تاريخ الترك- آسيا الوسطى ما قبل التاريخ ٢/١
في تاريخ العالم، يشكل العصر الحجري الحديث أهمية عظمى لظهور الزراعة، و التي مكنت الشعوب من النمو، و بالتالي نشوء الحضارات. و تشسر الأبحاث إلى أن الزراعة امتدت إلى المنطقة الأورو-آسيوية في هذه الفترة، في المنطقة الجنوبية لتركمنستان حوالي سبعة آلاف عام قبل الميلاد. جفاف المنطقة أدى إلى حصر الزراعة في واحات و سهول آسيا الوسطى. و ظلت أهمية آسيا الوسطى كمنطقة زراعية كبيرة جداً. و على مدى قرون طويلة ظلت آسيا الوسطى تنتج محصولات كالقمح و الأرز، و اشتهرت بفواكهها من التفاح و الخوخ و الرمان و البرقوق و الكرز و الشمام و العنب. أدى هذ الإزدهار الزراعي للمساعدة على ظهور المدن فيها منذ حوالي ثلالثة آلاف عام قبل الميلاد. و مع الوقت تطورت هذه المدن لتصبح مراكز للتجار و الحرفيين، و تطورت فيها ثقافة مميزة.
مع بزوغ فجر الألفية الرابعة قبل الميلاد، بدا لسكان آسيا الوسطى أن تربية الحيوانات هو النشاط الأنسب عوضاً عن الزراعة في المناطق الجافة. و بدا أن تربية المواشي في منطقة آسيا الوسطى هي الأفضل في حين أن الزراعة كانت أنسب للمنطقة الأورو-آسيوية. و يبدو أن تربية المواشي و الخراف و الماعز قد بدأت حوالي ستة آلاف عام قبل الميلاد. بينما كان ركوب الأحصنة، و تحسين سلالات الخيول، و اختراع العجلة قد ظهرت في الفترة ما بين أربعة آلاف و ألفي عام قبل الميلاد في المنطقة الواقعة اليوم بين أوكرانيا و الحدود الروسية الكازاخية.، و انتشرت من هناك. كما تم تهجين الجمل الوسط آسيوي ذو السنامين في الألفية الثالثة قبل الميلاد، كما تم تطوير التقنيات اللازمة للاستفادة من الحليب، و الصوف، و قدرة الحيوانات على الجر مما مكن أهل تلك المنطقة من الانتشار إلى مناطق قاحلة أكثر كرعاة للمواشي. كما كونوا نظاماً رعوياً عسكرياً أساسه الخيول. و كان البدو في وسط آسيا هم من أكثر الرعاة العسكريين قدرة على التنقل.
الثقافة الفروسية للعصر الحجري انتشرت بشكل كبير و واسع. و كانت مرتبطة بشكل أو بآخر مع الشعوب المتحدثة بالآرية أو الهندو-إيرانية. و كون الشعوب الإيرانية و الهندية تطلق على نفسها اسم “الشعوب الآرية” يدل ذلك على أن أصلهم واحد. و أول حضارة تمتد من الأورال إلى غرب الصين كانت حضارة الأندرونوفو و هي الحضارة التي أتت بعد الحضارة الهندو-آرية سينتاشا بيتروفكا (٢١٠٠-١٧٠٠ ق. م.). المقابر التي وجدت في حوض تاريم تشير إلى أنها دفنت ما بين ٢٠٠٠-٤٠٠ ق.م. و تحوي جثثاً محفوظة بشكل جيد و ذات ملامح قوقازية تشير إلى أن قوماً هندو-أوروبيين سكنوا تلك المنطقة. علاوة على ذلك، فإن المقابر تحتوي على منسوجات تشير إلى أصلها الشمال أوروبي و بها أيضاً طواقي طويلة و سوداء لسحرة أو مشعوذين تشبه المستخدمة عند الإيرانيين الأوائل. و يبدو أن أولئك القوم هم أسلاف الطخاريين و الذين تركوا خلفهم كتابات بلغة هندو-أوروبية لها صفات تشبه اللغة الجرمانية. انتشار الشعوب الهندو-أوروبية في تلك المنطقة يمكن أن يقارن بالانتشار اللاحق للشعب التركية غير أن الفرق الأساسي هو أن الانتشار التركي يمكن النظر إليه في ضوء التاريخ كله.
دخلت شعوب السهل الآسيوي التاريخ في الألفية الأولى قبل الميلاد عندما ظهرت النصوص المكتوبة عنهم لدى شعوب أخرى كما في “التواريخ” لهيرودوتس. و تم التعريف بهم كشعب السكوذيين لدى الإغريق و الساكا لدى الإيرانيين. و كان امتدادها واسعاً جداً – من الدانوب لمنغوليا و تحدها من الجنوب إيران- و بترتيب سياسي و عسكري جديد صنف حضارتهم كحضارة حربية. و على الرغم من أن تفاصيل تلك الحضارة، ديموغرافياً و تكنولوجياً، غير متفق عليها إلا أن ملامحها الثقافية الأساسية واضحة من الناحية التاريخية و من الآثار المتبقية. و حيث أن شعوب الساكا “أو على الأقل قادتهم” كانوا “هندو-أوروبيين” فقد امتدت تلك الحضارة شرقاً نحو الشعوب الألطية حيث نشأت الشعوب التركية و المغولية.
هذا التنوع الثقافي غالباً ما يعرف بالثالوث السكوذي من الآثار التي وجدت في المقابر: أسلحة برونزية و حديدية، عدة الخيول، و فنون تشكل زخارف حيوانية، مع أن العلم الحديث يثبت أن معظم هذه الآثار هي أقدم من السكوذيين. معظم الآثار التي بقيت هي من المعادن مثل البرونز و الحديد و الذهب، مما يدل على أن شعوب آسيا الوسطى برع في الأعمال المعدنية. و بالإضافة إلى هذا الثالوث فإن التنوع الثقافي اشتمل على عناصر أخرى.
عاش السكوذيون في خيام مقببة، مغطاة بالشعر، و لكنها لم تكن قابلة للطي كاللتي استعملها الترك و المغول من بعدهم، و كان عليهم بذلك نقلها كما هي على عربات. و كان رجال الساكا يحرمون أن تمس المياه أبدانهم، و استعاضوا عن التنظيف بالماء مباشرة التنظف بالبخار، حيث يسخنون الأحجار ثم يريقون عليها الماء مع بذور القنب، ليصعد منها بخار مخدر، و أما النساء فكن يعجن بعض العطور مع الماء و يضعن العجينة على أجسادهم لينزعنها في اليوم التالي، و يصبحن في غاية النظافة.
المنسوجات تشكل دليلاً هاماً على تقدم الساكا التقني و الفني، فخيامهم المقببة و المغطاة بالشعر تدل على أنهم يعرفون كيف يغزلون الشعر، و تبعهم في ذلك المغول. و من رسوماتهم للحيوان صور منسوجة بالشعر ثلاثية الأبعاد. و في آثار وجدت في جبال ألطاي في بازيريك في سيبيريا عام ١٩٤٩ تدل على أنها سكوذية، و من أبرز ما وجد فيها سجادة متقنة، مساحتها حوالي المترين مربعة، و يعتقد أنها نسجت ما بين ٣٨٣-٣٢ ق.م. في المنطقة التي تشكل اليوم جمهورية تركمنستان. و النقوش التي في السجادة تشبه النقوش المستخدمة اليوم في آسيا الوسطى و إيران، و مما يؤيد أن السجادة قد نسجت في غير المكان التي وجدت فيه أن النقوش هي لرجل يمتطي حصاناً غير مسرج، و إنما يضع تحته غطاءاً، و في تلك الفترة كان سكان بازيريك يستعملون السرج للأحصنة.، خلافاً لجيرانهم في الغرب. و العقدة التي نسجت بها السجادة تصنف اليوم من العقد التركية و تسمى كوردس Gördes على اسم مدينة تركية. و بالمقارنة مع بعض المنسوجات الأثرية يتبين أن التقنيات المستخدمة لصناعة السجاد قد تطورت و تنوعت في أوراسيا منذ ٢٥٠٠ عام. و مهما كان أصل سجادة بازيريك فإن الأهم هو أن تلك التقنية قد تطورت و انتشرت في وسط آسيا البدوية، لتصل إلى مستوى عال جداً يمكن مقارنته بأعظم السجاجيد و التي أنتجت في العصور المتأخرة.
أبومحمد
jhvdo hgjv;- Nsdh hg,s'n lh rfg hgjhvdo ٢L١
مواقع النشر (المفضلة)