استغلال قبيلة تراهومارا المكسـيكية «الأسـرع عدواً» في تهريب المخدّرات

المصدر: ترجمة: حسن عبده حسن عن «تايم»

يبدي كاميلو فيليغاس كروز، أحد أفراد قبيلة تراهومارا الهندية، حنيناً إلى الماضي، عندما يتحدث عن الأيام الخوالي، حينما كان يواصل الجري في مجاهل جبال سينفوروسا كانيون، في منطقة سيرا مادري، التي تعيش بعيدا عن حكم القانون في المكسيك، ويشتهر أفراد هذه القبيلة بالخفة، وتحمل الجري لمسافات بعيدة. وترعرع فيليغاس كروز ـ منذ طفولته ـ على المشاركة في سابقات راراجباري، التي يقوم خلالها المتسابقون بركل كرة خشبية على طول ملعب صخري، لكن عندما بلغ الـ18 من العمر، بدأ الجري في سباقات مختلفة تماما، إذ أخذ يحمل على ظهره حقيبة تحوي 59 كيلوغراما، من مادة الماريغوانا، ويركض بها عبر الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة، وأصبح فيليغاس كروز الآن في الـ21 من العمر، ويقبع في سجن فيدرالي بالقرب من صحراء موجاف في ولاية كاليفورنيا.
تراهومارا المكسـيكية «الأسـرع المخدّرات AR22-100712-05.jpg

ويقول محامو الدفاع، عند الحدود الجنوبية الغربية للولايات المتحدة، إن أفراد تراهومارا ناقلي المخدرات، يشكلون مجموعة متزايدة من زبائنهم، ويقول كين ديل فال محامي الدفاع في إيل باسو بولاية تكساس، إنه دافع عن أكثر من نصف هؤلاء الهنود منذ عام ،2007 وجميعهم يحملون القضية ذاتها، المتمثلة في حمل حقائب على الكتف مملوءة بالمخدرات.

ولا يمكن الحصول على إحصاءات دقيقة عنهم، لأن وحدات مكافحة المخدرات لا تفرق بين الهنود والمكسيكيين الآخرين.

ولكن ديل فالي يقول إن قدرة أفراد هذه القبيلة على تحمل الجري، هي التي تدفع عصابات المخدرات إلى تجنيدهم.

وقال ديل فال، إنه عندما بدأت هذه القضايا تظهر، في محاكم الولايات المتحدة، لم تكن جاهزة لمحاكمة المتهمين، ويتذكر أنه في إحدى القضايا، تم إطلاق أحد أفراد تراهومارا، لتعذر العثور على مترجم ينقل ما يقول المتهم، لكن الآن أصبح لدى المحامين والمحاكم مترجمون جاهزون ويكفي الاتصال بهم فقط، وكان المحامي دون موريسون، وهو محامٍ عام فيدرالي، قد دافع عن أحد أفراد هذه القبيلة عام .2010

وقال «لم يكن لديّ أي فكرة أنه عبر هذه الحدود توجد قبيلة من البشر، تعيش على هذا النحو».

حماية جغرافية

وحتى وقت قريب، كان أفراد قبيلة تراهومارا يتمتعون بالحماية، نظرا لجغرافية المكان المرعبة التي يعيشون فيها، وهي جبال سيرا مادري. وتبدو تضاريس هذه المنطقة مثيرة للهلوسة، إذ إن العوامل الجوية نحتت الصخور بأشكال غريبة وكبيرة.

وعلى الرغم من أن أعماق أوديتها تزيد على الميل، إلا أن أفراد هذه القبيلة يمكنهم التنقل عبرها بسهولة، لكن في السنوات الأخيرة أصبح رعاة المواشي والباحثون عن المناجم وقاطعو الأشجار أكثر اقترابا من موقع هذه القبيلة، أكثر من أي وقت مضى.

ومما زاد تفاقم الأمور هنا، ما يقول السكان إنه أسوأ حالة جفاف منذ 70 عاما.

وفي أفضل الأحوال، فإن العديد من أفراد هذه القبيلة يعيشون على الكفاف.

ولا يحصل المزارعون على كل بذور المحاصيل التي يريدون زراعتها، وفي العام الماضي ضربت المنطقة موجة صقيع، أهلكت معظم ما زرعوا، ونجم عن ذلك اضطرار تراهومارا إلى العيش في وضع يائس، كما أنهم أصبحوا فريسة سهلة لتجار المخدرات الأثرياء، الذين يبحثون عن بغال لنقل منتجاتهم إلى الشمال. يقول ماكدوغال «يمكن أن تجد شخصا من أفراد هذه القبيلة، يستطيع الجري لمسافة 50 ميلا، من دون الحاجة إلى شرب الماء، وهم يدربون أنفسهم بصورة غير مباشرة على التهريب عبر الحدود، منذ نحو 10 آلاف عام».

ويقول الأميركي راندي غنغرش، الذي عاش في مدينة تشيهوهاو، بين أفراد هذا الشعب لمدة 20 عاما «لا أستطيع إدراك مدى التأثير الثقافي لصناعة المخدرات في شعب تراهومارا»، وأمضى هذا الرجل معظم وقته في سيرا مادري، كما أن منظمته غير الحكومية «تيرا ناتيفا»، تكافح التهديدات التي تواجه قبيلة تراهومارا والقبائل الهندية الأخرى، من أصحاب المناجم، وقاطعي الأشجار، ومهربي المخدرات. وقال إن أحد تجار المخدرات السابقين أجبر العديد من أفراد تراهومارا على مغادرة بيوت أجدادهم، حتى يتمكن من بناء منحدر عملاق للتزلج، يشرف على وادٍ عمقه نحو 2000 متر، وتوقف المشروع عندما توفي الرجل نتيجة تحطم طائرة.

وتقول امرأة من شعب تراهومارا، من بلدة غواشوشي، تدعى آن سيلا بالما، أنها تعرف أربعة من الهنود الذين أصبحوا «حميرا»، ونقلوا المخدرات إلى الولايات المتحدة، وأضافت أن أحداً منهم لم يحصل على الأجر الذي وعد به.

وقالت بالما «لم يتعامل مهربو المخدرات مع القادة التقليديين للقبيلة»، وإنما عملوا على تجنيد الشبان الصغار، الذين عملوا على تجنيد أصدقائهم، وبهذه الطريقة تورط ابن أخيها الفردو بالما، وقد قام بتجنيده أحد أصدقائه من القبيلة.

مبالغ كبيرة

وتظهر سجلات المحاكم، في الولايات المتحدة، أن الفردو بالما (29 عاما)، عرض عليه 800 دولار، ليقوم بالعبور الخطر إلى الولايات المتحدة، وهو مبلغ كبير لا يمكن أن يحصل عليه أي فرد من القبيلة في أقل من عام. وعندما شرع بالما في رحلته، خلال برد الليل القارس مع سبعة من أصدقائه، تم اكتشافهم من قبل رادرا يعمل بالأشعة فوق الحمراء. وتمكن أربعة من الهرب، في حين قام حرس الحدود باعتقال بالما واثنين من أصدقائه، وهم يحاولون الاختباء خلف أجمة كبيرة، وكان في الحقائب التي يحملونها 260 رطلا من المخدرات.

وعلى بعد 30 مترا من مكان وجود خوسيه بالما، كان هناك رجل يقوم بحراثة حقل قاحل، بمحراثه الذي يجره حصان. وقال الكاهن إن الرجل هو أحد أبنائه. وأضاف أنهما كانا يصليان من أجل سقوط المطر، وكان ابنه الآخر قد ذهب إلى مدينة شيهواهوا بحثا عن العمل، بسبب القحط، الذي دفع فيليغاس كروز للبحث عن عمل في أمكنة أخرى، ولم يتمكن والده من زراعة ما يكفي من الفول، والبازلاء والقمح، كي يسد حاجته. وبناء عليه عندما طلب أحد الغرباء من فيليغاس كروز وأحد أشقائه أن ينقلا المخدرات إلى ما وراء الحدود مقابل 1500 دولار، لكل منهما عام ،2009 لم يترددا في القبول.

وفي إحدى الليالي، حمل الرجلان 50 رطلا من المخدرات، وانطلقا لعبور الحدود التي كانت قريبة من منزلهما، وكان يكفي السير لمدة نصف ساعة لقطع الرحلة، لكن رحلتهما لم تكلل بالنجاح، وتم اعتقالهما من قبل إحدى دوريات حرس الحدود، ووجهت إليهما تهمة التآمر بنية توزيع المخدرات، ويمكن أن يواجها عقوبة السجن لمدة 20 عاما، لكن القاضي أفرج عنهما، وتم إرسالهما إلى المكسيك.

وعندما عاد فيليغاس كروز إلى منزله، كان والداه غاضبين جدا منه، وقال إن أمه كانت تبكي، لكن بعد فترة قصيرة عادت الأمور إلى نصابها. وشارك في مهرجانات جعة الذرة. ومن ثم تطوع للجري في سباق تراهومارا، الذي يبلغ طوله 50 ميلا، وهو يحمل شعلة، لينير الطريق للمتسابقين، الذين يركلون الكرة الخشبية أمامهم كواحد من تقاليد القبيلة.

لكن عائلة فيليغاس كروز بدأت تعاني من جديد، وقرر البحث عن عمل، وبداية أخذ يزرع الفلفل عند أحد المزارعين، حيث كان يحصل على 10 دولارات يوميا، وبعد ذلك جاءت الفرصة الأكثر ربحا، عندما جاءه رجل يدعى شولو، وقال له «لديّ عمل لك، ولمدة ثلاثة أيام فحسب».

وأدرك فيليغاس المخاطر التي تنتظره جراء هذا العمل، لكنه لم يستطع مقاومة إغراء المال، وقال إن الرجل الذي يعمل في تهريب المخدرات أخذه إلى متجر في البلدة واشترى له ملابس، وحذاء جديد، ومعطف كي يشعر بالدفء، عندما يذهب لتهريب المخدرات ليلا. وقال له الرجل إنه سيخصم ثمن الملابس والحذاء من أجره البالغ 1500 دولار. وتم نقله في سيارة «بيك آب» إلى مزرعة صغيرة بالقرب من الحدود الأميركية، حيث أخذ الحقائب المملوءة بالماريغوانا، التي تم تثبيتها على كتفيه، وبدأ السير وهو يرتدي حذاءه الجديد خلف دليل، وعبرا الحدود خلال نصف ساعة، وبعد ذلك وجد نفسه يسير في صحراء نيومكسيكو، ونظرا إلى أن المنطقة غير مألوفة بالنسبة له، شعر فيليغاس كروز بالتوتر وأراد العودة إلى منزله، وقال «كنت حزينا فعلا، وخائفا أيضا»، لكن من دون دليل، أدرك أنه سيضل طريق العودة إلى سينفوروسا كانيون. وبعد ثلاثة أيام من المسير، بدأت السماء تمطر، ونظرا إلى تبلل الحمولة التي كان يضعها على كتفيه، ازداد وزنها وسقط على الأرض وتغطى جسمه بالطين، وعلى الرغم من ذلك فقد واصل المسير، لكنه أصبح في هذه الفترة خائفا جدا كما قال، وفي صباح اليوم الرابع عثرت عليه دورية حراسة الحدود واثنين آخرين.

وتمت إدانة فيليغاس كروز بتهمة حيازة المخدرات بقصد توزيعها، وإعادة دخول البلاد من جديد بصورة غير شرعية، وتمت معاقبته هذه المرة بالسجن لمدة 46 شهرا. ويقول فيليغاس كروز، وهو يرتدي لباس السجن، ويجلس في غرفة كبيرة تستخدم من قبل المحكمة «يوما ما سأعود إلى المنزل، ولن آتي إلى هنا مرة ثانية».

أرام روستون كاتب في مجلة «نيوزويك»




hsjyghg rfdgm jvhi,lhvh hgl;sJd;dm «hgHsJvu u],hW» td jivdf hglo]~vhj