النوادر والطرف في الادب العربي
(1)
من الطبيعي أن يضحك ويبتسم الانسان، فالضحك وسيلة التعبير عن البهجة والسرور، والطرائف والنوادر ملح الحياة وزينتها وكما وصفها القدماء (بها جلاء القلب وتسلية النفس )، وحس الفكاهة مهارة يختص به بعض الناس دون غيرهم وقد تبدو هذه المهارة في رواية واختراع النوادر أو اختلاق المواقف الكوميدية وتمثيلها أو تأليفها وتدوينها في كتب أدبية أو أعمال فنية.
لقد اشتهرت حكايات النوادر والطرف في الادب العربي على مر العصور..وكان لكل عصر شخصياته الهزلية التي يُتندّر بها..فكانت شخصيات في الجاهلية ك هبنّقة وغيره، وزمن العصر الاول من الاسلام حيث كان التندّر على أنقى صوره وأجملها من غير استهزاء بالآخرين.. أمّا الذي يليه فقد ظهرت مكامن قوّة عند العرب وبراعة فيه لم تك من قبل في سالف العصور والدهور..
والتراث العربي حافل بالنوادر والطرائف وبالشخصيات الظريفة، ويعد الجاحظ الأديب الساخر ذا الروح المرحة والسخرية الذكية أشهر من وضع النوادر والطرائف وجمعها في كتابه النفيس (أخبار البخلاء)، حيث أبدع الجاحظ في وصف البخلاء وتصويرهم تصويراً واقعياً حسياً نفسياً فكاهياً، فأبرز لنا حركاتهم ونظراتهم القلقة ونزواتهم النفسية، وفضح أسرارهم وخفايا منازلهم وأطلعنا على أحاديثهم وحواراتهم، وحلل نفسياتهم وأحوالهم، ولكنه بالرغم من ذلك كله لا يكرهنا بهم لأنه لا يترك لهم أثراً سيئاً في نفوسنا.
ومن كتب التراث العربي التي غلبت عليها روح النكتة والظرافة أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي والذي تناول أخبار ومواقف الحمقى واستعرض في كتابه القيم أشعار وفصاحة وطبائع وصفات وأنواع الحمقى، كذلك يورد ابن الجوزي في كتابه الأمثال التي ضربت في الحمقى وبأسلوب فكاهي ظريف.
كما روى الأصمعي الذي لقب براوية العرب وعده المؤرخون أحد أئمة الأدب واللغة والشعر في كتابيه (النوادر) و( نوادر الأعراب) طرائف وقصصا ذاع صيتها وانتشرت بين الناس.
ومن أشهر الشعراء الذين قدموا صوراً كوميدية حية الشاعر العباسي ابن الرومي المعروف بسخريته وظرافته حتى في هجائه القاسي، حيث يصف الشخص الذي يهجوه بصورة كاريكاتورية ساخرة مثيرة للضحك.
وقد ابتدعت الكثير من الشعوب شخصيات كوميدية خيالية تتلاءم مع طبيعتها وظروفها الاجتماعية والاقتصادية، تروى عنها قصصا مضحكة تتسم بالسذاجة أحياناً وأحياناً أخرى بالذكاء ورفاهة الحس، مثل شخصية جحا عند العرب، ونصر الدين خوجة في تركيا وملا نصر الدين في إيران وكردستان، وشخصية آرتين في أرمينيا وغابروفو ذي اللسان السليط في بلغاريا، وآرو اليوغسلافي المغفل ..
وجحا العربي شخصية ليست خيالية بطلها رجل فقير كان يعيش بطريقة مختلفة عن الآخرين ويتصرف بذكاء كوميدى ساخر، وقد انتشرت قصصه ومواقفه المضحكة وتداولها الناس على مر العصور حتى عصرنا هذا، حيث ماتزال شخصية جحا ترمز للظرافة وخفّة الظل.
الكثير منا لا يعرف " جحا " ولا يعرف من هو مع ان نوادره ملآت الدنيا من ألف عام واكثر شخصية خيالية فكاهية في الأدب العربي، أضحك الملايين على مدى قرون طرد عنها الحزن والأسى بحكاياته الطريفة المضحكة خلال أكثر من ألف عام
عاش نصف حياته في القرن الأول الهجري ونصفها الآخر في القرن الثاني الهجري، فعاصر الدولة الأموية وبقي حياً حتى حكم الخليفة المهدي، وقضى أكثر سنوات حياته التي تزيد على التسعين عاماً في الكوفة.
هو أبو الغصن دُجين الفزاري المشهور ب(جحا)
اختلف فيه الرواة والمؤرخون، فتصوّره البعض مجنوناً وقال البعض الآخر
إنه رجل بكامل عقله ووعيه وإنه يتحامق ويدّعي الغفلة ليستطيع عرض آرائه النقدية
والسخرية من الحكام بحرية تامة.
وما إن شاعت حكاياته وقصصه الطريفة حتى تهافتت عليه الشعوب،
فكل شعب وكل أمة على صلة بالدولة الإسلامية صمّمت لها (جحا) خاصاً بها
بتحوير الأصل العربي بما يتـلاءم مع طبيعة تلك الأمة وظروف الحياة الاجتماعية فيها.
ومع أن الأسماء تختلف وشكل الحكايات ربما يختلف أيضاً.
ولكن شخصية (جحا) المغفّل الأحمق وحماره هي هي لم تتغيّر .
شخصية فكاهية حقيقية، لكنها سرعان ما انفصلت عن واقعها التاريخي،
وأصبحت رمزًا فنيًا، ونموذجًا نمطيًا للفكاهة في التراث العربي.
ومن هنا قيل على لسانه آلاف النوادر أو الحكايات المرحة، على مر العصور.
لقد نسي الناس جذوره التاريخية، ولكنهم لم ولن ينسوا أبدًا أسلوبه الضاحك وفلسفته الساخرة.
وعلى الرغم من كثرة أعلام الفكاهة في التراث العربي، فإن جحا يبقى أشهر شخصية نمطية فكاهية، لاتزال حيّة فاعلة ـ حتى اليوم ـ في الذاكرة الجمعية العربية، الأدبية والفولكلورية والثقافية.
وشهرته الفنيِّة لا تلغي الدور التاريخي الذي يؤكد أن جحا شخصية حقيقية.
فهو أبو الغصن دُجَيْن بن ثابت الفزاري، ولقبه جحا، وقد عرف بين معاصريه بالطيبة والتسامح الشديدين، وأنه كان بالغ الذكاء، وتنطوي شخصيته على قدر كبير من السخرية والفكاهة.
ووسيلته إلى ذلك ادّعاء الحمق والجنون، أو بالأحرى التحامق والتباله في مواجهته لصغائر الأمور اليومية، استعلاء منه على حياة فانية، وشعورًا بعبثية الصراع الدنيوي، وإحساسًا بالجانب المأساوي للوجود الإنساني (الموت) في وقت معًا.
ولذلك لا غرو أن يعمّر جحا، وأن يعيش مائة سنة، كما يقول الجاحظ. وقد شهدت الفترة التاريخية التي عاصرها جحا أحداثًا جسامًا كان لها أبعد الأثر في أسلوبه وفلسفته في الحياة والتعبير، منها مأساة السقوط الدموي للدولة الأموية، وهيمنة الدولة العباسية ـ بقوة السيف ـ على مقدرات الأمور العربية الإسلامية،
وسط مناخ ثقافي حافل آنذاك بالصراع السياسي والعسكري والمذهبي والعرقي.
شرع اسم جحا يتردد في أدبيات القرنين الثاني والثالث للهجرة
مقرونًا ببعض النوادر، كما ذكر الجاحظ
ولكن ما نكاد نصل إلى القرن الرابع الهجري
حتى تكون نوادره المتواترة شفهيًا
قد عرفت طريقها إلى التدوين في أسواق الوراقين باسم كتاب نوادر جحا
الذي كان من الكتب المرغوب فيها على حد تعبير ابن النديم في الفهرست.
ومن أقدم التراجم التاريخية التي وصلت إلينا عن جحا
تلك الترجمة الضافية التي ذكرها الآبي ( المتوفي سنة 421هـ 1030م )
في موسوعته نثر الدرر.
بل إنك تجد الطرائف الواردة في كتاب (نوادر جحا) المذكور في [[فهرست ابن النديم (377هـ) هي نفسها لم يختلف فيها غير أسماء المدن والملوك وتاريخ وقوع الحكاية، فجحا العربي عاش في القرن الأول الهجري واشتهرت حكاياته في القرنين الثاني والثالث، وفي القرون التي تلت ذلك أصبح (جحا) وحكاياته الظريفة على كل لسان.
وقد ألّفت مئات الحكايات المضحكة ونُسبت إليه بعد ذلك، ويبدو أن الأمم الأخرى استهوتها فكرة وجود شخصية ظريفةمضحكة في أدبها الشعبي لنقد الحكام والسخرية من الطغاة والظالمين، فنقلت فكرة (جحا العربي) إلى آدابها مباشرة، وهكذا تجد شخصية (نصر الدين خوجه) في تركيا، و(ملة نصر الدين) في إيران، و(غابروفو) جحا بلغاريا المحبوب، و(ارتين) جحا أرمينيا صاحب اللسان السليط، و(آرو) جحا يوغسلافيا المغفل.
وبعودة بسيطة إلى التاريخ تكتشف أن كل هذه الشخصيات في تلك الأمم قد ولدت واشتهرت في القرون المتأخرة، وهناك شك في وجودها أصلاً، فأغلب المؤرخين يعتقدون أنها شخصيات أسطورية لا وجود لها في الواقع، وقد اشتهرت حكاياتها في القرون الستة الأخيرة، وربما أشهرها وأقدمها هو (الخوجة نصر الدين) التركي الذي عاصر تيمورلنك في القرن الرابع عشر الهجري، كما يتضح ذلك من حكاياته الطريفة مع هذا الطاغية المغولي.
ومن اللافت للنظر، أن المأثور الجحوي بعامة، لم يكن وقفًا على النقد السياسي أو الاجتماعي فحسب، بل أدى وظائف أخرى، نفسية وجمالية، بالضرورة. فالنوادر الجحوية ليست إلا تعبيرًا عن واقع نفسي وخارجي معًا، في بنية واحدة متعاضدة، إنها هنا تسخر، تنتقد، تنتقم، تفرج، تسِّري، فهي تنفيس وتفريغ لشحنات انفعالية سالبة. وتأتي النوادر الجحوية ـ في وظائفها الجمالية والإمتاعية ـ
تحقيقًا للجانب الباسم في مسرح الحياة، باعتبارها رواية هزلية كبرى كما يقال، وغايتها عندئذ التسلية والإمتاع، إما تحقيقًا لهذا الجانب الباسم من الحياة (ابتسم تبتسم لك الحياة)، وإما تسرية وترفيهًا وتفريجًا عن بعض كرب الحياة وضنك العيش (شر البلية ما يضحك).
وبذلك تمنحنا هذه النوادر قدرًا من "التطهير" النفسي الذي يزود المرء أو الجماعة بقوة التحمل والصبر والتفاؤل في خضم الإحباط الفردي أو الجمعي (القومي) وكأنها جرعة إنقاذية وتنشيطية غايتها " تطعيم" الناس ضد واقع محبط، وراهن جارح، وبذلك تضفي هذه النوادر الجحوية على الحياة والواقع قدرًا من التجميل الخيالي والتطهير النفسي الذي يحتاجه الناس كثيرًا.
كما اشتهرت شخصيات أخرى بظرفها ونوادرها مثل شخصية أشعب الأكول وهو رجل حقيقي عاش في المدينة المنورة اشتهر بجشعه وطمعه وحبه للأكل وكانت له طرائف كثيرة ما زالت تروى في القصص الشعبية، واعطت نوادر أشعب صورة صادقة عن الأوضاع السياسية والحياة الاجتماعية في زمنه.
النوادر والطرائف والكوميديا بأنواعها حاجة ملحة تزداد كلما تعقدت الظروف وتعددت الخطوب، وما أحوجنا اليها في زمننا هذا لتبدد ضيق النفوس وتزيل هموم القلوب، وكما يقول علي بن أبي طالب (رضي الله عنه ): (أعط الكلام من المزح بمقدار ما تعطي الطعام من الملح )، وكما قال القاضي عياض: (التحدث بمُلَح الأخبار، وطُرف الحكايات تسلية للنفس، وجلاء للقلب ).
ولقد اهتم النقاد بدراسة شخصية " جحا " وتمكنوا من تفنيدها بين الحقيقة و التوهم ورأوا أنَّ :
جحا شخصية فكاهية حقيقية، لكنها سرعان ما انفصلت عن واقعها التاريخي، وأصبحت رمزًا فنيًا، ونموذجًا نمطيًا للفكاهة في التراث العربي. ومن هنا قيل على لسانه آلاف النوادر أو الحكايات المرحة، على مر العصور. لقد نسي الناس جذوره التاريخية، ولكنهم لم ولن ينسوا أبدًا أسلوبه الضاحك وفلسفته الساخرة.
وعلى الرغم من كثرة أعلام الفكاهة في التراث العربي، فإن جحا يبقى أشهر شخصية نمطية فكاهية، لاتزال حيّة فاعلة ـ حتى اليوم ـ في الذاكرة الجمعية العربية، الأدبية والفولكلورية والثقافية. وشهرته الفنيِّة لا تلغي الدور التاريخي الذي يؤكد أن جحا شخصية حقيقية. فهو أبو الغصن دُجَيْن بن ثابت الفزاري، ولقبه جحا، وقد عرف بين معاصريه بالطيبة والتسامح الشديدين، وأنه كان بالغ الذكاء، وتنطوي شخصيته على قدر كبير من السخرية والفكاهة. ووسيلته إلى ذلك ادّعاء الحمق والجنون، أو بالأحرى التحامق والتباله في مواجهته لصغائر الأمور اليومية، استعلاء منه على حياة فانية، وشعورًا بعبثية الصراع الدنيوي، وإحساسًا بالجانب المأساوي للوجود الإنساني (الموت) في وقت معًا. ولذلك لا غرو أن يعمّر جحا، وأن يعيش مائة سنة، كما يقول الجاحظ. وقد شهدت الفترة التاريخية التي عاصرها جحا أحداثًا جسامًا كان لها أبعد الأثر في أسلوبه وفلسفته في الحياة والتعبير، منها مأساة السقوط الدموي للدولة الأموية، وهيمنة الدولة العباسية ـ بقوة السيف ـ على مقدرات الأمور العربية الإسلامية، وسط مناخ ثقافي حافل آنذاك بالصراع السياسي والعسكري والمذهبي والعرقي.
وفي مثل هذه الظروف التاريخية الاجتماعية حدث أن استدعى أبو مسلم الخراساني ـ عندما نزل الكوفة ـ جحا لشهرته، عسى أن يظفر منه بطرفة أو فكاهة في خضم حروبه الدموية، فخشي جحا على نفسه، وادعى الحمق والجنون في حضرته. وبالرغم من ذلك فقد أعجب به أبو مسلم، وحدث عنه الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور، الذي بادر فاستدعاه إلى دار الخلافة في بغداد لعله يصلح نديمًا أو مضحكًا (مهرجًا) في بلاطه. وقد أدرك جحا عاقبة مثل هذا الدور وهامشيته ومخاطره وقيوده، فما هو بمهرج وما ينبغي له أن يكون كذلك. فتمادى في ادعائه الحمق والجنون حتى أفرج عنه المنصور بعد أن أجزل له العطاء. وكان لمثل هذا اللقاء أثره البالغ أيضًا في ازدياد شهرته، وطلب الناس له في مجالسهم، والإغداق عليه. وهم سعداء به وبنوادره، وبرؤيته الساخرة للحياة والأحياء جميعًا، وهنا قال جحا قولته الساخرة المشهورة: "حُمْق يعولني خيرٌ من عقلٍ أعوله".
>> يتبع بأمر الله سبحانه
hgk,h]v ,hg'vt td hgh]f hguvfd- aowdm [ph
مواقع النشر (المفضلة)