حكمة : لله نقمة لم تبلغ غايتها فيكم ..!!
ذكر ابن قتيبة في كتابه (مختلف الحديث) :
أن المنصور الخليفة العباسى سَمّرْ ذات ليلة ،
فذكر خلفاء بنى أمية وسيرتهم ،
وأنهم لم يزالوا على إستقامة حتى أفضى أمرهم إلى أبنائهم ،
فكان همهم فى عظيم شأن المُلك وجلالة قدره
قصد الشهوات وإيثار اللذات والدخول فى معاصى الله ومساخطه
جهلا ً منهم باستدراج الله تعالى وأمنا ًمن مكره تعالى ،
فسلبهم المُلك والعز ونقل عنهم النعمة .
فقال له صالح بن على :
" يا أمير المؤمنين ، إن عبيد الله بن مروان
لما دخل النوبة هاربا ً فيمن اتبعه ،
سأله ملك النوبة عنهم فأخبره ، فركب إلى عبيد الله
فكلمه بكلام عجيب فى هذا النحو لا أحفظه ،
فإن رأى أمير المؤمنين أن يدعو به من الحبس
بحضرتنا فى هذه الليلة ويسأله عن ذلك ..؟ "
فأمر المنصور بإحضاره وسأله عن القصة فقال :
" يا أمير المؤمنين قدمت أرض النوبة بأثاث سُلم ليّ ،
فافترشته بها ، وأقمت ثلاثا ً ،
فأتانيّ ملك النوبة ، وقد اُخبر أمرنا
فدخل عليّ رجل طوال أقنى حسن الوجه
فقعد على الأرض ولم يقرب الثياب
" فقلت : " مامنعك أن تقعد على ثيابنا ؟ " ،
فقال : " إنى ملك ،
وحق لكل ملك أن يتواضع لعظمة الله إذا رفعه الله " .
ثم قال :
" لِمَ تشربون الخمر وهى محرمة عليكم فى كتابكم ؟
" قلت :
" اجترأ على ذلك عبيدنا وأتباعنا بجهلهم " ،
فقال :
" فلِمَ تطأون الزرع بدوابكم والفساد محرم عليكم ؟ " ،
قلت :
" فعل ذلك عبيدنا وأتباعنا بجهلهم " ،
قال :
" فلِمَ تلبسون الديباج والذهب والحرير وهو محرم عليكم فى كتابكم ؟" ،
قلت :
" ذهب منا المُلك وانتصرنا بقوم من العجم
دخلوا ديننا فلبسوا ذلك على كُره منا " .
فأطرق ينكت بيده الأرض ويقول :
" عبيدنا وأتباعنا ، وأعاجم دخلوا ديننا " ،
ثم رفع رأسه إليّ وقال :
" ليس كما ذكرت ،
بل أنتم استحللتم ماحرم الله عليكم
وأتيتم ما عنه نـُهيتم ،
وظلمتم فيما ملكتم
فسلبكم الله العز وألبسكم الذل بذنوبكم ،
ولله نقمة لم تبلغ غايتها فيكم
وأنا خائف أن يحل بكم العذاب وأنتم ببلدى
فينالنيّ معكم ،
وإنما الضيافة ثلاث
فتزود ما احتجت إليه وارتحل عن أرضى ".
***********************
مواقع النشر (المفضلة)