النتائج 1 إلى 25 من 25

الموضوع: حقيقه محمد علي باشا وعلاقته بالماسونية الصهيونية وتأثيرها على الدوله العثمانية

لم يكن من السهل على شاب قليل الخبرة وقليل المعرفة بمصر وطبيعتها أن يصل إلى ما وصل إليه محمد علي، مهما كانت قدرته أو ذكاؤه إلا إذا كان يستند إلى

  1. #1
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    1 (7) حقيقه محمد علي باشا وعلاقته بالماسونية الصهيونية وتأثيرها على الدوله العثمانية

    لم يكن من السهل على شاب قليل الخبرة وقليل المعرفة بمصر وطبيعتها أن يصل إلى ما وصل إليه محمد علي، مهما كانت قدرته أو ذكاؤه إلا إذا كان يستند إلى قوة تخطِّط له وتعينه على تحقيق أهدافه، وتسخره في نفس الوقت لتحقيق أهدافها، وبخاصة أنه كما ذكر عن نفسه (لا يصلح للولاية وليس من الوزراء ولا من الأمراء ولا من أكابر الدولة)[1]. وهذه الصفات حقيقية له مهما كان غرضه من قولها، ولهذا نجد أنفسنا أمام العديد من التساؤلات.. لماذا ثارت الفرقة الألبانية بالذات التي يحتل فيها هو الرجل الثاني دون بقية الفرق العثمانية، وأبعدت "خسرو باشا" عن الولاية تحت دعوى تأخر رواتبهم؟ ولماذا اندفع العلماء لتعيين قائد القوة الألبانية الثائرة طاهر باشا "قائمقامًا" ينوب عن الوالي المطرود ثم يُقتل بعد عشرين يومًا؟ ولماذا يطرد الوالي الجديد أحمد باشا بعد توليه بيوم واحد فقط؟ ولماذا يساعد محمد علي خورشيد باشا في تولي الولاية ثم ينقلب عليه؟ وكيف استطاع محمد علي أن يفي برواتب الجند وبخاصة بعد استيلاء المماليك في الصعيد على مخصصات الأهالي هناك؟ ولماذا..؟ ولماذا..؟ جوانب كثيرة يكتنفها الغموض!!! وتشير كثير من الأدلة إلى أن هذه القوة -التي لم تكن ظاهرة- هي الحركة الماسونية التي انبعثت في مصر سنة 1798م على يد رجال الحملة الفرنسية حيث مهد لها نابليون، ثم أسس خلفه كليبر ومعه مجموعة من ضباط الجيش الفرنسيين الماسونيين محفلاً في القاهرة سمِّي محفل إيزيسي، وأوجدوا له طريقة خاصة به هي الطريقة الممفيسية أو الطريقة الشرقية القديمة[2]. وقد تمكن هذا المحفل من أن يضم إليه بعض الأعضاء من المصريين وإنْ كانوا قلة، ثم انحلَّ هذا المحفل رسميًّا في أعقاب اغتيال كليبر سنة 1800م، وظل أعضاؤه يعملون في الخفاء وبسريَّة. ويشير المنشور الأول الذي وزَّعه نابليون على المصريين إلى أنه قد سعى لنشر هذه الأفكار منذ بداية وصول الحملة، فيذكر فيه (قولوا لهم -أي المصريين- أن جميع الناس متساوون عند الله، وأن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط)[3]. ويبدو تزعم الحملة الفرنسية للفكر الماسوني واضحًا منذ بدايتهم، ولقد حاولوا فرض العادات الخبيثة التي استهجنها المسلمون في مصر كالبغاء والسفور وتشجيع النساء من الحرافيش ونساء الهوى على ارتكاب المحرمات بشكل علني واضح، حيث يعدُّ هذا الأمر من بين أساليب انتشار الماسونية[4]. وتوحي بعض الدلائل على أنهم -أي الفرنسيين- قد نجحوا في ضم المصريين من المشايخ والعلماء -من بينهم الشيخ حسن العطار- إلى المحفل الماسوني الذي أسسه كليبر سنة 1800م، فبعد أن هرب الشيخ حسن العطار إلى الصعيد في أعقاب قدوم الحملة كغيره من العلماء ثم عاد إلى القاهرة على إثر دعوة الفرنسيين للعلماء، اتصل على الفور برجال الحملة ونقل عنهم علومهم، وفي نفس الوقت تولى تعليمهم اللغة العربية[5]. وقد اندمج إلى حد كبير في علومهم، وكثيرًا ما تغزل في أشعاره بأصدقائه منهم[6]. ولقد دعت هذه الأمور أن يوصف العطار بأنه من دعاة التجديد[7]. وقد توثقت صلة الشيخ العطار بمحمد علي بعد توليه الولاية، وأصبح من الركائز التي يعتمد عليها محمد علي في خطواته التجديدية في مصر، وهو أمر يشير إلى وجود صلة بين محمد علي والمحفل الماسوني المصري الذي تأسَّس إبان الحملة الفرنسية[8]. كما أن تطور الأحداث يشير إلى تشبُّع محمد علي بالأفكار الماسونية التي كان مهيَّأ لها بحكم تكوينه الطبيعي، فيُنقل عنه قوله وهو يفاوض الفرنسيين على مسألة احتلال الجزائر: (ثقوا أن قراري... لا ينبع من عاطفة دينية، فأنتم تعرفونني وتعلمون أنني متحرِّر من هذه الاعتبارات التي يتقيد بها قومي... قد تقولون إن مواطني حمير وثيران وهذه حقيقة أعلمها)[9]. وقد شهد عصر محمد علي تأسيس أكثر من محفل ماسوني في مصر، فقد أنشأ الماسون الإيطاليون محفلاً بالإسكندرية سنة 1830م، على الطريقة الإسكتلنديَّة وغيرها كثير[10] .د علي الصلابي
    يتبع بمشيئة الله تعالى
    إنتظرونا


    prdri lpl] ugd fhah ,ughrji fhglhs,kdm hgwid,kdm ,jHedvih ugn hg],gi hguelhkdm


  2. #2
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    أخي الكريم الاستاذ البراهيم اشكر مرورك العطر

  3. #3
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    الماسونية واليهود

    (إن الماسونية هي القنطرة التي عبرت عن طريقها الصهيونية العالمية؛ إذ أسسها تسعة من اليهود بغية الوصول إلى تحقيق الحلم الصهيوني المتمثل في إنشاء حكومة يهودية عالمية تسيطر على العالم، فأعدت خططها وبرامجها المحققة لأهدافها وأطلقت على نفسها اسم (القوة الخفيَّة)، واتخذت في ذلك السرية والعهود والمواثيق التي كانت تأخذها على العضو المنضمّ إليها وسيلة ضغط عليه، بحيث يصبح آلة توجهه كما تريد. وقد استشرى فساد الماسونية في المجتمعات الغربيَّة واستطاعت أن تجذب الكثيرين من الأعضاء عن طريق شعارها الظاهري: (الحرية، الإخاء، المساواة)[11]. (الماسونيون هم أيدي اليهود التنفيذية لمخططات البطش ومؤامرات الاضطهاد والإعدام والسحق السارية المفعول على جميع شعوب العالم)[12]. (الماسونية آلة صيد بيد اليهود، يصرعون بها كبار الساسة، ويخدعون الأمم الغافلة والشعوب الجاهلة. الماسونية خطر كامن وراء الرموز والألفاظ والطلاسم، وخنجر غمده اليهود في قلب الشعوب، وأقاموا لها عدوًّا من داخلها وعلة من وسطها. الماسونية عقرب لدغ الشعوب قرونًا، متجليًا رداء الحرية والمساواة والإخاء....)[13]. (فالماسونية ما هي إلا يهودية الأصل والمنبت، وما دامت كذلك فهي تجيد المكر والخداع، وتتقن أساليب التشكيك في العقائد، والنيل من الأنبياء والرسل عليهم السلام، وتشيع الإلحاد والكفر في ربوع الأرض، وتدعو إلى الإباحية والفساد والرجس. واليهود تاريخهم معروف في تحريف الكتب السماوية، وقتل الأنبياء، وإطفاء كل باقة من نور، إنهم أتباع الشيفات، وعبدة الذهب وأصحاب الاحتكار وجمع الأموال وغير ذلك من الرذائل التي اتصفوا بها. ولم يعد اليوم خافيًا على أحد أن الماسونية منظمة يهودية يُراد منها تخريب العالم اجتماعيًّا، وأخلاقيًّا، ودينيًّا... وتمتد أذرعتها المسمومة إلى كل المبادئ والقيم بُغية تدميرها والقضاء عليها)[14]. لقد انتشرت المحافل الماسونية في مصر والشام وتركيا، وكانت تعمل ليلاً ونهارًا من أجل تفتيت وإضعاف الدولة العثمانية بمعاولها الفاسدة التي لا تكل ولا تمل، ولقد استطاعت المحافل الماسونية الفرنسية في مصر أن تجعل فرنسا تحتضن محمد علي. يقول الأستاذ محمد قطب: (واحتضنته احتضانًا كاملاً لينفذ لها كل مخططاتها؛ فأنشأت له جيشًا مدربًا على أحدث الأساليب ومجهزًا بأحدث الأسلحة المتاحة يومئذٍ بإشراف سليمان باشا الفرنساوي)[15]. لقد كانت المصالح الفرنسية ترى دعم محمد علي ليتحقق لها أطماعه المستقبلية في حفظ وتقوية محافلها الماسونية، وإضعاف الدولة العلية العثمانية، وزرع خنجرها المسموم في قلب الدولة العثمانية؛ ولذلك أنشأت لمحمد علي أسطولاً بحريًّا متقدمًا متطورًا، وترسانة بحرية في دمياط، والقناطر الخيرية لتنظيم عملية الري في مصر. هل كان هذا كله حبًّا في شخص محمد علي؟ أو حبًّا في مصر؟! إنما كان لتنفيذ المخطط الصليبي الذي فشلت الحملة الفرنسية في تنفيذه بسبب اضطرارها إلى الخروج. لقد قام محمد علي بدور مشبوه في نقل مصر من انتمائها الإسلامي الشامل إلى شيء آخر يؤدي بها في النهاية إلى الخروج عن شريعة الله، وكانت تجربة محمد علي قدوةً لمن بعده من أمثال مصطفى كمال أتاتورك وجمال عبد الناصر... إلخ. إن المسلم الحق لا يمكن أن يقوم بمثل هذا الدور لا واعيًا ولا مستغفلاً؛ لأن إسلامه يمنعه أن يتلقى التوجيه من أعداء الإسلام. لقد كان أعداء الإسلام يريدون القضاء على الدولة العثمانية، والقيام بتغريب العالم الإسلامي مع الاهتمام الخاص ببلد الأزهر ليقوم بتصدير أفكارهم إلى بقية الشعوب الإسلامية. فأما القضاء على الدولة العثمانية، فقد ساهم (محمد علي) في إضعافها وإهدار طاقاتها، وإسقاط هيبتها وتَعَدَّى على حرماتها، وأما التقارب مع الأعداء والسير في فلكهم الفكري والحضاري والانسلاخ التدريجي عن الانتماء العقديّ والفكري والأخلاقي فقد قطع فيه شوطًا مدحه عليه حلفاؤه من الماسون الفرنسيين والبريطانيين، وانهزم أمام الغزو الفكري المنظّم وقام بتنفيذ سياسة الابتعاث بإرسال الطلاب الشبان إلى أوربا ليتعلموا هناك.. وكان هذا من الأمور الخطيرة والمنافذ التي دخل التوجُّه العلماني من خلالها، فدخل ساحة التعليم ومن ثَمَّ في ساحة الحياة في مصر الإسلامية، وأهمل الأزهر وشيوخه وعلماءه، واهتم بإرسال الشبان الصغار بأعداد متزايدة إلى أوربا وهم في سن المراهقة، غير محصَّنين بشيء لينغمسوا في الشهوات، ويتأثروا بالشبهات، ثم يرجعوا إلى بلادهم ليكونوا رأس الحربة المتجهة إلى الغرب. لقد أرسل مع البعثات أئمة يؤمون الطلاب في الصلاة، ولكن ماذا عمل الأئمة؟ لقد كان رفاعة رافع الطهطاوي واحدًا من أولئك الأئمة، ولكنه عاد وهو واحد من دعاة التغريب، وعندما استقبله أهله بالفرح يوم عاد من فرنسا بعد غيبة سنين، فأشاح عنهم في ازدراء ووسمهم بأنهم (فلاحون) لا يستحقون شرف استقباله[16]!! ثم ألّف كتابه الذي تحدث فيه عن أخبار (باريس)، ودعا فيه إلى تحرير المرأة إلى السفور، وإلى الاختلاط، وأزال عن الرقص المختلط وصمةَ الدنس، فقال: إنه حركات رياضية موقعة على أنغام الموسيقى، فلا ينبغي النظر إليه على أنه عمل مذموم[17]. لقد استغرقت عملية الانتقال التدريجي ما يقرب من قرن من الزمان، ولكنها كانت عملية مستمرة لا تتوقف، بل تتوسع على الدوام[18]. لقد كان محمد علي ثعلبًا ماكرًا همُّه نفسه وأولاده من بعده؛ ولذلك قام بأعمال شنيعة، وأفعال قبيحة في إضعاف الأمة، والقضاء على شوكتها وتنفيذ مخططات فرنسا وبريطانيا، وحرص على أن يجمِّل صورته في أعين الغرب، ويقفو آثارهم في التحديث بل ويفكر كما قال عن نفسه: (بعقل أفرنجي وهو يلبس القبعة العثمانية)[19]. لقد قام محمد علي نيابة عن فرنسا وبريطانيا وروسيا والنمسا وغيرها من الدول الأوربية بتوجيه ضربات موجعة للاتجاه الإسلامي في كل من مصر والجزيرة العربية والشام والخلافة العثمانية؛ مما كان لها الأثر في تهيئة العالم الإسلامي للأطماع الغربيَّة.

    يتبع بمشيئة الله تعالى
    إنتظرونا

  4. #4
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    نتابع .. وبكل اهتمام !
    ما جاوزت الحقيقة حتى الآن !
    وننتظر كشف هوية الالحاد والملحدين في مصر وديار العرب كافة .. والذين ساروا على نهج محمد علي من قادة صورهم موجهوهم بانهم منظرون وملهمون وزعماء وقادة !! وما هم في الحقيقة إلا خدم لدى " الماسونية الفاجرة " !
    وننبه القارىء الكريم بالرجاء منه ان يصبر عليكم حتى انتهاء الموضوع .. وبعدها مرحبا بكل من له اعتراض .. ونحن معكم بكل قوة ونساندكم .. وسنزودكم بما لدينا إذا لزم الأمر .
    أعانكم الله وسدد خطاكم لبيان الحق ونبذ الباطل .

    المراقب العام

  5. #5
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    آمين يارب العالمين
    بارك الله فيك استاذنا الفاضل أبو عمر
    وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه

  6. #6
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    دور محمد علي في ضرب الإسلام
    بعد أن نجح محمد علي في توطيد نفسه في الحكم، وأحاط نفسه ببطانة ومساعدين من نصارى الأروم والأرمن وكَتَبة من الأقباط واليهود، واستجلب لنفسه مماليك جعلهم حكامًا للأقاليم، وكان في كل ذلك مستنفرًا لجموع المسلمين المصريين ومعبرًا عن عدم الاهتمام أو الاكتراث بهم، وبخاصة أن هؤلاء المساعدين قد أعانوه على سياسته الاستبدادية بين الفلاحين، وصف الجبرتي ذلك بقوله: (فتح بابه للنصارى من الأروم والأرمن، فترأسوا بذلك وعلت أسافلهم، كما أنه كان يحب السيطرة والتسلُّط ولا يأنس لمن يعارضه)[20]. وسلك محمد علي وأتباعه من غير المسلمين سياسة من أبرز علاماتها الظلم والقهر والاستعباد ضد جموع الشعب المصري؛ فجمع حجج الأرض من الفلاحين وفرض عليهم السخرة، أو دفع ضريبة بديلة، وحرَّم عليهم أن يأكلوا شيئًا من كدِّ أيديهم، وأبطل التجارة، وزاد في أسعار المعايش أضعافًا مضاعفة، وفرض الضرائب التي لا يطيقون دفعها، وجعل كل نشاط اقتصادي يئول إليه، ونقم على الناس[21]. وأرجع الجبرتي ذلك إلى ما يتسم به محمد علي من "داء الحسد والشره والطمع والتطلع لما في أيدي الناس وأرزاقهم"[22]. وقد نتج عن هذه السياسة كره الفلاحين الشديد لمحمد علي وأعوانه، وهروبهم من الأراضي الزراعية، وترك قُراهم فرارًا من السياسة الظالمة، وأعرضوا عن الاشتراك في جيشه، حتى بلغ عدد الفلاحين الفارّين في عام واحد هو عام 1831م ستة آلاف فلاح[23]. أما في المدن وبخاصة في القاهرة فيذكر الجبرتي أن محمد علي حين كلف الناس بتعميرها (اجتمع على الناس عشرة أشياء من الرذائل وهي: السخرة، والعونة، وأجرة الفعلة، والذل، والمهانة، وتقطيع الثياب، ودفع الدراهم، وشماتة الأعداء، وتعطيل معاشهم، وأجرة الحمام)[24]. لقد كان الجبرتي معاصرًا لسياسة الظلم التي مارسها محمد علي على الشعب المسلم في مصر؛ إذ امتصّ حقوقه وخيراته وفتح للتجار الأوربيين الباب على مصراعيه لدخول مصر والهيمنة على اقتصادها، وأصبحت مصر هي المزرعة التي تعتمد عليها أسواق أوربا من المنتجات الزراعية، وارتبطت مصر بأوربا ارتباطًا حضاريًّا وتجاريًّا، وأصبح اعتماد طبقة التجار الناشئة في مصر على الأسواق الأوربية من الناحية الاقتصادية وبالتالي السياسية، إلى جانب تمكين دعاة الثقافة الأوربية من السيطرة على الحياة الفكرية بعد أن شلَّ دعاة الاتجاه الإسلامي[25]، وأوقف مناهج التعليم القائمة على الدين؛ تنفيذًا لسياسية نابليون الماسونية، وهو أمر أكَّده المؤرخ الإنجليزي أرنولد توينبي في قوله: (كان محمد علي دكتاتورًا، أمكنه تحويل الآراء النابليونية إلى حقائق فعَّالة في مصر)[26]. لقد حقق الاستعمار الأوربي هدفه في الاستفادة من المنشآت والإصلاحات المادية التي قام بها دُميتهم محمد علي، أما شعب مصر المسلم فقد سيطر عليه اليأس، ودفع ثمنًا باهظًا يفوق حجم كل إصلاح، وهو تحطيم هويته الحضارية التي صقلها الإسلام، والتي ميزت دوره خلال العصور الإسلامية[27]. وفتح باب الدعوة إلى الوطنيَّة والقوميَّة، ومارس سياسة التضييق على دعاة الفكر الإسلامي من العلماء والمشايخ، فكان هذا الاتجاه مسايرًا لمساعيه الرامية إلى الاستقلال بمصر، وبالتالي إبعادها عن الارتباط بدولة الخلافة الإسلامية[28]. وقد لقي في اتجاهه هذا عونًا من المحافل الماسونية، التي تعتبر هذا الاتجاه من صُلب أهدافها. ومن أبرز الذين عاونوه في هذا الاتجاه الشيخ حسن العطار سنة 776هـ/ 1835م، الذي تشير الدلائل على انضمامه للمحفل الماسوني المصري، فقد كان العطار يرى أن البلاد (لا بد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيه)، وكانت وجهته في هذا التغيير هو الاتجاه الكامل إلى الثقافة الأوربية بعد أن عجز -في رأيه- المشايخ والعلماء عن مواصلة جهود المسلمين الأوائل[29]. وتبع العطار في اتجاهه تلميذه رفاعة الطهطاوي (1801-18733م)، حيث ابتعثه محمد علي إلى فرنسا خمس سنوات (1826-1831م) عاد بعدها لنشر ما يذكي الفكرة الوطنية وغيرها من الأفكار الاجتماعية التي عايشتها فرنسا، والتي لم تكن تتلاءم مع أوضاع المجتمع المرتبط بالفكر الإسلامي، وقد بدت هذه الأفكار في العديد من القصائد التي نظمها، وكذلك الكتب التي ترجمها بعد توليه الإشراف على مدرسة الألسن[30]. لقد تأثر الطهطاوي بتيارات الفكر الأوربي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بشكل فاق تأثره بالفكر الإسلامي، حيث أبدى في عديد من جوانب فكره، وفي كل مراحل حياته، إعجابه بأفكار الحرية والمساواة وضرورة الاعتماد على العقل. لقد تبنى ما دعا إليه نابليون إبَّان حملته الشهيرة، ولقد أظهر طهطاوي تأثرًا وإعجابًا بآراء مونتسكيو، وتشبعه بالفكر الماسوني. وتبع الطهطاوي كثيرون ممن واصلوا الدعوة إلى الوطنيَّة وإلى ضرورة الاتجاه الكامل إلى الحضارة الغربيَّة من أمثال (علي مبارك) و(إبراهيم أدهم) و(صالح مجدي) و(محمد عثمان جلال) و(عبد الله أبو السعود) و(عبد الله فكري) وغيرهم، وواصل الجميع هجومهم على التيار الإسلامي من جميع الجوانب[31]. المصدر: كتاب (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط) للدكتور علي الصلابي. [1]د. زكريا بيومي: قراءة جديدة في التاريخ العثماني ص161. [2] انظر: محمد عزت: نهاية اليهود لمحمد عزت ص132. [3] انظر: قراءة جديدة في التاريخ العثماني ص167. [4] انظر: الجبرتي: عجائب الآثار 3/161. [5] انظر: إبراهيم العدوي: الصراع الفكري بين أجيال العصور ص85. [6] انظر: د. صلاح العقاد: الجبرتي والفرنسيس ص316. [7] انظر: قراءة جديدة في التاريخ العثماني ص169. [8] انظر المصدر السابق، نفس الصفحة. [9] المصدر السابق نفسه ص170. [10] المصدر السابق نفسه، نفس الصفحة. [11] انظر: د. حمود الرجيلي: الماسونية وموقف الإسلام منها ص3، 4. [12] انظر: عبد الرحمن الدوسري: اليهود الماسونية ص42. [13] انظر: محمد علي الزعبي: حقيقة الماسونية ص70. [14] انظر: الماسونية وموقف الإسلام منها ص18. [15] انظر: محمد قطب: واقعنا المعاصر ص205. [16] انظر: المصدر السابق ص209. [17] انظر: المصدر السابق، نفس الصفحة. [18] المصدر السابق نفسه ص210. [19] منير شفيق: تجربة محمد علي الكبير ص38. [20] عجائب الآثار 4/150. [21] انظر: قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين ص179. [22] عجائب الآثار 4/150. [23] انظر: د. عمر عبد العزيز: تاريخ الشرق العربي ص346. [24] انظر: قراءة جديدة في التاريخ العثماني ص180. [25] انظر: تاريخ الشرق العربي ص322، 323 نقلاً عن قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين. [26] انظر: أرنولد توينبي: عبد الرحمن الجبرتي وعصره ص14. [27] انظر: قراءة جديدة في التاريخ العثماني ص182. [28] انظر: محمد فؤاد: مصر في مطلع القرن التاسع عشر 3/1232. [29] انظر: د. زكريا بيومي: التيارات السياسية بين المجددين والمحافظين ص2. [30] انظر: المصدر السابق ص23. [31] انظر: قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين ص184.

  7. #7
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    تفصيل مميّز ... بل إبداع ببيان حال تلك الحقبة المظلمة !
    وننتظر منكم بذل المزيد من الجهد لإتمام ما بداتموه والله لكم معين !
    سلمت يداك وأيدك الله وعافاك

  8. #8
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    آمين يارب العالمين
    سلمك الله استاذي العزيز وبارك الله فيك
    شهادة حضرتك شرف لي وحافز للاستمرار
    وفقني الله وإياكم لكشف الحقائق وزيادة الوعي

  9. #9
    ضيف شرف النسابون العرب الصورة الرمزية الشريف محمد الجموني
    تاريخ التسجيل
    19-06-2010
    الدولة
    بلاد العرب اوطاني
    المشاركات
    6,876

    افتراضي

    هل هناك مزيد.
    ام لا.
    فقد يكون لنا قولا هنا.

  10. #10
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    أستاذنا الفاضل/الجموني
    جزاك الله خيرا على الاهتمام والمتابعة
    نعم لدي المزيد والمزيد
    وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه

  11. #11
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    دور محمد علي في ضرب الإسلام : 2

    لقد قام محمد علي نيابة عن الدولة الصليبية المهووسة بعداء الإسلام في ذلك الوقت مثل فرنسا وروسيا وبريطانيا بتوجيه ضربات موجعة للاتجاه الإسلامي في كل من مصر والجزيرة العربية والشام والخلافة العثمانية مما كان له الأثر في تهيئة العالم الإسلامي للأطماع الغربية، وهذا الدور الخبيث تمثَّل في عدة نقاط قام بها محمد علي :

    1 ـ ضربه لجبهة العلماء داخل مصر واتخاذ أقذر الوسائل من قتل ونفي وتشريد وقطع أرزاق وتلفيق تهم وتشويه رغم أن العلماء هم الذين جاءوا به للسلطة .

    2 ـ حربه ومقاتلته لحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية بناءً على طلبات الدول الصليبية التي ضاقت من مد إسلامي وبعث جديد للإسلام الصحيح النقي .
    ولكن ما آلت إليه هذه الدعوة المباركة من التمكين في الأرض والانتشار بعد ذلك كان على عكس ما سعى إليه محمد علي و بنوه من بعده ، وحقيقة حرب محمد علي للدعوة السلفية لم تكن بين قوات يدين طرفاها بالإسلام بل كانت حرب بين موحدين مؤمنين ومجرمين مارقين ، كان كثيراً منهم من لقطاء نصارى الدول الغربية و بعض دول آسيا الصغرى على نمط القوات الانكشارية الني كان العثمانيون يستعملونهم للخدمة العسكرية في الأماكن النائية .
    واسمع ما يقوله الجبرتي في وصف الهزيمة التي وقعت على جيوش محمد علي في أول الأمر على يد السلفيين : ( أين لنا النصر وأكثر عساكرنا على [غير الملة] وفيهم من لا يتدين بدين أصلاً، ولا ينتحل مذهبا ، وصحبتنا صناديق المسكرات ولا يسمع في عرصتنا أذان ولا تقام به فريضة، والقوم ـ يقصد الوهابيين ـ إذا دخل الوقت أذن المؤذنون وينتظمون صفوفًا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع وينادون في معسكرهم هلموا إلى حرب المشركين المحلقين الذقون المستبيحين الزنا واللواط الشاربين الخمور وكشفوا عن كثير من القتلى فوجدوهم غلفًا غير مختونين ؟؟ ) .

    3 ـ من ضمن الوسائل التي حارب بها محمد علي الإسلام تقريبه لأعداء الإسلام من مختلف الملل والنحل وإبعاده للمسلمين فلقد أحاط نفسه ببطانة ومساعدين من نصارى الأروام والأرمن وكتبة من الأقباط واليهود، يقول عن ذلك الجبرتي : (فتح الباب للنصارى من الأروام والأرمن فترأسوا بذلك وعلت أسافلهم) ، وكان بوغص بك بمثابة رئيس وزرائه وهو نصراني أرمني .

    4ـ كما كان يحب أن يظهر أمام الغرب بصورة المتحرر من كل قيود الدين، فلقد قال للفرنسيين وهو يفاوضهم على احتلال الجزائر :
    (ثقوا أن قراري لا ينبع من عاطفة دينية فأنت تعرفونني وتعلمون أنني متحرر من هذه الاعتبارات التي يتقيد بها قومي وقد تقولون إن مواطني حمير وثيران وهذه حقيقة أعلمها).

    5ـ وعندما وقعت ثورة اليونان الصليبية على حكم العثمانيين أراد أن يظهر بصورة الناصر والمتعاطف مع تلك الثورة فسمح لليونانيين الذين يقيمون في مصر بالسفر إلى اليونان والانضمام للثورة كما حرر مماليكه الذين من أصل يوناني وأرسلهم هناك للغرض نفسه.

    6ـ وقام محمد علي ولأول مرة في تاريخ الجيوش الإسلامية بإدخال عناصر غير مسلمة مثل الأقباط واليهود في الجيوش المصرية مما ترتب عليه إضعاف الجيوش .
    ومن شدة حبه وتقريبه لأعداء الإسلام من كل ملة ونحلة اكتسب محمد علي دعاية واسعة وكبيرة لدى الشعوب الأوربية حيث يُعرف بأنه يعطف على النصارى في بلاده حتى أن الحكومات الغربية كانت تتجنب الصدام معه لشعبيته الجارفة ضد شعوبهم!

    7 ـ عمل محمد علي على تفتيت دولة الخلافة فشن حروباً واسعة بسبب أطماعه و محاربته للدعوة السلفية تحول إلى سكينٍ بيد أعداء الإسلام يمزقون به جسد الأمة ، فتوغل في السودان لنهب ثرواتها حتى وصل إلى منابع النيل ثم توجه إلى الشام، ودخلها بعد حروب مريرة راح ضحيتها الآلاف ثم أظهر خلافه وعصيانه للسلطان العثماني سنة 1248هـ وأخذ في محاربة جيوش الخلافة حتى كاد أن يسقط دولة الخلافة كلها.

    8ـ والناظر لمراحل احتلال قوات محمد علي للشام أكدت على اتجاهه المعادي للمسلمين والمساند للنصارى واليهود، وأكدت أيضًا أنه كان منفذًا للأهداف البريطانية على الصعيد السياسي وكان منفذًا للأهداف الفرنسية على الصعيد الثقافي ولقد فتح محمد علي الباب على مصراعيه لدخول البعثات التبشيرية الفرنسية والأمريكية وألغى كافة القوانين الاستثنائية وجميع ما كان يسري على النصارى وحدهم ، ويعتبر الصليبيون عام 1834 م تحول تاريخي لنشاطات التنصير والتبشير .

    9ـ من آثار محمد علي على الإسلام أنه قد أصبح أنموذجًا وإمامًا تحتذي به الدول الأوروبية في صنع عملائها في داخل ديار المسلمين كمصطفى كمال أتاتورك الذي جاء من بعده وأتم المهمة التي بدأ بها محمد علي في إسقاط دولة الخلافة وحرب الإسلام.

    10 ـ من أخطر الضربات التي وجهها محمد علي على الإسلام أنه قد فتح باب مصر والشام على مصراعيه أمام حملات التغريب والغزو الثقافي الغربي للمسلمين والحضارة الإسلامية وسمح للمؤسسات المشبوهة والمعادية للإسلام مثل محافل الماسونية والإرساليات التبشيرية والأديرة والكنائس والمدارس الصليبية التي بذرت بذور التيارات القومية المعادية للإسلام، فتح محمد علي الباب أمام التغريب والغزو الثقافي بابتعاث الطلبة المسلمين لفرنسا بدعوى تلقي العلوم والمعارف الحديثة، وهم في سن المراهقة غير محصنين بشيء لينغمسوا في حلق الصناع والشهوات والشبهات .
    ولذرِّ الرماد في العيون أرسل معهم أئمة للوعظ والصلاة . فماذا فعل اولئك الأئمة؟ هذا هو الطهطاوي يعيش بفرنسا فينبهر بها انبهارًا يدفعه لخلع الجبة والقفطان ولبس البدلة والقبعة ويؤلف كتاب أخبار باريس ودعا فيه إلى تحرير المرأة إلى السفور والاختلاط وأثنى على الرقص وأظهر تأثرًا وإعجابًا بآراء مونتسكيو وروسو، ثم جاء من بعد الطهطاوي رجال سار على درب الوطنية والقومية والتغريب الذي بذر بذرته محمد علي أمثال علي مبارك وإبراهيم أدهم وصالح مجدي ومحمد عثمان جلال وعبد الله أبو السعود وعبد الله فكري و طه حسين وغيرهم حتى وقتنا الحالي حتى أننا نرى أن فاروق حسني وزير الثقافة ـ التغريب ـ المصري يقيم احتفالية كبيرة كل سنة بمثابة الحملة الفرنسية على مصر! بدعوى أنها كانت السبب في التنوير الثقافي الذي حدث بعد ذلك بمصر .
    ما سبق بعض ما نكب به محمد علي على الإسلام ببلاد مصر والشام خاصة وسائر بلاد المسلمين عامة مما يكشف حقيقة محمد علي ويسقط الهالة الكبيرة المصطنعة عمدًا على شخصية صاحبة أسوأ أثر على الإسلام والمسلمين

    نتائج الحملة الفرنسية الاجتماعية :
    كما قلنا من قبل فإن الحملة الفرنسية لم تكن مجرد حملة صليبية حربية ، بل كانت هجمة استعمارية موجهة إلى كبد الحضارة الاسلامية ، ولذلك فقد أراد نابليون أن يبهر العالم الاسلامي بمنجزات الحضارة الغربية في ذلك الوقت
    فاصطحب معه خلال حملته العسكرية على مصر نحو 175 عالما ، إذ كانوا يشكلون 'كتيبة لغزو' معرفي منظم ، فكان منهم علماء في الرياضيات وعلم الحيوان والكيمياء والفلك والجغرافيا وهندسة المناجم والهندسة المعمارية والرسم والنحت وموسيقيين ومتخصصين في المتفجرات وأطباء وأدباء ، و مطبعتين حديثتين ـ بالنسبة لذلك العصر ـ إحداهما فرنسية والأخرى عربية ، وفنيي طباعة إذ أن المطبعة كانت 'أداة مهمة' للدعاية بين المصريين لحملة نابليون الذي طبع المنشور الأول وهو لا يزال في عرض البحر 'ليبدأ حرب الدعاية قبل أن يبدأ القتال بالفعل' وبعد فشل الحملة حمل الفرنسيون المطبعة والآثار والأجهزة العلمية إلى بلادهم.
    بل إن الغزاة لم يدربوا مصريا واحداً على استخدام المطبعة فقد كان العاملون بها من نصارى الشوام ، مثل إلياس فتح الله ويوسف مسابكي و غيرهم ، و هؤلاء لم يبقوا بمصر بعد رحيل الفرنسيين' ، بل إنه خلال فترة وجود المطبعة في مصر لم يسمح لأي مصري بالوصول إلى تلك المطبعة ، إذ أن الغزاة لم يكونوا قادمين لتحديث مصر والمصريين وإنما جاء الغزو 'لمصلحة المشروع الاستعماري الفرنسي ، و لم يكن المقصود بالطبع تثقيف الشعب المصري أو تعليمه ، بدليل اعادته للمطبعة لبلاده بعد الفشل الذريع والسريع للحملة .
    يقول أحد المؤرخين الفرنسين المعاصرين للحملة: 'لم يحدث من قبل اطلاقا لجيش ذاهب لغزو أحد البلاد أن أخذ معه دائرة معارف حية مثل هذه'.
    وقد أمر نابليون قبل التحرك بشراء مكتبة تضم 550 مؤلفا أساسيا اضافة الى مكتبتين للتاريخ الطبيعي والفيزياء ومعمل للكيمياء وتم توزيع العلماء على عدة سفن 'حتى لا يسلم العلم لمصير سفينة واحدة'.
    وبدأ التعاون بين العلم والمدفع من خلال التنقيب عن الاثار المصرية القديمة (الفرعونية) واستخراج تلك الكنوز وشحنها الى فرنسا.
    و مع ادعاء الفرنسيين للصبغة العلمية لحملتهم البربرية فإن جيش نابليون قام بإتلاف و تدمير خزائن الكتب والمخطوطات في الجامع الأزهر ، بل و حاول هدمه وهو سلوك يناقض 'ادعاء (نابليون) اعتناق الإسلام والإيمان بنبيه صلى الله عليه و سلم ، ولذلك فإنه ينقل عن الروائي الفرنسي ستندال (1783-1842) وصفه إسلام نابليون بأنه 'كان نفاقا سياسيا مشروعا'.

    ومن نتائج الحملة الفرنسية الاجتماعية :
    زرع الماسونية في العالم العربي و لاسلامي:

    لقد كانت الماسونية من أقدم الأفكار الغربية وصولاً إلى أرض مصر؛ حيث جاءت مع الحملة الفرنسية كي تخدم الأهداف الفرنسية في الشرق، و عملت كطابور خامس للسياسة الغربية.. حيث جلس المصري تحت رئاسة الأجنبي ليسمع وينفذ الأوامر والتعليمات.
    وفي تلك الفترة كان الدور الفكري للماسون أكثر وضوحًا ، حيث دخل كثير من النخبة من قيادات السياسة ورجال المال في الماسونية ، وكان دور أفرادها في الاقتصاد المصري بارزًا خاصة اليهود، ، وكانت هذه الفئات تتباهى بماسونيتها دون إخفاء؛ حيث كانت الصحف والمجلات الماسونية وغير الماسونية تنشر الكثير عن أعمالهم، وفي كثير من الأحيان تنعتهم بالألقاب الماسونية دون حرج، فالماسونية في مصر كانت تضفي وجاهة اجتماعية على أتباعها، بل كان تدخل الماسونية في السياسة علنيًا وليس سريًا
    ، ويومًا بعد يوم أصبحت الأسرار تنكشف، فتاريخها في العصر الحديث يتسم بغموض شديد .

    وقد كان للثورة الفرنسية وحروب نابليون دور في خدمة الماسونية، وكيف انتشرت محافلها داخل الدول العثمانية وأقاليمها مترامية الأطراف، وظهرت أول مرة في مصر عام 1798م وبدأت بواسطة الماسون الفرنسيين من قوات نابليون الذي أذاع منشورًا يؤمِّن فيه المسلمين على دينهم، ثم قرر بعد ذلك إنشاء محفل ماسوني باسم محفل (إيزيس) وهي اسم لعبادة مصرية قديمة غامضة ترجع إلى الإسطورة المصرية للأخوين (إيزيس وأيزوريس)، وكانت لها شعائر ممفيسية قديمة (ممفيس مدينة يتجمع فيها كهنة إيزيس .

    ونجح محفل إيزيس تحت قيادة سيده الأول الجنرال كليبر حتى مقتله عام 1800م، وبعد انسحاب الفرنسيين من مصر انتقلت الماسونية إلى السرة، وفي عام 1830م كوَّن الإيطاليون محفلاً سياسيًا لهم كانت تراقبه السلطات المصرية، وتأسس محفل فرنسي تحت اسم مينس.
    وتقول الدراسة إن أكثر الأعضاء النشطين في شعائر ممفيس كان صموئيل حنس، وكان أعضاؤه أكثر من أي محفل ماسوني آخر حيث تأسس في الإسكندرية محفل (الأهرام) عام 1845م ، وكذلك في القاهرة والسويس والإسماعيلية وبورسعيد، وقد ضم محفل الأهرام بالإسكندرية عددًا كبيرًا من القادة والوجهاء، وكان من أشهرهم الأمير عبد القادر الجزائري الذي حارب الفرنسيين في الجزائر فتم نفيه إلى سوريا هو وأسرته.

    وفي عام 1836م قرر المحفل الممفيسي الفرنسي الأكبر عمل شرق مفيسي مصري فانضم إليه عدد كبير من المحافل، وعملوا في انسجام كامل حتى قرروا توحيد العمل في عام 1864م.
    وفي عام 1881م أصبح توفيق (خديويًا لمصر) وتولى أيضًا رئاسة المحفل الأكبر الوطني المصري وعين وزير العدل (حسين فخري) نائبًا لرئاسة المحفل وكان عدد المحافل يقرب من 56 محفلاً ثم تخلى الخديوي لإدريس بك راغب عن الرئاسة.

    و من اشهر المنتمين للماسونية من الرموز الكبرى أمثال الأمير عبد القادر الجزائري, جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والشيخ محمد أبو زهرة وغيرهم و ربما كان هؤلاء من المخدوعين في الشعارات التي رفعتها المحافل الماسونية حول الحرية والإخاء والمساواة، و بعضهم كان يحاول الاستفادة من عضويته الماسونية لخدمة قضايا الوطن، ولما تبين لها أن الشعارات ليست إلا خدعة كبرى كان الانسحاب هو الحل.

    على أن هذا الاحتمال لا ينطبق على السياسيين ورجال الأحزاب في مصر أمثال سعد زغلول والنحاس باشا وفؤاد باشا سراج الدين فقد كان هؤلاء مستفيدين على الدوام من عضويتهم الماسونية وحققوا أهدافهم من حيث السلطة والنفوذ والصعود على النخبة بكل مغرياتها.

    فسعد زغلول مثلا كان من عملاء الاحتلال وكان شقيقه فتحي زغلول خائنًا دون أدنى ستار مثل شقيقه الذي كان عميلاً مستورًا للاحتلال.
    بل "الوفد" لم يكن جادًا في المطالبة بجلاء قوات الاحتلال ، ومن مظاهر ذلك عدم القيام بأي مواجهات حقيقية (قتال) ضد الانجليز بل إن مصطفى النحاس باشا قبِل أن يقوم بتشكيل الحكومة على أسنَّة الدبابات البريطانية التي حاصرت الملك فاروق في فبراير 1942م
    بل قد ظهر في بعض الأقلام في فترة الخمسينات و ما بعدها ما يكشف جانباً من ذلك الغموض الذي ألقى بشباكه داخل بعض الفئات المتنفذة و المنخرطة في العمل الماسوني ـ آنذاك ـ .

    الماسونية الثقافية في مصر :
    كان النشاط الثقافي للماسونية يتمثل في الاهتمام بالفنون وعلم المصريات وقضايا التعليم والصحافة.
    و لا ننسى بالطبع الدور الخفي للماسونية في الصحف القديمة في النصف الأول من القرن العشرين، حيث استكتبت كثيرا من الكتاب أمثال جورجي زيدان و شاهين مكاريوس "مؤرخ الماسونية المصرية" .
    وكذلك ذلك الدور االذي لعبته الماسونية في توجيه دفة السينما المصرية ، و استقطابها لكثيرٍ من الفنانين أمثال محمود المليجي ومحسن سرحان وزكي طليمات مؤسس الحركة المسرحية في الكويت في الستينات .
    و يؤيد ذلك مع ما جاء مؤخرًا في حديثٍ للفنان كمال الشناوي الذي ذكر فيه بالاسم زكي طليمات وعبد الحميد حمدي ومحمود المليجي ومحسن سرحان، وأكد أنهم فشلوا في إدخاله المحافل الماسونية .
    الحركات المضادة للماسونية في مصر :
    بعد عام 1948م و عندما ثبت في كافة أرجاء العالم العربي علاقة الماسونية بالصهيونية ظهرت في مصر كثير من الحركات المضادة للماسونية ، واحتدمت المناقشات في مصر، وكان يدافع فيها عن الماسونية كل من جورجي زيدان وشاهين مكاريوس اللذين امتدحا رجال الأعمال اليهود وزعما أن لهم دورًا كبيرًا في انعاش الاقتصاد المصري.
    بعد قيام ثورة يوليو 1952م فقدت المحافل الماسونية الكثير من أعضائها الأغنياء العاملين بسب بالخوف أو الحرص على المصالح الشخصية، وتوقفوا عن حضور الاجتماعات، وحاولت المحافل الماسونية الاستفادة من الأحداث السياسية بإعلان التأييد مرة والتهليل مرات، ووصل بها الأمر إلى محاولة ضم الرئيس جمال عبد الناصر إلى صفوفهم، لكن جمال عبد الناصر ما لبث أن وجه لهم ضربةً قاصمة في إبريل 1964م عندما أغلق المحفل الماسوني بشارع طوسون بالإسكندرية ـ بعد وجود في مصر دام أكثر من قرنين من الزمان ـ لكونه يندرج تحت اسم جمعيات لا ربحية غير معلنة وغير مصرح بها، و ذلك ضمن سياساته المناهضة لحقبة النفوذ الاوربي ، و المكرسة للنفوذ الامريكي.
    وكان الدليل الأكثر ازعاجًا الذي استغلت الحكومة المصرية ـ آنذاك ـ اعتقال الجاسوس الصهيوني "إيلي كوهين" الذي نجح في خداع المخابرات السورية سنوات طويلة ثم اكتشفت حقيقته المخابرات المصرية لكونه مصري المولد وتاريخه معروف لدى مخابرات مصر.

    ومضات عن الحملة الفرنسية :
    1ـ لفتت "الحملة الفرنسية على مصر" أنظار العالم الغربي لمصر وموقعها الاستراتيجي وخاصة إنجلترا، مما كان لهذه النتيجة محاولة غزو مصر في حملة فريزر (19 سبتمبر 1807) الفاشلة على رشيد بعد أن تصدى لها المصريون ، بعد ذلك بسنوات قلائل.

    2ـأثارت تلك الحملة شيئا من الوعي لدى شريحة من المثقفين في الدول العربية ـ لاسيما في مصر و الشام ـ و لفتت إنتباههم إلى وحدة أهداف المحتلين على اختلاف مشاربهم ، و أنها تتلخص في طمس هويتها الاسلامية و من ثّمَّ امتصاص خيرات البلاد .

    3ـ يعد المؤرخون الغريون من أبرز نتائج الحملة الفرنسية فك رموز اللغة المصرية القديمة التي كانت غامضة بالنسبة للعالم على يد العالم الفرنسي شامبليون، بعد اكتشاف حجر رشيد .
    ألاَّ أن الترجمة الإنجليزية لكتاب العالم المسلم ابن وحشية النبطي في كتابه الموسوم بـ "شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام " و الذي كان قد فك فيه رموز الهيروغليفية قبل ذلك بزمن بعيد ، كانت قد نشرت في لندن بتحقيق المستشرق النمساوي جوزف همر عام 1806م ، أي قبل 16 عاما من اكتشاف شامبوليون المزعوم .
    بل و قد قام ابن وحشية أيضاً بتناول 89 لغة قديمة وكتاباتها ومقارنتها بالعربية ومن ضمنها اللغة الهيروغليفية حيث اكتشف أن الرموز الهيروغليفية هي رموز صوتية، وقام أيضاً بتحليل العديد من رموزها قبل اكتشاف شامبوليون المزعوم.

    4ـ تعرف المصريون على الحضارة الغربية بمزاياها ومساوئها،و بدأت عملية التغريب في بعض فئات المجتمع المصري .

    5ـ لعل من أبرز من تتبع الحملة الفرنسية على مصر هو الشيخ عبد الرحمن بن حسن برهان الدين الجبرتي المولود في القاهرة عام 1756 وتوفي بها في القاهرة عام 1825 م . والذي يعد تاريخه المسمى بـ .." عجائب الآثار في التراجم والأخبار" هو المرجع الأساسي لتلك الفترة من تاريخ مصر ، و المشهور بتاريخ "الجبرتي" فقد ذكر كل الحوادث بالتفصيل و منتهى الإنصاف ، كما أرخ لانقضاء الحملة الفرنسية في كتابه الشهير "مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس" .

    يتبع بمشيئة الله تعالى
    إنتظرونا

  12. #12
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    لله درك
    أزعجت .. بل أوجعت وآذيت كثير من المخدوعين بالشعارات المضيئة والأقوال المعسولة !!!
    لكن حقّاً ( أطربتنا .. وأشجيتنا ) فتابع حماك الله
    زادك الله علما ورفعة

  13. #13
    ضيف شرف النسابون العرب الصورة الرمزية الشريف محمد الجموني
    تاريخ التسجيل
    19-06-2010
    الدولة
    بلاد العرب اوطاني
    المشاركات
    6,876

    افتراضي

    لا شك ان هناك ما هو حقيق بالنظر فيما بين ايدينا.
    ولكن ...
    ان كان كل من ذكر من الاسماء هم ماسون عملاء
    فمن اذن هم الشرفاء؟
    وماهي اعمالهم؟.

    لاشك ان مصر محمد علي.
    كانت احدى الدول المؤثرة في عالم الكبار.
    بعد ان كانت مطمعا وغنيمة لهم.
    وقد اشتبكت جيوشه مع اكبر جيوش العالم تلك الفتره فرنسا وانكلتره، وهو من جاب اسطوله اعالي البحار، حتى اقاصي الارض... وكان له جند وسفارات في كلا الامريكتين
    ومن المحزن ان يكون د. الصلابي هو من يصنف من هم الماسون ومن هم العملاء.
    لا حول ولا قوة الا بالله.

  14. #14
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    رعاك الله أبا شريف
    لا تحزن ... الصلابي لم يأت بما قرأناه من فراغ !!!
    نحن ننتظر !! ونُثني !! وفي الجعبة المزيد !!
    لكن لن نقاطع الأخ الكناني حتى نهاية المطاف !!!
    زادك الله حلماً .. وزانك بالصبر فربما جاءك فوق العلم علماً !!!

  15. #15
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    كيف تخلص محمد علي من المماليك
    عندما أسقطت الدولة العثمانية دولة المماليك في سنة 923هـ/15177م في أيام السلطان سليم الأول، وأصبحت مصر تحت السيادة العثمانية، لم يرد العثمانيون أن يغيروا ولاية مصر، فجعلوا المماليك هم ولاة مصر؛ لأنهم أعلم بأحوال البلاد من العثمانيين. وسار المماليك بصورة حسنة، ولم يظهر منهم خلاف على العثمانيين، حتى كان عهد الوالي "علي بك الكبير" الذي كان عميلاً للروس، فأراد إحداث ثورة استقلالية في مصر سنة 1182هـ/ 1769م، ولكن نائبه "محمد أبو الدهب" استطاع القضاء على هذه الحركة التي أظهرت ضعف السلطة العثمانية؛ مما سهل على أعداء العثمانيين التربص بهم والانقضاض على أطراف الدولة العثمانية. وبالفعل، انقض الفرنسيون بحملة كبيرة على مصر في سنة 1213هـ/ 1799م، وقامت ثورات متتالية عليهم قادها العلماء ومشايخ الأزهر ضد الفرنسيين الذين أحدثوا هزة حضارية وهزيمة نفسية في قلوب المسلمين في مصر وغيرها، واستمرت المقاومة الضارية حتى خرج الفرنسيون في سنة 1216هـ/ 1802م، وحدث فراغ في السلطة داخل مصر؛ نتيجة لصراع المماليك على الحكم، وانقسامهم على أنفسهم، فبعضهم يسعى إلى السيطرة على الحكم في البلاد والوصول إلى السلطة بدعم من إنجلترا، التي بدأ شعورها يتنامى بأهمية مصر، وخشيت من عودة النفوذ الفرنسي إليها، ومن ثَمَّ فقد حرصت على أن توطد أقدامها في مصر، وأن يكون أصحاب السلطة فيها من الموالين لها؛ فسعت إلى تأييد تلك الطائفة من المماليك ومعاونتها على الوصول إلى الحكم. أما الفريق الآخر فكان يرى أنه يمكنه الاستقلال بالحكم دون مساعدة من أية قوى خارجية، وذلك بإيجاد نوع من التحالف والتنسيق بين بعض قوى المماليك ذات المصالح المشتركة، والأهداف المتقاربة. ظهور القوى الشعبية والزعامات الوطنية وظهرت قوة أخرى في مصر لا تقل نفوذًا ولا تأثيرًا عن المماليك الذين بدأت قواهم تخور وشوكتهم تضعف؛ نتيجة الصراع الدائم بينهم والمؤامرات المستمرة، ولكن الدولة العثمانية عينت "خسرو باشا" واليًا على مصر؛ مما أثار غضب المماليك، الذين رأوا أنهم أحق بالسلطة منه، وكذلك غضب العلماء ومشايخ الأزهر الذين قادوا المقاومة الشعبية وطردوا الفرنسيين؛ لأنهم لم تتم مشورتهم في ولاية مصر. وكذلك دخل الإنجليز طرفًا في اللعبة عندما حرضوا المماليك على معارضة الوالي الجديد "خسرو باشا"؛ مما دفع العثمانيين لتشديد الحصار على المماليك، مما أدى إلى حالة من الرفض الشعبي للوالي الجديد "خسرو باشا". مما أدى به في النهاية إلى الهروب من مصر، ثم تعيين "طاهر باشا" مكانه، وكان رئيس الفرقة الألبانية، الذي ما لبث أن قُتل، فاشتعلت مصر كلها، وتم تعيين "أحمد باشا" واليًا على مصر، ولكن ثار عليه العلماء والمشايخ لما كان له من دور في قتل الوالي السابق "طاهر باشا"، وأخيرًا استقر رأي العلماء والمشايخ والقيادات الشعبية في مصر على تعيين "محمد علي" الألباني واليًا على مصر، بعد أن حلف للعلماء بأنه لن يقطع أمرًا دونهم، وذلك في 12 صفر سنة 1220هـ/ 1806م. وسعت تلك القيادات إلى تثبيت دعائم حكم محمد علي لمصر، فقادوا حملة لجمع التبرعات وتدبير الأموال اللازمة لدفع المرتبات المتأخرة للجنود الذين بدأ التمرد يسري بينهم، كما كان لتلك القيادات دور مهم في الإبقاء عليه واليًا للبلاد رغم محاولات "الباب العالي" نقله من مصر. وكان لتحالف تلك القيادات الوطنية ومن حولها جموع الشعب مع محمد علي أكبر الأثر في إلحاق الهزيمة بالحملة العسكرية الإنجليزية التي ضمت نحو أربعة آلاف جندي قرب رشيد، في (18 من المحرم 1222هـ/ 29 من مارس 1807م)، والتي جاءت لتأييد بعض عناصر المماليك، وتمكينهم من الوصول إلى الحكم في مصر؛ ليكونوا أعوانًا لهم. وكان محمد علي ذكيًّا طموحًا ذا إمكانيات هائلة وحسن تخطيط ودهاء شديد، فرأى لما استقر له الأمر في مصر -وكان يضمر مسألة الاستقلال بمصر والشام وإنشاء أسرة ملكية منه ومن ذريته من بعده- رأى محمد علي أن أمامه عدوين لا بد من أن يتخلص منهما حتى ينشئ الدولة الحديثة التي يحلم بها؛ العدو الأول هم العلماء ومشايخ الأزهر الذين رأى فيهم العائق الأول في طريق تحقيق الدولة الحديثة على النمط الأوربي؛ لما كان للعلماء من قوة دينية وروحية على الشعب المصري، فبدأ محمد علي في الترهيب والترغيب والاستمالة والتهديد، وأخيرًا نفى قائدهم "عمر مكرم" إلى دمياط، واستمال إلى جانبه عددًا من مشايخ الأزهر المفتونين بالحضارة الأوربية أمثال الطهطاوي والعطار وغيرهما. مذبحة المماليك مذبحة المماليك مذبحة القلعة: أما العدو الثاني فهم المماليك، الذين كانوا لا يزالون موجودين على الساحة، وكان لهم دور بارز على مسرح الأحداث منذ الحملة الفرنسية، وحتى تعيين محمد علي، ولقد رأى فيهم محمد علي شوكة في ظهره تستطيع الانقضاض عليه في أي وقت، فعمل أولاً على إثارة كراهية الشعب المصري لهم بأن ولاّهم جباية الأموال والضرائب؛ مما أدى إلى كراهيتهم عند الشعب المصري، خاصة أن محمد علي كان يظهر في مواقف عديدة أنه غير راضٍ عن سلوك المماليك في جباية الأموال، ولما وصلت الكراهية عند الشعب المصري على المماليك أقصاها، ضرب محمد علي ضربته القاضية للمماليك. ففي بداية شهر المحرم 1226هـ/ 1811م سافر محمد علي إلى السويس، ليتفقد الأعمال التي كانت تجري في مينائها، ولكنه لم يلبث أن عاد إلى القاهرة بعد أن وصلته الأخبار بضبط رسائل مريبة متبادلة بين مماليك القاهرة وزملائهم في الوجه القبلي. في تلك الأثناء أرسل إليه السلطان العثماني "محمود" يطلب منه إرسال قواته إلى نجد للمساعدة في القضاء على الثورة الوهابية، وعندئذ قرر محمد علي القضاء على المماليك قبل خروج الجيش بقيادة ابنه "طوسون" إلى نجد؛ حتى لا يثوروا ضده بعد خروج الجيش. فأعد "محمد علي" مهرجانًا فخمًا بالقلعة دعا إليه كبار رجال دولته، وجميع الأمراء والبكوات والكشاف المماليك، فلبى المماليك تلك الدعوة وعدُّوها دليل رضاه عنهم، وكانت في الخامس من صفر بعد صلاة الجمعة سنة 1226هـ/ 1811م، وقبل ابتداء الحفل دخل البكوات المماليك على محمد علي فتلقاهم بالحفاوة، ودعاهم إلى تناول القهوة معه، وشكرهم على إجابتهم دعوته، وألمح إلى ما يناله ابنه من التكريم إذا ما ساروا معه في الموكب، وراح محمد علي يتجاذب معهم أطراف الحديث؛ إمعانًا في إشعارهم بالأمن والود. وحان موعد تحرك الموكب، فنهض المماليك وبادلوا محمد علي التحية، وانضموا إلى الموكب، وكان يتقدم الركب مجموعة من الفرسان في طليعة الموكب، بعدها كان والي الشرطة ومحافظ المدينة، ثم كوكبه من الجنود الأرناءود، ثم المماليك، ومن بعدهم مجموعة أخرى من الجنود الأرناءود، وعلى إثرهم كبار المدعوين ورجال الدولة. وتحرك الموكب ليغادر القلعة، فسار في طريق ضيق نحو باب العزب، فلما اجتاز الباب طليعة الموكب ووالي الشرطة والمحافظ، أُغْلِق الباب فجأة من الخارج في وجه المماليك، ومن ورائهم الجنود الأرناءود، وتحول الجنود بسرعة عن الطريق، وتسلقوا الصخور على الجانبين، وراحوا يمطرون المماليك بوابل من الرصاص. أخذت المفاجأة المماليك وساد بينهم الهرج والفوضى، وحاولوا الفرار، ولكن كانت بنادق الجنود تحصدهم في كل مكان، ومن نجا منهم من الرصاص فقد ذُبِح بوحشية. وسقط المماليك صرعى مضرجين في دمائهم، حتى امتلأ فناء القلعة بالجثث، ولم ينج من المماليك الأربعمائة والسبعين الذين دخلوا القلعة في صبيحة ذلك اليوم إلا واحد يسمى "أمين بك" كان في مؤخرة الصفوف، واستطاع أن يقفز بجواده من فوق سور القلعة، وهرب بعد ذلك إلى الشام. ووصل خبر تلك المذبحة إلى الجماهير المحتشدة في الشوارع لمشاهدة الموكب، فسرى الذعر بينهم، وتفرق الناس، وأقفلت الدكاكين والأسواق، وهرع الجميع إلى بيوتهم، وخلت الشوارع والطرقات من المارة. وسرعان ما انتشرت جماعات من الجنود الأرناءود في أنحاء القاهرة يفتكون بكل من يلقونه من المماليك وأتباعهم، ويقتحمون بيوتهم فينهبون ما تصل إليه أيديهم، ويغتصبون نساءهم، وتجاوزوا بالقتل والنهب إلى البيوت المجاورة. وكثر القتل، واستمر النهب، وسادت الفوضى ثلاثة أيام، قُتل خلالها نحو ألف من المماليك ونُهب خمسمائة بيت، ولم يتوقف السلب والنهب إلا بعد أن نزل محمد علي إلى شوارع المدينة، وتمكن من السيطرة على جنوده وأعاد الانضباط. وهكذا استطاع محمد علي الانفراد بالحكم، ولكن على أشلاء المعارضين، وصفت الأمور عندها لمحمد علي لتحقيق حلمه
    يتبع بمشيئة الله تعالى
    إنتظرونا

  16. #16
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    نتابعكم ... ونحتفظ بحق الرد في نهاية الموضوع !
    سلمت يداك ودمت بخير وعافية
    المراقب العام

  17. #17
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    استاذي الفاضل أبو عمر
    سلمك الله من كل سوء
    يسعدني دائما تعقيب حضرتك

  18. #18
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    دور محمد علي في تغريب التعليم




    تغريب التعليم.. خط الهجوم الأول ضد الإسلام (1/3)

    بسم الله الرحمن الرحيم


    لقد أدركت الدول الغربية والاستعمارية منذ زمن طويل: أهمية التعليم بالنسبة للفرد، وأثره العميق على نهضة المجتمع؛ فنال حظًا عظيمًا من اهتمامهم داخليًا وخارجيًا، وصار سلاحًا ذا حدين؛ حيث استُثمر لتنمية المجتمعات الغربية ونهضتها والارتقاء بالفرد والجماعة فيها من جانب، وصار حربة مصوبة إلى خاصرة الدول الإسلامية المستعمرة تدمِّر فيها الأفراد والجماعات وتزيِّف التاريخ وتشوهه من جانب آخر، مستعيضة بذلك عن الاحتلال العسكري، الذي أثبت عدم جدواه في كثير من البقاع؛ فالمحتل العسكري لم يزل مكروهًا، بل ويبذل المجاهدون نفوسهم رخيصة في سبيل طرده من بلادهم، وتظل سلوكيات أفراده وأفكارهم منبوذة ومحل نقد مستمر؛ لذلك استعاض المستعمر بالغزو الفكري والأساليب التغريبية التي قد ينطق بها وينشرها أناس يحملون لون البشرة ذاته، ويتكلمون باللسان العربي المبين؛ ولكنهم يحملون عقلاً وفكرًا مخترقًا.

    وبإلقاء نظرة سريعة على واقع الدول الإسلامية في اللحظة الحالية يتبين للباحث المتأمل: أن المستعمر الأجنبي نجح في تحقيق أهدافه، بمسخ الهوية العربية والإسلامية للدول \"المستعمرة\" ـ فكريًا ـ التي صارت تسير في ركب التغريب والعلمنة ونبذ الدين والهوية العربية والإسلامية، ولا شك أن التعليم كان خط الهجوم الأول للمستعمر الذي نفذ من خلاله إلى ضمير أفراد المجتمع وضربه في الصميم.
    وسوف نحاول خلال هذا البحث في حلقتين تتبع أهم محطات التغريب في المجتمعات الإسلامية، بدءًا من المحاولات الأولى لأعداء الأمة؛ لنشر بذور العلمنة والتغريب، وانتهاءً بالصورة القاتمة التي وصلت إليها أمتنا، راجين أن تستفيد الأمة من ماضيها انطلاقًا إلى مستقبل أفضل.

    بداية الانحدار:
    لقد بدأت هذه الهجمة التغريبية الشرسة على نظام التعليم في العالم العربي الإسلامي في بداية القرن التاسع عشر، منذ تأسيس الدولة الحديثة في مصر في عهد محمد علي، والتي بدأها بسياسة الابتعاث التي اتبعها؛ بإرسال الطلاب الشبان غير المحصنين للتعلم في أوروبا ـ التي كانت موطنًا للفتن والشهوات ـ، وكان هذا أخطر ما فعله في الحقيقة؛ لأنه من هناك بدأ الخط العلماني يدخل ساحة التعليم، ومن ورائه ساحة الحياة في مصر الإسلامية ومن ورائها إلى بقية أركان الوطن العربي.
    لقد اجتهد محمد علي بإنشاء المدارس المدنية ـ مما يعدّه البعض نهضة في التعليم المدني ـ إلا أن ذلك كان على حساب التعليم الديني والأزهري، فقد بلغ عدد المدارس الابتدائية التي أنشأها محمد علي ستة وستين مدرسة؛ منها أربعون بالوجه البحري، وست وعشرون مدرسة في الوجه القبلي، أما المدارس التخصصية أو العالية: فشملت مدارس للطب والهندسة والطب البيطري والزراعة واللغات ومدارس حربية للطوبجية والخيالة والبيادة، هذا إلى جانب مدارس للموسيقى والفنون والصناعات، وكان بالقطر المصري نحو عشرة آلاف تلميذ ينتظمون في هذه المدارس.

    ومن أهم المدارس العالية التي أنشئت في هذا المضمار:
    1- مدرسة الطب، وقد أنشأها محمد علي بناءً على مشورة من الطبيب الفرنسي كلوت بك الذي استقدمه محمد علي؛ ليكون طبيبًا ورئيسًا لجراحي الجيش المصري، فأشار على محمد علي بإنشاء مدرسة للطب يلتحق بها الطلبة المصريون، فتم إنشاؤها في عام 1827م في أبي زعبل، كما أنشئت مدرسة ملحقة بها لتعليم اللغة الفرنسية، حيث كانت هيئة التدريس في مدرسة الطب تتكون من أساتذة فرنسيين وقلة من الايطاليين.
    2- مدرسة الطب البيطري بدأت في رشيد عام 1828م ثم ألحقت بعد سنتين بمدرسة الطب البشري في أبي زعبل، وكان مديرها فرنسيًا.
    3- المدارس الفنية: وتشمل المدارس الزراعية والهندسية؛ أما المدارس الزراعية فكان أهمها مدرسة الزراعة بشبرا الخيمة، التي بدأت الدراسة بها عام 1833م والمدرسة الزراعية بنبروه التي أنشئت عام 1836م. وكانت هيئة التدريس في هذه المدارس من أعضاء البعثة الزراعية الذين عادوا من أوروبا، ومنهم يوسف أفندي الذي تولى إدارة مدرسة نبروه الزراعية.
    4- وأما المدارس الهندسية: فقد عني بها محمد علي عناية خاصة، وكانت آخر مدرسة للهندسة أنشئت في عهد محمد علي هي: مدرسة بولاق عام 1834م التي نظمت على نسق مدرسة الهندسة بباريس، ثم انضمت إليها مدرسة المهندسين بالقناطر الخيرية ومدرسة المعادن بمصر القديمة.
    5- المدارس الصناعية: وكان أهم هذه المدارس: مدرسة العمليات، أو الفنون والصنائع التي أنشئت عام 1837م بهدف تخريج الصناع المهرة. ومدرسة الكيمياء التي أنشئت في مصر القديمة لدراسة الصناعات الكيميائية. ومدرسة المعادن التي أنشئت في عام 1834م لدراسة كل ما يتعلق بالصناعات المعدنية.
    أما مدرسة الألسن فقد أمر محمد علي بإنشائها عام 1835م باسم مدرسة الترجمة، ثم تغير اسمها إلى \"مدرسة الألسن\"، ويعود إنشاؤها إلي اقتراح من رفاعة الطهطاوي الذي تولى إدارتها واختار للدراسة بها ثمانين طالبًا، وعني فيها بتدريس اللغتين العربية والفرنسية، تليهما اللغة التركية والإنجليزية.

    وقد أوجد هذا التعليم المدني ازدواجية في الثقافة والفكر في مصر، خاصة وأن محمد علي اختص خريجي المدارس الحديثة بالوظائف الحكومية والمناصب الرفيعة، في حين اقتصر دور خريجي الأزهر على الوظائف التعليمية التي صار ينظر إليها نظرة دونية، ولا تكفل لصاحبها ما تكفله الوظائف الحكومية من دخل.

    وللقارئ أن يتخيل كل هذا الاهتمام الذي أولاه محمد علي للتعليم المدني الذي كان أغلب المدرسين به من الأجانب الفرنسيين والإيطاليين، في الوقت الذي كان الأزهر فيه يعاني من الإهمال، بل عمد محمد علي وأبناؤه من بعده إلى التقييد والتهميش المتعمد لدور الأزهر عن الحياة التعليمية والسياسية إلى أقصى حد؛ وذلك النهج تلخصه كلمة الخديوي عباس حلمي التي قال فيها محددًا دور الأزهر: \"أول شيء أطلبه أنا وحكومتي أن يكون الهدوء سائدًا في الأزهر والشغب بعيدًا عنه، فلا يشتغل علماؤه وطلبته إلا بتلقي العلوم الدينية النافعة البعيدة عن زيغ العقائد وشغب الأفكار؛ لأنه مدرسة دينية قبل كل شيء.. إن كل ما يهم الحكومة من الأزهر استتباب الأمن فيه.. وأطلب منكم أيها العلماء أن تكونوا دائمًا بعيدين عن الشغب، وأن تحثوا إخوانكم العلماء وكذلك الطلبة على ذلك\". مهددًا \"من يحاول بث الشغب بالأقوال أو بواسطة الجرائد والأخذ والرد فيها بالإبعاد عن الأزهر\".

    هكذا أرادت أسرة محمد علي أن يشتغل العلماء الذين هم عصب الأمة ومحركو دفتها: بتلقي العلوم الدينية النافعة وفقط، أما من تسول له نفسه أن يحيد عن ذلك النهج؛ فإن الإبعاد عن الأزهر هو مصيره المحتوم.

    هكذا كان حال الأزهر، ولو كان في مكان محمد علي: قائد مسلم يبتغي أن ينهض بمصر على أسس إسلامية وقاعدة إسلامية فقد كان أمامه سبيل آخر أكثر نجاعة، هو النهوض بالأزهر ـ معقل العلم لا لمصر وحدها، بل للعالم الإسلامي كله ـ بردِّه إلى الصورة الزاهية التي كانت عليها المعاهد الإسلامية في عصور النهضة، حيث كانت تعلّم العلوم الشرعية والعلوم الدنيوية معًا، وكان يتخرج فيها الأطباء والمهندسون والرياضيون والفلكيون والفيزيائيون والكيمائيون المسلمون الذين علّموا العلم لأوروبا في عصور الظلام الدامس التي كانت تعيشها.

    فإذا كانت بلاده ـ أو بلاد العالم الإسلامي جمعاء ـ تفتقر إلى المتخصصين في هذه العلوم، الذين يحتاج إليهم الأزهر لينهض بمهمته، ففي وسعه يومئذ أن يرسل أفرادًا بأعيانهم، يختارون اختيارًا دقيقًا، على أساس دينهم وتقواهم، وحصافتهم ورزانتهم، بعد أن يكونوا قد تجاوزوا سن الفتنة، وأحصنوا بالزواج فلا ينزلقون في مزالق الفساد الخلقي؛ فيتخصصون في مختلف العلوم ويعودون ليدرسوا للطلاب في بيئتهم الإسلامية، فيظل الشباب محافظًا على إسلامه، ويتزود من العلوم بما ينفض عنه تخلفه العلمي، ويعيد إليه الحاسّة العلمية التي فقدها المسلمون خلال عصر التخلف الطويل.

    ولكن الهدف الأساسي الذي رنا إليه محمد علي من خلال هذه السياسة هو: جعل مصر قطعة من أوروبا، كما كان يقول ولده إسماعيل من بعده، بغض النظر عما قد ينطوي عليه ذلك من تبديل للقيم الأخلاقية التي كانت تميز المجتمعات الإسلامية عن غيرها، وهو ما صار بالفعل عندما عادت البعثات مفتونة وبغير الوجه الذي ذهبت به؛ وكانت وجهتهم الأولى التي أيقنوا بحدوث التغيير من خلالها هي «تغريب التعليم».

    لقد بلغ عدد من أرسلهم محمد علي باشا إلى أوروبا في زمنه 319 طالبًا، أنفق عليهم 224 ألف جنيه مصري ـ وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت؛ حيث كانت يمكن تأجير القصر الفخم بجنيه ونصف فقط ـ وبعد عودتهم تولى هؤلاء التلاميذ الوظائف الهامة في المجتمع، وتمكنوا من أن يقوموا بتغيير وجه المجتمع المصري على كافة الأصعدة والميادين الحياتية، كما ساهموا في تغيير بنية المجتمع العقدية والفكرية هم وتلامذتهم الذين جاءوا من بعدهم، تمامًا كما أراد محمد علي باشا ومستشاروه. ولا أدقّ مما صوره اللورد كرومر عن الاختراق الفكري لمثل هذه البعثات حينما قال: \"إن الشبان الذين يتلقون علومهم في إنجلترا وأوروبا يفقدون صلتهم الثقافية والروحية بوطنهم، ولا يستطيعون الانتماء في نفس الوقت إلى البلد الذي منحهم ثقافته فيتأرجحون في الوسط ممزقين\".
    وهذا بالفعل ما حدث في أفراد البعثات التي أرسلها محمد علي لأوروبا، ونستطيع أن نلمس ذلك جليًا من خلال قراءة بعض الصفحات من كتاب الشيخ رفاعة الطهطاوي: «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» الذي ألّفه بعد عودته من فرنسا، وامتدح فيه الحياة الفرنسية بكل مفرداتها من طرق التفكير والتعليم والتعامل بين الأفراد، حتى عادات الطعام والشراب، وطريقة وضع الأطباق والأكل بالشوكة والسكين، الأمر الذي يكشف عن مدى القزامة التي شعر بها الطهطاوي عندما وطئت قدماه هذه البلاد.

    لقد عاد رفاعة الطهطاوي ـ العالم الأزهري الذي كان يفترض فيه أن يكون إمامًا لبعثة محمد علي، و واعظًا لأفرادها وهاديًا لهم من الوقوع في زلل الشهوات في فرنسا ـ عاد بعقل مخترق، حيث دعا في كتابه «المرشد الأمين في تربية البنات والبنين» إلى خروج المرأة للتعليم دون وضع ضوابط لهذا الخروج، بالإضافة إلى وضع البذرة الأولى لعمل المرأة، بذريعة أن التعليم «يمكّنها عند اقتضاء الحال أن تتعاطى من الأشغال والأعمال ما يتعاطاه الرجال، على قدر قوتها وطاقتها... فالعمل يصون المرأة عما لا يليق، ويقربها من الفضيلة، وإذا كانت البطالة مذمومة في حق الرجال فهي مذمة عظيمة في حق النساء». هكذا زعم.
    إن أخطر ما قدّمه محمد علي لمصر في هذه الفترة: أنه وضع البذرة الأولى لمثل هذا النوع من التعليم التغريبي الذي أخذت تؤتي أكلها في عصر إسماعيل، فروى تربتها رفاعة الطهطاوي في كثير من الوصب والجهد، ثم جاء علي مبارك فنماها وأوصل جذورها فأينعت وأثمرت، وشهد تباشير الطهطاوي في أخريات أيامه عندما تهيأت العقول لتقبل مثل هذه التحركات.

    القس دنلوب .. خطوة جديدة على الطريق:
    ثم تسارعت الأحداث فيما بعد، وقدم الاحتلال البريطاني إلى مصر؛ وقام اللورد كرومر بتعيين القسيس المنصِّر «دوجلاس دنلوب» في منصب مستشار لوزارة المعارف المصرية «وزارة التعليم»، والذي كان يتحكم في السلطة الفعلية الكاملة بالوزارة.

    ولنا أن نتوقع ما الذي تصير إليه أمور وزارة المعارف في بلد إسلامي؛ عندما يكون على رأسه أحد المنصرين وقساوسة الدولة المحتلة؛ لقد استطاع دنلوب أن يرسم سياسة تعليم على وفق الهوى الغربي النصراني (المسيحي)، فكان أن وُضعت مناهج تقطع الصلة بين الأمة الإسلامية ودينها التليد، فتم تشويه التاريخ الإسلامي، وأهملت دراسة الدين إلا في أضيق الحدود، وتم إعادة تعريف الإسلام على أنه الدين الذي أتى لهدم عبادة الأصنام التي عُظمت في الجاهلية، ولتحريم وأد البنات وشرب الخمر ولعب الميسر وغارات السلب والنهب.. وفقط ، وقد انتهى دوره بقضائه على هذه الأشياء.

    وقد اعتمد دنلوب في سياسته لتطوير التعليم وتغريبه: على سياسة المثل الإنجليزي المشهور «بطيء لكنه أكيد المفعول»، وسدد ضربات قاتلة إلى التعليم الأزهري،الذي كان عصب التعليم المصري في ذلك الوقت، ويعود خبث خطة دنلوب إلى تركه للأزهر على ما هو عليه من الحالة المتردية، ودعم المدارس المدنية ـ غير دينية ـ التي لا تعلِّم الدين ولا تضعه في خطتها إلا نُتفًا قليلة، وأسند الوظائف العليا والمناصب الرفيعة والمكانة الاجتماعية للمتخرجين من هذه المدارس، ففي الوقت الذي لا يجد فيه خريج المدارس والمعاهد الأزهرية ـ الذي انتظم في سلك الدراسة عشرين سنة أو أكثر ـ وظيفة إلا بشق الأنفس، وإن وجدها فهي براتب زهيد لا يكفيه طعامًا وشرابًا فقط هو وأسرته، في الوقت نفسه: يُعيَّن خريج تلك المدارس المدنية في الدواوين والوزارات الحكومية بعد أربع سنوات فقط من الدراسة، ويتحصل على راتب يمثل ثروة ضخمة يحيا بها حياة كريمة في العاصمة القاهرة، ويتزوج ويبقى لديه فائض يشتري به الأملاك والأطيان. في الوقت الذي لا يعيش فيه خريج الأزهر إلا كفافًا، أو عالة، يسأل الناس أعطوه أو حرموه.
    ولا شك أن هذا وضعًا مترديًا لخريجي الأزهر! كان كفيلاً بتوجه الناس عنه، وعن التعليم الديني بشكل عام إلى مثل تلك المدارس المدنية التي تكفل لصاحبها تلك المكانة المرموقة بين أبناء المجتمع، الذي صار ينظر إلى الثروة والمكانة على أنها كل شيء.

    ومن أبرز أعمال دنلوب في دفع عجلة التغريب بمصر:
    أنه عمل على محاربة اللغة العربية والإسلام والأزهر، ومن ذلك: اضطهاده لمعلمي اللغة العربية من الأزهريين، وبإزاء ذلك: نشر لواء اللغة الإنجليزية وأهلها؛ للسيطرة الكاملة على كل شؤون التعليم، وبذلك أمكنه القضاء على نفوذ اللغة العربية.

    ولقد مضى في ذلك إلى حد أنّه جعل تعليم سائر العلوم كالرياضيات والتاريخ والكيمياء والجغرافيا والرسم باللغة الإنجليزية، وضيّق على اللغة العربية تضييقًا كبيرًا.
    وشرع في نزع اعتقاد الشباب المسلم في القرآن، وكان مذهبه كما كان يقول: \"متى توارى القرآن ومدينة مكة من بلاد العرب: يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة\".

    كان دنلوب يسافر كل صيف إلى بريطانيا، ثم يعود في أول العام الدراسي بعدد كبير من المعلمين الإنجليز حملة الشهادات الأهلية، وكانت أبرز كتابات هؤلاء المدرسين تبث الكراهية للغة العربية، وتحطيم آمال الأمة العربية وتغريب التلاميذ واتهام تاريخ العرب والمسلمين وإثارة الشكوك حوله، واتهام الحضارة الإسلامية العربية بالاتهامات المختلفة، لخلق شعور عام بكراهية هذه الأمجاد والنفور منها والسخرية بها، وكانوا يطعنون روح الوطنية في الشباب؛ للقضاء على حماستهم وتهديدهم.

    وكانوا يصفون الأمة بأنّّها نصف متحضرة، واضطهدوا كل شاب أظهر ميلاً أو عاطفة نحو دين أو وطن. فيما كان محرمًا على كل أستاذ مصري أن يتحدث عن تاريخ مصر أو تاريخ الإسلام.

    كما شجع دنلوب انتشار المدارس الأجنبية وفق غايات سياسية تسير في نفس الاتجاه التغريبي الاستعماري، وهمَّ بتحطيم كيان الأمة وإفساد معنوياتها.

    وعلى الرغم من إقصاء \"دنلوب\" وتعيين سعد زغلول وزيرًا للمعارف تحت ضغط الرأي العام على اللورد \"كرومر\"، ظلت السلطة الفعلية في يد \"دنلوب\"؛ حيث كانت تعتمد من قِبل الوزارة تلك الخطط التي يدبرها مع نظار المدارس، وكبار الموظفين بعد الاتصال به شخصيًا وتلقي أوامره وتعليماته قبل أن يكتبوا تقاريرهم الرسمية، وهو ما حدا بـ\"إدوارد لامبير\" ناظر مدرسة الحقوق أن يقول في تقريره: \"إنّ الموظف القابض على الإدارة الحقيقية لوزارة المعارف هو دوجلاس دنلوب\".

    وقد أبطل \"دنلوب\" عددًا من الكتب المقررة لأنّها تتحدث عن القيم العربية الإسلامية؛ حيث كانت غير موافقة لهدفه من الوجهتين الدينية والسياسية؛ وذلك بإيرادها قواعد الإسلام وأركانه، مصحوبة بالحكم والآيات والأحاديث التي تحث على حب الوطن والتعاون وإصلاح ذات البين.
    وفي سبيل شجب هذه الكتب أعلن دانلوب أنّ مثل هذه الكتب غير موافية لحاجات التعليم، وأوعز إلى بعض المدرسين الموالين له: بأن يضعوا كتبًا بديلة لها، تضم بعض خرافات لافونتين في عبارة سقيمة وأسلوب نازل\".
    وقد ناضل الشيخ \"حمزة فتح الله\" في سبيل إحباط رأيه؛ فأعلن \"دنلوب\" أنّ كتب المطالعة يجب أن تكون مجردة خالية من كل ما له مساس بالدين. هكذا زعم.



    ------------------------------
    المراجع:
    - خريطة الحركات الإسلامية في مصر. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
    - واقعنا المعاصر. محمد قطب.
    - دور رفاعة الطهطاوي في تخريب الهوية الإسلامية. هاني السباعي.
    - القس دانلوب وتغريب التعليم في مصر. \"سيد العفاني\".
    - جريدة المؤيد.
    - معركة الحجاب والسفور. الدكتور محمد إسماعيل المقدم.
    محمد الغباشي

    يتبع بمشيئة الله تعالى
    إنتظرونا

  19. #19
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    نتابعكم ... ونترقب القادم بكل تفاصيله !
    وهكذا كانت بداية النكسة الكبرى !!!!!!!

    حسبنا الله ونعم الوكيل

  20. #20
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    تغريب التعليم.. خط الهجوم الأول ضد الإسلام (2/3)



    اللغة العربية.. والهجمة على القرآن:
    اللغة العربية لغة الوحي والتشريع الإسلامي، ويعد استهدافها استهدافًا للإسلام في حد ذاته، ولقد عمد الاستعمار ـ أثناء محاولاته لتقويض دور الأزهر وهدم أركانه ـ إلى عدة محاولات تستهدف اللغة العربية؛ لقتلها والقضاء عليها، ومن ثم يسهل القضاء على الهوية الإسلامية والعربية في نفوس المسلمين.

    ففي عهد دنلوب كان الراتب الذي يتقاضاه مدرسو جميع المواد من أرباب المؤهلات العليا: اثني عشر جنيهاً، في حين أن مدرس اللغة العربية كانت لا يتحصل سوى على أربعة جنيهات شهرياً، فكانت حياته بين العوز والفاقة والتردد على الأبواب.

    وهكذا كانت تتشكل نظرة مدرس اللغة العربية إلى نفسه في المجتمع، فهو أقل الناس شأناً فيه، إلى الحد الذي يصل إلى أن فرّاش المدرسة التي يعمل بها المدرس قد يكون أعلى راتباً منه إذا كان ذا أقدميه في العمل بعض الشيء.

    ونظراً لذلك لم تعد لمدرس اللغة العربية كلمة مسموعة في مدرسته، فلا يستشار في شؤونها، ولا يشارك في أي قرار من القرارات التي تصدرها الإدارة، بالإضافة إلى ما كان يفرضه ذلك الراتب عليه من سوء المنظر وكآبة الهيئةّ! وما كان يلبسه من الثياب الرثة البالية التي لم تكن تكفل له أي احترام بين الطلاب، في الوقت الذي يتمتع فيه مدرس اللغة الإنجليزية ـ والذي يكون في الغالب إنجليزياً ـ برائحة عطرة و زي منمق، وربطة عنق أنيقة تفرض عليه احترام الناس، فضلاً عن حياته المعيشية المرفهة التي لا يتكفف فيها الناس، بل يفيض من راتبه شهرياً؛ ليكون فيما بعد من أرباب الأملاك.

    وهكذا ينحدر وضع مدرس اللغة العربية في المجتمع، بقدر ما ينحدر راتبه، ويصبح مادة دائمة للسخرية والتندر، يتحدث الناس عن جهله، وتخلفه، وضيق أفقه، وفقره، وانحطاط مستواه الاجتماعي والفكري. وأشد ما يعاب عليه، ويُزدرى من أجله، أنه لا يعرف لغة أجنبية.
    وقد ساعدت الأفلام السينمائية التي أنتجت في هذه الفترة في ترسيخ هذه الصورة في أذهان الناس إلى حد بعيد، حتى صارت السخرية من هيئته وشكله وطريقة نطقه لحروف اللغة العربية أو الأجنبية نمطًا من أنماط شخصيته، لم تكتف أفلام تلك الفترة بالسخرية من المدرس فقط؛ بل ومن مفردات اللغة نفسها، حتى صار التحدث باللغة الفصحى: من أساليب الضحك والفكاهة داخل المجتمع، تزامن ذلك مع موجة الدعوة إلى العامية التي دعا إليها بعض المتغربين الذين تم تلميعهم من أمثال \"سلامة موسى\" و\"لويس عوض\".
    وحين يصبح مدرس اللغة العربية في هذا الوضع المهين الذي لا يبعث على الاحترام، فإن وضعه يؤثر حتماً على المادة التي يدرسها.. وقد كان هذا هو الهدف المقصود من وراء ذلك التدبير الخبيث؛ حيث صارت اللغة العربية موضع الازدراء والتحقير والنفور؛ فالطلاب يشكون من صعوبتها وقد ظلوا يعايشونها ثلاثة عشر قرناً قبل ذلك بلا شكوى.

    وبدأت اللغة الإنجليزية في الانتشار في المجتمع نطقًا وكتابة، فكُتبت واجهات المحال التجارية الكبرى والمؤسسات الاقتصادية باللغة الإنجليزية، واستُخدمت الإنجليزية في تعلم الآداب والفنون، فصارت أسماءٌ كـ\"امرئ القيس والبحتري وأبي تمام\" أسماءً ممجوجة ينفر منها القارئ والمثقف، ويعدها مثالاً على الرجعية والتخلف، بينما أمثال شكسبير ودانتى و ودزورث وبايرون وأندريه جيد وفيكتور هوجو من الأدباء الإنجليز والغربيين: هي التي تتردد على ألسنة المثقفين؛ للتدليل على أنهم مثقفون حتى وإن لم يكن لهم بها علم إلا من خلال ترديد أسمائهم.
    هذا بالإضافة إلى ما أسند إلى درس اللغة العربية من قضايا لا تكاد تلامس الواقع الذي يعيشه أبناؤها، حيث كان درس النصوص مثلاً ـ ولا يزال ـ من أصعب الدروس التي يحتويها كتاب اللغة العربية، فلا الطلاب استفادوا منه بالقدر الكافي لغةً وذوقًا ورفعًا لمستواهم اللغوي، ولا هم أحبوه فارتبطوا باللغة العربية التي يدرسونها من أجله.

    التربية الإسلامية:
    ما قيل عن اللغة العربية يكاد ينطبق انطباقًا كليًّا على درس التربية الدينية الإسلامية، بل إن حاله أسوأ من ذلك بكثير، فبالإضافة إلى كل ما قيل عن مدرس اللغة العربية فإن مدرس التربية الإسلامية يزيد على ذلك بأن تدريس المادة يوكل إلى أكبر المعلمين سنًّا، والذي قد يكون مريضًا في الغالب، حيث هو مصاب بالهزال، منحني الظهر، يكثر سعالُه بين الحين والآخر، بالإضافة إلى هيئته الرثة وثيابه القديمة البالية التي فرضها عليه مستواه الاقتصادي.
    وتسند إليه مهمة تدريس التربية الإسلامية بحجة إراحته من هم التصحيح وحمل دفاتر التلاميذ إلى البيت بسبب كبر سنه. بالإضافة إلى العمد بحصة التربية الإسلامية إلى أن تكون في نهاية اليوم الدراسي؛ بسبب قلة الاهتمام بها، حيث تكون في الغالب السابعة يوم السبت أو الخامسة يوم الخميس أو السادسة في بقية الأيام، فبعد أن تنتهي طاقة التلاميذ طوال اليوم في تعلم بقية العلوم ـ والتي منها الفسحة والألعاب والموسيقى ـ يأتي درس الدين وهم منهكون متعبون وقد خارت قواهم، فيأتي درس التربية الإسلامية تحصيل حاصل، مجرد أداء من المعلم صاحب الهيئة المنفّرة التي لا يطيق التلاميذ النظر إليه، فيستمعون الدرس وأجفانهم نصف مغلقة وعقولهم شبه نائمة.
    وقد وصل حال هذه المادة في الوقت الحاضر إلى أن صارت مجرد نصائح وتعاليم يسقطها المعلم ـ أي معلم ـ في عقول التلاميذ، ولا يشترط في تدريس هذه المادة أن يكون المعلم متخصصاً، بل يقوم معلم اللغة العربية ـ أو غيره ـ بهذا الدور مكتفياً بما درسه في كلية الآداب أو التربية من جرعات قليلة عن هذا المادة، بعيدًا عن سلوكه الشخصي الذي قد يكون مغايراً تماماً لما يقوم بتدريسه.
    ويذكر أحد أولياء الأمور في هذا الشأن أن فصل ولده في الثانوية العامة ظل بلا مدرس لمادة التربية الإسلامية طيلة الفصل الأول إلى أن قربت امتحانات نصف العام، فما كان من إدارة المدرسة إلا أن أوكلت المهمة إلى أحد مدرسي التاريخ ممن لهم ميول صوفية إلى تدريس هذه المادة، وعند شرحه لأحد الدروس التي كانت تتناول قضية التدخين وأثرها السلبي على المجتمع لم تكن السيجارة تفارق يده!!
    هذا فضلاً عن أن هذه المادة لا تعد مادة التربية الإسلامية مادة للرسوب والنجاح في أي مرحلة من مراحل التعليم الثلاثة، بل لا تضاف درجاتها إلى المجموع، في الوقت الذي تعد مادة كالرسم مثلاً مادة معتبرة في الرسوب والنجاح، وتضاف درجاتها إلى مجموع الدرجات الكلي للطالب! من أجل ذلك انتشر في الأيام الأخيرة تلقي الدروس الخصوصية في مادتي الرسم والموسيقى في الوقت الذي لم يُسمع أبدًا بدرس خصوصي في مادة التربية الإسلامية لأنها مادة مهمَلة.

    وفي المرحلة الجامعية فإن الأمر أسوأ من ذلك؛ حيث لا وجود للتربية الإسلامية أو أي من مواضيعها أو أطروحاتها في أي كلية إلا الكليات الدينية المتخصصة، مثل كليات جامعة الأزهر، وجرعات مخفضة في بعض الأقسام من كليات الآداب والتربية، أما بقية الكليات فتنتهي صلة طلابها بدرس الدين في المرحلة الثانوية!
    وهذا لا شك له وقع كبير في انتشار العلاقات المحرمة بين الطلبة والطالبات في الجامعات والتي تشكو منها مصر؛ حيث بلغت مثلاً حالات الزواج العرفي داخل الجامعات مبلغًا خطيراً؛ حيث كشفت إحصائية نشرت في العام 2007 م عن وزارة التضامن الاجتماعي أن عدد حالات الزواج العرفي التي أمكن حصرها بين الطلاب والطالبات في مختلف الجامعات المصرية بلغت نحو 130 ألف حالة.
    وأفادت الإحصائية أن أكثر من 255 ألف طالب وطالبة في مصر متزوجون عرفيًا يشكلون نسبة تصل إلى 17% من إجمالي طلبة الجامعات والبالغ عددهم 5.1 ملايين طالب.
    وقد نتج عن هذه الزيجات ـ وفقًا للإحصائية ـ نحو 14 ألف طفل من \"مجهولي النسب\" يشكلون قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، مسببة مشكلات لا حل لها في غياب الوازع الديني.

    كانت هذه هي صورة درس التربية الإسلامية في مدارس دنلوب والمدارس الحديثة، وعلى العكس من ذلك كان درس الدين في المدارس المسيحية التنصيرية؛ حيث كان مختلفًا تمام الاختلاف عن تلك الصورة المزرية المنفّرة؛ حيث يقام في الصباح الباكر، والتلاميذ قادمون بنشاطهم كله، ويقوم بتدريسه أكثر المدرسين والمدرسات شبابًا وأحبهم إلى قلوب التلاميذ! ولا يقام في فصل الدراسة حتى لا تكون له رتابة الدروس اليومية العادية، إنما يقام في كنيسة المدرسة! ويقام في وسط الأناشيد التي تتجاوب بها حناجر التلاميذ وقلوبهم، فيقترن درس الدين في نفوسهم بالفرحة والبهجة والنشاط والحركة والاستبشار بالحياة! والعجيب في الأمر أن هذه المدارس كانت تحظى بانتظام بعض الطلاب المسلمين بها على الرغم من إعلانها أنها مدارس مسيحية تنصيرية!!

    تغريب المعلم.. خطوة لتغريب التعليم:
    كانت مدرسة المعلمين العليا التي يتخرج فيها المعلمون بمدارس دنلوب، تكمل الضلع الناقص في منظومة التغريب التي انتهجها الاحتلال في مصر؛ لتكون أسوة بعد ذلك لبقية العالم الإسلامي، كيف لا وهي بلد الأزهر الشريف؟! وقبلة المتعلمين والدارسين من جميع أنحاء العالم؟! من أجل ذلك كانت هذه المدرسة هي معمل التفريخ الذي أنجب المعلمين الذين يغذون المخطط بأكمله.
    كان طلاب المدرسة يختارون بادئ ذي بدء من بين خريجي المدارس الثانوية الذين حقنوا بالسم الخبيث على جرعتين متواليتين طويلتين، إحداهما في أثناء التعليم الابتدائي، والثانية في أثناء التعليم الثانوي أي خلال تسع سنوات متواليات.
    والثانية: وكانوا يختارون على أسس معينة وضعها وينفذها مدير المدرسة ومعلموها وكلهم من الإنجليز! ولنا أن تتوقع نوع \"العينة\" المطلوبة! ونوع \"المؤهلات\" المطلوبة! وبطبيعة الحال لن تكون الاستقامة على الإسلام، ولا التقوى والصلاح من بين تلك المؤهلات! وأياً كانت نوعية الداخل ووقت دخوله، فالخارج \"مضمون\"! والنتيجة مضمونة.

    كان الأساتذة الإنجليز لا يدخلون على طلابهم في الحقيقة بوصفهم أساتذة فحسب، بل بوصفهم قوة الاحتلال القاهرة التي جاءت لتقهر نفوس هؤلاء الطلاب وتشعرهم بالضآلة والدونية إزار \"الرجل الأبيض\" العظيم الذي وضعته العناية الإلهية على رأس هذه البلاد، وهذا هو المعنى الظاهر الذي كان يتعمد أولئك \"الأساتذة\" إظهاره. أما المعنى الخفي ـ وهو القهر الصليبي للمسلمين ـ فهذا لم يكونوا يصرحون به، ولكنه ينبث واضحاً في كل مناسبة وفي كل توجيه.

    كانت الرسالة الكبرى التي كلف المدرسون الإنجليز ببثها في نفوس الطلبة ـ معلمي المستقبل ـ أن ما بكم من تخلف سببه الإسلام! الدين كله يسبب التخلف، ولكن الإسلام بصفة خاصة يعمل على التخلف أكثر من أي دين!! ستظلون متأخرين ما بقيتم متمسكين بالإسلام! لن تتقدموا إلا إذا تخلصتم من عقلية القرون الوسطى التي كانت تعتبر الدين أساس الحياة!

    لقد عمق هؤلاء المدرسون الإنجليز في عقول الطلبة فكرة أن أوروبا كانت في العصور الوسطى المظلمة خاضعة لسلطان الدين، فكانت جاهلة متأخرة جامدة، وحين نبذت الدين تقدمت وتحضرت وتعلمت وأوتيت كل وسائل القوة والتمكن، كان الدين حاجزاً عن العلم لأنه مجموعة من الخرافات، وحاجزاً عن العمل والنشاط والإنتاج لأنه ينظر إلى الآخرة، ويهمل الدنيا، لذلك كان لابد من تحطيمه للقضاء على الخرافة.

    لقد كانت هذه المحاولات هي أقسى محاولات العلمنة والغزو الفكري في المجتمع المصري آنذاك، فما كان الطلاب يومئذ يملكون الرد على تحدي المعلم الأبيض، وما كانوا يملكون في هزيمتهم الداخلية المبهورة بما عند الغرب، ورهبتهم من الاحتلال العسكري الجاثم على أرضهم، ما كانوا ي يملكون المعرفة التي يردون بها على التحدي، فهم بعدُ لا يزالون تلاميذ قليلي الخبرة، قليلي العلم مخترقين داخلياً وخارجياً، يقفون إزاء هذا العملاق الذي عملقته صورته المبهرة ولسانه الحاد وفكره المتيقظ.

    فإذا انتهت سنوات الدراسة الأربع في مثل هذا الجو وهذا التوجيه، فقد ضمن الخواجات أن \"فراخهم\" التي أنتجوها في \"معمل التفريخ\"، والتي ستخرج لتتولى تربية جيل جديد من النشء، ستقوم بالدور المطلوب تلقائيًا بغير حاجة إلى توجيه جديد، فقد انطبعت نفوسها بما يراد طبعها به، وصارت \"تتقيأ\" تلقائياً ما سكب في كيانها من السم، لتطعمه فراخاً جديدة صغيرة السن، لا تدرك شيئاً مما حولها، بل تلتقط كل ما يوضع أمامها بلا تمييز ولا قدرة على التمييز!

    وإن كان الأمر قد استصعب على الجيل الأول في مثل هذه المدارس، فقد كان أيسر بكثير على المعلمين الإنجليز في مدرسة المعلمين فيما بعد، حيث يصعد لهم الشاب بعد أن تشرب هذه الجرعات المسمومة في مراحله الأولى الابتدائية والإعدادية فيأتي إليهم وقد استعد للتلقي والقيام بدوره في المنظومة المحكمة... وهكذا دواليك، حلقة محكمة الغلق، وتخطيط خبيث، لا يستهدف جيلاً واحداً بالإفساد فحسب، بل يرنو إلى الأجيال المتعاقبة؛ ليضمن سريان السم في جسدها، لكيلا يخرج جيل يفكر في العودة إلى الإسلام.
    ولا تزال حتى وقتنا الحالي تعاني الكليات التي تُعنى بإعداد المعلمين في مصر من المناهج الغربية في التربية، والتي يتلقنها المعلم دون النظر إلى طبيعة المجتمع الذي تطبق فيه مثل هذه المناهج، مع إهمال تراثنا التربوي القرآني والنبوي الغزير في التربية والتعليم، في الوقت الذي يُستبعد فيه الطلاب والمعلمون ذوو التوجهات الإسلامية من التدريس، حيث يحالون إلى الأعمال الإدارية بالإدارات التعليمية، على الرغم من حصول الكثيرين منهم على تقديرات عالية عند التخرج، ولكنهم يقصون عن التعامل المباشر بالتلاميذ بحجة تجفيف منابع \"التطرف\"داخل المجتمع.

    ------------------------------
    المراجع:
    خريطة الحركات الإسلامية في مصر. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
    واقعنا المعاصر. محمد قطب.
    دور رفاعة الطهطاوي في تخريب الهوية الإسلامية. هاني السباعي.
    القس دانلوب وتغريب التعليم في مصر. سيد العفاني.
    جريدة المؤيد.
    معركة الحجاب والسفور. الدكتور محمد إسماعيل المقدم.
    الموسوعة الحرة ويكيبيديا.
    محمد التباشير
    يتبع بمشيئة الله تعالى
    إنتظرونا

  21. #21
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    المصيبة أننا نوقع اللوم على الناشئة !!!
    حسبنا الله ونعم الوكيل
    نتابع .. ويشهد الله بأننا في غاية الحزن !
    لكننا لا نيأس !!!

  22. #22
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    التجربة التونسية
    وفي إطار استعراضنا لعملية تغريب التعليم في المجتمعات الإسلامية، تجدر الإشارة إلى نموذج من نماذج التغريب في الوطن العربي والإسلامي، في تونس؛ حيث كانت تعد بادئ الأمر منبرًا من منابر العلم، ليس في تونس وحدها، بل في العالم الإسلامي كله، والتجربة التونسية لا تختلف كثيرا عن التجربة المصرية في إطارها العام، فبدل الأزهر كان جامع الزيتونة وبدل من الاحتلال الانجليزي كان الفرنسي وبقية القصة تتكرر.
    يعد جامع الزيتونة أول جامعة إسلامية في العالم، حتى قبل الجامع الأزهر؛ وقد شكّل دوره الحضاري والعلمي الريادة في العالم العربي والإسلامي؛ إذ اتخذ مفهوم الجامعة الإسلامية منذ تأسيسه وتثبيت مكانته كمركز للتدريس، وفي رحابه تأسست أول مدرسة فكرية بإفريقية أشاعت روحًا علميّة صارمة ومنهجًا حديثًا في تتبع المسائل نقدًا وتمحيصًا.
    ومن أبرز رموز هذه المدرسة علي بن زياد مؤسسها وأسد بن الفرات والإمام سحنون صاحب المدوّنة التي رتبت المذهب المالكي وقننته. واشتهر من الجامعة الزيتونية الفقيه المفسّر والمحدّث: محمد بن عرفة التونسي صاحب المصنّفات العديدة، وابن خلدون المؤرخ ومبتكر علم الاجتماع. وقد تخرّج من الزيتونة طوال مسيرتها آلاف العلماء والمصلحين الذين عملوا على إصلاح أمّة الإسلام والنهوض بها؛ من هؤلاء: محمد الطاهر بن عاشور صاحب تفسير التحرير والتنوير، ومحمد الخضر حسين شيخ جامع الأزهر وغيرهم كثير من النخب التونسية والمغاربية والعربية.
    وقد تجاوز إشعاع جامعة الزيتونة حدود تونس؛ ليصل إلى سائر الأقطار الإسلامية، ولعلّ المفكر العربي الكبير شكيب أرسلان يوجز دور الزيتونة عندما اعتبره إلى جانب الأزهر والأموي والقرويين: أكبر حصن للغة العربية والشريعة الإسلامية في القرون الأخيرة.
    وبمرور الزمن أخذ التدريس في جامع الزيتونة يتخذ شكلاً نظاميًا حتى غدا في القرن الثامن للهجرة ـ عصر ابن خلدون ـ بمثابة المؤسسة الجامعية التي لها قوانينها ونواميسها وعاداتها وتقاليدها ومناهجها وإجازاتها، وتشدّ إليها الرحال من مختلف أنحاء المغرب العربي طلبًا للعلم أو للاستزادة منه.
    ولقد كان لهذا الجامع دور مشرف يقطر عزة وكرامة في مواجهة المحتل الفرنسي الذي وطئت أقدامه البلاد في العام 1881م؛ حيث تصدى لعمليات التغريب والتنصير المستمرة التي ما فتئ المحتل يوجهها إلى أبناء الشعب التونسي بزعم تخليص تونس وأهلها من الهيمنة العربيّة الإسلاميّة وردّها إلى حظيرتها الأصليّة ـ حسب زعمهم ـ وهي الحضارة المسيحيّة النصرانيّة الرومانيّة.
    كما كان للزيتونة بعلمائها الشرف في مواجهة حركة التجنيس التي سعت بواسطتها حكومة الاحتلال في تذويب الهويّة العربيّة الإسلاميّة للتونسيين؛ فانبرى علماء الزيتونة لصدّ هذه الحركة الخبيثة وأصدروا الفتاوى الشرعيّة بتحريم التجنيس.
    وظل الأمر كذلك حتى إقرار النظام الجمهوري بالبلاد في العام 1957، وتولي الرئيس الحبيب بورقيبة مقاليد السلطة، فأوصدت الحكومة السابقة أبواب العلم فيه، فجعلته جامعة ـ بدعوى تطويره ـ فجاء الرئيس بورقيبة لتحجيمه أوّلا، ثمّ تحطيمه بعد ذلك، وهذا ما تمّ فعلاً، فكان لعمليّة التحجيم والتحطيم تلك أثرها البالغ في طمس معالم الدّين وعلوم الشريعة، وأضحت الكليّة الزيتونيّة في الستينيات وأوائل السبعينيات معقلاً للحزب الحاكم، ومطيّة لمن يريد الترقي العاجل في سلم الوظيفة بإحراز الشهادة الزيتونيّة التي لم تعد لها أي قيمة علميّة.

    وفي عهد الرئيس زين العابدين بن علي قضى بأمره الرئاسي عدد 96 المؤرخ في ديسمبر 1987 بتقسيم الكلية الزيتونيّة للشريعة وأصول الدين إلى ثلاثة معاهد (معهد أصول الدين ـ ومعهد الشريعة ـ ومعهد الحضارة)، فعملت الحكومة على تفتيت الزيتونة إلى هذه المعاهد بقصد بعثرتها! وطمس كيانها حتى ما يبقى لها أثر، بحيث يُغيّب اسم الزيتونة تدريجيّا فيفقد قيمته ووجوده ويندثر تمهيدًا لتذويبه وإماتته إماتة بطيئة حتى لا يثير ذلك استياء النّاس.
    أمّا هذه المعاهد الثلاثة فما هي إلاّ معامل لتخريج طوابير العاطلين من حملة الشهادات الجامعيّة الشرعيّة بالخصوص؛ حيث تضيّق عليهم الوزارة حقّ الانتداب للتدريس. وهو مسلك خبيث متعمّد من وزارة التعليم؛ لتزهيد الطلاب في الالتحاق بهذه الجامعة حتى يهجرها الطلاّب وتمسي بعد سنتين أو ثلاث خاوية على عروشها؛ وهو ما حدث بالفعل؛ فقد التحق بالجامعة الزيتونيّة عام 1988 من الطلاب 1200 طالب، ولم تستوعب الوزارة من المجازين المتخرجين من هذه الجامعة في العام نفسه للتدريس في الثانويّات إلاّ عددًا لا يتجاوز 150 طالبًا! وفي عام 1989 لم توجه الوزارة من الطلاب الجدد إليها غير 500 طالب! علما أنّ التوجيه الجامعي في تونس تحكّمي إجباري تفرضه الوزارة على الطلاب باسم التوجيه الإلكتروني!!
    وفي سنة 1991 لم يدخل الجامعة الزيتونيّة إلاّ 220 طالبًا موزعين على المعاهد الثلاثة، كما عطّلت فيها الوزارة رسائل الماجستير والدكتوراه؛ الأمر الذي حمل الطّلاب والأساتذة الأكفّاء على مغادرة الجامعة للالتحاق بالجامعات الغربيّة والشرقيّة!! وهكذا يُجفف الينبوع الذي يمدّ هذه الجامعة ويغذيها بأفواج من الطلاب كلّ عام.
    وإثر ذلك قرّرت الحكومة الاستغناء عن خرّيجي الشريعة، وأوكلت مهّمّة تدريس المقرّرات التربويّة والدينيّة في الثانويّات إلى خريجي كليات الآداب والعلوم الإنسانيّة بدلاً من خريجي جامع الزيتونة، وذلك في إطار عملية تجفيف المنابع التي تنتهجها الدولة. ثم انتهى الأمر إلى إلغاء تدريس العلوم الدينية الشرعية بجامع الزيتونة لتنطفئ بذلك منارة من أكبر منارات العلوم الشرعية في العالم.
    وعلى صعيد التعليم المدني وصلت محاربة المحجبات في تونس في ظل حكم النظام الحالي معدلات غير مسبوقة، حيث تجبر الفتيات المحجبات على خلع حجابهن في المدارس والمؤسسات التربوية أو يمنعن من الدخول، بالإضافة تعرض بنات السجناء الإسلاميين إلى المضايقة بسبب ارتدائهن الحجاب، وقد عمد بعض مدراء المعاهد الثانوية وموظفيها إلى نزع الحجاب عنوة من فوق رؤوس التلميذات المحجبات تحت إشراف الوالي ورؤساء خلايا الحزب الحاكم. وقد صدرت تعليمات إلى مدراء المدارس والمعاهد والكليات بمنع دخول المؤسسات التربوية على كل فتاة ترتدي ما تسميه السلطات \'اللباس الطائفي ـ والمقصود به الحجاب ـ واللباس الخليع\".
    وقد منع أحد المعاهد الثانوية بالعاصمة التونسية للمرة الثالثة على التوالي طالبة من أداء امتحانات نهاية العام عقابًا على حجابها، وقد حاول أحد المسؤولين بالمعهد فض المشكلة، فطلب من والدها أن تستبدل الحجاب بأي غطاء للرأس، لكن المدير أصرّ على موقفه رافضًا السماح بغطاء الرأس.
    وقد بدأت الحملة الرسمية على الحجاب في تونس عام 1981 مستندة إلى القانون رقم 108 الصادر في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الذي اعتبر الحجاب \"زيًّا طائفيًّا\"، وليس فريضة دينية؛ ومن ثمَّ يحظر ارتداؤه بالجامعات ومعاهد التعليم الثانوية، وهو ما يعارضه بشدة قطاع كبير من الشارع التونسي. ولا تزال هذه الحرب مستمرة على الرغم من أن المحكمة الإدارية العليا قضت في ديسمبر 2006 بعدم دستورية القانون أو أي قانون مماثل، مؤكدةً أن القوانين التي تمنع ارتداء الحجاب بتونس غير شرعية وغير قانونية لمخالفتها الدستور
    يتبع بمشيئة الله تعالى
    إنتظرونا

  23. #23
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    نتابعكم !
    بداية التعميم .. نسأل الله لكم التوفيق والاستمرار في كشف خبايا أنظمة التعليم الفاسدة !!!
    المراقب العام

  24. #24
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    افتراضي

    التجربة السعودية .. خط مغاير:


    في الوقت الذي ناصبت الدولة المصرية بقيادة محمد علي باشا العداء للإمام محمد بن عبد الوهاب الذي احتضنته الدولة السعودية، وحاربت من ورائه المملكة في العام 1818 في بداية نشأتها، عندما حاصرت القوات المصرية بقيادة إبراهيم باشا بن محمد علي الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى ودمرتها، إلا أن الدولة السعودية تأسست من جديد في أوائل القرن العشرين تحت قيادة \"عبد العزيز بن سعود\" مؤسس المملكة العربية السعودية.
    وفي ذلك الوقت بدأت نهضة المنهج السلفي في المناهج التعليمية الذي دعا إليه الإمام محمد بن عبد الوهاب واحتضنته المملكة العربية السعودية، فكان له أبلغ الأثر في محاربة البدع ونشر التوحيد الصافي من منابعه الأصلية (الكتاب والسنة)، ونبذ الشرك وعبادة القبور التي كانت منتشرة آنذاك في الدول الإسلامية، ثم انتقلت هذه الأفكار إلى البلدان العربية والإسلامية وتأثر بها علماء مصر والشام والعراق وما وراءها من البلدان. وهي تجربة تستحق الإشادة والتقدير.
    كانت الحياة العلمية قبل الإمام محمد بن عبد الوهاب ضعيفة إلى حد كبير بسبب غياب الوحدة السياسية والنشاط الدعوي التعليمي، وكان التعليم مقصورًا على المدن الكبرى مع انفصال العلماء والقضاة عن حياة الناس العامة؛ ما سبب انتشار البدع والخرافات.
    وكانت بداية تأسيس الدولة السعودية الحديثة فتحًا دينيًا بما يحمله من إلزام تعليمي لأساسيات الدين، وقد استمر هذا التلاحم بين السلطتين الدينية والسياسية وآتى ثماره العلمية لولا حصول بعض النكسات السياسية للدولة السعودية الأولى التي انتهت بسقوط الدرعية، ثم سقوط الدولة السعودية نهاية القرن الثالث عشر الهجري. ثم مع استعادة الملك عبد العزيز للرياض مع بداية القرن الرابع عشر الهجري كانت بداية انطلاقة علمية أقوى من سابقاتها خصوصًا بعد فتح الحجاز الذي شهد إنشاء مديرية المعارف لتوسيع دائرة التعليم النظامي الحديث، بعد أن أدت حلقات المساجد والكتاتيب دورها في التعليم إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري تقريبًا.

    ويمكننا تلمس روح الاهتمام والتطوير في العلوم الدينية من خلال المظاهر والفعاليات التالية:
    - تغيير نمط التعليم في المسجد الحرام؛ حيث صدر أمر ملكي في 15 ربيع الآخر عام 1345هـ بتشكيل لجنة للإشراف على الدروس في الحرم المكي من انتقاء الكتب النافعة وتعيين الأساتذة ونحو ذلك.
    - إنشاء دار التوحيد بالطائف عام 1364هـ بتوجيه من الملك عبد العزيز، وكان الهدف من إنشائها تخريج قضاة للمحاكم الشرعية، وتكفلت الدولة بإعاشة الطلاب وإسكانهم وكل ما يلزمهم.
    - افتتاح كلية الشريعة عام 1396هـ في مكة المكرمة، وكان الهدف منها تخريج معلمين للمدارس الثانوية وقضاة للمحاكم الشرعية، وفي عام 1373هـ افتتحت كلية مماثلة في الرياض، وكانت هاتان الكليتان نواة التعليم العالي في المملكة.
    - افتتاح عدد من المعاهد العلمية على إثر المعهد العلمي السعودي الذي افتتح في مكة من قبل، وافتتح أول معهد علمي في الرياض عام 1370هـ، وكان الهدف من هذه المعاهد التوسع في العلوم الدينية لتكون بديلاً عن الكتاتيب.
    - إنشاء الرئاسة العامة لتعليم البنات، وتم في ذلك العام 1380هـ والحرص على إشراف العلماء على تعليم البنات لكي لا تقع نفس المفاسد التي وقعت في عدد من البلدان الإسلامية من خروج المرأة من بيتها، ومن ثم فقد تم اختيار الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مشرفًا على تعليم البنات، ويهدف إنشاء الرئاسة إلى تعليم البنات في المراحل الثلاث (ابتدائي ـ متوسط ـ ثانوي) في جميع أنحاء المملكة، وهذا مما يحسب للمملكة؛ حيث كان العلماء الموثوقون المشهود لهم بالعلم والتقوى والفضل على رأس هذه المؤسسات التعليمية وهذا ما ميز التعليم في المملكة عن غيره.
    - إنشاء الجامعة الإسلامية عام 1381هـ في المدينة المنورة، وبدأت بكلية الشريعة في العام نفسه، ثم توسعت فيما بعد لتشمل التخصصات الدينية والعربية.
    - جامعة الإمام محمد بن سعود؛ حيث افتتحت كلية الشريعة عام 1373هـ في الرياض ثم كلية اللغة العربية عام 1374هـ ثم المعهد العالي للقضاء عام 1385هـ، فكانت هذه الجهات التعليمية نواة جامعة الإمام التي افتتحت في عهد الملك فيصل عام 1394هـ بهذا الاسم.
    - إنشاء جامعة أم القرى بمكة عام 1401هـ، وتم افتتاح عدد من الكليات بها ومنها الشريعة والدعوة واللغة العربية والعلوم التطبيقية والعلوم الاجتماعية والعلوم الزراعية.
    ومما يحسب لمسيرة التعليم الديني في السعودية توكيل العلماء الأفاضل المشهود لهم بالتقوى والفضل والمسيرة الدعوية المشرفة على مدار تاريخهم وحياتهم في وضع المناهج التعليمية في المدارس الدينية وارتياد المناصب المهمة في وزارة المعارف والإشراف على المؤسسات التربوية والتعليمية؛ الأمر الذي كان له أثر واسع في انتظام المسيرة التعليمية على المنهج الصحيح مع المحافظة عليه من محاولات التغريب التي كانت تحاول اجتياح المملكة، بل كان التعليم في المملكة هو حائط الصد المنيع ضد دعاوي التغريب، وتخرج من مدارس وجامعات المملكة: العلماء المتخصصون في جميع المجالات العلمية، والمتحصنون في نفس الوقت بتعاليم دينهم، كما تخرج من الكليات والمعاهد الشرعية في هذه الجامعات المئات من المسلمين في جميع أنحاء العالم الإسلامي والذين أصبحوا منارات لنشر العلوم الإسلامية والعقيدة السلفية في أوطانهم.
    وإزاء ذلك فقد استعرت الحملات الغربية التي حاولت حرف هذا المنهج عن طريقه؛ لإحداث تغييرات على مسيرة التعليم بما يتوافق مع القيم الغربية في محاولة لتجفيف منابع الصحوة الإسلامية التي اجتاحت العالم الإسلامي والغربي بصفة عامة، تلك الصحوة التي تستشعر الدول الغربية خطرها على مستقبل الاستعمار وعملية التغريب في العالم الإسلامي.
    وبالنظر إلى محاولات التغريب يمكننا أن نقف الآن على بعض النتائج التي حصدتها الحكومات من محاولات التغريب المستمرة؛ حيث نجح المجتمع السعودي في المحافظة على هويته الإسلامية والوقوف في وجه محاولات التغريب وصموده بدرجة أكبر من تلك التي في مصر وتونس، حيث وصل البَلَدَان الأخيران إلى مرحلة متقدمة من النزول بمستوى التعليم الديني في الوقت الذي لا تزال تحتفظ فيه الكليات الشرعية في المملكة بمستواها الذي يُقصد من جميع بلدان العالم الإسلامي.
    الأمر الذي انعكس على صورة المجتمع وروح التستر والاحتشام وانتشار الحجاب الشرعي قياسًا بنظيره في تونس ومصر التي تفشت فيها مظاهر التفلت والانحلال والعري؛ بسبب المحاربة الرسمية للحجاب والستر في المدارس والمؤسسات التعليمية وما سواها؛ ويكفي في ذلك الإشارة إلى حوادث التحرش الجنسي التي انتشرت في الأيام الأخيرة في مصر.

    المراجع:
    جريدة المؤيد.
    معركة الحجاب والسفور. الدكتور محمد إسماعيل المقدم.
    الموسوعة الحرة ويكيبيديا.
    الحرب على جامع الزّيتونة في الحقبة العلمانية. الشيخ محمد الهادي الزمزمي.
    التعليم في عهد ملوك المملكة العربية السعودية.

  25. #25
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    جميل ... ومميّز !
    قفزة هائلة .. من الإنزلاق الى التغريب ... الى الذود عن نهج الاسلام ومنعه من التخريب !
    كان بودنا بيان الإنهيار في التعليم في شرق البلاد العربية عامة نظراً لاتباعه ما جرى للتعليم في مصر .. وذلك لأن مصر هي المنارة والأم للتعليم الجامعي والدراسات العليا التي نهل من مؤسساتها التعليمية آلاف الطلبة العرب من الشرق العربي وكانوا هم الرواد الأوائل للإنحراف بالتعليم في بلادهم نتيجة ما تلقوه من علمٍ عن الذين سبق وذكرتهم كأعلام للزيغ في مصر وقد تبوّأوا المراكز التعليمية الهامة التي هيمنت على التعليم الموجّه ...!
    أما أقطار العرب المغاربية - فحدث ولا حرج - فقد كانت في عصر الاحتلال الظالم الذي حاول حتى مسح الهوية العربية عنها فضلا عن الاسلامية .. وتلك حكاية أخرى لها رجالها الذين أفنوا حياتهم للدفاع عنها عروبة واسلاماً رحمهم الله .. والتي نرى رؤوس تبرز فيها من جديد تحاول العودة لعصور الظلم والقهر - خابوا وخسروا - لكن الله سخّر لهم من فضحهم وما زال ينافح ويكافح ويذود عن هويته العربية الاسلامية .. ولن يضيع الله أمّة فيها مثل هؤلاء ...!
    أما نحن فنقول .. إن الله معنا طالما توكلنا عليه وعملنا بما يرضيه عنا .. والله غالب على أمره .
    بارك الله بك ونفع بك عباده وأنار الله بجهدك العيون والقلوب .
    ولا يأس ولا قنوط من رحمة الله

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. ما بعد سقوط الخلافة العثمانية- بقلم م. مخلد بن زيد
    بواسطة م مخلد بن زيد بن حمدان في المنتدى الصالون الفكري العربي
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 26-02-2016, 02:34 AM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-02-2013, 04:16 PM
  3. محمد على باشا
    بواسطة ابن خلدون في المنتدى موسوعة التراجم الكبرى
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-01-2013, 06:53 AM
  4. عشائر مهنا ابن سلمان ابن عباس ابن محمد باشا ابن حسين باشا الخزعلي
    بواسطة الارشيف في المنتدى مجلس قبائل العراق العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-11-2012, 07:03 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum