النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: فلسفة التاريخ الإسلامي.. من الخلافة إلى النظام العالمي

فلسفة التاريخ الإسلامي.. من الخلافة إلى النظام العالمي عن جريدة المصريون: في كتابه "فلسفة التاريخ الإسلامي.. من الخلافة إلى النظام العالمي"، يكشف الباحث عماد بكر عن "العقدة التاريخية" للمسلمين،

  1. #1
    رئيس مجلس الإدارة الصورة الرمزية د ايمن زغروت
    تاريخ التسجيل
    01-10-2009
    الدولة
    مصريٌ ذو أصولٍ حجازية ينبعية
    المشاركات
    12,200

    افتراضي فلسفة التاريخ الإسلامي.. من الخلافة إلى النظام العالمي

    فلسفة التاريخ الإسلامي.. من الخلافة إلى النظام العالمي


    عن جريدة المصريون:
    في كتابه "فلسفة التاريخ الإسلامي.. من الخلافة إلى النظام العالمي"، يكشف الباحث عماد بكر عن "العقدة التاريخية" للمسلمين، أو ما يسميه عقدة "الجزر المنعزلة" التي أوقفت نمو وتقدم العالم الإسلامي وجعلت منه، حسب تعبير المؤلف، "جثة هامدة" ليس لها فعل في التاريخ، بل مجرد موضوع للفعل التاريخي، بعد أن تحولت العقيدة إلى "علم كلام"، وأصبح "علم الفعل" في يد السياسة وحدها، ومن ثم جرى فقدان الشرعية السياسية تماما، وسادت فكرة "السلطان المتغلب" الذي يستطيع باستخدام قوة السلاح إخماد أي معارضة له، ثم جرى تصدير هذا الفكر للمجتمع على شكل عنف واستبعاد للآخر وتكفير له على مدى قرون من الزمان استمرت حتى عصرنا الراهن.

    وفلسفة التاريخ، بالمعنى العام، من حيث هي نظرة شمولية إلى التاريخ في حاضره وماضيه ومستقبله، تحتاج إلى إعطاء معنى للتأريخ والنظر إليه نظرة كلية نسبياً.
    ولا جدال أن الوعي بالتاريخ من أبواب صناعة التاريخ، الذي اختلط أحيانا بالإضافات والأساطير والتحريف، وقلّ استخراج العبر منه ومن القوانين التي تحكمه، مما أدى إلى تكرار نفس الأخطاء والممارسات، وغلب على صناعته الأشخاص من أولي العزم الشديد الذين اهتموا بالتجييش والحشد لعواطف الجماهير دون الاهتمام بالجانب الأخلاقي والإنساني في بناء وعي العامة.

    بهذا المعنى الشمولي، يناقش هذا الكتاب، صغير الحجم كبير القيمة، حالة الفكر الإسلامي وتطوره منذ نشأة الإسلام حتى يومنا هذا، ويقدم طرحا جديدا أساسه أن العالم الإسلامي مازال يعيش ويتخبط في "عصور الظلام"، وأنه - وفق المؤلف- بحاجة ملحة للانتقال إلى العصر الحديث، من خلال خطاب ديني جديد تماما يرجع إلى الأصول ويتجنب الأخطاء التاريخية.
    ويتضمن "الخطاب الديني الجديد" الذي يدعو إليه المؤلف، ربط الدين بالسلوك، وتوحيد الشريعة والقانون في سياق دستور وقانون ملزم لجميع المواطنين، وتوحيد الزكاة والضريبة في إطار دولة تحترم المواطنة ولا تحاسب المواطنين على الكفر ولا تكافئهم على الإيمان، ثم ربط الدين بالدولة في نسق متكامل يحل إشكالية التناقض بين الدين والسياسية. بدأت بذور "العقدة التاريخية"، حسب الكاتب، في وقت مبكر من تاريخ الإسلام، وأطلق المؤرخون عليها اسم "الفتنة"، وكانت هذه الفتنة في الأساس هي صراع على السلطة،

    وانقسم الناس فيها إلى ثلاث مجموعات: مجموعة اعتزلت كل الصراعات، أي بقيت على الحياد، أما المجموعتان الباقيتان فكانت واحدة منهما نصيرا لأحد طرفي الفتنة "علي" و"معاوية".

    ويضيف الكاتب إلى ذلك فتنة "خلق القرآن" التي بدأها الخليفة العباسي "المأمون" عام 212 ه، وكانت برأيه الحدث الأكبر أثرا في التاريخ الإسلامي، معتبرا أن الناتج السياسي من هذه الفتنة كان "تكريس الديكتاتورية" وسيادة الرأي الواحد وعدم قبول الآخر، بل إنه يمكن افتراض وجود تصور سياسي عند العباسيين بتصفية المجتمع المدني، بالتعبير المستحدث، في ذلك العصر، الذي كان الخليفة يراه - أي ذلك المجتمع- تقويضا لسلطانه المطلق.

    وبخلاف الرأي السائد أن فتنة خلق القرآن كانت من أخطاء المعتزلة، وأنهم دفعوا ثمن هذا الخطأ (...) يرى الباحث أن الأمر أكبر من ذلك بكثير، فبحساب النتيجة السياسية لهذه الفتنة التي استغرقت قرابة نصف قرن، نرى أن التأثير السلبي لها لم يشمل المعتزلة فقط، بل تعداهم وطال أهل الحديث بالقدر نفسه، فلم نر أو نسمع شيئا عن نقد المتن عندهم" بعد هذه الفتنة.

    وعلى الرغم من القيود الشديدة على الحرية وعلى الفكر في عهد الخلفاء العباسيين، وتحول العقيدة إلى "مجرد كلام" لا يتبعه أي تطبيق عملي، ورغم توقف السنة النبوية عند حدود الرواية فحسب، وخضوع الفقهاء لسياسة "الترغيب والترهيب" من قبل السلطة الحاكمة، فإن هذه المرحلة تعد - في رأي الكاتب- هي الأفضل في التاريخ الإسلامي منذ ظهور الإسلام وحتى يومنا هذا، حيث ما زلنا نطلق عليها مسمى "العهد الذهبي"، فالأسوأ سيبدأ عند رأس السنة المائة الثالثة الهجرية، حين افتتح "المأمون" فتنة خلق القرآن التي تعد الفتنة الأكثر تأثيرا بعد فتنة الحروب الأهلية بين "علي ومعاوية"، سالفة الذكر.

    ويعتبر المؤلف أن "عقدتنا التاريخية" هذه قد تبلورت خلال مدة زمنية تصل إلى نصف قرن من الزمان، ويفترض أن المحرك الأول لها كان سياسيا من أعلى قمة الهرم، لكن التنفيذ تم على يد المجتمع المدني بطرفيه في ذلك الوقت، وهما المعتزلة وأهل الحديث، وترتبت على ذلك تأثيرات سلبية تكونت داخل الأفراد ومازالت تعمل بكامل طاقتها حتى يومنا هذا.

    عقدة فصل الدين عن الدولة
    بدأت "العقدة" كما يقول الكاتب، بفصل الدين عن الدولة من خلال منتج تم تسميته "علم الكلام"، يناقش موضوعات العقيدة، على أن تكون السياسة هي "علم الفعل"، وعلى الرغم من أن المجتمع المدني كان مكبلا إلا أنه حقق نهضة كبيرة على المستوى الحضاري.
    ولكن، أدت عقدة "الجزر المنعزلة" تلك إلى ضعف التواصل والترابط والثقة بين أفراد المجتمع الإسلامي، لدرجة جعلت كل فرد مثل "جزيرة" في حد ذاته، منعزلا عن الآخرين، ومن ثم تشكلت داخل المجتمع أول عصابة بالمعطيات الجديدة، ثم زاد عدد العصابات ليشمل كل التخصصات ومجالات الحياة كافة، وفقدت العلوم والتخصصات قيمتها في خدمة المجتمع الإسلامي، وأصبح كل مجال مملوكا لعصابة ما، وكان يحدث أحيانا أن تتم الثورة على عصابة لتحل محلها أخرى، لا تقدم بدورها شيئا لهذا المجتمع، وإنما تقدم لنفسها كل ما كانت تطمح إليه من بسط سيطرتها، وظل الحال كذلك حتى الآن.

    لتدعيم نظريته يرجع المؤلف قليلا إلى الوراء، وتحديدا إلى القرن الهجري الأول الذي تشكّلت فيه الفرق الإسلامية الكبرى، مثل الخوارج والشيعة والمعتزلة والمرجئة والجبرية وأهل السنة والجماعة، وكانت نشأة هذه الفرق نتيجة لصراع سياسي داخل المجتمع في المقام الأول.

    ويمكن تحسّس هذا الصراع السياسي المكبوت والمستتر، خلف رداء الخطاب الديني من نشأة فرقة المعتزلة، وهي حادثة مشهورة، حينما سأل أحد الأشخاص الحسن البصري (ت 110 ه) عن حكم مرتكب الكبيرة، هل هو مؤمن أم كافر؟ وقبل أن يجيب البصري، قام تلميذه واصل بن عطاء بالإجابة، وقال بأن مرتكب الكبيرة "في منزلة بين المنزلتين" فلا هو مؤمن محض ولا هو كافر محض.

    ويؤكد الباحث أن قضية "مرتكب الكبيرة" هذه، لم تكن قضية هامشية أو سطحية أو من قبيل الترف الفكري والعقلي كما يقول البعض، بل كانت بمنزلة "تأنيب الضمير" في المجتمع الإسلامي آنذاك، فمن الواضح من الواقع الاجتماعي في تلك الفترة أن السؤال لم يكن سؤالا عابرا، بل كان سؤالا مُلحا يُطرح كثيرا وقتها، إن لم يكن بشكل واضح في صورة حوار سياسي، فربما كان يُطرح في الأسرة أو بين الأصدقاء بصيغة أوضح، لأن الخوف كان يمنع من طرح السؤال في شكله السياسي، تم تغليفه بغلاف ديني.

    ولم يكن طرح السؤال حول حكم مرتكب الكبيرة ممكنا على الصعيد السياسي، فقد كانت "الكبيرة" المقصودة هنا تنطبق أكثر ما تنطبق على الصراع الدموي الجاري والقتل بسبب الخلافات السياسية، حيث كانت عاقبة السؤال تؤدي إلى القتل أيضا، وبالتالي تم نقل دائرة الصراع من مجال السياسة إلى مجال التدين. فلسفة التاريخ الإسلامي كما يطرحها المؤلف تعني البحث عن المشروع الحضاري الإسلامي، الذي ينادي به الكثيرون كل من واقع تحولاته الفكرية، وارتباطه بالمبنى الديني والفكري في واقعنا المعاصر، وهو ما يتطلب أن يضع الخطاب الإسلامي المعاصر قضية إصلاح مناهج الفكر وتجديد الخطاب الديني في موضعها الملائم، ومنحها الأولوية وإعطائها السبق، باعتبارها القضية الأهم، والمفتاح الأساسي، والأرضية التي لا بد أن ينطلق منها أي مشروع فكري حضاري، فبإصلاح مناهج التفكير، أي نفض الغبار التراكمي عن العقلية الإسلامية التي أصابها الوهن، يمكن إيجاد الحلول المنطقية لكثير من جوانب الأزمة الراهنة.

    دعوة لقراءة التاريخ بصورة جديدة
    ولذلك، لابد من قراءة التاريخ بمعايير موضوعية والتأشير على نقاط قوته وضعفه، والتفكير في حلول جديدة لقضايا العصر بعيداً عن التقوقع والتعصب والحزازات والمصالح الضيقة. حتى يستطيع العالم الإسلامي الخروج من "عقدة الجزر"، والتخلص من حالة الركود التي يعيشها منذ أكثر من 1000 عام.



    tgstm hgjhvdo hgYsghld>> lk hgoghtm Ygn hgk/hl hguhgld


  2. #2
    رئيس مجلس الإدارة الصورة الرمزية د ايمن زغروت
    تاريخ التسجيل
    01-10-2009
    الدولة
    مصريٌ ذو أصولٍ حجازية ينبعية
    المشاركات
    12,200

    افتراضي

    [align=right]
    مقال مهم جدا ..
    [/align]

  3. #3
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    بارك الله فيك.شريفنا الغالي عالي المقام..الدكتور أيمن
    ولي تعقيب بسيط:
    في ال 1984 ألقيت محاضرة في مركز اناربر/ديترويت في امريكا..وكان عنوانها " نحن والمستقبل"
    فكان مما قلت:
    للعودة الى المستقبل الذي نحن نتخلف عن ركبه، فلا بد لنا من قفزتان اثنتان معا..وهما:
    قفزة فكرية على أسس عقدية صحيحة وتشريع اساسه وأركانه ما اتفق عليه أهل السلف في الاصول والاجتهاد فيما يستجد من احوال تناسب عصرنا زمانا ومكانا..ويجب ان ينبري لذلك الفقهاء المخلصون العارفون بالحيثيات لكل اطروحة ومشكلة..ويجب الاجتهاد بالعلة والسبب..فالنصوص ثبتت..والعلل قد تغير منها وفيها الكثير..
    والقفزة الثانية..وهي الركب الحضاري..المادي..والبناء الاخلاقي الذي تهدم منه الكثير..
    وكان أبرز..سؤال واجهت..ألا وهو..صنع الشخصية الاسلامية من جديد..فالثقة في علماء العصر أصبحت شبه معدومة..إما لقربها من السلطان...والذي في العادة لم يختره المجتمع بل رضي به قهرا..وهو السلطان المتغلب..فقلت..صنع الشخصية الاسلامية والتي لا يختلف عليها اثنان لقيادة الامة وتوحيدها والنهوض بها يجب ان تحصل على شرعيتين اثنتين وهما:
    الشرعية الدينية
    والشرعية الفكرية الجامعة
    فانقسام الصف الاسلامي واعني بذلك في الفتوى والتشريع ما بين التقليد والتزمت الصارخ من غير تقديم الحلول..وانقسام الفكر وتعدده وتعدد حركاته...حتما لن يفضي الى اتفاق ما لم يتحاور الجميع عليه ونصل الى فكرة واحدة جامعة فيه..ألا وهي رفض التشرذم الكياني..وما يتبعها ويلتحق بها من سلطوات حاكمة..ليس لها شرعية في الحكم اصلا...فهي فئوية..أو اقليمية او طغم عسكرية...في الغالب فاسدة او ترتهن للاجنبي الذي صنعها
    واساس ذلك كله..يبدأ من التغيير..على مستوى الفرد...فالاسرة..فالمجتمع وما بين ذلك من حلقات لازمة..وقد يكون ذلك بطيئا...لكنه الاصوب والادوم والاجدى
    إن مجتمعاتنا...انقسمت بفعل السلطوات الحاكمة..وبالتالي ضعفت..وهانت على اعدائها
    وصنع الشخصية الاسلامية هو محور عملية التغيير
    والتغيير لا ينتظر قرارا من غير نفسك انت..فأنت صاحب قرار التغيير..ولن يفرض عليك التغيير من الخارج او من سلطة حاكمة..فالبناء تعاضدي والتغيير جمعي جماعي..وكلما كان ناضجا صحيحا وسليما كانت النتائج والمدة الزمنية لذلك أقصر...والنتائج أسلم وأدوم وأنجع..
    وعماد ذلك آيتان..آية التبديل إذا لم نقم بالتغيير السليم والمطلوب..يستبدل قوما غيركم ولا يكونوا أمثالكم
    والثانية..وهي وان هذه امتكم امة واحدة...وبنتيجتين مطلوبتين...وهما..وانا ربكم فاعبدون..و فاتقون
    يحفظكم الله ويبارك فيكم شيخنا ويرعاكم

  4. #4
    رئيس مجلس الإدارة الصورة الرمزية د ايمن زغروت
    تاريخ التسجيل
    01-10-2009
    الدولة
    مصريٌ ذو أصولٍ حجازية ينبعية
    المشاركات
    12,200

    افتراضي

    احسنت القول اخي الكريم م مخلد بارك الله فيك ...

  5. #5
    مشرف مجلس قبائل المغرب الصورة الرمزية دوبلالي
    تاريخ التسجيل
    16-06-2012
    الدولة
    سوس-المغرب
    العمر
    53
    المشاركات
    2,578

    افتراضي نعم لتجديد علم الكلام الإسلامي.

    أجل، فالموضوع مهم جدا جدا بل و ملحُّ الآن أكثر من أي وقت مضى و هناك من المفكرين الغيورين و الصادقين من ينادي بضرورة تجديد علم الكلام الإسلامي حسب ما استجد على الساحة من علوم حديثة و فلسفات جديدة و متنوعة حتى نكون في مستوى الحدث و نواكب العصر و لكي نتواصل مع العالم الخارجي، و لماذا علم الكلام بالذات و ليس علوم الشرع الإسلامي التقليدية ؟ لأن علم الكلام قابل للتجديد و لأنه حلقة وصل بين الفلسفة و الشريعة و لأن العقل الحديث - الغربي خاصة - لن يمكن التواصل معه بمنطق علوم الشريعة الكلاسيكية المحضة للفارق الكبير بيننا و بين الغرب و باقي العالم المتحضر دينيا و فكريا و حضاريا ، و لكي نتحاشى الصدام المتزايد بين الشرق و بين الغرب بسبب ما افتعلته الطوائف الراديكالية المستندة إلى النهج الوهابي التكفيري و الإقصائي بادعاء الطهرانية المنفردة المتزمتة حتى أصبح الإسلام و رموزه موضع كره و ازدراء و تندر و تفكه و احتقار كما أن هذه الجماعات أساءت إلى الإسلام و صبغت وجهه بالدم حتى أصبح مصدرا للقلق و الخوف عند أهله و عند غيره مما أعطى لخصومه و أعدائة كامل الصلاحية للقضاء عليه في عقر داره و في عقول أهله مع كبح مسيرته التي كانت تسير بخطئ وئيدة ولكنها مباركة قبل انبثاق الوهابية وما تلاها من طوائف متشبعة بفكرها الإقصائي البغيض.

    ثم إن التساؤل المطروح بحدة و بجدية الآن - خاصة و أن الوهابية و أذنابها إلى أفول و شمسها على رؤوس النخيل بعد أن فقدت بريقها و ألقها المفروضين بالحديد و الدم و بالتكفير و التبديع كعناصر للتبليغ و الإنتشار القسريين فأصبحت السعودية (مهد الوهابية) مُطالَبَة اليوم بالتغيير و بالرجوع إلى الإعتدال و القطع مع الفكر الإقصائي الوهابي مما خلق أزمة بين القمتين المتحكمتين في البلد بل وأصبحت إحداهما عبئا على الأخرى مما سيفرز قطيعة مدوية في الأفق المتوسط على الأقل - إذن فالتسائل المطروح هو: أي شكل من الأشكال سيتخذه هذا الفكر الإسلامي المنتظر و الخالي من العيوب التاريخية و الفكرية الذي نادى به الكاتب أعلاه و على أي مذهب سيستند، أم أن الجمع بين المذاهب و الفرق الحية الحالية سيكون متيسرا ليفرز لنا فكرا موضوعيا تقبله كل الأطراف و يكون في حجم التحدي و يسلم له العقل الحديث إذا استثنينا علم الكلام بمزاياه التي ذكرتُ ؟؟

    كما أن الصراع الإسلامي ليس وليد القرن الثاني و القرون التي تليه كما أراد أن يوهمنا به الكاتب أعلاه و أن المعتزلة هم السبب في كل النكبات التي حلَّت بالإسلام و أهله تباعا ، و ليس كذلك قضية خلق القرآن كما زعم، بل إن القضية أعمق بكثير و ضاربة في أعماق الجاهلية قبل بزوغ فجر الإسلام للصراع المحتدم بين الزعامة و القيادة القرشية المتمثلة في بني أمية و بني هاشم من جهة و بين باقي الأطراف من جهة أخرى ثم جاء الإسلام و قلب الموازين و أطاح ببعض من كانت له اليد الطولى و رفع مَن ليس له شأن يُذكَر إلى مصاف الأسياد فتناحر الطرفان في الخفاء و استترت الضغائن في شكل المنافقين و المرجفين و المتنبئين و المتواطئين مع اليهود و الفرس و الروم الموتورين بعد ذلك فاختلطت النزعات و الأهداف و الغايات تحت الرماد و لم يجد الأمويون بدا من المداراة حتى تسنح لهم الفرصة فلما سنحت بقبض النبي صلى الله عليه و سلم تفجر السيل العرم و طم الوادي على القري و كانت الردة و الفتنة الكبرى و الجمل و صفين و الخوارج الذين استمروا لخمسين عاما أنهكوا فيها قوى ما تبقى من طموح ديني ممزوج بأطماع سياسية و فئوية محضة، كما أن الفتوحات هي الأخرى أفرزت عيوبها التي لابد منها إلى جانب المحاسن المعدودة و المؤقته في غالب الأحيان مما اضطر معه العقل المسلم إلى التعامل مع كل ما ذُكر من قبل و من بعد بحرفية و تصالح مع الذات الفكرية للمسلمين فكان علم الكلام فحافظ على ماء الوجه المتبقي و أعطى الكثير لهذه الأمة المبتلاة - و علم الكلام ليس شيئا مقدسا أو معصوما، و لكنه من أفضل ما توصل إليه العقل المسلم في الوقت الذي يُجلد و يُقتل و يُسجن فيه من يدعي حمل لواء نهج السلف على مدى أربعة أو خمسة قرون كاملة اتضحت فيها كل المذاهب و الأراء و نضجت فيه العقائد و ثبت الأصلح بعد ذلك للعيش و انقرض من استنفذ جهده و مضى زمنه - .

    الحاصل أن الإسلام برمته وُلد في بيئة متوترة و عاش في بيئة موبوءة فكان في كل مراحله مائل الشق عليل البدن زيادة على ما ينتابه بين فينة و أخرى من أمراض مؤقتة أو مزمنة و لا يزال الحبل على الجرَّار، أجل، لقد كان التطاحن في أوجه منذ زمن الصحابة إلى اليوم و كانت المعركة الفكرية إحدى الطرق بجانب السيف و التآمر فهذه امرأة دخلت على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعد الجمل فاستفتتها طريقة ذكية قائلة لها: ما رأيك في امرأة قتلت ابنها الصغير؟ أجابتها: وجبت لها النار، فقالت المرأة معرِّضة بها: وكيف بامرأة قتلت من أبنائها الأكابر عشرة آلاف؟ فقالت السيدة عائشة: أخرجوا عدوة الله. (أقول): هذه صورة مصغرة و مثال بسيط للجدل السياسي و الإجتماعي الذي كان يدور في الخفاء منذ النشأة الأولى للإسلام و قبل ظهور المعتزلة و أهل الكلام عامة.

    لابد من تجديد الفكر الإسلامي على ضوء علم الكلام الذي بدوره يجب تحديثه وفق شروط معينة بناءة و هادفة و مرضية حتى يستطيع التكفل بمقارعة الخصوم الجدد بالحجة العقلية المسترشدة بالنص المقدس كما فعل الأجداد في وقتهم أما تحدياتهم و إلا فإن من يظن أن الفقهاء و أهل الحديث وحدهم يستطيعون أن يوصلوا سفينة المسلمين إلى بر الأمان مع ضمانهم الإستمرارية لها في هذا المحيط الهائج من الأفكار و النزعات و المصالح و الأحقاد فهو واهم واهم واهم.

    اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد ... ولينتقدتني من شاء بطريقته الخاصة به و ليؤمن بما أومن به من رُزِق حظا من علم و نورا في العقل و بُعدَ نظر في الإدراك و سلامة في الحواس.

    و السلام ختام.

  6. #6

    افتراضي

    جزاك الله خير

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. حركة التاريخ في المفهوم الإسلامي
    بواسطة الارشيف في المنتدى مجلس فلسفة التاريخ و حركة التاريخ و تأريخ التاريخ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 15-02-2020, 03:46 PM
  2. أصغر وزير في التاريخ الإسلامي
    بواسطة ابراهيم العثماني في المنتدى تاريخ عصر السلاطين العظام
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 24-08-2015, 08:53 PM
  3. كتب التاريخ الإسلامي الشهيرة ,,,
    بواسطة حسن جبريل العباسي في المنتدى الاسلام باقلامنا
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-12-2014, 06:47 AM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-01-2013, 11:24 PM
  5. العقاد والفكر العالمي.....شخصيات تاريخيه...عظماء التاريخ...شخصيات من التاريخ
    بواسطة ابن خلدون في المنتدى موسوعة التراجم الكبرى
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 14-12-2012, 05:50 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum