أسطورة تركية في غابات ڤيرجينيا

مارس 6, 2011



عنوان المقالة هو عنوان قسم من أقسام كتاب اسمه “أبناء الفاتحين…نهوض العالم التركي- Sons of The Conquerors, The Rise of The Turkic World” لمؤلفه “هيو پوپ- Hugh Pope”. لم أبدأ في قراءة الكتاب بعد، و لكنه يتحدث بشكل عام عن وضع العالم التركي في وقتنا الحاضر، و شدني العنوان أعلاه لقراءة القسم المذكور. يتحدث فيه المؤلف عن النظريات التي تتبنى مقولة أن سكان أمريكا الأصليين وفدوا إليها عن طريق ألاسكا مروراً بمضيق “بيرنگ” و الذي يفصل بين قارتي أمريكا و آسيا من أقصى شرق آسيا، و أقصى غرب أمريكا. و يروي أيضاً قصة برنت كينيدي، و الذي قاده مرضه الغريب إلى البحث في أصوله حتى وصل بها إلى تركيا، كما يروي زيارته إلى القبيلة التركية الضائعة في غابات ڤيرجينيا الأمريكية. سأحاول إن شاء الله في السطور القادمة ترجمة هذا المقال، و سأختصر حيث يمكنني الاختصار.

ربما لم يكن الأتراك الذين بدأوا بالتوافد إلى الولايات المتحدة الأمريكية في القرن العشرين أول أناس من الترك يتواجدون في أمريكا الشمالية. الأبحاث الجينية، و بعض التشابهات اللغوية قادت مؤخراً إلى بعض الآراء الجادة حول كون بعض القبائل الأصلية في أمريكا الشمالية مهاجرة إليها من آسيا
ڤيرجينيا assmilation_of_nativوجوه من عدة قبائل هندية.

الوسطى عبر مضيق بيرنگ. فقد ذكرت صحيفة إزڤيستيا الروسية في عام ١٩٩٨ أن العلماء اكتشفوا تطابقاً جينياً نسبته ٧٢٪ بين الهنود الحمر و قرية روسية في دولة توڤا في سيبيريا، هذا بالإضافة إلى التشابه الواضح بين ملامح مواطني دولة توڤا و الهنود الحمر. و من الجانب الآخر، خلصت دراسة أجريت في جامعة أريزونا الأمريكية ربطاً قوياً بين ١٩ من القبائل الأمريكية الأصلية، و ١٥ قبيلة سيبيرية و تشير الأبحاث إلى أن الذكور من آسيا الوسطى يملكون أكثر الجينات اختلاطاً، و ربما هي الأقدم، و التي بدورها انتشرت إلى أوروپا و أمريكا و شبه القارة الهندية. كما أوضحت الدراسات إلى أن ٨٪ من الرجال الذين يعيشون في المناطق التي كانت خاضعة تحت الحكم المغولي، و تحوي اليوم معظم الجمهوريات التركية، يحملون جينات مشتركة يمكن تتبعها لتصل إلى جنگيز خان. من جهة أخرى يدافع بعض أبناء القبائل الأمريكية الأصلية عن أصولهم، و القول بأن أجدادهم هاجروا إلى أمريكا من آسيا بالقول أن العكس هو الذي حصل، أي أن جزءاً من قبائلهم هاجر ليستوطن آسيا الوسطى.


هذه النظريات أثارت اهتمام أحد أبناء القبائل الهندية الأمريكية و اسمه فرانك كيل، قابلته في مكتب الشؤون الهندية في واشنطن دي سي حيث يعمل، و يدير هذا المكتب شؤون ٢٦ قبيلة أمريكية أصلية في شرق الولايات المتحدة الأمريكية و تعاملاتها مع الحكومة الأمريكية، و قد بدا حذراً عند التحدث عن نظرية مضيق بيرنگ، فيقول “هي ليست من الأشياء التي يتفق عليها الكثير من علماء الآثار الأمريكيين.”، كما تحدث عن عالمة الأنثروپولوجيا “علم الإنسان” الكندية إيثيل ستيوارت، و التي قضت عدة سنوات بين شعوب آسيا الوسطى، و بين القبائل الكندية في القسم الشمالي الشرقي. نشرت الباحثة كتاباً عام ١٩٩١ تشير فيه إلى تشابه ثقافي، و تزعم أن بعض الهجرات التركية وصلت إلى أمريكا الشمالية في القرن الثالث عشر هرباً من بطش جنگيز خان، لكن عملها لم يحظ بترحيب كبير في الأوساط الأكاديمية.

يكمل فرانك كيل حديثه بقوله “لا يزال الإسكيمو يزورون أبناء عمومتهم على الجانب الآخر من المضيق، و لكنهم ليسوا من الهنود الحمر، كما أن بعض القبائل الهندية لديها تراث قوي يزعم أنهم أتو من الجنوب، و هناك العديد من النظريات و لكن بعضها ساذج، لكن لحد الآن ليس هناك دليل قاطع على أصول الهنود الحمر، و من أين أتوا”. و لم يبد بأن كيل كان جاهزاً لإبداء رأي معين، و ينحدر كيل من قبيلتي چوكتاو و چيكاساو، و قد أدى مظهره الذي يوحي بأنه من آسيا الوسطى إلى أن يحييه بعض أعضاء مؤتمر القوميات التركية في تركيا كأخ لهم في الدم، رغم أنه كان حاضراً للمؤتمر بصفته دبلوماسياً أمريكياً. و في مناسبة أخرى أخذه منصبه إلى مقابلة بعض القادة الشامانيين لبعض القوميات التركية في روسيا ضمن حوار أمريكي-روسي عن حقوق الأقليات. يقول كيل “كان واحد منهم مشابهاً تماماً لأحد أبناء عمومتي، و رغم أننا كنا هناك للتحدث في شؤون الأقليات، إلا أنهم ظلوا يترددون علي و يقولون: نحن جميعاً ترك، و هذا هو الأهم”.

ڤيرجينيا poblamiento_de_ameriالهجرة من آسيا إلى أمريكا عبر مضيق بيرنگ.

اقترح علي كيل بأن أتصل بصديقه “توركر أوزدوغان” و هو مهاجر تركي قدم إلى أمريكا في السبعينات، و يعمل كنحات، و لكنه مهتم جداً بقضية الأصول الهندية-التركية، و عندما قابلته بدأ يقص علي قصته المفضلة، و هي أنه قضى إجازته ذات مرة في فندق في إحدى المحميات الهندية، و قد كان اسم الفندق “هاڤا سو”، و عندما سأل عن معنى هذا الإسم في اللغة المحلية، و قد دهش عندما اكتشف التشابه بين معناه في لغته التركية “ماء الهواء”، و معناه في اللغة المحلية “ماء السماء”. و يدعي بأنه وجد ما يقارب الخمسمئة كلمة متشابهة بين اللغة التركية، و لغة ناڤاهو الهندية. كما وجد مثلها في لغة المايا في المكسيك.


يقول توركر “يعظم الهنود الحمر الذئاب،و كذلك الترك. كما أن الشعبين يقدران اللون التركوازي، و الشامانيون موجود لدينا و لديهم”، و يضيف “لدينا أيضاً أساطير مشتركة، كوكولكان هو رجل أتى من البحر، و علمنا كل شيء، و هذا مذكور في أسطورة ماناس القيرغيزية، و في الأساطير المكسيكية يظهر كرجل ذو علم، له لحية بيضاء”. و يذكر توركر بعض أسماء القبائل الهندية مثل كومان و يوروك، و يقول بأن هذه الأسماء هي مطابقة تماماً لأسماء بعض القبائل التركية، يمضي توركر في ذكر أدلته قائلاً “بعض الكلمات التركية الأصيلة كـ”أتا” للأب، و “أنّا” للأم هي مشتركة مع قبائل الشيروكي و قبائل أخرى. و في لغة الأوبيگاوا تعني كلمة “يورت” الخيمة، و هي بذات المعنى في اللغة التركية”، لكن كثيراً من الكلمات التي يذكرها لا تبدو مقنعة كادعائه بأن اسم شلالات نياگارا هي محرفة من السؤال التركي “ني يايگرا؟” و يعني “ما هذا الصوت؟”.

رغم أن هذه الادعاءات تبدو غريبة بعض الشيء، إلا أن هناك فئة أخرى تبنت نظرية الأصول التركية في أمريكا، و هذه المجموعة اسمها “ملنجن” في ڤيرجينيا، و هم يسكنون في طرف قصي من ڤيرجينيا على مساحة صغيرة في جبال الأپالاچيان جنوب غربي العاصمة واشنطن دي سي، و ادعاؤهم لا يقف عند حد اختلاط دمائهم بالدماء التركية عبر الاختلاط بالهنود الحمر، و كنت قد سمعت بهم لأول مرة عند وصول أحد أفواجهم إلى تركيا عام ١٩٩٦ معلنين بفخر أنهم من سلالة بعض أفراد البحرية العثمانية الذين أسروا و نفوا إلى سواحل العالم الجديد. و قد تقبلهم المجتمع التركي بترحيب شديد، و ربطت الصحافة التركية اسمهم “ملنجن Melungeon” بالعبارة التركية “ملعون جان” و الذي يعني “الروح الملعونة” و قد تقبل الأتراك دخول هذه الفئة إلى القومية التركية كما كان يرحب العثمانيون بمن يعتنق الإسلام، و قد لقي أبناء الملنجن ترحيباً كبيراً في تركيا و عوملوا كطفل مدلل، حتى أنهم نالوا حظوة اللقاء بالرئيس التركي.

قادني البحث إلى التواصل مع متحدثهم الرسمي، و الذي دعاني إلى زيارته في مدينة وايز في ڤيرجينيا على الحدود مع تينيسي، و كنتاكي، و كارولينا الشمالية. عند اقترابي من المدينة تبين لي فقر المنطقة من مظهر البيوت الجاهزة، و السيارات الصدئة الواقفة أمامها، و عند توقفي عند أحد الورش للسؤال عن اتجاهي، أخبرني صاحب الورشة بأن زوجته من الملنجن، و أخبرني بأنه من الممكن أن أتحدث إليها، و لكنه عند اتصاله بها ردت بأنها لا تريد التحدث مع أحد عن أصولها، و ربما كان سبب ذلك للمعاملة العنصرية التي كانوا يتلقونها في الماضي، فلم يعتبرهم الأمريكان من البيض، و لم يكونوا من الأفارقة أو الهنود الحمر، و إنما اعتبرتهم القوانين من “الملونين”، و بذلك سحبت منهم حقوق التصويت و المعاملة بمساواة مع البيض، و رغم مرور الزمن فإن تلك العقدة بقيت فيهم رغم أنهم ليسوا بالقليل، فعددهم حوالي الخمسة و السبعين ألفاً، و هم عادة لا يفصحون بأنهم من الملنجن.

ممن ساهموا في تغيير هذه الصورة العنصرية عن الملنجن، رجل يدعى برنت كينيدي، قاده مرضه للبحث في أصوله، فبعد صراع مع آلام في الضلوع و ضيق في التنفس أخبره الأطباء بأنه يحمل حمى البحر الأبيض المتوسط، و هو مرض وراثي ينتقل عبر الأجيال بين شعوب شرق البحر الأبيض المتوسط، من ما قاده للشك في أصول العائلة التي تدعي الانحدار من أصول اسكتلندية-أيرلندية، تخلى كينيدي عن وظيفة في إحدى المدن الكبرى في مجال العلاقات العامة لينذر نفسه للبحث عن أصوله، من ما حوله لخبير في التاريخ، و لكنه واجه بعض الصعوبات، فقد خشي أبناء الملنجن من أن يكتشف كينيدي بعض الأصول الإفريقية للمجموعة، مما قد يسبب المزيد من المشاكل العنصرية ضدهم، و قاد ذلك أحد أبناء عمومته إلى إحراق بعض الصور العائلية القديمة، مفضلاً فقدانها للأبد على إلحاق بعض العار بنفسه و عائلته. و لكن بحثه قاد إلى نتيجة عكسية، فقد أصبح مصدر فخر للملنجن، و قائدهم غير المتوج.

اكتشافات كينيدي التاريخية غيرت النظرية المتمحورة حول البيض في الهجرات إلى أمريكا في القرن السابع عشر، فقد وجد أن القبطان الإنگليزي “فرانسيس دريك” الذي لم يستطع بيع بعض أسراه من الترك و المور الشمال أفريقيين، و لم يكن يرغب بالعودة بهم إلى إنگلترا، ترك هؤلاء الخمسمئة على شاطئ رونوك، و في خلال شهر اختفت هذه المجموعة، و التي ربما استقرت في التلال القريبة، و التي يعيش فيها الملنجن اليوم، كما تبين بعض الوثائق التاريخية أن مدينة “جيمس تاون” و التي اعتبرت تاريخياً مدينة بيضاء، كانت فيها بعض العناصر العرقية المختلفة كمحمد التركي، و بعض الغجر و الحرفيين الأرمن من رعايا الدولة العثمانية، كما تحصل كينيدي على وثيقة صادرة من حاكم ڤيرجينيا عام ١٦٩٠ تمنع جلب المزيد من “الأتراك أو الكفار”.

بعض ادعاءات كينيدي تبدو حقيقية، و الأخرى لا تبدو كذلك، و كلها لا تزال غير مثبتة علمياً، و يعلق بعض المتخصصون بأن ما يفعله كينيدي هو بناء أسطورة، و ليس إثباتها.

أشار لي كينيدي لبعض العلامات المميزة في جسده، و التي يستخدمها لإثبات أصوله التركية، فهو يقول أنه في طفولته كانت هناك بقعة زرقاء أسفل عموده الفقري، و هي ما يسمى بالبقعة المنغولية الزرقاء، كما أرجع رأسه للخلف و فتح فمه واسعاً ليريني أسنانه، و التي يقول أنها من الأسنان “المجرفية”، و هي علامة فارقة للشعوب التركية، و بعد ذلك دعاني لتحسس الطرف الخلفي من جمجمته، و التي تحتوي على انثناءة يستخدمها القوميون اليمينيون في تركيا للتدليل على أصولهم التركية. يخلص كينيدي إلى القول بأن الأتراك أتوا إلى أمريكا من الشرق و الغرب، و أنه هو ذا دليل جيني على ذلك.

و بينما كنا في حانة مجاورة نتجاذب أطراف الحديث، إذ يمضي كينيدي في سرد الأدلة على أصوله التركية، فيقول: يبدو أنني أصبحت قادراً على أن أستخلص العديد من الدلائل على أصولنا التركية، فبعض الأعلام المحلية من أيام الحرب الأهلية يحمل الأهلة و النجوم، مشابهاً بذلك العديد من أعلام الدول التركية، و ربما كان قد نسخ من علم الدولة العثمانية، و لا يستطيع أحد نفي ادعائي هذا، و سأخبرك بشيء لا يمكن لأحد شرحه، لماذا ظهر الهنود الحمر من قبيلة السيمينول، و الذين كانوا عراة بعد وصول الأوروبيين إلى القارة الجديدة، بعمائم تشبه عمائم العثمانيين؟”، و في النهاية يضيف كينيدي:” و لكن كل هذه الأدلة لا تعني لي شيئاً في مقابل تحسن معنويات قومي، و نظرتهم تجاه أنفسهم”.


عبد العزيز امين عزيز



Hs',vm jv;dm td yhfhj ڤdv[dkdh