الحاكم منفذ الحكم ! وحكام العرب علماؤهم الذين كانوا يحكمون بينهم إذا تشاجروا في الفضل والمجد وعلو الحسب والنسب وغير ذلك من الأمور التي كانت تقع بينهم , وكان لكل قبيلة من قبائلهم حكم يتحاكمون اليه , وهم كثيرون لا يسعهم الحصر ! ونحن نذكر منهم من وجدناه ووقفنا على سيرته في كتب الأدب ... وبعد التوكل على الله نبدأ :
كان أكثم بن صيفي حكماً من حكام تميم فصيحا عالما بالانساب , وكان من حديثه أنه لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ودعا الى الاسلام بعث أكثم ابنه حُبَيْشاً فأتاه بخبره فجمع بني تميم وقال : يا بني تميم لا تحضروني سفيهاً فإنه من يسمع يَخَلْ " أي ظن صحته " , إن السفيه يوهن من فوقه ويثبت من دونه , لا خير فيمن لا عقل له , كبرت سني ودخلتني ذلة , فإذا رأيتم مني حسنا فاقبلوه , وإن رأيتم مني غير ذلك فقوّموني أستقم , إن ابني شافَهَ هذا الرجل مشافهة وأتاني بخبره وكتابه , يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر , ويأخذ فيه بمحاسن الاخلاق , ويدعو الى توحيد الله تعالى وخلع الاوثان , وترك الحَلف بالنيران , وقد حلف ذوو الرأي منكم أن الفضل بما يدعو اليه , وأن الرأي ترْك ما ينهى عنه , إن أحق الناس بمعونة " محمد " ومساعدته على أمره أنتم , فإن يكن الذي يدعو اليه حقاً فهو لكم دون الناس , وإن يكن باطلاً كنتم أحق الناس بالكف عنه والستر عليه ...
وأضاف : قد كان أسقف نجران يحدث بصفته , وكان سفيان بن مجاشع يحدث به قبله , وسمى ابنه محمداً فكونوا في أمره أوّلاً ولا تكونوا آخراً , ائتوا طائعين قبل أن تكونوا كارهين , إن الذي يدعو اليه محمد لو لم يكن ديناً كان في أخلاق الناس حسناً , أطيعوني واتبعوا أمري أسأل لكم أشياء لا تُنزع منكم أبداً وأصبحتم أعزّ حيٍّ في العرب , وأكثرهم عدداً , وأوسعهم داراً , فإني أرى أمراً لا يجتنبه عزيز إلا ذل , ولا يلزمه ذليل إلا عزّ , إن الأوّل لم يدع للآخر شيء وهذا أمر له ما بعده , من سبق اليه غمر المعالي واقتدى به التالي , والعزيمة حزم والاختلاف عجز , فقال مالك بن نويرة : قد خَرِف شيخكم , فقال أكثم : ويلٌ للشجيِّ من الخليّ , ولهفي على أمر لم أشهده ولم يسبقني .. فذهب مثلاً ...
قال المدائني : أول من قال ذلك أكثم بن صيفي التميمي ومن كلامه : مقتل الرجل بين فكّيه , والمقتل القتل وموضع القتل أيضاً , ويجوز أن يجعل اللسان قتلا مبالغة في وصفه بالإفضاء اليه , كما قال الشاعر ( فإنما هي إقبال وإدبار ) ويجوز أن يجعل موضع القتل أي في سببه يحصل القتل , ويجوز ان يكون بمعنى القاتل فالمصدر ينوب عن الفاعل كأنه قيل قاتل الرجل بين فكّيه , إن قول الحق لم يدع لي صديقاً , الصدق منجاة , لا ينفع التوقّي بما هو واقع , وفي طلب المعالي يكون العناء , الاقتصاد في السعي أبقى للحمام , من يأس على ما فاته ودّع بدنه , ومن قَنِع بما هو فيه قرّت عينه , التقدم قبل التندم , أُصبح عند رأس الأمر أحب إليّ من أن أُصبح عند ذنبه , لم يهلك من مالك ما وعظك , ويل لعالم أمر ومن جاهله , يتشابه الأمر إذا أقبل , وإذا أدبر عرفه الكيّسُ والأحمق , البطر عند الرخاء حمق , والعجز عند البلاء أفن " أي نقص " , لا تغضبوا من اليسير فإنه يجني الكثير , لا تجيبوا بما لا تُسألوا عنه , ولا تضحكوا بما لا يُضحك منه , تناءوا في الديار ولا تباغضوا فإنه من يجتمع يتقعقع عمده , ألزموا النساء المهانة , نعم لهو الحرّة المغزل , حيلة من لا حيلة له الصبر , إن تَعِشْ تَرَ ما لم تَرَه , المِكثار كحاطب ليل , من أكثر أسقط , لا تجعلوا سرّاً الى أّمَة , فهذه تسعة وعشرون مثلاً كلها من كلام أكثم , وقد أحسن من قال في معنى قوله ( مقتل الرجل بين فكّيه ) : رحم الله امرأً أطلق ما بين كفّيه , وأمسك ما بين فكّيه , ولله درَّ أبي الفتج البستي يقول في معنى هذا المثل :
تكلَّم وسدِّدْ ما استطعت فإنمـا ..... كلامك حيٌّ والسكوت جمــــادُ
فإن لم تجِدْ قولا سديداً تقوله ..... فَصَمْتُك عن غير السديدِ سدادُ
واحتذاه القاضي أبو احمد منصور بن محمد الهروي فقال :
إذا كنت ذا علم وما راك جاهــــــــل ..... فأعرض ففي ترك الجواب جـوابُ
وإن لم تُصِبْ في القول فاسكت فإنما ..... سكوتك عن غير الصواب صواب ُ
وضَمّن الشيخ أبو سهيل النيلي شرائط الكلام في قوله حيث يقول :
أوصيك في نظم الكلام بخمسةٍ ..... إن كنت للموصي الشفيق مطيعاً
لا تَغْفِلَنْ سبب الكلام ووقتـــــه ..... والكيف والكـم المكان جميعـــــاً
p;lhx hguvf >>>
مواقع النشر (المفضلة)