بعد أن انتهينا من إعداد الطباعة الثانية من تراجم الأعلام في الصومال ها أنا أولّي وجهي نحو مشروع آخر، لأفتح بابا نادرا ما كُتب حوله، وهو موضوع القبائل الصومالية وبطونها وعشائرها ومناطق سكنها.
ومن البداهة أن هذا الموضوع حيويّ بغضِّ النظر عن ما سيثيره من الحساسية، فمجرد عنوانه يدل على أن دراسة مكونات الشعب الصومالي ومناطق توزيعه في القرن الإفريقي يعد أهمية كبيرة لأبناء الوطن وللباحثين الأجنبيين، فموضوع القبائل الصومالية من أكثر المواضيع جدلا، لأن معظم من كتب عنه أجانب من الغرب، ثم حذا بعض العرب كالمصريين حذوهم، أما الباحث المثقف الصومالي؛ فإذا أراد أن يكتب عن نبذة عن جمهورية الصومال وسكانها في طليعة بحثه، فإنما يقلِّد هؤلاء الأجانب باستثناء قبيلته التي يعطي لها صفحة أو صفحتين، وبالتالي فلم يُحدث شيئا.
إنني خططت أن أكتب عن هذا الموضوع قبل أكثر من عام، وأعلنتُ في صفحتي في الفيس بوك في أبريل الماضي أنني سأصدر في عام 2013م كتابا عن القبائل الصومالية، وذلك للأمور التالية:
الأولى: أنه ليس هناك كتابا في هذا المجال باللغة العربية، إلا كتاب (بغية الآمال في تاريخ الصومال)، وستأتي مزاياه وعيوبه، وهناك ورقة علمية أعدَّها أستاذنا الفاضل د.محمد أحمد شيخ علي دودش بعنوان (القبائل الصومالية: الأصل، البناء، الوظيفة) نشرت في مجلة الراصد في السودان وغيرها وسيأتي الحديث عنها، أمَّا كتاب (القبيلة وأثرها في السياسة الصومالية) لأخينا د. محمد يوسف موسى طبع في دار جامعة إفريقيا في السودان عام 1999م فليس في هذا الموضوع، وإنما في استخدام القبيلة في العملية السياسية كما هو واضح في العنوان.
الثانية: أن أغلب ما كُتب عن القبائل الصومالية بيد الباحثين الغربيين والعرب خطأ إمّا من حيث العدد أو من حيث التصنيف والتقسيم والترتيب.
الثالث: أنه لا بد أن يكون هناك بحث معتمد في هذا المجال مفيد للجميع ويتسم بالحياد والموضوعية والدقة والصحة، غير أن من يدعي الكمال فهو واهم، فلا كمال إلا للباري سبحانه وتعالى.
وقد أثار البعض عند إعلاني لهذه الخطة أن هذا المجال خطير جدا ربما يسبب لي خللا أمنيا، وذلك أن القبيلة هي الدّين الثاني الذي يعبده الصوماليون بعد الإسلام، فمن الحساسية بمكان أن أتطرق إلى هذا الموضوع، وبعد مجيئي إلى مقديشو منذ يونيو الماضي كنت أفكر في هذا الموضوع وأستشير، فظهر لي أنه إذا تطرقت إلى الموضوع مجردا عن الطعن والتشهير، وابتعدتُّ عن كل ما يثير الحساسية والتنافر، فلن يثير شيئا، ولن يتسبب في مشكلة، لأنني أريد أن أتناول القبائل حسب ما ترضى بها من التقسيم مع التوقي بالصحة، وسأبتعد عن كل ما هو غير حقيقي من الأقاويل والأساطير والشائعات، فبدلا من أترك هذا الموضوع وأضرب عنه صفحا لتبعاته فإنني أتطرق إليه بالعدل والموضوعية والبعد عن الحساسية، ولا أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه وأنيب.
ما كتب حول هذا الموضوع:
أحسن شخص تناول هذا الموضوع باللغة العربية هو الشيخ المؤرخ عيدروس بن الشريف النضيري العلوي في كتابه (بغية الآمال في تاريخ الصومال) فإنه بنى على تقسيماته للقبائل بالرواية الشفهية التي رواها عن زملائه الصوفيين من أهل البدو ومن إخوانه الحضريين في مقديشو، وكل تقسيماته صحيحة %85 مقارنة مع غيره الذين اعتمدوا على تقسيمات الأوروبيين والعرب المصريين، ولا يوجد كتاب باللغة العربية قد تطرق إلى هذا التفصيل في تقسيماته مثل كتاب بغية الآمال.
إلا أن تطرقه لقبائل دارود وحديثه عنها ضحل، وبعضها خطأ فادح، ويبدو أنه لم يجد من زملائه الصوفيين من يروي له في التسلسل النسبي لها، وكذلك تطرقه لقبائل دغل ومرفلي.
غير أن كتابه أحسن ما ألف في هذا الموضوع رغم أنه غير مرتب بالدقة، وضبطه لأسماء العشائر ضعيف لأنه كتبها بالعربية ولم يراع أصل الكلمة وبناءها الصوتي، وفي بعضها خطأ مطبعي، وهو مهتم بالتقسيم الفرعي ويبالغ فيها، ويذكر في كل عشيرة نسب زميل صوفي له أو شيخ يعرفه مما يدل على أنه غير مرتب.
والكتاب طبع في مقديشو عام 1954م وطبعته مطبعة الإدارة الوصيَّة على الصومال من قبل إيطاليا، وعثرتُ عليه في مكتبة دار زيلع للنشر والتوزيع في مقديشو، وأذنوا لي بتصوريه، وسأعتمد على هذا الكتاب مع تعديل كبير من حيث ضبط أسماء العشائر باللغتين العربية والصومالية، وكذلك من حيث التقسيم والترتيب وأستعين بخبراء في هذا المجال.
وهناك ورقة علمية أعدَّها أستاذنا الفاضل د.محمد أحمد شيخ علي دودشى بعنوان (القبائل الصومالية: الأصل، البناء، الوظيفة) نشرت في مجلة الراصد في السودان وغيرها، إلا أن الأستاذ ناقل لعشرات الآراء للأجانب حول أصل كلمة الصومال ويطنب في سردها دون أي ترجيح، فيتطرق إلى أصل الصوماليين هل هم حاميون أم ساميون، ومَن هي القبائل العربية السامية ومن هي الحامية، ويعتمد على علماء الأجناس الأوروبيين الذين كتبوا قبل مائة عام عن أصل الصوماليين أمثال هيربرت لويس وزملائه وبعض الباحثين العرب ومقلديهم من الصوماليين، ويتختم في كل مبحث بقوله: ” ونستخلص مما سبق..”،!! وبالتالي فإن الأستاذ ينقل لنا كل الآراء – ولا شك أن بعضها إن لم يكن معظمها غير صحيح – من غير أن يمحِّص وينتقد، وسيأتي نقد كل تلك الآراء في الحلقة الثانية بإذن الله.
وهناك بعض المؤلفات باللغة الصومالية حول القبائل الصومالية أبحث عنها كي أستفيد منها إن شاء الله، ومن أهمّ ما سمعت من المؤلفات كتاب البروفسور محمد عبدي غاندي، وكتاب الجنرال محمد إبراهيم ليقليقتو، وغيرهما.
------
*عن أنور أحمد ميو
كاتب وباحث صومالي، من مواليد مقديشو 1982م، حاصل على البكالاريوس في الجغرافيا من جامعة إفريقيا العالمية بالسودان، والماجستير في الدراسات الإفريقية - علوم سياسية من نفس الجامعة، ويحضر الدكتوراة في العلاقات الدولية في أكاديمية السودان للعلوم. صدر له عدَّة مؤلَّفات في التاريخ والتراث الصومالي والفكر والشريعة.
hgrfhzg hgw,lhgdm - frgl hk,v hpl] ld,
مواقع النشر (المفضلة)