النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: جارودي والفتوحات الإسلامية

في الوقت الذي كان فيه البعض -وخاصة في الغرب- يتخذ موقفًا عدائيًّا من الفتوحات الإسلامية‏.. ‏وقف جارودي ‏(1913‏ -‏2012م)‏ من هذه الفتوحات موقفًا موضوعيًّا وعلميًّا وناضجًا‏.. فلقد رآها تحريرًا

  1. #1
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    1 (7) جارودي والفتوحات الإسلامية

    في الوقت الذي كان فيه البعض -وخاصة في الغرب- يتخذ موقفًا عدائيًّا من الفتوحات الإسلامية‏.. ‏وقف جارودي ‏(1913‏ -‏2012م)‏ من هذه الفتوحات موقفًا موضوعيًّا وعلميًّا وناضجًا‏..

    فلقد رآها تحريرًا للأوطان وللإنسان من القهر الحضاري، ومن الظلم الاجتماعي الذي مارسه الرومان ومارسته الكنيسة الأوربية.. ورآها نهضة حضارية وبعثًا حضاريًّا للذين دخلت أوطانهم في إطار هذه الفتوحات؛ بل لقد وقف جارودي عندما كان فيلسوفًا ماركسيًّا -وقبل اعتناقه للإسلام- مع الذين ثمنوا شمول هذه الفتوحات لكل أوربا؛ لتخرج من ظلمات عصورها الوسطى، وتنعم بأنوار الحضارة التي سطعت على الغرب الأوربي في الأندلس، ولقد جاءت شهادة جارودي هذه في دراسته عن (الحضارة العربية الإسلامية والدور الذي مثلته في التاريخ)، التي ترجمت ونشرت ببيروت والقاهرة عقب الحرب العالمية الثانية.. وفيها قال جارودي:

    لقد أوجد الفتح العربي الظروف الاقتصادية والاجتماعية المواتية للمهمة التي قام بها، بإزالة الفوضى الإقطاعية وطبقاتها الطفيلية، لقد كتب المستشرق الكبير (دوزي) -في كتابه: (تاريخ المسلمين في إسبانيا) - يقول: (لقد كان الفتح العربي نعمة بالنسبة إلى إسبانيا؛ لأنه أدى إلى ثورة اجتماعية مهمة، وأزال قسما كبيرًا من المساوئ التي كانت إسبانيا تئن تحت عبئها منذ عصور طوال؛ فلقد كان العرب يحكمون بحسب المنهاج التالي: لقد خففوا عبء الضرائب بالنسبة إلى الحكام السابقين، وانتزعوا من أيدي الأغنياء الأرض التي كان يتقاسمها الإقطاعيون ويزرعها الفلاحون الأقنان أو العبيد الناقمون، ووزعها العرب بالتساوي على من كانوا يشتغلون فيها، فعكف الملاك الجدد على استثمار الأرض بحماسة شديدة، واستخرجوا منها محصولاً أوفر من قبل.

    أما التجارة فقد تحررت من قيود الحدود والمكوس الفادحة التي كانت ترهقها، وتطورت تطورًا ملحوظًا، وكان القرآن يسمح للعبيد بالتحرر نظير تعويض منصف، فبرزت من جراء ذلك قوى اجتماعية جديدة، وقد أفضت هذه التدابير كلها إلى حالة من الرخاء العام، كانت الحافز الأول للترحاب الذي استقبل به الحكم العربي في عهده الأول.

    يضاف إلى هذا أن الفاتحين العرب بتحطيمهم الحواجز التي أقامها الإقطاع في ميدان الاقتصاد، وبإيجادهم جوًّا جرى فيه تبادل البضائع والأفكار على نطاق أوسع من الجو الذي أوجدته الإمبراطورية الرومانية القديمة، وبإنشائهم إمبراطورية موحدة خاضعة لقانون مكتوب، ولإدارة قضائية منظمة، قد وضعوا الأسس الصالحة لتطور الأشياء والناس والأفكار تطورًا تمتاز به المراحل المبدعة التي تجتازها البشرية، فإذا بالحضارة القديمة التي جمدت في (بيزنطة) تعاود تحليقها في آفاق الإمبراطورية الإسلامية العالمية الجديدة.

    ولقد بدت فضائل الفتح العربي -أيضًا- في الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط؛ ففي نصوص أوربية، نقل (المنسنيور دوشين) -وهو من كبار رجال الكنيسة- في معرض دراسته عن حالة الكنيسة في سوريا إبان القرن السابع - مقطعًا يستوقف الانتباه، قال فيه عن الفتح العربي بعد أن ذكر الاضطهاد الذي كابده أولئك (اليعقوبيون) الذين لم يقبلوا اتحاد (هرقل) (610 -641م): (.. إن إله الانتقام -وقد رأى شرور الرومان، الذين كانوا ينهبون كنائسنا وأديرتنا ويقضون علينا في كل مكان أنبسط سلطانهم عليه- أرسل من الجنوب أبناء (إسماعيل) كي ينقذنا بواسطتهم، ولم يكن بالفضل اليسير إنقاذنا من قسوة الرومانيين، ومن شرهم وغضبهم، ومن حسدهم الفظ، والأخذ بيدنا إلى ظلال الأمن والراحة التي ننشدها.

    - وبعد إيراد جارودي هذه الشهادات الأوربية على التحرير والنهضة والبعث الحضاري والتقدم الذي أحدثته الفتوحات الإسلامية في غرب أوربا، وفي شرقي المتوسط - علق جارودي بقوله: (إن أمثال هذه الشهادات لتحملنا على الاعتقاد بأن أناتول فرانس (1844-1924م) لم يكن يصدر عن نزوة عابرة إذ قال بظرفه البارع في (الحياة المزهرة): (إن أكثر أيام التاريخ شؤمًا هو اليوم الذي جرت فيه معركة بواتيه سنة 732هـ، عندما تراجع جيش عبد الرحمن الغافقي (114هـ-732م) أمام شارل مارتل (685-741م) فتراجع العلم والفن العربيان والحضارة العربية أمام البربرية الفرنجية.. لقد أضاعت فرنسا في ذلك اليوم فرصة تاريخية للاشتراك في الحضارة العربية المزدهرة، وفقدت فرصة تاريخية لاختصار عهد الفوضى الإقطاعية وتكوين وحدتها القومية، فضاعت بذلك عدة عصور على فرنسا، وضاع بعض الوقت على البشرية).

    ولقد شهد الكاتب الإسباني بلاسكو إيبانيز (1867-1928م) -باسم وطنه- بكتابه: (في ظل الكاتدرائية) فقال: (إن الأسباب التي أعادت إلى إسبانيا حيويتها وجددت شبابها، لم تصلنا عن طريق الشمال مع القبائل البربرية، وإنما جاءت من الجنوب مع العرب الفاتحين؛ لقد كان الفتح العربي بعثة ممدنة أكثر مما كان فتحًا... وعن طريقه دخلت إلى بلادنا هذه الثقافة الغنية القوية النشيطة اليقظة، التي تبعث على الدهشة لتقدمها السريع، التي ما كادت تولد حتى انتصرت، إن هذه الحضارة التي أوجدتها حماسة النبي الدينية، قد تمثلت أحسن ما في اليهودية، والعلم البيزنطي، وحملت معها فوق ذلك التقاليد الهندية وتراث الفرس، وكثيرًا مما قبسته عن الصين الحافلة بالأسرار، فكان الشرق كله هو الذي دخل أوربا بواسطة هذه الحضارة العربية.. وهكذا فَتَحَتْ إسبانيا -التي كانت تعاني استعباد الملوك اللاهوتيين والأساقفة المحبين للقتال - فتحت ذراعيها لاستقبال العرب الفاتحين.. لقد استولى العرب في سنتين على مناطق اقتضت سبعة عصور لاستعادتها منهم؛ لأنهم لم يكونوا يقومون في الواقع بغزوة تعرض ذاتها بقوة السلاح؛ بل كانوا يؤلفون مجتمعًا جديدًا يدفع أصوله القوية إلى شتي الأنحاء.. وكان مبدأ حرية الضمير -وهو حجر الزاوية الذي تقوم عليه عظمة الأمم الحقيقية- مبدأ مقدسًا لدى العرب المسلمين، فكانت تقوم في المدن التي حكموها كنيسة المسيحي وكنيس اليهودي على السواء.

    ولقد نشأت في إسبانيا وتطورت -منذ القرن الثامن وحتى الخامس عشر- أجمل وأغنى حضارة وجدت في أوربا طوال القرون الوسطى، فبينما كانت شعوب الشمال تتذابح في غمرة الحروب الدينية، وتسلك سلوك القبائل الهمجية، كان عدد سكان إسبانيا يرتفع إلى ثلاثين مليون نسمة، وكانت تتمازج وتتفاعل في خضمها جميع الأجناس والمعتقدات بتنوع لا حد له، وتصدر عنه أقوى النبضات الاجتماعية... وكانت تزدهر جنبًا إلى جنب جميع الأفكار والتقاليد، وجميع المكتشفات التي حققها الإنسان حتى ذلك العهد، وجميع العلوم والفنون والصناعات والمخترعات، ومن تصادم هذه العناصر المختلفة كانت تنبثق اكتشافات جديدة، وقوى مبدعة جديدة.

    هكذا قدم جارودي -في مرحلته الماركسية- شهادته، وشهادات علماء الغرب على الفتوحات الإسلامية، وهي شهادات تستوجب الدراسة في المدارس والجامعات؛ ليستقيم وعينا بهذا التاريخ.
    د محمد عماره
    المصدر: صحيفة الأهرام.


    [hv,]d ,hgtj,phj hgYsghldm


  2. #2
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    والله يكفينا فخرا شهادة القوم في نهضة وحضارة إشعاع دولة الإسلام، وخاصة المفكرين العالميين وعلى رأسهم روجيه جارودي، الذي اعتنق الإسلام، فكرّس فكره وقلمه للدفاع عن الإسلام واليقظة الفكرية التجديدية، وطرح الإسلام في قالب حضاري حديث مجدّد..
    وهكذا هم المفكّرون العلماء العظماء، ما أن يُسلموا حتى يكونون دروع الفكر والعقل والفهم وسهام الحق وسيوف الإقناع..
    بارك الله فيكم حبيبنا الغالي الاستاذ عبدالمنعم

  3. #3
    باحث في الانساب
    تاريخ التسجيل
    26-10-2011
    المشاركات
    2,884

    افتراضي

    الاسلام دين الحياة القويمة والعدل والمساواة بين الناس . الاقتصاد الاسلامي فيه اقرار للملكية الفردية بضوابط فلا اقطاع ولا اقصاء هو دين البشرية جمعاء جاء للناس كافة دون تمييز عنصري بينهم فهو دين العدالة الاجتماعية عامة ولاعدالة بدون اسلام. شكرا اخي عبدالمنعم الكناني دمت بخير.

  4. #4
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    جزاك الله خيرا أستاذنا الكريم م مخلد وبارك الله فيك على مشاركتك الطيبه التي تدل علي عمق حبك لاسلامنا الجميل

  5. #5
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    صدقت والله شيخنا الفاضل البراهيم الإسلام من أعظم نعم الله علي العالمين
    اللهم ردنا لدينك ردا جميلا
    اشكرك اخي الكريم علي المتابعه والمشاركة الطيبة

  6. #6
    مشرف عام مجالس الادب و التاريخ - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    30-08-2012
    العمر
    47
    المشاركات
    2,865

    افتراضي

    سلمت وسلمت اناملك استاذي الفاضل عبدالمنعم وجزاك الله خيراً
    على جميل ما طرحت ونقلت حفظك الله ورعاك

  7. #7
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    جارودي - رحمه الله
    ما من عالمٍ بحق يفكر بصدق إلا وحتماً ينتهي الى الإيمان بالرسالة الخاتمة !!!
    هذا العالم لا ننسى مقولته بعد أن أعلن اسلامه وتمكن من إيمانه قام برحلة في بلاد العرب ! فقال والألم يعتصره : ( زرت ديار الاسلام فوجدت مسلمين دون اسلامٍ حق ! بينما هنا في اوروبا أجد مسلمين حق دون ديار إسلام تجمعهم ) !!!
    أليس هذا مُحزن ؟ متى نرفع الغشاوة ونصحوا من السبات ؟
    الكناني الكريم .. قدّمت المقال فأحسنت وذكّرت ! سلمت يداك
    أخزكم " ابو عمر الفاروق "
    ألمراقب العام

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-05-2017, 10:58 AM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-05-2017, 10:45 AM
  3. الشخصية الإسلامية (1)
    بواسطة م مخلد بن زيد بن حمدان في المنتدى الدنيا مزرعة الاخرة . تعال نؤمن ساعة
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 22-03-2016, 05:44 PM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 15-01-2013, 08:41 PM
  5. روجيه جارودي من الماركسية الى الاسلام
    بواسطة محمد محمود فكرى الدراوى في المنتدى الدنيا مزرعة الاخرة . تعال نؤمن ساعة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 21-03-2010, 12:57 AM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum