البقرية والأنصارية :
البقرية ( أو عائلة البقرى ) هم عائلة كبيرة يعود تاريخها كما ورد فى بعض المصادر إلى حوالى عام 1780م تقريباً
حيث تؤكد لنا كل المصادر التى رجعنا إليها مثل كتب القلقشندى والمقريزى وغيرها من كتب الأنساب القديمة ، أو الحديثة ، وإجماع آراء معظم الباحثين المتخصصين ، بل ومؤلفات بعض أبناء عائلات البقرية أنفسهم ، وحواراتنا التى أجريناها مع بعضهم أنهم تعود أصولهم لقبيلة جذام السبئية القحطانية ، وهى من أكبر قبائل مصر عدداً وانتشاراً ، وفى هذا يقول القلقشندي : " إن مصر هي قضاعة و بكل واد جذام " .
ومن العجيب أن نرى اليوم عائلة البقرى وهى من كبريات العائلات التى تدعى النسب الأنصارى ، وتتحدث أحياناً باسم الأنصار فى مصر ، بل وتتصدر المشهد الأنصارى وما يطلقون عليه إحتفالات ومهرجانات الأنصار السنوية والتى لا تعدوا كونها تهريجاً منظماً ، وتزييفاً لحقائق التاريخ والجغرافيا وعلم الأنساب ..
فالبقرية فى الأصل ( ينتسبون لقبيلة جذام القحطانية ) كما هو ثابت فى كل كتب التاريخ والأنساب ، وإن ادعوا اليوم الانتساب للأنصار دون دليل ، اللهم إلا ما قد يطلق عليه بعضهم مخطوطة ، عندما اطلعت عليها ، اكتشفت أنها لا تعدوا كونها ورقة مسطرة لا قيمة تاريخية أو علمية لها ولا يتعدى عمرها سنوات قليلة ، كتبها أحد أبناء البقرية بيده فيما يشبه شجرة أوعمود نسب تصل أسماءهم باسم الصحابى الجليل سعد بن عبادة الأنصارى .. ولم نجد من أحفاد سعد بن عبادة اليوم من موثوقى النسب إليه رضى الله عنه ، سواء فى مصر أو العراق أو المغرب من يؤيدها أو حتى لديه مجرد احتمال لمصداقيتها .
ويقول الباحث الدكتور ياسر حميد الأنصارى فى كتابه ( تاريخ قبائل الأنصار فى سائر البلدان والأقطار – ص : 272 ) ـ عند حديثه عن البقرية وما قام به أحد أبنائهم من ضم أناس ليسوا من البقرية للبقرية وأغلبهم أيضاً من مدعى النسب الأنصارى ما نصه :
" أن الدكتور عبد الدائم البقرى ضمهم تحت مسمى ( البقرى ) سواء من الأوس أو الخزرج بسبب توحيد الأنصار !!! ، وهذا الأمر صعّب علينا فرز العوائل , وبمساءلة هؤلاء يقولون نحن ( بقرية ) وبقر أصله من قبيلة جذام , والأنصار بيرقية , أصبح كثير منهم لا يميز بين البقرية والبيرقية ( إنتهى كلام الباحث ياسر حميد ) ..
وكلام ياسر حميد هنا يعد دليلاً على أن البقرية أنفسهم فى يومنا هذا لا يعودون فى أصولهم لنسب واحد ؟!!
البقرية والبيرقية :
وبغض النظر عن مسألة ( الضم ) هذه والتى هى من أخطر ما يمكن ، غير أن هذا القول من ياسر حميد فيما يخص بنو أبيرق مردود عليه بأنه لا يوجد فى أى كتاب من كتب التاريخ وعلم الأنساب يذكر لنا بأن هناك من بنو أبيرق الأنصار من دخل إلى الديار المصرية أو استقر بها وليس لدى البقرية ما يثبت عكس ذلك ..
وبنو ( أبيرق ) هم بطن من الأنصار ، ذكرهم ابن عبد البر في الاستيعاب : ولم يبين هل من الأوس أو من الخزرج ، ولكن الأرجح أن بنو أبيرق هم من بنى ظفر وهم بنى ظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس ، وهو ما قاله الكلبى ، فأبيرق هو الحارث بن عمرو بن حارثة بن هتيم بن ظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس ، وهو ما ورد في نسب بعض الصحابة الأنصار منهم .
كما أنه ومن الغريب أن نسمع من بعض أبناء البقرية أنهم يدّعون أنهم كانوا يسمون بيرقية ثم حرف الإسم إلى بقرية ثم ينسبون أنفسهم للصحابى الجليل سعد بن عبادة الأنصارى الخزرجى رضى الله عنه ، بل ولديهم فى بعض الأحيان ما يشبه الخلطة السحرية العجيبة ، مثل ما أورده الكاتب محمد علي البقري في كتابه ( جوهر النسب لعرب الأنصار الخزرجية – ص : 65 ) ما نصه :
" نجم الأكبر بن سليمان الأهدب البقري الجذامي ( أمير هلبا سويد ) " - ثم ذكر نسبه المتصل إلى سعد بن عبادة الأنصاري !!!!! ( وأعتقد أن الأمر هنا لا يستحق منا حتى عناء الرد ) .
البقرية والنجمية :
وهناك خلط آخر لدى بعض أبناء البقرية فمنهم من يدعى الانتساب للأمير نجم الدين الأنصارى ، والخلط هنا بين نسب النجمية ( عربان النجمة ) وهم من زرية الأمير نجم الدين بن تميم الدار من زرية الصحابى الحارث بن مالك الأنصارى رضى الله عنه ، من بنى حبيب بن عبد حارثة من الخزرج ، والذى يرجع إليه نسب معظم أنصار الصعيد فى مصر والمعروفين بـ ( التميمية ) ، وبين نسب زرية الأمير نجم الدين بن بقر الجذامى من قبيلة جذام ، وهو ما حاول أن يستوضحه الباحث ياسر حميد فى كتابه تاريخ قبائل الأنصار فيما يلى :
" وعائلة النجم عائلتان في القاهرة , والعائلة الأولى والأشهر , ترجع إلى ( قبيلة جذام ) ولها مكانة في القرن التاسع والعاشر الهجريين , ذكرها المقريزي في كتابه : ( السلوك في طبقات الملوك ) ، وابن ياس في كتابه : ( بدائع الزهور في وقائع الدهور ) .
أما عائلة النجمة الثانية : فيرجع نسبها إلى سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري - ( خطأ من الباحث فهم كما أوردنا سابقاً ينتسبون للصحابى الحارث بن مالك الأنصارى ) - ، ومسمى هاتين العائلين سبّب بين أفراد عائلة ( نجم ) سواء في ( جذام ) أو في الأنصار تناقضا في نقل المعلومات .
وبعد عدة لقاءات مع أفراد عائلة النجمة , اتضح لي أن عائلة النجمة هي عبارة عن مزيج من الأسرتين , والسبب في ذلك يرجع إلى عهد الأتراك وابتداعهم أن أي عربي يأتي بورقة من شيخ عرب , يتم إعفاؤه من أداء الخدمة العسكرية , وترتب على ذلك , أن كثيراً من العرب جاؤوا إلى شيخ عرب ( النجمة ) وأخذوا منه أوراقا , حتى يعفو من الخدمة العسكرية , وكان شيخ عرب ( النجمة ) رجلاً سمحاً متساهلاً مع الناس , فنتج عن ذلك انضمام كثير من الناس تحت مسمى ( النجمة ) وبعد توالي الأجيال , ظن كثير منهم أنهم من عائلة ( النجمة ) وأنهم من الأنصار , لذا أصبحت المسألة مشكلة وصعبة " . ( إنتهى كلام الباحث ياسر حميد ) ..
غير أن الأمر من وجهة نظرنا واضح جلى وليس بهذا التعقيد .
ويرى الشريف ( أيمن زغروت ) فى نسب البقرية ما يلى :
" آل البقرى : هم عائلة كبيرة من بنى عبيد ( العبايده ) من بنى حرام بن جذام كانت فى جدهم ابن بقر وفى زريته إمارة فى العهد المملوكى على عربان الحوف الشرقى للدلتا ( الشرقية والدقهلية اليوم ) ، وديارهم فى الحسينية وسعود وصان الحجر مركز الحسينية وأولاد موسى مركز أبو كبير وديرب نجم وغيرها بالشرقية ( تصرف من مخطوط قديم لمؤلف مجهول يملكه آل العوضى بالزاوية ) ..
وألف بعض آل البقرى حديثاً كتاباً سماه “ عرب الأنصار “ نسب فيه البقرية إلى الأنصار ( دون دليل على ذلك ) ، سوى أن بالأنصار بطن إسمه “ بنى حرام “ .. ( وبالطبع فإن المؤلف المقصود هنا هو الدكتور عبد الدايم البقرى )
والحقيقة أنهم من بنى حرام بن جذام المذكورة سابقاً ، وديارهم بإحدى قواعد قبيلة جذام منذ القدم ، وهى مدينة ديرب نجم ، فى قرية اكوة ، وهى ديار آل نجم أمراء عربان جذام على عهد العلامة القلقشندى رحمه الله ، ويسكنون أيضاً فى جزيرة سعود مركز الحسينية بالشرقية ..
وآل البقرى فى أبو حماد هم الآن عشيرة من فرع بنى أيوب من قبيلة جذام ( حسب نهاية الإرب للقلقشندى ) ، والتى دخلت حديثاً فى قبيلة النفيعات السعدية القيسية العدنانية ، فى عزبة فرحان بقرى وكفر حافظ مركز أبو حماد بالشرقية ، وفيهم عمودية كفر حافظ .
وصلَّ الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً " ( إنتهى كلام العلامة : الشريف أيمن زغروت ) .
ونرى أن الشريف هنا قد كفّى ووفى بما لا يدع مجالاً لقول أو لشك فى أن البقرية هم من قبيلة جذام .
وخلاصة الأمر وهو ما جاء فى أمهات كتب الأنساب وما تدل عليه كل حقائق الواقع والتاريخ والجغرافيا وعلم الأنساب واتفاق كل كل علماء النسب الأقدمين وفى عصرنا هذا ، والذى منه يتضح أنه لا يوجد فى الأنصار ( بقرية ) ، وإنما البقرية فى الأصل من قبيلة جذام ، ولكن لا يعنى هذا أيضاً أن البقرية الموجودون اليوم ، أو من يسمون أنفسهم بالبقرية تعود أصولهم جميعاً لجذام بعد الخلط الواضح ( الضم ) الذى حدث على يد الدكتور عبد الدايم البقرى ، والذى تحدث عنه الباحث ياسر حميد فى كتابه ( تاريخ قبائل الأنصار ) ، وهو ما يؤكده أبناء البقرية أنفسهم .
ويبدوا لنا أن ظاهرة إدعاء النسب الشريف أو نسب الأنصار لا يبدوا لها نهاية فى الأفق القريب ، على الرغم من كل المحاذير الدينية والدنيوية لهذا الأمر المزرى المشين ، والله المستعان على ما يصفون .
أبو محمد ( علاء الحرامى ) الأنصارى
hgfrvdm , hgHkwhvdm
مواقع النشر (المفضلة)