بقلم ايمان هيلان
المبحث الأول
الموقع الجغرافي … والتقسيم الإداري
لما كانت الجغرافية جزءاً متمماً للتاريخ ، على اعتبار أن كل حادث يحدث في العالم لا بد له من أن يحدث فوق أرضٍ ما وأن يقع على أناس معينين بأيدي أناسٍ آخرين. وعليه كان للتاريخ عاملان : عامل ثابت وهو الأرض التي تجري فوقها الأحداث ، وعامل متحرك وهم الناس الذين يعيشون فوق تلك الأرض وتقع عليهم الأحداث أو يكونوا سبباً في حدوثها. ولذلك فمن الواجب قبل أن نبدأ الحديث عن كشمير والبلاد التي في إطارها ، أن نلقي نظرة على جغرافيتها لأخذ فكرة صحيحة عن تاريخها[i]. تقع كشمير بين دائرتي عرض 32.5ْ – 37ْ شمالاً وخطي طول73ْ – 81ْ ، ويحدها من الغرب والشمال الغربي الباكستان ، ومن الجنوب الهند، ومن الشرق والشمال الشرقي الصين.
تعتبر الجبال من أشكال سطح الأرض الرئيسة في منطقة كشمير وهي مرتفعة إلتوائية حديثة التكوين نشأت في الزمن الجيولوجي الثالث ، وعرة وشديدة التضرس ، وتنتشر بينهما وديان وهضاب وأحواض مغلقة . ولعل من أبرز تلك الوديان ، وادي كشمير ، حيث يمتد لمسافة 130كم وباتساع 40كم ، وعلى الرغم من وقوع منطقة كشمير في المنطقة المدارية الشمالية كما تؤشر دوائر العرض ، إلا أن الطبيعة الجبلية قد خففت من تأثير ذلك الموقع ، حيث يميل المناخ بشكل عام إلى الاعتدال مع البرودة الشديدة في المناطق الجبلية العالية أما الأمطار في المنطقة ، فتتبع النظام الموسمي الذي يمييزشبه القارة الهندية ، مع تذبذب واضح في كميات ومواعيد سقوطه، إلا أن الثلوج على قمم الجبال تكون مورداً مائياً رئيساً ودائماً للأنهار والبحيرات ، وقد تأثر النبات الطبيعي بطبيعة سطح الأرض المرتفعة وتوفر المياه الغزيرة والمناخ المعتدل ، فانتشرت الغابات في مساحة واسعة من أرض كشمير بحيث أن الغابات الصنوبرية لوحدها تغطي 13% من مساحتها[ii]. وأهمية كشمير الاستراتيجية يحددها موقعها الجغرافي، إذ تحدها الصين وأفغانستان وطاجيكستان والهند والباكستان ،وقد وصفت بأنها درة الهمالايا[iii]. وموقعها في أقصى الشمال الغربي لشبة القارة الهندية ، متعها بموقع استراتيجي مهم بين أسيا الوسطى وجنوب أسيا وتبلغ مساحة كشمير حوالي 86023 ميلاً مربعاً ، يقسمهم خط الهدنة (يطلق عليه خط السيطرة وفقاً لاتفاقية سميلا عام 1972) الذي يترك 32358 ميلاً مربعاً للباكستان يشمل الجزء المحرر ويسمى (ولاية جامو وكشمير الحرة – أزاد كشمير)، ويبقي 53665 ميلاً مربعاً تحت السيطرة الهندية ويطلق عليه (ولاية جامو وكشمير المحتلة) وحسب الروايات الباكستانية . وكانت كشمير وقت تقسيم شبه القارة تتكون من ست مناطق هي وادي كشمير، جامو ، لاداخ ، بلتستان ، بونش ، وجلجت.
وقد خضعت كل من جامو وبعض الأجزاء من مقاطعتي بونش وميرابور ، وادي كشمير ومنطقة لاداخ للسيطرة الهندية ، بينما بسطت الباكستان سيطرتها على ما يسمى الآن بكشمير الحرة وهي مناطق : بونش الغربية ، مظفر أباد ، وأجزاء من ميرابور، بلتستان ، وجلجت . ولعل أهم المناطق التي مازالت تحت السيطرة الهندية هي وادي كشمير المشهور بخصوبة أرضه وروعة مناظره، والذي يمتد على مساحة 84 ميلاً طولاً و 20-25 ميلاً عرضاً ،ويمثل قلب كشمير النابض[iv]. وكشمير يعني أسمها الزعفران باللغة السنسكريتية أجمل مناطق شبة القارة الهندية وألطفها مناخاً[v]. وأن كشمير المعروفة بيننا بهذا الاسم هي ولاية جامو وكشمير تقسم إلى خمس مناطق إدارية[vi] ، وهي كما يلي: 1- لادكية : هي كبرى مناطق الولاية وتقع في المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية منها ، يطلق عليها التبت الصغيرة لتشابه ثقافتها بالتبت ، كانت محطة لتجارة الحرير ، معظم سكانها يعملون بالرعي من البوذيين إضافة إلى بعض المسلمين الذي يسكنون منطقة كارجال.
2- جامو : هي المنطقة الجنوبية الغربية للولاية ويقطنها أغلبية هندوسية وأقلية مسلمة وقليل من السيخ (حسب الإحصائيات الهندية) .
3- جلجيت : هي منطقة استراتيجية عند حدود الباكستان الشمالية الغربية وأفغانستان وطاجيكستان وهي منطقة جبلية تسكنها الفرقة الإسماعيلية والتي مازالت تحت حكم ما يسمى بالاغاخان*. 4- بلدستان : تقع في الجنوب الشرقي لجلجيت بها معبر استراتيجي يربط الشمال الغربي من كشمير باللاد كية يقطنها أناساً من أصول وسط أسيوية.
5- وادي كشمير : هو أهم أودية ولاية جامو وكشمير على الإطلاق – برغم كثرتها – يعتقد علماء الجيولوجيا أنه كان بحيرة منذ ملايين السنين تسمى ساتيار (حسب الروايات المحلية) ، ولكنها تأثرت بزلازل عديدة كانت سبباً رئيساً في ظهور الوادي ، وقد سمي هذا الوادي بكشمير لأن قبائل (الكاش كاست) سكنت فيه منذ قديم الأزل. غالبية أهل وادي كشمير من المسلمين ويتحدثون اللغة الكشميرية[vii]. اتخذت الهند في الجزء الهندي من كشمير مدينة جامو عاصمة الولاية الشتوية ومدينة سرينا جار العاصمة الصيفية وذلك لتوطيد السلطة الهندية على الإقليم، أما في أزاد كشمير فأن مدينة مظفر أباد هي العاصمة[viii]. وكانت الأمارة تقسم زمن الاستعمار الإنكليزي إلى ثلاث مناطق إدارية هي جامو ، كشمير ، منطقة الحدود الشمالية[ix]. والحدود الشمالية تمتد على طول جبال قراقورم المرتفعة ، والسلاسل المرتبطة التي تكون المستجمع المطري الرئيسي بين حوض تاريم وتلك الإمدادات الكبيرة للصرف الداخلي التي هي الآن جزء من أقليم سنكيانغ في الصين ونظام نهر الأندوس الذي يصب في المحيط الهندي. وكل هذه السلاسل الجبلية الهائلة يمكن تخطيطها في صورة حرف H غير منتظم ، حيث يمثل القراقورم الخط الأفقي الذي يصل بين الخطين الرأسيين.
وفوق الخط الأفقي يمتد طريقان رئيسيان عبر مستجمع المياه الرئيس ، في الشرق يقع طريق لاداخ ، المدخل إلى خوتان ، وياركند وكاشغر في سنكيانغ من ليه في لاداخ عن طريق ممر قراقورم، وفي الغرب يقع طريق غليغيت وهو خط اتصال من غليغيت على أحد روافد الأندوس. وكنتيجة لنزاع كشمير في 1947 قسمت الحدود الشمالية ووزع الطريقان على خليفتي الحكم البريطاني ، فحازت الهند طريق لاداخ الذي سرعان ما أصبح بصورة لا انفصام لها مرتبطاً بالقطاع الغربي من النزاع الحدودي الصيني – الهندي ، وذهب طريق غيلغيت إلى الباكستان[x]. وتعتبر كشمير غنية بمياهها وأنهارها ففيها نهر السند وجلهم وجنات وهي بوجه عام مرتفعة عن سطح الأرض بما يقارب 1200م ويمر خلالها طريق الحرير المشهور وهي الرابط البري الوحيد بين الصين والباكستان وذات أهمية استراتيجية كبرى للدول الأطراف في النزاع حولها (الهند ، الباكستان) والدول المحيطة بها على حد سواء ، فتسارعت هذه الدول وتصارعت للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة منها ، فاحتلت الهند ثلثي جامو وكشمير بنسبة 65% من مساحة الولاية الكلية ، وبقي في الجانب الباكستاني 30% واستولت الصين على 5% من أجمالي المساحة. وهذا الواقع هو ما عليه ولاية جامو وكشمير حالياً[xi]. وتعتبر هذه الولاية ذات أهمية كبيرة لكل دولة من هذه الدول وكما يلي:
أولاً : أهمية جامو وكشمير بالنسبة للهند :
تمثل ولاية جامو وكشمير أهمية استراتيجية للهند جعلتها شديدة التمسك بها على مدى أكثر من خمسين عاماً رغم الأغلبية المسلمة فيها وما تمثله المنطقة من عدم استقرار واستنفار لحوالي نصف الجيش الهندي واستنزاف للمواد الاقتصادية والبشرية ، وتتلخص هذه الأسباب:
1- تعتبر الهند ولاية جامو وكشمير عمقاً أمنياً استراتيجياً أمام الصين والباكستان.
2- تنظر إليها على أنها امتداد جغرافي وحاجز طبيعي مهم أمام فلسفة الحكم الباكستاني التي تعتبرها الهند قائمة على أسس دينية مما يهدد الأوضاع الداخلية في الهند ذات الأقلية المسلمة الكبيرة العدد.
3- تخشى الهند إذا سمحت لكشمير بالاستقلال على أسس دينية أو عرقية أن تفتح باباً لا تستطيع أن تغلقه أمام الكثير من الولايات الهندية ذات الأجناس والأديان واللغات المختلفة[xii]. 4- تشكل كشمير بالإضافة لأهميتها الاقتصادية ، مدخلاً إلى الأراضي الهندية من جهة الغرب فهي منطقة دفاعية حيوية.
5- يؤكد ريتشاد بارك* ، أن وجود منطقة ذات أكثرية إسلامية في الجمهورية الهندية يزكي فلسفتها السياسية العلمانية[xiii]. ثانياً : أهمية جامو وكشمير بالنسبة للباكستان:
أما أهمية الولاية بالنسبة للباكستان التي تعتبرها خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه أو التفريط فيه ، فيمكن تلخيصها كما يلي :
1- تعتبرها الباكستان منطقة حيوية لأمنها وذلك لوجود طريقين وشبكة للسكك الحديدية في سرحد وشمالي شرقي البنجاب تمر بمحاذاتها[xiv]. 2- ثلاث أنهار رئيسة في الباكستان تنبع أو تجري في كشمير وتعتبر الولاية المجاري العليا لأنهار (السند ، جيلم ، جناب) وهي شريان الحياة للباكستان[xv]. 3- أن أودية الأنهار الرئيسة في ولاية جامو وكشمير التي وفرت خطوط المواصلات الرئيسة بينها وبين الناطق المحيطة بها تمر عبر الأراضي الباكستانية وبهذا فهناك تكامل وترابط بين الولاية والباكستان فرضه واقع انحدار الأنهار نحو الغرب والجنوب الغربي.
4- كما تشكل كشمير، مدخلاً بشرياً شمالياً للباكستان وعتبة لدخول القوات الأجنبية من الشمال إلى الأراضي الباكستانية ناهيك عن قرب منطقة كشمير من القلب الباكستاني الذي يمتد من لاهور إلى لابور والذي يحتوي على أكثر النشاطات الحضارية والسياسية والاقتصادية والتجارية في الباكستان[xvi]. 5- كانت ولاية جامو وكشمير منطقة تهيمن عليها الغالبية المسلمة في تماس من جنوب الولاية مع منطقة الغالبية المسلمة في البنجاب التي أصبحت جزءاً من الباكستان[xvii]. ثالثاً: أما أهمية ولاية جامو وكشمير بالنسبة للصين فهي:
1- أن حدودها في التبت وسينكيانغ تتاخم إقليم كشمير ، وأن بعضاً من أجزاء هذا الإقليم قد سيطرت عليه الصين في فترات سابقة[xviii]. 2- احتلت الصين حوالي 2000 ميل مربع وتعرف هذه المنطقة بـ (اكزاي الصين)* والتي تدعي الهند أنها جزء من منطقة لاداخ الهندية . 3- وهي منطقة ذات أهمية عسكرية واستراتيجية بالغتين ، حيث أنها تربط الصين بمنطقة لاسه عاصمة أقليم التبت ، وفيما لو فقدت سيطرتها على هذه المنطقة فأنها ستفقد أحد أهم الروابط الأرضية بإقليم التبت ويسهل حدوث أي تمرد في المنطقة ضد الصين.
4- ترى الصين أن الانسحاب من اكزاي الصين من شأنه أن يفسح المجال لاستقلال ولايتي التبت وسينكيانغ الصينيتين اللتين تشهدان حركة انفصال قوية[xix].
hg[`,v hgjhvdodm grqdm ;aldv
مواقع النشر (المفضلة)