صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1 2 3 4 الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 120 من 121

الموضوع: الأدب العربي

  1. #81
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    شيخي ابوعمر..حفظكم الله ورعاكم..
    تابعونا ..ونحن "نسولف" ما في الأدب العربي من روائع وإبداع..
    بارك الله فيكم

  2. #82
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس العشرون
    المغرب والشمال الإفريقي العربي
    الحياة السياسية والاجتماعية في المغرب وشمالي إفريقية
    قبل أن يظهر العرب المسلمون على مسرح التاريخ، كان البحرالمتوسط يسمى بحر الروم، وكان البربر في المغرب قوماً وثنيين ظلمهم الروم فثاروا عليهم، واتصل زعماؤهم بالعرب وفاوضوهم في مقاتلة الروم معهم، وقد استغرق الفتح الإسلامي للمغرب نحو سبعين عاماً بدأ ببعث استطلاعي قام به عقبة بن نافع الفهري (21هـ/642م) وانتهى بحملة موسى بن نصير التي أخضع فيها المغرب الأقصى سنة 90هـ/708م، وصارت بلاد المغرب تابعة للدولة الأموية، بل ولاية من ولايات الدولة إلى أن قوض بنو العباس صرح الدولة الأموية سنة 132هـ، فآل المغرب إلى ولاية عباسية.
    ثم قامت دويلات في المغرب الأقصى والأوسط والأدنى. ففي المغرب الأقصى قامت دولة الأدارسة واستمرت حتى القرن الرابع، ثم ظهر المرابطون في القرن الخامس، وبعدها سيطر الموحدون (المصامدة) على بلاد المغرب، ثم انقسمت إلى ثلاث دول: دولة بني مرين في المغرب الأقصى،ودولة بني عبد الوادي (بني زيّان) في المغرب الأوسط، ودولة بني حفص في المغرب الأدنى.
    وصارت القيروان، التي أسسها عقبة بن نافع معسكراً لجنوده، العاصمة الإسلامية الأولى للمغرب العربي، فيها ازدهرت الحضارة التي وضع أسسها وأحكم دعائمها أمراء الدولة الأغلبية، وقد آتت هذه الحضارة أكلها زمن الصنهاجيين في منتصف القرن الخامس الهجري زمن المعز بن باديس بن يوسف (ت453هـ)، وكان أديباً مثقفاً غصّ بلاطه بالأدباء والعلماء منهم ابن أبي الرجال الذي ألف كتاب «البارع في أحكام النجوم» وقد أمر ألفونسو العاشر ملك قشتالة بنقله إلى اللغة القشتالية.
    بعد أن خرّب الأعراب القيروان، لجأ المعز إلى المهدية، واتخذها عاصمة له، ثم ازدهرت مدن أخرى منها تلمسان وبجاية وصفاقس وفاس التي اجتمع فيها علم القيروان وعلم قرطبة، إذ كانت قرطبة حاضرة الأندلس، وكانت القيروان حاضرة المغرب، فلما اضطرب أمر القيروان بعبث الأعراب فيها، واضطربت قرطبة باختلاف بني أمية بعد موت المنصور محمد بن أبي عامر وابنه، رحل عن هذه وهذه من كان فيها من العلماء والفضلاء فنزلوا فاس وتلمسان، كما رحل بعضهم إلى مصر وأقطار أخرى.
    وقد اتخذ المرابطون والموحدون مدينة مراكش دار مملكة لقربها من جبال المصامدة وصحراء لمتونة، لا لأنها خير من فاس. ثم بنى الموحدون مدينة رباط الفتح، وبنوا فيها مسجداً عملوا له مئذنة على هيئة منارة الاسكندرية. وقد كانت مدن المغرب مراكز ثقافية وجسراً عبرت عليه تيارات الثقافة في طريقها من المشرق إلى إسبانية.
    الشعر
    فنونه وخصائصه: الحديث عن الشعر المغربي في عصوره وأقطاره يستنفد صفحات طوالاً، ذلك أنه من الناحية الزمنية يساير الأدب الأندلسي، ثم يستمر بعد سقوط الأندلس إلى العصور الحديثة، وهو من حيث أقطاره يستوعب النتاج الأدبي في المغرب الأدنى والأوسط والأقصى إلى مناطق أخرى مثل شنقيط (موريتانية) وغيرها.
    أصاب الكساد عالم الشعر والأدب في العصور الأولى وفي ظل المرابطين، لأن العصر كان عصر جهاد وكفاح وحرب، وليس عصر ترف ورفاهية، وفي عصر الموحدين كثر الشعراء تحت رعاية الخلفاء والأمراء، وتعددت أغراضهم وفنونهم، واتسعت مجالاتهم، وامتزج المديح بالشعر السياسي. فقد واكب الشعر التطورات العقائدية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع في عهد الموحدين، وعبر الشعر عن دعوتهم وما يتعلق بها من مهدوية أو عصمة، وإمامة. وكان الخلفاء يطلبون إلى الشعراء أن ينظموا الشعر في مواضيع تخدم دعوتهم،فتخلصت قصيدة المدح من المقدمات التقليدية، وافتتحت بالحديث عن سيرة المهدي بن تومرت وخليفته عبد المؤمن بن علي.وقد تستهل القصيدة بطريقة الكتابة الديوانية فيذكر فيها التحميد والتصلية على الرسول والترضية عن المعصوم المهدي كما في قصيدة أبي عمر بن حربون في الخليفة أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن بعد انتصاره على المخالفين المرتدين بالمغرب سنة 563هـ.
    وتنوع الغزل في شعر المغاربة، فكان فيه العفيف والماجن، كما نشط شعر وصف الطبيعة. ولم يكتف الشعراء بجعله مطية لغرض آخر، ومتكأ له، وإنما أفردوا للطبيعة قصائد لوصفها، فصوروا مفاتنها، ووقفوا عند كل جزئية من جزئياتها. ووصفوا الخمر، وافتنّوا في وصف مجالس الشراب والندمان والسقاة، وعبّروا عن تعلّقهم الشديد بها.
    كما لقي فن الرثاء رواجاً لديهم ولاسيما رثاء المدن الأندلسية التي سقطت في أيدي النصارى، وفي رثاء مدنهم التي خربت (القيروان). وازدهر شعر الزهد والتصوف وشعر المدائح النبوية،وممن اشتهر به أبو العباس محمد ابن العزفي السبتي المغربي (ت633هـ).
    ونظم الشاعر المغربي الموشح، فابن غرله الذي اشتهر بعشقه رميلة أخت الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي نظم الموشح والزجل والمرنم (الزجل الذي يدخله الإعراب)، ومن موشحاته الطنانة الموسومة بالعروس. كما عرف المغاربة «عروض البلد»، وقد ذكر ابن خلدون أن أول من استحدثه رجل من الأندلس نزل بفاس هو أبو بكر بن عمير، فنظم قطعة على طريقة الموشح، ولم يخرج فيها عن مذهب الإعراب إلا قليلاً، فاستحسنه أهل فارس، وولعوا به، ونظموا على طريقته.
    لقد شارك أدباء المغرب في فنون القول شعراً ونثراً، وحكم على التراث الأدبي في المغرب بأنه مطبوع بالطابع الأندلسي في شكله وموضوعه وكان لانتشار المذهب الفاطمي في المغرب أثر في وجود بعض المعاني الفلسفية والجدلية في الشعر كالذي ظهر في شعر ابن هانئ الأندلسي وكان من شعراء المعز لدين الله الفاطمي.
    وقد تخلف شعراء المغرب عن اللحاق بشعراء المشرق ثم الأندلس في قوة الأفكار وعمق المعاني (باستثناء شعراء العصر الفاطمي) لكن شعرهم لم يخل من جمال الصيغ اللفظية وأناقتها، وقد برعوا في الملاءمة بين مواضيع القصائد وأوزانها كما في قصيدة الحصري «يا ليل الصب»، وأكثروا من رثاء المدن المنكوبة، وفي هذا الباب تظهر قوة خاصة في الشعر المغربي وهي قوة التأثير العميق الصادق.
    أعلام الشعراء
    من أبرز شعراء المغرب بكر بن حماد (200-296هـ): التاهرتي (نسبة إلى تاهرت بالجزائر)، فنون شعره المديح والهجاء والزهد والغزل والوصف، وقد رحل إلى المشرق وكان من العلماء والرواة.
    تميم بن المعز (337-374هـ)
    شاعر الدولة الفاطمية، ولد في المهدية بتونس، وتوفي بمصر، أبرز أغراضه الشعرية المديح والغزل والطرد، والرثاء والإخوانيات.
    ابن رشيق القيرواني (390-456هـ)
    ولد بالمسيلة (الجزائر) ورحل إلى القيروان، وأتم بقية حياته في صقلية، وتوفي بمازر. تعددت جوانبه العلمية والأدبية. له ديوان شعر، ومن مؤلفاته «أنموذج الزمان في شعراء القيروان».
    ابن شرف القيرواني (390-460هـ)
    الناقد الكاتب الشاعر، له ديوان شعر.
    علي بن عبد الغني الحصري (424-488هـ)
    يكنى أبا الحسن. برز في علوم القرآن، له الرائية المشهورة في القراءات، وله المعشرات وهي قصائد منظومة على حروف المعجم، كل قصيدة بها عشرة أبيات مبتدأة، ومقفاة بحرف من حروف الهجاء، وله ديوان شعر عنوانه «اقتراح القريح، واجتراح الجريح» وأغلبه في رثاء ابنه عبد الغني. ومن أشهر قصائده «يا ليل الصب متى غده؟» وهي طويلة تقع في تسعة وتسعين بيتاً، وقد عارضها كثيرون لإشراق معانيها وعذوبة ألفاظها.
    تميم بن المعز الصنهاجي (422-501هـ)
    كان رجل سياسة وعلم. كشفت أشعاره عن مقدرته الشعرية وغزارة إنتاجه الذي يدور أغلبه حول الغزل والوصف والزهد والحماسة.
    الأمير أبو الربيع الموحدي (552-604هـ): أحد أمراء الدولة الموحدية جمع بين السياسة والأدب. ترك ديوان شعر عنوانه «نظم العقود ورقم البرود».
    مالك بن المرحَّل (604-699هـ)
    ولد بمالقة واكتسب شهرة في الأدب والشعر وبرع في علوم كثيرة. له منظومات في القراءات، والفرائض، والعروض، ومخمسات في مدح الرسول الكريم، وشعر في الاستنجاد. توفي في فاس.
    ابن خميس التلمساني (625-708هـ)
    شاعر عالم رحل إلى سبتة ثم إلى الأندلس، وفي غرناطة التحق بخدمة الوزير أبي عبد الله بن حكيم ثم قتل مع مخدومه.
    الشريف الغرناطي (697-760هـ)
    ولد بسبتة ونال فيها علماً كثيراً، وقدم إلى غرناطة واستقر بها، ولهذا اشتهر بالغرناطي، وله ديوان شعر.
    وابن زاكور (1075-1120هـ)
    كان كاتباً وشاعراً ولغوياً - من كتبه «شرح على لامية العرب» وله ديوان شعر مرتب على الأغراض، ونظم موشحات ذكر بعضها في «المنتخب من شعر ابن زاكور».
    ومن شعراء شنقيط أحمد بن محمد بن المختار اليعقوبي المعروف بأحمد بن الطلب، ينتهي نسبه إلى جعفر بن أبي طالب. لقب بيته بالطلب لأنهم أعلم أهل ناحيتهم، فكانت الناس ترحل إليهم في طلب العلم، وكان جيد الشعر.
    ويليه الدرس "الحادي والعشرون" بعنوان "النثر" بإذن الله شبحانه وتعالى

  3. #83
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس الحادي والعشرون
    النثر
    فنونه وخصائصه
    الكتابة الرسمية
    وهي تلك الكتابات الصادرة عن الخلفاء والأمراء والولاة والقادة، وعمودها الكتابة الديوانية التي تختص بالعلامة السلطانية التي يصدرها الخليفة إلى عماله وولاته وقضاته ورعيته، وموضوعاتها متنوعة تكاد تشمل مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية والتاريخية. فمن الموضوعات الاجتماعية والسياسية محاربة الآفات الاجتماعية ومكافحة الظلم والدعوة إلى وحدة الصف وإطاعة أولي الأمر. ومن الموضوعات الدينية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، فقد كتب الفقيه المتصوف ابن عباد الرندي (792هـ) إمام جامع القرويين إلى أبي فارس عبد العزيز المريني مستنكراً تصرفات عماله مع المسلمين.
    ومن الموضوعات التاريخية سجلت الرسائل الرسمية الغزوات والفتوح والحملات العسكرية، وقد كتب المغاربة الرسالة الديوانية بإحكام وروية، واعتنوا بالعبارة واتكأت الرسالة في كثير من ملامحها على الرسالة الديوانية المشرقية، ثم بدأت في العصور المتأخرة تحاول أن ترسم لنفسها ملامح جديدة، فهي تفتتح بالمقام، ثم وصف عظمته، ثم يذكر المتن أو مضمون الرسالة، وقد غلب السجع عليها لتناسب فخامة المقام.
    الكتابة الوصفية
    ويقصد بها الكتابات التي كانت تدور حول المناظرات والمفاخرات بين المدن، وبين الأزهار، وبين الأطيار، كما شملت أدب الرحلات (رحلة ابن بطوطة، ورحلة ابن رشيد، ورحلة ابن خلدون).
    واعتمد أغلب الكتاب أسلوب المقامة من حيث التوشية والزخرفة البديعية ومنها السجع، فقد أكد محمد بن عبد الغفور الكلاعي في كتاب «إحكام صنعة الكلام» ضرورة السجع للنثر، واستحسان الإتيان به مع مراعاة الابتعاد عن التكلف فيه حتى لا يثقل على الأذن، وينبو عنه الذوق السليم، كما كتب آخرون بالأسلوب المرسل: صنيع ابن خلدون.
    الكتابة الذاتية
    ويدخل ضمنها الكتابة الإخوانية، ومنها الرسائل المتبادلة بين الكاتب وذوي السلطان، وبين الكاتب وإخوانه، كما تندرج فيها المدائح النبوية، والخواطر التأملية، ولاسيما في الرسائل النبوية. فابن خلدون يحدثنا عن سفر أبي القاسم البرجي إلى التربة المقدسة حاملاً رسالة من أبي عنان المريني إلى الضريح الكريم كتبها أبو عنان بخط يده.
    وحرص أغلب الكتاب على العناية بظاهرة الزينة اللفظية، وإن كان بعضهم قد تصدّوا لظاهرة سيطرة البديع على النثر، أو استقبحوا الإكثار منه كما فعل ابن خلدون، فحين تولى ديوان الإنشاء أيام أبي سالم المريني (ت762هـ) فضّل الكلام المرسل على انتحال الأسجاع في الكتابات الرسمية.
    أعلام الكتّاب
    جمع المغاربة والأندلسيون بين مزيتي الشعر والنثر، وكان للتأليف شأن عظيم لديهم في شتى العلوم والآداب، ومن أعلام الكتاب:
    إبراهيم بن علي الحصري (ت453هـ)
    ويكنى بأبي إسحاق، شهر بالحصري نسبة إلى صناعة الحصر أو بيعها، أو نسبة إلى «الحصر» وهي قرية كانت قرب القيروان. نشأ في القيروان في أواخر عهد الفاطميين بإفريقية، وكان له ناد يقصده الأدباء والمتأدبون. من مؤلفاته «جمع الجواهر في الملح والنوادر» و«زهر الآداب» وهو كتاب ذو قيمة أدبية وتاريخية، يشبه «البيان والتبيين» للجاحظ في طريقته.
    علي بن عبد الغني الحصري (ت488هـ)
    وكان شاعراً وكاتباً وله رسائل أثبتها ابن بسام في «ذخيرته» كنماذج من نثره يخاطب بها أصدقاءه وأعداءه، وهي لا تخرج عن طريقة عصره في أسلوب التحرير المسجوع المرصع بألوان التورية والجناس.
    الشريف الإدريسي
    ولد في سنة 493هـ، ودرس في قرطبة، ثم طوّف في البلاد، وانتهى به التجوال إلى صقلية، ونزل على صاحبها روجار الثاني وألف له كتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»، وفيه شرح لكرة الفضة التي أمر الملك بصنعها، توفي في صقلية سنة 560هـ.
    ابن رشيق القيرواني (ت463هـ)
    كان شاعراً وكاتباً. اتصل ببلاط المعز في القيروان وتعرف كاتبه أبا الحسن علي بن أبي الرجال فألحقه بديوان الإنشاء الذي كان رئيسه، وقد رفع إليه كتاب «العمدة في صناعة الشعر ونقده».
    ابن شرف القيرواني (ت460هـ)
    كان كاتباً وشاعراً. ألحقه المعز بديوان المراسلات وجعله من خاصته فانقطع إليه، ونافس ابن رشيق في الحظوة عنده، من مؤلفاته النثرية: رسائل الانتقاد، ورسائل المهاجاة، وابتكار الأفكار.
    أبو الفضل التيجاني (ت718هـ)
    صاحب الرحلة المشهورة، وكان أعلى الكتبة مرتبة وأسلمهم قافية. له رسالة مشهورة كتبها إلى ابن رشيد الفهري (ت721هـ) صديقه حين نزل بتونس في أثناء رحلته إلى الحج وعودته منه يقول فيها: «أقول والله المسعف المنان: اللهم بلغ صاحبنا وجميع المسلمين إلى أوطانهم وأماكنهم سالمين في النفس والأهل والمال. اللهم كن لهم في حلهم وترحالهم، وسلّمهم ولاتسلمهم..» والرسالة تسجيل لمخاطر الطرق إلى الحج والرحلة في ذلك الزمن.
    الشريف الغرناطي
    تولى في الدولة النصرية عدة مناصب مثل كتابة الإنشاء وخطة القضاء والخطابة. ومن تآليفه المشهورة: «رفع الحجب المستورة عن محاسن المقصورة» وهو شرح على مقصورة حازم القرطاجني التي مدح فيها المستنصر الحفصي، وقد جاء الشرح بأسلوب مسجع تحس معه جلال الفكرة وتوقد الذهن.
    ابن خلدون، ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن: ولد بتونس سنة 730هـ، وتوفي في القاهرة سنة 808هـ، كان ينظم الشعر، لكن ملكته تخدشت من حفظ المتون المنظومة في الفقه والقراءات. اعتمد في نثره الأسلوب المرسل مخالفاً أسلوب العصر في الميل إلى السجع من آثاره: «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السطان الأكبر». ويقع في مقدمة وثلاثة كتب، وقد ارتقى بالتاريخ من السرد والقصص الساذج إلى درجة العلم المفلسف، وسجل سيرة حياته بقلمه في آخر جزء من العبر وطبع بعنوان: «التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً».
    ويليه الدرس الثاني والعشرون بعنوان:
    الأدب العربي في صقلية

  4. #84
    المشرفة العامة للمجالس الاسلامية و الاسرة العربية - عضوة مجلس الإدارة الصورة الرمزية معلمة أجيال
    تاريخ التسجيل
    27-08-2015
    الدولة
    الأردن-عمان
    المشاركات
    1,884

    افتراضي

    سرد رائع وتوضيح اروع ابدعت سلمت يمينك وسلمت ابو على دوما تأتينا بالمفيد بارك الله بجهودك

  5. #85
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    حياك الله ام علي نوّرت بما سطّرت..ودائما نورك حاضر..بارك الله فيك

  6. #86
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    نتابع باهتمام ...
    وصلت الى نقطة مهمة جداً ... لا يعلمها الكثير من أبناء العروبة ّ وهي القادمة " صقلية " !!! وحبذا لو تعرّج على جزيرة أخرى وهي " مالطة " التي لغتها حتى اليوم عربية مع بعض التحريف .. وكل من زارها تفاجأ بلغة أهلها العربية بلهجة خاصة بهم .. ويفهمها العربي إذا أحسن الاستماع لها !!!
    بارك الله بك

  7. #87
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    نعمّا ما أفضت به شيخي ابوعمر..الكثير يستغرب أنّ صقلية ومالطا كانتا من ديار الإسلام تماما كما الأندلس..ولكن للأسف اضعنا تيكم الديار..فمن ينقذها ويعيدها إلى حظيرة الإسلام ودوحته الغرّاء؟!!! وسأفرد بأمر نصيبا من آثار الأدب العربي في "مالطا"
    بارك الله فيكم

  8. #88
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    بارك الله بكم ...
    فقط عبارة واحدة من " مالطا "
    عندما يريد المالطي ان يسألك عن أحوالك تفاجأ به وهو يقول لك :
    ( كيفك انت ) !!!
    ونحن لا ندري ولا اهتمام لنا بما كان .. وكيف نعيده !!!
    أقدِم وقدّم الخير - رحم الله والديك

  9. #89
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس الثاني والعشرون
    الأدب العربي في صقلية
    الحياة السياسية والاجتماعية
    صقلية Sicilia جزيرة مقابل ساحل تونس، تبعد عن البر الإيطالي ثلاثة كيلومترات. ضبطها ياقوت في معجمه بثلاث كسرات وتشديد اللام والياء، ولكنه ذكر أن أكثر أهلها يفتحون الصاد، وضبطها ابن دحية بفتح الصاد والقاف، وقال النحوي ابن البر التميمي الصقلي: اسمها باللسان الرومي سَكَّةِ كِلّية وتفسيرها: تين وزيتون، وإلى هذا المعنى أشار ابن رشيق حين مدحها فقال:
    أخــت المدينة في اســم لا يشــاركها

    فيه ســواها من البلدان والتمـــس
    وعظّـــم الله معنــــى لفظهـا قســــماً
    قلّد إذا شــئت أهل العلم أو فقـــس

    فتح المسلمون صقلية سنة 212هـ/728م بقيادة الفقيه أسد بن الفرات (ت213هـ) الذي تولّى قضاء إفريقية في عهد الأغالبة، وكانت القيروان (تونس اليوم ) تابعة للخلافة العباسية في بغداد. ولما قامت الدولة المهدية في ظل الفاطميين، تأسست دولة الكلبيين في صقلية فبلغت الجزيرة عهدها الذهبي.
    احتلها النورمان بقيادة ملكهم روجار الأول، فهجرها أغلب سكانها إلى مصر والقيروان والأندلس، وكانت عادة الانتقال والارتحال بين الأقطار الإسلامية معروفة أيام المحن، فقد شتتت نكبة القيروان، بعد الخلاف بين الفاطميين والمعز ابن باديس، أهل القيروان وخرج الأدباء والعلماء منها إلى صقلية والأندلس ومصر، وها هنا التاريخ يعيد نفسه بخروج العرب من صقلية بعد انتهاء الحكم العربي فيها الذي استمر لغاية 450هـ.
    تعايش من بقي من المسلمين في صقلية مع النورمان مدة ثلاث وتسعين ومئة سنة، وظلت اللغة العربية إحدى اللغات التي أقرتها الدولة في سجلاتها إلى جانب اللاتينية واليونانية.
    وفي سنة 643هـ احتل الجرمان الجزيرة بقيادة فردريك الثاني الذي نكل بالمسلمين ليدفعهم إلى الجلاء سنة 647هـ/ 1249م، ثم قضى عليهم بتحريض الملك شارل دانجو عام 700هـ/1300م، لكن اللغة العربية لم تمح آثارها، فثمة أسماء كثيرة في صقلية لها أصول عربية.
    الشعر
    اعتمد الشعر الصقلي محاكاة المشارقة والمدرسة الإفريقية في القيروان، وكان تأثيره بالأندلس أقل من تأثيره بإفريقية والمشرق، وقد غذي بالدراسات الإسلامية، ولاسيما الفقه، واللغة، وامتلأ بالألغاز والتلاعب اللفظي بالأسماء، وكان هناك أخذ بأسباب الدين والزهد والتصوف إلى جانب التيار المعاكس المتمثل بالحديث عن الخمر، وبائعها، وشاربها، والتغني بذكر الصليب والزنار.
    وقد شارك بعض الأمراء الكلبيين في النشاط الأدبي ولاسيما الشعري.
    فنونه وخصائصه
    في العصر الإسلامي، وصف الشعراء القصور، والمتنزهات، والخمر، وكثر التغزل بأسماء تقليدية مثل سلمى، وسعاد، وبثينة، كما كثرت الرسائل الشعرية نتيجة هجرة الناس من صقلية وإليها.
    أما في العصر النورماني، أو مرحلة التعايش بين العرب والصقليين فالشعر الباقي يمثل اتجاهين: أما الاتجاه الأول فهو الشعر الذي يتصل بالملك النورماني وبلاطه وأبنائه وحاشيته، ومنه قصيدة أبي الضوء سراج في رثاء ولد روجار.
    ويصوّر الاتجاه الثاني الشعر الذي يمثل حياة المسلمين وعلاقاتهم فيما بينهم، وقد انفرد محمد بن عيسى بذكر العيد وحال السرور والتحدث عن الملائكة. وكثيراً ما نفر الناس من الشعر ذي الاتجاه الأول، فقد كان ابن بشرون شاعراً فحلاً أحبه الناس، فأراد الملك روجار الأول أن يضفي على اغتصابه الجزيرة أسمال الشرعية موهماً الناس بقبوله من وجهائهم، فاستدعى ابن بشرون وطلب إليه أن ينشده مديحاً فلما ارتجل الشاعر أبياته ابتعد عنه الناس.
    ولما اطلع العماد الأصفهاني على كتاب ابن بشرون الذي خصص فيه فصلاً لشعراء صقلية قال بعد أن حذف الشعر الذي وجده في مديح الكفار: «واقتصرت من القصيدتين على ما أوردته لأنهما في مدح الكفار، فما أثبته».
    أعلام الشعراء
    من شعراء القرنين الرابع والخامس: ابن الخياط الصقلي: أبو الحسن علي بن محمد، كان شاعراً نابهاً أيام حكم الكلبيين في صقلية. يكثر في شعره المدح والغزل ووصف الطبيعة.
    أبو العرب مصعب بن محمد بن أبي الفرات القرشي: ولد في صقلية سنة 423هـ، ثم غادرها إلى الأندلس سنة 463هـ مع من هاجر منها إثر الاحتلال النورماني، فلحق بالمعتمد بن عباد، ثم بناصر الدولة صاحب جزيرة ميورقة بعد أن دالت دولة العباديين، وبقي هناك إلى وفاته سنة 506هـ. أهم أغراضه الشعرية المدح وجلّه في المعتمد كما دعا إلى التمتع بمباهج الحياة فقال:
    متّع شـــبابك واســـتمتع بجدّتـــه فهـــو الحبيـــب إذا مــا بان لـم يؤب ابن القطاع، أبوالقاسم علي بن جعفر بن علي السعدي: ولد سنة 433هـ بصقلية، ثم هاجر إلى مصر بعد اشتداد ضغط النورمان. كان شاعراً عالماً باللغة والأدب والتاريخ. من مؤلفاته «تاريخ صقلية» و«أبنية الأسماء والأفعال» و«البارع في العروض والقوافي» و«الدرة الخطيرة في المختار من شعراء الجزيرة» وقد اشتمل على مئة وسبعين شاعراً، وعشرين ألف بيت من الشعر. عالج في شعره مجالس الخمر بالوصف والإثارة، وأبدع في الغزل.
    ومن شعراء القرن السادس
    البَلَّنوبي، أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن أبي البشر: ينسب إلى بَلَّنوبة وهي بُليدة بجزيرة صقلية ذكرها ياقوت تسمى اليوم فيلانوفا Villa Nova كان والده مؤدباً لأبي الطاهر التجيبي (ت445هـ).
    أقام أبو الحسن مدة في صقلية ثم غادرها إلى مصر مع جملة من المهاجرين، وهناك اتصل بعدد من رجال الدولة ومدحهم منهم بنو الموقفي، وابن المدبّر واليازوري (نسبة إلى يازور من قرى فلسطين). فنون شعره كثيرة.
    عبد الجبار بن أبي بكر بن حمديس: ولد في سرقوسة على الساحل الشرقي من صقلية وفيها قضى شطراً من حياته، ثم انتقل إلى تونس في طريقه إلى الأندلس بعد هجرة العلماء من بلده. قصد المعتمد بن عبَّاد واستمر في رعايته إلى أن دالت دولة العباديين، فارتحل إلى إفريقية، وبقي في رعاية بني حمَّاد في بجاية إلى أن توفي سنة 527هـ. اشتهر بشعر الحنين، ووصف الطبيعة.
    النثر
    فنونه وخصائصه
    أنتجت صقلية نثراً خصباً يوازي نشاطها في الشعر، فقد نبغ فيها كتّاب، وسعوا أغراض النثر وفنونه، ووضع بعضهم مقامات كانت ذائعة مشهورة منها مقامات «الطوبي» التي بلغ فيها الغاية في الفصاحة.
    كما ألف بعضهم كتباً في تاريخ صقلية وأرخوا لرجال الفكر والعلم و الأدب.
    وظهر عدد من اللغويين والنحويين حاولوا الحفاظ على الفصحى، وتخليصها مما لحقها من تصحيف، ولاسيما في مرحلة التعايش بين العرب المسلمين والصقليين، فقد استمرت السيادة للغة العربية والثقافة العربية الإسلامية بعد أفول نجم السيادة العسكرية والسياسية نحو قرنين من الزمن.
    أعلام الكتّاب
    أبو عبد الله محمد بن الحسن الطوبي كاتب الإنشاء: كان له شعر في الغزل والزهد، لكن النثر غلب عليه. وصفه العماد الأصبهاني بقوله: «إمام البلغاء في زمانه».
    أبو حفص عمر بن حسن النحوي: كان إماماً من أئمة النحو، استشهد به وبآرائه ابن منظور (ت711هـ) صاحب معجم لسان العرب.
    ابن البر، محمد بن علي بن الحسن التميمي: من أعلام القرن الخامس، ولد في صقلية، وارتحل في طلب العلم إلى المشرق فنزل مصر وأفاد من الهروي (ت433هـ) وابن بابشاذ النحوي (ت454هـ) وصار إماماً في علوم اللغة والآداب. لما عاد إلى صقلية، استقر بمازر، ثم في بالرمو.
    أبو حفص عمر بن خلف، ابن مكي الصقلي المتوفى سنة 501هـ: ولد في صقلية، ثم هاجر إلى تونس فولي القضاء بها سنة 460هـ. كان شاعراً مجوّداً نظم في أدب المجالس والصداقة، وتغلب على أشعاره معاني الوعظ والإرشاد والحكمة. وكان كاتباً بليغاً اشتهر بتبحره في اللغة، صنّف «تثقيف اللسان وتلقيح الجنان»، وجعله في خمسين باباً، جمع فيه ما يصحف الناس من ألفاظهم وما يغلط فيه أهل الفقه والحديث، وأضاف أبواباً مستطرفة، ونتفاً مستملحة، وقد نقد المغنين لأنهم كانوا يحرصون على أداء النغم ويحرفون النص. ومقصد الكتاب في أعماقه رد اللغة العربية إلى الفصحى. وعدم إقرار المحلية، وقد كانت صقلية ملتقى شعوب، وليست وطناً لشعب.
    ويليه الثالث والعشرون: الأدب العربي في مالطا وكريت ورودس بأمر الله

  10. #90
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    اعتمدت في هذا الفصل على ما جاء في كتاب " الواسطة في معرفة أحوال مالطة" للشيخ أبي العباس الشدياق(رحمه الله) فقد صرف أربع عشرة سنة في هذه الجزيرة،فخبر حالها، وتطوف بأرجائها،وخالط سكانها، وأتقن لغة أهلها،وكذلك أفدت من نفائس تعليقات الأمير شكيب أرسلان على كلام أبي العباس وما نقله عن الانسكلوبيدية الاسلامية من كتابه تاريخ غزوات العرب.
    ورد في الانسكلوبيدية أنه :قد اختلف العلماء في أصل اللهجة المالطية،فزعم بعضهم أنها من أصل فينيقي،وذهب آخرون إلى أنها لهجة عربية،وهذا رأي الجمهور.فاللغة المالطية عربية تشابه في كثير من الألفاظ لهجات العرب الشرقيين،وفي كثير منها العرب المغاربة،وتكثر في لغة مالطة الامالة،كما يكثر أيضاً قلب الألف ياء، فيقولون "يينا" بدلا من أنا، ويقلبون القاف همزة،ويستعملون أحياناً نون الجمع المتكلم قبل المفرد، فيقولون مثلا: انا نقول له بدلا من نحن نقول له. وهذا نسق أهل المغرب. وتختلف اللهجات في نفس مالطة،بين المدينة والقرى،وبين مالطة وغوزو، ولا توجد الخاء والغاء في مدينة مالطة المسمات "فاليت"وإنما توجد في جزيرة غوزو. ولم يتم البحث حتى الآن عن اللهجات المالطية؛ حتى يعرف ما هو راجع منها إلى العربية الشرقية وما هو راجع إلى العربية الغربية.وقد أثرت الثقافة اللاتينية الايطالية في اللغة المالطية،ودخلت ألفاظ كثيرة منها في لغة مالطة. وجزم الأمير شكيب أرسلان وأحمد فارس بأن لغة مالطة عربية لا شبهة فيها.ويعلل الأمير ثبوت العربية في مالطة برغم انقراضها من صقلية وسردانية والأندلس وجنوبي فرنسة وجميع البلدان التي احتلها العرب من أوربة، لكون أصل لغة تلك الجزائر والبلدان لاتينيا،فلما تقلص ظل العرب عنها رجعت إليها لغتها الأصلية وانقرض العربي منها بالكلية. فأما مالطة فلغتها الأصلية لم تكن لاتينية بل كانت الفينيقية، وهي أخت العربية،فلما جاءتهم العربية بعد فتح الإسلام لمالطة كانت كأنها نزلت في وطنها، وثبتت فيها ثبوتا لم يزلزه خروج المسلمين من مالطة كما ذهبت العربية من البلدان الأخرى التي أهلها الأصليون لاتينيون ولغاتها الأصلية لاتينية.
    خصائص اللغة المالطية
    نقلنا آنفا ما ذكرته الانسكلوبيدية من اختصاص الكلام المالطي بالامالة والقلب في بعض الحروف، وهذا مزيد بيان لخصائص هذه اللغة: يخبرنا أحمد فارس أن في لغتهم امالة كثيرة، فهم يقولون للتفاح تفيح، وللرمان رمين، وللبطيخ بتيح بالحاء المهملة(قلت هي عندنا في المغرب بتيخ بالخاء المعجمة)،وللخيار حيار بالحاء المهملة أيضاً، وللاجاص لنجاص وللدلاع دليع، وللخبز حبس،وللخوخ حوح بالحائين المهملتين، ويقولون بس بمعنى حسب،ولكن يبدلون سينها زايا ويكسرون أولها. أما القلب فيقول أحمد فارس في إدخال أهل مالطة لفظة" تا" بين المضاف والمضاف إليه فيقولون مثلا (الرجل تالبيت) بعد أن رجح أنها منحوتة من متاع، قال: فإن أهل المغرب يدخلونها كثيرا في الاضافة ويبتدئون بالميم ساكنة على عادتهم من الابتداء بالساكن وتقصير اللفظ.ومما يؤيد هذا التوجيه أن المالطيين لا ينطقون بالعين إذا وقعت في آخر الكلمة فيقولون مثلا تلا وقلا في طلع وقلع. قال: وقلب العين ألفا أو همزة هو من أساليب العرب،كما في تفصى وتفصع،وأقنى وأقنع،والشمى والشمع،وتكأكأ وتكعكع،وزقاء الديك وزعاقه،وزأزأ وزعزع،وبدأ وبدع،والخباء والخباع وغيرها،حتى إنهم قلبوها متوسطة كما في تأرض وتعرض ودأم الحائط ودعمه.اه قال الأمير معلقا على هذا الكلام:إن الهمزة والعين من مخرج واحد فلا عجب أن تأتي ألفاظ بالهمزة وبالعين ومعناها واحد. ثم ذكر أحمد فارس أنهم يبدلون الهاء حاء وقال : وابدال الهاء حاء لغة من لغات العرب،قالوا المليه والمليح،والمده والمدح،وتاه وتاح، إلى آخره.انتهى قلت: ويجوز أن يكون هذا الابدال لكنة في لسانهم وهو أشبه بهم،واللكنة هي إدخال بعض حروف العجم في بعض حروف العرب، وعدوا منها إبدال الهاء حاء، والعين همزة.وقد كانت في لسان عبيد الله بن زياد وصهيب الرومي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.فمما يذكرونه من الأخبار مما يجمع هذه وتلك ما أورده الجاحظ في البيان والتبيين من خبر فيل مولى زياد قال: أهدي إلى فيل مولى زياد حمار وحش، فقال لزياد: أهدوا لنا همار وهش، قال: أي شيء تقول ويلك؟ قال: أهدوا إلينا أيرا-يريد عيرا- قال زياد الثاني شر من الأول.والله أعلم أما أهل غورش كما يقول أحمد فارس فينطقون بالأحرف الحلقية على حقها إلا أنهم يكسرون ما قبل الواو الساكن فيقولون،مكسِور ومفتِوح، ويضمون ما قبل الألف نحو قُاعد وهلم جرا،ويقولون منكِم وعليكِم بكسر الكاف،وهي لغة ربيعة وقوم من كلب كما في المزهر ويسمى الوكم. وذكر من تعبيراتهم في كلامهم أنهم يعبرون عن الدخول في الفعل بلفظة((سائر)) قال وهي نظير قول أهل الشام ومصر ((رايح)) فإذا قال المالطي: أنا ساير نسافر فهي كقول الشامي أو المصري: أنا رايح أسافر.انتهى قلت: وعندنا في البلاد المغربية ساير بنفس المعنى وبعض المغاربة يستعمل غادي بدلا من ساير،فيقول : غادي نسافر، من الغدو وهو السير أول النهار، وعند إخواننا المشارقة رايح من الرواح وهو نقيض الغدو أي السير بالعشي. قال الأمير: يظهر أن ساير هذه كانت مستعملة في المغرب وقد نحتوها فبقي منها سين مفتوحة، فيقولون عن شخص مثلا هو في حال الأكل سيأكل. وأحيانا يقلبونها تاء فيقولون تيأكل، ويقولون في المغرب في مثل هذه الحالة كيأكل.وأظن الكاف هنا منحوتة من((كائن)) وذلك كما ينحت أهل الشام لفظة ((عمال)) فبدلا من أن يقول هو عمال يأكل تجده يقول ((عمياكل)) وفي بعض جهات من شمالي لبنان يقلبون الميم نونا فيقولون (( عنياكل)).
    المجاز في لغة مالطة
    قال أحمد فارس: إنه لا ينكر أن كثيرا من الكلام العربي الذي بقي في مالطة مستعمل بطريقة المجاز، إما بذكر اللازم وإرادة الملزوم، وإما بتخصيص العام وتعميم الخاص، كقولهم مثلا (وحلت) للوقوع في الأمر الصعب(قلت:وكذلك استعمالها عند أهل المغرب ويلفظونها بتسكين الواو وفتح الحاء المهملة)،وأصله الوقوع في الوحل خاصة،ونحو(الطلاب) للمتكفف وهو اسم فاعل للمبالغة من الطلب-( قلت: وهو عند المغاربة أيضاً بمعنى). ونحو(مغلوب) للنحيف وهو اسم مفعول من غلب وهو لازم له غالبا،وفتيت أي قليل وهو من فتت الشيء إذا كسرته وصغرت جرمه.انتهى
    == ما بقي عند أهل مالطة من الفصيح ==: قال أحمد فارس: ومما بقي عندهم من فصيح العربية قولهم دار نادية ، وحقها دار ندية، ولكنها أفصح من قول أهل مصر والشام دار ناطية.ويقولون للدابة قابلة،ويقولون للرهان مخاطرة، وللعلية غرفة.ويقولون عن لي بمعنى بدا لي، وتجالدوا وهو أفصح من تعاركوا، وزفن أي رقص،وبوقال وهي أفصح من قول أهل الشام شربة أو نعارة.ومن فصيح كلامهم يماري أي لا يقنع بالحق،ويشرق بالماء،ويستقصي،وفرصاد للتوت،وسفود،وأهل الشام يقولون سيخ وشيش.ويقولون تقزز أي تباعد من الأدناس،وعسلوج للقضيب،وجلوز للبندق الذي يؤكل. قال: ولكن هذه الألفاظ كلها مستعملة في الغرب وبهذا يترجح أن أصل المالطيين من المغاربة.ولكنه في محل آخر قال:إنه لا شك في كون اللغة المالطية عربية ولكني لست أدري أصل هذا الفرع أشامي هو أم مغربي، فإن فيها عبارات من كلتا الجهتين والغالب عليها الثانية، غير أن الألفاظ الدينية من الأولى فيقولون مثلا القداس والقديس والأسقف مما لا يفهمه أهل المغرب.انتهى قال الأمير :إن في المالطية ألفاظا واصطلاحات شامية، وقد ورد هذا الرأي في الانسكلوبيدية الافرنسية، ولكن الألفاظ المغربية هي بدون شك أكثر.اه ثم قال أحمد فارس: إن بقاء العربية في مالطة ولو محرفة مع عدم تقييدها في الكتب دليل على مالها من القوة والتمكن عند من تصل إليهم من الأجيال،ألا ترى أن مالطة قد تعاقبت عليها دول متعددة ودوا لو يحملون أهلها على التكلم بلغاتهم فلم يتهيأ لهم وبقوا محافظين على ما عندهم خلفا بعد خلف،وهؤلاء الانكليز يزعمون أن لغتهم ستكون أعم اللغات وما تهيأ لهم أن يعمموها عند المالطيين.ويقال أن الذي تحصل عند أهل مالطة من العربية مما هو مأنوس الاستعمال وغير مأنوسه يبلغ عشرة آلاف كلمة.انتهى
    الكتابة والحروف
    جاء في الانسكلوبيدية: لم يكن للمالطيين حروف يكتبون بها إلى أن قام في القرن الثامن رجل يقال له(( آجيوس سلدانيس)) فاعتنى بالبحث عن لغة بلده.ومن ذلك الوقت أخذوا يكتبون لغتهم، واستعملوا الحروف العربية.ثم نهضة عصبة من المالطيين اسمها(( عقدة تالكتيبة تالملطي)) أي عصبة الكتاب المالطية ونشرت كتاباً في نحو اللغة المالطية سمته(( تعريف الكتبة المالطية)) وذلك في سنة 1924 وجاء في مقدمة هذا الكتاب ذكر أنواع الكتابة المالطية.ثم إن هذه العصبة نشرت مجلة اسمها المالطي في سنة 1925،وكان غرضها الأصلي إحياء اللغة المالطية العربية أوما تعبر عنه بالمالطي الصافي. ومنذ سنة 1850 أخذت مسألة اللغة المالطية شكلا أساسيا.وذلك أن الانكليز أحبوا أن يعززوا اللغة المالطية العربية،لعدم رغبتهم في نشر اللغة الايطالية التي هي لغة الطبقة المثقفة ولغة رجال الكنيسة في مالطة.ثم ذكر أحمد فارس: أن أهل مالطة رغما من كون لغتهم فرعا عن العربية فليس منهم من يحسن قراءتها والتكلم بها، وأن هناك دار كتب موقوفة فيها ثلاثة وثلاثون ألف سفر، وليس فيها من الكتب العربية ما تحته طائل.
    من ينسب إلى مالطة من العلماء والأدباء المسلمين
    يقول أحمد فارس:والظاهر أن المسلمين الذين فتحوا مالطة لم يكونوا من أهل العلم والتمدن، كالذين في صقلية وغيرها،فإني لم أجد قط فيما قرأت من كتب الأدب والتواريخ قال المالطي.والسيوطي رحمه الله لم يغادر في كتاب الأنساب الذي سماه (( لب اللباب)) أحداً من أهل العلم إلا ذكره ما خلا المنسوب إلى مالطة" قلت:وجدت منهم ابن السمنطي الشاعر المالطي قال عنه القزويني في آثار العباد : كان آية في نظم الشعر على البديهة. قال أبو القاسم بن رمضان: اتخذ بعض المهندسين بمالطة لملكها صورة تعرف بها أوقات ساعات النهار،وكانت ترمي بنادق على الصناج،فقلت لعبد الله بن السمنطي:اجز هذا المصراع: جارية ترمي الصنج فقال : بها القلوب تبتهج كأن من أحكمها إلى السماء قد عرج فطالع الأفلاك عن سر الـبروج والدرج ومنهم : عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن السوسي ،ذكره العماد الأصبهاني في خريدة( القصر وجريدة العصر) فقال: مالطة مسقط رأسه،ومربط ناسه،ومغبط كأسه،وبها تهذب،وقرأ على أبيه الأدب،ثم سكن بلرم واتخذها دارا،ووجد بها قرارا، ونيف على السبعين،ومتع ببنين،وله شعر صحيح المعنى،قويم المبنى، لذيذ المجنى،وذكر أنه أنشده لنفسه قبل وفاته بأيام قلائل،مرثية في بعض رؤساء المسلمين بصقلية تدل على ما حواه من فضائل، وهي قصيدة طويلة أولها: ركاب المعالي بالأسى رحله حطا وطود العلى العالي تهدم وانحطا ومنهم: الشاعر عبد الرحمن بن رمضان المالطي ويعرف بالقاضي وليس له في علوم الشريعة يد ذكره أيضاً العماد الأصبهاني في خريدة القصر فقال عنه: ومعظم شعره في مدح رجار الافرنجي المستولي على صقلية يسأله العودة إلى مدينة مالطة،ولا يحصل منه إلا على المغالطة له، وقد احتجب عنه بعض الرؤساء:
    تاه الذي زرتـه ولاذا عني
    ولم يخف ذا و لا ذا
    وكان من قبل إن رآني
    يبسط لي سندسا و لاذا
    فصار كلي عليه كلا
    يا ليتني مت قـبل هذا
    وقال في ذم إخوان الزمان:
    إخوان دهرك فالقهم مثل العدا بسلاحكـا
    لا تغترر بتبســم فالسيف يقتل ضاحكا

    كتابات عربية على القبور الإسلامية في مالطة
    هذا وقد ترك المسلمون بمالطة آتارهم من مسكوكات وكتابات لا سيما كتابات على القبور،فأحببت أن أنقل بعض تلك الكتابات التي وجدت على القبور الاسلامية في مالطة والتي نقلها الأمير شكيب أرسلان في كتابه تاريخ غزوات العرب عن رسالة للمستشرق الايطالي (( ايطوري روسي)) الذي يعد كما يقول الأمير من أعلم المستشرقين بأحوال مالطة إن لم يكن أعلمهم وهو الذي حرر الفصل المختص بمالطة في الانسكلوبيدية الاسلامية ،وقد نشرت تلك الكتابات في الرسالة المذكورة مصورة بالفوتوغرافية. وهذه بعض نصوص تلك الكتابات التي وجدت على القبور الاسلامية أنقلها كما جاءت في كتاب غزوات العرب وأشهرها المسماة (ميمونة) رحمها الله وسائر المسلمين: بسم الله الرحمن / الرحيم وصلى الله/ على النبي محمد وعلى/آله وسلم تسليما لله/العزة والبقا وعلى خلقه كتب الفنا ولكم في رسول الله أسوة حسنة هذا قبر/ميمونة بنت حسان بن علي الهذلي عرف ابن السوسي/توفيت رحمة الله عليها يوم الخميس السادس عشر من شهر شعبان الكائن من سنة تسع وستين وخمسمائة/وهي تشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له
    انظر بعينيك هل في الأرض من باقي
    أو دافع الموت أو للموت من راقي
    الموت أخرجني قصـرا فيا أسـفي
    لم ينـجني منه أبــوابي وأغلاقي
    وصرت رهنا بما قدمت من عمـل
    محصا علي وما خلفـته باقـــي
    يامن رأى الــقبر إني قد بليت به
    والترب غبر أجفـاني والمآقـي
    في مضجعي ومقامي في البلا
    عـبر وفي نشوري إذا ما جئت خلاقـي
    أخي فجد وتب بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم (... توفي...يوم الأربعا ودخل قبره يوم الخميس من العشر الأو(... الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ادعو ربكم تضرعا وخيفة إنه لا يحب المع(...) محمد وآله وسلم تسليما إن ربكم الله ...)م ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إلا له(؟)
    ونختم هذا البحث بأبيات من شعر المالطيين:
    المحبوب تا قلبي سافـر ليلي ونهاري نبكيــح
    جعلتلو بدموعي البحر وبالتنهيدات تا قلبي الريح
    أي ليلي ونهاري نبكيه.

    ويليه الرابع والعشرون
    التعديل الأخير تم بواسطة م مخلد بن زيد بن حمدان ; 06-12-2015 الساعة 11:50 AM

  11. #91
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس الرابع والعشرون..
    الأدب العربي في العصر الحديث..وأبرز ما استجد في الأدب فن الصحافة، فن المسرح، شعر المهجر، فن النصّ المدبلج..وغير ذلك كثير..
    الأدب العربي في العصر الحديث حتى مستهل القرن التاسع عشر كانت الحياة العربية بمجملها تخضع لركود شامل في ظل سيطرة الدولة العثمانية على أقطار الوطن العربي، سواء أكانت تلك السيطرة قوية مباشرة كما في بلاد الشام والعراق ومصر، أم ضعيفة أو إسمية كما في أقطار المغرب العربي وبلدان شبه الجزيرة العربية.
    وكان الأدب العربي، بصفته أحد أنماط تعبيرات تلك الحياة الراكدة عن ذاتها، خامد الجذوة ويكاد يقتصر على ترديد ما تخلف عما اصطلح على تسميته في تاريخ الأدب العربي باسم: أدب عصر الانحطاط، أو أدب الدول المتتابعة.
    قبيل ابتداء القرن التاسع عشر أخذ الاصطدام العنيف بالغرب يهز ذلك الركود المتوارث هزاً شديداً. فقد جاء ذلك الاصطدام غزوات عسكرية تواصلت حتى ما بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وأسفرت عن استعمار مباشر لسائر أجزاء الوطن العربي باستثناء شمالي اليمن وأواسط شبه الجزيرة العربية. واستمر هذا الاحتلال حتى نهاية الحرب العالمية الثانية على وجه التقريب، كما تواصل في بعض الأقطار - كالجزائر - حتى منتصف عقد الستينات من القرن العشرين. أما في فلسطين فقد أقيمت دولة استيطانية ليهود العالم (دولة إسرائيل) الأمر الذي ترك نتائج مأساوية كبيرة ومباشرة على عرب فلسطين، ونتائج شبه مباشرة على بقية العرب في مختلف أقطارهم كانت شدتها متفاوتة بهذا القدر أو ذاك، بحسب قرب كل قطر أو بعده عن حدود تلك الدولة الاستيطانية.
    ومع انتهاء الاحتلالات، وحصول الاستقلالات، كان نمط جديد من الاستعمار الاقتصادي العالمي يتولد من طبيعة عمل الرأسمالية العالمية وتطوراتها، ويترك آثاراً سلبية عميقة في نمو سائر المستعمرات السابقة، وخاصة في نمو أقطار الوطن العربي الغنية بمصادر الطاقة والفريدة في موقعها الاستراتيجي في قلب العالم الذي أخذت تتكاثر فيه القوى الكبرى المتصارعة اقتصادياً وأيديولوجياً. وكل ذلك قد ترك - ولا يزال يترك - آثاره في سيرورات الحياة في المجتمعات العربية، فتنعكس في الأدب شكلاً ومضموناً.[2]
    إن ابتداء اصطدام العرب بالغرب، وما أحدثه من ارتجاج قوي على سطح الحياة العربية الراكدة في أعماقها، لم يسفر عن شعور عربي عام بالعجز وعن استثارة لمقاومة النتائج العسكرية للغزو المتوالي وحسب، بل هو أيضاً قد طرح على العرب مشكلة خمود طاقات الإبداع وتجلياته لديهم، كما طرح عليهم إشكالية اللحاق بركب التقدم العالمي تأسيساً على موروثهم الحضاري من جهة، وفي ظل الاستعمار ذاته من جهة أخرى. فالغزو لم يكن وقع آلة عسكرية وحسب بل كان يحمل معه أيضاً مفهومات النظام الحضاري الذي أنجز الآلة، والقيم البرغماتية لذلك النظام والمتضاربة جذرياً مع القيم العربية الإسلامية السائدة آنذاك، مثلما كان يحمل معه أدوات عمل، وأساليب تصرف، ونهج سلوك، ووسائل ترفيه فني، وكلها غير مألوفة.
    واختصاراً كان وراء آلة الحرب الغازية ومعها كل ما تمخض عنه التكوين البنيوي الحضاري الغربي من معطيات غير مألوفة ولا معروفة، وحتى غير مقبولة، لدى العرب في حينها.
    وإذا كانت غزوة نابليون لمصر في نهاية القرن الثامن عشر تعد افتتاحاً ومدخلاً لعدم اصطدام العرب بالغرب اصطداماً قوياً فعالاً فإنه من المفيد ذكر أنه كانت هناك احتكاكات غير صدامية تمثلت في قدوم إرساليات دينية (كاثوليكية - بروتستنتية - أرثوذكسية) إلى لبنان بوجه خاص، قبل غزو نابليون لمصر بأوقات متفاوتة، ولكنها لن تبرز على أنها قوى مؤثرة في تطورات الوضع العربي: الأدبي منه والفكري على وجه الخصوص، إلا في القرن التاسع عشر.
    ولا بد هنا من عرض صورة إجمالية للوضع العربي في ظل الحكم التركي للإحاطة بأجزاء صورته المتكاملة وتبين حقيقة الفواعل التي ستؤثر في التاريخ الأدبي المعاصر في القرنين التاسع عشر والعشرين كما ستؤثر في تطورات أشكاله الفنية ومضموناته.
    لقد أشير قبلاً إلى التفاوت في علاقة الأقطار العربية بالسلطنة العثمانية تبعاً لقربها أو بعدها عن إسطنبول (عاصمة السلطنة) ففي حين كانت أقطار المغرب العربي وكثير من أقطار شبه الجزيرة العربية لا تخضع إلا لسلطة إسمية للعثمانيين، إذ كان لكل من هذه الأقطار حاكم شبه مستقل ينتقل الحكم في ذريته بالوراثة، فإن مصر والسودان (وادي النيل) عرفتا تقسيماً للسلطة بين الولاة الأتراك (الباشاوات) وبين المماليك (البكوات) وغالباً ما كانت كفة ميزان النفوذ تميل لصالح هؤلاء إزاء كفة أولئك.
    أما في بلاد الشام والعراق حيث كانت قبضة السلطة محكمة ومرهقة، فقد اعتمد نظام التقسيم إلى ولايات، ونظراً إلى ما كانت تعانيه السلطة من انحطاط عام، وإداري خاصة، فقد عمدت دائماً إلى تعيين ولاة همهم جباية المال إضافة إلى كونهم متنافسين متنابذين، وهو الأمر الذي جر الكوارث على الرعية، إذ عمت الفوضى، وانتشر الفساد، واختل الأمن اختلالاً مفزعاً، وكثرت المجاعات والأوبئة، وأثيرت الفتن الطائفية والحروب الأهلية. فتدهورت الأوضاع الاجتماعية بعد أن تحولت خطوط التجارة بين اوروپا والشرق عن المنطقة لتسلك طريق رأس الرجاء الصالح.
    وبسبب من هذه الأوضاع المختلة إجمالاً تمكنت الدول الأوربية العظمى آنذاك (إنگلترة - فرنسا - روسيا) من إيفاد إرسالياتها الدينية التي عمدت إلى إنشاء مدارسها الخاصة أول بأول.
    وفي لبنان تمكن الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير (أواخر القرن السادس عشر) من أن يشيع، لوقت قصير، جواً من التحرر. وقد أسهم ذلك في تقبل نشاط الإرساليات الذي هيأ للتفاعل لاحقاً مع ما سوف يفد من فكر غربي مع الغزوات الاستعمارية المقبلة.
    وفي فلسطين أثر ظهور الوالي الشيخ ظاهر العمر في ازدهار الحياة الاقتصادية ازدهاراً نسبياً، وكان أحد الزعماء المحليين في اليمن (مستهل القرن السابع عشر) قد تمكن من طرد الوالي التركي وإقامة حكم وطني دام وقتاً غير قصير. وإذا كان العثمانيون قد تمكنوا من استعادة شيء من نفوذهم على اليمن بعد ذلك فقد كان نفوذاً قلقاً ومكلفاً غير مستقر.
    وفي أواسط القرن الثامن عشر ظهرت في قلب الجزيرة العربية (نجد خصوصاً) حركة إصلاح ديني قادها محمد بن عبد الوهاب (1703-1792م)، ورمت إلى تطهير العقيدة مما لحق بها من بدع وعرفت باسم الحركة الوهابية. وبتحالف أتباعها من أمراء نجد من آل سعود تمكنت هذه الحركة من توسيع نفوذها بعيداً.
    وكان الإنگليز والبرتغاليون - والهولنديون إلى حد ما - يتنازعون السيادة على الشواطئ الجنوبية والشرقية لشبه الجزيرة، فتمكن الإنگليز من الفوز أخيراً بهذه السيادة.
    تلك هي السمات الإجمالية لصورة الوضع العربي في ظل السلطنة العثمانية حتى مستهل القرن التاسع عشر. ولا ينتظر، في مثل هذه الأوضاع، أن تزدهر حركة فكرية أو نشاط أدبي، وعليه فقد كان النتاج الثقافي مقتصراً على التحشية والتلخيص والتفسير والجمع، وطغت الشكلية واللفظية طغياناً صارماً على الأدب خاصة.
    غير أنه، تحت سطح هذه الصورة التي تبدو في غاية الخمود، كان هناك تململ واضح ورغبة في الإصلاح تذكيها مقارنة الواقع بالماضي، وتحرضها - إلى هذه الدرجة أو تلك - مجموعة التفاعلات المتقطعة مع طوالع الفكر الغربي التي حملتها مؤسساته التجارية والدينية، وقواها كون الوطن العربي معبراً لخطوط المواصلات والتبادل التجاري بين الشرق والغرب، قبل اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح.
    وقد كان لمجموع ما ترافق مع غزوة نابليون لمصر - أو حملته عليها - آثار لا تنكر في إذكاء نزعة الاستقلال وروح النهضة. غير أنه لا يمكن للمرء أن يقر بالمبالغات التي نسبت إلى تلك الحملة والتي يجعلها كثير من المؤرخين سبباً وحيداً أساسياً لجملة التحولات التي ستحدث في الواقع العربي لاحقاً، بل لابد من رؤية ما ترتب على تلك الحملة في حدوده الموضوعية، بصفتها رجة كبرى في سياق تاريخي محلي وعالمي معقد ومتشابك ومركب.
    لقد حمل نابليون معه مطبعة عربية كان قد استولى عليها من الفاتيكان، ولكنه خصصها في المدة القصيرة التي استغرقتها الغزوة (سنتين وبضعة أشهر) لطبع ما كان يهمه من منشورات دعائية. وقد أنشأ ما أسماه مجمعاً علمياً، ومكتبة للمطالعة، ومسرحاً للترفيه عن جنوده، كما شق بعض الطرق. وهو ما يظهر مفصلاً في تاريخ الجبرتي، إلا أن الحملة واجهت عداء داخلياً وخارجياً قوياً، وشبت في وجهها ثلاث ثورات، وذلك ما منع استقرارها فانتهى بها الأمر إلى الجلاء عن مصر بعد هزيمة جيش نابليون أمام أسوار عكا، وتحطم أسطوله في أبي قير.
    ويتبع..الدرس الخامس والعشرون..بامر الله سبحانه

  12. #92

    افتراضي

    صرت مثلكم اتابع دروس الادب العربي انها عجائب الادب فيها والغريب ان الادب العربي له سبق في شتى الفنون والغريب كذلك المعلومات التي برزت في هذه الصفحات والاغرب ان المسلمين كانوا فتحوا الجزر في البحر المتوسط وهذه اول مره اعرف فيها هذه المعلومات فلم ندرسها في التاريخ لماذا لا اعرف.
    الله يجزاكم الخير
    التعديل الأخير تم بواسطة م مخلد بن زيد بن حمدان ; 09-12-2015 الساعة 01:39 PM

  13. #93
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس الخامس والعشرون
    إن عرب مصر قد اطلعوا - بوساطة تلك الحملة - على المسرح والمطبعة والصحافة، وتعرفوا شيئاً من أهميتها وضرورتها، فتحرض الاهتمام بها، وهو ما ساعد لاحقاً على سرعة نشوئها في مصر، غير أنه ما كان لتلك «البذور النهضوية» أن تنمو إلا بوجود التربة الصالحة، فالحملة إذاً أسهمت في بزوغ النهضة، لكنها لم تكن إلا واحداً من أسبابها الرئيسة ليس أكثر.
    وفي تلك الغزوة أو الحملة تم اكتشاف حجر رشيد، ثم استطاع مكتشفه العالم جان فرانسوا شامپليون Champollion حل رموز الخط الهيروغليفي فانكشفت حقائق تاريخية حضارية عريقة كانت مجهولة، الأمر الذي أوجد دافعاً إضافياً للعرب المصريين كي يتعجلوا ابتداء النهضة والخروج من حال الخمود السابق. كما أن العلماء المرافقين للحملة - وعددهم يزيد على أربعين - قاموا بتأليف كتاب من عشرة مجلدات، بالفرنسية، سموه، وصف مصر Description de l'Egypte صار فيما بعد عوناً للباحثين في تحري أوضاع ذلك القطر العربي من جوانبها المختلفة زمن الحملة.
    ولعل أهم ما انجلت عنه الحملة هو أنها كانت سبباً في ظهور محمد علي، ذلك الضابط الألباني الطموح الذي قدم ليشارك في إخراج الفرنسيين من مصر، فلمع نجمه وانتهى به الأمر إلى أن ولاه الباب العالي (السلطان العثماني) عليها. ومع أنه لم يكن متعلماً فقد ظهر أنه كان يدرك جيداً فضل العلم في نهضات الأمم. فشجع العلماء وأرسل البعوث إلى فرنسا فكان من رجالها أوائل بناة النهضة الفكرية والثقافية في مصر. واستعان كذلك بضباط من فرنسة وغيرها لتدريب الجيش الحديث الذي أنشأه ولتنظيم مؤسساته. وفي الوقت ذاته أنشأ المدارس التي تعلم العلوم الحديثة وتعنى بترجمة كتبها، وأسس أول جريدة في الوطن العربي صدر بعضها باللغة العربية.
    ولعل أهم خلفائه هو الخديوي إسماعيل (1863-1879) الذي أنشأ مدارس للبنات، وأسس المكتبة الخديوية (دار الكتب المصرية اليوم)، وقامت في عهده بعض الكليات الأمريكية في القاهرة والصعيد مثلما انتهى حفر قناة السويس (1859-1869) وتم افتتاحها، فاستعاد الوطن العربي مركزه ممراً لطرق التجارة العالمية بين آسيا وأوربة، بما لذلك من منعكسات مهمة على سيرورات التفاعل الثقافي العربي مع ثقافات القارتين المذكورتين.
    أما الحملتان المصريتان على بلاد الشام (1831-1833 و1839-1840) فقد أشاعتا فيها جواً شجع علم الإرساليات فزاد بذلك من تفاعل أبنائها مع الفكر والثقافة الغربيين، إذ أسست تلك الإرساليات عدداً من المدارس واستجلبت مطابع لايزال بعضها يعمل حتى الآن.
    وقد سبقت هاتين الحملتين حملة أخرى على شبه الجزيرة العربية (1812-1819) منيت بالإخفاق لكنها تركت شعوراً - ولو غائماً - بأهمية وحدة العرب وكما نبهت الأذهان إلى ما كانت تظهر بوادره من نهضة ثقافية في مصر.
    وقد ضم محمد السودان إلى مصر محققاً وحدة وادي النيل، وذلك بين عامي 1821-1823. لكن الإنگليز قاموا باحتلال السودان بعد ذلك فواجهتهم ثورات أهمها ثورة المهدي (1881-1885)، وانتهى أمر السودان إلى ما سمي السودان المصري الإنگليزي في 1898 وكانت السلطة الفعلية فيه للإنگليز، ثم أصبحت مصر نفسها تحت الحماية البريطانية، وعلى أي حال فإن محاولات محمد علي لضم الأقطار العربية في دولة واحدة قد أيقظت حساً قومياً عربياً شعبياً. وهو ما سيظهر أثره بقوة.
    ومع أن ليبيا ضمت إلى السلطة العثمانية عام 1556، فقد ظلت تتمتع باستقلال ذاتي، وخاصة في عهد الأسرة القرمنلية (1724-1853)، أما أقطار المغرب العربي الأخرى فلم تتبع السلطنة إلا إسمياً، واستقلت تونس عنها عام 1790 استقلالاً تاماً، وظلت الجزائر على تبعيتها الإسمية لاصطنبول منذ أن احتلتها عام 1518، أما سلطنة مراكش (المملكة المغربية اليوم) فلم تخضع للسيادة العثمانية مطلقاً. وفي عام 1830 احتلت فرنسة الجزائر، ثم تونس عام 1881، واحتلت إسبانيا أجزاء من مراكش (سبتة ومليلة ومنطقة الريف) ثم احتلت فرنسا مراكش بأكملها بين العامين 1901-1904 وتخلت عن بعض أجزائها لإسبانيا عام 1912.
    وإذا كان الخمود الثقافي في أقطار الشمال الإفريقي موازياً لنظيره في بقية أرجاء الوطن العربي فإن الاحتلال الفرنسي لأقطار المغرب قد خلق وضعاً ثقافياً متناقضاً ولاسيما في الجزائر التي ضمتها فرنسة إليها وأعلنت أنها جزء منها وفرضت عليها لغتها حتى الاستقلال عام 1962، فذلك الاحتلال قد ولد اعتصاماًَ أشد بالثقافة الإسلامية التقليدية السائدة من جهة، ومن جهة أخرى فتح الأذهان هناك على ثقافة الغرب وفكره. لكن آثار ذلك سوف تتأخر في الظهور، وهذا ماجعل بواكير النهضة وتطوراتها خلال القرن التاسع عشر وقسم غير قليل من القرن العشرين تكاد تنحصر في مصر وبلاد الشام ثم العراق إلى حد ما.
    وما يمكن أن يخلص إليه في هذا التقديم هو أن تلك النهضة يجب أن ينظر إليها في سياق فعالية النمط الحضاري الغربي وحركته الاستعمارية، وعد هذه النهضة محاولة للرد على تحديات حركة هذا النظام لوجود الأمة العربية من موقع الصراع معه من أجل البقاء والتقدم. إن ثمة منظومتين ثقافيتين تتفاعلان في إطار تناقضاتهما المفهومية والقيمية: الثقافة العربية الإسلامية، والثقافة الغربية الرأسمالية الاستعمارية. وفي الظروف السائدة حتى اليوم فإن الثانية هي المهيمنة، أما الأولى فمتعثرة الخطا وتابعة من منظور علاقات أصحابها بالغرب.
    وهناك أخيراً أمراً لابد من الإشارة إليه لأنه يتضمن في النهاية إشكالية ذات صلة بالمصطلح الذي تندرج تحته مادة هذا البحث. فمصطلح العصر الحديث هنا يوحي بإشارة ضمنية إلى فكرة الحداثة Modernisme من حيث كونها تملأ هذا العصر بمعطياتها على سائر الصعد. وتعد «الحداثة» في منظور الفكر الأوربي - وهو مصدر هذا المصطلح - حالاً من القطيعة المعرفية الشاملة: فلسفياً وعلمياً واعتقادياً.. وحالاً من القطيعة الشاملة في التقنية والاقتصاد والبنى والعلاقات الاجتماعية.. بين ما أنجزته أوربة منذ ابتداء نهضتها حتى اليوم وما سبق ذلك في العصر الأوسط وفق تقسيمات التاريخ الغربي حسبما صنفها الفيلسوف الألماني هيگل Hegel.
    ولما كان العصر العربي الحديث»- أي القرنان التاسع عشر والعشرون - لا يتضمن شيئاً من تلك القطيعة الأوربية المركبة، ولما كانت التبعية هي سمته الكلية، ولما كان الأدب العربي فيه متأثراً بالضرورة بهذا الوضع التاريخي الحضاري الإجمالي التابع: سواء من حيث تاريخية إنتاجه أو من حيث أنماطه الفنية، ولدلالاته الفكرية والنفسية، وأساليب إنشائه خطاب محملاً بروح هذا العصر. فإن معنى الحداثة هنا لا يشير إلى تعبيرات فنية مؤصلة على تغيرات نهضوية جذرية متواصلة في الواقع المعاش، بل هي تشير إلى تزامنات فنية عارضة - إذا صح التعبير - لواقع يضطرب ويتماوج فيه خليط من مورثات مراحل الحضارة العربية إبان ازدهارها، لكنه خليط مأخوذ بصورة انتقائية، وخليط آخر من تناثرات ما يصل من علوم الغرب وفلسفاته وفكره وأدبه.. فيصطدم الخليطان ويتقاطعان عند حدين من رغبات العرب المتناقضة: رغبات تمسكهم بموروثهم، ورغبات لحاقهم بالغرب المهيمن عموماً.
    إن هذه الإشكالية قد تركت ولا تزال تترك آثارها بقوة في الأدب العربي المعاصر. وهي إشكالية يجب أخذها دائماً بالحسبان عندما يوصف هذا الأدب وزمنه «بالحداثة». إذ بها - بوصفها تعبيراً عن انعدام القطيعة وعن التبعية السابقتي الذكر - ترتبط مختلف المصطلحات ذات الصلة بما هو معالج في هذه المادة.
    وبمراعاة هذه الإشكالية يمكن القول: إن ثمة يقظة عربية عامة قد ابتدأت، نشطة، في مصر في زمن حكم محمد علي باشا، فلقيت تجاوباً سريعاً نسبياً في بلاد الشام. وأخذت القوى الكامنة في الأمة تتيقظ بفعل مختلف البواعث التي سبق ذكرها. فتسارع إنشاء المدارس الوطنية، وتوالى صدور المجلات والصحف وتأسيس المطابع، وتزايدت ترجمات الكتب العلمية والأدبية الأجنبية إلى اللغة العربية، ونشر كثير من كتب التراث، وتألفت الجمعيات والنوادي الأدبية، وأنشئت المكتبات العامة والمسارح ومجامع اللغة العربية.. كما تزايد إنشاء الجامعات ومعاهد البحث ومؤسساته المختلفة إضافة إلى المراكز الثقافية وسائر مؤسسات «وسائل الاتصال الجماهيري» من إذاعات ومحطات بث تلفزيوني. ولا يكاد قطر عربي يخلو اليوم من وزارة للثقافة.. وكل ذلك يساعد بصورة مباشرة أو غير مباشرة في ارتقاء الإنتاج الأدبي العربي المعاصر وتعميم إيصاله إلى جماهير المثقفين والمتعلمين بمختلف السبل والوسائل المعتمدة في بقية أنحاء العالم.
    ويتبع الدرس السادس والعشرون..وفيه بواعث النهضة الأدبية

  14. #94
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس السادس والعشرون
    بواعث النهضة الأدبية في العصر الحديث
    البعثات العلمية
    المقالة الرئيسية: البعثات العلمية في عصر محمد علي
    رفاعة الطهطاوي (1801-1873م).
    يأتي هذا الباعث في المقدمة. وقد بدأت فاعليته بعد انتشار الثقافتين الفرنسية والإنگليزية في المدارس والمعاهد التي أنشئت في الشام ومصر وتخرج فيها المعلمون الذين بعث بعضهم إلى فرنسا لإتمام تحصيلهم في مختلف العلوم. وكانت أولى البعثات عام 1826 في عهد محمد علي باشا، إذ اختير أربعة وأربعون طالباً من طلبة الأزهر، رأسهم رجل النهضة الكبير رفاعة الطهطاوي (1801-1873م). وقد عمل هؤلاء المبعوثون بعد عودتهم، وكل في نطاق اختصاصه، في ميداني الترجمة والتعليم. ثم توالت البعثات فيما بعد، فشملت عدداً من البلدان الأمريكية والأوربية.
    الترجمة
    كان لترجمة الكتب الفرنسية والإنگليزية إلى العربية أثر كبير في النهضة الأدبية. وقد بدأت حركة الترجمة في بلاد الشام على يد بعض رجال البعثات الدينية، إذ ترجم هؤلاء بعض الكتب التي احتاجوا إليها في التدريس. لكن حركة الترجمة لم تقو وتتنوع إلا بعد عودة رجال البعثة المصرية الأولى الذين بدؤوا بترجمة بعض الكتب العلمية. ويعود الفضل الأكبر في تنشيط هذه الحركة إلى الطهطاوي الذي أنشأ «مدرسة الألسن» عام 1835. وقد عنيت هذه المدرسة بتعليم اللغات الأجنبية المختلفة، وترجم خريجوها مئات الكتب والقصص والمسرحيات. وشارك السوريون واللبنانيون بقوة في تلك الحركة، ولاسيما بعد أن هاجر بعضهم إلى مصر، مثل: نجيب الحداد، وبشارة شديد، وطانيوس عبده، حتى بلغ عدد الكتب المترجمة نحواً من ألفي رسالة وكتاب. ثم اتسع نطاق الترجمة بازدياد مطرد وما زال يتسع حتى اليوم إذ تشمل المترجمات أهم روائع الأدب العالمي في سائر اللغات الأجنبية الحية.
    الطباعة
    أنشئت أول مطبعة بحروف عربية في إيطاليا عام 1514م، وطبع فيها بعض الكتب الدينية كسفر الزبور، ثم طبع القرآن في البندقية.
    أما في البلاد العربية فأول مطبعة أنشئت فيها كانت في حلب سنة 1706م، ثم تلتها مطبعة الشوير بلبنان سنة 1734م ثم أنشئت مطبعة في بيروت سنة 1751م.
    ولما قام نابليون بحملته على مصر سنة 1798م أحضر معه مطبعة مزودة بحروف عربية ولاتينية، وقد استخدمها لطبع المنشورات والصحف الخاصة بالحملة. وبعد انتهاء الغزو جعل محمد علي تلك المطبعة نواة للمطبعة الأهلية التي أسسها عام 1821م والتي عرفت فيما بعد باسم مطبعة بولاق، وطبعت فيها الكتب الدراسية والكتب المؤلفة والمترجمة. وبعد أربعين سنة بدئ بإنشاء مطابع أهلية كان أقدمها مطبعة «وادي النيل» ومطبعة «جمعية المعارف».
    كذلك تأسست في بيروت «المطبعة الأمريكية» عام 1834، ثم تلتها «مطبعة الآباء اليسوعيين» عام 1848، ثم مطبعة «الجوائب» التي أنشأها أحمد فارس شدياق في الآستانة عام 1861. وقد نشرت كتب كثيرة في هذه المطابع، وبينها عدد من المعاجم العربية القديمة وطائفة من كتب الأدب ودواوين الشعر القديم إلى جانب أمهات كتب التاريخ.
    وقد تزايد عدد المطابع منذ مطلع القرن العشرين وتطور نوعها وأصبح أكثرها آلياً حتى لم يخل بلد عربي من مطبعة رافقت تكاثر عدد الصحف والمجلات.
    حركة إحياء التراث:-
    علي باشا مبارك.
    كان من أثر الاتصال بالغرب، وابتداء الاستقاء من ثقافته، وما رافق ذلك من استشراق أو استغراب، أن تنبهت العقول إلى ضرورة إحياء التراث العربي ونشره. وقد أنشا علي مبارك جمعية لنشر المخطوطات العربية القديمة برئاسة الطهطاوي. وفي عام 1898 تألفت جمعية أخرى للعناية بنشر كتب التراث، وكان من أعضائها أحمد تيمور وحسن عاصم وعلي بهجت. وقد أفادت حركة إحياء التراث مما سبقها إليه المستشرقون في ما نشروه من كتب التراث العربي، إذ عرف عن هؤلاء منهجهم العلمي في تحقيق المخطوطات، ومراجعة أصولها، وموازنة بعضها ببعضها الآخر، كما إنهم أخرجوا ما نشروه في طبعات أنيقة مزودة بالتعليقات المفيدة والفهارس الدقيقة.
    ولايزال نشاط حركة إحياء التراث في تصاعد مستمر بفضل ازدياد الوعي بضرورة معرفة التراث معرفة صحيحة وشاملة، وتمثل خير ما فيه تمثلاً موضوعياً مفيداً.
    الصحافة:-
    الأخوان بشارة وسليم تقلا أسسا جريدة الأهرام المصرية عام 1876م.
    كان لإنشاء المطابع، وانتشار الطباعة أثر واضح في ظهور الصحافة. ومن المتفق عليه أن الصحافة العربية ظهرت في مصر قبل غيرها من البلاد العربية، وكان ذلك في النصف الأول من القرن التاسع عشر، فقد أنشأ نابليون عام 1800م جريدة «التنبيه» وأصدرت البعثة العلمية الفرنسية سلسلة تاريخية قام بتحريرها إسماعيل الخشاب. فلما جاء محمد علي أصدر أول صحيفة عربية سنة 1822م هي «جرنال الخديوي» بالعربية والتركية ثم أصدر جريدة الوقائع المصرية سنة 1828م، باللغتين العربية والتركية ثم اقتصرت على اللغة العربية. وقد تداول رئاسة تحريرها بعض كبار الأدباء منهم الطهطاوي وحسن العطار والشدياق ومحمد عبده وعبد الكريم سلمان. وتلتها «المبشر» التي أصدرها الفرنسيون في الجزائر عام 1847م وكانت تصدر مرتين في الشهر، وكان حجمها كبيراً وعباراتها ضعيفة. ثم توقفت الصحافة في مصر وظهرت في سورية، أولاً على يد الإرساليين الأمريكيين إذ أصدروا نشرة دينية عام 1851م كانت تخرج مرة في السنة، ثم مرة كل أربعة أشهر، ثم احتجبت عام 1855م، وفي هذه السنة أنشأ رزق الله حسون في إسطنبول «مرآة الأحوال» وهي أول جريدة عربية سياسية خاصة، لكنها لم تستمر بعد السنة إلا قليلاً، وأنشئت بعدها جريدة «السلطنة» في الآستانة لجورج شلهوب عام 1857م، ثم «حديقة الأخبار» في بيروت عام 1858م لخليل خوري، وظلت تصدر بعد وفاته حتى عام 1909م. وقد ازدهرت الصحافة العربية بظهور «الجوائب» للشدياق في اصطنبول عام 1860م واستمرت حتى عام 1884م. وفي عام 1861 صدرت في تونس صحيفة «الرائد التونسي» وهي جريدة رسمية،ثم أنشأ المعلم بطرس البستاني «نفير سورية»، وابنه سليم «الجنة» ثم «الجنينة» عام 1871م. وفي عام 1866م أنشأ عبد الله أبو السعود في القاهرة الصحيفة السياسية «وادي النيل». وفي بغداد أنشئت «الزّوراء» عام 1868م، ثم ظهرت عام 1870م في بيروت صحيفة «البشير» على أيدي الآباء اليسوعيين.
    وقد ساعدت هجرة بعض السوريين إلى مصر على ازدهار الصحافة فظهرت بعض الجرائد منها «الكوكب الشرقي» لسليم حموي عام 1873م، وجريدة الأهرام للأخوين سليم وبشارة تقلا عام 1876م في الاسكندرية، ثم نقلت إلى القاهرة ولاتزال تصدر حتى اليوم، ثم «الوطن» لميخائيل عبد المسيح عام 1877م، وفي السنة نفسها صدرت «لسان الحال» في سوريا لخليل السكاكيني، وفي عام 1880م صدرت «المصباح» لنقولا نقاش ثم عُطلت عام 1908م، و«المحروسة» لأديب إسحق وسليم النقاش، وفي عام 1885 صدرت جريدة «الموصل» في العراق، وفي هذه السنة نفسها أصدرت جمعية الفنون الإسلامية في بيروت «ثمرات الفنون» برئاسةالحاج سعد الدين حمادة، وإدارة صاحب امتيازها عبد القادر القباني، وظلت تصدر حتى 1908م، ثم «المقطم» عام 1888م لفارس نمر ويعقوب صروف وفي هذه السنة صدرت كذلك «المؤيد» لعلي يوسف وأحمد ماضي، ثم «اللواء» عام 1900 لمصطفى كامل، ثم توالت الجرائد بعد ذلك في شتى البلاد العربية.
    أما في المهاجر الأمريكية فأول جريدتين عربيتين ظهرتا هناك هما «كوكب أمريكا» لنجيب عربيلي وأخيه عام 1888م في نيويورك، ثم «الفيحاء» لسليم ودعيبس بالش عام 1894م في سان باولو - البرازيل - وتوالت بعدهما جرائد كثيرة منها في أمريكة الشمالية «مرآة الغرب - المهاجر - الدليل السائح» ومنها في أمريكا الجنوبية «الميزان - الأصمعي - الزمان - الشرق - الإصلاح» وغيرها.
    أما المجلات فأقدمها «اليعسوب» التي أصدرها محمد علي الحكيم وإبراهيم الدسوقي، في القاهرة عام 1865م، وهي أو مجلة طبية، ثم «الجنان» لبطرس البستاني في بيروت 1870م، وهي علمية أدبية سياسية كانت تصدر في الشهر مرتين وفي السنة نفسها صدرت «النحلة» للويس الصابونجي في بيروت، وهي أدبية علمية انتقادية، ثم «روضة المدارس» في القاهرة أنشأها نخبة من العلماء والأدباء منهم عبد الله فكري وإسماعيل الفلكي وبدر الحكيم بإيحاء من علي مبارك وبإشراف الطهطاوي، وهي مجلة علمية تاريخية طبية، ثم أصدر يعقوب صروف وفارس نمر «المقتطف» في بيروت 1876م ثم نقلت إلى القاهرة عام 1886م. وهناك مجلات أخرى كثيرة أشهرها في مصر «الهلال» لجرجي زيدان وقد أنشئت عام 1892م، وطبع في مؤسستها كتب كثيرة تاريخية وأدبية أشهرها روايات مؤسسها عن تاريخ الإسلام، وتلتها «التنكيت والتبكيت» و«الأستاذ» عام 1892م وكلتاهما لعبد الله النديم وتوالى بعد ذاك ظهور مجلات كثيرة كمجلة المجمع العلمي العربي بدمشق عام 1921م، ثم «الأديب والكاتب والثقافة والآداب» وغيرها، وبعضها خاص بالمرأة مثل «العروس» لماري عجمي وقد ظهرت عام 1910م، و«المرأة» لنديمة المنقاري في سورية عام 1934م وغيرها كثير.
    وفي المهجرين الشمالي والجنوبي صدرت مجلات كثيرة أشهرها في نيويورك «الفنون» لنسيب عريضة عام 1913م و«السمير» لإيليا أبو ماضي عام 1929م. وفي سان باولو - البرازيل - صدرت عام 1930م «الأندلس الجديدة» لشكر الله الجر، ثم «العصبة» لجمعية العصبة الأندلسية عام 1935م.
    ومن الملاحظ أن الصحف العربية كانت في أوائلها ركيكة العبارة، يطغى على أسلوبها المحسنات البديعية من سجع وجناس وطباق، ثم لان أسلوبها، وابتعد كتّابها عن الزخرف والحشو، وتوخوا تأدية المعاني بدقة وبساطة ووضوح فأضحت لغتهم وسطاً بين الفصحى والعامية.
    المدارس والجامعات:-
    بطرس البستاني، مؤسس أولى المدارس الوطنية الخاصة في لبنان.
    سبق تأسيس المدارس والجامعات في مصر وبلاد الشام نظيره في الأقطار العربية الأخرى، وكان التعليم في مصر قبل محمد علي باشا مقصوراً على الكتاتيب وعلى الجامع الأزهر الذي أصبح في عام 1936 جامعة تضم كليتي «الشريعة وأصول الدين» و«اللغة العربية». وبعد عام 1961 أضيفت إليه كليات العلوم الحديثة المتنوعة. ومن الأزهر اختيرت أولى البعثات إلى فرنسة أيام محمد علي، وفي عهده أنشئت المدرسة الحربية ومدرسة الطب. وفي عهد الخديوي إسماعيل أنشئت مدارس الحقوق والمعلمين والعلوم والفنون والصناعات ودار العلوم العالية. وهكذا تدرج التعليم من الابتدائي إلى الثانوي، ولاسيما بعد عودة رجال البعثة الأولى من فرنسا، ثم عني المسؤولون بالتعليم العالي فأنشئت «الجامعة المصرية» في القاهرة عام 1908، وتوالى بعد ذلك إنشاء الجامعات الأخرى في القاهرة والإسكندرية وأسيوط وغيرها.
    أما في بلاد الشام فكانت مدارس البعثات التبشيرية أسبق من غيرها، ثم كثرت المدارس وتنوعت بين أهلية وأجنبية، فكان منها في لبنان مدرسة «عينطورة» التي أسسها الآباء العازاريون سنة 1834، ومدرسة «عبيّة» العالية التي أسست عام 1847، وأدارها المستعرب الأمريكي كرنيليوس ڤان دايك Cornelius Van Dyk ومدرسة «غزير» التي أنشأها اليسوعيون في العام ذاته. وفي عام 1860 أنشئت «المدرسة الإنكليزية» وهي أول مدرسة للبنات، ثم الكلية الإنجيلية الأمريكية للبنات عام 1861. وتوالت بعد ذلك مدارس البنات للراهبات العازاريات وراهبات المحبة و«زهرة الإحسان» للروم الأرثوذوكس... وسواها.
    أما أولى المدارس الوطنية الخاصة فقد أنشأها المعلم بطرس البستاني عام 1863 تحت اسم «المدرسة الوطنية» كما أنشأ المطران يوسف الدبس «مدرسة الحكمة» عام 1865.
    وفي عام 1866 أنشأت الإرسالية الأمريكية في بيروت كلية تخرج فيها طائفة من العلماء والمتعلمين ثم أصبحت هي ذاتها «الجامعة الأمريكية» الحالية. وكانت تدرس أولاً باللغة العربية ثم عدلت عنها إلى الإنكليزية.
    وفي عام 1874 نقل اليسوعيون مدرستهم من غزير إلى بيروت وأصبحت «الكلية اليسوعية» وكانت هي أيضاً تدرس بالعربية ثم عدلت عنها إلى الفرنسية.
    وفي سوريا كان التعليم أول الأمر دينياً يتم في الزوايا والمساجد، وكان الجامع الأموي أكبر المدارس الإسلامية وأقدمها. ومنذ أواخر القرن التاسع عشر أخذت المدارس الابتدائية تنتشر في دمشق وحمص وحماه وحلب وسواها. ثم أنشئت في عام 1901 مدرسة للحقوق أضحت فيما بعد «كلية الحقوق»، وأنشئ «المعهد الطبي العربي» فكان منهما نواة الجامعة السورية بعد الحرب العالمية الأولى (جامعة دمشق اليوم).
    ويليه السابع والعشرون ويبدأ ب..الجمعيات الأدبية

  15. #95

    افتراضي

    درس طيب ونافع ومفيد الله يجزاك الخير
    انا شايف ان الامر بايد غير المسلمين في مجالات واجد ومهمه وخطره؟!
    حسنا الله ونعم الوكيل

  16. #96
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    اشكرك اخي بركة الله على حسن مرورك على دروس الادب العربي..
    تابعنا مشكورا..بارك الله فيك

  17. #97
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس السابع والعشرون
    الجمعيات الأدبية
    أسست في العصر الحديث جمعيات كثيرة كان لها دور بارز في إذكاء روح النهضة. ومن هذه الجمعيات ما هو أدبي، وما هو علمي، وما هو سياسي. والمعول عليه هنا الأدبية، وإن أسهمت الجمعيات الأخرى إسهاماً غير مباشر في النهضة الأدبية.
    وسبقت بلاد الشام مصر وغيرها في هذا المضمار، إذ تأسست «الجمعية السورية» في بيروت عام 1847 على يد الإرساليين الأمريكيين، وكان هدفها نشر العلوم وترقية الآداب والفنون.وقد أربى أعضاؤها على الخمسين منهم بطرس البستاني وناصيف اليازجي، وقد زودت هذه الجمعية بمكتبة. ثم تأسست الجمعية العلمية السورية في بيروت وبلغ عدد أعضائها مئة وخمسين من مختلف مدن الشام إضافة إلى بعض المصريين، وظلت هذه الجمعية تعمل حتى عام 1868. ثم أنشئت في بيروت جمعية زهرة الآداب عام 1873 وكان من أعضائها نفر من الأعلام بينهم: سليمان البستاني، وأديب إسحاق، ويعقوب صروف، وفارس نمر، وابراهيم اليازجي. وكان هدفها التمرس بالخطابة والبحث وكتابة الروايات والمسرحيات التي كان يمثلها الأعضاء أنفسهم. وقد توقفت في عهد السلطان عبد الحميد. ويضاف إلى هذه الجمعيات أندية وجميعات أخرى تأسست في أشهر حواضر بلاد الشام. أما في الآستانة - عاصمة السلطنة - فقد تأسس «المنتدى الأدبي» الذي اتخذ أعضاؤه من النشاط الأدبي واجهة للعمل السياسي القومي العربي.
    وأشهر الجمعيات في مصر «جمعية المعارف» أنشأها محمد عارف عام 1868 لنشر الثقافة وإحياء التراث. وقد نشرت كثيراً من كتب التاريخ والفقه والأدب وبلغ عدد أعضائها ستين وستمئة منهم: إبراهيم المويلحي وأحمد فارس الشدياق ومحمد شافعي ومصطفى رياض باشا وسواهم. وتلتها جمعيات ومنتديات كثيرة، منها «جمعية مصر الفتاة». وكان من أعضائها جمال الدين الأفغاني وأديب إسحاق وعبد الله النديم، وكان لتعلم المرأة أثر في ظهور بعض الجمعيات والنوادي النسائية التي عنيت بقضايا المرأة إضافة إلى اشتغالها بالنشاط الأدبي المرتبط بتلك القضايا.
    وفي المهجرين الأمريكيين:-
    جبران خليل جبران.
    الشمالي والجنوبي أنشأ المهاجرون العرب أعداداً من الجمعيات والنوادي الأدبية، أشهرها في المهجر الشمالي «الرابطة القلمية» التي تأسست في نيويورك عام 1920، ورأسها جبران خليل جبران وكان ميخائيل نعيمة أميناً للسر فيها.
    أما في المهجر الجنوبي فقد تأسست «العصبة الأندلسية» في البرازيل عام 1933 ورأسها ميشال المعلوف أولاً ثم رشيد سليم الخوري الشاعر القروي ثم شفيق معلوف. ثم تأسست «الرابطة الأدبية» في الأرجنتين عام 1949 برئاسة جورج صيدح، ولكنها لم تعمر إلا عامين إذ حلت بعودة رئيسها إلى وطنه سورية.
    المجامع اللغوية
    ساعدت هذه المجامع على خدمة اللغة والأدب والتراث العربي مساعدة طيبة. وأقدمها هو المجمع العلمي العربي تأسس في دمشق عام 1919، بجهود محمد كرد علي ورئاسته. وقد عني هذا المجمع بوضع المصطلحات العلمية الحديثة، وتصحيح الأخطاء اللغوية الشائعة، ونشر كتب التراث، وضم أعضاء دائمين من سورية وأعضاء مراسلين من البلاد العربية الأخرى ومن المستعربين ومنذ عام 1958 غدا اسمه مجمع اللغة العربية.
    وفي القاهرة تأسس «مجمع فؤاد الأول للغة العربية» عام 1932، وصار اسمه فيما بعد مجمع اللغة العربية وبعد ذلك تأسست مجامع أخرى مشابهة في عدد من الأقطار العربية كالعراق والأردن والسودان والمغرب وسواها.
    المكتبات
    من المكتبات المهمة ما هو عام وما هو خاص. وأشهر هذه المكتبات وأقدمها «دار الكتب الخديوية» التي أنشأها علي مبارك في القاهرة عام 1870، ثم «المكتبة الظاهرية» التي تأسست في دمشق عام 1878 أيام حكم الوالي مدحت باشا وأشرف على جمع كتبها ومخطوطاتها النفيسة الشيخ طاهر الجزائري، ثم «المكتبة الأزهرية» التابعة للجامع الأزهر في القاهرة، وقد تأسست عام 1879 بعد أن ازدادت ثروة الجامع الأزهر من الكتب.
    ومن أشهر المكتبات الخاصة «الخزانة التيمورية» لأحمد تيمور، و«الخزانة الزكية» لأحمد زكي. وتمتاز هذه الأخيرة من سواها باحتوائها الكتب الأجنبية التي ألفها المستشرقون بالفرنسية والإنليزية والألمانية وغيرها من اللغات. وأخيراً هناك «المكتبة الآصفية» لمحمد آصف ابن أخت أحمد تيمور.
    وفي بيروت تأسست «المكتبة الشرقية» للآباء اليسوعيين، ومكتبة «الجامعة الأمريكية». وفي العراق مكتبات «الكاظمية» و«كربلاء» و«النجف» و«الحلة» و«الساوة» و«بغداد». وفي المدينة المنورة مكتبة «عارف حكمت». وفي تونس «المكتبة الصادقية» وفي الجزائر «مكتبة الجزائر الأهلية» وفي الرباط «الخزانة العامة». وفي عام 1978 أنشئت مكتبة الأسد الوطنية في دمشق لتصبح أحدث وأهم مكتبة في الوطن العربي بما تحويه من نفائس الكتب، وما تستخدمه من تقنيات حديثة في الأرشفة والحفظ والإعارة، كما تهتم بجمع كل مايصدر من النتاج الأدبي والفكري العربي وما يتعلق بالثقافة العربية على وجه الإجمال.
    المسرح والتمثيل
    تعد المسارح والتمثيل من العوامل المهمة المساعدة في تنشيط الأدب ونهضته. وقد عرف العرب منذ قرون كثيرة فن خيال الظل. لكن الباحثين يجمعون على أن المسرح العربي بمعناه الفني قد ولد في لبنان في منتصف القرن التاسع عشر حين نقل مارون النقاش مسرحية «البخيل» لموليير إلى العربية ومثلها في بيته عام 1848 بعد أن كان قد اطلع على المسرح والتمثيل في أوربة. ثم أخذ بعدها بتأليف المسرحيات وتمثيلها، وقد جمعت مسرحياته في كتاب «أرزة لبنان»، وكانت لغته فيها أقرب إلى العامية.
    وقد نظم خليل اليازجي مسرحية «المروءة والوفاء» ومثلت عام 1878.
    أما في سوريا فقد تأثر أحمد أبو خليل القباني بمارون النقاش فألف ومثل أكثر من ستين مسرحية استوحاها من التاريخ العربي الإسلامي وقصص ألف ليلة وليلة، وأدخل فيها الشعر والموسيقى ولاسيما الموشح ورقص السماح. ومن تلك المسرحيات «هارون الرشيد» و«أنيس الجليس» و«ناكر الجميل» و«مجنون ليلى» و«الأمير علي». وانتقل إلى مصر ومعه جَوقة من الممثلين والمنشدين، فلقي ترحيباً هناك وعلت شهرته وكثر الآخذون عنه. واقتبس قصصاً عن الأدب الغربي.. وكان أسلوبه في أعماله مسجعاً وأقرب إلى الفصحى.
    وألف سليمان النقاش - ابن أخي مارون - فرقة تمثيلية هو الآخر وانتقل بها إلى الاسكندرية عام 1876 وترجم أوبرا عايدة واقتبس من بعض مسرحيات كورني وراسين، واشترك مع أديب إسحاق في تأليف المسرحيات التي شاركهما يوسف الخياط في تمثيل بعضها. ثم انتقل الخياط إلى القاهرة فمثل على مسرح دار الأوبرا مسرحية «الظلوم» التي حضرها الخديوي إسماعيل فأغضبته ظناً منه أن صاحبها يعرض به، فأمر بإخراجه من مصر.
    وكان المسرح قد بدأ في مصر عام 1869 على يدي يعقوب صنوع المعروف بأبي نظارة. وقد مثل اثنتين وثلاثين مسرحية من اقتباسه أو تأليفه عالج فيها بعض المشكلات الاجتماعية بأسلوب انتقادي تقرب لغته من العامية، منها تمثيلية «الوطن والحرية» التي أثارت غضب الخديوي إسماعيل فأمر بإغلاق مسرحه عام 1871، وألفت فرقة سليمان قرداحي ومعه سلامة حجازي عام 1882. وقد عمل حجازي مع أبي خليل القباني عند انتقاله إلى القاهرة عام 1884 كما عمل مع اسكندر فرح. وعلى أيدي هؤلاء ازدهر التمثيل الذي يجمع بين الجد والهزل والشعر والغناء وظل مسرحهم يعمل حتى عام 1900.
    ثم ألف جورج أبيض فرقته بعد أن عاد متخصصاً بهذا الفن من باريس عام 1910 فمثل مسرحية فرح أنطون «مصر الجديدة ومصر القديمة» التي كانت نقلة واسعة للمسرح باتجاه «المسرح الاجتماعي». وقد اتسم مسرح جورج أبيض بالجدية المأسوية واستمر حتى الحرب العالمية الأولى. وتابع المسرح في مصر تقدمه على يد يوسف وهبي الذي افتتح عام 1923 «مسرح رمسيس» ومثلت فرقته ما يقارب مئتي مسرحية كان بعضها مترجماً وبعضها الآخر من تأليفه أو تأليف غيره.
    ومن الملاحظ أن التمثيليات العربية آنذاك - معربة أو مؤلفة - كانت إما مأساة Tragédie وإما ملهاة Comédie، أما التمثيليات الهزلية الضاحكة Farce فقد عرفت تقدماً واضحاً مع نجيب الريحاني الذي تقمص شخصية «كشكش بك عمدة كفر البلاص» الذي يهرب من زوجه ويركض وراء النساء. وقد تعاون الريحاني مع بديع خيري في تأليف مسرحيات هزلية شعبية، أو ترجمتها، كما تعاون معه في تمثيلها وإخراجها. وقد أربت تلك المسريحات على أربعين وكانت ذات طابع تهكمي ساخر.
    وأنشأ علي الكسار المعروف باسم «بربري مصر» مسرحاً هزلياً إلى جانب مسرح الريحاني، وانضم إلى فرقته الممثل إسماعيل ياسين الذي استمر بعد أن أخفق الكسار وأغلق مسرحه. وجاء بعده ممثلون هزليون آخرون، لكن عددهم ظل - ولايزال - أقل بكثير من أعداد الممثلين الجادِّين.
    أما المسرح الغنائي فقد بدأه الشيخ سلامة حجازي، وجاء بعده سيد درويش فطور هذا المسرح ولحن له وشارك في تمثيليات عدة منها «فيروز شاه» و«العشرة الطيبة» و«شهرزاد» و«الباروكة». ثم توقف المسرح الغنائي مدة طويلة حتى ظهرت في بيروت «الفرقة الشعبية اللبنانية» التي أسسها وألف لها عاصي ومنصور الرحباني مشتركين مع عدد من كبار الفنانين ومؤلفي الزجل وعلى رأسهم فيلمون وهبي. وقد قدمت الفرقة مغنيات مسرحيات غنائية كثيرة أشهرها ما أخذت أدوار البطولة فيه المطربة الكبيرة فيروز (نهاد حداد) مثل: مسرحية «الشخص» و«فخر الدين» و«المحطة» و«بياع الخواتم». وهذه المسرحيات الغنائية - مع أنها تستخدم العامية لغة لها - ترقى إلى مصاف أرقى ما أنتجه المسرح العربي من حيث المشكلات المطروحة فيها وأساليب المعالجة وجمال الأداء وتفوق الموسيقى. ويمكن عدّ مسرح الرحابنة امتداداً متطوراً لمسرح سيد درويش.
    ويليه الثامن والعشرون ويبدأ ب "النثر"

  18. #98
    المشرفة العامة للمجالس الاسلامية و الاسرة العربية - عضوة مجلس الإدارة الصورة الرمزية معلمة أجيال
    تاريخ التسجيل
    27-08-2015
    الدولة
    الأردن-عمان
    المشاركات
    1,884

    افتراضي

    احسنت وابدعت احسن الله اليك معلومات قيمة

  19. #99
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    اشكر كريم مرورك سيدتي ام علي

  20. #100
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس الثامن والعشرون
    النثر
    بعد الذي تقدم ذكره، يمكن القول: إن القرن التاسع عشر لم يكن إلا مرحلة الإرهاص بالتطورات الحقيقية الكبيرة التي سيشهدها الأدب العربي في القرن العشرين، ولم يتجاوز ما تم إنجازه فيه حدود «تمهيد الأرض» لزروع التجديد التي ستؤتي أكلها ناضجة - أو شبه ناضجة - في القرن العشرين لسائر أنواع الأدب أو أجناسه حسبما هو معروف في الآداب العالمية.
    ومن حيث الأسلوب كان النثر في القرن التاسع عشر مثقلاً بالمحسنات البديعية وبالسجع، بل إن محاولات لإحياء فن المقامة قد جرت على يد الشيخ ناصيف اليازجي. ومن جهة المضمون كان النثر يعنى بالقضايا الاجتماعية والسياسية ولكن بطرائق الوعظ الأخلاقي وبالنقد التهكمي الساخر الذي يتناول المظاهر أكثر مما يتناول الجواهر، ويرى الباحث في أدب العرب في القرن العشرين أن ذلك كله قد تم تجاوزه. فالاتصال بالغرب حرض على إدخال التطوير على الأنواع الأدبية القديمة، كما حرض على ظهور فنون نثرية جديدة بقوالب تعبيرية جديدة.
    المقالة
    من المعلوم أن المقالة نشأت في أحضان الصحافة. ولعل أول من استعمل مصطلح «مقالة» هو أحمد فارس الشدياق حين كتب في مجلة الجوائب «مقالة في أصل النيل». وكانت الصحف عند نشأتها تعنى بالمقالة الافتتاحية وتنشرها في صدر صفحتها الأولى، وتعالج فيها موضوعاً رئيسياً، غالباً ما يكون سياسياً. ووسع ظهور المجلات من ميادين المقالة وأثر في تطورها وتنوع موضوعاتها التي تمس الحياة العامة، وصارت مقالات معظم الكتاب تجمع في كتب لحفظها من الضياع وتيسير سبل الاطلاع عليها من قبل الأجيال اللاحقة.
    وقد درج النقاد على تقسيم المقالة بحسب مضامينها إلى عدة أنواع: سياسية واجتماعية وأدبية، ثم توسعت هذه المضامين تبعاً لاتساع فروع المعرفة فأضيفت إليها المقالات: الفكرية والفلسفية والإنسانية والنفسية والدينية والنقدية.
    ومن جهة أخرى قسمت المقالات إلى نوعين: المقالة الذاتية، والمقالة الموضوعية.
    فالمقالة الذاتية يعالج فيها الكاتب موضوعاً محدداً يعكس انطباعه عنه، إذ تتحكم في الكتابة هنا عواطف الكاتب وانفعالاته الذاتية ويغلب تصوير وجهة نظره الشخصية بأسلوب عفوي. ومن الطبيعي أن تتفاوت المقالات هنا بتفاوت موضوعاتها، واختلاف شخصية كل كاتب، من حيث وضوح الأداء وعمقه وجماله.
    أما المقالة الموضوعية فتختلف في أن الكاتب يعالج فيها موضوعاً يرجع فيه إلى المنطق والعقل ومنهجية الأداء، فيكون للمقالة مقدمة ثم عرض فمناقشة فاستنتاجات ثم خاتمة. ويدور الموضوع حول قضية علمية أو فلسفية أو اجتماعية أو سياسية أو نقدية.
    ومن أبرز من كتب المقالة الذاتية بعواطف رقيقة، وسعة خيال، وتصوير فني شفيف، وجمل موسيقية قصيرة، مصطفى لطفي المنفلوطي في كتابيه النظرات والعبرات، وجبران خليل جبران في كتبه [[دمعة وابتسامة (كتاب)|دمعة وابتسامة][ والعواصف والبدائع والطرائف ومي زيادة في «سوانح فتاة» و«ظلمات وأشعة». وقد بدأ هذا اللون من المقالة الذاتية يتناقص بعد الخمسينات من القرن العشرين، وإن كان هذا لا ينفي وجود كتّاب له في كثير من أقطار الوطن العربي.
    وفي لون آخر من المقالة الذاتية اعتمد كثير من الكتاب أسلوباً فكاهياً يقوم على التصوير الساخر الذي يداخله القص وتميزه حيوية الأداء، وأبرز من كتب المقالة من هذا اللون في القرن التاسع عشر هو أحمد فارس الشدياق في كتابيه «الساق على الساق في ما هو الفارياق» و«كشف المخبا عن فنون أوربة». أما في القرن العشرين فأبرز هؤلاء الكتاب هو إبراهيم عبد القادر المازني في كتبه «قبض الريح» و«من النافذة» و«حصاد الهشيم»، ومع أن هذا الكتاب الأخير هو مجموع مقالات نقدية إلا أن السخرية التهكمية في نبرته واضحة كما أن ذاتية الكاتب هي إحدى سماته البارزة. وهذا مؤشر على التداخل ما بين نمطي المقالة: الذاتي والموضوعي.
    وثمة لون ثالث يتميز بعمق الأفكار والتأنق في الألفاظ والتصوير البياني، والخيال الشاعري وأبرز كتابه في القرن العشرين مصطفى صادق الرافعي في «وحي القلم» وفي «حديث القمر» إذ يجد القارئ هنا بعض الغموض والتعقيد في الصور وأسلوب الأداء.
    ومع ازدهار الصحافة العربية وارتقاء التعليم وتطور الأدب في القرن العشرين تزايد كثيراً عدد الأدباء الذين يكتبون المقالة الذاتية التي تلامس قضايا موضوعية ومشكلات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو معاشية.. حتى لا يكاد المرء يجد أديباً عربياً في سائر البلاد العربية لم يمارس كتابة هذا اللون من المقالات في صحيفة أو مجلة ما، وهو أمر يطول حصره واستقصاؤه.
    ومن مشاهير كتاب المقالة الموضوعية - وهي لا تخلو بطبيعتها من ملامح ذاتية - أحمد أمين في كتابه «فيض الخاطر»، وطه حسين في كثير من كتبه منها حديث الأربعاء وتجديد ذكرى أبي العلاء ومحمد كرد علي، ومحمد حسين هيكل، وميخائيل نعيمة في «البيادر» و«النور والديجور» و«الغربال»، وعباس محمود العقاد، والمازني في كتاب «الديوان»... وغيرهم كثير.
    ومع التطورات المعقدة في الحياة والأدب العربيين بعد الخمسينات على وجه التخصيص كثر عدد كتاب المقالة الموضوعية إذ تقوم حياة الصحف والمجلات بأنواعها عموماً على هذا اللون من المقالة التي يشارك في كتابتها الصحفيون والأدباء على حد سواء. وقد نشطت المحاضرات وبرامج الإذاعات والتلفزة المعنية بالأدب، وهذه كلها في الأصل مقالات مطورة لتلائم هذه الصيغة أو تلك من وسائل إيصال الأدب إلى الجمهور. وربما أمكن أيضاً إدخال الندوات في هذا الباب.
    ولايزال الكتاب المعاصرون يجمعون مقالاتهم في كتب جرياً على ما كان قد سبقهم إليه جيل الرواد في القرنين التاسع عشر والعشرين ممن سبق ذكر أسماء مشاهيرهم. وإذا كان المقام هنا لا يتسع لذكر الأعداد الجمة من الأدباء الذين يكتبون المقالة الموضوعية اليوم في مختلف البلاد العربية إذ توجد مئات من الأسماء، فإنه مما يجدر ذكره أن المقالات قد يطول بعضها وتتسع أفكاره ولاسيما في المجلات المتخصصة فتصبح المقالة أقرب إلى البحث الأدبي القصير الذي يتضمن أجزاء كثيرة، كل جزء منها يعالج جانباً من ذلك البحث أو فكرة من أفكاره.
    الخطابة
    اتسع مجال الخطابة في العصر الحديث وتنوعت موضوعاتها أو أساليبها إثر قيام الحركات الوطنية وتأسيس الجمعيات والنوادي الأدبية والمنابر الأخرى. وممن برزوا في هذا المجال في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عبد الله النديم وأديب إسحاق ومصطفى كامل وأمين الريحاني ومي زيادة. ثم ازداد انتشارها في المناسبات القومية والحزبية والسياسية، والمؤتمرات المحلية والدولية. وقد أعان على انتشارها المذياع والتلفاز.
    وفضلاً عن الخطب الدينية في الجمع والأعياد، هناك من أشكال الخطبة: المحاضرة التي سبق ذكر أنها تقارب المقالة، فهي في واقع الأمر تجمع بين شكلي هذين الفنين من فنون النثر. وهناك خطب المناسبات المختلفة والأحاديث الإذاعية والمتلفزة، كما أن للندوات مدخلاً في هذا الباب.
    والخطابة بمدلولها الأصلي أصبحت في هذه الأيام مقصورة على السياسة إذ يوجه السياسيون خطبهم إلى الشعب في كل قطر في مناسبات معينة ويتم نقلها للناس الذين لم يحضروا وقائع المناسبة عبر الأجهزة المسموعة والمرئية. ويكاد الجانب الأدبي يختفي من هذه الخطب إذ ينصب هم الخطيب الذي غالباً ما يكون رجل دولة على شرح الأوضاع السياسية المحلية والعربية والدولية للناس في المجتمع المحلي وفي مختلف الأقطار العربية الأخرى.
    وقد برز في العصر الحديث طائفة من الخطباء المفوهين جلهم من الزعماء السياسيين والقادة
    ويليه الدرس التاسع والعشرون ويبدأ ب "القصة والرواية"

  21. #101

    افتراضي

    درس طيب ونافع
    نتابعكم الله يجزاكم الخير على ما تقدمون من علم ومعرفه

  22. #102
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    اشكركم على متابعتي، بركة الله وعوافي سويلم، بارك الله فيكم

  23. #103
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس التاسع والعشرون
    القصة والرواية
    عرفت القصة على نحو ما في الأدب العربي القديم على غرار ما عرفته مختلف الشعوب من حكاية وخرافة وأسطورة. وفي القرآن الكريم قصص كثيرة عن الأنبياء والمرسلين والأقوام البائدة. وأولى بوادر القص النثري الفني كانت في ما نقله إلى العربية وأضافه ابن المقفع (ت142هـ) في كتاب كليلة ودمنة ثم جاء الجاحظ (ت255هـ) فألف كتاب «البخلاء» في شكل نوادر فكهة عن البخل وأصحابه من أهل مرو خصوصاً.
    وابتكر بديع الزمان الهمذاني (ت398هـ) شكلاً من أشكال القصة القصيرة سماه المقامات، وبطل مجموعة المقامات واحد، ثم تابعه الحريري (516هـ) وآخرون لم يحظوا بشهرة الهمذاني والحريري.
    وتكاد السيرة الشعبية أن تكون خليطاً من الروايات والملاحم التي تداخلها الخرافة كما يداخلها الشعر الذي يفتقر إلى الفنية الجيدة.
    على أن أهم كتاب عربي قديم في هذا الباب هو ألف ليلة وليلة وهو مجموع من التراث ذي القص (الحكائي) للشعوب غير العربية ممن دخل منهم في الإسلام أو احتك المسلمون بهم كالهنود، وقد عرب هذا المجموع وأضيفت إليه حكايا جديدة حتى صار نسيجه العام عربياً إسلامياً خالصاً. وترك هذا الكتاب أثراً قوياً في الآداب الأوربية حتى إن رجلاً كفولتير يصرح بأنه لم يكتب القصة إلا بعد أن قرأ «ألف ليلة وليلة» أربع عشرة مرة.
    على أن القصة بمفهومها الفني الحديث إنما ظهرت في الأدب العربي في القرن التاسع عشر، وبعد الاطلاع على الآداب الغربية.
    وقد ابتدأ الكتاب العرب بترجمة القصص القصيرة عن تلك الآداب ونشرها في المجلات كالجنان والضياء والمقتطف والهلال، وكان المترجمون يتصرفون بالقصة لتتلاءم مع العقلية العربية. وهذا أيضاً ما فعله المنفلوطي في ترجمته لرواية «ماجدولين» للكاتب الفرنسي ألفونس كار A. Karr، وحافظ ابراهيم في البؤساء لڤكتور هوگو V. Hugo. وقد قام نفر من الكتاب في مصر وبلاد الشام بتأليف الرواية في القرن التاسع عشر إلى مطالع القرن العشرين مثل ناصيف اليازجي وسليم البستاني وفرح أنطون وجرجي زيدان ومحمد المويلحي. وإذا أفردنا من هؤلاء جرجي زيدان الذي كتب مجموعة كبيرة من الروايات عن تاريخ الإسلام فإن محاولات الآخرين كانت غير مكتملة فنياً وتميل إلى الوعظ والتعليم الأخلاقي كما تأثرت بأساليب الحكاية والمحسنات البديعية في المقامات. ويجمع مؤرخو الأدب العربي على أن أولى الروايات المكتملة فنياً كتبها محمد حسين هيكل تحت عنوان «زينب» وكان ذلك نحو عام 1920.
    وإذا كان الغربيون يقسمون فن القص عندهم إلى الأقصوصة le conte والقصة la nouvelle والرواية le roman فإن فن القص العربي الحديث يمكن تقسيمه إلى «قصة قصيرة» و«رواية». تعتمد القصة القصيرة على التقاط الكاتب للحظة من الحياة يعنى فيها بتحليل الحدث أو الشخصية أو البيئة أو مجموع هذه العناصر معاً ليصل إلى هدف دلالي أعلى، ويكون أسلوبه في ذلك على نحو مركز ودقيق. أما الرواية - وهي هنا تضم القصة الطويلة إليها - فتهتم بإقامة بنيان فني واسع تشغل حيزاً واسعاً من الزمان والمكان وتدور حول شخصية واحدة أو شخصيات كثيرة وتتشابك فيها الأحداث والعلاقات بعضها ببعض من جهة، وبعضها أو كلها مع معطيات الزمان والمكان أي البيئة الفنية من جهة أخرى. والكاتب هنا يتعمق في تحليل ما يدور في نفوس أبطال روايته وفي ربط الأحداث بتواريخ أو توقعات مستقبلية بوساطة تقنيات تختلف باختلاف كل كاتب عن الآخر وكل رواية عن الأخرى، ولهدف تقديم روايات متراكبة المستويات للبشر والحياة والعالم عبر سياق تخييلي ينطوي على جملة من الإيحاءات الدلالية.
    ويمكن القول إنه منذ عشرينات القرن العشرين بدأ الازدهار في القصة والرواية العربيتين.
    ففي مصر اشتهر من كتاب القصة القصيرة الأخوان محمود ومحمد تيمور، ويحيى حقي، ثم أمين يوسف غراب، ويوسف الشاروني، وكثير غيرهم، على أن أكثر كتاب القصة القصيرة شهرة في مصر - وربما في مختلف البلدان العربية - هو يوسف إدريس.
    ومن سورية برز عبد السلام العجيلي وزكريا تامر وخليل الهنداوي وجورج سالم وحيدر حيدر ووليد إخلاصي وغادة السمان وغيرهم كثير ممن كتبوا في السبعينات وما بعدها من هذا القرن. وتشهد القصة اليوم في سورية ومصر ازدهاراً ملحوظاً كما تشهد مثل ذلك الازدهار في كثير من الأقطار العربية.
    ومن لبنان اشتهر كتاب القصة القصيرة توفيق يوسف عواد الذي يعدّ رائداً لهذا الفن في كل بلاد الشام كما كتب القصة سهيل إدريس وزوجه عائدة مطرجي إدريس وكتبها كذلك كرم ملحم كرم ومارون عبود وسواهم.
    وفي الأردن كان أول من كتب القصة القصيرة محمد صبحي أبو غنيمة في مجموعته «أغاني الليل» وهي مجموعة قصص اجتماعية ذات طابع وعظي أخلاقي تضم أيضاً خواطر متقدمة عن فن الأدب قياساً إلى ما كان قد تم إنجازه أدبياً في الإمارة الأردنية آنذاك. ويعد عيسى الناعوري أكثر كتاب القصة شهرة في الأردن. على أنه قد سبقته أسماء معروفة في كتابة هذا الفن أبرزهم سيف الدين الإيراني وأمين فارس ملحس ومحمد أديب العاصري. كما أن أسماء جديدة مهمة قد جاءت بعده ومن أهم هؤلاء فخري قعوار ومحمود الريماوي وبدر عبد الحق.
    وظهرت القصة الحديثة في ليبيا على يد خالد زغبية في مجموعته «السور الكبير» عام 1964 وهناك أسماء أخرى مثل كامل حسن المقهور ومصطفى المصراني وزعيمة البارودي.
    وفي تونس أسماء غير قليلة في إطار حركة ثقافية ناشطة. ومن هذه الأسماء التي تكتب القصة القصيرة الميداني بن صلاح وحسن نصر ومحمد صالح الجابري وسمير العيادي وغيرهم.
    أما الجزائر فقد ازدهر فيها ما سمي أدب المعركة قبل الاستقلال. وكانت مجموعة مالك حداد «البؤس في خطر» 1956 هي أولى المجموعات القصصية المعبرة عن ذلك الأدب. وهناك أسماء أخرى في تلك المرحلة كتبت القصة القصيرة مثل مفدي زكريا وجان سيناك وحسين بوزاهر وجمال عمراني. وبعد الاستقلال شهد فن القصة القصيرة ازدهاراً واسعاً وبرزت أسماء كثيرة مثل رضا حوحو وعبد المجيد شافعي وأحمد عاشور وزهرة وينسي. وهؤلاء كتبوا بالعربية خلافاً لسابقيهم ممن كتبوا بالفرنسية قصص مرحلة «أدب المعركة» وثمة أسماء جديدة كثيرة تشير إلى الاهتمام الواسع للأجيال الجديدة من كتّاب الجزائر بفن القصة القصيرة.
    وفي المغرب، كما في الجزائر وتونس، كتب الأدباء القصة القصيرة بالفرنسية أولاً ثم بالعربية.
    ويرى بعض الباحثين أن هذا النوع من الأدب يتبع الأمة التي كتب بلغتها بصرف النظر عن الجنس.
    وشهدت القصة في السودان ولادتها على يد عثمان النور، وقدم جمال عبد المالك مجموعته «الحصان الأسود» ويوسف العطا مجموعته «نزرع النخيل». وكتب الروائي السوداني المعروف الطيب صالح عدداً من القصص القصيرة جداً ثم توقف عن ذلك.
    وفي شبه الجزيرة العربية بدأ فن القصة الناضج على يدي أحمد السباعي (1905-1983). وفي الربع الأخير من القرن العشرين شهدت كتابة القصة ازدهاراً جيداً ففي اليمن مهد محمد عبد المولى (1940-1973) للقصة الواقعية، ويصور زيد مطيع دماج (1943-...) الزمان والمكان اليمنيين قبل الثورة وبعدها. أما القاص الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل فيعتمد تكنيك القصة الحداثية ليصور وحدة الإنسان وسط عالم معاد أو لا مبال. مستخدماً تيار الوعي أساساً من لمحات وصفية سريعة أشبه بإشارات ضوئية. وبعد هؤلاء الرواد لفن القصة في شبه الجزيرة يأتي رعيل جديد يبرز من بينهم سليمان الشطي وليلى العثمان من الكويت، ومحمد عبد الملك، وأمين صالح من البحرين، ومحمد علوان وحسين علي حسين وسباعي عثمان من السعودية، وسعيد العولقي وميفع عبد الرحمن من اليمن، ومحمد المر من إمارة دبي وقد أصدر سبع مجموعات قصصية حتى اليوم بلغت أعداد قصصها زهاء المئة.
    وفي العراق أسماء مهمة في هذا الفن مثل محمود السيد أحمد وعبد المجيد لطفي وأنور شاؤول وعبد الرحمن الربيعي. إضافة إلى أسماء كثيرة من الأجيال الجديدة.
    وقد تناولت القصة في الوطن العربي مجموع المشكلات المحلية والشخصية والقومية بالمعالجة، وفق أساليب مختلفة، وبما ينسجم مع المعاناة التي يحسها الكاتب تبعاً لظروف هذا القطر أو ذاك، إذ تطرح المسائل والمشكلات الاجتماعية من منظوراتها المختلفة، وتعالج مطالب الحرية والديمقراطية، وقضايا تأثير الفواعل العالمية في الوضع الوطني الخاص والقومي العام وانعكاسات ذلك كله على شخصية الإنسان العربي من جوانبها المختلفة.
    هذا في ما يخص القصة القصيرة. أما الرواية التي اكتملت فنياً على يد محمد حسين هيكل من مصر حسبما ذكر قبلاً فإن أكثر كتابها شهرة هو نجيب محفوظ. وقد كتبها في مصر أيضاً كل من توفيق الحكيم يوميات نائب في الأرياف وطه حسين دعاء الكروان والأيام، كما لمع من أسماء كتابها أيضاً كل من يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس ومحمد عبد الحليم عبد الله وعبد الرحمن الشرقاوي. ثم جمال الغيطاني ومحمد يوسف القعيد وأحمد محمد عطية وإدوار الخراط وغيرهم.
    في لبنان كتب جبران خليل جبران رواية «الأجنحة المتكسرة» كما كتب ميخائيل نعيمة عدداً من الروايات التي يغلب عليها الطابع الفلسفي، وهذان كتبا أعمالهما الروائية في المهجر الشمالي. ومن مشاهير كتاب الرواية في لبنان كرم ملحم كرم وتوفيق يوسف عواد الذي كان أبرع كتابها وخصوصاً في روايته طواحين بيروت وكتبها أيضاً سهيل إدريس، ومارون عبود فارس آغا كما كتب إلياس خوري الجبل الصغير وكتب إلياس الديري عودة الذئب إلى العرتوق.
    وفي سوريا كان شكيب الجابري رائد كتابة الرواية المكتملة فنياً حين أصدر روايته «قوس قزح» في أربعينيات القرن العشرين ومن أبرز الروائيين في سورية حنا مينة الذي كتب عدداً كبيراً من الروايات من أهمها «الياطر» و«بقايا صور» و«المستنقع» و«الشراع والعاصفة»... وكتبت وداد سكاكيني «المانوليا في دمشق»، كما كتب فارس زرزور روايات كثيرة بعضها أقرب إلى التوثيقي مثل «حسن جبل» و«آن له أن ينصاع». ومن كتاب الرواية الذين برزت أسماؤهم في سورية: صدقي إسماعيل في «العصاة» وغيرها، وأديب نحوي في «عرس فلسطيني» و«تاج اللؤلؤ» و«آخر من شبه لهم»... ووليد إخلاصي في عدد غير قليل من الروايات مثل «باب الجمر» و«دار المتعة» و«ملحمة القتل الصغرى».. وألفة أدلبي وحيدر حيدر في «الزمن الموحش» و«وليمة لأعشاب البحر» وخيري الذهبي في «ملكوت البسطاء» و«ليال عربية» و«حسيبة» و«فياض»... وهاني الراهب في «ألف ليلة وليلتان» و«الوباء» و«بلد واحد هو العالم».. وأحمد يوسف داود في «الخيول» و«الأوباش» و«فردوس الجنون» وناديا خوست في «حب في بلاد الشام»، ونبيل سليمان في «ثلج الصيف» و«جرماتي» و«مدارات الشرق»... وعبد الكريم ناصيف في «الحلقة المفرغة» و«تشريقة آل المر».. إضافة إلى أسماء كثيرة أخرى.
    وفي العراق برزت أسماء مثل محمود السيد وأحمد عبد المجيد لطفي وعبد الرحمن الربيعي. واشتهر اسم فاضل العزاوي في «القلعة الخامسة» وسواها. ومن الأسماء الجديدة عادل عبد الجبار في «عرزال حمد السالم» وناجي التكريتي في «مزمار نوار» ...إضافة إلى أعداد من الكتاب الآخرين.
    وأشهر كتاب الرواية في الأردن غالب هلسا الذي كتب «الخماسين» و«الضحك» و«سلطانة» وغيرها. وهناك أسماء جديدة معروفة مثل مؤنس الرزاز وسالم النحاس وجمال ناجي وسواهم. وأهم كتاب الرواية في فلسطين غسان كنفاني ومن أعماله «رجال تحت الشمس» و«عائد إلى حيفا».. ثم جبرا إبراهيم جبرا الذي كتب أعمالاً روائية عدة من أشهرها «صيادون في شارع ضيق» و«السفينة» و«البحث عن وليد مسعود»، ثم إميل حبيبي الذي كتب «الوقائع الغريبة في اختفاء أبي النحس المتشائل» و«لكع ابن لكع» وهي أهجية تجمع بين ملامح الرواية وملامح المسرحية .
    ومؤخراً نضج فن الرواية في ليبيا على يد أحمد إبراهيم الفقيه الذي كتب ثلاثية نالت جائزة معرض الكتاب في بيروت عام 1992.
    أما في أقطار المغرب العربي فإن كتابة الرواية قد أجبرت - شأنها شأن القصة القصيرةـ على أن يكون بعضها بالفرنسية وبعضها الآخر بالعربية بحكم ما فرضه المستعمر الفرنسي من ثنائية اللغة على تلك الأقطار. وهناك رواية ما قبل الاستقلال في هذه الأقطار وهي عموماً تفتقر إلى هذا القدر أو ذاك من النضج الفني، ورواية ما بعد الاستقلال التي تزدهر وتبلغ حداً جيداً من ذلك النضج.
    ففي المغرب كتب عبد المجيد بن جلون الرواية منذ الحرب العالمية الثانية، وكذلك فعل عبد الكريم غلاب. وطبيعي أن ابتداء الرواية آنذاك كان يعكس صور الصراع من أجل الحرية والاستقلال. وفي الستينات والسبعينات يكثر كتاب الرواية المكتملة فنياً، والتي تتناول هموم الناس وقضاياهم الاجتماعية والمعاشية ومشاكلهم الإنسانية المختلفة. ومن ذلك أعمال مثل «أمطار الرحمة» لعبد الرحمن المريني، و«غداً تتبدل الأرض» لفاطمة الراوي، و«دفنا الماضي» لعبد الكريم غلاب، و«الطيبون» لربيع مبارك، و«الغربة» لعبد الله العروي و«حاجز ثلج» لسعيد علوش، و«أرصفة وجدران» لمحمد زفزاف، و«زمن بين الولادة والحلم» لأحمد المديني، إلى غير ذلك من أسماء وأعمال. وفي الجزائر يبرز عدد من الكتاب الذين كتبوا الرواية بالعربية واهتموا بالقضايا المعاصرة والمشكلات والمصائب التي اعترضت المجتمع والإنسان العربي هناك بعد الاستقلال. ومن هؤلاء عبد الحميد بن هدوقة وواسيني الأعرج.. لكن أكثر هذه الأسماء شهرة وعطاء روائياً هو الطاهر وطار الذي يعد واحداً من كبار كتاب الرواية الواقعية العربية، ومن أشهر أعماله «الحب والموت في الزمن الحراشي» و«عرس بغل» و«الحوت والقصر» و«تجربة في العشق».
    أما في تونس فقد تزعم البشير خريف تيار الواقعية في الرواية، وتابعه محمد العروسي كما في روايته «النضوج المر» في حين زاوج رشيد حمزاوي بين الجمالي والاجتماعي في «مات بودوا» ورسم محمد صالح الجابري لوحات تاريخية لصراع الطبقات الاجتماعية في رواية «يوم في زمرا» ورواية «البحر يلفظ فضلاته».
    أما الرواية المكتوبة بالفرنسية في أقطار المغرب العربي، فقد توازت مع تلك المكتوبة بالعربية تحت تأثير الشروط الخاصة بأوضاع تلك الأقطار. ولم تبرز هذه الرواية في المملكة المغربية والجزائر بروزاً حقيقياً من الوجهة الفنية إلا في سنوات الخمسينات من القرن العشرين.
    والجدير بالملاحظة أن الرواية المكتوبة بالفرنسية في أقطار المغرب العربي ليست الفرنسية فيها سوى وعاء لمحتوى عربي السمات كلياً، مع ما هو معروف من أن اللغة العربية هي «حامل ثقافي» أساسي. وربما مر وقت غير قصير قبل أن يتحرر الأدب في تلك الأقطار من الثنائية اللغوية بسبب ما سبق أن أشير إليه من شروط خاصة تتعلق بالاستعمار الطويل وآثاره في عرب تلك الأقطار.
    أما في شبه الجزيرة العربية فإن الرواية لا تزال ضعيفة جداً هذا إذا استثني الكاتب عبد الرحمن منيف السعودي الذي لم يعش في السعودية بل تنقل بين الشام ومصر، وأصبح واحداً من مشاهير كتاب الرواية العربية. ومن أعماله «الأشجار واغتيال مرزوق» و«شرق المتوسط» وخماسيته الكبيرة «مدن الملح» التي يؤرخ فيها - فنياً - لشبه الجزيرة في العصر الحديث.
    وهناك كاتب جديد من البحرين هو عبد الله خليفة وقد أصدر عدة أعمال منها «امرأة» في أوائل التسعينات ورواياته ناضجة فنياً وشيقة ومعبرة عن واقع بيئته ومشكلاتها.
    إن ما تقدم ذكره حتى الآن من روايات عربية قد اهتم بالرواية التي تتناول القضايا الاجتماعية والنفسية، والمشكلات الاقتصادية أو السياسية والمسائل العاطفية وغيرها مما يشغل عرب هذا القرن من مشاغل مختلفة. على أن هناك نمطاً من الرواية لم يعرض له هو «الرواية التاريخية» ومن أعلامها جرجي زيدان الذي كتب سلسلة كبيرة من الروايات عن تاريخ الإسلام ومن هذه الروايات: «فتاة غسان» و«أرمانوسة» و«عذراء قريش» و«شجرة الدر» وغيرها. ومنهم معروف الأرناؤوط الذي كتب في الاتجاه السابق ذكره. ومن رواياته «سيد قريش» و«فاطمة البتول» و«طارق بن زياد».. وهناك علي الطنطاوي في «قصص من التاريخ» وعبد الحميد جودة السحار في بلال مؤذن الرسول و أميرة قرطبة وسعد بن أبي وقاص، كما كتب محمد فريد أبو حديد روايات عن «عنترة» وغيرها.
    ولقد ركز بعض كتاب الرواية على تنسيق الأحداث وعرض جزئياتها وتنميتها وتعقيدها وإدخال عنصر التشويق فيها، كما ركز بعضهم على تصوير الشخصية المحلية أو الإنسانية ورسم أبعادها الجسمية والاجتماعية والنفسية. وتطورت كل من القصة والرواية في الأدب العربي الحديث من الإبداعية إلى الواقعية فالنفسية، ومن السرد إلى البناء الفني المتكامل. وبرزت في القصص مشكلات اللغة في السرد والحوار، أتكون عامية أم فصحى؟.. على أن معظم القصص والروايات الناجحة تطورت لغتها ولانت فأضحى حوارها فصيحاً مبسطاً، يهتم الكاتب فيه بما يجب أن يؤديه من رسم الشخصية، وكشف أبعاد الصراع،وتطوير الأحداث وتصوير البيئة في آن واحد.
    ويليه الدرس الثلاثون ويبدأ ب "العنصر النسائي في كتابة القصّة والرواية والشّعر"

  24. #104
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    اشكر مروركم الطيب شيخي ابوعمر

  25. #105
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس الثلاثون:
    الأدب النسائي
    إن الحديث عن علاقة المرأة بالممارسة الإبداعية، هو حديث عن موقع ومكانة وأهمية الإبداع النسوي في سيرورة الكتابة الأدبية من جهة، ثم هو حديث عن المرأة كمادّة للاستهلاك أو موضوع استهوى العديد من المبدعين والأدباء، وعن المرأة كمبدعة وفاعلة ومنتجة للإبداع من جهة ثانية.
    من هنا، فإننا نسعى إلى مقاربة علاقة المرأة بالإبداع من خلال معالجة العمل الإبداعي باعتباره نتاجا إبداعيا نسائيا خالصا، ونظرا إلى تعدد المجالات الفنية والأشكال الإبداعية التي بصمتها المرأة بخصوصيات أنثوية من شعر ورواية ومسرح وتشكيل..إن المقاربة التحليلية لبعض النصوص القصصية التي تعلن انخراطها في بوتقة الإبداع النسائي العربي، هي كفيلة بكشف أبعاده القوة الظاهرة والخفية في الاسلوب النسائي في القصص والرواية والشعر... إننا نرى من الأجدر الوقوف عند مفهوم الكتابة النسائية، نظرا إلى ما يثيره من ردود فعل مختلفة من قبل مجموعة من الباحثات والمبدعات.
    أولا - الكتابة النسائية بين الرفض والقبول:
    يبدو الحديث عن الكتابة النسائية مغامرة مليئة ومحفوفة بكثير من الصعوبات والمخاطر، لأن هذا المصطلح أثار، ولا يزال يثير، جدلا واسعا وإشكالا كبيرا في المشهد الثقافي، وهو إشكال مرتبط بمسألة تخصيص هذه الكتابة بأنها نسائية، خاصة وأننا لا نلجأ إلى هذا التخصيص عندما يتعلق الأمر بأعمال إبداعية رجالية، كما أن تصنيف هذه الكتابة/الإبداع تم على أساس جنسي (امرأة مقابل رجل)، لذلك كانت هذه التسمية مرفوضة وغير مقبولة ومستساغة لدى الكثير من الباحثات والمبدعات، فالقاصّة (تعبير انثوي) تعتبر هذا التصنيف رجاليا، حيث كان الغرض منه "إبقاء تلك الحواجز "الحريمية" الموجودة في عالمنا العربي وترسيخها حتى في مجال الإبداع"، وبالتالي، فهذا التصنيف الجنسي لا ينسجم وطبيعة الأدب نفسه، لأن "الإنتاج [الأدبي ] يعطي نفسه ويملك الحكم عليه في ما يقدمه دون اعتبار للقلم سواء كان رجاليا أو نسائيا".
    أما الناقدة (رشيدة بنمسعود) فترى أن الغموض يلف ويعتري هذا المصطلح، لذلك تعددت وجهات النظر المقدمة حول مفهوم "الأدب النسائي"، والسبب حسب -الناقدة- "آت من عدم تحديد وتعريف كلمة نسائي التي تحمل دلالات مشحونة بالمفهوم "الحريمي" الاحتقاري، وهذا ما يدفع المبدعات إلى النفور منه على حساب هويتهن.. كما أن تبرير هذا التبرم والرفض لمصطلح أدب المرأة.. لا يمكن إرجاعه إلا إلى الخوف من إلصاق تهمة الدونية والرغبة في انتحال موقع الرجل".
    في حين أن الناقدة (يمنى العيد) ترى أن إلصاق هذه الصفة بالإبداع/الكتابة النسائية يخضع لمعطيات الواقع الاجتماعي، مما يجعلها خصوصية غير ثابتة لأنها "ظاهرة تجد أسسها في الواقع الاجتماعي التاريخي الذي عاشته المرأة" أما رأي الناقد (كارمن بستاني) فينطلق من كون هذه الخصوصية نابعة من "النظرة الدونية للمرأة؟؟"، مما يدخل أدبها في الأدب المهمش واللامفكر فيه، وهي نظرة تحكمها معطيات واقعية وأعراف اجتماعية وثقافية".. وهذا ما يفسر هامشية الأدب النسوي والغموض الذي يكتنف الفارق بينه وبين الأدب الذكوري، وهو فارق ناجم عما هو معيش، ونابع من المخيلة الضاربة في عمق الانتماءات الاجتماعية والثقافية".
    وتذهب الناقدة التونسية (زهرة جلاصي) إلى القول بأنه آن الأوان لكي نتخلص من الطرح التقليدي "الذي أطلق على الأدب الذي تكتبه المرأة تسمية الأدب النسائي"، لأن الإبقاء على ذلك المصطلح/الطرح يعد تكريسا للعزلة والتهميش ولذلك "قد آن الأوان لنضع حدا لمسألة الفصل والعزل وتحديد مقاييس خاصة في مقاربة علاقة المرأة بالكتابة.. نعم لتأهيل المرأة الكاتبة وتحفيزها على الإبداع.. ولإتاحة الظروف المهيأة لصقل تجربتها، كأن يكون لها مكتبها الخاص وفضاؤها.. المهيأ لممارسة الكتابة.. لكن لا "للفيتو" والعزلة".
    أما الكاتبة العمانية (فاطمة الشيدي) فتستبعد تصنيف الكتابة على أساس جنسي وتلح على عدم الإيمان بعدم وجودها، بطريقة تنبعث منها السخرية ويعلوها الضجر، حيث ترى أن الرجل والمرأة معا يتحملان المسؤولية من خلال إبداعهما، في بعث ثقافي جاد لأن "الأقلام سواء كانت ذكورية الحبر أم أنثوية مسؤولة مسؤولية حقيقية عن بعث ثقافي أدبي منتظر" ولذلك وجب "الإيمان بأنه ليس هناك حبر معطر وآخر غير ذلك، وليس هناك أدب ملتح وآخر يلبس عباءة وليس للخصوصية الجنسية الخلقية (بفتح الخاء) أي آثار على إنتاج الثقافة".
    يتضح من خلال ما سبق، أن مصطلح "الأدب النسائي" يعرف شيوعا وانتشارا في الكتابات الأدبية والنقدية، لكن معظم المبدعات والأديبات والناقدات يرفضنه على اعتبار أنه "يشكل نظرة تصنيفية على أساس جنسي وهو ما لا ينسجم مع طبيعة الأدب نفسه" وهذا ما دفع بالناقدة (خالدة سعيد) إلى اعتبار مصطلح "الأدب النسائي" شديد الغموض والعمومية؛ ولذلك فهي ترفض هذا المصطلح وهذه التسمية التي تستبطن الحكم بالهامشية مقابل مركزية مفترضة؛ وذلك لأن "القول بكتابة إبداعية نسائية تمتلك هويتها وملامحها الخاصة تفضي إلى واحد من حكمين: إما كتابة ذكورية تمتلك مثل هذه الهوية وهذه الخصوصية وهو ما يردها بدورها إلى الفئوية الجنسية فلا تعود صالحة كمقياس ومركز، وإما كتابة بلا خصوصية جنسية ذكورية، أي كتابة بالإطلاق كتابة خارج الفئوية، مما يسقط الجنس كمعيار للتمييز إلى ذكوري ونسائي".
    من هنا يعد التعريف الذي صاغته (سعاد الناصر) كفيلا بتجاوز اللبس الذي قد يترتب - نتيجة تضارب الآراء- على هذا المصطلح، ومنه فـ"أدب المرأة هو مصطلح إجرائي فقط لتمييز الكتابة التي تكتبها المرأة عن الكتابة التي يكتبها الرجل، باعتبار أن الأولى تصدر عن فئة من النساء قليلة جدا بالمقارنة مع الثانية" لكن هل ما تكتبه المرأة وتبدعه هو نفس ما يبدعه الرجل؟
    ثانيا - الكتابة النسائية والرجالية: بين الائتلاف والاختلاف:
    يبدو أن الأدب والكتابة التي تنتجه المرأة لا محالة يختلف عن الادب والكتابة التي ينتجها الرجل تفكيرا وأسلوبا، هذه الحقيقة تؤكدها بعض النساء أنفسهن، حيث تقول (كارمن البستاني): "ليس لنا نحن والرجال، الماضي نفسه والأسلوب نفسه"، وهذا ما ينسجم والتصور الأفلاطوني القائل بـ"أنه على العموم يفوق أحد الجنسين أخاه الجنس الآخر، في بعض الأشياء، وأن كثيرات منهن يفقن كثيرين منهم في أمور كثيرة"، مما يعني أن العلاقة بين الجنسين مبنية على فلسفة الاختلاف (بيولوجيا، عقليا، فنيا، ثقافيا..) فضلا على أن حقيقة اختلاف التفكير نجد مبررها عند ديكارت الذي يقول "العقل هو أحسن الأشياء توزيعا بين الناس (بالتساوي).. وإن اختلاف آرائنا لا ينشأ من أن البعض أعقل من البعض الآخر وإنما ينشأ من أننا نوجه أفكارنا بطريقة مختلفة".
    وهذا يعني أن كل واحد منا يفكر بطريقة تجعله مخالفا للآخر، لأنه يخط في عقله ما يراه مناسبا لذاته على اعتبار أن جون لوك يعتبر العقل "لوحا أبيض تسجل عليه حقائق الواقع"، وثانيا فتفكير الرجل يختلف عن تفكير المرأة، وما دام الإبداع والكتابة عملية يتم فيها اعتمال العقل، فهذا يعني ضمنيا أن الإبداع النسائي (أدب المرأة) يختلف عن الإبداع الرجالي. لكن الاختلاف هذا لا يعني وجود تراتبية إبداعية تقدم هذا الإبداع على الآخر، لأن الإبداع إبداع بغض النظر عن جنس منتجه (المبدع).
    بالإضافة إلى ذلك نجد في مرجعيتنا الدينية أن القرآن الكريم، يؤكد حقيقة الاختلاف بين الجنسين، لكن الله سبحانه وتعالى لم يضع الحواجز بينهما (المرأة والرجل) ولم يحث على النظر إلى جنس ما نظرة احتقار، بل كرمهما معا، وعلى قدر عمل الرجل أو المرأة يكون الجزاء والعطاء الإلهي: -(يا أيها الذين آمنوا إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)-، بل الأكثر من ذلك، أن الله سبحانه وتعالى يدعو في كثير من الآيات الكريمة إلى ضرورة السكن والمودة والرحمة والستر بين الجنسين.
    ثالثا - تجليات التحرر والاحتجاج في القصة النسائية:
    إن مقاربتنا لنصوص قصصية لمبدعات مغربيات هي محاولة لرصد تيمتي (thème) الحرية والاحتجاج، كموضوعتين تحكمت فيهما مجموعة من الرؤى التي توجه السرد نحو بلورة جملة من القناعات الفكرية التي تحاول المرأة المبدعة/القاصة تضمينها في هذه النصوص. فضلا عن أن مقاربتنا هاته ستركز على الشخصيات الأساسية في هذه النصوص القصصية، سواء كانت عبارة عن الشخصية-السارد (personnage-narrateur) أو الشخصية-الممثل (personnage-acteur)، حيث الأولى تقوم بوظيفة السرد، في حين الثانية تضطلع بوظيفة الفعل، لكن دونما إغفال لباقي العناصر المميزة للنص القصصي والتي تتعالق معها الشخصية كالوصف وزوايا النظر والزمان والمكان.. خاصة وأن "الشخصية تلعب دورا من الدرجة الأولى وأن عناصر السرد تنتظم انطلاقا منها" وبالرغم من أن الشخصية القصصية تتخذ بعدا خياليا إلا أنها حاملة لأبعاد وقيم اجتماعية أو ثقافية أو أخلاقية أو نفسية، مما يجعلنا نخالها شخصا (personne) واقعيا ما دام "الكاتب يخلق أشخاصه، مستوحيا في خلقهم الواقع، مستعينا بالتجارب التي عاناها هو أو لحظها" هذا هو المنطلق المتحكم في مقاربتنا لشخصيات النصوص القصصية النسائية، لكن دون النظر إليها باعتبارها نماذج بشرية حقيقية، بل باعتبارها حاملة لأبعاد دلالية عميقة.
    وتجدر الإشارة إلى أن ملامسة ومقاربة تيمتي الحرية والاحتجاج، سيكون من داخل نصوص قصصية للقاصات: (لطيفة باقا)، و(ربيعة ريحان)، و(لطيفة لبصير) وهي نصوص تحكمت في تناولنا لها الطريقة المعروفة في الدراسات النفسية والتربوية بالعينة العشوائية، حيث كان قصدي الوقوف عند نصوص قصصية لم يطلها النقد، باعتبارها نصوص لا تجمعها مجامع قصصية، ولا يحكمها تاريخ زمني موحد من حيث صدورها، مما جعلها محكومة بمعيار الاختلاف والتنوع فضلا عن كونها نماذج قصصية منشورة في منابر ثقافية متنوعة (ملاحق ثقافية، مجلات ثقافية مختصة..)..
    ويليه الدرس (31) ويبدأ ب "البوح التحرري في الأدب النسائي..

  26. #106
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    حبيبي ابو رياض..لقد عطّرت بمرورك الكريم دروس الأدب..
    بارك الله فيك..ودمت أخا حبيبا في القلب..
    التعديل الأخير تم بواسطة م مخلد بن زيد بن حمدان ; 22-12-2015 الساعة 04:09 PM

  27. #107

    افتراضي

    مجهود اكثر من رائع
    الله يجزاكم الخير على ما تقدم من دروس الادب العربي
    تابع مشكور ونحن معك

  28. #108
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس الواحد والثلاثون
    3-1) البوح التحرري:
    يتعلق الأمر بتقديم الذات الأنثوية من خلال رؤية المرأة المبدعة الراغبة في التحرر من مجتمع ذكوري، حيث تغدو الكتابة "قضية أخرى لا علاقة لها بالنميمة والحديث عن الأخريات.. إنه حديث عن الذات.. الذات التي تنام فيها مستنقعات أجيال من النساء المحكومات بالصمت والكبت منذ قرون" وبالتالي فالكتابة عامة ومنها القصصية هي أداة للكشف عن الجسد الأنثوي وانشغالاته، ومنه فالبوح هنا هو عملية تفضي إلى "البحث عن خيوط النسيج الذاتي داخل العمل [الإبداعي ] في علاقة مع هذه الخلفية القابعة في وعي النص ومحيطه في الوقت ذاته"، بما هو بوح يراهن على جعل الذات تتخذ قراراتها بنفسها، علاوة على تصرفها غير المقيد بشروط مسبقة وهذا يعني أن المنحنى التحرري في ثنايا النصوص القصصية المزمع مقاربتها يعد نشاطا واعيا وهادفا نحو التحرر الكلي والعام، على اعتبار أن حرية المجتمع هي السبيل أو بالأحرى الشرط الأساسي للعبور نحو حرية الفرد رجلا كان أو امرأة من هنا تطالعنا في قصة (كوبنهاجن) لربيعة ريحان، شخصية المرأة المثقفة المسافرة خارج الوطن - مع ما يهجس به فعل السفر من دلالات التحرر والهروب من وطأة الزمن والمكان والإنسان- للمشاركة في مهرجان ثقافي، فهذه المثقفة ترفض بعض الممارسات الاستفزازية التي يبديها الرجل/الجمركي - الذي يحمل دلالة المراقبة للذات الأنثوية-، لذلك تثير هذه القصة إشكالية علاقة الرجل بالمرأة، التي هي علاقة متوترة، بين رجل جمركي يمتلك سلطة تخول له ممارسة الرقابة والعنف المعنوي على المرأة من خلال "إجراءاته المزعجة" حيث يتضح أن جسور التفاهم قد نسفت بينهما، وذلك ما ولد هيجانا وسخطا عارمين في نفسية المرأة الكاتبة "كنت أعرف أن الرجل لا يفهمني بما فيه الكفاية، لذا كنت مختنقة من هذا الرصد غير المتوقع.." وكأن رصد هذه المبدعة/الإنسانة جاء فقط لكونها امرأة، وهو رصد يبدو غير متوقع تجاه هذه الشخصية الأساسية في القصة، على اعتبار أنها امرأة كاتبة ومنه فالبوح عما يجيش في أعماق ودواخل الذات المبدعة، كان من أجل محاكمة الرجل الذي لا يزال يكرس الرؤية الاحتقارية تجاه المرأة حيث هذه الأخيرة كائن ضعيف ومتبرم في سلوكاته وغير مستقر على حال "وجمت إذ تصورت الرجل في هذا الجو المفعم بالصمت والأسئلة، يراني مجرد امرأة توهمه بادعاءات ملفقة"، لذلك تبدو جسور التواصل منكسرة، والفضاء يخيم عليه الصمت والمأساة، مما جعل المرأة المبدعة تحس بلا مبالاة الرجل الجمركي المحكومة بخلفيات موغلة في القدم، لكن هذه النظرة اللامبالية بالمرأة ستتلاشى حينما تكتشف هويتها ككاتبة ومبدعة "قلت آخر ما تبقى عندي من كلام، وقد أشاع ما حصل في نفسي الحسرة:
    ـ أنا كاتبة..
    مد الرجل بصره نحوي بانفعال وقال مستدركا:
    عفوا.. كاتبة؟!
    قلت:
    ـ نعم.. ومدعوة..
    فتحركت يده تتصفح الجواز من جديد، وهو يقول كلاما سريعا غامضا فيه إثارة مرح، سعيا لترميم تواصل مشروخ.."، وكأن الكتابة بذلك تعد جسرا للعبور من ضفة الأسر والمماطلة والإزعاج إلى ضفة الحرية والتفاهم والاحترام، ومنه فـ"امتلاك شهادة ميلاد كاتبة، تخول لها [المرأة] الخروج من دائرة المجموعة الصامتة". فتغدو الكتابة أو الإبداع عملية تحرر من جملة من الإكراهات المجتمعية، لذلك تتطلع الشخصية الرئيسية/المرأة المثقفة إلى التحرر من السلطة الذكورية (الجمركي)، التي تقمع فعلها وتشل حركتها وتكبل حريتها، فتجعلها غير قادرة على الانطلاق، بحكم القيود التي يكبلها بها هذا الرجل الذي تتضخم مشاعر الكراهية تجاهه بفعل هذه الأعمال، "كرهت وسواس الرجل، ذلك الذي خنق في نفسي الرغبة في الانفلات وود التواصل بإشارات محبة، وجعلني صريعة غل لا يوصف".
    أما قصة (رغبة فقط..) للطيفة لبصير، فتنفتح على نبرة اليأس المنبعثة من جسد الشخصية الساردة (المرأة) الراغبة في التحرر من قيود المكان/الفضاء "لو أملك أن أرحل بعيدا عن هذه الأمكنة ولكني لا أستطيع الهرب، تأسرني أمكنتي وكأنها تفاصيلي الصغرى، وأحلامي الواقفة" حيث يتضح أنها تعني التمزق الداخلي للذات في هذه الفضاءات التي تغدو سجنا، لكنها لا تملك الأداة الكفيلة بتجاوز هذه الأمكنة، وما دامت تفتقر للفعل القادر على تحريرها من رتابة هذا الفضاء وقتامته، لذلك تنبجس الرغبة في الحروب والانطلاق خارج المحيط إلى أماكن أخرى "كم أتمنى الهروب إلى أمكنة بعيدة، ولكن أي الأمكنة تخلو من هاته الإبر التي تنغرز في جسدي، تشدني إلى هذا النظام الدؤوب.."، فالأماكن تتشابه والقيود في كل مكان والنظام الذي يحكمها واحد، لذلك تظل المرأة- بطلة القصة سجينة داخل البيت، باعتباره فضاء لا تستطيع هذه الشخصية التخلص من قيوده مما جعلها تستسلم وتذعن لضرورة البقاء في هذا الفضاء، ولا تتطاول على الأعراف والعادات حيث تمارس نوعا من الكبح للذات وتقر بينها وبين نفسها "علي أن أهيئ الغذاء كالعادة وأقبل ابني الذي يزمجر كالعادة، وأستقبل زوجي كالعادة".
    يلاحظ، إذن، أن الذات راهنت على التحرر والانفصال عن البيت كفضاء يقيد الرغبات، لكن مجموعة من المعيقات حالت دون تحقيق هذا الموضوع والاتصال به، مما دفع بهذه المرأة للسقوط في متاهة التيه والقلق النفسيين، بل اللامبالاة بما حولها، ومنه الاستسلام اللامشروط للرجل والتسليم بهذا الواقع والقبول بالمهانة، لذلك ينبعث الشعور بالتقزز من هذا الكائن/الرجل، الذي يعتبرها مجرد بضاعة لتنفيس رغباته الجنسية "شعرت بالتقزز من هذا الكائن الذي أحتويه بين ذراعي، لم أستطع أن أبتعد ما دمت أنا سيدة هذه البداية اليتيمة، تركت جسدي لروائحه ولعابه ويديه النحيلتين ولأشيائنا التي انسحبت منا من حيث لا ندري.. وكأنني جسد غائب" إذن، لم يعد الهروب والتحرر والرحيل عند هذه المرأة مقيدا بزمان ومكان، بل أصبح مطلبا ملحا في أية لحظة وفي اتجاه أي مكان، حتى تتحرر الذات من العقم والرتابة والملل الذي يكبلها "لو أستطيع أن أرحل في غياب ينسيني كل هذه اللحظات العقيمة"، يبدو إذن أن التحرر بعيد التحقق، حيث لا سبيل إلى الانعتاق من زمن عقيم. ما دامت الذات الساردة لا تستطيع كسر القيود والأغلال التي تكبلها.
    ويمكن القول إن فكرة الهروب هي فكرة احتجاجية بالدرجة الأولى، فلو لم يكن الإحساس لضيق فسحة العيش لما تولدت الرغبة في الرحيل والتحرر والانفلات من قبضة القيود والمنزل/البيت، لذلك تبوح الذات بأسرارها الرافضة للقيم الاجتماعية التي تحصر المرأة بين أربعة جدران مما يدفعها لأن تحبر رغبتها في التحرر على الورق تعبيرا وإبداعا يستبطن هذه الرغبة، ويدفعها كذلك لتكتب وتتصل مع الأصدقاء فضلا عن الانفتاح على العالم الخارجي "أرفض الغرفة.. واللحظات العصيبة وإنزوائي.. معي أوراق.. أرقام سرية.. ورغبة مخترقة"، وذلك ما يجعلها كمبدعة تكسر القيود والأغلال وتحرر نفسها بالقوة، وتحقق ذاتها وإنسانيتها عبر مشروعها الإبداعي، على اعتبار "أن يكون للمرأة مشروع إبداع وتساهم هو أن تصير كائنا بذاته تنجب ذاتها باستمرار كما تنجب أولادها، تخرج من محدودية الوظيفة الجنسية إلى آفاق الإنسان، تنجب امتداده الزماني والمكاني وتعطي لمراميها وأحلامها مبدأ لا يشيخ، وهذا هو أساس التحرر" الذي يغدو مطمحا بل هدفا تراهن عليه الذات المبدعة عبر شخوص القصة وساردها.
    إن هذا ما نلمسه في قصة (مسافة) للقاصة نفسها (لطيفة لبصير)، حيث الرغبة في التحرر من قيود المكان/البيت والانعتاق من هذا الفضاء "أرتمي في حضن القطار وأجعله يأخذني حيث يريد.." مما يجعل من فكرة الهروب والفرار والانطلاق خارج البيت، تحكمها رؤية "الأنا المتلفظة" (moi-enonciateur) الراغبة في التخلص من السلطة الاجتماعية العتيقة، وكسر بعض الأعراف السلفية الجامدة "أخبرته بأنني أريد شايا أسود.. سأحتسيه بالرغم من أنني راغبة في قتل كل العادات.." لذلك تعتمل في دواخل هذه الشخصية أحاسيس الإقصاء والقمع التاريخيين، تساهم هي نفسها في تكريسها "ينبغي أن أستيقظ هناك أشياء ترصدني منذ زمن بعيد أجدني الآن بداخلها".
    وبهذا يكون التحرر من إكراهات المكان مطلبا للعديد من الشخصيات الأنثوية القصصية، وهو تحرر مقترن بالانفلات من قبضة الزمن، فنجد الألم والحزن يرصع الذات الأنثوية ويثقل كاهلها في الليل، الذي ينفتح على السواد والسكون والوحشة والرهبة، مما يطرح إشكالية تحرر الذات القلقة والمضطربة من قبضة الزمن الليلي "كل ما يقلقني هو ذلك الليل الذي يحضر متطاولا بهواجسه وأفكر هل أستطيع أن أذهب أبعد من الليل وأتجاوزه، هل أستطيع أن أخضعه لي حتى يصير طفلا هادئا بين جوانحي وأهدهده.." يبدو الليل، هنا رمزا لفترة مظلمة تتوخى الذات الساردة/المتلفظة تجاوزها، أملا في إشراقة الغد وانبلاج الصبح على رجل مروض كسرت رجولته مثلما تلاشى الظلام فتعلو المساواة على التفاوت، مما يولد الهدوء والتآلف والتناغم مع الكائن/الرجل والزمن.
    لكن إذا كان السفر نوعا من التحرر وسبيل من سبل التخلص من رتابة البيت والتزاماته المتنوعة، فإن السفر التحرري عبر الحلم "أيقظني الرجل الذي يجلس أمامي" يجعل فكرة التحرر تتعثر وتضيع على مشارف الحلم الذي يخونه الواقع، وهذا ما يجعل المرأة غير قادرة على الخروج من منطقة الظل وتخوم الضياع والتلاشي إلا عبر الكتابة الفنية والممارسة الإبداعية، باعتبارها "وسيلة من وسائل التحرر، وسبيلا من سبل الخلاص من وضعها في مجتمع لا ينزلها منزلة متكافئة مع الرجل".
    ويليه الدرس الثاني والثلاثون ..ويبدأ ب "معالم الوعي التحرري"

  29. #109
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس الثاني والثلاثون
    نجد معالم الوعي التحرري كذلك عند بطلة قصة (أبهة الاغتراب) لربيعة ريحان وهو وعي ليس بنزوة عابرة بل هو موقف واع، يسعى للتحرر الشامل الذي انخرطت فيه المرأة التي تعرضت لأقصى درجات المهانة والاحتقار "أعود لأستحضر صور القهر الصامت للعنف الفظيع، بانتظار شمس الحلم الساطعة، التي لم تتحقق بعد.." حيث التحرر هو أمل هذه المرأة البطلة، لذلك ستشرق شمس الانبعاث من ضغط الواقع والموروث لتأفل لحظات القمع والقهر والتدجين. ويلاحظ أن صوت البطلة عبر ضمير المتكلم "الأنا" يظل مهيمنا ومرتبطا بعنصر نسوي آخر هو (الأم) حيث يغيب الرجل حتى وإن كان أبا أو أخا أو زوجا.. وكأن القاصة تتوخى التحرر من سلطة الرجل في الإبداع، وتحتفل فقط بالمرأة ما دامت لا تستطيع التحرر من سلطته في الواقع المعيش.
    وتيمة الحرية تحضر بقوة في قصص (ربيعة ريحان) ففي قصتها (جناح الريح)، يتضح أن التطلع إلى التحرر كان منذ عتبة النص وبدايته، وذلك عندما عملت على إمداد البطلة/الشخصية الرئيسية بأداة تمكنها من التحليق في الفضاء وتاليا التحرر من سلطة الفضاء الأرضي وكأن هذه الشخصية وهي تلج قلب الطائرة فإنها تمتطي الحرية؛ لذلك تحس الذات الأنثوية بالفرح والنشوة المضمرة في أفعال تعكس رحابة الفضاء والأفق والعلو "حلقت الطائرة.. وبعيدا كانت تمضي.." لكن هذه الرحابة سرعان ما تتلاشى فتعود الرتابة وينبعث الملل، عندما تتوجه خطة السرد نحو خلق جو يعمه التوتر والصراع والتنافر بين رجل زنجي ومضيفة الطائرة، حيث تبرز الرؤية الاحتقارية للمرأة/المضيفة، لأنها لا تعمل على ما يريح الرجل الزنجي الذي يعامل هذه المضيفة معاملة تسيء لأنوثتها حسب ما تراه ساردة القصة، حيث يبدو من حديثها أنها هي الأخرى متضايقة من هذا الرجل "رأيته يتنطع بثقة وحنق.. وهي تتلبس ألفاظ المضيفة وتعابير المجاملة.."، فهذا التصعيد الكلامي جعل القصة ترغب في التحرر من سلطة الرجل، ووصايته وأفكاره التي تعتبر المرأة مخلوقا ضعيفا لأنه خرج من "ضلع أعوج" وهو ما يثير أحاسيس المرارة والتوتر الداخليين لدى بطلة القصة، وذلك ما يعكسه المونولوج الداخلي التالي "فأسأل في داخلي: هؤلاء.. ألم يهجسوا مثلي، من قلق أو اهتمام.".
    ولتبديد هذا القلق والألم تنخرط الذات في عالم شاعري، ليتجدد الشعور بالجسد والأمل في التحرر، خاصة وأن أجنحة الطائرة بدأت تسري فيها الحركة لترفع الجسد الأنثوي ليحلق في الأفق البعيد "أغمض عيني في استسلام للجسد المنهك.. لكني بلا تردد.. أجدني.. سرحت أتأمل بعينين منفتحتين، اهتزازات الجناح، فوق السحاب البعيد المتضام.. يحجب الأرض، وحدودها الغائمة.." وكأن البلاء يتلاشى كلما اتجهنا نحو السماء، ربما للقداسة المرتبطة بهذا المجال، والتي ترسخت في لاشعورنا، في حين ينتشر الألم كلما اقترب الإنسان من الأرض. والرغبة في التحرر تنبعث من جديد في هذه القصة، حينما تتجاذب الشخصية الرئيسية أطراف الحديث مع امرأة (maquilleuse) تشتغل مع إحدى الفرق المسرحية، حول الرهبة والخوف الذي يسيطر عليها عندما تركب الطائرة "أول ما تأخذ الطائرة في الارتفاع.. ينفتح ألف باب للروع في قلبي.." هذا ما جعل الرجل الجالس قرب بطلة القصة يتبرم من هذا الحديث/الثرثرة، تبرم تعكسه حركاته وردود فعله تجاه المرأتين، ولذلك فالمرأة/البطلة، ترغب في التحرر من سلطة المراقبة التي يفرضها هذا الرجل، وتطمح إلى تحقيق بعض الرغائب الموقوفة التنفيذ، من خلال التطلع إلى أجنحة الطائرة باعتبارها تجسيدا رمزيا للانعتاق من أسر الرتابة وصدأ الجمود الذي يغلف ويسجي الذات الأنثوية، مما ولد التطلع نحو الأفق بشكل مفتوح وصاف "نظرت نحو الرجل برهة، ثم استدرت أرقب سطح الجناح وهو يومض بوهج عميق، فيما لا تزال الطائرة، توغل في الأفق الساطع، الفسيح.." حيث الإحساس بالارتياح في الأفق الفسيح الخالي من كل سلطة ورقابة.
    أما قصة (رحابة تغري بالعويل) ل "لطيفة باقا"، فأهم ما يلاحظ على الشخصية الرئيسية في هذه القصة، هو أنها تخشى العزلة والوحدة، لذلك تعمل على تبديدهما في فضاء المدينة عبر رحلة القطار، حيث تستدعي في إحدى مقصوراته، الآخر النقيض/الرجل ليساهم في تحريرها من عزلتها في هذا السفر، الذي ينطوي على أبعاد تحررية، "أخبرت رجلا غامضا صادفته في مقصورة فارغة على متن القطار فتقاسمنا بعد ذلك أيس كريم واحدا.. إنني لا أحب المدن التي تمنح نفسها بسهولة.. وأيضا الرجال الذين يفعلون ذلك". لأن هذا الرجل مخالف للآخرين الذين يتهافتون بسرعة نحو المرأة، وهم محملون بنظرة جنسية. لذلك تود الشخصية الرئيسية في القصة أن تتحرر من أغلال الجنس والجسد، خاصة وأن الرجل يختصرها في هذين العنصرين فقط، وهذا ما يعكسه المقطع السردي التالي بقوة "الفتاة الأجنبية التي تركت فخذيها السخيتين لعيني رجل مغربي مسكين بقاعة الانتظار تبتسم لي كأنها تعرفني أفكر فيما يحدث الآن في رأس الرجل المنصرف عن آخره إلى فخذيها.."، فالبوح، هنا، كان للرغبة في التحرير والتحرر من النظرة الشبقية للرجل الذي يرى في جسد الفتاة/الأجنبية/المرأة عموما، أداة للمتعة ومتنفسا للشهوة، وهذا ما ولد التوتر ويولد الرغبة في "العويل" والبكاء والتطهر من أسر الرتابة وفظاعة الواقع، بالماء والشعر والإبداع والقراءة "سأخبرها أنني أمام كل هذه الخسارات أظل أشعر برغبة في البكاء أو في قراءة الشعر أو تبليل قدمي المتعبتين بماء المطر الأول..".
    يمكن القول، إذن، إن الرغبة في التحرر التي أفرزتها المعاناة وتنوع أشكال الإحباط التي تعانيها المرأة، وإن كانت هدفا ورهانا خاصا بالمرأة، تبقى من المطالب الأساسية، ومطلب التحرر في جوهره إنساني عام، ولذلك كانت المناداة بتحرير المرأة من داخل النصوص القصصية بمثابة الدعوة للاعتراف بالجميل ورد الاعتبار إليها، نظرا إلى الأدوار التي تقوم بها في الحياة كأم وزوجة وأخت وحبيبة.. وبالتالي فالتحرر عند المرأة المبدعة هو تحقيق لوجودها الإنساني من جهة، وهو رفض لوضعية القهر والتدجين من جهة ثانية، وعليه فإن المرأة التي تمتلك أداة الكتابة والإبداع، تمتلك "انتصارا على رواسب ثقافة الموؤودة من أجل تكريس ثقافة (المولود)" أي ثقافة التحرر من القيود والخروج من دائرة الصمت، ويلاحظ أن تيمة (thème) الحرية/التحرر تحضر في القصص المقاربة بشكل مضمر حينا ومعلن حينا آخر، وهذا ما يجعل من "فعل الكتابة لدى النساء بشكل أخص عملية تحرر من حيث إنه وعي وموضعة وكشف لتجارب ومعاينات وتصورات وحاجات وأحلام طال عهدها بالصمت والخفاء، والكتابة تبلورها، تخرج بها إلى مدار العام تسمح بتشكل خصوصياتها، تشكلا مبتدعا داخل قوانين العام كمتخيل جماعي وفضاء جماعي وقضايا ولغة وتصورات ومنظومة إشارية قيمية وموروثات".
    ويليه الثالث والثلاثون..البوح التحرري

  30. #110

    افتراضي

    دروس مفيده في الادب النسائي
    مشكورين وبارك الله بكم

  31. #111
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس الثالث والثلاثون
    3-2) البوح الاحتجاجي:
    يتعلق الأمر في هذا المحور بالبوح بما يجيش في الذات من رغبة في الاحتجاج والرفض، الذي يكون معلنا حينا ومضمرا أحيانا أخرى في متن النصوص القصصية النسائية كما تعكسه بعض المحافل السردية، وبعض الشخصيات، والاحتجاج هنا يتمفصل إلى احتجاج على الرجل وتمرد على سلطته، ثم إلى احتجاج على المجتمع وبعض أعرافه ناهيك عن إدانة الواقع وملابساته وإكراهاته، ولعل اتخاذ القصة أداة لملامسة هذا العنصر نابع من تعريف القصة التي يعتبرها البعض "هي ككل جنس أدبي شكل من أشكال التعبير عن الذات الجوانية وجيشانها وانفعالها بكل ما يدور حولها وفيها".
    ولذلك فالتعبير عن الذات والانشغال بالجسد الأنثوي واضح بشكل جلي في قصة (أوراق الخريف) لربيعة ريحان، حيث يقدم لنا السارد- الشخصية الأنثوية الرئيسية في القصة، رافضة انشغال المرأة بانحناءات جسدها وبمواطن الجمال فيه والانجذاب إليه "ففي الحمام لا تذكر مرة أنها اغتسلت عارية تماما، أو أطالت النظر إلى عري الأخريات! وحدها تغرق في فيض من الضيق والتعثر الفاضح في متابعة هذا الانشغال الحميمي الفذ". فالاحتجاج واضح في هذا المقطع على وضعية المرأة التي لا ينظر إليها إلا باعتبارها أنثى/سلعة وليس باعتبارها أنثى/إنسانة، بل الغريب في الأمر هي نفسها تكرس هذا التصور وهذه الوضعية، مما دفع بالشخصية الرئيسية إلى توجيه الكلام إلى امرأة تتجمل "أنت بهذا تشيئين نفسك وأنت مناضلة ولست سلعة!، فهذه المناضلة التي تناضل من أجل تحسين وضعيتها وربما ضد الرجل، فإنها تتزين لأجله، مما يوحي برفض وثورة على اختزال المرأة واعتبارها مجرد بضاعة في سوق للعرض والطلب خاصة وأنها تثقل وجهها بمختلف عناصر الزينة والتجميل "تأملت عينيها المنتفختين قليلا وبشرتها الملونة بالزينة والمساحيق"، إنه رفض للاهتمام المفرط بالجسد ومنه رفض واحتجاج على أحد العناصر التي تتعثر فيها المرأة، حيث الكينونة الأنثوية لا تتحقق إلا عبر تحويلها إلى جسد وسلعة، حتى تنال اعتراف الرجل بها، لأن جسدها يحقق رغباته ويشبع شهواته ونزواته، لذلك "فمن الانحطاط ألا يعترف الرجل بالمرأة إلا من خلال جسدها الذي يظل الشغل الشاغل لها، فتقضي الساعات تلو الأخرى في تزيينه وجعله محط أنظاره".
    من هنا فالاحتجاج على النظرة التي تختزل المرأة كعنصر تزييني، هو حصيلة وعي نابض يحاول قدر الإمكان، استئصال الرؤية الشهوانية التي تعتبر المرأة بضاعة للاستغلال ومتنفسا للشهوات، واستنباتا لرؤية تعتبرها كائنا إنسانيا مثبت الهوية، ليبدو إذن أن الرفض والاحتجاج الذي تمارسه الذات النسوية عبر الكتابة القصصية وغيرها من الأجناس الإبداعية، جاء كرحلة شاقة قطعتها المرأة من أجل "استرداد كينونتها المشتتة المهيضة التي نفتها العلاقات الاجتماعية القائمة على الاستلاب والحيف، ونسف ذلك التابو الطقوسي الذي فرض عليها كسياج من حديد ينبغي أن لا تتخطاه ولا تناقشه"، وكأن المرأة المبدعة حينما تحاول تلمس تضاريس الذات الأنثوية وما يجيش بداخلها عبر الكتابة، فإنها تحقق غاياتها وتؤكد وتثبت هويتها بل جدارتها في المجتمع، ما دام الإبداع ممارسة ونشاطا، يجعل المرأة المبدعة كإنسان تعيد إنتاج إنسانيتها/هويتها، ومنه تحقق وجودها ككائن فاعل ومنتج يصارع من أجل البقاء والاستمرارية وتأكيد صوتها المطمور، مما يعني أن البوح عن مكامن الذات هو تحد للذات أولا، وللظروف المادية والطبيعية والمجتمع ثانيا.
    هكذا إذن، نجد القاصة ربيعة ريحان في قصتها (أبهة الاغتراب) تخلق شخصية معادلة لها كامرأة تعيش "الاغتراب" والإقصاء والتهميش، مما ولد الإحساس بالتوتر والانكسار النفسيين، تقول الساردة "أقولها مطبقة العينين في حياد وأنا أصد عني نهب الأفكار والاحتمالات، وضربات التوتر المتلاحقة التي تضيق بها النفس" حيث يتضح أن التوتر يكتسح الذات الأنثوية من كل الجوانب فيدخلها في متاهات الألم وسراديب المعاناة، لذلك تبوح الذات بما يجتاحها من تصور يضاعف الإحساس بالضيق والانكسار، فتتضح نغمة مفعمة بالحزن تنبعث من الذات لأنها انخرطت حاليا - عكس الماضي- في أشغال عصفت بالبسمة ورحابة الصدر "كنت مهما تطاول الضيق، أكتسب رحابة الصدر له، فلا يكون الانقطاع، ولا تغيض البسمة، لكن هذا الانشغال الآن، عصف بمواطن التحفظ، وبكل اليقظة الممكنة، مما تتحدد خطوطها لهذا الشرط المقوم لترابط الود.." فأحاسيس الذات الملتاعة/المتألمة تترجم عبر سخرية لاذعة تثوي بداخلها احتجاجات على سلطة الأم التي لا تزال تحمل فكرا تقليديا، وعبره الاحتجاج على الواقع وأعرافه، حيث نلمس نوعا من العتاب واللوم الخفيف للأم التي تهاجم صديقة بطلة القصة وشخصيتها الرئيسية "كانت تهاجم أنوثتها بغضب، فتسقط على الفور، في تلك التلميحات إلى صحبتها الدائمة لشبيهات لها متسكعات..
    ـ ديما بالسرول، بحال لولاد..".
    أما قصة (رائحة القسوة) للطيفة باقا فتفوح منها رائحة الاحتجاج على الرجل، وهذا الاحتجاج نابع من كون الشخصية الرئيسية في القصة، تمتلك ميزة البوح بما يعتمل في داخلها، فتفصح عن أحاسيسها ومكنوناتها، بخلاف مجموعة من النساء، وكأن الكتابة هي نقيض موضوعي للتكتم، لأنها تغدو جسرا للتعبير والبوح "..هذه الميزة بالذات، أقصد ميزة التكتم لم تكن أبدا من شيمي"، مما يعني أن البوح والتعبير عما يخالج الذات من أحاسيس ملؤها الرفض والاحتجاج، يعد من الأسلحة الرامية إلى الحيلولة دون بلوغ الذات الأنثوية إلى حالة من التدهور النفسي.
    ونبرة الاحتجاج تأخذ بعدا أكثر تصعيدا -في القصة السالف ذكرها- عبر الثورة والتمرد على الواقع، رغبة في قتل المسؤولين الذين يكرسون الهوية المهيضة للمرأة، ويسلبونها شرعية الاعتراف بها كمعادل مواز للرجل "يمكنني الآن أن أقتل بعض مسؤولي هذه البلاد التي شاءت إحدى الصدف أن أولد فوق أرضها" وكأن الولادة فوق أرض أخرى، كانت ستعصف باللامساواة بين الرجل والمرأة، ناهيك عن ضمان الحقوق المشروعة لهذه الأخيرة، لأن في هذه البلاد حتى في الأماكن التي يجب أن يخضع فيها الرجل والمرأة إلى المساواة: المساجد، نجد المرأة تأخذ في هذه الفضاءات المقدسة هامشا صغيرا، لذلك تتضاعف مأساويتها ويزداد إحساسها بالهامشية/التهميش والدونية، فتعلن مباشرة تمردها على هذه الفضاءات "..التاكسي الأحمر الذي كان يحملني.. مر أمام المساجد التي لم أدخلها أبدا لأنها كانت تخصص هامشا صغيرا جدا في الخلق للنساء المؤمنات"، حيث يبدو أن المساواة بالرجل هي الغاية التي تهدف إليه هذه الشخصية النسوية لأن الفضاءات المقدسة لا مجال للتفاوت فيها.
    إن التمرد والاحتجاج لا يقتصر على الإنسان والمجتمع، بل يتجاوزه إلى الاحتجاج على المرض وعلى اللحظة الزمنية الراهنة بجميع إكراهاتها، لأنها نسفت استمرارية البطلة، وبالتالي استمرار مشروع إثبات الذات عبر إنجاب طفلة تحملها إلى ذكريات الطفولة وإشراقات الماضي البريئة والجميلة "يبدو أنني سوف أفشل تماما في التفكير في شيء جميل من الآن فصاعدا.. سيستأصلون رحمي.. لن يكون بإمكاني إنجاب طفلتي.."، لذلك فهذه المرأة ترفض النظر إلى المرآة كأداة مضاعفة للذات، لكي تمنحها صورة عن تضاريس جسدها الأنثوي وتقاطيعه، لأنها امرأة تعي جسدها جيدا، ومنه فالنظر في المرآة/المرأة قد يثير التقزز والمرارة من الجسد/الذات "لست في حاجة إلى النظر في مرآة الحمام لأتذكر تقاطيعه التي تصيبني بالغضب أحيانا..".
    إذن نبرة الاحتجاج تعالت بعدما استمعت الذات إلى نبض الجسد الآيل للاندثار والتلاشي لأنه صدق بسذاجة كل ما يجعله ينخرط في الهامش، لذلك نرى الشخصية الرئيسية في قصة (منذ تلك الرائحة) لربيعة ريحان، تشعر بأنها تحولت من امرأة إلى دمية في هذا العالم وإن تلبست بلبوس إنساني: خاصة وأنها فقدت ما يجعل جسدها يحافظ على توازنه "في هذه الحياة الجديدة.. أنا دمية زرقاء.. فقدت ساقها" فهي إذن، بمثابة لعبة في يد الرجل الذي لا يهمه إلا امتلاك الدمى بحكم نظرته الشهوانية، أو نظرته المتعالية، وبالتالي فهذا الرجل الشهواني والراغب في اللعب بدماه/نساءه، لازالت تحكمه عقلية تقليدية، لذلك يعمل على امتلاك قدر كبير من النساء/الدمى "زوجي يملك معملا كبيرا للدمى يا "وردية". لكن ما يلاحظ في هذه القصة، أنه أثناء أحد الاسترجاعات (Analepse)- حيث يتم استرجاع أحداث ماضية وقعت لبطلة القصة رفقة صديقتها، "وردية"- يتم الكشف عن موقف يناقض الرؤية التقليدية السابق ذكرها، موقف يرى أن الجنس الآخر/الرجل لا يعتبر سلبيا دائما، لأنه "لا يزال هناك الكثير من الرجال يستحقون أن نحبهم في هذه الحياة كما في باقي الحيوات الأخرى.." فليس كل الرجال أشرارا، بل هناك بعضهم تعلوه سمة الخير ويستحق حب المرأة وعطفها ويمكنها أن تتآلف معه ويتآلف معها. لكن هذا الموقف سينقلب إلى احتجاج واضح على الرجل الذي ينظر إلى المرأة باعتبارها "مجالا إغرائيا لعملية واحدة: الجنس"، ويتضح أن الاحتجاج والرفض في القصة، يتم عبر تدفق الذكريات الطفولية لبطلة القصة، وذلك ما جعلها تبوح بمشاعر التقزز والمهانة التي لحقتها من طرف الجنس الآخر/ الرجل المعلم الذي لا يؤدي رسالته التربوية على أحسن وجه وبالتالي فالاحتجاج على رؤية الرجل الشهوانية تجاه المرأة نجد جذوره في الماضي، أي في مرحلة الطفولة حيث التفكير البريء، وإن كان في القصة قد تحول إلى تفكير معقلن، لأن المرأة/الطفلة تعي سلطة الرجل وفوقيته - حتى وإن كان مثقفا ومربيا- "كنت أحمل معي دميتي إلى الفصل معلمنا "السي العلمي" كان يأخذها مني خلال الدرس ويلقي بها في خزانة الفصل.." حيث يرغب الرجل/المعلم أن يظل موضع انشغال الطفلة/التلميذة، وليس لعبتها/دميتها، مما قد يصرفها عن الدرس من جهة وعن التفكير في الرجل/المعلم من جهة ثانية.
    وبالنظر إلى طبيعة الرؤية المهيمنة في القصة (التبئير في الدرجة الصفر (focalisation zero) تبدو بطلة القصة وشخصيتها الرئيسية والقائمة بوظيفة السرد، واعية ومدركة لطبيعة النظرة التي تحرك الرجل/المعلم في التعامل معها (الطفلة) ومع صديقتها (وردية) كطفلتين، وهي نظرة بريئتين "في فترة الاستراحة كان "السي العلمي" يجلسنا فوق حجره، يداعب صدرينا الضامرين، ويسألنا:
    ـ متى ستكبران أيتها المعزتان؟!"
    يتضح الاحتجاج، إذن، على سلطة الرجل، بل رفض لهذه السلطة، فضلا عن كوننا نلمس ثورة على رؤيته الاحتقارية والشهوانية تجاه الطفلة/المرأة، بل تجاوز الأمر ذلك إلى تقديم صورة للرجل تعكس مظاهر التسلط كما تعكس مظاهر الاعتداء الجنسي على الطفلة البريئة كما يبرز من خلال تذوق مذاق لعاب المعلم/المربي "السي العلمي" كان ضخما له كرش.. وكان مذاق لعابه مقيتا.. مقيتا..".
    ولعل التركيز على استرجاع مظاهر التسلط في مرحلة الطفولة هو محاولة لكسب عطف المتلقي من جهة، ثم تضخيم لصورة التسلط من جهة ثانية لأن "الأطفال كنفوس ساذجة بريئة تشعرنا بكثير من الانقباض والاهتزاز حين تسقط فريسة للاضطهاد والعذاب وتضاعف - تبعا لذلك- من قوة الإدانة والتقريع".
    أما في قصة (الكية) للطيفة لبصير، فتبدو القاصة مختبئة خلق السارد الكلي المعرفة، حيث تحتج على الرجل، رغم اتخاذها له بطلا لقصتها، بطريقة ملفوفة بالاستهزاء والسخرية من الرجل المبدع (الشخصية الرئيسية) - بالرغم من كونه شاعرا ويقاسمها الاحتراق بجمرة الإبداع- بل نلمس رغبة في محاكمة هذا الرجل/الشاعر، لأنه كان أولى به ألا يترك زوجته تقاسي الوحدة والملل، مما دفع بها لكي "تحدثه في الهاتف.. هل هي الحضرة؟"، حيث كان الصوت الأنثوي المنبعث من الأسلاك المغناطيسية (الهاتف)، كافيا ليوقظ الشهوة الجنسية لديه، ويؤجج الرغبة في الاستمتاع بالمرأة المثقلة بجملة من الأعمال المنزلية الرتيبة، وهذا ما دفع بها لأن "تدفن مؤخرتها في السرير وتغط في نوم عميق مثقل بالأعمال المنزلية وتربية الأطفال والواجب اليومي الميكانيكي"، وهي وضعية ترفضها القاصة وتحتج عليها، كما أنها ترفض الرؤية الذكورية التي تختزل المرأة في عنصر يثير الحواس الجنسية، حتى في بعض اللحظات التي يجب فيها أن تكبح الشهوة الجنسية، مثل بعض لحظات التذكر والحلم والغواية "يتذكر أنه أمسك يديها وأنها مررتهما برفق على كل أعضائه، لذلك تذوب أعضاؤه الآن، ترغبها.. هل كانت حلما أم قصيدة؟ هل أفرزتهما شطحاته التي لا تنتهي.."، لذلك فالقاصة كانت ذكية عندما جعلت الرجل عوض النظر إلى المرأة نظرة شبقية، يتوجه إلى الانشغال بجسده والانطواء على ذكوريته، ولذلك فهي تحاكمه وتجعله يجلد بسياط الألم "إنها الكية يا بثينة ألهبت نار الجسد.." لأنه اختزل المرأة في عنصر/شيء يلبي به رغباته الجنسية. وبذلك عملت القاصة عبر سارد القصة وشخصيتها كسر العرف الاجتماعي والرؤية الذكورية، التي ترى أن المرأة مجرد جسد أو بالأحرى بضاعة للاستغلال ومتنفسا للشهوة.

  32. #112
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس الرابع والثلاثون

    رابعا - ملاحظات على سبيل الختام:
    إن الحديث عن تحرر المرأة من داخل نصوص قصصية، هو حديث عن حرية الإنسان عامة مما يعني ضمنيا أن كل إصلاح حقيقي لوضع المرأة عبر تحريرها، يقتضي إعادة النظر في الوضع الإنساني برمته، علاوة على أن الاحتجاج على معاناة المرأة، هو احتجاج على كل الأوضاع المأساوية التي يعيشها الإنسان عامة، وثانيا فالمبدع (امرأة ورجل) حينما يكتب فهو يعبر عن الواقع الذي يعيشه ويعانيه هذا المبدع في علاقته بعدة أطراف ووضعيات.
    وفي الختام نرى من اللازم استعراض بعض النتائج كما يلي:
    ـ إن هيمنة تيمة الحرية في العديد من القصص التي تناولناها لمبدعات مغربيات نابعة من الوعي بمسألة حرية المرأة لذلك انعكس هذا المطلب العام على الكتابة والإبداع.
    ـ إن القاصات حينما يعبرن عن رفضهن لبعض الأعراف والتقاليد، ويحتججن على بعض الممارسات التي تكرس هامشية ودونية المرأة، يكن قد عبرن بصدق عما يعتمل في دواخلهن، ما دامت "الكتابة فعلا سافرا مفضوحا وكشفا وتعرية للداخل".
    ـ إن الشخصيات القصصية الأساسية التي تبدعها القاصات المغربيات تكون من النساء اللواتي يستخدمن ضمير (الأنا) يعتمدن الرؤية من خلف، ويتحدثن عن المشاكل التي تتعرض لها المرأة، وأحيانا يغيبن الرجل كشخصية إيجابية في متن النص القصصي وكأنه تغييب (للأنا) الذكورية المهيمنة في المجتمع، وأحيانا أخرى يحضر كنقيض موضوعي للمرأة يقمع ويساهم في التهميش لذلك تقاومه (الأنا) الأنثوية بكل قوة.
    ـ إن صوت المرأة يصلنا في بعض القصص عبر الشخصيات، محاولا تجاوز فكرة ضعف المرأة ويطمح لمساواتها مع الرجل، كما أن هذا الصوت يصلنا أحيانا ملفوفا بالسخرية اللاذعة والهادفة.
    ـ تطرح بعض النصوص القصصية إشكالية الاغتراب المكاني، الذي يستدعي بالضرورة الرغبة في التحرر والتوق للانعتاق من كل الفضاءات المنغلقة التي تغوص فيها الذات الأنثوية الممزقة، خاصة فضاء البيت/المنزل الذي يثقل كاهل المرأة بمجموعة من الإكراهات المتنوعة والمتعددة.
    ـ تطفح هموم الذات الأنثوية على سطح النصوص القصصية بشكل كبير، حيث لا تجد المرأة القاصة بدا من بلورة مأساتها الذاتية إلا من خلال تعبيرها عن التحرر والرفض والاحتجاج على معطيات الواقع المادي وقيمه وقوانينه التي فرضت بعضها قهرا وقسرا على المرأة.

    دخلت إلى الساحة النقدية العربية تساؤلات جديدة ضمن الكمّ الهائل من الأفكار الغربية التي تسللت إلى تفكيرنا حول دور المرأة الكاتبة، وفيما إذا كان بإمكانها أن تكتب أم لا؟ وإن كتبت، أيكون ذلك بصوت الأنثى، أم بصوت الرجل الذي طالما كتب عنها طيلة قرون من دون أن يذكر لها التاريخ وجودًا مؤثرًا.
    وقد عبّر أحد النقاد عن هذه الإشكالية الجديدة بقوله: "وإذا ما جاءت المرأة أخيرًا إلى الوجود اللغوي من حيث ممارستها للكتابة فإنها تقف أمام أسئلة حادة عن الدور الذي يمكنها أن تصطنعه لنفسها في لغة ليست من صنعها، وليست من إنتاجها، وليست المرأة فيها سوى مادة لغوية قرر الرجل أبعادها ومراميها وموحياتها. وفي هذا الوضع هل بيد المرأة أن تكتب وتمارس اللغة واللفظ الفحل، وتظل مع هذا محتفظةً بأنوثتها، أم أنه يلزمها أن (تسترجل) لكي تكتب وتمارس لغة الرجل؟"
    إذا قررنا التركيز على التيار الإسلامي في النقد والأدب والذي "يدافع عن هوية الأمة الثقافية، وينقذ وجدانها الجمعي من التأثير السلبي الهدام للتيارات الأدبية والفنية والفكرية التغريبية المنحرفة التي تفشت كالوباء لدى عددٍ غير قليل من الأدباء والكتّاب في كثيرٍ من بلدان الأمّة العربية والإسلامية" فإننا نكتشف دون عناء أن مثل هذه الإشكاليات الوهمية المطروحة دون أهمية تُذكر، ذلك أن الأدب الإسلامي وباعتباره البديل الذي يحمل بين طيّاته القيّم الرّاسخة، والمبادئ ممتزجةً بالإبداع والجمال، هذا الأدب بدفتيه (الإبداع والنقد) يجد نفسه اليوم مدفوعًا إلى الظهور من جديد، "وخوض معركة ثقيلة الوزن والمسؤولية في ساحة الحياة والتاريخ والحضارة، جنبا إلى جنب مع باقي عناصر المعرفة والوعي الأخرى التي تتأسس عليها الذات الإسلامية سياسة واقتصادا وعلوم وتربية"، وهو في هذه المعركة الحاسمة يحتاج إلى كل الأقلام المجاهدة دون التمييز في جنس الأيادي التي تحملها، ولذا نراه يشجع كل من شحذ همته لهذه الغاية مهما يكن جنسه أو جنسيته.
    نقرأ لإحدى هذه الأقلام الواعدة والأنثوية أيضا مجموعة قصصية عنونتها كاتبتها الجزائرية بـ:"الأرض الجريحة"، وهي مجموعة إبداعية ضمن أخرى تفتحت في بلاد الحرمين لأسباب كثيرة أهمها غياب مفهوم الأدب الإسلامي في بلد النشأة (الجزائر)، وبالتالي غياب أي إبداع أو نقد يمت إلى هذا التيار بصلة من دور النشر والمكتبات على كثرتها.
    ويزخر المشهد القصصي النسائي في الجزائر بثلاثة أجيال من الكاتبات أسهم كل جيل على حده في إثراء النتاج الأدبي في الجزائر، "يمثل الجيل الأول المؤسس للإبداع القصصي النسائي في الأدب الجزائري الحديث والمعاصر كل من: زهور ونيسي، وجميلة زنيبر، ونزيهة المسعودي، ونورة سعدي. أما الجيل الثاني فتمثله الأقلام النسائية الجديدة التي ظهرت في التسعينات وتمثلها كل من: صبايحية بن بركة، وفضيلة الفاروق، وزهرة الريف، وهن الكاتبات اللاتي أسهمن مع الجيل المؤسس في مزيد من ترسيخ جنس القصة القصيرة، وتأكيد حضورها في الأدب الجزائري الحديث والمعاصر، وهو ما سيتأكد أكثر في هذا العقد الأول من الألفية الثالثة بدخول أسماء نسائية جديدة مجال الكتابة القصصية، مما أسهم في تنامي نسق النتاج القصصي الصادر، وهي أسماء: ياسمينة صالح، وفهيمة الطويل، وجميلة الطلباوي، وجميلة خمار، ونسيمة بن عبد الله، وعائشة بنّور، وغيرهن..
    يبلغ عدد القاصات الجزائريات (حسب الدكتور بوشوشة بن جمعة) الذي تتبع المسار الإبداعي النسائي في بلدان المغرب العربي في كتاب عنونه بـ:"بيبليوغرافيا الأدب النسائي المغاربي" بـ: "21قاصة، أنتجن26مجموعة قصصية منذ سنة 1967 إلى غاية عام 2007" ، وكما نلاحظ في بحث الدكتور بوشوشة فإن القاصات اللاتي اخترن التوجه الإسلامي قد تمّ إقصاؤهن تماما من الدراسة، ولم يشر إلى وجودهن، ولا إلى وجود تيار الأدب الإسلامي في الجزائر عموما، وهو الاختيار الذي دعمته دور النشر والمكتبات، إذ لا نجد أي أثر تابع لهذا التيار في الجزائر، وهذا ما يفسر لجوء كتّاب الأدب الإسلامي عموما والكاتبات على وجه الخصوص إلى النشر في البلاد العربية، وإلى الانضواء تحت راية رابطة الأدب الإسلامي العالمية التي نذرت جهدها لنشر هذا التيار (إبداعا ونقدا) في كامل العالم، وذلك ما يفسر طبع: "الأرض الجريحة" في المملكة العربية السعودية حيث المقر الأساسي للرابطة، وكاتبتها: "صورية إبراهيم مروشي" من مواليد "سريانة" (باتنة) عام 1966م، وهي مهندس دولة في الهندسة المعمارية، متخرجة من جامعة قسنطينة عام 1992م، وهي كاتبة للقصة القصيرة والرواية، وقد نشرت في العديد من المجلات العربية مثل:"المشكاة" المغربية، و"الشقائق" السعودية، وفازت مجموعتها القصصية التي اخترناها للدراسة بالجائزة الثالثة في مسابقة الأديبات بالرابطة، كما فازت بالجائزة الأولى في الرواية بمسابقة الإبداع الأولى التي أجراها موقع: "لها أون لاين"، وفازت كذلك بالجائزة الثالثة في القصة القصيرة بمسابقة الإبداع الثانية التي أجراها موقع: "لها أون لاين"، وهي عضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية التي قامت بنشر هذه المجموعة في دار "العبيكان" عام 2010م.
    ويليه الخامس والثلاثون ويبدأ بمواضيع الكتابة النسائية

  33. #113
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    حياك الله توأم روحي..وأشكر مرورك الكريم الطيب ام علي

  34. #114
    المشرفة العامة للمجالس الاسلامية و الاسرة العربية - عضوة مجلس الإدارة الصورة الرمزية معلمة أجيال
    تاريخ التسجيل
    27-08-2015
    الدولة
    الأردن-عمان
    المشاركات
    1,884

    افتراضي

    جزاك الله خيرا ابا علي على هذه المعلومات القيمة ,ولعلك بحديثك عن هؤلاء القاصات الاديبات والقائك الضوء على جانب من سيرتهن قد ساهمت ولو بالقليل بالتعريف بهن وانصافهن بعد ذلك التهميش الذي يعانينه وخاصة الاسلاميات منهن فبارك الله فيك

  35. #115
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    نعم وما تفضلت به صحيح ..وسنأتي على بعض الكاتبات الإسلاميات في المقالة والقصة والرواية والشعر بأمر الله
    بارك الله فيك وتسلمي

  36. #116

    افتراضي

    انا ارى ان بعض الكاتبات في الادب المغاربي يمتاز بالبوح التحرري الفاضح وهذا ما كان في العصور السابقه
    فما السبب في هثل هكذا تحرر؟
    هل التغريب له دور في ذلك؟
    أم هل لضعف الوعي الديني والالتزام الديني دور في ذلك؟
    الله يجزاكم الخير

  37. #117
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    [align=right]الدرس الخامس والثلاثون
    مواضيع الكتابة النسائية

    إن موضوع الكتابة القصصية النسائية من المواضيع التي استقطبت اهتمام النُّقَّاد، فقدَّمت كتبًا عديدة تتنوع بين مصادر ومراجع عالجت موضوع الكتابة والقصة النسائية، ومن الدراسات التي عالجت هذا الموضوع نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
    ♦ كتابة المرأة من المونولوج إلى الحوار؛ حميد لحميداني، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1993، ويضم الكتاب مواضيع تتجلى في:
    • السؤال المنهجي، وخصوصية الموضوع من حيث الهُوية الجنسية، وهوية المرأة داخل المكان وداخل اللغة، وهويتها الحقوقية، وإشكالية الكتابة النسائية.

    • المونولوج ودراسته لعدد من الإبداعات، منها: صحوة الجسد؛ لخناثة بنونة، وأوهام الذكورة، وغيرها.

    ♦ المرأة والكتابة، سؤال الخصوصية / بلاغة الاختلاف؛ رشيدة بن مسعود، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1994، كتاب عالج موضوع المرأة والكتابة؛ حيث قسم لثلاثة فصول كبرى، تجلت في:
    • الأول: تمحور حول الأنثى والأدب وإشكالية قضية المرأة في عصر النهضة العربية، وكذا شروط الوعي النسائي في المغرب من الناحية التعليمية، متطرِّقة لأسماء الكاتبات المغربيات، ونبذة مقتضبة عن حياتهنَّ، وهنَّ: آمنة اللوه، وخناثة بنونة، ومليكة الفاسي، وزينب فهمي.

    • الثاني: خصصته لمصطلح "الكتابة النسائية" بين القبول والرفض، وموقع المرأة في اللغة، وإستراتيجية الكتابة النسائية.

    • الثالث: دراسة تحليلية للنموذج العاملي، والتركيب العاملي والأدوار المحورية في السرد النسائي.

    ♦ الأنثى والكتابة؛ أفروديت، العدد 2، 2004، مجلة اهتمت بموضوع الكتابة والأنثى في عددها الثاني، ضمت عناوين لمواضيع هامة، وهي:
    • الأنثى والكتابة، شغب الكينونة الموغلة في الجرح الثقافي، افتتح بها رئيس تحرير هذا العدد.
    • حصيلة الإنتاج الأدبي النسائي بالمغرب، كتبها: محمد قاسمي.
    • والكتابة والمرأة: لحسن المودن.
    • مفهوم الكتابة النسائية (بين الرفض والقبول)؛ لفاطمة طحطح.
    • وكتب محمد برار حول تذويت "الكتابة النسائية من التصنيف إلى الأنسنَة".
    • هوامش حول: "أدب المرأة"، لمحمد النظيفي.
    كما ضم الكتاب حوارات مع عدد من الكتاب؛ ومن بينهم: حميد لحميداني، وأحمد الدمناتي، وعبدالواحد معروفي.

    كما تم الاهتمام بإبداعات كل من: ليلى الدردوري، وابتسام أشوري، ونادية رياض، وسعاد التوزاني، وإكرام عبدي، وفاطمة بوهراكة، وأمينة حسيم، ولطيفة الأزرق، ودليلة حياوي، ونجاة الزباير،

    ♦ السرد النسائي العربي، مقاربة الواقع في المفهوم؛ زهور كرام، 2004، وهو من الكتب والمصادر المهمة في الكتابة القصصية النسائية المغربية؛ حيث قسمت الكاتبة كتابها إلى مقدمة ومدخل، عالجت من خلاله الرؤية الجديدة للسرد النسائي من خلال عناصر متماسكة، يتجلى في دراستها موضوع المرأة والإشكالية التاريخية بما فيها من تمظهرات الدونية، وما ترتَّب عنه من اجتهاد لتجاوز تلك النظرة، مُخلِّفة بذلك خطابًا إبداعيًّا فنيًّا، كما ساهمت بدارسة واقع المرأة العربية وواقع الدونية الذي عانت منه، لتتطرق إلى الكتابة النسائية وإشكالية "لماذا؟" حول الإبداع النسائي وسبب التسمية، ومناقشة موضوع الكتابة النسائية من عدة واجهات: الاجتماعية، النسائية، السياسية، الثقافية.

    ♦ الكتابة النسائية، حفرية في الأنساق الدالة الأنوثة.. الجسد.. الهوية؛ عبدالنور إدريس، مكتبة وراقة سجلماسة، مكناس، 2004، تطرَّق لمواضيع متعددة، منها:
    • الكتابة النسائية... احتراق السؤال.
    • الجانب الشِّعري ورحلة المؤنث في وجدان الشعر العربي من خلال شِعر الغزَل، وأهم خصوصيات الشعر الذي موضوعه المرأة.
    • السرد وهتاف الجسد بين الحرية والتحرُّر في السرد النسائي العربي.
    • المرأة والجسد المكتوب.
    • والمرأة والكتابة بالجسد.
    • مؤسسة الكتابة النسائية بداية الوعي بالهوية، وإرهاصات النقد.
    • دراسة الأدب النسائي الفرنسي، ومحاولة تجلية الصالون الأدبي، ونقد الكتابة النسائية بين فرجينيا وولف، وجوليا كريستيفا، وعنواين أخرى موضوعها المرأة.
    • تأنيث خطاب المرأة بالمغرب بين الثابت والمتحوِّل، بتحديده تاريخ مسار المرأة المغربية، ودراسته للمفاهيم المحيطة بالمرأة بما فيها المقاربة السيميولوجية داخل السوسيولوجيا، وعناوين أخرى تصب في الموضوع نفسه.
    [/align]

  38. #118
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    جزاك الله خيرا اخي الحبيب مهندس مخلد ما شاء الله دائماً مميز

  39. #119
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    حياك ربي حبيبنا الغالي الأستاذ عبدالمنعم..
    حفظك ربي ورعاك وسدّد بك وقارب..
    بارك الله فيكم جميعا

  40. #120
    رئيس مجلس الإدارة الصورة الرمزية د ايمن زغروت
    تاريخ التسجيل
    01-10-2009
    الدولة
    مصريٌ ذو أصولٍ حجازية ينبعية
    المشاركات
    12,200

    افتراضي

    موضوع موسوعي بديع و مفيد , بارك الله فيك اخي الكريم م مخلد و نفع بك .

صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1 2 3 4 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. البروفسور د.مختار الغوث - نهضة الأدب العربي الحديث بدأت من بلاد شنقيط
    بواسطة عباد الصيمري المنج في المنتدى منتدى جغرافية البلدان و السكان
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-01-2017, 02:02 PM
  2. وقفة مع أحد روّاد الأدب العربي- م. مخلد بن زيد
    بواسطة م مخلد بن زيد بن حمدان في المنتدى مجلس الادباء العرب ( المستطرف من كل فن مستظرف )
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-02-2016, 03:42 PM
  3. كيفية الكتابة- تعليم وتدريب- مشرفوا مجالس الأدب العربي "اللغة العربية"
    بواسطة م مخلد بن زيد بن حمدان في المنتدى مجلس لغتنا الجميلة
    مشاركات: 23
    آخر مشاركة: 27-12-2015, 09:54 AM
  4. الأدب العربي.... وسيلة دعوية
    بواسطة محمد صلاح في المنتدى قهوة الحرافيش .اوتار القلوب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 14-09-2010, 07:13 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum