّمْتُ غَادِياً ..... عَلَيْهَا سَلاَمَ الْبَاكِرِ المُتَزَوَّدِ
    وَوَلَّتْ فِي اغْبَاشِ الدُّجَى مُرْجَحِنَّةً ..... تَأَطُّرَ غُصْنِ الخِرْوَعِ الْمُتَأَيَّدِ
    ..... لِعَجْلَى بِالْفَلا يَوْمَ عَنْوَةٍ ..... وَلي بَيْنَ حِنْوَى ذِيْ نَقِيضٍ مُفَنَّدِ
    أَلاَ لاَ أُبَالِيْ مَا أَجَنَّتْ صُدُورُهُم ..... إِذَا بِتُّ مِنْهَا بَيْنَ طَوْقٍ وَمِعْضَدِ

    قَالَ الْمُؤَلِف ابْن غُنَيْم الْمَرْوَنِيَّ - عَفَا اللّهُ عَنْهُ وَعَنْ وَالدِّيَه - :
    وَلِي أَبْيَاتٌ لَيْسَتْ بِالطَّوِيلَةِ؛ قُلْتهَا فِي رِثَاء شَيْخِي وَوَالِدِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ تَعَالَى؛ عِنْدَمَا وَقَفْتُ عَلَى قَبْرِهِ بِبَقِيعُ الْغَرْقَدِ وَأَرْضِ الْعَوَالِي تُطِلُّ مِنْ أَمَامِي؛ فَقُلْت :
    حَنَّ قُبَاءَ وَصَاحَ الْعَوَالِيَّ فَوْقَ ثَرَاكْ ..... وَاهتَزّتْ شَوامِخُ رَضْوَىَ يَوْمَ فُقْدَاكْ
    وَهَوَى لِلْعِلْمِ حِينَهَا قُطْبٌ مِنْ الأَفْلاَكْ ..... وَرَثَاكَ الْجُودُ يَا أَبَتَاهُ وَقَدْ عزَاكْ

    قَالَ ابِنُ غُنَيْم الْجُهَنِيّ - عَفَا اللّهُ عَنْهُ - :
    وَيَحْسُنُ أَنْ نُورِد قَصِيدَةً جُهَنِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِسُوَيْقةَََ مِنْ أَرْضِ يَنْبُعَ؛ بَعْدَ مَا جَرَى مِنْ تَخْرِيبِهَا فِي ثَوْرَةَ مُحَمّد بْن عَبْدِ اللّهِ بْن الْحَسَنِ الْطَالِبِيُّ فِي عَهْدِ الْخَلِيفَةَ الْمَنْصُور؛ قَالَهَا شَاعِرٌ يَنْبُعِيّ جُهَنِيّ؛ هُوَ سَعِيد ابْنُ عُقْبَةَ الْجُهَنِيّ، أَوْرَدَ الْبَكْرِيّ فِي مُعْجَمِهِ سَبْعَةً مِنْ أَبْيَاتِهَا؛ وَأَوْرَدَهَا كَامِلَةً أَبُو حَيَّان التّوحِيدِيّ فِي كِتَابِ « الْبَصَائِر وَالذَّخَائِرِ » وَلَكِنّهُ سَمّى الشّاعِرَ شَدّاد بْن عُقْبَةَ؛ وَهُوَ سَعِيد كَمَا فِي « الْأَغَانِي » لِلْأَصْبَهَانِيّ؛ « وَمُعْجَمِ مَا اسْتَعْجَمَ » لِلْبَكْرِيّ ؛ « وَالْأَمَالِي » لِيَمُوتَ بِن الْمُزْرِع؛ قَالَ الشّاعِرُ الْجُهَنِيّ : مِنْ البَسِيطِ - :
    إنّي مَرَرْتُ عَلَى دَارٍ فَأَحْزَنَنِي .... لَمَّا مَرَرْتُ عَلَيْهَا مَنْظَرُ الدّارِ
    وَحْشٌ خَلَاءٍ كَأَنْ لَمْ يَغْنَ سَاكِنِهَا ...... لِمُعْتَفِينَ وَقُطَّانٍ وَزُوَارِ
    مَنْ لِلْأَرَامِلِ وَالأَْيْتَامِ يَجْمَعُهُم ...... شَتّى الْمَوَارِدِ مِنْ حَِلْسٍ وَأَكْوَارِ
    مَأْوَى الْغَرِيبُ وَسَارِيَ اللّيْلُ مُعْتَسِفاً ...... وَعِصْمَةُ الضّيْفِ وَالْمِسْكِينِ وَالْجَارِ
    بِهَا مَسَاكِنَ كَانَ الضَّيْفُ يَألفُهَا ...... عِنْدَ التَّنَسُّمِ مِنْ نَكْبَاءَ مِهْمَارِ
    فِيهَا مَرَابِطُ أَفْرَاسٍ وَمُعْتلَجٌ ...... وَحَامِلٌ أُخْرَيَاتِ اللَّيْل منْ مَارِ
    فِيهَا مَعَالِمٌ إلّا أَنّهَا دَرَسَتْ ...... مِنْ وَاردِيِنَ ونُزَّالٍ وَصدَّارِ
    فِيهَا مَغَانٍ وَآيَاتٌ وَمُخْتَلفٌ ...... فِي سَالِفِ الدّهْرُِ مِن بَادٍ وَحُضَّارِ
    ثُمَّ انْجَلَتْ وَهِيَ قَدْ بَادَتْ مَعَالِمُهَا ...... أَلْقَى الْمَرَاسِى فِيهَا وَابِلٌ سَارِ
    وَخَاوِيَاتٍ كَسَاهَا الدّهْرُ أَغْشِيَةً ...... مِنْ الْبِلَى بَعْدَ سُكّانٌ وَعُمَّارِ
    جارَ الزَّمَانُ عَلَيْهَا فَهِيَ خَاشِعَةً ...... طَوْرَينِ مِنْ رَائِحٍ يَسْرِي وَإِمْطَارِ
    فَغَاضَتْ الْعَيْنُ لَمَّا عِيلَ مَجرَّعهَا ...... فَيْضَ القَرِيّ جَفَّتْ عَنْهُ يَدُ القَارِي
    وَدَارَتْ الْأَرْضُ بِي حَتّى اعْتَصَمْتُ بِهَا ...... وَأًستَكَّ سَمْعِي بِِعْرفَانٍ وَإِنْكَارِ
    حَتّى إذَا طَالَ يَوْمٌ مَا يُفَارِقُنِي ...... مَا أَوْجَعَ الْقَلْبُ مِنْ حُزْنٍ وَتَذكارِ
    وَحَانَ مِنّي انْصِرَافُ الْقَلْبِ وَانْكَشَفَتْ ...... عَمْياءُ قَلْبٍ شَراهُ النّوْمَ مِهْجَارِ
    لَا يُبْعِدِ اللّهُ حَيّاً كَانَ يَجْمَعْهُمُ ...... مُنَدَّى سُوَيْقةَََ أَخْيَاراٌ لأَخْيَارِ
    البَاذِليْنَ إِذَا مَا الثَّقْلَ أَعْدَمهُمُ ...... جَادَتْ أَكُّفُهُمُ بِالْجُودِ مِدْرَارِ
    وَالرّافِعِينَ لِسَارِيَ اللّيْلِ نَارَهُمُ ...... حَتَّى يَجِيءَ عَلَى سِدْرٍ مِنْ النّارِ
    وَالْدَّافِعِينَ عَنْ الْمُحْتَاجِ خَلَّتَهُ ...... حَتَّى يَحُوزَ الْغِنَى مِنْ بَعْدِ إِقْتارِ
    وَالْقَائِلِينَ لَهُ أَهْلًا بِمَرْحَبْةٍ ...... لُجْ فِي اِنِفسَاحٍ وَرَحبٍ أَيُّهَا الْسَّارِي
    وَالْضَّامِنينَ الْقِرَى فِي كُلِّ رَاكِدَةٍ ...... فِيهَا سَدِيفُ شَظَايا تَامِكٍ وَارِي
    وَالْمُدْرِكِينَ حُلُوماً غَيْرَ عَازِبَةٍ ...... الْنَاهِضِيْنَ بِجَدٍّ غَيْرِ مِعْثَارِ
    وَالْعَاطِفِيْنَ عَلَى الْمَوْلَى حُلومَهُمُ ...... حَتَّى يَفِيءَ بِحِلْمٍ بَعْدَ إِدْبَارِ
    وَالْعَائِدينَ إذْا ضَنَّتْ بِدَرَّتِهَا ...... أُمُّ الْفَصِيلُ فَلَمْ تَعْطِفْ بِإِدْرَارِ
    وَاليَاسِرِينَ إذَا مَا شَتْوةٌ جَمَدَتْ ...... فَلَمْ يُحَسَّ بِنَارٍ قِدْرُ أََيْسَارِ
    وَالْمَانِعِينَ غَدَاةَ الرّوْعِ جَارَهُمُ ...... بِكُلِّ أَجْرَدَ أَوْ جَرْدَاءَ مِخْطَارِ
    وَالْرّافِعِينَ صُُدُورَ الْعِيْسِ لاَغِبَةً ...... تَبْغِي الْإِلَهُ بِحُجَّاجٍ وَعُمَّارِ
    عَلَى حَرَاجيجَ أَظْلاَعٌ مُعَّودَةٍ ...... تَرْمِي الفِجَاجَ بِرُكْبَانٍ وَأَكْوَارِ
    فَلَيْتَنِي قَبْلَ مَا آسَى لِحُزْنِكُم ...... وَكُلُّ شَيءٍ بِمِيْقَاتٍ وَمِقْدارِ
    لفَّتْ عَلََيَّ شِفَاهُ الْقَبْرِ فِي جَدَثٍ ...... عُرَى الْمَنُونِ فُرَادَى تَحْتَ أَحْجَارِ
    وَلَمْ أَرَ العَيْشَ فِي الدّنْيَا وَلَمْ يَرَني ...... وَلَمْ يَجيئْني بِأَنْيَابٍ وَأَظْفَارِ
    وَلَمْ أُفِضْ عَبَراتٍ مِنْ مُواكَلَةً ...... عَلَى كَرِيمٍ بِسَفْحِ الوَاكِفِ الْجَارِي

    قَالَ ابِنُ غُنَيْم الْمَرْوَنِيَّ :
    هَذَا مَا رَأَيْتَهُ مِنْ الْقَصِيدَة وَالَّتِي جَاءَتْ فِي 32 بَيْتًا؛ وَلَمْ أَرَهَا مَضْبُوطَةً فِي الْمَصَادِرِ الَّتِي ذَكَرَتْهَا؛ وَقَدْ اجْتَهَدْتُ فِي ضَبْطِهَا وَتَحْرِير أَلْفَاظِهَا؛ وَالشّاعِر مَجْهُولٌ عِنْدِي؛ وَكَنّاهُ ابْنُ ظَافِرٍ الْأَزْدِيّ فِي كِتَابِهِ « بَدائِعِ البَدائِه » بِأَبِي الْمُجِيب؛ وَأَوْرَدَ لهُ قِصّةُ الْقَتَال الْكِلَابِيّ مِنْ رِوَايَتِهِ؛ وَالْمَرَثيّ بِالْقَصِيدَةِ يُكَنّى أَبَا عَبْدِ اللّهِ الْمَدَنِيّ؛ وَهُوَ مُحَمّد بْن عَبْدِ اللّهِ بْن حَسَنِ بْن حَسَنٍ ابْنُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ الْقُرَشِيّ؛
    وَبِهِ عَنَى الشّاعِر سَلَمَةُ بْن أَسْلَمَ الْجُهَنِيّ بِقَوْلِهِ :
    إنّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ مُحَمّدٌ إِمَامَا ...... بِهِ يَحْيَى الْكِتَابِ الْمُنَزّلِ
    بِهِ يَصْلُحُ الْإِسْلَامِ بَعْدَ فَسَادِهِ ....... وَيَحْيَى يَتِيمٌ بَائِسٍ وَمَعُولِ
    وَيَمْلَأُ عَدْلًا أَرْضِنَا بَعْدَ مِلْئِهَا ..... ضَلَالاً وَيَأْتِينَا الّذِي كُنْت أَمُلِ


    وَمِمّا أَلْفَيْته عِنْدَ يَمُوتَ بِن الْمُزْرِعِ فِي « كِتَابِ الْأَمَالِي » نُسْخَةِ مَجَلَّةُ مَجْمَعِ اللُّغَةِ الْعِلْمِيِّ بِدِمَشْقَ؛ عَنْ سَبَبِ قَوْلِ شَاعِرِنَا لِهَذِهِ الْقَصِيدَةِ؛ مَا يَلِي :
    قَالَ يَمُوتَ بْنِ الْمُزْرِعِ؛ عَنْ ابْنِ الْمَلاَّح؛ عَنْ أَبِيهِ؛ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْن جَعْفَرِ بْن إبْرَاهِيمَ؛ عَنْ مُوسَى بْن عَبْدُ اللّهِ بْن حَسَنِ؛ قَالَ : خَرَجْتُ مِنْ مَنَازِلَنَا بِسُوَيْقَةََ جُِنْحَ لَيْلٍ؛ وَذَلِكَ قَبْلَ خُرُوج مُحَمَّدٌ أَخِي؛ فَإِذَا أَنَا بِنِسْوَةٍ تَوَهَّمْتُ أَنَّهُنَّ خَرَجْنَ مِنْ دَارِنَا؛ فَأَدْرَكَتْنِي الْغَيْرَةُ؛ فَاتَّبعْتُهُنَّ لَأَنْظُرَ حَيْثْ يُرِدْنَ حَتَّى إِذَا كَانَا بِطَرَفِ الجَمِير ؟؛ الْتَفَتَتْ إحْدَاهُنَّ وَهِيَ تَقُولُ :
    سُوَيْقةََُ بَعْدَ سَاكِنِهَا يَبَابُ ....... لَقَدْ أَمْسَتْ أَجَدَّ بِهَا الْخَرَابُ
    فَقُلْتُ لَهُنّ : أَمِنْ الْإِنْسُ أَنْتُنَّ ؟؟؛ فَلَمْ يُرَاجِعْنَنِى؛ فَخَرَجَ مُحَمَّدٍ بَعْدَ هَذَا؛ فَقُتِلَ؛ وخُرِّبَتْ دِيَارُنَا !؛ وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ إسْمَاعِيلَ [الْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّمِ] قََال : لَقِيَنِي مُوسَى بْن عَبْدُ اللّهِ؛ فَقَال : هَلُمَّ حَتَّى أُرِيكَ مَا صُُنِعَ بِنَا بِسُوَيْقَةََ؛ فَانْطَلَقْت مَعَهُ؛ فَإِذَا بِنَخْلِهَا قَدْ عُضِدَ عَنْ آخِره؛ وَمَصَانِعُها قَدْ خُرِّبَتْ؛ فَخَنَقَتْني العَبْرَةُ؛ فَقَال : إلَيْك؛ فَنَحْنُ وَاَللّهِ كَمَا قَالَ دُرَيدُ بْن الصِّمَّةِ :
    تَقُولُ أَلأَ تَبْكِي أَخَاكَ وَقَدْ أَرَى ....... مَكْانَ الْبُكَا لَكِنْ جُبلتُ عَلَى الْصَّبْرِ

    وَقَالَ سَعِيدِ بْن عُقْبَةَ الْجُهَنِيّ : نَزَلَتُ بِبَطْحَاءِ سُوَيْقَةَُ؛ فَاسْتَوْحَشْتُ لِخَرَابِهَا؛ إِلَى أَنْ خَرَجتْ ضَبْعٌ مِنْ دَارِ عَبْدُ اللّهِ بْن حَسَنِ؛ فَقُلْتُ :
    إنّي مَرَرْتُ عَلَى دَارٍ فَأَحْزَنَنِي .... لمَّا مَرَرْتُ عَلَيْهَا مَنْظَرُ الدّارِ
    وَحْشًا خَرَاباً كأنْ لمْ تَغْنَ عَامِرَةً ...... بِخَيْرِ أَهْلٍ لِمُعْتَرٍّ وَزُوَّارِ
    لا يُبعدِ اللهُ قَوْماً كَانَ يَجْمَعْهُمُ...... جَنْبا سُوَيْقةَََ أَخْيَاراً لأَخْيَارِ
    الْرّافِعِينَ لِسَارِي اللّيْلِ نارَهُم ...... حَتَّى يَؤُم عَلَى ضَوءٍ مِنْ النّارِ
    وَالْرَّافعين عَنْ الْمُحْتَاجِ خَلَّتَهُ ...... حَتَّى يَجُوزَ الْغِنَى مِنْ بَعْدِ إِقْتارِ
    .
    قَالَ ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَنِيُّ الجُهَنِيّ - عَفَا اللّهُ عَنْهُ - :
    وَفِي دِيوَانُ الشّيْخ الْإِمَامُ الْمُحْدَثَ الْحَافِظُ الشّاعِر الْفَحْلُ اللُّغَوِيِّ أَبِي طَالِبٍ رَحِمَهُ اللّهُ؛ الْمُلَقَّب بِشَاعِر الْبَادِيَةَ؛ مُحَمّدٍ ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ابْنُ وَاصِل ابْنُ بَكْرٍ ابْنُ بَخِيْت ابْنُ حَارِس ابْنُ قََرْعٌ ابْنُ عَلَي ابْنُ خَيْرٍ الْجُهَنِيَّ الْقُضَاعِيّ الْحِمْيَرِيُّ؛ أَحَد دُهَاة الشّعْرِ فِي الْقَرْنِ الثّانِي عَشَرَ لِلْهِجْرَةِ؛ كَانَ شَاعِرِنَا الْجُهَنِيّ أَعْرَابِيّ النَّشْأَةِ؛ وُلِدَ بِمِصْر فَتَخْرَجَ مِنْ بَيْتُ عِلْمٍ وَصَلاَحٍ وَرِيَاسَةٌ؛ مُعْتَزًّا بِدِينِهِ وَنَسَبِهِ وَحَسْبِهِ كُلّ الاعتزاز؛ يَعْرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْعَرَب فَضّلَهُمْ عَلَى الدّنْيَا؛ وَكَرَمِ طِبَاعُهُمْ وَشَرِيف خِصَالِهِمْ؛ وَأَنّهُمْ أَهْلِ الشّجَاعَةَ وَالسّمَاحَةِ وَالنّجْدَةِ وَالْمُرُوءَةِ وَالنّخْوَةِ وَالْإِبَاء وَالْكَرَمِ؛ وَلَقَدْ زَادَهُمْ الْإِسْلَام فَضْلًاً وأَرْيَحِيَّة؛ فَكَانُوا النّور الّذِي هَدَى الْعاَلمُ مِنْ حِنْدِسُ الْجَهَالَةِ وَالْبَغْي؛ حَتّى أَسَّسُوا حَضَّارَةً اِقْتَبَسَ مِنْهَا الْغَرْب الأَْعَاجِمِ أُسُسُهَا؛ وَهُمْ بَعْدُ يَرْسُفوا فِي مَجَاهِلُ الظّلَامِ وَقُيُودِ الْقَسَاوِسَةُ؛ وَمِنْ أَبْيَاتٍ طَوِيلَةٍ لَهُ يَذْكُر بَعْضٍ مِنْ فَضَائِل وَمَنَاقِب قَوْمِهِ بَنِي جُهَيْنَةَ؛ وَأَنّ لَهُمْ تَارِيخًا عَظِيمًا مُشْرِفا؛ مُنْذُ أَيّامِ الْجَاهِلِيّةِ عِنْدَمَا سَادُوا مَعَ كَلْبًا جَمَرَةُ الْعَرَبِ قُضَاعَةَ وَقَدْ أَناخَ الشَّرَف بِبَابِهِمْ؛ إلَيّ أَنْ جَاءَ الْإِسْلَام فَازْدَادُوا عُلاً وَسَبْقٍ حَتّى الْيَوْمِ؛ فََمِنْ ذَلِكَ مَا أَنْشَدَهُ :
    مِنْ الْبَحْرِ الطّوِيل - :
    بَنِيَّ إِفْزِعُوا إِنَّ الْعُلا جَدّ جِدُّهَا ....... وَبَانَتْ لَكُمُ آيَاتُهَا مِنْ أَياتِهَا
    أَقِيمُوا مَطَايَاكُمُ إلَى الْمَجْدِ وَارْفَعُوا ..... عَلَى نَغَمَاتِ الْعِلْمِ صَوْتَ حُداتِهَا
    بَنِيَّ إِفْزِعُوا إِنَّ الْمَمَالِكَ حَوْلَكُمْ ..... عَلَى الْعِلْمِ تُجْرِي بِالْهُدَى مُذْ كِيَاتِهَا
    شَمَائِلُ قَوْمُكُمُ إذَا الْعِلْم فِيهُمُ ....... غِرَاسًا جَنَيْنَا الْمَجْدَ مِنْ ثَمَرَاتُهَا
    طَلَعْنَا بِهَا فِي الْمَشْرِقَيْنِ كَوَاكِباً ....... يَعُمُّ بَنِي الدُّنْيَا سَناَ نِيَّرَانِهَا
    فَنَحْنُ هُدَاةُ الْمَغْرِبَيْنِ وَإِنْ أَبَتْ ....... عَلَيْنَا اللّيَالِي أَنّنَا مِنْ هُدَاتِهَا
    كَذَلِكَ كُنَّا وَالْوَرَى فِي دُجُنَّةٍ ....... تَضِيقُ بِطَاحُ الأَْرْضِ عَنْ ظُلُماتِهَا
    فإِن تَبْغِنَا فِي مَشْرِق الأَْرْضِ تَلْقَنَا ....... بِآثَارِنَا مَعْرُوفَةً فِي سِمَاتِهَا
    وَإِنْ تَلْتَمِسْنَا فِي بَنِي الْغَرْب تَلْقَهُمْ ....... عَلَى ضَوْئِنَا يَعْشَوْنَ فِي فَلوَتِهَا
    فَلاَ يَحْسَبَنّ النّاسُ أَنَا تَزَلْزَلَتْ ....... بِنَا قَدَمٌ أَوْ قَصُرَتْ خُطوْاتِهَا
    فَحَسْبُ اللّيَالِي أَنّنَا فِي قِرَاعِهَا ....... قَطعْنَا إلَى مَعْرُوفِها مُنْكَراتِهَا
    وَأَنَّا إذَا جَدّ الْفَخَارِ بِمَعْشَرٍ ....... لَنَا قََصَباتُ الْسَّبقِ فِي حَلَبَاتهَا
    فَلِلّهِ مِنّا وَالْعُلَا فِي قَدِيمِنَا ....... أَحَادِيثُ حَارَ الدّهْرُ فِي مُعْجِزَاتِهَا
    وَاَللّهِ مَا يَزْهَا الْوَرَى مِنْ حَدِيثُنَا ....... إذَا حَدَّثَتْ عَنّا ثِقَاةٌ رُوَاتُهَا
    وَلِلَّهِ مِنّا مَعْشَرٌ طَأْطَأْتْ لَهُمْ ...... ذُرَى الْعِزَّ فَاسْتَعْلَوا عَلَى صَهَوَاتِهَا

    ثُمَّ يَسْتَطْرِدُ فِي بَيَانِ بَعْضٍ مِنْ أَمْجَادُ قَوْمِهِ وَفَضَائِلَهُمْ؛ وَأَنّ آبَائِهِ وَأَجْدَادُهُ هُمْ أُولَئِكَ الْقَادَةِ الْفَاتِحِينَ الْأَبْطَالِ الْفَوَارِسَ الْصَنَادِيد؛ الّذِينَ زَلْزَلُوا عُرُوشُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَفَارِسَ وَالرّوم؛ فَجَاسُوا الدِّْيارِ وَرَكِبُوا الْأَخْطَار حَتّى قَوْطَرَ الْإِسْلَام فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا؛ فَرُفِعَتْ الرّايَةُ عَالِيًا فِي أَقَاصِي الْمَعْمُورةَ؛ وَذَاكَ حِينَ قَال :
    مِنْ الْبَحْرِ البَسِيطِ - :
    مَا الْبِيْضُ إلّا لِقَوْمٍ بِالْفَخَارِ لَهُمُ ....... عَلَى الزّمَانِ خَلاعَاتٌ وَإِدْلَالِ
    فِي الْمُطْعِمِينَ عَلَى الْحَالَيْنِ عَافِيْهُم ....... إذَا أَصَابَ كِرَامُ النّاسِ إِمْحَالِ
    وَالْمُرَحِبْينَ إذَا ضَاقَ الزّمَانُ بِهِمُ ....... وَالْمُكْثِرِينَ وَفِي الْأَيّامِ إِقْلاَلِ
    وَالنَّاقِضِينَ عَلَى الأَْيَّامِ مَا عَقَدتْ ....... وَمَا لِمَّا عَقَدُوهُ الدّهْرَ حَلاْلِ
    مِنَ الَّذِينَ إذَا قَالُوا مَقَالَتُهُمْ ....... فَالدّهْرُ مَاضٍ بِمَا قَالُوهُ فَعَالِ
    مِنْ كُلَّ أَرْوَعَ فِي أَعْرَاقُهُ كَرْمٍ ....... وَفِي شَمَائِلِهِ لُطْفٌ وَإِجْمَالِ
    إلَى جُهَيْنَةَ يُنَمَّى فَرْعَهُ نَسَبٌ ....... لَهُ عَلَى الْمَجْدِ إِشْرَافٌ وَإِطْلاَلِ
    إذَا تَفَرّقَتْ الْأَنْسَابُ فَهُوَ إِلَى ....... صَمِيمِ يَعْرِبُ صَعَّادٍ وَنَزَالِ
    وَإِنْ تَقَطّعَتْ الْأَرْحَامَ كَانَ لَهُ ....... فِي أَهْلِ يَثْرِبَ أَعْمَامٌ وَأَخْوَالِ
    مِنْ مَعْشَرٍ فِي صُرُوح الْعِزَّ قَدْ نَزَلُوا ....... وَالْمَاجِدُونَ عَلَى الأَْيَّامِ أَنْذالِ
    وَلِيّ هَمَامَةُ نَفسٍ بِالعُلا كُلِفْت ....... قُدُمًا وَقَلْبٌ بِأَهْلِ الْفَضْل مِحْلاَلِ
    يَهْوَى الْكِرَامُ وَمَا غَيْر الْكِرَامَ لَهُ ....... مِنَ الْبَرِيَّةِ أَخْدَانٌ وَأَمْثَالِ
    أَأُشْمَتَّ حُسّادِي فَأَشْكُو وَإِنّنِي ....... أَرَاهُ عَلَى الْأَحْرَار غَيْرَ حَلَالِ


    وَهَا هُوَ الْصِّنْدِيدُ السّيّدُ الْفَارِس الْجُهَنِيّ الْعَرِيب يُنْشِدُ مُجَلْجِلاًَ :
    مِنْ الْبَحْرِ الْرَمَل :
    وَأَنَا ابْنُ الصّيْدَ مَنْ أَنْكَرَنِي ....... يُنْكِرُ اللّيْثَ إذَا مَا انْتَسَبَا
    مِنْ أَبِيْنَ كِرامِاً ضَرَبُوا ....... فَوْقَ هَامَاتِ الْمَعَالِيَ قِبَبَا
    وَكَفَانِي مِنْ فَخَارِي نِسْبةٌ ....... جَمَعَتْ فِي طَرَفَيْهَا الْعَرَبَا
    سَادَ آبَائِي بِهَا قِدَماً وَمَا ....... ألْيَقَ الْمَجْدَ بِمَنْ سَادَ أَبَا
    فَزَمَانِي إنْ يَكُنْ نَكّب بِي ....... جَانِبَ الْحَظُّ سِفَاهاً وَكََبَا
    فَنَحْنُ رَأْسُ النَّاسَ فِي النَّاسِ وَمَنْ ..... ذَا يُسَوِّي بِالرُّؤُوسِ الْذَّنَبَا
    نَرْكَبُ الجُلَّي وَلاَ نَرْهَبُهَا ....... يَوْمَ يُلْوِي النّاسُ عَنْهَا هَرَبَا
    فَسَلِي يَا سَلْمُ عَنّي مَعْشَراً ....... لَمْ يَرَوْا غَيْرَ الْمَعَالِي نَسَبَا
    تَعْلَمِي أََنِّي فَتَى خَيْلٍ بِهِ ....... تُعْجَبَ الْخَيْلُ إذَا مَا رَكِبَا
    وَيَرَاعٍ تَسْجُدَ السُّمْرُ لَهُ ....... يَنثُرُ الدُّرَّ إذَا مَا كَتَبَا
    لَيْسَ مِنْ شِيْمَةِ مِثْلِي أَنّهُ ....... يَشْتَكِي الْبُؤْسَ وَيَخْشَى النُّوَبا

    قَالَ ابِنُ غُنَيْم الْجُهَنِيّ - عَفَا اللّهُ عَنْهُ - :
    وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي « الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ » وفِي « الْآحَاد وَالْمَثَانِي » وَالْحَافِظِ الْعِرَاقِيُّ فِي « القُرَب فِي فَضْلِ الْعَرَب » وَالْإِمَامُ ابْنُ حَجَرٍ الْأَنْصَارِيّ فِي « مَبْلغُ الأَرَبِ فِي فَخْرِ الْعَرَب » وَالآْمِدِيُّ فِي « الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ » وَالْحَافِظِ الْعَسْقَلَانِيّ فِي « الْإِصَابَة فِي تَمْيِيز الصَّحَابَةِ » وَابْنُ مَاكُولَا فِي « الإِْكْمَال فِي رَفْعُ الاِرْتِيَابِ عَنْ الْمُؤْتَلَفِ وَالْمُخْتَلَفِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَالْأَنْسَاب » وَغَيْرِهِمْ
    وَالسَّنَد لِلطَّبَرَانِيّ؛ قَال :
    حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْن أَحْمَدَ بْن نَصْرٍ التِّرْمِذِيُّ؛ ثِنَا الْحَارِثُ بْن مَعْبَدِ بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ بْن الْرَّبِيعِ بْن سَبْرَةَ بْن عَمْرِو بْن صُحَارِ بْن زَيْدِ بْنُ جُهَيْنَةَ بْنُ قُضَاعَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرِ؛ حَدّثَنِي عَمِّي حَرْمَلَةُ بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ عَنْ أَبِيهِ؛ عَنْ جَدّهِ؛ عَنْ سَبْرَةَ بْن مَعْبَدٍ صَاحِبِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ : اجْتَمَعَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَفْنَاءِ النّاسِ فَقَالَ : لَيُحَدِّثُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَكْرُمَةِ قَوْمِهِ؛ وَمَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ فَضْلٍ؛ فَحَدَّثَ الْقَوْمُ حَتّى انْتَهَى الْحَدِيثُ إلَى فَتىً مِنْ جُهَيْنَةََ؛ فَحَدَّثَ بِحَدِيثٍ عَجْز عَنْ تَمَامِهِ؛ فَالْتَفَتَ إلَيْهِ عِمْرَانُ بْن الْحُصَيْنِ فَقَال : حَدِّثْ يَا أَخَا جُهَيْنَةَ بِفِيكَ كُلِّهِ؛ فَأَشْهَدُ لَقَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُول :
    « جُهَيْنَةُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ؛ غَضِبُوا لِغَضَبِي وَرَضُوا لِرِضَائِي؛ أَغْضَبُ لِغَضَبِهِمْ وَأَرْضَى لِرِضَاهُمْ؛ مَنْ أَغْضَبَهُمْ فَقَدْ أَغْضَبَنِي؛
    وَمَنْ أَغْضَبَنِي فَقَدْ أَغْضَبَ اللَّهَ »

    فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْن أَبِي سُفْيَانَ كَذَبْتَ؛ إنّمَا جَاءَ الْحَدِيثُ فِي قُرَيْشٍ؛ فَقَال :
    يُكَذِّبُنِي بَنِي مُعَاوِيَةَ بْن حَرْبٍ ....... وَيَشْتُمُنِي لِقَوْلِي فِي جُهَيْنَةْ
    وَلَوْ أَنِّي كَذَبْتُ لَظَنِّ قَولِي ....... وَلَمْ أَكْذَبْ لِقَوْمِي مِنْ مُزَيْنَةْ
    وَلَكِنِّي سَمِعْت وَأَنْتَ مَيْتٌ ....... رَسُولَ اللَّهِ يَوْمَ لَوْى شُنَيْنَةْ
    يَقُولَ الْقَوْمُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ ........ جُهَيْنَةُ يَوْم خَاصَمَهُ عُيَيْنَةْ
    إذَا غَضِبُوا غَضِبْتُ فِي رِضَاي ......... مِنَّةٌ لَيْسَتْ مُنَيْنَةْ
    وَمَا كَانُوا كَذَكْوَانَ وَرِعْلِ ...... وَلاَ الْحَيَّيْنِ مِنْ سَلَفِي جُهَيْنَةْ

    قَالَ الْمُؤَلّفُ ابِنِ غُنَيْم الْمَرْوَنٍيّ :
    وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مُجَمّع الزّوَائِدِ : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ؛ وَفِيهِ الْحَرْثِ بْن مَعْبَدِ وَلَمْ أَعْرِفُهُ؛ وَبَقِيّة رِجَالُهُ ثِقَات؛ وَقَال اِبْنُ حَجَر فِي مَبْلغُ الأَرَبِ : حَدِيثٌ غَرِيبٌ رُوَاتهُ ثِقَات؛ إِلاَّ وَاحِد لَمْ يُعْدَل وَلَا جُرِح؛ وَفِي الْخَبَرِ الصّحِيح أَنّهُمْ: « مَوَالِي لَيْسَ لَهُمْ مَوْلَى مِنْ دُونِ اللّهِ وَرَسُولِه »؛ قَالَ الْجُهَنِيّ : الْحَدِيثُ عِنْدِي حَسَنٌ لِغَيْرِهِ؛ يَرْتَقِي إِلَى هَذِهِ الْدَرَجَةِ بِمَجْمُوعِ شَوَاهِدِهِ وَطُرُقه؛ وَكُنْت قَدْ خَرَّجْته فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِي الصّحَابَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ؛ فَغَابَ عَنِّي الْآنَ .

    وَرَوَى الآْمِدِيُّ فِي « الْمُؤْتَلَفِ وَالْمُخْتَلَفِ فِي أَسْمَاءِ الشّعَرَاء وَكُنَاهُمْ وَأَلْقَابَهُمْ وَأَنْسَابُهُمْ » نُسْخَةِ كرنكو :
    وَأَمّا بُسْرٍ : بِضَمّ الْبَاءِ وَالسّينِ غَيْرُ مُعْجَمَةٍ؛ فَهُوَ بُسْر بْنُ عِصْمَة الْمُزَنِيّ؛ أَحَدُ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ هُذْمة بْنِ لَاطِمِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرُو بْنِ أُدّ بْنِ طَابِخَةَ؛ أَحَدُ سَادَاتِ مُزَيْنَةَ؛ فَارِسٍ شَاعِرٌ؛ وَكَانَ فِي سُمَّار مُعَاوِيَةَ؛ فَتَحَدّثَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ فحَصِرَ وَقَطَعَ الْحَدِيثَ؛ فَتَضَاحَكَ الْقَوْمُ؛ فَقَالَ لَهُ بُسْرٌ : تَحَدّث يَا أَخِي؛ فَقَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ : « جُهَيْنَةُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ؛ مِنْ أَذَى جُهَيْنَةَ فَقَدْ آذَانِي؛ وَمَنْ أَذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ » فَغَضِبَ مُعَاوِيَةَ وَقَال : كَذَبْت؛ إنّمَا قَالَ هَذَا لِقُرَيْش؛ فَانْصَرَفَ بُسْرٍ وَقَالَ :
    أَيَتَمَنَّى مُعَاوِيَةَ بْن حَرْبٍ …...... وَيُكَذّبَنِي فِي قَوْلِي لِجُهَيْنَةَ
    وَلَوْ أَنّي كَذَبْتُ لَكَانَ قَوْلِي …… وَلَمْ أَكْذَبْ لِغَيْرِي فِي مُزَيْنَةَ


    وَلَعَمْرُ اللّهِ إِنَّ تِلْكَ الْأَشْعَارِ الّتِي قَالَهَا وَأَنْشَدَهَا هَذَا الْجُهَنِيّ الْمُحَدّثُ الشُّجَاعُ المُقَدّام؛ إِنَّمَا صَدَرَتْ عَنْ فَارِسٌ لاَ يُشَقُّ لَهُ غُبَار؛ قَدْ أَقْحَمَ فَرَسِهِ فِي جَلَمَاتُ الْحُرُوبِ وَمُقَارَعَةُ الْخُطُوب؛ فَاسْتَمِعْ إلَيْهِ وَهُوَ يَصِفُ إحْدَى الْمَعَارِكَ الَّتِي نَزَل بِسَاحِهَا هُوَ وَنَّفِيرٌ مِنْ قَوْمِهِ الْجُهَنِيَّون؛ وَلَعَمْرِي فَكَيْفَ لاَ؛ وََهُمْ مِنْ وَلَدِ الصَّحَابَةِ الْفَاتِحِين؛ فَلَقَدْ حَمُّسَ الأَْحْفَاد كَسَالِفِ الْأَجْدَاد فِي الدِّفَاعِ عَنِ أَرْضِ مِصْرَ؛ وَالذَّوْدُ عَنْ الدّينِ وَالْعِرْض؛ فَيَقُولُ وَقَدْ إِمْتَطَى صَهْوَةَ الْفَخَارِ وَرَبَطَ عِصَابَةُ الإِْصْرَارِ؛ يَوْمَ أَقْبَلَتْ جَحَافِلُ العُلُوجِ تَتَّمَهْجَروا بِقُوَّتِهَا؛ قَبْلَ أَنْ تَهَكَعَ وَتَجُرُّ ذَيْلِ الْهَزِيمَةَ الْمُجَأْجَاءَةُ .
    مِنْ الْبَحْرِ الطّوِيل - :
    فَأَبْلِغْ بَنِي الْتَامِيْز عَنّا وَحِلْفَهُمْ ........ بِبَارِيسَ أَنْبَاءِ النّذِير الْمُصَدِّقُ
    عَشِيّةَ يَحِدُونَ الأَسَاطِيْلَ شُرْعَاً ........ عَلَى أَلِيَمَّ تَحْبُو فِي الْحَدِيدَ الْمُطْبَقُ
    تَشُنَّ عَلَى دَارِ الْخِلاَفَةِ غَارَةً ........ مِنْ الْبَحْرِ إنّ تَقْرَعُ بِهَا الْدَّهرَ يُفَرِّقُ
    فَأَقْبَلْنَ فِي شَمْلٍ مِنْ الْبَغْيَ جَامِعُ ........ وَعُدْنَ بِشَمْلٍ بِالْهَوَانِ مُفَرّقُ
    فَمَا لَبِثُوا أَنْ أرْزَمَ الْمَوْتُ بَيْنَهُمْ ........ بِدَاهِيَةٍ مِنْ حَوْلِ غِرّةَ بَهْلَقُ
    نَصَبْنَا لَهُمْ فِي كُلّ جَوّ خَبِيئَةً ........ تَصُبّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَعْوَاءٍ خَيْفَقُ
    وَقُمْنَا لَهُمْ فِي مُرْتَقى كُلّ تَلْعَةٍ ........ بِكُلّ مَلِئٍ بِالرَّدَى مُتَفَيْهِقُ
    كُؤُوسً أَدَرْنَاهَا سِجَالَاً عَلَيْهِمْ ........ تَنَاسَوا بِهَا طَعْمَ الشَّرَابِ المُرَوَّقُ
    فَلَمّا الْتَقَيْنَا وَالْمَنَايَا جَوَاثِمُ ........ تُطَالِعُهُمْ مِنْ كُلّ شِعْبٍ وَخَنْدَقِ
    دَلَفْنَا إلَيْهِمْ كَوْكَبًا خَلْفَ كَوْكَب ........ وَجَاشُوا إلَيْنَا فَيْلَقاً بَعْدَ فَيْلَقِ
    فَمَا خَيَّمُوا حَتّى كَسَوْنَا سَمَاءَهُمْ ........ بِأَسْوَدٍ مِنْ نَسْجِ الْقَنَابِلَ عوْهَقُ
    فَهَذَا فَرِيقٍ فِي التِّلالِ مُصَرّعٌ ........ وَذَلِكَ فَوْقَ الأَمْعَز الْمِتَوْهِقُ
    يَجْرَعُ هَذَا حَتْفِهِ كُلَّ مُصبِحٍ ........ وَيَكرَعُ ذَاكَ الْمَوْتُ فِي كُلّ مَغْبَقِ
    طَغَتْ نَارنَا فِيهِم فَمَا لِمَغْرِبٍ ........ مِنْ النّارِ مَنْجَاةً وَلَا لِمَشْرِقِ
    يَوَدّونَ لَوْ أَنّ السّمَاءَ تَشَقَّقَتْ ........ لَهُمْ طُرُقاً هَيْهَاتَ لَمْ تَتَشَقَقِ
    تَرَكْنَا عِتاقُ الطَّيْرِ فِي حُجُرَاتِهَا ........ تَخْطَفُ مِنْهُمْ كُلّ شِلْوٍ مُمَزّقُ
    عَشِيّةَ رَاحُوا أَلْفَ أَلْفٍ يَقُودَهَا ........ إلَى حَتْفِهَا جَهْلَ الزّنِيمُ الْحَفَلَّقُ
    تَرَكْنَا لَهُمْ سَيْفِ الْعِرَاقَ لِيَشْهَدُوا ........ بِبَغْدَادَ كَيْدَ الْحَارِش الْمُتَنْفِقُ
    فَمَا وَطِئُوا بَغْدَادَ حَتّى تَبَيّنُوا ........ وُجُوهِ الرَّدَى أَوْ ذِي إِسارٍ مُحَلِّقُ
    هُنَاكَ لَقُوا مِنْ خَيْلَنَا كُلّ مُقْرَمٍ ........ مَشُوقٍ إلَى لَحِم الْأَعَادِي مُتَوَّقِ
    تَقْذِفُهُمْ بَيْنَ الْمَتَالِعِ وَالرُّبَّى ........ وَنلقى بِهِمْ مِنْ كل حِصْنٍ وَجَوْسَقِ
    سَقَيْنَاهُمْ كَأْسًا دِهَاقاً مِنْ الرّدَى ........ وَإِنّا مَتَى مَا نَسْقِ بِالكَأْسِ نَدْهَقُ
    جُنُودٌ تَرُوْعُ اللّيْلَ أَنَزَلَهَا الرّدَى ........ مُؤَجِّجَةٌ تَزْهُو بِنَكْبَاءَ سَوْهَقِ
    هَلْ الْحَرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقتُمْ ........ وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ الْمُزَوِّقُ
    فَسَائِلْ بِنَا أَعْلاجُ لَنْدَنَ هَلْ وَفَوْا ........ بِعَهْدٍ لَنَا بَيْنَ الْأَنَامِ وَمُوثَقُ ؟


    :: :: :: :: :: ::: :: :: ::

    :: :: :: :: :: :: :: :: ::

    قَالَ الْمُؤَلِف ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَانِيُّ الجُهَنِيّ :
    وَقَدْ نَظَّمَتُ قَصِيدَةٍ طَوِيلَه؛ جَمَعْتُ فِيهَا تَارِيخ جُهَيْنَةَ وَفَضَائِلِهَا فِي جُيُوشُ الْفُتُوحَاتِ الْإِسْلَامِيّةِ وَتَحْقِيق الِانْتِصَارَاتِ الْبَاهِرَةِ؛ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ اِخْتِصَار مَا يَقْرُبُ مِنْ ثَلَاثَة آلَاف سَنَةٍ مِنْ عُمّر هَذِهِ الْقَبِيلَة الْعَرِيْقَةِ؛ وَهِيَ لِمَنْ رَامَ التَّطَلُّعَ عَلَى نَسَبِ وَحَسَبَ هَذِهِ الْقَبِيلَةِ مُنْذُ أَيّامِهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ فََالْإِسْلَامِ حَتّى يَوْمِنَا الْحَاضِر؛ وَهِيَ كَامِلَةً فِي كِتَابِي « أَشْعَارُ جُهَيْنَةَ وَأَيَّامِهَا » وَأَنَا لَا أَقْرِضُ الشّعْر إلّا هَيّنا؛ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ مِنْ أَبْيَاتٍ جَاءَتْ مِنْ فَرْطِ حُزْنِي إلَى مَا صَارَ إلَيْهِ حَال الْمُسْلِمُونَ وَالْعَرَبُ مِنْ هَوَانٍ؛ وَذَلِكَ عِنْدَمَا اِنْغَمَسُوا فِي اللّهْوُ وَتَنَكَبُوا جَادّةِ أَسْلَافِهِمْ الْأَوَائِلِ؛ فَأَصْبَحُوا بَعْدَ السِّيَادَةِ وَالرّيَاسَةِ عَالَةٌ عَلَى الْأُمَمِ يَتَدَاعَوْنَ عَلَيْهَا مِنْ كُلّ حَدَبٍ وَصَوب؛ فَمِمّا قُلْنَاهُ وَنَظَمْنَاه :
    قَالَ ابْنُ الْغُنَيْم :
    لَقَدْ عَلِمَتْ شُوْسُ جُهَيْنَةَ بِأَنّنِي ........ حَمِيْداً لَدَى النّائِبَاتِ لاَ ارْتَاعْ
    فَإِنْ كُنْت مُسَائِلاً عَنْ نَسَبِي ......... فَدُونَك التّارِيخُ وَالْأَيّام بِغَيْرِ نِزَاعْ
    بِأَنّا سَقَيْنَا أَرْضَ بَدْرًا بِدِمَانَا ........ إذْ الْكُمَاةُ تَفْرِي تِلْكَ الْبِقَاعْ
    فَكَمْ مِنْ مُجَدّلٍ وَصَرِيعٌ بَيْنَنَا ........ بِحَرْبٍ سَعِيرُهَا يَهُولُ اللُكَاعْ
    فَنَحْنُ لَعَمْرُك قَوْمَاً بَنَى اللّهُ مَجْدَنَا ...... فَفِي الصَّحَائِفُ آيَاتِنَا تَقْرَعُ الْأَسْمَاعْ
    وَنَحْنُ أَنْصَارُ النّبِيّ مُحَمّداً......... بِأَسْيَافِنَا نُخَضِبَهَا بِالْهَامَ وَالأَجْزَاعْ
    فَلِلّهِ دَرُنَا إذَا مَا الْخَيْلُ تَجَاوَلَت ....... أَلْفَيْتَ رَايَاتِنَا بِالْعَجَاجَةِ فَوْقَ الشّعَاعْ
    لُيُوث هَيْجَاء مِنْ أَرُومَةِ حِمْيَرَ ....... طِوَالُ الرّمَاحِ مَدَاعِيْسٌ جِيَاعْ
    إذَا مَا أَرْعَدْت الْكَتَائِبُ حَسَبْتَنَا ....... شِوَاضُ نَارٍ بَارِقَةً تَقَصّفُ بِقَعْقَاعْ
    فَمَنْ مُبَلّغٌ عَنّي بَنِي الْجَهَالَةِ بِأَنّنَا ........ قَوْمًا تَشْهَدُ لَهُمْ الْأَبَاطِحُ وَالْتِلاَعْ
    فَسَائِلْ عَنّا عُلُوجَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ...... وَكَيْفَ رَقَصَتْ خَيْلُنَا بِتِلْكَ الأًصْقَاعْ
    جَلَبْنَاهَا مُضْمَرَةً بِأَرْسَانِهَا ........ يَقُودُهَا مَسَاعِيرُ الْوَغَى بِالْمِرِبَاعْ
    حَمَيْنَا بِهَا الْإِسْلَامُ وَدِيَارَنَا ........ وَنَحِزُ بِصَهِيْلِهَا الْأَعَادِي يَوْمَ الْقِرَاعْ

    قَالَ الْمُؤَلِف ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَانِيُّ الجُهَنِيُّ :
    وَيَجْدُرُ بِنَا أَنْ نَعُود إلَى الْمَقْصُود مِنْ كِتَابِنَا؛ وَلَقَدْ اسْتِطْرَدْنَا بِنَقْلِ مَقْطُوعَات مِنْ أَشْعَارِ جُهَيْنَةَ لِدَفْعِ السّأَمْ؛ وَخَشْيَةَ أَنْ يَعْتَرِي الْقَارِئُ مَلَلٌ؛ بِسَبَبِ جَفَافِ ذِكْرَ الْبُلْدَانِ وَالأَْمَاكِن؛ وَأَعْرَضْت عَنْ الْكَثِير إيثَارًا لِلْإِيجَازِ مِنْ الْإِطَالَةِ؛ وَيَكْفِي أَنْ نُشِيرُ إلَى أَنّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ لِقَبِيْلَةِ جُهَيْنَةَ دِيوَانًا مُسْتَوْفِيًا أَشْعَارِهَا وَأَنْسَابِهَا وَأَخْبَارِهَا؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَهَبَ شَيْخُنَا عَالِمُ الْجَزِيرَةِ رَحِمَهُ اللّه فَعَلَّلَ مُجْتَهِدًا قِلَّةِ مَا رُوِيَ مِنْ أَشْعَارِ جُهَيْنَةَ الْقُدَمَاءِ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَالإِْسْلاَم حِينَمَا قَال : أَمَّا فِي مَجَال الْأَدَبِ وَالشِّعْرِ فَقَدْ كَانَتْ الْقَبِيلَةُ تَعِيشُ فِي بِلَادِهَا فِي شِبْهِ عِزْلَةٌ؛ وَإِخْلأَد إلَى السّكُونِ؛ وَهَذَا مِمَّا سَبَبَ قِلّةِ الْمَرْوِيّ مِنْ شِعْرِ شُعَرَائِهَا الْمُتَقَدِّمِينَ؛ وَمَعَ ذَلِكَ فَفِي كُتُبِ الْأَدَبِ طَائِفَةٌ مِنْ الشّعْر الْمَنْسُوب إلَى هَذِهِ الْقَبِيلَةِ؛ انْتَهَى كَلَامِهِ؛ وَهَذَا حَقٌّ جَيّدٌ مِنْ الشّيْخِ لَوْلَا أَنَّ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بِشْرٍ الآْمِدِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 370 مِنْ الْهِجْرَةِ لَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِهِ « الْمُؤْتَلَفِ وَالْمُخْتَلَفِ مِنْ أَسْمَاءِ الشّعَرَاءِ » ضِمْنَ دَوَاوِينِ الْقَبَائِلِ الّتِي ذَكَرَهَا « كِتَابُ جُهَيْنَةَ » .

    يَقُولُ نَاصِرُ الدِّينِ الْأَسَدِ فِي كِتَاب « مَصَادِرِ الشّعْرَ الْجَاهِلِيِّ » :
    فَكُتُبِ الْقَبَائِلِ فِي جَوْهَرُهَا مَجْمُوعَاتٍ شِعْرِيّة؛ تَضُمَّ بَيْنَ دِفَّتَيّهَا قَصَائِدٌ كَامِلَةً؛ وَمُقَطّعَاتٌ قَصِيرَةً؛ وَأَبْيَاتًا مُتَفَرّقَةً؛ لِشّعْرَاءُ تِلْكَ الْقَبِيلَةُ أَوْ لِبَعْضِ شُعَرَائِهَا؛ وَرُبَّمَا ضَمِنَتْ أَكْثَرَ شِعْرَ هَؤُلَاءِ الشُّعَرَاءِ؛ بَل رُبَّمَا ضَمّتْ جَمِيعَ شِعْرِ شَاعِرٌ مِنْهُمْ وَدِيوَانِهِ كَامِلًا؛ ثُمّ تُضِيفُ إلَى ذَلِكَ أَفْرَادِ قَبِيلَتِهِ؛ مَا يُوَضِّحُ مُنَاسَبَات الْقَصَائِدَ؛ وَيُفَسّرْ بَعْضَ أَبْيَاتِهَا؛ وَيُبَيّنُ مَا فِيهَا مِنْ حَوَادِث تَارِيخِيَّةٍ؛ فَيَجِيءُ كِتَابُ الْقَبِيلَةِ بِذَلِكَ سِجِلاً لِحَوَادِثِهَا وَوَقَائِعَهَا؛ وَدِيوَانًا لِمَّفَاخِرِهَا وَمَنَاقِبهَا؛ وَفِي كِتَابِ الْقَبِيلَةِ أَوْ دِيوَانِهَا نَسَبٌ أَيْضاً؛ وَيَبْدُو ذَلِكَ وَاضِحًا مِنْ الْإِشَارَاتِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الآْمِدِيّ؛ كَأَنْ يَنْفِي أَنّهُ وَجَدَ نَسَبِ فُلَانٍ فِي كِتَابِ الْقَبِيلَةُ أَوْ تِلْكَ؛ مِمَّا يَدُل عَلَى أَنّ نَسَبَ غَيْرِهِمْ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ قَبَائِلَهُمْ فَهُوَ يَقُول : لَمْ يَرْفَعْ فِي كِتَابِ بَلْقَيْنِ نَسَبَهُ؛ وَلَمْ يَرْفَعْ فِي كِتَابِ جُهَيْنَةَ نَسَبِهِ .

    وَقَالَ سزكين فِي « تَارِيخِ الأَْدَبِ الْعَرَبِيّ » عِنْدَ ذِكْرِهِ كِتَابِ جُهَيْنَةَ :
    وَلَمْ يَصِلْ إلَيْنَا بِكُلّ أَسَفٍ؛ فِي كَثِيرٍ مِنْ عَنَاوِينَ دّوَاوِينَ الْقَبَائِلِ اسْم مَنْ جَمَعَهَا؛ وَمِنْ الْمُرَجِّحِ أَنْ أَقْدَمَ مَا دُونَ فِي هَذَا الضّرْبِ كَانَ غَفْلاً مِن الْأَسْمَاءِ لَقَدْ كَانَتْ أَمْثَالِ هَذِهِ الدّوَاوِينِ فِي الْعَصْرِ الْأُمَوِيّ مُتَدَاوَلَةٌ؛ وَيَتَّضِحُ هَذَا مِنْ الْخَبَرِ التّالِي [ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرْجِ فِي الْأَغَانِي] : قَالَ حَمّادِ الرّاوِيَةِ؛ أَرْسَلَ الْوَلِيدَ بْن يَزِيدَ إلَيَّ بِمَائَتَي دِينَار؛ وَأَمّرَ يُوسُفُ بْن عُمَرَ بِحَمْلِي إلَيْهِ عَلَى الْبَرِيد؛ قَالَ؛ فَقُلْت : لاَ يَسْأَلُنِي إلّا عَنْ مَآثِرَ طَرَفَيْهِ: قُرَيْشٍ؛ وَثَقِيف؛ فَنَظَرْت فِي كِتَابِيَّ: « قُرَيْش » وَ « ثَقِيف »؛ فَلَمّا قَدِمْت عَلَيْه سَأَلَنِي عَنْ أَشْعَارِ بَلِيّ ؟؟؛ فَأَنْشَدْته مِنْهَا مَا اسْتَحْسَنَهُ وَحَفِظْتَهُ .

    قَالَ الْمُؤَلِف ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَانِيّ الجُهَنِيُّ :
    وَكُنْت قَرَأْت سَابِقاً خَبَرٍ يَرْوِيهِ أَبُو الْمُنْذِرِ لاَ يَحْضُرُنِي مَوْضِعِهِ؛ بِأَنْ لِعُذْرَةَ قُضَاعَةَ النَّازِلِين بِوَادِي الْقُرَى سِجِلًّا مُتَوَارَثًا مِنْ الْجَاهِلِيّةِ؛ يُدَوِّنُونَ فِيهِ أَنْسَابَهُمْ وَأَشْعَارِهِمْ؛ فَإِنْ صَحّ مَا قَالَهُ عَنْ ذَلِكَ الدّيوَانِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ مُنْتَشِرَةً قَبْلَ الْإِسْلَامِ؛ وَلَا غَرَابَةٌ فِي ذَلِكَ إذَا عَلِمْنَا أَنَّ بَنِي عُذْرَةَ وَجُهَيْنَةُ مُجَاوِرِينَ لِمَنَازِلِ الْيَهُودِ؛ وَيَهُودَ هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَأَصْحَابَ قَلَمٍ وَأَسْوَاقٍ لِلتِّجَارَةِ؛ وَتِلْكَ الدّوَاوِينَ الّتِي هِيَ مِنْ عَهْدِ الْجَاهِلِيّةُ الْأُولَى لَمْ يَكُنْ لَهَا جَامِعٌ بِعَيْنِهِ اكْتَتَبَهَا وَسَطَّرهَا؛ بَلْ أَرَ هَذِهِ الدّوَاوِينَ قَدْ جُمِعَتْ عَلَى أَزْمِنَةٌ مُتَبَاعِدَةٍ؛ وَالْمُشَارَكُونَ فِيهَا كُل مُكْتِباً مِنْ أَبْنَاءِ الْقَبِيلَةِ؛ فَتَزَبَّرَتْ تِلْكَ الدّوَاوِينَ الْمَفْقُودَةِ الْيَوْمَ

    وَوَجَدْت فِي كِتَابِ « فُتُوحِ الْبُلْدَانِ » : قَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ الْكُتَابِ بِالْعَرَبِيّةِ فِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ قَلِيلًا؛ وَكَانَ بَعْضُ الْيَهُودَ قَدْ عَلَّمَ كِتَاب الْعَرَبِيّةِ؛ وَكَانَ تَعَلّمَهُ الصّبْيَانُ بِالْمَدِينَةِ فِي الزّمَنِ الْأَوّلِ؛ فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَفِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ عِدّةٌ يَكْتُبُونَ؛ انْتَهَى مَا قَالَهُ؛ وَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ كَتَبَ عِدّةَ رَسَائِلٌ لِلْقَبَائِلِ عِنْدَ وُفُودُ الْعَرَبِ لِلْإِسْلَامِ يُؤَمِّنْهُمْ فِيهَا؛ فَبَعَثَ لِجُهَيْنَةَ وَهُمْ فِي الْبَادِيَةَ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعَةِ رَسَائِلَ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْض أَفْرَادِ الْقَبِيلَةِ يُحْسِنُوا الْكِتَابَةَ وَالْقِرَاءَةَ؛ فَمَّا الْفَائِدَةِ فِي كِتَابْة تِلْكَ الرَّسَائِل وَبَعَثِهَا لَهُمْ ؟؟؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْ كُفّارِ الْجَاهِلِيّةِ : { وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيّكَ حَتّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ }؛ وَفِي قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ }

    وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ حَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ : دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَدِيمٍ؛ وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ عِنْدَهُ؛ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُمْلِيَ وَعَلِيٌّ يَكْتُبُ حَتّى مَلَأَ بَطْنَ الأَدِيمِ وَظَهْرُهُ وَأَكارِعُهُ؛ وَقَدْ خَرّجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَيْضاً : حَدّثَنَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْلَمَةَ بِن قَعْنَبٍ؛ حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بِن بِلَالٍ؛ عَنْ عُتْبَةَ بْن مُسْلِمٍ؛ عَنْ نَافِعِ بن جُبَيْرٍ : أَنَّ مَرْوَانَ بِن الْحَكَمِ خَطَبَ النّاس فَذَكَرَ مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا؛ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَدِينَةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا؛ فَنَادَاهُ رَافِعُ بْن خَدِيجٍ فَقَالَ: مَالِي أَسْمَعُكَ ذَكَرْتَ مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا وَلَمْ تَذْكُرْ الْمَدِينَةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا ؟؟؛ وَقَدْ حَرَّمَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا؛ وَذَلِكَ عِنْدَنَا في « أَدِيمٍ خَوْلَانِيٍّ »؛ إِنْ شِئْتَ أَقْرَأْتُكَهُ؛ انْتَهَى؛ وَرَافِعٌ ابْنُ خَدِيجٍ الْأَنْصَارِيّ هَذَا صَحَابِيٌّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ مِمّنْ تَعْلَمَ الْكِتَابَةَ بِالْجَاهِلِيّةِ؛ فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْد فِي « كِتَابِ الطبقات » : كَانَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ يَكْتُبُ بِالْعَرَبِيّةِ فِي الْجَاهِلِيّةِ؛ وَكَانَتْ الْكِتَابَةَ فِي الْعَرَبِ قَلِيلَةً؛ قَدْ اجْتَمَعَتْ فِي أُسَيْدٍ؛ وَفِي سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ؛ وَرَافِعَ بِن خَدِيجٍ .

    وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو ابْنُ أَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ : لَمَّا جَمَعَ أَبِي أَشْعَارِ الْقَبَائِلَِ، كَانَتْ نَيّفاً وَثَمَانِينَ قَبِيلَةً، فَكَانَ كُلَّمَا عَمَلَ مِنْهَا قَبِيلَةً وَأَخْرَجَهَا إلَى النّاس كَتَبَ مُصْحَفًا بِخَطّهِ وَجَعْلُهُ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، حَتَّى كَتَبَ نَيّفًا وَثَمَانِينَ مُصْحَفًا؛ وَمَعَ كُلّ هَذِهِ الدَّوَاوِينِ الّتِي صَنَعَهَا الرّاوِيَةُ الشَّيْبَانِيّ - أَحَدِْ عُلَمَاءِ الْقَرْنِ الأَْوَّل الْهِجْرِيِّ - يَقُول: مَا انْتَهَى إِلَيْكُمْ مِمَّا قَالَتْ الْعَرَبُ إِلَّا أَقَلَّه؛ وَلَوْ جَاءَكُمْ وَافِراً لجَاءَكُمْ عِلْمٌ وَشِعْرٌ كَثِير .

    وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا فِي « كِتَابِ جُهَيْنَةَ » مِنْ أَشْعَارٍ لِلْجُهَنِيِّين ضَمّهَا ذَلِكَ الدِّيوَانِ الضَّائِع؛ مَا جَاءَ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى « أَشْعَار جُهَيْنَةَ وَأَيَّامِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالإِْسْلاَمِ »؛ وَإِنْ كَانَ لِسَانُ حَالِي فِيهِ بِالشِّكَايَةِ يَنْطِقُ وَيَقُول :
    أَسِيرُ خَلْفَ رِكَابِ الْقَوْم ذَا عَرَجٍ ...... مُؤَمِّلاً كَشْف مَا لاَقَيْتُ مِنْ عِوَجِ
    فَإِنْ لَحِقْتُ بِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا سَبَقُوا ...... فَكَمْ لِرَبِّ الْوَرَى فِي ذَاكَ مِنْ فَرْجِ
    وَإِنْ بَقِيَتُ بِظَهْرِ الْأَرْضِ مُنْقَطِعًا ...... فَمَا عَلَى عَرَجٌ فِي ذَاكَ مِنْ حَرْجِ

    ابْنُ الْسَّجْرَاء الْجُهَنِيّ :
    الشّاعِرُ ابْنُ الْسَّجْرَاء: َهُوَ مِنْ حُرْقَةِ جُهَيْنَةَ؛ وَالْحُرْقَةُ هُمْ بَنُو حُمَيْسٍ بْنِ عَامِرٍ بْنِ مَوْدُوعَةَ مِنْ جُهَيْنَةَ؛ كَانُوا حُلَفَاءَ لِلْحُصَيْنِ بِنْ الْحُمَامِ السَّهْمِيِّ؛ وَبَشامَةُ بِنْ الْغَدِيرِ الْسَّهْمِيُّ؛ شَاعِرٌ جَاهِلِيٌّ؛ عُرِفَ وَاشْتَهَرَ بِابْنِ الْسَّجْرَاء؛ وَالْسَّجْرَاءُ أُمّهُ نُسِبَ إلَيْهَا؛ وَهُوَ مِنْ الشّعَرَاءِ الَّذِينَ غَلَبَ لَقَبُهُمْ عَلَى اسْمِهِمْ فَلَمْ يُعَرِّفُوا إِلاَّ بِهِ؛ وَمِنَ الّذِينَ نُسِبُوا إلَى أُمّهَاتُهُمْ؛ وَمِنْ شِعْرِهِ مَا قَالَهُ يَوْمَ دَارَةُ مَوْضُوعٍ :
    لَمّا أَتَانَا جَمْعُ قَيْسٍ وَوَاجَهَتْ ....... كَتَائِبُ خُرْسٍ بَيْنَهُنَّ زَفِيْفُ
    فَلَمّا عَلَتْ دَعْوَى حُمَيْس بْن عَامِرٍ ..... وَقَدْ كَلَّ مَوْلَانَا وَكَادَ يَحِيفُ
    هَمَمْنَا بِهِ ثُمّ ارْعَوَيْنَا حَفِيظَةً ....... فَذَلَّ بِنَا غَاشٍ وَعَزَّ حَلِيْفُ

    وَمَوْضُوعٍ مِنْ أَيّامِ جُهَيْنَةَ وَوَقَائِعَهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ الْأُولَى؛ وَقَدْ أَنْشَدَ فِي ذَلِكَ الْيَوْم
    البُغَيْتُ الجُهَنِيّ أَحَدُ فُتَّاكِ الْجَاهِلِيّةِ الْصَعَالِيك؛ شَاعِرٌ عَدَّاءٌ شُجاع؛ وَقَعَ فِي اسْمِهِ تَصْحِيفٌ كَبِير؛ وَالصّحِيحَ أَنَهُ البُغَيْت : بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِوَاحِدَةِ مِنْ أَسْفَلَ؛ ثُمَّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ؛ وَآخِره تَاءٌ مُثَنَّاةٌ مَنْقُوطَةً بِاثْنَتَيْنِ مِنْ فَوْق؛ كَذَا قَيّدَهُ الآمِدِيَّ؛ وَرَوَى بِأَنّهُ سُمّيَ البُغَيْت لِأَنّهُ يَأْتِي النّاسَ بَغْتاً؛ وَهُوَ الْقَائِلُ :
    وَنَحْنُ وَقَعْنَا فِي مُزَيْنَةَ وَقْعَةً ....... غَدَاةَ الْتَقَيْنَا بَيْنَ غَيقٍ وَعَيْهَمَا
    وَنَحْنُ جَلَبْنَا يَوْمَ قُدْسٍ وَآرَةٍ ....... قَنَابِلَ خَيْلٍ تَتْرُك الْجَوَّ أَقْتَمَا
    وَنَحْنُ بِمَوْضُوعٍ حَمَيْنا دِيَارَنَا ...... بأَسْيَافِنَا وَالسَّبْيَ أَنْ يُتَقَسَّمَا

    وَقَالَ أَيْضا عَبْدُ الرّحْمَنِ ابْنِ حُرَيْثٍ الْجُهَنِيّ؛ مِنْ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيّةِ الْمَغْمُورِينَ وَأَنْشَدَ :
    تَرَكْنََا بِذِي أََسْمَاءَ مِنْهُمْ مُحَلَّمَاً ...... وَنَوْقَلَ يَحْبُو وَابْنَ ضَمْرَةَ حِذْيَمَا
    وَمَا إِنْ قَتَلنَاهُمْ بِأَكثَرَ مِنْهُمُ ...... وَلكنْ بأَِوْفََى فِي الطّعَانِ وَأََكرَمَا
    وَأَوْرَدَ الْأَبْيَاتَ أَبُو الْعَلَاءَ الْمَعَرّي فِي مُصَنّفِهِ « الْصّاهِلُ وَالشَّاحِجُ » وَلَمْ يُسَمّهِ؛
    وََقَال: وَالْقَائِلُ فِي قَدِيمِ الأَْزْمَان .

    وَأَنْشَدَ سِنَانُ بِن جَابِرٍ الْجُهَنِيُّ فِي وَقْعَةِ مَرْجِ رَاهِطٍ الْمَشْهُورَةِ؛ وَكَانَتْ الْوَاقِعَةُ قَدْ نَشَبْت بَيْنَ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ وَبَنِي كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ وَجُهَيْنَةُ بِن زَيْد الْقُضَاعِيَيْن؛ فَكَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ اشْتَرَكَ مَعَ قَبَائِلُ قَيْسٍ: تَمِيمٍ؛ وَبَنِي سُلَيْمٍ؛ وَمُزَيْنَةَ؛ وَذُبْيَانُ؛ وَبَنِي عَامِرٍ؛ وَعَبْسٍ؛ وَفَزَارَةُ؛ فَانْهَزَمَتْ قَيْسِ وَأَحْلاَفِهَا؛ وَكَانَ قَدْ اسْتَحَرّ الْقَتْلَ فِيهِمْ؛ فَقَالَ الْجُهَنِيّ :
    يَا أُخْتَ قَيْسٍ سَلِي عَنَّا عَلَانِيَةً ...... كَيْ تُخْبَرِي مِنْ بَيَانِ الْعَلَمِ تِبْيَانا
    إنّا ذَوُو حَسَبٍ مَالٌ وَمَكْرُمَةٌ ...... يَوْمَ الْفَخَارِ وَخَيْرَ النّاسِ فُرْسَانا
    مِنَّا اِبْنُ مُرّةَ عَمْروٍ قَدْ سَمِعْت بِهِ ...... غَيْثُ الْأَرَامِلِ لاَ يَرْدِينَ مَا كَانَا
    وَالْبُحْدِلي الَّذِي أَرَدْت فَوَارِسُهُ ...... قَيْسًا غَدَاةَ اللِّوَى مِنْ رَمْلِ عَدْنَانا
    فَغَادَرْت حِلْبَساً مِنْهَا بِمُعْتَرَكٌ ...... وَالْجَعْدَ مُنْعَفِراً لمْ يُكْسَ أَكْفَانا
    كَأَنَّ تَرْكَنَا غَدَاةَ الْعَاهَ مِنْ جَزْرَ ...... لِلطّيْرِ مِنْهُمْ وَمِنْ ثَكْلَى وَثَكْلانا
    وَمِنْ غَوانٍ تَبْكِي لاَ حَمِيْمٍ لَهَا ...... بِالعَاهِ تَدْعُو بَنِي عَمٍ وَإِخْوَانا

    وَالعَاه وَقْعَةٌ أَصَابَتْهُم أَيْضَا؛ قَالَ يَاقُوتً فِي « مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ » : وَيَوْمُ الْعَاه مِنْ أَيّامِ الْعَرَب؛ أَوْقَعَ فِيهِ حُمَيْد بْنِ حُرَيْثٍ الْكَلْبِيُّ بِبَنِي فَزَارَةَ؛ وَاِبْنُ مُرّةَ هُوَ: عَمْرُو بْن مُرّةَ الْجُهَنِيّ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ؛ وَلّاهُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قِيَادَةَ جُيُوشِ الْفُتُوحَاتِ؛ وَكَانَ مِنْ أَبْطَالِ الْإِسْلَامِ؛ لَقَبَهُ مُعَاوِيَةَ - : « بِأَسَدِ جُهَيْنَةَ »؛ وَالْبُحْدِلي هُوَ: حُمَيْد بْنِ حُرَيْثٍ الْكَلْبِيُّ خَالُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ؛ وَمِنْ أُمَرَاءِ الْعَرَبِ؛ قَوْلُهُ فِي الْأَبْيَاتِ أَنّهُ جُهَنِيَّ؛ فَلَعَلّهُ مِنْ كَلْبِ جُهَيْنَةَ؛ وَقَدْ أَلْفَيْت فِي الْمُجَلَّدةِ الثّالِثَة مِنْ « دِيوَانِ شُعَرَاءِ بَنِي كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ » فِيِ نُسْخَتِهِ الشَّامِيَّة الّتِي صَنَعَهَا البَيْطَار؛ مَا أَنْشَدَهُ عَمْرُو اِبْنُ الْمِخْلاَةِ الْكَلْبِيّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ قَصِيدَتِهِ الَّتِي فِيْهَا :
    أَبَحْنَا حِمًى لِلْحَيّ قَيْسٍ بِرَاهِـطِ ...... وَوَلّتْ شِلاَلاً وَاسْتُبِيحَ حَرِيمُهَا
    يُبَكِّيهم حَـرانَ تَجْرِي دُمُوعُهُ ...... يُرَجِّي نِزَارًا أََنْ تَئُوبَ حُلُومُهَا
    فَمُتْ كَمَدًا أَوْ عِشْ ذَلِيلًا مُهَضَّمًا ...... بِحَسْرَةِ نَفْسٍ لَا تَنَامُ هُمُومُهَا
    إذَا خَطَرَتْ حَوْلِي قُضَاعَةَ بِالْقَنَا ...... تَخَبَّطَ فِعْـلَ المُصَعَّبَاتِ قُرُومُـهَا
    خَبطْتُ بِهِمْ مَنْ كَأَدْنِي مِنْ قَبِيلَةٍ ...... فَمَنْ ذَا إِذَا عَزَّ الْخُطُوبُ يَرُومُهَا ..

    نَعُودُ إلَى ذِكْرِ جَبَلِ الْفَحْلَتَيْنِ

    جَاءَ فِي« تَارِيخِ مَدِينَةَ دِمَشْقَ » لِلْحَافِظِ الْكَبِير ابْنِ عَسَاكِرَ؛ قَوْلُهُ :
    أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِب وَأَبُو عَبْد اللَّه ابْنَا الْبَنَّا قَالَا : أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْن الْمَسْلمَة؛ أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِر الْمُخْلِص؛ نا أَحْمَدُ بْن سُلَيْمَانَ؛ نا الزّبَيْرُ بْن بَكّارٍ؛ حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْن عَبْدِ اللّهِ بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ الزّهْرِيّ؛ عَنْ عَمّهِ مُوسَى بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ حَفْصًا وَعَبْدُ الْعَزِيزِ ابْنَي عُمَرَ بْن عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ تَنَازَعَا إِِلَى وَالِي الْمَدِينَةَ فَأَشْكَل عَلَيْهِ أَمْرُهُمَا؛ فَكَتَبَ بِأَمْرِهِمَا إِلَى عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ اشْخُصْهُمَا إِلَيَّ فَفَعَل؛ فَسَبَقَ عَبْد الْعَزِيز؛ ثُمَّ قَدِمَ حَفْصٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِك : مَا حَبَسَك عَنْ خَصْمِكَ ؟؟؛ قَالَ أَزْهَرَ بْن مُكْمِل بْن عَوْفٍ : أَقَمْتُ عَلَيْهِ حَتّى تُوُفّيَ » بِفَيْفَاءُ الْفَحْلَتَيْنِ « فَدَفَنْتَهُ وَأَقْبْلت؛ فَفَزِعَ عَبْدُ الْمَلِك وَجَلَسَ؛ فَقَالَ : حَقّاً ؟؟ ؛ قَال : حَقّا؛ قَالَ عَبْدُ الْمَلِك : وَإِنَّ مِمَّا يَقُولُ أَهْلِ الْكِتَابِ لِبَاطِلٍ ! ؛ قَالَ الزّبَيْرُ : أَزْهَرَ بْن مُكْمِل بْن عَوْف بْن عَبْد بْن الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ كَانَ نَاسٌ يَرَوْنَ فِيهِ أَنّهُ يَلِي الْخِلَافَة؛ وَبِسَبَبِ الرّوَايَةِ الّتِي كَانَتْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مَا قَال .

    قَالَ الْمُؤَلِف ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَانِيُّ الجُهَنِيُّ :
    أَزْهَرَ بْن مُكْمِل وَأَخَاهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْن مُكْمِلٍ صَحَابِيَّيْنِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا؛ وَأَزْهَرَ بْن مُكْمِل بْن عَبْد بْن الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ الزُّهْرِيُّ الْقُرَشِيّ؛ كَانَ يَنْزِلُ بِالفَحْلَتَيْنِ؛ وَبِهَا تُوُفّيَ وَدُفِنَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ؛ عِدَاده مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ وَأَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تُوُفّيَ فِي الْمَدِينَةِ بِالفَالِجِ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ وَكَانَ الأَْخِير قَدْ أَقْطَعَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْضًا حَوْلَ الْمَسْجِدِ؛ وَأَمّا حَفْصٍ الَّذِي تَوَلَّى دَفْنَ أَزْهَرَ فَاسْمُهُ : حَفْص بْن عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْن عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدِينِيّ؛ يُكَنّى بِأَبِي رَاشِد؛ وَأَخُوهُ عَبْد الْعَزِيزِ بِن عُمَرَ بِن عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ؛ لَهُ أَمْوَالٌ بِالْعِيصِ؛ وَمِنْ أَحْفَادِهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْن مُحَمّد الْمُتَوَفَّى بِتَيْدَد؛ ذَكَرْنَاهُ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ؛ قَالَ الْهَجَري : الْحَاضِرَةُ : مِنْ عُيُونِ تَيْدَدْ؛ وَبِهَا قَبْرُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْن مُحَمّد بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ بْن عُمَرَ بْن عَبْدِ الرّحْمَنِ بْن عَوْفٍ الزّهْرِيّ؛ انْتَهَى؛ وَبَنُو زُهْرَةَ بَطْنٍ مِنْ قُرَيْش كَانَتْ مَسَاكِنَهُمْ حَوْلِ الْمَدِينَةِ؛ وَأَكْثَرُهُمْ يَنْزِلُونَ بَادِيَةِ جُهَيْنَةَ؛ وَكَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٍ وَزَرْعٍ وَعُيُونٍ وَآبَارٍ هُنَاك .

    وَبَنُو زُهْرَةَ الْزَّهْرِيَّيْنِ بَيْتُ عِلْمٍ وَفِقْهٍ؛ وَلَهُمْ مُؤَلَّفَاتٍ بِالتَّارِيخِ وَالأَْنْسَابِ عَنْ الْمَدِينَةِ وَقَبَائِلُهَا؛ وَمِنْ هَؤُلاَءِ: عَبْدِ الْعَزِيزِ بْن عِمْرَانَ بْن عَبْدُ الْعَزِيزِ بْن عُمَرَ بِن عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ؛ النّسّابَةُ الْإِخْبَارِيُّ؛ أَبِي ثَابِتٍ الأَعْرَجِ نَزِيلُ جُهَيْنَةَ؛ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ: 197 لِلْهِجْرَةِ؛ مِنْ أَصْحَابِ الطَّبَقَة الثَّامِنَةِ؛ لَهُ مِنْ الْكُتُبِ « كِتَابِ الْأَحْلَافِ » قَالَهُ ابْنُ النَّدِيمِ؛ وَرَوَى تِلْمِيذَهُ أَبِي زَيْدٍ فِي « أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ » : مِنْ طَرِيقِ أَبِي غَسَّان مُحَمّدُ بْن يَحْيَى الْمَدَنِيّ؛ قَال: احْتَرَقَتْ كُتُبَهُ فَكَانَ يُحَدّثُ مِنْ حِفْظِهِ؛ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى كَثْرَةِ تَأْلِيفِه رَحِمَهُ اللّه؛ قََالَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْنِ بْن حِبّانَ : وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ: قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ الأَعْرَجِ الْمَدِينِيّ قَدْ رَأَيْته هَاهُنَا بِبَغْدَاد؛ كَانَ يَشْتُمُ النَّاسَ وَيَطْعَنَ فِي أَحْسَابِهِمْ؛ وَحَكَى ابْنُ مَعِينٍ: صَاحِبَ نَسَبٍ وَشِعْرٍ؛ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ؛ وَمِنْ شُيُوخِهِ الّذِينَ أُخِذَ عَنْهُمْ بَعْض مِنْ عِلْمِ الْحَدِيث وَالْأَخْبَارِ وَالْأَنْسَابِ: وَاقِدُ الْجُهَنِيّ؛ وَعُثْمَانُ الْجُهَنِيّ؛ وَزَيْدُ بْن أُسَامَةَ الْجُهَنِيّ؛ وَغَيْرِهِمْ؛ وَمِنْهُمْ كَذَلِك: مُحَمّدُ بِن غُرَيْر الزُّهْرِيّ؛ شَيْخاً شَرِيفًا؛ ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يَنْزِلُ الْبَادِيَةِ بِجِوَارِ جُهَيْنَةَ؛ فَيَغْشَاهُ الْضِّيفَانِ وَيَجْلِسُوا إلَيْهِ فِي مَضَارِبه بِفَرْشَ مَلَلَ وَمَرَيَيْنِ .

    وَجَاءَ فِي « كِتَابِ الْمَغَازِيّ » لِلْوَاقِدِي الْأَخْبَارِيّ النّسّابَةُ :
    سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى حِسْمَى سَنَةَ 6 مِنْ مُهَاجره صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ :
    وَحِسْمَى : هِيَ وَرَاءَ وَادِي الْقُرَى؛ حَدّثَنِي مُوسَى بْن مُحَمّدِ بْن إبْرَاهِيم؛ عَنْ أَبِيهِ؛ قَال : أَقْبَلَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ؛ وَقَدْ أَجَازَ دِحْيَةَ بِمَالٍ وَكَسَاهُ كُسيً؛ فَأَقْبَلَ حَتّى كَانَ بِحِسْمَى؛ فَلَقِيَهُ نَاسٌ مِنْ جُذَامٍ فَقَطَعُوا عَلَيْهِ الطّرِيقَ؛ وَأَصَابُوا كُلّ شَيْءٍ مَعَهُ؛ فَلَمْ يَصِلْ إلَى الْمَدِينَةِ إلّا بِسَمَلٍ؛ فَلَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ حَتّى انْتَهَى إلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَقّهُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : » مَنْ هَذَا ؟؟ « فَقَال : دِحْيَةُ الْكَلْبِيّ؛ قَالَ : » اُدْخُلْ « فَدَخَلَ فَاسْتَخْبَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمّا كَانَ مِنْ هِرَقْلَ حَتّى أَتَى عَلَى آخِرِ ذَلِكَ؛ ثُمّ قَال : يَا رَسُولَ اللّهِ؛ أَقْبَلْت مِنْ عِنْدِهِ حَتّى كُنْت بِحِسْمَى؛ فَأَغَارَ عَلَيَّ قَوْمٌ مِنْ جُذَامٍ؛ فَمَا تَرَكُوا مَعِي شَيْئًا حَتّى أَقْبَلْت بِسَمَلِي هَذَا الثّوْبَ .

    فَحَدّثَنِي مُوسَى بْن مُحَمّد قَالَ : سَمِعْتُ شَيْخاً مِنْ سَعْدِ هُذَيْم كَانَ قَدِيماً يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ؛ يَقُولُ : إنَّ دِحْيَةَ لَمّا أُصِيبَ أَصَابَهُ : الْهُنَيْدُ بْن عَارِضٍ؛ وَابْنُهُ عَارِض بْن الْهُنَيْدِ : وَكَانَا وَاَللّهِ نَكِدَيْنِ مَشْئُومَيْنِ؛ فَلَمْ يُبْقُوا مَعَهُ شَيْئا؛ فَسَمِعَ بِذَلِكَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي الضّبَيْبِ فَنَفَرُوا إلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ؛ فَكَانَ فِيمَنْ نَفَرَ مِنْهُمْ النّعْمَانُ بْن أَبِي جُعَالٍ فِي عَشَرَةِ نَفَرٍ؛ وَكَانَ نُعْمَانُ : رَجُلَ الْوَادِي [وَادِي شَنَارُ] ذَا الْجَلَدِ وَالرّمَايَةِ؛ فَارْتَمَى النّعْمَانُ وَقُرّةُ بْن أَبِي أَصْفَرَ الصّلعِيّ؛ فَرَمَاهُ قُرّةُ فَأَصَابَ كَعْبَهُ فَأَقْعَدَهُ إلَى الْأَرْضِ؛ ثُمّ انْتَهَضَ النّعْمَانُ فَرَمَاهُ : بِسَهْمٍ عَرِيضِ السّرْوَةِ؛ فَقَالَ : خُذْهَا مِنْ الْفَتَى؛ فَخَلّ السّهْمُ فِي رُكْبَتِهِ فَشَنّجَهُ وَقَعَدَ؛ فَخَلّصُوا لِدِحْيَةَ مَتَاعَهُ فَرَجَعَ بِهِ سَالِمًا إلَى الْمَدِينَةِ

    وَقَدِمَ زَيْدُ بْن حَارِثَةَ خِلَافَهُمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ؛ فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمْسِمِائَةِ رَجُلٍ وَرَدّ مَعَهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيّ؛ وَكَانَ زَيْدٍ يَسِيرُ اللّيْلَ وَيَكْمُنُ النّهَار؛ وَمَعَهُ دَلِيلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ؛ وَقَدْ اجْتَمَعَتْ : غَطَفَانُ كُلّهَا؛ وَوَائِلٌ؛ وَمَنْ كَانَ مِنْ : سَلَامَات؛ وَبَهْرَاءَ؛ حِينَ جَاءَ رِفَاعَةُ بْن زَيْدٍ بِكِتَابِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى نَزَلُوا بِكُرَاعِ رُؤَيّةَ لَمْ يُعْلَمْ [كُرَاعِ رِبَةَ - بِحَرّةِ لَيْلَى -]؛ وَأَقْبَلَ الدّلِيلُ الْعُذْرِيَّ بِزَيْدِ بْن حَارِثَةَ حَتّى هَجَمَ بِهِمْ؛ فَأَغَارُوا مَعَ الصّبْحِ عَلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ وَمَنْ كَانَ فِي مَحَلّتِهِمْ؛ فَأَصَابُوا مَا وَجَدُوا؛ وَقَتَلُوا فِيهِمْ فَأَوْجَعُوا؛ وَقَتَلُوا : الْهُنَيْدَ وَابْنَهُ؛ وَأَغَارُوا عَلَى مَاشِيَتِهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَنِسَائِهِمْ

    فَأَخَذُوا مِنْ النّعَمِ أَلْفَ بَعِيرٍ؛ وَمِنْ الشّاءِ خَمْسَةَ آلَافِ شَاةٍ؛ وَمِنْ السّبْيِ مِائَةً مِنْ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ؛ وَكَانَ الدّلِيلُ إنّمَا جَاءَ بِهِمْ مِنْ قِبَلِ الْأَوْلَاجِ؛ فَلَمّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ الضّبَيْبُ بِمَا صَنَعَ زَيْدُ بْن حَارِثَةَ رَكِبُوا؛ فَكَانَ فِيمَنْ رَكِبَ حِبّانُ بْن مِلّةَ وَابْنُهُ؛ فَدَنَوْا مِنْ الْجَيْشِ وَتَوَاصَوْا لَا يَتَكَلّمُ أَحَدٌ إلّا حِبّانُ بْنُ مِلّةَ؛ وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ عَلَامَةٌ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ قَالَ : قَوَدِي؛ فَلَمّا طَلَعُوا عَلَى الْعَسْكَرِ طَلَعُوا عَلَى الدّهْمِ مِنْ السّبْيِ؛ وَالنّعَمِ؛ وَالنّسَاءِ؛ وَالْأُسَارَى؛ أَقْبَلُوا جَمِيعاً؛ وَاَلّذِي يَتَكَلّمُ حِبّانُ بْنُ مِلّةَ؛ يَقُولُ : إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ؛ وَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ عَارِضٌ رُمْحَهُ فَأَقْبَلَ يَسُوقُهُمْ؛ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : قَوَدِي؛ فَقَالَ حِبّانُ : مَهْلًا؛ فَلَمّا وَقَفُوا عَلَى زَيْد بْن حَارِثَةَ قَالَ لَهُ حِبّانُ : إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ؛ قَالَ لَهُ زَيْدٌ : اقْرَأْ أُمّ الْكِتَابِ؛ وَكَانَ زَيْدٌ إنّمَا يَمْتَحِنُ أَحَدَهُمْ بِأُمّ الْكِتَابِ لَا يَزِيدُهُ؛ فَقَرَأَ حِبّانُ؛ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ : نَادُوا فِي الْجَيْشِ « إنّهُ قَدْ حَرُمَ عَلَيْنَا مَا أَخَذْنَاهُ مِنْهُمْ بِقِرَاءَةِ أُمّ الْكِتَابِ »

    فَرَجَعَ الْقَوْمُ؛ وَنَهَاهُمْ زَيْدٌ أَنْ يَهْبِطُوا وَادِيَهُمْ الّذِي جَاءُوا مِنْهُ فَأَمْسَوْا فِي أَهْلِيهِمْ وَهُمْ فِي رَصَدٍ لِزَيْدٍ وَأَصْحَابِهِ؛ فَاسْتَمَعُوا حَتّى نَامَ أَصْحَابُ زَيْدِ بْن حَارِثَةَ؛ فَلَمّا هَدَءُوا وَنَامُوا رَكِبُوا إلَى رِفَاعَةَ بْن زَيْدٍ وَكَانَ فِي الرّكْبِ فِي تِلْكَ اللّيْلَةِ أَبُو زَيْدِ بْن عَمْرٍو؛ وَأَبُو أَسَمَاءَ بْن عَمْرٍو؛ وَسُوَيْدُ بْن زَيْدٍ وَأَخُوهُ؛ وَبَرْذَعُ بْن زَيْدٍ؛ وَثَعْلَبَةُ بْن عَدِيّ؛ حَتّى صَبّحُوا رِفَاعَةَ بِكُرَاعِ رُؤَيّةَ [رِبَةَ]، فَقَالَ حِبّانُ : إنّك لَجَالِسٌ تَحْلُبُ الْمِعْزَى وَنِسَاءُ جُذَامٍ أُسَارَى؛ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَدَخَلَ مَعَهُمْ حَتّى قَدِمُوا عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ؛ سَارُوا ثَلَاثًا؛ فَابْتَدَاهُمْ رِفَاعَةُ فَدَفَعَ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابَهُ الّذِي كَتَبَ مَعَهُ؛ فَلَمّا قَرَأَ كِتَابَهُ اسْتَخْبَرَهُمْ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا صَنَعَ زَيْدُ بْن حَارِثَةَ .

    فَقَالَ : « كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْقَتْلَى ؟؟ »؛ فَقَالَ رِفَاعَةُ : يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْتَ أَعْلَمُ؛ لَا تُحَرّمُ عَلَيْنَا حَلَالًا؛ وَلَا تُحِلّ لَنَا حَرَامًا؛ قَالَ أَبُو زَيْدٍ : أَطْلِقْ لَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ كَانَ حَيّا؛ وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيّ هَاتَيْنِ؛ فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « صَدَقَ أَبُو زَيْدٍ »؛ قَالَ الْقَوْمُ : فَابْعَثْ مَعَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ رَجُلًا إلَى زَيْدِ بْن حَارِثَةَ؛ يُخَلّي بَيْنَنَا وَبَيْنَ حَرَمِنَا وَأَمْوَالِنَا؛ فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « انْطَلِقْ مَعَهُمْ يَا عَلِيّ » فَقَالَ عَلِيّ : يَا رَسُولَ اللّهِ لَا يُطِيعُنِي زَيْدٌ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « هَذَا سَيْفِي فَخُذْهُ » فَأَخَذَهُ؛ فَقَالَ : لَيْسَ مَعِي بَعِيرٌ أَرْكَبُهُ؛ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ هَذَا بَعِيرٌ؛ فَرَكِبَ بَعِيرَ أَحَدِهِمْ وَخَرَجَ مَعَهُمْ حَتّى لَقُوا - رَافِعَ بْنَ مَكِيثٍ الْجُهَنِيّ - بَشِيرَ زَيْدِ بْن حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إبِلِ الْقَوْمِ فَرَدّهَا عَلِيّ عَلَى الْقَوْمِ؛ وَرَجَعَ رَافِعُ بْن مَكِيث الْجُهَنِيّ مَعَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ رَدِيفاً؛ حَتّى لَقُوا زَيْدَ بْن حَارِثَةَ « - بِالْفَحْلَتَيْنِ - » فَلَقِيَهُ عَلِيّ وَقَالَ : إنَّ رَسُولَ اللّهِ يَأْمُرُك أَنْ تَرُدّ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مَا كَانَ بِيَدِك مِنْ أَسِيرٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ مَالٍ؛ فَقَالَ زَيْد : عَلَامَةً مِنْ رَسُولِ اللّهِ ؟؟؛ فَقَالَ عَلِيّ : هَذَا سَيْفُهُ؛ فَعَرَفَ زَيْدٌ السّيْفَ؛ فَنَزَلَ فَصَاحَ بِالنّاسِ فَاجْتَمَعُوا؛ فَقَالَ : مَنْ كَانَ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ سَبْيٍ أَوْ مَالٍ فَلْيَرُدّهُ؛ فَهَذَا رَسُولُ رَسُولِ اللّهِ؛ فَرَدّ إلَى النّاسِ كُلّ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ؛ حَتّى إنْ كَانُوا لَيَأْخُذُونَ [لَبِيدَ] الْمَرْأَةَ مِنْ تَحْتِ فَخِذِ الرّجُلِ .

    وَذَكَرَ السَّمَهُودِيَّ مُؤَرِّخ دَارِ الْهِجْرَةِ فِي « خُلاصَةِ الْوَفَاءُ بأَخْبَارِ دَار الْمُصْطَفَى » :
    الْفَحْلَتَانِ : قُنتَانِ مُرْتَفِعَتَانِ؛ تَحْتَهُمَا صَخْرٍ؛ عَلَى يَوْمٍ مِنْ الْمَدِينَةَ؛ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ذِي الْمَرْوَةِ؛ عِنْدَ صَحْرَاءٍ يُقَالُ لَهَا : فَيْفَاءِ الْفَحْلَتَيْنِ؛ فِي مَسَاجِدِ تَبُوكَ .

    وَمِمّا جَاءَ فِي قَوْلِ النّسّابَة الْبِلَادِيّ « بِمُعْجَمِ مَعَالِمِ الْحِجَازِ » بَعْدَ نَقْلِهِ لأَْقْوَالِ يَاقُوت عِنْدَ إِيرَادِهِ رَسْمِ أَرْضِ الْفَحْلَتَيْنِ :
    وَهَذِهِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَدِيَارِ جُذَامٍ؛ وَلَمْ أَسْمَعْ عَنْهَا هُنَاك؛ انْتَهَى؛ وَأَقُول : وهَذا مِنْ أَوْهَامِ
    الْحَرْبِيّ الّتِي جَاءَتْ فِي تَحْدِيدِ الْمَوَاضِعِ وَالدّيَارِ؛ وَلَيْسَتْ الْفَحْلَتَيْنِ لِجُذَامٍ وَلَا مِنْ بِلَادِهَا؛ بَلْ هِيَ لِجُهَيْنَةُ مِنْ الْجَاهِلِيّةِ حَتّى الْآنَ؛ وَجُذَامٍ قَدْ انْقَطَعَت أَخْبَارُهَا الْيَوْم .

    ووَرَدَ فِي كِتَابِ « سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلَاء » لِمُؤَرِّخُ الْإِسْلَامِ الْحَافِظُ اَلذَّهَبِيّ :
    لُؤْلُؤ العَادِلِيُّ : الْحَاجِبِ مِنْ أبطال الإِْسْلاَم؛ وَهُوَ كَانَ الْمَنْدُوب لِحَرْبِ إِفْرِنْج الْكَرَكِ الَّذِينَ سَارُوا لِأَخْذِ طَيّبَةَ؛ أَوْ فَرَنْج سِوَاهُمْ سَارُوا فِي الْبَحْرِ الْمَالِح؛ فَلَمْ يَسِرْ لُؤْلُؤٍ إِلاَّ وَمَعَهُ قُيُودٍ بِعَدَدِهِمْ؛ « فَأَدْرَكَهُمْ عِنْدَ الْفَحْلَتَيْنِ »؛ فَأَحَاطَ بِهِمْ؛ فَسَلّمُوا نُفُوسِهِمْ؛ فقيدهم؛ وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِ مِئَة مُقَاتِلٍ؛ وَأَقْبَلَ بِهِمْ إِلَى الْقَاهِرَة؛ فَكَانَ يَوْماً مَشْهُودا؛ وَقِيل إِنَّ الْمَلاَعِينِ الْتَجَؤُوا مِنْهُ إلَى جَبَلٍ؛ فَتَرَجَّل وَصَعِدَ إِلَيْهِمْ فِي تِسْعَةِ أَجْنَادٍ؛ فَأَلْقَى فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ؛ وَطَلَبُوا مِنْهُ الأَْمَانَ؛ وَقُتِلُوا بِمِصْر؛ تَوَلّى قَتْلِهِمْ الْعُلَمَاء وَالصَّالِحُونَ؛ تُوُفِّيَ لُؤْلُؤٍ رَحْمَةُ اللَّهِ بِمِصْر فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِ مِئَةً .

    وَذَكَرَهُ شَمْس الدِّينِ فِي تَارِيخِهِ الْعَظِيم « تَارِيخِ الْإِسْلَامِ ووَفِيَات الْمَشَاهِيرِ » فَقَالَ :
    لُؤْلُؤ الْحَاجِبِ العَادِلِيُّ : مِنْ كِبَارِ الدَّوْلَةِ؛ وَلَهُ مَوَاقِفٌ مَشْهُورَةٌ بِالسَّوَاحِلِ؛ وَكَانَ مُقَدَّم الْغُزَاةِ حِينَ تَوَجَّهُوا إِلَى الْعَدُوّ الَّذِينَ قَصَدُوا الْحِجَازِ فِي الْبَحْرِ الْمَالِحِ بِعِدَة مَرَاكِبَ وَشَوْكَةٍ؛ فََحَاطُوا بِهِمْ؛ وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهِمْ بِأَسْرِهِمْ؛ وَكَانَتْ غَزْوَةٍ عَظِيمَة الْقَدْرِ؛ وَقَدَّمُوا بِالأَْسْرَى إلَى الْقَاهِرَةِ؛ وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا؛ تُوُفّيَ لُؤْلُؤٍ بِالْقَاهِرَةِ فِي صَفَرٍ؛ قَال الْمُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيفِ: كَانَ شَيْخاً أَرْمَنيّاً فِي الأَْصْل؛ وَخَدَمَ مَعَ صَلَاحِ الدِّينِ مُقَدَّمًا لِلأَصطُول؛ وَكَانَ حَيْثُمَا تَوَجّهَ فَتَحَ وَانْتَصَرَ وَغَنِمَ؛ أَدْرَكْتُهُ وَقَدْ تَرَكَ الْخِدْمَةِ؛ وَكَانَ يَتَصَدَّقَ كُل يَوْمٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَغِيفٍ مَعَ قُدُورِ الطّعَامَ؛ وَكَانَ يُضْعِفُ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ .

    وَلَمَّا كَانَ صَلَاحِ الدِّينِ عَلَى حَرَّانَ تَوَجَّهَ فرنج الْكَرَكِ وَالشَّوْبَك لِيَنْبُشُوا الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ؛ وَيَنْقُلُوهُ إلَيْهِمْ؛ وَيَأْخُذُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ جُعْلًا عَلَى زِيَارَتِهِ؛ فَقَامَ صَلاَحِ الدِّينِ لِذَلِك وَقَعَدَ؛ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَتَزَحْزَحُ مِنْ مَكَانِهِ؛ فَأَرْسَل إِِلَى سَيْفِ الدَّوْلَةِ ابْنُ مُنْقِذِ نَائِبُهُ بِمِصْرَ؛ أَنْ جَهِزَ لُؤْلُؤٍ الْحَاجِب؛ فَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ فَقَال: حَسْبُكَ؛ كَمْ عَدَدُهُمْ ؟؟؛ قَال: ثَلَاثُمِائَةٍ وَنَيِّف؛ كُلُّهُمْ أَبْطَال .

    فَأَخَذَ قُيُودًا بِعَدَدِهِمْ؛ وَكَانَ مَعَهُمْ طَائِفَةٍ مِنْ مُرْتَدَّةِ الْعَرَب؛ وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ إِلّا مَسَافَةَ يَوْمٍ ، فَتَدَارَكَهُمْ وَبَذْلَ الْأَمْوَالِ؛ فَمَالَت إِلَيْهِ الْعَرَبِ لِلذَّهَبِ؛- « وَاعْتَصَمَ الْفَرَنْج بِجَبَلٍ عَالٍ » -؛ فَصَعِدَ إلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ رَاجِلًا فِي تِسْعَةِ أَنْفُسٍ؛ فَخَارَتْ قِوى الْمَلَاعِينَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَقَوِيَتْ نَفْسَهُ بِاَللّهِ؛ فَسَلَّمُوا أَنْفُسِهِمْ؛ فَصْفَدْهُم وَقَدِمَ بِهِم الْقَاهِرَةَ؛ وَتَوَلَّى قَتْلِهِمْ: الْفُقَهَاءِ؛ وَالصَّالِحُونَ؛ وَالصُّوفِيَّةِ .

    وَحَكَى الْحَافِظُ أَبُو الْفِدَاء فِي « الْبِدَايَة وَالنِّهَايَةِ » :
    بَدْرِ الدِّينِ لُؤْلُؤ صَاحِبَ الْمَوْصِلَ الْمُلَقّبِ بِالْمَلِكِ الرّحِيمِ؛ تُوُفّيَ فِي شَعْبَانَ عَن مائَةِ سَنَةٍ؛ وَقَدْ مَلَكَ الْمَوْصِلَ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً؛ وَكَانَ ذَا عَقْلٍ وَدَهَاءً وَمَكْرٌ؛ وَقَدْ جَمَعَ لَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ كِتَابِهِ الْمُسَمّى : « بِالْكَامِلُ فِي التّارِيخِ »؛ فَأَجَازَهُ عَلَيْهِ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ؛ وَكَانَ يُعْطِي لِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ أَلْفَ دِينَارٍ .

    وَقَالَ السّرَاجِ الْقَارِي فِي كِتَابِهِ « مَصَارِعَ الْعُشَّاقِ » نسْخَةِ دَارِ صَادِر الشّآمِيّةُ :
    وَأَنْشَدَنَا إبْرَاهِيمَ بْن مُحَمّدِ بْن عَرَفَة لِنَفْسِهِ :
    كَمْ قَدْ ظَفِرْتُ ِمَنْ أَهْوَى فَيَمْنَعْنِي ....... مِنْهُ الْحَيَاءُ وَخَوْفُ اللَّهِ وَالْحَذَرُ
    وَكَمْ خَلَوْتُ بِمَنْ أهوَى فََيُقنِعُنِي ....... مِنْهُ الفُكَاهَةُ وَالتَّحْدِيثُ وَالنَّظَرُ
    كَذَلِكَ الْحُبُّ لاَ إِتْيَانَ مَعْصِيَةٍ ....... لاَ خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِنْ بَعْدِهَا سَقَرُ
    وَلِلعَطَوِيّ مِنْ أَبْيَاتٍ :
    إِنْ أَكُنْ عاشِقاً فَإِنّي عَفِيفُ اللَّحْظِ ....... وَاللَّفْظِ عَنْ رُكُوبِ الْحَرَامِِ
    كُنْتُ مَارًّا بَيْنَ تَيْمَاءَ وَوَادِي الْقُرَى؛ وَأَظُنّهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ؛ صَادِرًا مِنْ مَكَّةَ؛ فَرَأَيْتُ « - صَخْرَةً عَظِيمَةً مَلْسَاءَ؛ فِيهَا تَرْبِيعٍ بِقَدْرِ مَا يَجْلِسُ عَلَيْهَا النّفَرِ : كَالدِّكَّةِ - »، فَقَال بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَنَا مِنَ الْعَرَبِ؛ وَأَظُنُّهُ جُهَنِيّاً : هَذَا مَجْلِسُ جَمِيلٍ وَبُثَيْنَةَ فَأَعْرِفِهُ .

    وَذَكَرَ يَاقُوتً فِي « مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ » :
    الْفَحْلاء : بِالْفَتْحِ ثُمَّ السُّكُون وَالْمَدّ؛ وَالْفَحْل مِنْ صِفَةِ الذّكُورِ؛ وَفَحْلاء مِنْ صِفَاتِ الإِْنَاثِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أُرِيدَ بِهِ تَأْنِيثَ الْأَرْضِ فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ؛ وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ؛ انْتَهَى كَلَامُه؛ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: عَلَى وَزْنِ فَعْلَاء؛ مَوْضِعٌ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْر .

    قََالَ بِن غُنَيْم الجُهَنِيُّ :
    الْفَحْلَتَيْنِ : هُوَ الأَْصَحُّ وَالأَْشْهَرُ؛ وَيُسَمَّى أَيْضًا: الْفَحْلَتَانِ؛ وَالفحْلَه؛ وَالْفَحْلاء؛ وَشَجْوا؛ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا : جَبَلِِ أَبُو قُدُور؛ كِنَايَةٌ عَنْ الصَخْرَتَانِ اللَّتَانِ كََالقِدْرِ بِرَأْسِهِ؛ وَهِيَ تَسْمِيَةً مُحْدَثَةً رَأَيْتُهَا عَلَى خَارِطَةِ الْمَدِينَةِ تُشِير إِلَى مَوْضِعِ الْجَبَل؛ وَلَا أَعْرِفُهَا؛ وَالصَّخْرَةُ الْعَظِيمَةِ الّتِي رَآهَا الْقَارِي هِي الْفَحْلَتَيْنِ ...


    .. .. :: .. :: .. :: .. :: .. :: .. :: .. :: .. :: .. :: .. :: .. :: ... :: .. :: .. ::



    هذا الكتاب .. للاستاذ الكبير .. ابن غنيم الجهني .. جعله الله في موازين حسناته ..
    [/align]

  8. #8
    رئيس مجلس الإدارة الصورة الرمزية د ايمن زغروت
    تاريخ التسجيل
    01-10-2009
    الدولة
    مصريٌ ذو أصولٍ حجازية ينبعية
    المشاركات
    12,200

    افتراضي

    موضوع موسوعي بديع و يستحق التثبيت لدوام الافادة ...
    بارك الله في نقولك و اطروحاتك اخي الكريم الاستاذ مالك الجهني..

  9. #9
    مشرف مجلس قبائل بلاد الشام الصورة الرمزية عالم بالأنساب
    تاريخ التسجيل
    28-03-2014
    الدولة
    على الواقف
    المشاركات
    727

    افتراضي

    موضوع كافي وافي يستحق الاحترام ، وكلنا فخر بجهينة عزة العرب وعند جهينة الخبر اليقين

  10. #10

    افتراضي

    اشكر كل من مر بهذا الموضوع و على راسهم م ايمن زغروت رئيس مجلس ادارة الموقع و هذا فخر لي

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. معجم عشائر بني صخر من الالف الى الياء بقلم الباحث فارس هليل الصخري
    بواسطة ابن صخر في المنتدى مجلس قبيلة بني صخر
    مشاركات: 23
    آخر مشاركة: 17-04-2019, 01:36 AM
  2. قبائل مذحج – كتاب قبائل العرب معجم قبائل العرب القديمة والحديثة
    بواسطة ابوعبد الله العلهي في المنتدى مجلس قبائل قحطان و مذحج
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 14-12-2012, 07:33 PM
  3. أصل بني الحكم و فروعها القديمة والحديثة
    بواسطة الارشيف في المنتدى مجلس قبيلة بني الحكم
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-11-2012, 09:11 PM
  4. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 27-08-2010, 08:51 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum