النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: تاريخ الدولة الجبرية .. حكام وسلاطين

تاريخ الدولة الجبرية يلفه الكثير من الغموض ولا نعرف عن هذه الدولة إلا الشيء القليل، لكن هذا القليل يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الشعر النبطي كان في عهدهم

  1. #1

    افتراضي تاريخ الدولة الجبرية .. حكام وسلاطين

    تاريخ الدولة الجبرية يلفه الكثير من الغموض ولا نعرف عن هذه الدولة إلا الشيء القليل، لكن هذا القليل يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الشعر النبطي كان في عهدهم إرثا أدبيا مزدهرا. ابتداء من هذه الفترة وبشكل مفاجئ وبدون مقدمات نبدأ بالعثور على نماذج غزيرة من الشعر النبطي على شكل قصائد طويلة تامة النضج قوية السبك مستقيمة البناء تامة التركيب، ومعظمها قيلت في مدح مشائخ الجبريين مثل أجود وقضيب ومقرن وغيرهم. ولا تجود مخطوطات الشعر النبطي بأي قصائد نبطية تضاهي في قدمها النماذج التي وصلتنا من فترة الجبريين عدا قصائد أبي حمزة العامري وما أورده ابن خلدون في مقدمته. متى قامت دولة الجبريين ومتى انتهت ومن هم حكامها؟ سوف نحاول هنا تقديم إجابة سريعة مختصرة على هذه الأسئلة لأهمية هذه الفترة المبكرة في تاريخ الشعر النبطي وتحديد نشأته وبداياته. ومن خلال ذلك سوف نقوم بعملية مسح شاملة لمجمل ما تجود به مخطوطات الشعر النبطي من قصائد تعود إلى هذه الحقبة.

    قيام الدولة الجبرية
    خير من يمكن الرجوع إليه من الكتاب المعاصرين عن تاريخ الجبريين ومنطقة البحرين عموما هم الدكتور عبداللطيف بن ناصر الحميدان ومحمد بن عبدالله بن عبدالمحسن آل عبدالقادر وحمد الجاسر وأبو عبدالرحمن بن عقيل. ريمكن الرجوع إلى أعمال هؤلاء الباحثين المثبتة في مراجع هذا الكتاب. وهم يختلفون في التفاصيل وتتباين آراؤهم حول بعض القضايا ولكن يمكننا إجمال ما ذكروه في الأسطر التالية.
    وقف العقيليون، وهم من بني عامر بن عوف بن مالك بن عامر بن عقيل، إلى جانب القرامطة في حربهم مع عبدالله العيوني، مؤسس الدولة العيونية، ولذلك قطع العيوني ما كان لرؤساء بني عقيل من العوائد والجرايات التي أجريت لهم أيام القرامطة. وبسبب ذلك قامت حروب طويلة بين العيونيين وبني عقيل الذين ينتسبون هم وبنو خفاجة وبنو هلال وبنو سليم وبنو ثعلب وبنو المنتفق وبنو عبادة إلى كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة من هوازن من قيس عيلان من مضر. ويرى البعض أن من أسباب تعميق الخلافات بين العيونيين وبين بني عقيل ما بينهما من اختلاف في النسب.

    فبينما ينتسب العيونيون إلى ربيعة (فهم من بني عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزاربن معد بن عدنان) ينتسب العقيليون إلى مضر (فهم من هوازن من قيس عيلان من مضر بن نزار بن معد بن عدنان)؛ وهذا ما نجده في أغلب كتب الأنساب.


    غير أن هناك من يرى أن بني عامر الذين منهم بنو عقيل من عبدالقيس الربيعية وليسوا من قيس عيلان المضرية. فقد ذكر أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري (700-749هـ) في كتابه مسالك الأبصار نقلا عن يوسف بن زماخ الحمداني أن عامرا التي ينتسب إليها بنو عُقيل ليست عامر المنتفق ولا عامر بن صعصعة. (الجاسر 1401-1402: 779).

    ويضيف الشيخ حمد الجاسر في تحشيته على هذه المعلومة قائلا "هم من عامر ربيعة، من عبدالقيس منها -ويعرفون قديما بالعمور، وحديثا باسم (العماير) ولا تزال لهم بقية في المنطقة الشرقية، وينتسبون في بني خالد" (الجاسر 1401-1402: 780). علما بأن الشيخ في حاشية سابقة ينسب بني عقيل إلى هوازن مما يعني نسبتهم إلى عامر بن صعصعة القيسية المضرية وذلك في قوله "والمقلد وقرواش من بني عقيل من بني عامر من هوازن" (الجاسر 1401-1402: 300). وفي تقديمه لكتاب ابن عقيل أنساب الأسر الحاكمة في الأحساء (القسم الأول) يعود الجاسر إلى التأكيد على أن بني عامر الذين ينتمي إليهم بنو عُقيل هم بنو عامر بن الديل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبدالقيس الربيعية وليسوا من عامر بن صعصعة التي تنتمي إلى هوازن من قيس عيلان المضرية. (ابن عقيل 1403: 16-21). وهذا الرأي مخالف للآراء التي يتبناها البعض مثل الدكتور عبداللطيف الحميدان والشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل والقلقشندي الذي نجده في كتابه نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب يخطّئ الحمداني في زعمه أن بني عامر الذين تنتمي إليهم بنو عُقيل ليسوا من بني عامر بن صعصعة. يقول القلقشندي "ومن آل عامر هؤلاء عقيل بضم العين . . . ولا عبرة بقول الحمداني أنهم غير عامر بن صعصعة وعامر المنتفق، بل هم من عامر بن صعصعة" (القلقشندي د. ت: 301). وشعراء الدولة الجبرية يرفعون نسب الجبريين إلى قيس ويلقبونهم سادات قيس، كما في قول ابن زيد في مدح أجود بن زامل:
    فما وِلْد من عصر النبي محمد // ولا أرضعت بيض العذارى نهودها
    بأفرس من ستر العذارى ابن زامل // إلى ذَلّ من سادات قيسٍ بنودها
    سقى كل ما حلّوا من الأرض مرزم // ألكن دياميم المصاري رعودها
    حقيقٍ بها من أرض ما ينزل اجود // أبا سندٍ سلطان قيسٍ عمودها
    ويقول عامر السمين في مدح علي ابن اجود الجبري: علي بن اجودٍ سلطان قيسٍ// مجار الجود كهفٍ للضعاف، ويقول جعيثن اليزيدي عن مقرن بن زامل الجبري: وبين اجودٍ سلطان قيسٍ وركنها// عن الضيم أو في المعضلات الشدايد. وفي البيت الثالث والثلاثين من قصيدة الكليف في مدح مقرن ولد قضيب يصف هرب الأعداء من أمام جموع الجبريين قائلا: واقفن عن سلفان قيسٍ مخافه// فيها الوحوش رواغدٍ همّالها. وفي قصيدة لعامر السمين يمدح بها قطن بن سيف يصفه بأنه من خيار عقيل وأن أصله من عامر من قيس:
    قيسي خيار عقيل جملا كلهم // العامري من قيس أوفى مقسما
    وإلى تفاخرت الأصول بعامرٍ // فخيارها وأعزّها المتقدما
    ويقول عامر السـمين فـي مدحـه لقضيب بن زامل: صفوة عقيلٍ هو اسطاها وأفرسها// وخْيارها همّةٍ في كسب الانفالِ. ويصف ابن زيد زامل الجبري بأنه ملك عقيل: على راي مَلْكٍ من عقيلٍ مجرّب// لتالي المعايا الجاذيات ضمين. وإضافة إلى قيس وعامر وعقيل نجد الشعراء ينسبون الجبريين إلى المضا. فهذا ابن زيد في أحد الأبيات ينسب جمع الجبريين إلى المضا حيث يقول "جمعٍ مضاويٍّ"، وفي قصيدة ابن غنام التي قالها في مدح محمد بن أجود يقول: تسلسل من ماضي خيارٍ مجرّب// كحد اليماني فيصلي المضارب. ويصل عامر السمين نسب الجبريين إلى المضا من قيس حيث يقول: وإلى المقدم أصلهم آل المضا// وإلى المضا من قيس أوفى مقسما. وهذه النسبة تتردد كثيرا عند شعراء الجبريين لكننا لا نعرف شيئا عن المضا. أما النسبة إلى قيس فقد تعني قيس عيلان المضرية أو عبدالقيس الربيعية، وقد تكون نسبة إلى جد أقرب حيث ينقل ابن فضل الله العمري عن الحمداني كلاما عن عُقيل ويقول "ومنهم القديمات والنعايم وقبات وقيس ودغفل وحرنان وبنو مطرق" ( الجاسر 1401-1402: 779). ويكثر ترداد لقب الغريري الذي يطلقه الشعراء على أفراد الأسرة الجبرية الحاكمة كما في قول ابن زيد يمدح زامل الجبري: ضعاينٍ يتلين الغريري زامل//لكن جما حرجاتهن عرين؛ وقول الكليف من قصيدته "الدامغة" التي يمدح فيها مقرن بن قضيب: بيمنى غريريٍّ من اولاد المضا// مرخص دبيل الروح عند قتالها؛ وقول العليمي في مدح قطن بن قطن: غريريٍّ قطاميٍّ شجاعٍ// ذرى الفرسان من ضرب السنينا. وأكثر الناس يعتقدون أن الغريري لقب اختص به حكام الأحساء من آل حميد (آل غرير) دون غيرهم. لكن الاسمين مضا وغرير من الأسماء الفصيحة التي تتردد كثيرا في الأشعار التي وردت في كتاب أبي علي الهجري التعليقات والنوادر الذي نشر أجزاء منه الشيخ حمد الجاسر، وكلمة غرير صفة يقصد بها نجابة الأصل وكرم المحتد ونبل الأرومة وتطلق عادة على فحل الإبل النجيب كما في قول ذي الرمة:
    غريرية الأنساب أو شدنية // عليهن من نسج ابن داود زخرف
    وقوله:
    نجائب من نتاج بني غرير // طوال السمك مفرعة نبالا
    في حدود سنة 640هـ استولى رئيس بني عامر بن عقيل ومقدم أسرة الغفيلات المدعو عصفور بن راشد بن عميرة بن سنان بن غفيلة على الأحساء. وبذلك انقرضت دولة العيونيين لتحل محلها دولة العصفوريين نسبة إلى عصفور بن راشد وبنيه من بني عامر بن عوف بن مالك بن عامر بن عقيل. وفي حدود سنة 700هـ حكم الأحساء سعيد بن مغامس بن سليمان بن رميثة. وفي منتصف القرن الثامن الهجري أسس جروان أحد بني مالك بن عامر دولة بني جروان وملك بعده ابنه ناصر ثم حفيده ابراهيم. ثم وجد الجروانيون أنفسهم مضطرين نتيجة لضعفهم إلى الاستعانة بشيخ الجبور زامل بن حسين بن ناصر الجبري (نسبة إلى جد لهم اسمه جبر) العامري العقيلي النجدي وأن يمنحوه بعض الامتيازات المالية المجزية وذلك مثلما فعل قبلهم العيونيون مع العصفوريين. وفي سنة 820هـ تقريبا انتزع زامل بن حسين بن ناصر الجبري هذا السيادة على الأحساء من بني جروان وأسس دولة الجبريين. وبذلك يكون مؤسس الدولة الجبرية حسب رأي الدكتور عبداللطيف الحميدان (1980: 44-45) هو زامل وليس ابنه سيف، كما يرى الشيخ حمد الجاسر والشيخ محمد بن عبدالله آل عبدالقادر. ولزامل من الولد سيف وهلال وأجود الذي ولد في بادية الأحساء في رمضان 821هـ الموافق تشرين الأول 1418م. وتولى سيف الإمارة بعد وفاة والده زامل. وبعد وفاة سيف في حدود عام 875هـ ورث الإمارة أخوه أجود بن زامل.
    وتتضارب آراء المؤرخين حول عدد أولاد أجود وأسمائهم. ويستنتج الدكتور الحميدان، المتخصص في دراسة تاريخ الدولة الجبرية، أنه كان لأجود أربعة أولاد هم محمد وسيف وعلي وزامل قسم الملك فيما بينهم قبل وفاته في العقد الأول من القرن العاشر. (1980: 66-67). وكان من نصيب سيف حكم عمان الذي سبق أن أخضعها لحكم الجبريين في حياة والده. أما محمد فقد حكم مناطق الأحساء والبحرين وتزامن حكمه مع دخول البرتغاليين إلى منطقة الخليج عام 913هـ.
    ومن أوائل شعراء الدولة الجبرية الذين وصلنا إنتاجهم شاعر يدعى أبو ظاهر مدح أجود بن زامل في قصيدة لم يسبق نشرها وجدناها في مخطوطات الربيعي وابن يحيى والعمري وهي على بحر الهزج ويستقيم وزنها بالنطق العامي والنطق الفصيح. وتغلب الفصاحة على هذه القصيدة، خصوصا الأبيات الأولى منها، لولا بعض المفردات العامية والتي يلزم نطقها نطقا عاميا ليستقيم الوزن الشعري مثل "المرجحن" في البيت الثالث و"السبايا" في البيت السادس بمعنى "الخيل" و"يدربي" في البيت الثامن بمعنى "يدحرج" ومثل ضمير الغائب "هو" الذي يلزم نطقه نطقا عاميا ليستقيم الوزن و"يوم تقفي" في البيت الثالث عشر و"بفتوق" في البيت السادس عشر. ولا ندري ما سر فصاحة قصيدة أبي ظاهر علما بأن قصائد معاصريه ممن سيرد ذكرهم لاحقا مثل النابغة ابن غنام وابن زيد وابن حماد عاميتها واضحة. ومن المحتمل أن أبا ظاهر نال قسطا من التعليم وحاول في هذه القصيدة أن ينظم بالفصحى لكنه بعد عشرة الأبيات الأولى ينكص إلى العامية التي تطغى على بقية أبيات القصيدة. يقول ابن غنام:
    01) محلّك فوق هام السبع سامي // وصيتك شايعٍ بين الأنامِ
    02) وباسك بعض بعضٍ منه يخشى // كما تخشى النفوس من الحمام
    03) وجودك بعض بعضٍ منه يرجى // كجود المرجحن من الغمام
    04) وحلمك والحلوم تطيش رهبه // غداة الروع أثقل من سنام
    05) وقد سار الخميس على الخميس // كما سار الصباح على الظلام
    06) وثار النقع من وقع السبايا // كما صواعق المزن الركام
    07) ترى فيها جحاجحةٍ وخيل // جيادٍ كالهشيم على الرغام
    08) معفّرةٍ معثّرةٍ فطوسٍ // يدربيها المدربي بالحسام
    09) غداة صماصم البولاد فِلّت // تهشّم ما ولاه من العظام
    10) ومثل الصل معتدلٍ طويلٍ // بِهِ كالنجم في جنح الظلام
    11) ومنتوبين من بطنٍ وظهرٍ // سوى فولاذها وسوى القتام
    12) هل العادات جرّار السبايا // إلى ما شالها والقيظ حامي
    13) وهو حامى الظعاين يوم تقفي // شديد الباس في يوم الزحام
    14) حمى حمر الهوادج يوم تنخا // سواكنها تفرفش كالحمام
    15) لعيني كل بهكلةٍ رداحٍ // صموت الحجل قانية الوشام
    16) تُرى من خدرها من عقب ستره // كشمس الأفق بِفْتوق الغمام
    17) بيوم كريهةٍ طعنٍ وضرب // يشيب لهوله اولاد الفطام
    18) بيوم المال يبونه قبل عزله // به الحشوان عن جل السوام
    19) تلقّى الطعن مع نار البلنزا // مناعيرٍ تخاف من الملام
    20) صناديدٍ جحاجحةٍ وخيلٍ // تفرّ من الملام إلى الحمام
    21) شبك بالجمع جمعٍ من قريب // وناطحت الكماة اهل الصدام
    22) وتلاقن الهوايا بالهوايا // وفر النذل واكترب الحزام
    23) تعلّى بالشجاعه عقيل طبقا // وأصخاها وأوفاها ذمام
    24) وأحيا الله كل كريم نفس // ولا أحيا البخيل بن اللئام
    25) وصلى الله على سيد البرايا // عدد ما لاح برق في غمام
    وترد في مخطوطات الربيعي وابن يحيى قصيدة لشاعر يدعى النابغة ابن غنام مدح فيها محمد بن أجود. والطريف في هذه القصيدة استطراد الشاعر في وصف الفهد الذي كان يستخدم للصيد على زمن الجبريين الذين كانوا آنذاك يدربون الفهود على صيد الظباء مثلما كانوا يدربون الكلاب السلوقية على صيد الأرانب. كذلك يرد ذكر الصقور كثيرا في شعر شعراء تلك الفترة لكننا لا نجد أي ذكر للبارود والأسلحة النارية. ويشبه ابن غنام قوة وثب الفهد بالنشاب إذا انطلق من القوس. وهذه من الأمثلة النادرة التي يرد فيها ذكر النشاب في الشعر النبطي. ومن غير المعروف تحديدا متى انقرض استخدام القوس والنشاب في الصيد وفي الحرب عند عرب الجزيرة وما دور الأسلحة النارية في ذلك والتي دخلت مع دخول البرتغاليين إلى شواطئ الخليج العربي في أيام الدولة الجبرية. يقول ابن غنام في مدح محمد بن أجود وهي على بحر الطويل "الهلالي" ولا يستقيم وزنها إلا بالنطق العامي، لكنها لا تخلو من النفس الفصيح:
    01) سعود الليالي عن نحوس النوايب // تزهّت بلذّات الليالى العجايب
    02) وساق دجى ديجور الاحسان هاتف // من الخير فامسى نجم الاسعاد ثاقب
    03) خليلي بعد ما عَنّ فكري فدنّ لي // قلايص قودٍ من خيار النجايب
    04) بعزمي وهمّاتي وربعي رحايل // نحافٍ خفافْ مفرّقات الغوارب
    05) إلى رمت زومات العزوم يردّني // عيالٍ بهم قلبي من الهم تاعب
    06) إن شمت للقالات واشتان خاطري // ذلّت عزومي عن صعاب المطالب
    07) شم واغتنم واشهر إلى جود خيّر // له الحمد محمود الثنا بالمواكب
    08) تسلسل من ماضي خيارٍ مجرّب // كحد اليماني فيصلي المضارب
    09) كما حضرميٍّ أنمريٍّ مشخّف // غليض الذراعين ادرميّ المخالب
    10) همومٍ لهومٍ ألطف العقب مسند // له الصدر مفجوجٍ غليظ المناكب
    11) هلوعٍ فجوعٍ من إذا الجوع قد بقى // طواه القوى وامسى له الجوع راعب
    12) على محمله ينظر يمينٍ ويسره // كما درب قومٍ يتّقي بالمراقب
    13) إلى شام للعليا وله حل مرسنه // مع الغمض يوري في خمار المساحب
    14) بالاوثاب عجلٍ يطوي البيد كنه // نَشّابٍ استافاه بالقوس جاذب
    15) ختولٍ قتول الصيد هلعٍ مشكّل // إلى صار هو من حول الاقمان كاهب
    16) قصولٍ فصولٍ للظهور معوّد // لتيس الظبا دومٍ بعسماه ضارب
    17) ظباً صكّها من حيّ عسماه حطّها // على الخد ألقاها صروعٍ عواطب
    18) كما شاميٍ خرسٍ حسينٍ مهوّر // بالاثمان ما يغليه بالسوق جالب
    19) على صاحبه غالي وشاريه نافق // إلى شافه القناص لشراه طالب
    20) قد حطّ في كفّه مضى عقب ما انقضى // شرا البيع هِنّي به ولو غِلِي غالب
    21) جميلٍ قصير الساق افجٍّ مفرجل // كأقبا إلى اطحا ماتحه لوي جاذب
    22) حديد النضر من ذالق العين كنها // إلى خِلْتها فيها سنا النار ثاقب
    23) لا ذا ولا هذاك يمضي إلى عدى // بصيده وكلٍّ في معانيه آدب
    24) الفارس المعروف بالرمح لى التقت // بالابطال في يوم المجال السلاهب
    25) كلون الدجى مغلنطس الليل لونه // على نور قرن الشمس بالطمس حاجب
    26) إلى حل رجف الخيل والسوق بالوغى // بتوريد قطع المرهفات القواضب
    27) والكل يوم الكون يعتاد عادته // بسفك الدما يروي قوي المضارب
    28) صرايع من كف الغريري محمد // فناها وثلثيها من الدم شارب
    29) كْعام العدا بحر الندى باذل الجدا // بْبَذل الندى يندى وسيع الرواحب
    30) فتىً جامعٍ جودٍ وصبرٍ وفرسه // وللجار والمنيوب جزل الوهايب
    31) من كان من غارات الايام خايف // وفاجاه من غاراتها كل نايب
    32) فحلٍ إلى ما صالوا القوم والتقوا // حجى كل مضيومٍ إمام الركايب
    33) رفيق حسن الصيت ابا الجميل محمد // رفيع محل النفس نزه المذاهب
    34) كما مزنةٍ غرّا نِشَت واستقلت // وراجت وثَجّت من ركام السحايب
    35) لها عارضٍ رزنٍ وبالبرق يوضي // والنو مستاسع وبالوبل حالب
    36) محنٍّ مرنٍّ مرجحنٍّ محلتم // حقوقٍ دفوقٍ هاطل الغيث ساكب
    37) تِدَفّق براحات الحضور غمامها // يجي سيلها جوده على النفد راكب
    38) تِدِفّق راحات ابن جبرٍ محمد // لمن سال تندا بالسنين النهايب
    39) مواهب جوده بالتواريخ تنسب // تسلسل من ازكاها رفيع المناسب
    40) فإن كمّلت ماء العدود ونَشِّفت // وكادت على الوارد شحيح المشارب
    41) جود ابن جبرٍ للمنيبين عارض // تحادا إليه الناس من كل جانب
    42) قراحٍ غزير الجم سمحٍ وروده // فيّاض في جزل العطا والوهايب
    43) صخيٍّ نخيٍّ اريحيٍّ مجرّب // حبيبٍ لبيبٍ للشكالات طالب
    44) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما ظهر نجمٍ وما شيف غايب
    ولما توفي محمد بن أجود بن زامل قام مكانه ابن عمه صالح بن سيف بن زامل. وفي حدود عام 922هـ ثار مقرن بن زامل بن أجود على خاله وابن عم أبيه صالح بن سيف وانتزع الأمارة منه وظل الصراع قائما بين الإثنين حتى استشهد مقرن في حروبه مع البرتغاليين عام 927هـ أثناء وجود صالح في بلاد الشام. ويعتقد كثير من المؤرخين أن مقرن هذا ابن لأجود لكن الدكتور الحميدان (1980: 67-70) يقدم أدلة قوية على أن مقرن ابنٌ لزامل وأن أجود جده لا أبيه.
    وبعد مقرن حكم عمه علي بن أجود الذي لم تطل إمارته أكثر من شهر وأعقبه ابن أخيه ناصر بن محمد بن أجود. (الحميدان 1980: 83-84). وحكم ناصر لمدة ثلاث سنوات أعطى بعدها الأمارة بيعا لقطن بن علي بن هلال بن زامل في حدود عام 930هـ. وبذلك خرجت سلطة الجبريين من بيت السلطان أجود بن زامل إلى بيت أخيه هلال بن زامل. ولم تزد مدة حكم قطن بن علي أكثر من سنة ثم خلفه أحد أولاده الذي تنازل بدوره عن الحكم بعد فترة وجيزة وسلم السلطة لابن عم والده قضيب بن زامل بن هلال بن زامل الجبري. (الحميدان 1980: 83-84). ولعل تخلي ابن قطن عن الحكم تم وفق اتفاق بينه وبين قضيب يأخذ قضيب بموجبه الأحساء في حين تبقى عمان في قبضة أولاد السلطان قطن الذين ظلت لهم سلطة قوية هناك ولمدة طويلة. (الحميدان 1995: 81). وقضيب بن زامل هذا هو الذي مدحه عامر السمين بقصيدته المنشورة في الجزء الأول من مجموع عبد الله بن خالد الحاتم خيار ما يلتقط من الشعر النبط (1952: 61-63). يقول مطلع القصيدة والتي سنوردها كاملة فيما بعد:
    أنا اتكالي على ذي القوة العالي // ربي سنادي واعتقادي بآمالي
    بقي أن نزيل ما يكتنف اسم قضيب بن زامل من لبس. فقد ورد عند آل عبدالقادر والجاسر وابن عقيل باسم غصيب نتيجة ما ورد من تصحيف أو تحريف في الاسم في مخطوطات الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحج وطريق مكة المعظمة الذي ألفه الشيخ عبدالقادر الجزيري. والدكتور عبداللطيف الحميدان متردد بين قضيب وغصيب. وفي تحقيقه لمخطوطات الدرر الفرائد المنظمة اعتمد الشيخ حمد الجاسر لفظة غصيب بدلا من قضيب لكنه أشار في الهامش إلى أن الاسم يرد في مخطوطة جامعة ييل Yale بصيغة "القضيب" (الجزيري 1403: 1728). وما نجده مثبتا في مخطوطات الربيعي وابن يحيى والعمري، وعند عبدالله بن خالد الحاتم أيضا، هو قضيب. وتتفق مخطوطات الشعر النبطي على أن قصيدة عامر السمين المسماة الدامغة قيلت في مدح قضيب بن زامل، وأن قصيدة الكليف في مدح مقرن ولد قضيب، وحينما يرد الاسم في هذه القصائد يرد مكتوبا قضيب. هذا التكرار بهذه الصيغة الموحدة ينفي إمكانية التصحيف ويؤكد أن الاسم الصحيح قضيب وليس غصيب. وقضيب من الأسماء الشائعة في نجد حتى يومنا هذا. فعائلة القضيبي من العوائل المعروفة في القصيم. وهناك شاعر معروف من منطقة الجوف اسمه قضيب راع الطوير الذي عارض مهلهل بن شعلان في أحد قصائده.
    وفي عام 931هـ استولى حاكم البصرة وشيخ المنتفق راشد بن مغامس بن صقر بن محمد بن فضل على الأحساء والقطيف وأنهى حكم الجبريين هناك. وربما يكون صالح بن سيف بن زامل هو الذي استنجد بالشيخ مغامس لانتشال الإمارة من قضيب لكنها ضاعت من الاثنين. (الحميدان 1995: 82-83). وهكذا انطوت صفحة الجبريين في الأحساء ودخلت المنطقة فترة يسودها الغموض والاضطراب.
    وخلافا لما يقرره كل من الشيخ حمد الجاسر والدكتور عبداللطيف الحميدان من انتهاء دولة الجبريين على يد قضيب بن زامل، يرى ابن عقيل في الجزء الأول من ديوان الشعر العامي بلهجة أهل نجد (1402:66-69، 75-83) وفي كتابه أنساب الأسر الحاكمة في الأحساء: القسم الأول (1403: 242-291) أن مقرن بن قضيب بن زامل الذي مدحه الشاعر الكليف (عند الحاتم والنفيسة والجليف عند الربيعي وابن يحيى والذكير ومنديل) بقصيدته المسماة الدامغة (الحاتم 1952، ج1: 55-59) استرد حكم الأحساء من آل مغامس واستمر حكم الجبريين حتى نهاية القرن العاشر حينما انتزع الأتراك حكم الأحساء منهم. وكان آخر حكام الجبريين، حسبما يرى ابن عقيل، هو منيع بن سالم، ممدوح الخلاوي. ويورد ابن عقيل على ذلك شواهد وجيهة منها تحليله المتبصر لقصيدة الكليف فيما يتعلق باستعادة مقرن بن قضيب الحكم من آل مغامس، ونص وجده عند عباس العزاوي في كتابه عشائر العراق (1965، ج4: 78) فيما يتعلق بمنيع بن سالم. ويتفق رأي ابن عقيل مع إجماع المؤرخين القدامى مثل الفاخري وابن بشر وابن لعبون وابن عيسى الذين يقولون بأن العثمانيين استولوا على الأحساء بعد أن ضعفت دولة الجبريين مع تمام سنة الألف هجرية. وهذا خلافا لما يراه الشيخ حمد الجاسر من أن الأتراك انتزعوا الأحساء من آل مغامس سنة 963هـ. وحول هذه الفترة الغامضة من تاريخ منطقة الأحساء لا غنى للقارئ عن الرجوع إلى الفصل الثاني من كتاب بنو خالد وعلاقتهم بنجد للأستاذ عبدالكريم بن عبدالله المنيف الوهبي (1410: 109-145).
    وهكذا فإن آخر شاعر من شعراء الدولة الجبرية يصلنا إنتاجه شاعر تكتب بعض المخطوطات اسمه الكليف وبعضها تكتبه الجليف. وأرجح أن اسمه الصحيح هو الكليف؛ وربما أن النساخ النجديين كتبوا الاسم بالجيم بدلا من الكاف محاولة منهم لمجاراة نطق الكاف عند أهل الأحساء والبحرين، وهو نطق قريب من الجيم. وهكذا فإنه من السهولة أن تصحف الكاف إلى جيم مراعاة للنطق ولكن ما من سبب يدعو إلى قلب الجيم إلى كاف، ولهذا أرى أن الاسم الصحيح بالكاف لا بالجيم. ولا ندري هل الكليف اسمه أم لقبه. وقصيدته على بحر الرجز في مدح مقرن ولد قضيب تنيف على مائة بيت وهي من أجود قصائد المدح في الشعر النبطي. وهو إذ يمدح مقرن في قصيدته إلا أنه يخاطبه مخاطبة الند للند ويسدي إليه المشورة والنصح ويعرض عليه المساعدة المالية. وليس في القصيدة أي أثر للتكلف أو التزلف أو الاستجداء. وهو يحذره من مصافاة العدو وممالأته حتى لو رأى البشاشة في وجهه ويقول إن عدوك يضحك لك ريثما يتدبر أمره في الكيد لك. هذه البشاشة الخادعة يشبهها الشاعر بالسراب أو الماء الصافي في بئر غير محكمة الطي ورخوة الجوانب. حينما يرد الظمآن طمعا بهذا الماء البارد تزل به قدمه حالما يصل حافة البئر وقبل أن يدرك نفسه وينجو تزل قدمه الأخرى فيسقط في ماء البئر العميق وتنهار عليه جوانبها. تقول القصيدة:
    001) زهت الديارُ بحسنِها وجَمالِها // واستبشرت بالعز روس رْجالها
    002) وبها القلوبُ قد اطمأنّت بعدما // كثرت وشاة السوّ في نزّالها
    003) والغيث جاد به الحقوق وجرّرت // فيها مباكير السحاب اذيالها
    004) ورست بأمر الله بعد تزلزلٍ // طابت معيشتها وزان ظلالها
    005) واجرى بها الحق المقيم اقلامه // والجود حل بها وزال علالها
    006) وتجاوبن حلو القريض خرايد // بديارهم واهل الديار جمالها
    007) يزهن طردٍ للتشبب للفتى // شروى اجتوال الريم عند جفالها
    008) والحمد للمولى على إحسانه // على جميع وهايبه وافضالها
    009) ولّى إمامٍ في الديار وقد طمى // بالعلم بحرٍ من بحور ظلالها
    010) بالعدل واصلاح العشيره بعدما // كثرت وشاة السو بين رجالها
    011) وتزيّنت للغير فيها واثمرت // بنوايعٍ شاق الفؤاد احمالها
    012) بامرٍ من المولى وْوَفْقٍ طيّب // للدار من عقب اختلاف خلالها
    013) بمرابعٍ فيها الملا كم تقتدي // ما طاوع اشرار الملا وانذالها
    014) إلى غريريٍّ من اولاد المضا // راعي عطايا ما يِمِنّ جْزالها
    015) شيخ العشيره مقرنٍ زاكي الوفا // حمّال من جِلّ الخطوب ثقالها
    016) قد شاف بالأعمام ما لا يُرتضى // بالدار واقفى زاهدٍ باعمالها
    017) متسلّلٍ عن ديرته واصحابه // خوف القطيعه بالصديق وقالها
    018) حتى بقى الطرّاش يتعب بينهم // يسعى ويشكي ما جرى في حالها
    019) ويقال ياستر العشيره قد بقى // قطع بأيدي الظالمين وصالها
    020) فأجاب كالحر القطامي جارد // من شوفته زِرّيقةٍ يدعى لها
    021) حوّل محل الملك وانقادت له // أهل الشروق وغربها وشمالها
    022) بالسيف حل الدار كرهٍ والقنا // وبنى بيوت المجد فوق حلالها
    023) قاسى الملا وافى الحروب فكم وكم // لحقت به اصحاب الأمل آمالها
    024) قد نال من مال الكرام فضالها // خوف القضا بارواحها واموالها
    025) والمال مطروحٍ على وجه الوطا // ذهبٍ وحيوانٍ مَعَ دلالها
    026) وطرايف الشهوات في سوق المنى // ما تترك الا خوفةٍ من حالها
    027) من حكم مَلْكٍ عادلٍ في حكمه // وفيه القشر لمن مشى بادغالها
    028) وان طاح في دار العدا غمق السرى // غرّا يشوق الناظرين خيالها
    029) هرفي ووسميٍّ بشهرٍ كامل // نو السعود موافقٍ هطّالها
    030) وبقى نبات الأرض يزهى ربعها // وغطى النبات حزومها واطلالها
    031) إلى نشا فوق الحزوم مطارقٍ // يهتز نوّار البها ميّالها
    032) وامست به الفرقان شتّى همّل // عامين ما يطوى نشير اموالها
    033) واقفن عن سلفان قيس مخافةٍ // فيها الوحوش رواغدٍ همّالها
    034) فالى ذوى زاهيه واطّرد السفا // واوما على روس الروابي لالها
    035) ولعى على الما كل هيما خرعب // يجيبها عند الحنين طفالها
    036) ويجن من روس الفلاة ورّد // في لهفةٍ يشفى الضمير زلالها
    037) شرقيها الدهنا ومن غربيها // حدٍّ يحدّه شامخات جبالها
    038) وازينها والحي فيها قاطن // وسوامها ملتمّةٍ بظلالها
    039) هذا ولي عينٍ إلى طاب الكرى // وعيالها فيما عصت عذّالها
    040) والعين مني قد جرت عبراتها // ونعت زمانٍ بالسعود مضى لها
    041) وتذكّرَت عصر الشباب وما جرى // بمشاهدٍ ومنازلٍ طوبى لها
    042) والدار جامعة لحيي والنيا // ما فرّق اللاما وجذّ حبالها
    043) واقول والقلب المشيح مكلَّف // والنفس شاقيةٍ بما يعنى لها
    044) يابو مبارك لا بليت بسيّه // ياستر بيضٍ قد ذَهَلْنَ دَلالها
    045) يامنوة الخِطّار وان طَرَقت بهم // قودٍ من البيدا تحطّ رحالها
    046) يازبن تال المرهبين إلى جذت // بالبيض من رهق الخصيم جمالها
    047) في يوم هيزعةٍ وقد بحث الكدى // وجذت رجال الحرب دون اقوالها
    048) وقامت جياد الخيل تحجز بينهم // روس القنا وتناطحت بابطالها
    049) جواد عيّاف الدنايا مقرن // كرهٍ يقاضي والقتام جلالها
    050) بمتوّجٍ ياطول ما لحقت به // والعز والنوماس في غربالها
    051) متقلدٍ صافى الحديده صارم // شرثٍ الى ناش الضريبه شالها
    052) ومن القنا ثلث اربعين براسه // كالنجم يوضي بالظلام شعالها
    053) ومضافرٍ كالفهد وزن براسه // يشلق بذاك اليوم فيه رجالها
    054) بيمنى غريريٍّ من اولاد المضا // مرخص دبيل الروح عند قتالها
    055) ما تلحق السفها قصايا سدّه // يومٍ ولا كل الرجال تنالها
    056) فان كنت ذو حلمٍ وعقلٍ كامل // وطبيعةٍ تزهى بحسن جمالها
    057) فارتد لحكمك من حكومة غيرك // نورٍ على نورٍ يصير ازكى لها
    058) والفكر بالقالات قبل ورودها // باب النجاة إلى عطت باقبالها
    059) فالراي قبل الفعل أقدى للذي // يجزى صدور الراي عند اقبالها
    060) والمهلكات اعجاب إمر برايه // ودخوله القالات ما يعبا لها
    061) فان الغمايظ بالقلوب محلّها // والنفس ما تومَن على قتّالها
    062) قلته وانا اللي شايفٍ من قبل ذا // أشيا يكافي قصرها وطوالها
    063) ياما شفى غل القلوب من ابلج // يمشي على الدولات لاستزيالها
    064) ومجاملٍ بافواهه ان وهبت له // يومٍ دنا وادنات شيٍّ نالها
    065) وابعد عدوّك عن محلٍّ نلته // فالنفس لا بد البلا يغتالها
    066) واحذر عدوك لو تسيّد عندك // لو قال هاك من الوعود ثقالها
    067) واحذر عن ارماث العهود فإنها // دَرَك النفوس الى دنت آجالها
    068) واحذر عدوك لو صفى لك وجهه // حدّه برجوى حيلةٍ يحتالها
    069) يعطيك بالراحات أقوالٍ وهي // شروى سرابٍ طافحٍ في لالها
    070) وبشاشةٍ بالوجه مثل ركيّه // برّاقةٍ بالما هيارٍ جالها
    071) من دون ماها جاريٍ ومزلِّه // ما يامن القلب الذهين سلالها
    072) فإلى زْلِفَت رجلك وحل بها القضا // فادر ان الاخرى حالها من حالها
    073) واعرف بأن الطير سعده ريشه // وان قِص ما له حيلةٍ يحتالها
    074) وان قصّت اليمنى الشمال تحسّفت // وتندّمت يمنىً تقص شمالها
    075) ومن لا ينال معزةٍ برفيقه // نال المذله دِقّها وجلالها
    076) فان كان تبغي ملك هجرٍ صادق // فاضرب بحد السيف روس رجالها
    077) واجعل قديمي في محل مقدّم // واهل الشروقات استعن باموالها
    078) فان الممالك ما تجيك براحه // إلا بشيٍّ تاعبٍ محتالها
    079) وان ارجفت دارك وحل خذولها // وكثرت وشاة السو في نزّالها
    080) ما تركد الا عقب ضرب جماجم // بالسيف وايمانٍ هفت لوصالها
    081) وقطايع وقلايع ووقايع // وصرايع وصنايعٍ تبرى لها
    082) وصدايم وصرايم وعظايم // وغرايم وعزايمٍ تعبا لها
    083) وإلى بليت وعدت يومٍ خايف // من ميلة الدولات عقب عدالها
    084) اجعل مَعَ حرف الشريعه مثله // حرفٍ من الباطل يصير ازكى لها
    085) الحق في كتب النبي محمد // والسيف عن عيلاتها يبرى لها
    086) لا تحسب ان الخط في قرطاسه // يجري مداد الحبر فوق صقالها
    087) يهدي القلوب العايلات عن العيا // إلا ان يحل السيف في جهّالها
    088) فالى ايتفى حقٍّ وسيفٍ صارم // هدت العصاة وطاوعت عذالها
    089) ويتم حق المسلمين دروبه // بقرعٍ يدل عن العيا عيّالها
    090) كذا السفينه ما يزين مسيرها // الا بشد شراعها وحبالها
    091) ولا يِسْنِد العِيّال عن وهماتها // إلا القضا بارواحها واموالها
    092) والدار شروى زينةٍ معشوقه // كل البرايا مشتهين وصالها
    093) فان حازها بعلٍ غيورٍ حفظها // في موضعٍ ما رامها من نالها
    094) وان عدمت البعل الغيور تلطّمت // بعد الجمال الزين بازرى حالها
    095) وإلى وليت فكن حفيٍّ ريّف // فالنفس لا بد الإله يسالها
    096) واحذر محاسبة الإله بموضعٍ // فيه النفوس رهاينٍ باعمالها
    097) اعدل وخف ملكٍ عليك عقوبه // وانظر قداة السو كيف جرى لها
    098) خذ من علومي درةٍ مصيونه // لى كرّروها الناس صار ازكى لها
    099) تَمّت ولا من واعيٍ يسمع لها // إلا شقى في نظمها وعدالها
    100) مدحٍ وتشريفٍ وبذل نصيحةٍ // ما تختفي عند الرواة امثالها
    101) جت من فؤادٍ ناصحٍ بمحبةٍ // ما هوب محتاجٍ يريد نوالها
    102) إلا هديّة عارفٍ ومعوّل // لاهل الديار ورايفٍ في حالها
    103) وانا بحالات الصديق مساعف // إن شحّت اولاد العمام بمالها
    104) ما نيب من يعطي رفيقه قافي // إن صكّته دنياه عقب اقبالها
    105) إلا أقاضي في قفاه ووجهه // قرعٍ بشارات الندى وارعى لها
    ويعلق الدكتور عبداللطيف الحميدان على البيت السادس عشر بقوله "يفهم من ذلك أن بلاد الجبور كانت تحكم من قبل عدد من أعمام مقرن وأن حكمهم كان غير مرضي فحرضه الشاعر على الثورة ضدهم. ونحن نعرف من تقارير البرتغاليين أن إمارة الجبور الواسعة كان يحكمها ثلاثة من أولاد أجود فوصف الشاعر لهؤلاء الحكام بأنهم أعمام لمقرن دليل قوي على أن مقرنا حفيد لأجود وليس بابن له" (الحميدان 1980: 69).
    ولفهم معنى الشطر الثاني من البيت الأخير قارنه بقول بركات الشريف: انا ان عدت خصال الجود عني// تخير من معانيك القريعه. والقريعه هي الشيء النفيس الذي يقترعون عليه ويقع عليه الاختيار لحسنه وجودته. ونلاحظ في ثلاثة الأبيات الأخيرة أن الكليف يخاطب الأمير مقرن على أساس أنه صديقه ورفيقه. وأسلوبه في مخاطبة مقرن عموما يوحي بأنه من علية القوم ووجهاء المجتمع وأصحاب النفوذ، وإلا لما أسدى إليه المشورة وعرض عليه المساعدة وخاطبه مخاطبة الند للند. لكن على النقيض من ذلك، هناك قصيدة أخرى على البحر الهلالي نجدها في مخطوطات الربيعي وابن يحيى وفي الجزء الأول من مجموعة الحاتم (1952، ج1: 53-55) قالها الكليف في التحرق على والدته بعدما خرجت من بيته مغاضبة له وذهبت إلى بيت أخيه الصغير الذي يبدو أن علاقته معه هو الآخر لم تكن على ما يرام. فلو كان الكليف له ما توحي به قصيدته في مدح مقرن من قوة شخصية ومكانة اجتماعية وإمكانات مادية لما اهتز وفقد توازنه لهذه المشكلة العائلية البسيطة ولاستطاع السيطرة عليها وحلها قبل أن تتفاقم وتصل إلى ذلك الحد المؤلم. وهل يمكن أن يحظى بالقوة والنفوذ شخص أسرته على هذا القدر من التمزق ووضعه العائلي على هذه الدرجة من الهشاشة! يقول مطلع القصيدة:
    إلى الله أشكي ليعةٍ ما دري بها // جمارٍ ولا عند البرايا حكي بها
    وها نحن أتينا على ذكر ثلاثة من شعراء الدولة الجبرية والذين لم تحفظ لنا المخطوطات من شعرهم إلا القصيدة والقصيدتين. وهناك ثلاثة شعراء آخرون وصلنا لهم عدد لا بأس به من القصائد هم ابن زيد وجعيثن اليزيدي وعامر السمين. ونظرا لغزارة إنتاج هؤلاء الشعراء الثلاثة مقارنة بغيرهم من شعراء الدولة الجبرية فإننا سنفرد لكل منهم عنوانا مستقلا أدناه. وهناك شاعر سابع اسمه ابن حماد لم تحفظ لنا المصادر من شعره إلا قصيدة واحدة قالها ردا على أحد قصائد ابن زيد سنوردها في محلها.

    الجبرية image001.jpg



    مشجرة أمراء الجبريين: وضعنا أمام كل أمير رقمه التسلسلي والسنوات التي تولى فيها السلطة


    ابن زيد
    من أقدم شعراء الدولة الجبرية وأغزرهم إنتاجا شاعر يدعى ابن زيد لم أجد له ذكرا إلا في مخطوطة سليمان بن صالح الدخيل المعنونة كتاب البحث عن أعراب نجد وعما يتعلق بهم. وتورد المخطوطة عشر قصائد لابن زيد معظمها في مدح أجود وأبنائه. كما تطرق ابن زيد في قصائده لبعض الأحداث البارزة في تاريخ الجبريين وصراعاتهم مع مشائخ القبائل المعاصرين لهم وسجل عددا من الأسماء التي أرى أنها إضافة هامة إلى ما لدينا من معلومات شحيحة عن عصر الجبريين.
    وجميع قصائد ابن زيد على البحر الهلالي مما يوحي ببداوة قائلها. وهو شاعر فحل يفد على الملوك ويجيد نعت الناقة والوقوف على الأطلال والبكاء على الآثار الدارسة ويصف البرق وصفا جميلا وما يصحبه من سحب وأمطار. ونلاحظ أن الفصاحة بدأت تضمحل، وإن لم تنعدم تماما، في قصائده مقارنة بقصائد أبي حمزة العامري. ومن قصائد ابن زيد قصيدة وجهها إلى شخص يدعى كليب بن مانع والذي يبدو أنه ممن حاولوا مقاومة نفوذ أجود بن زامل الجبري وحدثت بينهم وقعة على مورد لينة هزم فيها أجود كليبا وأصحابه وأزاحهم عن ديارهم. ويرد في القصيدة عدد من الأسماء مثل سيف الذي قتل في المعركة وابن صلال وابن غزي وابن قشعم وآل عيسى وأبناء وثال. ويذكر مؤلف التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية في حديثه عن عشائر الأجود التي تقطن العراق في القرن العاشر الهجري أن بيت آل وثال من شيوخهم. (النبهاني 1986: 397). ونلاحظ أن ابن زيد يلقب أجود في قصائده بأبي سند؛ ولا ندري هل هذا مجرد كنية أم أن لأجود ابنا اسمه سند لم تسجله كتب التاريخ. وفي القصيدة يعرّض ابن زيد بخيل آل عيسى ويعيذها بالله لسرعة جريها لكنها تجري مولية الأدبار هربا لذلك لم تصب الرماح نواصيها وأصابت مؤخراتها، أو كما يقول "عيازهن". يقول ابن زيد:
    01) يقول ابن زيدٍ قول راعي مثايل // مقالٍ على كل الرواة مكاد
    02) فقل أيها الركب الذي قد تقلّلوا // على ضمّرٍ روحاتهن بْعاد
    03) إلى ما لفيتوا بالمطايا قواصد // شواغل من شكوى الحفا ولهاد
    04) فخصّوا بتسليمي كليب بن مانع // ومن لذوي دانيه عزا وعماد
    05) قولوا له ان الذم ما هوب واجب // والاعلام يحيا ذكرها ويعاد
    06) أثابك فيها الله حيثك ظلمتها // بشرٍّ إلى ما قلت هوّن زاد
    07) إن كان سيفٍ حان أو جاه يومه // ومِهّد في بطن الثرى بمهاد
    08) ما مات إلا عنك في كل لقوه // لكم عند زومات العدو سناد
    09) . . . . . . . . . . . . يومٍ بخيره // عليك بها يوم الوقيعه حاد
    10) طمعت وقلت القوم لاشٍ خلافه // وكلٍّ على ماضي قديمه عاد
    11) ومنّيت من يعطيك ميراث جده // وذا ظن من لا يختشي بغداد
    12) نَحَن غصّةٍ في كبد الاعدا مطيله // إلى قلت يبرا غلّها بك زاد
    13) تعوّض بقعا في بساتين مرغم // والاوطان في سوق العراق بلاد
    14) عدّاك ابن جبرٍ ياكليب وعادته // لشرواك عن عادي مقامه عاد
    15) وتنبيت ما لا تهتويه وسطوه // وشارات جودٍ ياكليب مكاد
    16) فخذ حَذَرٍ لو ما كنت راعي عداوه // مبينٍ فعذري في عداتك باد
    17) كما انك منكارٍ ولا فيك طيّب // وانت فبالشر الردي ستاد
    18) أطلب لك المهلا زمانٍ لعلها // معَ سالف انوًا قد مضين جياد
    19) فزادت لك المهلا علينا حماقه // وظلّيت مع راع الحماقه غاد
    20) واقفيت اذا ولّيت وازيت بعدها // عدوٍّ فضيّعت الجميل فباد
    21) أسالك بآيات القران وفضلها // وأم القرى والمرسلات وصاد
    22) والحرم الذي قبر فيه محمد // وبالله ان الله فيه سداد
    23) من المبتدي منا بالاحسان أول // ومن له مبدا بالثنا ومعاد
    24) فذا ذكرها قد جا لكم يآل مانع // والاجواد ما تدع الجميل زهاد
    25) لك الله تجزون الجميل بسايه // وبالمال ظني عن صخاه شْداد
    26) ترى ان كانت الميعاد لينه بيننا // فلا نرتضي من دونها بسداد
    27) ولينه ميرادٍ علينا مبارك // ولم يَفْدِنا من ورد لينه فاد
    28) وخلّيتها كرهٍ وخلّيت حولها // بيوتٍ على روس الرفاع تشاد
    29) قسمناكم اثلاثٍ فثلثين عندنا // وثلث ابن غزّيٍّ فراح بداد
    30) وجمع ابن صلالٍ قبيل ابن قشعم // عداه عن اسباب الملامه عاد
    31) وخانوا بنا أبنا وثال قصورنا // والادناس تدعى الخاينين رماد
    32) فقل لال عيسى عيذ بالله خيلهم // فهن مطاويعٍ وهن جياد
    33) صحاح النواصي عن شبا ذارع القنا // وسوم القنا بعيازهن جداد
    34) يرفّعن بالسيقان عن كل مايق // وهو بين طلاب الديون يقاد
    35) إلى قلت ردّوا واتّقوا دون مالهم // لكن بيد الطالبين جراد
    36) وان جاد خَطَرٍ قد تهيّا نباته // وقد سال بايام الربيع وجاد
    37) رعيناه بالشم المناعير والقنا // إلى عنه مذموم العشيره حاد
    38) بجمعٍ مضاويٍّ لكن حرابه // نجوم الدجى خطرٍ لقاه مكاد
    39) اهل شيمةٍ عليا ونفسٍ عزيزه // عن الدون ما شوفاتها بزهاد
    40) أبا سندٍ زبن المشافيق أجود // إلى ما غدى المستاخرين غواد
    41) وهو بحر الجودا وهو مغرس الندى // وراعي صخا من سالف وجداد
    42) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما سعى ساعي ونادى مناد
    ورد ابن حماد، شاعر كليب بن مانع، على ابن زيد بقصيدة طويلة يذكره فيها بمواقف كانت لهم الغلبة فيها على أجود وقومه. وفي الأبيات 38-42 يعدد ابن حماد خسائر الأعداء التي بلغت حسب ذكره خمسا وعشرين فرسا قتلوها وتسعين فرسا سبوها وخمسا وعشرين من القتلى بمن فيهم شخص أسماه زامل، وربما يكون واحدا من أمراء الجبريين الذين شاركوا في تلك المعركة. ويستطرد ابن حماد قائلا إنهم بذلك أخذوا ثأرهم بقتلاهم الذين سمى منهم عليان ومانع (الذي ربما يكون أبو كليب بن مانع) الذين يصفهم في البيت التاسع والثلاثين بأنهم مشاكيل القديمات، أي أعيانهم وقادتهم، مما يدل على أن قبيلة الشاعر، والتي هي قبيلة كليب بن مانع، هم القديمات. ويرد اسم القديمات كذلك في البيت السادس عشر. وكما سبق القول فقد ذكر أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري (700-749هـ) في كتابه مسالك الأبصار نقلا عن يوسف بن زماخ الحمداني أن القديمات (وبطون أخرى سماها) من بني عُقيل من آل عامر. (الجاسر 1401-1402: 779).
    01) يقول ابن حمّادٍ ومن لا يكوده // مثايلٍ تِرثى بالهجا وتعاد
    02) وتصفيف ما لا كان الا ظليمه // ورب الملا للظالمين سداد
    03) ولا اعتَزّ من قال الهجا صوب غافل // ولا نال من قال القبيح مراد
    04) فقم أيها الغادي على بنت حرّه // وسيعة ما بين اليدين سَناد
    05) مكلّفةٍ وجنا صبورٍ على السرى // تفزّز إلى طال المسير وزاد
    06) سرها وتلفي من عزانا جماعه // أهل مقفلاتٍ بالعدو جياد
    07) فعمهم التسليم مني وقل لهم // الاعلام فيها كاذبٍ وِوكاد
    08) لفاني بلا جهلٍ كتابٍ مورّخ // بذمٍّ وعندي كاغدٍ ومداد
    09) يقول ابن زيدٍ عيذ بالله خيلنا // فهن مطاويعٍ وهن جياد
    10) فأطوع منها خيلكم يوم دبّرت // وهن من اطراف الرماح شراد
    11) يرفّعن بالسيقان عن كل مايق // وهو بين طلاب الديون يقاد
    12) وهن شرودٍ عن لقانا كأنها // عليهن ركّابٍ وهن غواد
    13) فيامبلغ جاني سلامي عساكر // كما انه من روس الملوك وعاد
    14) يقول بيوت الشعر يبغي تِعِلّق // إلى نفرٍ سادوا عليه وباد
    15) وهو كان مثل النار في دار عامر // وصيّورها بعد الثقوب رماد
    16) فقد طحت في أيدي القديمات وايتلوا // زمامك ولا مِدّت عليك اياد
    17) ومن يهجي القوم الذي يخفرونه // عن الذبح مغزيٍّ بغير فواد
    18) وقولك سيفٍ مات منا وهو لنا // إلى شد للحرب العوان شداد
    19) فلا مات إلا عنك وآزيت عقبه // كما ثِمَدٍ ما عاد فيه معاد
    20) وقد كان باطراف الرماح على اجود // وسِلِم ولا من عقب ذيك يعاد
    21) وهو عقب ما قد داس فيكم جذت به // جواده ولا عرجت عليه جواد
    22) وترثي لك الحسنى علينا ومنكر // جمايل منها دارسٍ وجداد
    23) وإحداثك الخبثات جهرٍ وباطن // وشرٍّ إلى ما قلت هَوّن زاد
    24) توري بنصحٍ وانت راعي مناجل // معطّفة روس الرقاب حداد
    25) مدفّنْةٍ تحت الثرى جوف عنه // غتارٍ لمن يبغى يعود يصاد
    26) فاسايلك بايات القران جميعها // كما سلتني بالمرسلات وصاد
    27) وبالبيت وباللي يزار قبره محمد // على الطول ما زال الحجيج يعاد
    28) من المبتدي فيما ذكرت ومن بقى // يقاضى بسوٍّ فالسؤال يعاد
    29) ويوم شْراك التمر باغٍ طلوعه // ولا عادت الأحسا لكم ببلاد
    30) وعدّاكم عنها كليب بن مانع // وصار لحزمتكم فنا ونفاد
    31) وجبتوا كما جابوا زيادٍ لواهج // وغيره عن حر الوقيعه حاد
    32) جزيتوا كما جازا كليب بن وايل // فثيرٍ بشرٍّ قبل ذاك فباد
    33) واشركت في الأعلام شيخان عامر // تبادا وهم عما تقول براد
    34) نَحَن غصّةٍ في كبادكم كل لقيه // إلى ثار ريعان العجاج وكاد
    35) يشوقك منا خَزّ الابطال مالكم // يشَلٍّ وفرسان الغواة غواد
    36) ومن قبلة المطلاع فيكم وقيعه // لجا غِلّها باقصى ضميرك زاد
    37) ولما قضينا وارتضينا على اللقا // وزان القضا لي يابن زيد وجاد
    38) غديت وخلّيت السوام وزامل // يفوق على البيدا بغير وساد
    39) قتلوا مشاكيل القديمات عيله // بلا سببٍ ياعايلين عناد
    40) ولما قضيتوا وارتضيتوا وجيتوا // إلى القوم كفٍّ قاطعين عناد
    41) قتلنا لكم خمسٍ وعشرين سابق // وتسعين قَلْعٍ والعجاج ركاد
    42) مع خمسةٍ منكم وعشرين خِلِّيَوا // لطير الفلا والضاريات معاد
    43) يعودهم السرحان والنسر والحدا // وهم في صدور الناجيات جياد
    44) قضا في عليّانٍ وفي قتل مانع // والاقلاد تدعي الخاينين رماد
    45) وقولك بقعا في بساتين مرغم // والاوطان في سوق العراق بلاد
    46) نبايع فيها يابن زيدٍ ونشتري // من اموالكم ما هي لنا بِتْلاد
    47) نجيها مع فجاج الخلا وانت غافل // على ضمرٍ من مالكم وجياد
    48) على راي شيخٍ بالحروب مسلّط // يخلّي قراشيع الخصيم بداد
    49) كليب زبن الجاذيات ابن مانع // ومن له مبدا بالثنا ومعاد
    50) ان زدت زدنا يابن زيدٍ ولا لكم // علينا بترديد الحديث رشاد
    51) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما سعى ساعٍ ونادى مناد
    وبساتين مرغم في البيت الرابع والأربعين بساتين في الأحساء يقول فيها علي بن المقرب العيوني:
    فخير لعمري من بساتين مرغم // على ذي المجاري طلح نجد وشوعها
    وهذه أبيات يحذر فيها ابن زيد شخصا اسمه سليمان من مناوأة أجود ويذكره بفضل أجود عليه. وبعد استطراده في مدح أجود يختتم بالدعاء لدياره بالسقيا والسيول التي يصف قوة جريانها ودفعها للغثاء في قوله "تجر الغثا جر السكارى برودها" وهذه صورة قريبة جدا من النسج الجاهلي، خصوصا وأنه يستخدم الكلمة الفصيحة "برود" التي لم تعد مستخدمة في لغة الشعر النبطي. وهذا المطر من الغزارة بحيث أغرق الغزلان، فما بالك بما هو أدنى منها من الحيوانات مثل الأرنب والأفعى والضب.
    01) يقول ابن زيدٍ قيل باني مثايل // جدادٍ قوافيها غريبٍ عقودها
    02) فقل أيها الركب الذي قد تقللوا // على ضمرٍ من عيدهيّات قودها
    03) فردّوا سلامي يَمّ قومٍ تجمّعوا // كما جمّعت عجمان سندٍ لبودها
    04) حذاري حذاري ياسليمان لا تكن // فراشة نارٍ حين جاها وقودها
    05) ولا تنس جزلات العطايا من اجود // إذا نسي جزلات العطايا جحودها
    06) فياويل كل الويل من حارب اجود // إلى جر من روس البوادي جنودها
    07) ونادى المنادي للرحيل ودِنّيَت // بليهيّةٍ مثل البنايا حيودها
    08) يدنين لامثال البدور ملايح // لكن ذيول الدهم ضافي جعودها
    09) إلى ما رْكِبن الزمل هللن رغبه // إلى الله ما فاجا المعادي سدودها
    10) فما وِلْد من عصر النبي محمد // ولا أرضعت بيض العذارى نهودها
    11) بأفرس من ستر العذارى ابن زامل // إلى ذل من سادات قيسٍ بنودها
    12) جواده عرجا والمناعير كنها // قصاصيب نضح الدم كاسٍ جلودها
    13) سقى كل ما حلّوا من الأرض مرزم // ألكن دياميم المصاري رعودها
    14) مقتّلة الغزلان صادقة الحيا // تجرّ الغثا جر السكارى برودها
    15) حقيقٍ بها من أرض ما ينزل اجود // أبا سندٍ سلطان قيسٍ عمودها
    16) كفى الله ذاك الوجه حر جهنم // إلى أسعرت وآزى حديدٍ وقودها
    17) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما مضت بيض الليالي وسودها
    وفي قصيدة أخرى يطلب ابن زيد من نبيط بن ثابت أن يخلي دياره التي استولى عليها أجود ابن زامل معاقبة له على انحيازه إلى جانب أعداء أجود ومصاحبته لهم. يبدأ القصيدة بالوقوف على الأطلال ثم يستطرد في وصف الفلوات وما يسكنها من الوحوش والظباء. ويصف سرعة النعامة "سبرتات من الربد" بأنها تفوت الخيل لفرط نشاطها وجودة المراعي التي ترتادها ولأنها "مقلات" لا يحيا لها ولد فينهكها برضاعه، وأنها لكبرها صار جلد أشداقها يشبه الجلد في "مواخير المواشي" أي مؤخرة البعير وما حول استه. سور هذه الديار وحاميها هي القنا والسيوف والخيل التى يدافع بها أهلها عنها. ويقول ابن زيد بأن تلك الديار هي أرض أجود وعلى نبيط أن يتركها ويبين عنها. وربما نستدل من ذلك على أن الجبريين في ذلك الوقت لم يقطعوا صلتهم بالبداوة والصحراء وحياة الرعي. فهو يقول في آخر القصيدة إن أجود يشتو الدهناء ولا يذهب إلى الأحساء إلا وقت جني التمر. وهذا ما كانت عليه حال بعض قبائل البدو حتى عهد قريب، وهو ما يسمونه "المحضار" والفعل "يحضرون".
    01) يقول ابن زيدٍ قول من شدّ ضامر // جماليّةٍ من عيدهيّات نوقها
    02) زفوفٍ زهوفٍ عجلةٍ مستمانه // من الهجن وجنا طيّباتٍ خْلوقها
    03) على ربع دارٍ دارسٍ غيّر البلى // وذكرى ليالٍ طيّباتٍ وفوقها
    04) خلا الربع إلا من ثلاثٍ كوانف // لعرفانها عيني سريعٍ رموقها
    05) من الرخمات السمر لما ان عرفتها // وصحبي على قودٍ قليلٍ رفوقها
    06) ربعت لها من راس عنسي وعبرتي // على ملثمي بالما سريعٍ دفوقها
    07) من انكاري الدار الذي غيّر البلى // جباها وكثّر في حياها حقوقها
    08) لوا شارع الصمان في حبل مشرف // سقاها بهتّان الزبانا صدوقها
    09) مقتّلة الغزلان صادقة الحيا // يشق الدجى نور السنا من بروقها
    10) من الشعثميّات الذي تحجز اللوى // إلى الزرق واليتم المغاني حقوقها
    11) عددت لها من يوم هجراني اهلها // ثمانٍ وتغيير الليالي خلوقها
    12) وتجفيل عنها كل بيضا من المها // لكن سحيق النيل يحشى بموقها
    13) لها معدنٍ في قرب حزوى ومسكن // عن القيض في برد الثرى من عروقها
    14) وكل سبرتاتٍ من الربد هرقل // يكود على جرد السبايا لحوقها
    15) من الشري والمرخ الذي جاده الحيا // ويروّي انوار الخزامى فروقها
    16) مرفّعةٍ مقلاة رالٍ لكنها // من الكبر قفيات المواشي شدوقها
    17) لدى ديرةٍ معمورةٍ سورها القنا // ورزقي أسباب المنايا فتوقها
    18) وكل غصينيٍّ وشعوا سريره // وردى دَهَرٍ مات العدا عن ذلوقها
    19) تبيّن عنها يانبيط بن ثابت // فلا عقب صحباك المعادي تذوقها
    20) فهي دار من يقري ويذري وينتخي // ويِدّي عليها بالهوادي حقوقها
    21) أبا سندٍ حرج الجواد ابن زامل // إلى جذّبوا شرثاتها من لحوقها
    22) وافى الذرى ما خان يومٍ عميله // والاعلام تلفي غربها من شروقها
    23) ولا طاوع البوقات في مال جاره // والاقلاد ما تلفي إلى من يبوقها
    24) جزيل العطا ما يسرق الليل علمه // بخلفٍ من اوعادٍ قليلٍ وثوقها
    25) سريع القِرى عيد المقاوى إلى ضووا // على رخص بقعا أو على عِسِر سوقها
    26) يحل بها الدهنا إلى جاده الحيا // والاحسا إلى طاب الجنا من عذوقها
    27) عوى حين حاربت المعادي لحربنا // سراحين صوتٍ مخبثاتٍ وفوقها
    28) وجاد بها غضفٍ على بيت بوقه // عكالين من دغم الجعارا وطوقها
    29) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما أضا من مزنةٍ في بروقها
    وذكر في القصيدة من المواقع حزوى وهو موقع معروف في الدهناء ذكره ياقوت نقلا عن الأزهري الذي مر به حينما كان أسيرا عند القرامطة وأثبته في تهذيب اللغة، ويوجد الآن موقع جنوب الشملول يسمى زبارة حزوى. كما يذكر حبل مشرف الذي لم أعثر له على ذكر في المعاجم لكن يبدو أنه يقع أيضا في الدهناء بالقرب من حزوى لأن الشاعر حينما يذكر الموقعين يذكرهما معا كما في القصيدة التالية التي يذكر فيها أيضا رماح الذي أصبح الآن بلادا عامرة للجمالين من قبيلة سبيع. ويرد في أشعار جرير والفرزدق والأخطل وذي الرمة ذكر المكانين مشرف وحزوى في سياقات تدل على أنهما قريبان من بعض وأنهما يقعان في الدهناء. وفي معجم البلدان لياقوت الحموي يرد موقع باسم مشرف ومكتوب بعده إنه جبل. ولعل كلمة "جبل" محرفة عن "حبل"، كما ورد في القصيدة السابقة، وكلمة حبل كلمة فصيحة وعامية تعني ما طال من الرمل وامتد كالحبل.
    والقنص هو موضوع الأبيات التالية ومعلوم أن رماح مشهورة منذ القدم بجودة مائها ووفرة ظبائها. ومثلما تغزل أبو حمزة بأميم يتغزل ابن زيد بحسنا. وبعد أن يؤكد حبه لحسنا يشيم البرق على ديارها ويصفه وصفا جميلا. ثم يخرج إلى وصف المغاني والديار والفلوات التي سيسقط عليها المطر والمراعي التي ترعى فيها الخيول التي في يديها تحنيب "حجنات الأيدي" والنوق الممتلئة ضروعها بالحليب "اللقاح الغدايق". وفي الأبيات الأخيرة وصف للفهد الذي كان ما زال يستخدم للصيد على زمن الجبريين. ويلاحظ ورود صيغة المثنى في "خليليّ ما لا تقعداني" في البيت الثالث، ولا ندري هل كانت هذه الصيغة موجودة في لغة الناس اليومية أيام ابن زيد أم أنه متأثر بالشعر الفصيح وقواعد الفصحى.
    01) أرى الحب بالهجران يمحي ويمتحي // وحبي لحسنا طول الايام عالق
    02) تصرّف أنواء القلوب ولا أرى // نصيبي من اذكاري لحسنا مفارق
    03) خليلَيّ ما لا تقعداني فقد سرى // على ربع حسنا والسباقين بارق
    04) سرى من مغيب الشمس ياضي لكنه // وجوه العذارى طايحات البخانق
    05) تروى بثوب الليل ثم يشقّه // سنا بارقٍ يغشى عيون الروامق
    06) أقول والانضا بين ملك ابن جوذر // وبين الصفا شروى خفاف الزوارق
    07) عدا لي ولي في رب ملك ابن جوذر // عهودٍ معاطيب الكرى ما يفارق
    08) أرى البين من ذا اليوم وارى زناده // لعزل النيا بعد اجتماع الخلايق
    09) فياليتي ادري من رعى حبل مشرِف // ولو كان لي بعد المدى عنه سابق
    10) ومن نازلٍ حزوى إلى جاده الحيا // ومن ينزف الما من فلاة الدفايق
    11) ومن يشرب الما من رماحٍ ويعتفي // لحجنات الايدي واللقاح الغدايق
    12) مراتع عين الجازيات الذي لها // مكانس الارطا بالحبال الدقايق
    13) على مستمانٍ ضافي العضد ضامر // بها ليّن الضبعين دام المرافق
    14) كتوم الرغا دبرٍ بالاوقاف وان هوت // عليه العصا والاه دومٍ يسارق
    15) مطيّة مهمومٍ بالاقناص مولع // خبيرٍ من اولاد الحلال الوثايق
    16) إلى شاف ميضاحٍ من الريم كنها // عليهن من عالي قلال الشواهق
    17) يظل بنمرا زينة القوف جسره // على الصيد مرجامٍ حقوق الطوارق
    18) سماويةٍ نمرا لكن صفاتها // إلى حق من هدّاتها بالحقايق
    19) على الصيد عرجونٍ قد اهفاه صارم // من اكناف بعض الصافنات البواسق
    20) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما هملٍ وبل وما ذَرّ شارق
    وهذه أبيات قالها ابن زيد يمدح فيها زامل ولا ندري هل المقصود زامل مؤسس الدولة الجبرية أم أحد أحفاده. وقد يوحي البيتان السادس والسابع أن المقصود هو زامل مؤسس الدولة الجبرية. ونراه في البيت الثامن يمدح زامل برجاحة العقل حيث يرضى بحكمه كلا الخصمين. ويصفه في البيت التاسع بالشجاعة وحسن القيادة والتدبير فهو بمئتي رجل يستطيع أن يهزم ألفا من الرجال.
    01) يقول ابن زيدٍ قيل راعي قلايص // إلهن بالاوزا لا يزال مهين
    02) حراجيج من لكد العراقيب ضمّر // عليهن عادن السرى بقرين
    03) بفلاةٍ إلى ما جين خبتٍ عقنقل // كما غاص في لج البحور سفين
    04) ولما ان وردنا منهلٍ عافي الجبا // مع الفجر قد عاد الهدان يكين
    05) ضعاين لولاهن كنا علاقه // مع البدو نغبى تارةٍ ونبين
    06) ضعاين يتلين الغريري زامل // لكن جما حرجاتهن عرين
    07) على راي ملكٍ من عقيلٍ مجرّب // لتالي المعايا الجاذيات ضمين
    08) يتالين شيخٍ شرعبيٍّ مجرّب // نباه لكل الفيّتين يزين
    09) يتالين فصّالٍ على القوم نادر // على الالف بحد المايتين يكين
    10) عذي الردى ما شرب باقداح مسكر // ولا بات من تردادهن رهين
    11) ولا كنفت معه الغواني ولا صبا // لهن ولا صافى لهن خدين
    12) بلا حيث ياتينا من الضد غاره // وعاد لزمل المحصنات قرين
    13) فهو فارس الهيجا وراعي فصايل // برمحه ذا مقتول وذا طعين
    14) وصلوا على خير البرايا محمد // صلاةٍ بها رب العباد يعين
    وهذه قصيدة وجهها ابن زيد لمحمد بن أجود الجبري ويبدو من البيت الأخير أنه يلتمس منه العذر لأمر بدر منه ويتحدث فيها عن وشاة السوء. لاحظ ورود صيغة المثنى مرة أخرى في "ياخليليّ"، "عينيّ"، "ياصاحبي"، "كليهما"، "اهتديتما".
    01) لمن ربع دارٍ بين الاجلاد واللوى // محا النقش من آثارهن العلايم
    02) من اطلالها هوج الذواري روايح // من الغيث هطّال انسكاب الغمايم
    03) فأبلى خلاف العهد مني جديدها // تقافى بها مر الجديدين دايم
    04) لها أنكرت عيني لولا ان حايلي // رهينٍ لمن قد حل فيهن هايم
    05) بذكراي فيها يوم والبين لم يكن // علينا بدا منها الأمور العظايم
    06) وعين الجفا عميا والايام وصلها // جديدٍ وعنا صرف الاحداث نايم
    07) الى كل ما غطّى حمى مظلم الدجى // فضا الأرض باذيال السواد الجهايم
    08) وغطى الجفا الاعيان عني تكفكفت // سعاة الوشايا ناقلين النمايم
    09) والافلاك ذا بادٍ وهذاك غايب // سريت لمنزل قانيات الوشايم
    10) فواتٍ على عهدٍ على كون غِرّه // قتيلٍ على مسعى طريق الظلايم
    11) سباه الهوى والشوق والصد والقلى // والاعراض مفتوكٍ قليل الجرايم
    12) سباني ورمّان الصدود غصونه // فراشٍ ويشرب من قراح الوشايم
    13) فقلت لماموني خضيرٍ ومالك // ودمع نظير اجفان عينيّ نايم
    14) ألى ياخليلَيّ الذي لي كليهما // عضيدٍ على كل الأمور العظايم
    15) وياصاحبَيّ الناصحين اهتديتما // إلى الرشد واقبال الغنى والغنايم
    16) عسى في بقايا لذّة العمر لي بها // تعود الليالي بالذي كنت رايم
    17) ونهنا بما قد سرّنا منه والمنى // بمن بان عنا عقب ذا لي يلايم
    18) فلما ان بدا لي منهما راي ناصح // وشب فؤادي باستعار اللوايم
    19) دع الشوق فالدنيا معاشٍ ولا بها // سوى الله يامعدوم الاريا بدايم
    20) ولذ عن تصاريف الليالي الى عشى // لك الدهر أو أمسى لك اليوم ظالم
    21) لمحيي ندى الجود ابن جبرٍ محمد // بنيل المعالي والعطايا الجسايم
    22) نتاج اجودٍ محيي ندى ميّت الثنا // على الصغر من قبل ان يلوث العمايم
    23) أبا قاسمٍ باني بنا الجود والصخا // نهى الجود مروي من عداه العلايم
    24) وحاوي جميلات المعاني جميعها // وهي كان من بين البرايا قسايم
    25) حمى في ضحى الهيجا والارياق لغب // . . . . . . . . . . . . . . .
    26) وهي من حتوف البين شتى طرايد // تواغل مطلع الثنايا هذايم
    27) طريحٍ طوى حبل الرجا من حياته // من اسباب ليعات الردى غير قايم
    28) وبالجود جودٍ لا تزال جفانه // تعادا بها حسك . . . . . . . . بالولايم
    29) ويامن لجل المال بالجود بايع // وللروح في يوم التهاويل سايم
    30) سهيلٍ علا للناظرين وقد بدا // . . . . . . . . . . . . البوادي علايم
    31) ولاح من القيزان ما كان مقتم // وشام عن اوطان القرى كل شايم
    32) ولا غير هذا لي إليكم وسيله // ومثلي حقيقٍ بالرضا والحشايم
    وفي القصيدة التالية يمدح ابن زيد هلال ويتحدث عن مغازيه وتوغله في بلاد عمان وحضرموت واليمن. وهذا خلافا لما ذكره المؤرخون من أن سيف بن أجود هو الذي أخضع عمان لحكم الجبريين. (الحميدان 1980: 66-67). والراجح أن هلال، الممدوح، هو أخو أجود والذي خلف من الأبناء زامل وعلي. أما زامل بن هلال فإنه والد قضيب، ممدوح الشاعر عامر السمين، وجد مقرن بن قضيب، ممدوح الشاعر الكليف. أما علي بن هلال فإن ذريته هم الذين استأثروا فيما بعد بحكم عمان ومنهم قطن بن قطن الذي سنأتي على ذكره. تقول القصيدة:
    01) ألى لا أرى حيٍّ تدوم حياته // ولا إلفٍ الا عن أليفٍ مفارق
    02) ومن عاش بالدنيا يرى ما يشوقه // إلى سِلِم منها أو يرى غير شايق
    03) وكلٍّ إلى ما ياذن الله صاير // والافلاك فيها بين تالٍ وسابق
    04) محى الله من يرضى بما ليس يرتضى // ومن يتلافا بالمعان الرمايق
    05) ومن يامن الدنيا ومن يامن اهلها // إلى كان من ذات القلوب الحذايق
    06) صبرت الين الصبر نهّى وانقضى // بالاسباب ما لا يستطيق العلايق
    07) فلما جرى لي قد جرى لي وساقني // عن الدار فيما ياذن الله سايق
    08) بالاكراه من غير اختياري وقد جرى // وحقّت بالفرقا علينا الحقايق
    09) إلى بان إجنافٍ على غير زلّه // وقالوا لي المستامنين الوثايق
    10) إلى الدار فاتتك الحمايا من اهلها // فبعها وودّعها وداع المفارق
    11) فقد نبحت من كل قومٍ كلابها // خيالك بآثار الأمور العوايق
    12) لك الله إن عزلت قلوصي لنيّه // على الرشد جرّتها على من توافق
    13) وقلت وقد بان الذي بي لخلتي // على حَضَرات الناظرين الروامق
    14) أياناق خبّي واقصدي بي لخيّر // جزيل العطايا بالسنين الشفايق
    15) أبو كل معروفٍ بالايمان والتقى // هلالٍ إلى عام القسا منه طارق
    16) ذرى كل مضيومٍ وراعي فضايل // مديبٍ على كل المروّات صادق
    17) عطيفة أبطال المناعير باللقا // وزبن الدنايا في قحوم المضايق
    18) ومن ليس يبقى عند الاعدا مجاره // رميٍّ ولا صافى لزانٍ وسارق
    19) مشامي إلى عَدّى منامي هواجس // لطافٍ وما قد قدر الله سابق
    20) صفى دونه الما لى هفا منه مرتب // ولا شيّنته المهلكات الطوارق
    21) وقالوا تعدّى حضرموتٍ وقاده // وساقه على ما ياذن الله سايق
    22) لميراد صنعا أو زبيدٍ وفتّحت // مَعَ وجهه ابواب الحصون الغوالق
    23) وناست عني منه الاعلام وانطوى // ضميري على شروى ضريم الحرايق
    24) ولاهٍ على سلطان قيسٍ وخافه // من اسراف طلاب الجنايا الحنايق
    25) جفلت ارتياعٍ مثل ما فز جازي // قد اعتان ألواح الضرا والزواعق
    26) قد ازعجه الا أن يعيد الذي جرى // عليه وذلك من بنانيه سابق
    27) إلى بجوا الما من خفاف الى علا // على من بنات الما خفاف الزوارق
    28) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما همى وبلٍ وما لاح بارق
    بالإضافة إلى قصائده في أمراء الجبريين ورد لابن زيد قصيدتان إضافيتان في مخطوطة سليمان الدخيل أحدهما في مدح ناصر ابن قشعم والأخرى في مدح شخص سماه مرة عدي ومرة ابو محمد. والقشعم قبيلة قديمة يظهر اسمها في التاريخ منذ سنة 795 حينما كلف السلطان الظاهر برقوق الأمير ثامر بن قشعم بكف أذى نعير أمير الفضول في بوادي العراق والشام. وهذه القصيدة قالها ابن زيد في مدح ابن قشعم الذي يلقبه فيها بالملك ويصفه بالكرم. ويذكر الرحالة البرتغالي بيدرو تيكسيرا Pedro Teixeira الذي زار النجف وكربلاء عام 1604م أن المنطقة كانت خاضعة للنفوذ العثماني إلا أن الكلمة النافذة كانت لناصر بن مهنا القشعمي الذي كان يعد نفسه ملكا، وإن كان يدفع الإتاوة للأتراك الذين يحكمون العراق. وفي البيت الثالث عشر يعبر ابن زيد عن أمله في أن يحالفه التوفيق وتكون هبته من ممدوحه خيلا أصيلة طويلة الأعناق "طوال العلابي". وفي البيت الرابع عشر يصفه بأنه شميمي وقشعمي، وهي صفات تشابه قولهم غريري وضيغمي. وهو يمدح ابن قشعم بكثرة مغازيه وسبيه لمال الأعداء وأذوادهم حتى عاد من غزا معه من أصحابه وجيرانه يسوقون الغنائم إلى أهليهم. لاحظ إشارته في البيت الثالث إلى أنه أملى قصيدته على كاتب.
    01) يقول ابن زيدٍ قيل باني مثايل // جداد البنا للفاهمين تشوق
    02) أكنه عن مدحي للاوباش رفعه // مخافة ميرادٍ على زلوق
    03) وقمت إلى قرطاسةٍ بيد كاتب // وعودٍ شفا ماء المداد نشوق
    04) وعدّيت باصحاب المروّات ما بهم // بلحنٍ على فعل الجميل سبوق
    05) كبار العنايا كم سبوا من قبيله // على عجلٍ والملبسات رفوق
    06) وكم قاد لارقاب العدا من جريره // لفى الجار منها والصديق يسوق
    07) وكم فوّضت في مال قومٍ على النقا // جهاجيل مالٍ كالهضاب تشوق
    08) فياقازيٍ منا على وسق ضامر // كما انساق في لج البحور دنوق
    09) فيابشرٍ إن قابلت نزل ابن قشعم // صليلٍ وصرناجٍ حذاه زعوق
    10) وقابلت مَلْكٍ شرّف الله وجهه // جزيل العطا واف الذمام صدوق
    11) أجاره ربي مدة العمر والبقا // وساعفه المولى بطيب وفوق
    12) وهذا وكيدٍ تتقي الخيل ناصر // بها الخيل عن روس الرماح دروق
    13) جزيل العطا واف الذمام ابن قشعم // طوال العلابي من عطاه وفوق
    14) شميمي الاوزا قشعميٍّ مجرّب // كما السيف من بطن الجفير دلوق
    15) ومن يحتنيها حنية الشبل قفوهم // وهن بلباس الدروع مروق
    16) شبيهه حرٍّ جا من البحر ناهض // تقوده غرا مزنةٍ وبروق
    17) دوارع برقٍ غب حومة الضحى // بالاقناص ربدٍ فِقّعٍ وفروق
    18) إلى أملط العليا عليهن جابهن // كما النجم يِتّقد الشرار سحوق
    19) وحل بهن شلعٍ وطرحٍ وعادهن // من الموت عجلات الهزيم شفوق
    20) وحط له الطرّاح خيطٍ وباشق // وجاهن وهو ما لهن يذوق
    21) وصاده بجنحانٍ وداج بها الفنا // كما يرتجي راع الجلوبه سوق
    22) فجا عند قناصٍ منيلٍ وعاد به // بالاقناص لا رفضٍ ولا بفهوق
    23) غريمٍ لتيسٍ قد نزا من جريمه // يريبه مذروب الجناح لحوق
    24) بوجه التلاقي والتلاقي مشيحه // فياطال ما دَمّى لهن شدوق
    25) إلى من قَنَص يومٍ وقد عاد بينهن // خلاطٍ على حفّانةٍ وعقوق
    26) فصيده عشرٍ مع ثمانٍ وروّحوا // على الكف مذروب الجناح لحوق
    27) عشاهم من يمناه ضمنٍ الى لفوا // ولاولادهم مما يصيد حقوق
    28) خضيب يدٍ مسموم الاظفار غيهب // لكن بعينيه السراج علوق
    29) لكن شعيل الزند يوضي بوجهه // ربى وحش ما قط حِطّ فيه سبوق
    30) لكن عظام الجزر من حول بيته // شظاب غربٍ للحاطبين فشوق
    31) عسى الله بالغفران يمحى ذنوبه // ووفَّقْه المولى بطيب وفوق
    32) وصلوا على خير البرايا محمد // نبي الهدى للعالمين صدوق
    وهذه قصيدة ابن زيد في مدح عدي ابو محمد. يبدأ بالشكوى والتحسر على فراق القبيلة والديار. وهذه هي النغمة السائدة في شعره. وفي البيت الثاني من القصيدة السابقة قال ابن زيد إنه يترفع عن مدح الأوباش فدرره الشعرية أثمن من أن يبتذلها في مدح أشخاص لا شأن لهم. ويكرر نفس المعنى في هذه القصيدة فهو يختزن في صدره أبياته الجميلة ويتنقل بها من مورد ماء إلى اخر بحثا عن من تليق به ويليق بها.
    01) إلى الله أشكو فوت لاما قبيله // قمينٍ بها بَتّ القوي من خصيمها
    02) وهجران من غير اختياري منازل // أبى القلب ينسى ما مضى من قديمها
    03) مني وخلاني بزورا من النيا // صروم شظا لام الأخلا وخيمها
    04) بل العزا مقسوم الالاف كلما // تلا قسمة لقى العيا من قسيمها
    05) أو السكر من مختومةٍ بابليه // يصده عن عرفان الاشيا غشيمها
    06) فقلت ايها الركب الذي قد تقللوا // على ضمرٍ يطوي الفيافي جسيمها
    07) بعاد المماسي كم تجهّلْن منهل // وجفّلْن من عين الجوازي وريمها
    08) ومن هرقلٍ زيّافةٍ كن ساقها // عصا عْشَرٍ بيضا بقايا هشيمها
    09) عفى الجبا من برد ماها مضلّه // بها القوم تعتاد الرزايا رميمها
    10) متاهة هتيميٍّ وميراد قله // وكلمور من حمر المواطي قديمها
    11) كن الجوازي في رباها إلى أزا // نباته من نو الزبانا عميمها
    12) لهم جثّمٍ مثل الثريا ربابها // وينعاد بالغايات منها ظليمها
    13) وهاجرةٍ صاليت انا فوح حرّها // من القيض يشوي ما يوالي سميمها
    14) عُجا وابلغا مني عديٍّ ومن له // فضايل يغني صفر الايدي عميمها
    15) بسلامٍ ومن بعد السلام رساله // تعد مع الراوي قليلٍ ذميمها
    16) خزينة مكّارٍ لها غير مرخص // إلى غيرها قد غيّر السوم سيمها
    17) أبيت بها عن مدح الانذال رفعه // والاجواد ما تعطى الرزايا ذميمها
    18) وجنّبتها من ماردٍ صوب مارد // مخافة ميرادٍ مهينٍ يخيمها
    19) لميراد جودٍ من جدا بو محمد // ومدير علياها تعادا يميمها
    20) ونخوات مجدٍ ما جذا عن صغيره // من المجد متلافٍ لغالي جسيمها
    21) ومنّاع رثّات السبايا عن القنا // إلى انقاد من بعد اجتوالٍ هزيمها
    22) وعيد مراميلٍ يقودون ضمر // إلى سنةٍ عض البوادي حطيمها
    23) ثقيل الجنايا فاضل الجود ما إلى // تنكّرت الدنيا شكا من عظيمها
    24) وصلوا على خير البرايا محمد // نبي الهدى أزكى قريش رحيمها
    جعيثن اليزيدي
    من آل يزيد من بني حنيفة. يقال إنه كان أمير الجزعة في نواحي الرياض. من أشهر قصائده تلك التي قالها مادحا مقرن بن زامل بن أجود، وهي قصيدة هلالية الوزن معروفة يتداولها الناس ويستشهد المؤرخون بالبيتين الواحد والعشرين والثاني والعشرين منها على امتداد سلطة الجبريين وتبعية نجد لهم. وترسيم حدود مملكة الممدوح ومجال نفوذه تقليد درج عليه شعراء النبط، كما في الأبيات من التاسع والخمسين إلى الواحد والستين من القصيدة التي قالها أمير البير محمد بن منيع العوسجي في مدح سعدون بن محمد آل غرير. يقول جعيثن:
    01) رخا العيش ضمْنٍ في اقتحام الشدايد // ونيل المعالي في لقا كل كايد
    02) ولا راحةٍ إلا رواحٍ على الشقا // بهضم المعادي واقتحام الشدائد
    03) والاعمار ما منها عديدٍ كما مضى // وما فات منها قد مضى غير عايد
    04) وعسر الليالي مستعادٍ ليسرها // كذا قال بالتنزيل وافى الوعايد
    05) وبرد الليالي هو سنادٍ لحرّها // يزول ولا يبقى سوى الله واحد
    06) وتدبير الاشيا في دواوين جدول // على كل ما يغبى وما كان شاهد
    07) ومن طمع في نيل البقا ناله العنا // ولاج له ولا له من الناس فايد
    08) فعش طالب العليا فما دمت مجهد // فما يدرك المطلوب من لا يجاهد
    09) كما النار توريها ويازي شرارها // شديد القوى ما بين عودين زايد
    10) فقلت ولي من غالي البين مقسم // نفاق الأيادي من غزير القصايد
    11) فياناق من وادي نعامٍٍ تقللي // وأرجي لك التوفيق ضد الشدايد
    12) فسيري وبالك لذة النوم والكرى // ولو عاد في صعب الاخطار الجدايد
    13) بل هذاك معقودٍ مشاويح بالسرى // بحر محول للبحور الصياهد
    14) لهن عزل المرعى مقامات شافق // كما يعتري حوفٍ لنا كل كايد
    15) ولا تذخر بالقران في نايل الصخا // وذراي مع العيد الحراير بعايد
    16) لعل خلاف السير ياناق والسرى // وقطع الفيافي والديار البعايد
    17) تزورين بي سمح النبا إبن زامل // مقرن مناي لشبك ضيم الشدايد
    18) ولاقيت بعد السير ياناق مقرن // وقابلت وجهٍ فيه للحمد شاهد
    19) نشا بين سيفٍ والغريري زامل // فيالك من عمٍ كريمٍ ووالد
    20) وبين اجودٍ سلطان قيسٍ وركنها // عن الضيم أو في المعضلات الشدايد
    21) حمى بالقنا هجرٍ إلى ضاحي اللوى // إلى العارض المنقاد نابى الفرايد
    22) ونجدٍ رعى رِبْعِيّ زاهي فلاتها // على الرغم من سادات لامٍ وخالد
    23) وسادات حجرٍ من يزيدٍ ومزيد // قد اقتادهم قود الفْلا بالقلايد
    والبيتان التاسع عشر والعشرون من هذه القصيدة من الشواهد التي يستدل بها الدكتور الحميدان على أن مقرناً ليس إبنا لأجود وإنما لزامل بن أجود. يقول الحميدان "يفهم من هذه القصيدة أن سيفا هو عم لمقرن وأن زاملاً هو والده ونحن نعرف بأن كلا من سيف وزامل هما ابنا أجود. هذا مع العلم بأن الشاعر الجعيثن لم يصف في قصيدته أجود بأنه والد لمقرن. ويمكن أن يفهم من قصيدة هذا الشاعر المعاصر لمقرن بأن مقرنا هو ابن زامل وحفيد أجود" (الحميدان 1980: 69).
    ولجعيثن اليزيدي قصائد أخرى غير مدحته لمقرن منها قصيدة هلالية عدد أبياتها إحدى وخمسون بيتا أوردها سليمان الدخيل (ص ص 328-331). كما ترد القصيدة نفسها في مخطوطة محمد الحساوي التي اشتراها منه سوسين (ص ص 36-40). والقصيدة في مدح ابن درع أمير حجر والجزعة الذي يسميه عبدالمحسن في البيت الأربعين، وهو من الدروع من بني حنيفة. ومعلوم أن مانع بن ربيعة المريدي، الجد الثالث عشر للمغفور له جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وفد على ابن درع أمير حجر والجزعة في منتصف القرن التاسع من مكان يقال له الدرعية قرب القطيف. وقد منح ابن درع المليبيد وغصيبة لمانع بن ربيعة المريدي. ويذكر مؤرخو نجد أن آل يزيد الحنفيين الذين منهم جعيثن كانوا يملكون النعيمة والوصيل في المناطق الواقعة ما فوق المليبيد وغصيبة من ناحية الدرعية. ولم يلبث ربيعة بن مانع المريدي أن قويت شوكته وحارب آل يزيد. ولما استقل موسى بن ربيعة بالولاية بعد أبيه كثر أتباعه من المردة والموالفة وصبح آل يزيد في النعيمة والوصيل واستولى على ديارهم. وصارت وقعته بهم مشهورة يضرب بها المثل في قولهم "صبح آل فلان صباح الموالفة لآل يزيد".
    يستهل جعيثن قصيدته بذكر الشيب وذمه. وبعد ذلك يورد بعض الحكم والنصائح ويوصي بالحزم والاستعداد لتقلبات الدهر ومفاجآت الحياة. وتقلبات الدهر بين الشدة والرخاء من المواضيع التي يعيد جعيثن الكلام فيها كثيرا كما في هذه القصيدة وفي القصيدة السابقة. وهذه في الواقع هي فلسفة الصحراء التي تعكس حدة وصرامة المفارقة في الطبيعة الصحراوية بين مواسم الخصب ومواسم القحط. وهي تعكس أيضا ما يلاحظه الأعرابي من حركة الأفلاك والنجوم التي لا تستقر في سماء الصحراء الصافية الزرقاء. يتسلح ابن الصحراء بهذه الفلسفة ضد القنوط واليأس في حالات الشدة وكذلك ضد التراخي والكسل في حالة الرخاء لقناعته بأن أمور الدنيا لا تثبت على حال. وبعد أن يُفرغ ما في جعبته من حكم ينتقل إلى وصف البرق والرعد والأمطار ليتخذ من ذلك مخرجا لطيفا للولوج إلى غرض القصيدة وهو المدح مثلما فعل عامر السمين في مدحه الشريف بركات والعليمي في مدحه قطن بن قطن والشعيبي في مدحه بركات المشعشعي. ويلجأ شعراء النبط كثيرا إلى هذا الأسلوب في حسن التخلص. بعد أن يصف المطر وأثره على المراعي والفلوات، خصوصا إذا انصرم الشتاء ومال الليل نحو القصر "قصر ما كان طايل"، يقول بأن القبائل تفد بأذوادها وحلالها إلى مساقط هذا الغيث لترعى في مراعيها الوفيرة مثلما يفد المحتاجون إلى ممدوحه. ومرة أخرى نصادف في البيتين الخامس والعشرين والسادس والعشرين صيغة المثنى التي سبق أن صادفناها في شعر ابن زيد.
    01) أبا الموت لا يبقى التلى والأوايل // وظل الصبا عن شارق الشيب زايل
    02) وما الشيب إلا رايد الموت والفنا // بذا عارفٍ من كان بالناس عاقل
    03) فواوجعتي من دولة الشيب كيف لي // بعصر الصبا أصبح بفرقاه مايل
    04) بكفّي ولا ظنّي بغيري ولا انقضى // ولا لي ولو طال اتّباعي بحاصل
    05) رعى الله أيام الشباب التي مضت // وعصرٍ لنا من دونه الشيب حايل
    06) فما هنّ إلا لذّة العيش والبقا // ولو كنّ في زعمي ليالٍ قلايل
    07) هي العمر وانا عقبها مثل مذهب // مطاياً ببيدا طايحات النقايل
    08) فلكنّها عقب المكافات فارقت // وراحت لسوّ البين منها سلايل
    09) وسيق لغارات الليالي خلاف ما // قطعن عن اللاما مناع الوثايل
    10) بكيت على عصر الشباب الذي مضى // وقد لاح شيب الراس بين الخصايل
    11) كما قد بكى طفلٍ سقيمٍ سقامه // على غير مهلٍ من فطامٍ معاجل
    12) فقلت لمن هو عن قصاياي ناشد // ومن هو عن احوالي على النأي سايل
    13) دع الناس فيما تبتدي منك زله // خلاف التواني واختلاف العواذل
    14) صديقٍ ودع ما خفي يغبا على العدا // فما لك في تبيين ما غبي طايل
    15) فربّة مكروهٍ تمنّى له الردى // يجي منه نفعٍ فوق ما أنت خايل
    16) وربّة مامونٍ تمنّى حياته // يصيرٍ لما تدا من السو فاعل
    17) فلا تطو ياسٍ من رجا وصل مبغض // ولا تخل بالٍ من عداة النحايل
    18) ودع لك من دون المصافي سراير // ودون المجافي من خباث الدغايل
    19) ودع عنك من ذا الناس واياك أن تنم // على أمن في ظل الضحى والقوايل
    20) فكم صيد بالحسنى من الناس محسن // وهو نايمٍ في ظل ما كان فاعل
    21) وكم أيقضت لاسباب راعي خديعه // أنا قبل أسوّيها عن الخوف غافل
    22) فلا خيرٍ إلا ضد ما الناس أهله // ولا صيدٍ إلا في غبي الحبايل
    23) ودع لام من يدني ملامٍ وصاله // فذكرك مقرونٍ مَعَ من تواصل
    24) كذلك قبل العرف ناسٍ تقودها // إلى الولف أصحاب النفوس الرذايل
    25) فقلت لمامونيّ عيني وقد حمى // لذيذ الكرى عنها الهموم الهواشل
    26) خليلَيّ قوما نستخيل مهدهدٍ // بكير الحيا يسقى الديار المحايل
    27) صدوقٍ دفوقٍ بين باكٍ وضاحك // عريضٍ مريضٍ بين هامٍ وهاطل
    28) لكن ابتسام البرق فيه إلى انجلى // دجى خرمس الظلما رفاع المشاعل
    29) ورعده كصوت النفخ في الصور ساقه // هبوبٍ من المنشا خفاف الزلازل
    30) ترى منه غاديّ المغاني وكلما // رغابٍ من الوديان جارٍ وسايل
    31) فكم غاف غافي ما غفى من نباته // وكم صاف صافي ما صفى بالثمايل
    32) عفى واكتسى من ناعم النبت كلما // وطا من ذرى الاربا وطمن المسايل
    33) وضحك به النوّار من دمع ما بكى // عليه من انوا هاميات المخايل
    34) لكن اختلاف اصناف غيّاف نبته // بالازهار لما قِصر ما كان طايل
    35) تخالف وشيٍ من زواليّ عبقر // لها ناشرٍ في عجّة السوق باذل
    36) يقادي ندى جود ابن درعٍ جنابه // عشيّة قادتنا إليه الوسايل
    37) وساري همومٍ والمقادير والرجا // سما بين غشميّ السرى والقوايل
    38) وعظّم بالعرفان قدري وشيمتي // ومن جهل قدري كان بالناس جاهل
    39) وواجهت ما فوق الرضى منه والمنى // وجا فوق خيلاي الذي كنت خايل
    40) أخا الجود عبدالمحسن اللي على القسا // رفيع الثنا أمسى لما زان باذل
    41) فتىً كلما زاد الغلا جاد بالسخا // لجارٍ ومنيوبٍ وعانٍ وسايل
    42) فمن بحره الميّاح وافيت جوده // شفت من لظى قلبي لطاف المسايل
    43) ولا نسي معروفٍ ولا داس منكر // ولا شيف يومٍ عن قدى الحق مايل
    44) همامٍ عن الفحشا عفيفٍ وبالرضا // لطيفٍ وفي الأعدا عنيف الفصايل
    45) وفي الشدة الكبرى من العسر والغلا // رعى من شتات الجود ما كان هامل
    46) فحجرٍ على حجرٍ من الجود غيره // وعنصره الزاكي كريم الشمايل
    47) سجايا نفوسٍ بالسخا أريحيّه // وكمّلها بالجود من كان كامل
    48) أسودٍ على الأعدا بحورٍ على القسا // وللجار أطوادٍ رفاع المنازل
    49) وهو شمعةٍ يوضي سناها ونورها // وبه يتّقي أجوادها والرذايل
    50) وله بذل حسنٍ في جنابه يدلّها // عليه ببذلٍ للعطا والفضايل
    51) وصلوا على خير البرايا محمد // نبي الهدى أزكى جميع القبايل
    ولجعيثن قصيدة أخرى قالها في مدح عبدالمحسن بن سعيد بن درع على بحر الهزج وتغلب عليها الفصاحة. ويخطئ ابن يحيى والربيعي في قولهما إن القصيدة قيلت في مدح أمير منفوحة عبدالمحسن بن سعيد الذي ينتسب إلى قبيلة سبيع، لأن زمن هذا متأخر عن زمن جعيثن وقد ولاه إبراهيم باشا إمارة منفوحة بعد هدم الدرعية. وقد مر بنا في القصيدة السابقة أن الاسم الأول لابن درع عبدالمحسن. وقد نشر منديل الفهيد أبياتا من القصيدة في الجزء الثالث من مجموعه من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية (1403: 19-21) وسنوردها كاملة أدناه. والبيت الثاني في القصيدة فيه تضمين، أي لا يتم معناه إلا بربطه مع البيت الذي يليه. وحينما تبدأ بالقراءة تجد نفسك تقرأ القصيدة على الوزن الفصيح ثم فجأة يقع لسانك على كلمة عامية مثل كلمة "برّق" في قوله "وبرّق باليمين وبالشمال"، أي انظر بتمعن وتفحص في أي اتجاه تريد وستجد أناس غيرك داهمتهم المصائب وتوالت عليهم المتاعب فلست وحدك المعرض للنكبات، وهذا مما يوجب عليك الصبر والتأسي بالآخرين. وتصادفنا في البيت العاشر كلمة عامية أخرى هي "يْـشاف" بمعنى "يُـرى" وكلمة "شوف" في البيت الذي يلي ذلك وهي في نفس المعنى. كذلك تقتضي إقامة الوزن نطق الضمير "هو" في البيت الثاني عشر نطقا عاميا.
    01) تصاريفُ الزمانِ إلى الزوالِ // فعش ما عشت في طلب المعالي
    02) فطالبها بشرفات النواجي // وبالسمر المثقّفة الطوالِ
    03) قمينٌ أن يكون وإن تمادت // لها لو عَزّ مطلبها ينال
    04) وكل معيشةٍ فيما سواها // على من عاش بالدنيا وبال
    05) ولا تأسى على النكبات فيها // وبرّق بالجنوب وبالشمال
    06) ولاق الحادثات بعزم ليثٍ // ولا تجزعك شدّات الليالي
    07) فشدّات الزمان مقدّرات // على من هي عليه بحكم والي
    08) فللشدّات أفراجٌ ولين // وللضيقات عقدٍ وانحلال
    09) وإن بسطت لك الدنيا جناحاً // وصرت من الزمان على اعتدال
    10) فلا تهمل فما للخوف رعدٌ // ولا برقٌ يشاف ولا خيال
    11) فما يبدي أفول البدر حتى // تراه الناس في شوف الكمال
    12) فهو في مرّةٍ بدرٌ منيرٌ // وهو بالمرّة الاخرى هلال
    13) إلى ما بان لك بالدار صغر // وهنت خلاف شوفك بالجلال
    14) فودّع ما يشوقك واسل عنها // وفارق وابتدل حالٍ بحال
    15) فما يرضى رفيع القدر ذلٍّ // ولو كانت مطيّته النعال
    16) مقامك في بلاد رخصت فيها // فما غالي سوى عرضك بغالي
    17) فلا ينفعك في دارٍ مقامٍ // وقدرك في ربوع الدار خالي
    18) ولا ينفعك في سِمْلٍ مرقّع // ولا في صاحب السوّ العذال
    19) ولا ينفعك زادٍ كلته امس // إلى ما اصبحت بطنك منه خالي
    20) ولا ينفعك في دِقّ المعاني // ولا في جِلّها غير الرجال
    21) ولا ينفعك جدّانٍ كرام // إلى خابوا نسولهم التوالي
    22) وإن شفت الحشيمه من كريمٍ // غنيٍّ عنك ذو عزٍّ ومال
    23) ينالك منه خيرٍ كل يومٍ // ولا يسمع قبالك بك مقال
    24) فجاز جمايله ما دمت حيٍّ // وكن في حاجته وَلْدة حلال
    25) وعاد لمن يعادي من عدوه // ونل بالطيب صحبة من يوالي
    26) وراعه بالقفا والوجه واحذر // توافق كل همّاز نمال
    27) وحاذر أن تكن مفتاح شر // وتحدث بالرفاقه قول قال
    28) فتضحي في أمورٍ مهلكاتٍ // حقيق بالعقوبه والنكال
    29) فقلت لطيّب المنشا عليٍّ // رفيعٍ بالثنا زين الفعال
    30) ومن لو حل بي نايٍ وهجرٍ // رعاني بالمودّه والوصال
    31) إلى ما عشت عشت بدار خيرٍ // أمنت من المكاره والضلال
    32) رسالةٍ اختصرت بها مديحي // وجاك بها رسولٍ من قبالي
    33) إلى وصلتك دمت بحال خيرٍ // وجنّبك المكاره والظلال
    34) بها ينبيك مجروحٍ مطيعٍ // بجاري الحبر يِنْتَلّ انتلال
    35) على صفح السجل مترجماتٍ // بخطٍّ له نظير العين تالي
    36) فعبدالمحسن بن سعيد أقره // سلامٍ والجماعه بالمضا لي
    37) هو اتقى من نزل وادي حنيفه // وأنقى ساكنيه بكل حال
    38) وأشرفها وأرفعها جدود // وأعرفها بحالات الرجال
    39) وأصدقها وأوكدها وعود // وأبذلها وأجزلها نوال
    40) وأصفاها وأضفاها جوار // وأشجعها إلى ضاق المجال
    41) وأرشدها وأوكدها كلام // وأبعدها عن ادناس الخمال
    42) فتىً ما له سوى العليا مشام // ولا عن قيّم الدنيا ابتهال
    43) ولا عن مقصد الدنيا انعزال // ولا عن مطلب الدين انشغال
    44) صليب عزايمٍ راعي نفوع // على الحاجات حلواتٍ جلال
    45) فتىً قسم الإله لنا نوال // جزيلٍ من يديه بلا سوال
    46) لكن عطيّته تهدين خير // عشيّة من يمينه مدّها لي
    47) على شكواي من حاجات وقتي // بلا مينٍ يكون ولا احتيال
    48) جزاه الله في دنياه خير // ينول مراتب العز الطوال
    49) وفي يوم القيامه جعل يعطى // كتابه باليمين عن الشمال
    50) وصلى الله على سيد قريش // عدد ما لاح برقٍ في خيال
    ويورد سليمان الدخيل (ص ص 324-326) قصيدة من سبع وثلاثين بيتا على بحر الطويل قالها جعيثن في هجاء شخص دعاه ابن حراش ويصف فيها ما جرى بينهم من وقائع وحروب ويختتمها بإعلان ولائه لداره التي يجد الغذاء في نخيلها والدفء في مساكنها. وشتان بين لغة هذه القصيدة المقذعة وبين اللغة المهذبة التي يستخدمها جعيثن في قصائد المدح السابقة. وهذا مما يؤكد تفوق جعيثن وفحولته الشعرية. والقصيدة تبين لنا أن جعيثن كان رجلا ذا شأن عند قومه فهو يقود عشرين منهم للفتك بمئة من خصومهم. ولو لم يكن شخصا مرموقا لما تجرأ على القول "من جهل قدري كان بالناس جاهل" في البيت الثامن والثلاثين في القصيدة السابقة. والأبيات الأولى التي يفتتح بها قصيدته في ذم ابن حراش يوجه فيها اللوم لبعض جماعته ولا يمكن أن تصدر هذه اللهجة إلا من رجل له مقامه ومنزلته. كما أن قصائد المدح التي مرت بنا لجعيثن ليس فيها مسألة ولا خنوع وإنما مجرد تعبير عن شكر الشاعر للمدوح لما أسداه له من جميل. وأكاد أجزم أن جعيثن حامل علم ورجل مطلع يدل على ذلك استشهاداته الدينية والأدبية واستخدام المحسنات البديعية في شعره مثل الجناس في البيت السادس والأربعين من القصيدة السابقة والطباق في البيتين السابع والعشرين والثالث والثلاثين في القصيدة نفسها.كما يرد ذكر الكتابة وأدواتها في الأبيات من الثاني والثلاثين إلى الخامس والثلاثين من قصيدته في مدح ابن درع السابقة التي يبدأها بقوله: تصاريف الزمان إلى الزوال. وإذا صح زعمنا بأن جعيثن رجل متعلم فلربما يفسر ذلك ما نلاحظه على شعره من فصاحة تفوق فصاحة بعض من تقدموه من شعراء الحقبة الجبرية مثل ابن غنام وابن زيد وابن حماد والذين بحكم تقدمهم في الزمن يفترض أن يكونوا أفصح منه. وهكذا نستطيع تحديد بعض ملامح شخصية الشاعر ومكانته الاجتماعية من خلال تتبع قصائده بالدراسة والتحليل.
    أما ما ذكره عن العساكر في البيت الثلاثين وجليلة في البيت الثالث والثلاثين فقد أفادني مشكورا الأستاذ عبدالله بن محمد المنيف من أهالي الرياض بالمعلومات التالية "آل عساكر من الأسر الموجودة الآن في الرياض ويرجع نسبهم إلى بني حنيفة . . . وجليلة جدتهم أوقفت بستاناً في غرب الرياض باسمها والذي حرّف الآن إلى خنشليلة، ولهذا الموقع ذكر في كتاب الشيخ المنقور المعنون الفواكه العديدة أو مجموع المنقور". يقول جعيثن في ذم ابن حراش:
    01) بقولٍ وهذا للفتى بن مبارك // ولا يدرك العليا من الناس غادر
    02) لو ادركها صارت قليلٍ دوامها // وأيامها غبرٍ قباحٍ شراير
    03) قل الله لي من فوت لاما قبيله // سعى بينها الواشي بخبث المساير
    04) عصاةٍ على الداني مطاويع للعدا // أكِفّا عن المعروف عِمْي البصاير
    05) سعت بينهم لاعدا بالاشوار فاصبحوا // بالاقدار صرعى في لحود المقابر
    06) فيامبلغٍ ملفوظ قيلي مثايل // تنزّه عن طرق الخنا والجهاير
    07) قضا لابن حرّاشٍ ومن كان عارف // وكنت لذاك الرجل بالعقل هاجر
    08) ومن بعد ما في غاية الكبر زاده // نقيصة عقلٍ في نهى الشيب هاذر
    09) ولما ان بدا في عارضيه تواضحت // عواين شيبٍ بيّناتٍ جهاير
    10) يدوس معانٍ تغضب الله في غد // ومن لا يداري طاعة الله جاير
    11) يمدح عيانٍ بما كان قبل ذا // بانوا مقاصدها عظيم المقادر
    12) كمبصر في عيني قذاةٍ صغيره // وفي ناظريه الجذل بين المحاجر
    13) فلولا مخافة ان يقال انت صادق // ولا للملا إلا عدود الظواهر
    14) لما جاك مني يابن حرّاش كلمه // وكنت لما جا منك ياعيّ صابر
    15) فأنت كما الكلب الذي يجلب القضا // بنبحٍ وهو في رفّة البيت حاجر
    16) وبوقاتك ان عدّدتها طال شرحها // وحال على الراوي نباهن ظاهر
    17) وحلفٍ على حلفٍ لحيٍّ مبارك // على ذاك ابو معن الدلاميّ حاضر
    18) وعقب عهودٍ خان فيها محمد // والاقلاد رثّاتٍ مناعٍ طراير
    19) وفاجيت زحّامٍ بدهيا مصيبه // يغنّي بها ريد الضحا كل سامر
    20) ودعته يحفّن يابن حرّاش بالعصا // لدمٍّ يجي من نايط الروح فاير
    21) وهو سالمٍ من حلفنا واختباره // وحق المصلّي والدعا بالمشاعر
    22) وجدّدت قول الذيب للشاة قبل ذا // تكدّر بالضلفين صاف المغادر
    23) وقتلتهم في شهر الاحرام بوقه // وهي لك عند الله بئس الذخاير
    24) وفعلي فمعكم يابن حرّاش علمه // بلاجى الحشا مثل الدخيل المخامر
    25) توهدنتكم من بعد ما نامت الملا // وقد غابت ارداف النجوم الزواهر
    26) بعشرين منا تقدع ارداف سطوه // لدى ساعةٍ قد نامها كل ساهر
    27) على ميّةٍ منكم فأقفى زميمكم // كما الهيق عنا يابن حراش صادر
    28) وخلّى العذارا حِسّرٍ في ربوعها // تفادى موار بين الاضفان منازر
    29) وأضفيت ذاك اليوم مني مجوره // على البيض عن تعراة الابدان ساتر
    30) واقفيت عنها مستباحٍ من العزا // وفزّعت أجوادٍ كبار العساكر
    31) فهذا هو الفعل الذي يوجب الثنا // وفعلك عما يوجب الحمد قاصر
    32) فلا تحسبونا ننتهي عن طلابها // ولا ننسها حتمٍ إلى يوم حاشر
    33) جليله معروف الحساني إلى حنى // عذوق نواميها سواة البواكر
    34) ودافي ذراها في شتاها إلى سرى // من الشرق هبّات الرياح البواكر
    35) فمن لا يؤدي حقها في ربوعها // بضرب الهنادي واحتمال الجراير
    36) يموت على غبنٍ كليلٍ من العمى // وعقب العمى غدٍ إلى النار صاير
    37) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما أضا برقٍ وما هل ماطر

    عامر السمين
    كنيته أبو سلطان وذكر الربيعي أنه من شعراء عنيزة وأنه ينتسب إلى بني خالد. إلا أنني رأيت في مخطوطة حمد بن محمد بن لعبون التاريخية بخط الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن حمود التويجري أنه من ملهم وأنه من وائل مستدلا على ذلك بانتسابه إلى عبدالحميد بن مدرك الذي يرى بعض النسابين أنه من وائل. وقد اقتبس الشيخ التويجري كلام ابن لعبون وأورده في كتابه الإفادات (1411: 60-61). كما ينسبه الشيخ صالح بن عثمان القاضي أيضا إلى ملهم ويقول إنه توفي عام 1079 (القاضي 1414، ج1: 92)، وسيتبين لنا خطأ هذا التاريخ حينما نناقش قصيدة السمين في مدح الشريف بركات. وفي قصيدته التي يمدح فيها علي بن أجود ينتسب السمين إلى عبدالحميد ويزيد في النسب في قصيدته الذهبية التي مدح فيها بركات الشريف حيث يقول: أنا من ذوي عبدالحميد بن مدرك. وقد وجدت أن الربيعي في إحدى مخطوطاته قد شطب "أنا من ذوي عبدالحميد بن مدرك" مصححا وكتب بدلا منها "أنا من حميد بن عقيل بن عامر"! وبينما يفسر ابن لعبون انتساب السمين إلى عبدالحميد بن مدرك بأنه من وائل، يذهب أحمد العريفي (1413: 41) إلى أن عبدالحميد بن مدرك الذي ينتسب إليه السمين هو المذكور في سلسلة نسب آل ضيغم. وكلا القولين صحيح وفق ما ورد في كتاب طرفة الأصحاب في معرفة الأنساب الذي صنفه السلطان الملك الأشرف عمر بن يوسف بن رسول. يقول ابن رسول عن نسب آل منيف:
    وهم آل ضيغم وآل راشد من جنب وهم المعروفون بالمعضَّد، وهو منيف بن ضيغم بن منيف بن جابر بن علي بن عبدالرب بن ربيع بن سليمان بن عبدالرحمن بن رَوْح بن مدرك بن عبدالحميد بن مدرك، وقيل إنهم من نزار بن عنز بن وائل بن قاسط بن هِنْب بن أفصى بن دُعْمي بن جَديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان دخلوا في نسب جنب لأن أمهم عُبيدة بنت مهلهل بن ربيعة التغلبي من تغلب بن وائل أخي عنز بن وائل، تزوجها رَوْح بن مدرك من بعد معاوية بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن معاوية بن الحارث الجنبي. (ابن رسول 1412: 120-121).
    ومدح السمين علي بن أجود بقصيدة على بحر الهزج نشرها محمد الهطلاني في مجموعه الدرر الممتاز من الشعر النبطي والألغاز (1407: 117-118). يبدأ السمين هذه القصيدة بالفخر بنفسه وبأجداده (ترى من يكونون هؤلاء الأجداد الذين يفخر بهم السمين كثيرا؟) ثم يتحدث عن عزيمته وقوة بأسه ويقول بأنه يشق الليل بالأسفار لا يخاف ولا يبالي. وينعت الإبل التي يجتاز بها البراري الموحشة ويتوقف ليصف الأطلال الخالية من أهلها. بعد ذلك يهجم على غرضه ويمدح علي بن أجود ناعتا إياه بأنه سلطان قيس. وترد في البيت الثاني كلمة "عاقه" ومعناها الشخص المتعوق أو المتأخر عن أقرانه ذهنيا وحركيا فلا يستفاد منه في مشورة أو في عمل. وبالعكس منه "السنافي" في البيت الخامس والثلاثين وهي كلمة عامية تعني الرجل الهمام الذي يعتمد عليه ومحل ثقة وصاحب نخوة ونجدة. ومن الكلمات الفصيحة التي اندثرت في لغة العامة "مُحال" في البيت الأول و"الأثافي" في البيت الواحد والعشرين و"قمّات" في البيت الواحد والثلاثين. وكلمة "عُجا" في البيت التاسع عشر فصيحة من عدة أوجه؛ فهي مفردة فصيحة تأتي بصيغة المثنى التي اختفت من العامية وبحذف عين الفعل الأجوف التي تحذف في الفصحى ولا تحذف في العامية.
    01) مُحال انّي أصافي غير صافي // أو اسمح بالوداد لغير وافي
    02) ولا أعطي زمام العقل عاقه // ولا ألجي لجال رفاف جافي
    03) ولا اصافي عدوٍّ كد جفاني // ولو صافيت ما قلبي بصافي
    04) ولا اصافي حذا قرمٍ صميدع // كما درعٍ رصيفٍ من رصاف
    05) فمن لك قام بالحاجات حاذي // فقم في حاجته حاذٍ وحافي
    06) ولا يطفي سراجٍ في ضميري // حذا ضرب المعادي بالرهاف
    07) ولا يجلي صروف الدهر ما بي // من الشيمات لو جانا مجافي
    08) أضعضعهم بشِدّات الليالي // إلى ما انقاد غيري للعساف
    09) وكيف يُذلّ صرف البين باسي // ويقواني وانا بالعزم شافي
    10) وفي عبدالحميد عماد بيتي // رفيع بناه عالي غير هافي
    11) على الهامات . . . غيري // تركنا شرّها والحرب طافي
    12) بصيرٍ بالمعاني غير واهي // وبذلٍ في نواله غير هافي
    13) على الله اعتمادي واتّكالي // وهو عن كل ما أخشاه كافي
    14) إذا سايلت عن حالي وطبعي // وما فيه اكتلافي واحترافي
    15) أماري بالمعالي في ركوبي // على العيرات قِطّاع الفيافي
    16) أفض الغيض عن بالي وقلبي // لما يظهر جوابي بالقوافي
    17) ألى ياصاحبي أهلا وسهلا // خليلٍ لي على طبعي موافي
    18) إلى حاولت في قلبي محاول // أشِقّ الليل لو فيه التلاف
    19) عُجا لي كنّسٍ مترحّلاتٍ // عفايا عقب تكليف العساف
    20) كثيرات التغاري والتماري // قليلات التتابع والمقافي
    21) إلى دارٍ محى ما لاح منها // سوى رسم المباني والأثافي
    22) هماليل السحايب والجواري // وعجلات الذواري والسوافي
    23) وأصبح عقب زهو الحي فيها // خلاف سرورها المعهود عافي
    24) وتلقى في مفاليها الجوازي // رتوعٍ ما تِذِلّ ولا تخاف
    25) فلا بالبال غير اللي بقلبي // وهو قصدي إلى حل اكتلافي
    26) لمن حكم المروه والمعاني // ومبتدع المكارم والعوافي
    27) إلى هزّاع شامخةٍ عزومه // ومن فيهم يخيف ولا يخاف
    28) أهل وهايبْ جْزال العطايا // إلى جذّت مروّات القصاف
    29) هو الموت العديم لمن يعادي // ومفتاح الغناة لمن يصافي
    30) علي بن اجودٍ سلطان قيس // مجار الجود كهف للضعاف
    31) صعد لصعود قمّات المعالي // وصافي للكرام وكل وافي
    32) ومحيي للهواتف نار مجده // لوامعها على بعدٍ تشاف
    33) إلى ما جارت احداث الليالي // علَيّ وضمّ زندي للكتاف
    34) نجعت الى خشيت الضيم منها // لكعبة جودنا حسن المطاف
    35) فحل قياد عسري غب يسري // يحل كتاف عسري يالسنافي
    36) وصلى الله على سيدي محمد // عدد من حج بيت الله وطاف
    37) يعم الآل والأصحاب جمله // عدد ما درهمت زرق الخفاف
    ولعامر السمين قصيدة على بحر الرجز يمدح بها قطن بن سيف وهو ممن لم تذكرهم المصادر التاريخية. ونعرف أن أخا أجود وابنه كليهما اسمه سيف ولا ندري ابن أي السيفين يكون قطن هذا. والبيت الأول فيه تضمين، أي لا يتم معناه إلا بقراءة البيت الذي يليه. وفي البيت الحادي عشر تقابلنا الكلمة العامية "جفاسه" التي سبق أن صادفناها في شعر أبي حمزة. ومن المفردات العامية أيضا "يازي" في البيت الثالث بمعني "يصبح، يصير" و"أثرك" الفجائية في البيت الثاني عشر بمعنى "وإذا بك" و"نافه" في البيت الثامن عشر بمعنى "في حل". وعبارة "حاش المعالي" في البيت الثالث والعشرين مصطلح عامي مرادف لمصطلح "حاش المروه" والتي مرت بنا في أحد قصائد أبي حمزة، وتعني أن سلوك الممدوح وتصرفاته أوصلته إلى العلياء مذ كان صبيا لم يعتمر العمامة وبعد أن أصبح رجلا بالغا يتزيا بزي الرجال البالغين. أما مظاهر الفصاحة فيمكن أن نورد منها مثلا المصراع الأول من البيت الحادي عشر إضافة إلى بعض كلمات القافية مثل "فربما" و"اللما" و"أيما". ومصطلح "برق خلبي" في البيت الواحد والعشرين مصطلح فصيح لا تعرفه العامة.
    01) قم قام ناعي من يقيم على الغما // واعزم على صعب الأمور فربما
    02) أمرٍ تخاف لقاه تَمّ خلاف ما // تعزم عليه من المصاوب تسلما
    03) واعزم فكم عزمٍ بقوّة هاجسٍ // يازي لباب خلاف ملكٍ سلّما
    04) كم قد وقى الله الحتوف مجازفٍ // سل الحراب، وعطب من لا يزحما
    05) حملت يد الأقدار رجال ولو صفا // وبكل ما لا أنت محتسبٍ طمى
    06) ياأيّها المختول بالناس ان ذا // احذر يغرّك صفو برّاق الحمى
    07) ما تعتبر باللال يطمي طايش // كالبحر حين طما وهو عين الظما
    08) ياقاطعٍ مد المودّه بالجفا // حبل الوصال ومن قسى وعسى وما
    09) لى طو برّ الان تيقّن انها // عند عزيز غالي فتعدما
    10) ما كان ذا يجري بحبٍّ مغرم // بهواك مشغوف الفؤاد متيّما
    11) سلسلتني بهواك ثم سليتني // ومن الجفاسه هجر من لا أجرما
    12) أثرك تذكّر باللقا ما قلت لي // إن كان قد أنكرت فالله يعلما
    13) قد قلت إنك عندي انفق من مشى // من فوق وجه الأرض أو تحت السما
    14) وسمحت لي بمعاجبٍ وملاعب // وشفيت غلٍّ بالفؤاد من اللما
    15) وايشٍ حدا مما بدا وايشٍ جرى // فيما مضى أنظر لحالك أيما
    16) إن كان ذا الإجناف منك تغلي // وتقول ذا يُبدي لما عني كمى
    17) فاعلم بأنك نافقٍ ويردّني // لك ذكر ما يوم الوصال تقدّما
    18) وتراك عن باقي وصالي نافه // وترى هواك علَيّ عاد محرّما
    19) فإلى بكنّ من الفراق نواظري // جزعٍ عليك فعام فيهنّ العما
    20) عوّدت نفسي كربها عن من قسا // وصدودها عن من علَيّ توحما
    21) ياناق لي بعض الأخلا ما وفا // واختال برقٍ خُلّبِيٍّ صرّما
    22) أقصد بنا قطن بن سيفٍ ناشرٍ // ثوب المديح فربما انك تغنما
    23) ورث المروّه من أبوه وجده // حاش المعالي فارعٍ ومعمّما
    24) راعى العطايا المغنيات ومن إلى // شربت شبا شوك الرماح من الدما
    25) كم من فقيرٍ صار باب غناته // وعقاب خيلٍ قيل من عنها حمى
    26) قيسي خيار عقيل جملا كلهم // العامري من قيس أوفى مقسما
    27) وإلى تفاخرت الأصول بعامرٍ // فخيارها وأعزّها المتقدّما
    28) وإلى المقدّم أصلهم آل المضا // وإلى المضا من قيس أوفى مقسما
    29) وإليك ياقطن بن سيف تتابعت // أهل المكارم أكرماً من أكرما
    30) ما أرّثوك الا فعلت افعالهم // بجزيل مدٍّ من عطاك فأيما
    31) قد قيل إنك كابرٍ عن كابر // فاسعد وحش وابجح بخيرٍ واسلما
    32) وخيار مقصود الحديث قليله // وعلى النبي صلى الإله وسلما
    ومدح عامر السمين قضيب بن زامل بقصيدة على بحر البسيط، نشرها عبد الله بن خالد الحاتم في الجزء الأول من مجموعه خيار ما يلتقط من الشعر النبط (1952: 61-63). ونظرا لأهمية القصيدة ولأن النص الذي نشره الحاتم مليء بالأغلاط نوردها هنا كاملة. وقد سبق أن أشرنا إلى اختلال الوزن في المصراع الثاني من البيت الأول. ويبدو أن السمين قال هذه القصيدة يعزي فيها قضيب في وفاة والده زامل ويهنئه على تولي الأمارة. ويتضح من بعض أبياتها أنه كانت له علاقة قوية بزامل والد قضيب، ومن المرجح أنه قال قصائد في مدحه. يستهل القصيدة بأبيات حماسية وفي البيت الحادي عشر وما بعده يتحدث عن ذات الحسن والتي يقصد بها الملك والإمارة. بعد ذلك يسهب في الحديث عن الصديق والصداقة وينصح بالابتعاد عن مصاحبة من لا يعتمد عليه من الرجال. وبعد الثناء على زامل وطلب الرحمة له يعرج على مدح قضيب ويعدد مناقبه. ويقارن قضيب بـ "خرش الاشبال" ويقصد بذلك الصقر لأنه يقول عنه إنه في "ماكر عالي". ويستطرد قليلا في رسم لوحة رائعة لهذا الصقر وما يعانيه من جوع وبرد وهلع، فهو يرقب الصبح ليبحث له عن فريسة. وما أن ينبلج نور الصباح حتى ينطلق كأنه "سهم رمي من كف نبال" من شدة الجوع الذي يستعر في أحشائه. وهذا الوصف يعيدنا إلى وصف ابن غنام لوثبة فهد الصيد وقوتها بالنشاب. وفي ختام القصيدة يدعو لقضيب بالعز والنصر والتوفيق والإقبال وعلى أعدائه بالذل والتعذيب والإذلال؛ وسوف نقابل هذا الأسلوب في الدعاء للمدوح لاحقا في لامية العليمي التي مدح بها قطن بن قطن.
    01) أنا اتكالي على ذي القوة العالي // ربي سنادي وعتقادي بآمالي
    02) مالي حجا أو رجا إلا برحمته // وهو ملاذي على عسري وإقلالي
    03) أقول والقول مني يستدلّ بِهِ // ياطالبا أن تنال المرتب العالي
    04) قم جاهد النفس عن إضعاف هاجسه // واركن إلى قلت صر للقول فعّال
    05) ولا تطع من ضعيفاتٍ عزايمه // فكل طبعٍ إلى راعيه ميّال
    06) فما يبلغ العليا سوى من يكون به // حزمٍ وعزمٍ ويبذل غالي المال
    07) ولا تهب نيّةٍ صعبٍ مصادمها // فالحمد والعز تحت ظْلال الآجال
    08) والذل والهون مقرونين في قرنٍ // ما جاذيٍ قط عن عزم المنى نال
    09) فالى تيقّنْت كاس الموت شاربه // بالسيف أريح ولا تمريض الاعلال
    10) فالموت بالسيف للعليا أحق به // من يبذل الغال حصّل في رجا الغالي
    11) ياطالبا ذات حسنٍ ما لصورتها // في ساير آفاق جل الأرض أمثال
    12) محجوبةٍ في حجابٍ ليس ياصلها // إلا شجاعٍ لما يهواه وصّال
    13) فان حازها بالفعل بعلٍ وأدركها // مالت عليه القلوب بْنيل الامال
    14) وليس تنحاز عن بعلٍ تملّكها // من بعد ما هو لعقد اوصالها نال
    15) والى اجتهدت ولا حزت الأمور فلا // تلوم نفسك إلى حالت بك احوال
    16) والملك بالظلم ما تثبت دعائمه // فكن قطوعٍ بأحيانٍ ووصَّال
    17) ترى قريبك من قربت منافعه // إليك عند افتراق وْجيه الانذال
    18) ومن إلى جاك خطبٍ من حوادثها // يحل منزل محلٍّ غير منحال
    19) وملازمٍ لازمٍ من عن صليبته // عالي المعالي وفارس غير محلال
    20) ومجرّبٍ في لظى الهيجا عوايده // بالوجه يُلقى بيوم الروع حمّال
    21) ومكابدٍ كايدٍ ثبتٍ أخي جلدٍ // ما ينثني من مخافة كثر واقلال
    22) هذا الذي حق أن تنعم عليه بما // تاجد من الخير يرخص عنده الغالي
    23) ترى صديقك من يرويك من عطش // والخل خلّين ضحضاحٍ ومفضال
    24) يبدون لك زين آمالٍ والى انكشفت // منك التجاريب عنهم ضد الاقوال
    25) جنّب حماهم وبالدنيا وحاجتها // يكفي تصانيف قول القيل والقال
    26) والملك من تخضع الارقاب خايفة // إلى حذر باس ورد فيه الاجال
    27) وخْلاف ذا قلت ياركب الفلاح دعوا // قود المطايا هجاهيجٍ وزرفال
    28) عرفت الاطلال والعيرات زالفة // ولا ثنوا روس الانضا باشهب اللال
    29) شافوني اندب ديارٍ ما تكلّمني // فالكثر منهم على ما قلت عذال
    30) لمرافقتهم ألى ياحيف يشدهني // ياعاذليني دعوا ما طاعكم بالي
    31) ياركب هذي منازل زاملٍ درست // قد أصبح الجو منها خاويٍ خالي
    32) دار الذي كان يقرّبني ويكرمني // ويصطفيني وتصدق منه الاقوال
    33) دار الذي ساق لي خيلٍ مسوّمة // وجنايب الجيش من جردٍ وصهّال
    34) دار الذي كان ركنٍ لي ألوذ به // إلا وينحل حال الهم عن بالي
    35) تهلهلت رحمة الرحمن نازلة // في كل يومٍ على هذيك الاطلال
    36) الحمد لله اذا مات الشهيد فلا // يخلّف الليث إلا خِرْش الاشبال
    37) ما مات من خلّف الحيد الذي خضعت // له رقاب الملا من عظم الافعال
    38) قضيب قوي الباس في حومة الوغى // حاوي خصال الثنا والمرتب العالي
    39) الصادم الصارم البطل الشجاع ومن // ياطا وحامي وطيس الحرب شعّال
    40) ليث الوغى حاميٍ دِنّ العياد إلى // من شدة الباس عِدْم الريق الابلال
    41) صفوة عقيلٍ هو اسطاها وأفرسها // وخْيارها همّةٍ في كسب الانفال
    42) وبالشدايد هو ازكاها وأكرمها // بالنفس والأب والعمّان والخال
    43) هو خرش الاشبال يوم الحرب مشتعل // في ناظره شَبّ مثل القدح بالحال
    44) امسى مجيعٍ ووجه الأفق منطمس // مزنٍ من الغيث فيه الرعد زلزال
    45) وبالليل كد بات فيه الطل يلفحه // جنحٍ من الليل وهو بْماكرٍ عالي
    46) يفرّ شروى لديغ السم مرتعش // يتنى سنا الصبح عنه الليل ينجال
    47) والى انقشع جمع جيش الليل منجرد // واقْفت نجومه لصوب الغرب حوال
    48) والليل قفَّى ونور الشمس شارقة // من فوق الاطلال وافا في ربى عالي
    49) أبصر بروق بعضها يتّلي بعض // كما ضيا البيض لمعه فيه الآجال
    50) فسار حتى اختفى عنهن ثم ثنى // تقول سهمٍ رْمِي من كفّ نبّال
    51) على دعاثيرها بالخد دارجة // ودمّى المخالب ولا يبقى لها تالي
    52) هو مثل ابا الطيب حاظي كل هيزعة // والخيل تلتمّ بالهيجا وتنجال
    53) زين الفعايل ومرجام الكفاح وهو // للضيف ريفٍ إلى كان القرى غالي
    54) دامت تحاظيه طول العمر أربعة // عزٍّ ونصرٍ وتوفيقٍ وإقبال
    55) ومحاظيٍ كل من عاداه أربعة // قلٍّ وذلٍّ وتعذيبٍ وإذلال
    56) وبعد هذا صلاة الله ما طلعت // شمسٍ على المصطفى خير الورى الغالي
    57) واعداد ما قلت هذا القول مبتدي // أنا اتكالي على ذو القوة الوالي
    والصورة التي يرسمها السمين للصقر في الأبيات من ثلاث وأربعين إلى واحد وخمسين تشبه الصورة التي رسمها أبو نواس في قصيدته التي يمدح فيها الخصيب أمير مصر. يقول أبو نواس:
    وإني لطرف العين بالعين زاجر // فقد كنت لا يخفى علي ضمير
    كما نظرت والريح ساكنة لها // عقاب بأرساغ اليدين تدور
    طوت ليلتين القوت عن ذي ضرورة // أزيغب لم ينبت عليه شكير
    فأوفت على علياء حين بدا لها // من الشمس قرن والضريب يمور
    تقلب طرفا في حجاجي مغارة // من الرأس لم يدخل عليه ذرور
    ولم يقتصر عامر السمين على مدح أمراء الدولة الجبرية حيث أن من أشهر قصائده قصيدته المسماة الذهبية التي قالها في مدح الشريف بركات؛ إضافة إلى قصيدته في مدح الشريف أحمد. وقد ذكر النساخ مثل الربيعي وابن يحيى ومن نقل عنهم أن ممدوح السمين هو الشاعر المشهور الشريف بركات بن مبارك بن مطلب المشعشعي، وهذا هو المتواتر بين رواة الشعر النبطي لدرجة أنهم يروون قصة أشبه بالأسطورة حول لقاء السمين مع الشريف بركات. مفاد القصة أن السمين كتب قصيدته المسماة الذهبية في مدح الشريف على لوح من الذهب إجلالا للمدوح وطمعا فيما عنده وأعطاها للحاجب ليسلمها للشريف. لكن الحاجب نسخ القصيدة على ورقة وسلمها للشريف وأبقى لوح الذهب لنفسه. ولما هم السمين بالانصراف من الحويزة واستلم مكافأته من الشريف وجدها مكافأة زهيدة لا تساوي لوح الذهب الذي كتب عليه قصيدته فبعث للشريف بهذين البيتين:
    ياسيدي لا تؤاخذني بأفعالي // قد ضاع مالي وخابت فيك آمالي
    أمسٍ وانا ابغى الوفاده منك ياسِيْدي // واليوم ياسيّدي عطني عوض مالي
    وبهذه الطريقة علم الشريف حقيقة الأمر وكافأ السمين مكافأة لائقة. وواضح أن الرواة اخترعوا هذه القصة ليبرروا تسمية القصيدة بالذهبية. (الهطلاني 1415: 42-43).
    وقد شكك الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل (1402: 66-67) أن يكون الشريف الذي مدحه السمين هو بركات الشاعر. ويستبعد الأستاذ أحمد بن فهد العريفي في كتابه الشريف بركات أن السمين الذي مدح علي بن أجود الذي حكم سنة 927هـ امتد به العمر ليدرك الشريف بركات بن مبارك بن مطلب الذي مات سنة 1025هـ، ويرجح أن الممدوح شريف آخر ربما يكون من أشراف مكة وبالتحديد الشريف بركات بن محمد بن بركات بن الحسن بن عجلان الذي ولي إمارة مكة سنة 903هـ واستمر فيها إلى أن توفي سنة 931هـ. ولا ننس أن هذا الشريف كان قد تزوج بنت أمير الجبريين محمد بن أجود واستعان به لمساعدته في القضاء على الفوضى في مملكته. (الجاسر 1387: 601؛ الحميدان 1980:78). ولا شك أن مثل هذه الصلات القوية بين شريف مكة وأمير الجبريين تسهل الطريق أمام الشعراء من كلا الطرفين للاتصال بالآخر ومدحه والرغبة في عطائه. ومما يعزز هذا الرأي ما جاء في البيت الثامن والخمسين من نسبة الممدوح إلى بني حسن. ومعلوم أن أشراف مكة من بني حسن بينما ينتمي أشراف الدولة المشعشعية إلى بني الحسين. كما حاول العريفي أن يحدد هوية الشريف أحمد الذي مدحه السمين في قصيدة سنوردها بعد هذه القصيدة والذي يقول العريفي (1413:42-45) أنه ربما يكون أحمد بن أبي نمي الذي أشركه معه أبوه في إدارة أمور مكة وأرسله إلى الروم سنة 945هـ وتوفي سنة 961هـ. ومرة أخرى نجد السمين في البيت التاسع والثلاثين من القصيدة ينسب الشريف أحمد إلى بني الحسن، أشراف مكة. ولا صحة للتهميش الذي أورده المؤرخ عبدالله بن محمد آل بسام على أحداث سنة 1095 في مخطوطته تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق حيث يقول إن القصيدة قيلت في مدح الشريف أحمد بن زيد بن محسن الذي تولى شرافة مكة في ذلك العام.
    وتختلف رواية مخطوطة الذكير للذهبية عن رواية ابن يحيى ورواية الربيعي اللتين تكادان تتفقان. وقد جاء في مخطوطة الذكير بعض الزيادات التي ينسب فيها السمين ممدوحه إلى بني حسن، أشراف مكة. وبعد التوفيق بين الروايتين ها نحن نورد الذهبية كاملة أدناه. والقصيدة على بحر الطويل ويبدؤها بالبكاء على الأطلال ويخرج من ذلك إلى الفخر والاعتداد بحسبه ونسبه ويلتمس المعاذير لنفسه في إخفاقه وعجزه عن تحقيق طموحاته. وبعد ذلك يصف في البيتين الرابع والثلاثين والخامس والثلاثين الغيث الغزير وآثاره ويشبه السحب المحملة بالمطر بأذواد الإبل مما يذكرنا بقول عبيد بن الأبرص:
    دان مُسِفٍّ فُويق الأرض هيدَبُه // يكاد يدفعُه من قام بالراح
    كأن فيه عِشارا جِلّةً شُرُفا // شُعثا لهاميمَ قد همت بإرشاح
    بُحّا حناجرُها هدلا مشافِرُها // تُسيمُ أولادَها في قَرْقَرٍ ضاحي
    ومصطلح "ميقات موسى" في البيت الثامن والثلاثين يعني أربعين يوما وهي مأخوذة من قوله تعالى في الآية 51 من سورة البقرة "وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة"، وهذا من الاصطلاحات التي ترد كثيرا في شعر الحقب المبكرة، وتشير إلى أن ربيع الصحراء ينمو ويزهر بعد أربعين يوما من سقوط المطر. ونستشف من تهجئة السمين لكلمة "وعد" في قوله "صدوق الواو والعين والدال" في البيت الثالث والأربعين أنه يعرف القراءة والكتابة. وتهجية الأسماء والكلمات أسلوب متبع عند شعراء النبط المتعلمين وسوف يمر بنا في البيت الثامن والستين من قصيدة العليمي النونية في مدح قطن بن قطن حينما يتهجى كلمة "غش". ونجد هذا أيضا في الشعر الفصيح كما في قول المتنبي: تملك الحمد حتى ما لمفتخر// في الحمد حاء ولا ميم ولا دال.
    وبأسلوب لبق يخلص الشاعر من وصف الغيث إلى مدح الشريف بركات، تماما كما يفعل الكثير من شعراء النبط القدامى مثل جعيثن اليزيدي في مدحه ابن درع والعليمي في مدحه قطن بن قطن والشعيبي في مدحه الشريف بركات،كما سيمر بنا. وحسن التخلص هم شعري يشترك فيه شعراء النبط والفصيح. ومن أروع الأمثلة على حسن التخلص في الشعر الفصيح قول المتنبي يمدح المغيث بن علي بن بشر العجلي:
    هام الفؤاد بأعرابية سكنت // بيتا من القلب لم تمدد له طنبا
    بيضاء تطمع فيما تحت حلتها // وعز ذلك مطلوبا إذا طلبا
    كأنها الشمس يعيي كف قابضها // شعاعها ويراه الطرف مقتربا
    مرت بنا بين تربيها فقلت لها // من أين جانس هذا الشادن العربا
    فاستضحكت ثم قالت كالمغيث يرى // ليث الشرى وهو من عجل إذا انتسبا
    جاءت بأشجع من يسمى وأسمح من // أعطى وأبلغ من أملى ومن كتبا
    لو حل خاطره في مقعد لمشى // أو جاهل لصحى أو أخرس خطبا
    ومن الأمثلة الجيدة في حسن التخلص قول أبى تمام:
    يقول في قومسٍ صحبي وقد أخذت // منا السرى وخطى المهرية القود
    أمطلع الشمس تبغي أن تؤم بنا // فقلت كلا ولكن مطلع الجود
    وقول ذي الرمة:
    سمعت الناس ينتجعون غيثا // فقلت لصيدح انتجعي بلالا
    وبعد أن يمدح الشريف بأبيات جزلة ينتقل السمين إلى وصف الأهوال التي صادمها والمتاعب التي واجهها في سبيل الوصول إلى ممدوحه. وهذا يعني شيئين؛ أحدهما شجاعة الشاعر وقوة عزيمته وجلده والآخر أن الجزاء على قدر المشقة. ويضيف أنه كان يعلل أصحابه في السفر بإنشادهم قصيدته في مدح الشريف ورواية ما يقال عن الشريف من قصص المروءة والشهامة والكرم. وهذا أيضا من المواضيع الشعرية التي تصادفنا كثيرا في شعر الحقب المبكرة مثل قصيدة العليمي في مدح قطن بن قطن وقصيدة الشعيبي في مدح الشريف بركات بن مبارك بن مطلب المشعشعي. يقول السمين:
    01) لمن طللٌ بين الخمائل والخالي // خلا واختفى عن منزله بالخلا الخالي
    02) دوارس خليٍّ لا أنيس بربعها // سوى البوم والسرحان والريم والرال
    03) تنكّر عن العهد الذي كنت خابر // وغيّر صْروف البين من حالها حالي
    04) عفت من كثر ودق المراهيش والسفا // وهبايب الريح فيها غرب وشمال
    05) خليلَيّ من عليا عقيل بن عامرٍ // أرى بكم الانضا من على الدار رحّال
    06) فليس بكم ما بي من الهم والأسى // على ساكن الأطلال أضحى وهو خالي
    07) وحفظي عهودي والمروّات بيننا // بأرسان روس الهجن بالدار عوجا لي
    08) ولا تعذلوني عن وقوفي بربعها // فمن أجلها ما اطيع يالربع عذّالي
    09) خلا الربع عقب الخيم والخيل والقنا // ومسامر البيض فيها دعج الاغزال
    10) دارٍ خلت من حسن هندٍ وزينب // بهن سيف حسنٍ للمحبين قتال
    11) ربايب لي تمادن عن وانتحن // رَحَلْنَ وخَلّفْنَ الهموم على بالي
    12) فيالك ذيك البيض والخرّد الذي // عِدْم البصر في هواهن وانتحل حالي
    13) جزى الله حسّادي بخيرٍ كما انهم // لمدحي على غير المودة قوّال
    14) يدعونني حسن الرضى بوهيبه // وحظي وأفضالي وقدري وإجلالي
    15) اقوالهم جنةٍ وِقْلوبهم لظى // نارٍ سعر حرّها في كل اوصالي
    16) وليس بهم جهلٍ ولكن تجاهلوا // كما أنهم يدرون عن ماضي افعالي
    17) أنا من ذوي عبد الحميد بن مدرك // هل الضرب بالهامات والمنسب العالي
    18) تخيّر جدي خال ابي فتسلسلوا // من الذروة العليا تخيّر أبي خالي
    19) ولم أجذ عن أفعالهم غير أنني // دواهي صروف الدهر قد شَدهت بالي
    20) إلى قلت هذا آخرٍ منه زادني // همومٍ فيازى الأول اشوى من التالي
    21) معاني على كل المعاني مْعاند // وقد أرّثن بالقلب ولبٍ وولوال
    22) أروم الأمور العاليات بهمّتي // فيمنعني خذلان قومي وإقلالي
    23) لعمري لقد أجهدت في مطلب العلا // أمور جذت عنهن همّات أمثالي
    24) وجزت فجاج الأرض شرقا ومغربا // على كل عوصا تقطع البيد مرمال
    25) وأبعدت عن داري وجاري وعزوتي // وفارقت أخياري وجافيت جهّالي
    26) وخضت عباب الجمّ في كل ساجة // إلى قيل وارى شرّف الموج من عالي
    27) وصادمت صرف الحادثات وأتلفت // يميني على مطلوب نيل الثنا مالي
    28) وليس يلام المرء بعد اجتهاده // ولا يدفع الماذون حيلات محتال
    29) وما بالمواخير صرف البين ينتظر // بلوغي مرادي في ربى ربوة الخالي
    30) سقى رسم ربع الدار بالدلو مرزم // من الغيث سكّابٍ على الربع هطّال
    31) محنٍّ مرنٍّ مرجحنٍّ إلى اعتلى // زها النبت في خدّه وهو قبل ذا خالي
    32) محِثٍّ ملثٍّ مستقيمٍ تتابع // سريع مقاديم الطها واني التالي
    33) دفوق عزاليّ السحاب كأنما // بعيازها ما بين رجسٍ وإشعال
    34) مع ذارفٍ لجبٍ لكن ربابه // كما ذود مغتر رفّعت شهب الاذيال
    35) نقانيق سكٍّ هارباتٍ نوافر // حداهن مناعيرٍ على كل مشوال
    36) من الغيث مرتكم الغمام الذي رمى // من غب ضرب الودق للأرض جلجال
    37) منه السما كالأرض والأرض كالسما // لكل الملازم والمغاني لها مالي
    38) دمّار عمّار المغاني بها كما // ميقات موسى للولي جل من قال
    39) عنت له هجاف الممحلين كما عنى // إلى بركات المدح والجود بالمال
    40) شريفٍ منيفٍ فاطميٍّ مكرّم // لما قال من قولٍ فهو له فعّال
    41) اجلّ بنو الدنيا محلٍّ ومنسبٍ // وأكرمها بالجد والعم والخال
    42) جزيل العطا أزكى قريشٍ مناسب // وأورثهم للرسل والصحب والآل
    43) عزيز الحجا بدر الدجى زبن من لجا // إليه صدوق الواو والعين والدال
    44) فتىً لا يرى الأموال إلا ودايع // إليه سوى رمحٍ وسيف ابيضٍ جالي
    45) وعدّة بولادٍ ولدنٍ من القنا // وخضرا علنداتٍ من الخيل صهال
    46) رفيع محل النفس لا ذو سفاهة // يعيي دواها طايش العقل جهال
    47) هو انقى الملا اللي قد فنوا والذي بقوا // وأمضى بنو الهيجا على الخيل حمّال
    48) فما الجود إلا دوحةٍ وانت فرعها // ولا حسبٍ إلا وأنت له والي
    49) سنام الذي فيهم ثنا الحمد متضح // من السادة اللي فيهم المدح ينقال
    50) وأنت من القوم الذين ان سطوا وطوا // وغطّوا الوطا بالدم علٍّ وإنهال
    51) وإن وهبوا أغنوا وإن قدروا عفوا // وإن حكموا صاروا إلى الحق عدال
    52) يروّون أطراف البلنزا من العدا // على كل صهالٍ من الخيل جوّال
    53) وبيض السيوف بْروس الاضداد غاري // وأموالهم للجار والضيف والجالي
    54) إذا الغيث طب ارضٍ جديبه لقيتهم // على الرغم في خدٍّ زها النبت نزال
    55) بظعنٍ ثقيل المد وبالشد ريّض // يذير العدا في حندس الليل واللال
    56) موازره اقبال المذاكي حدودها // بأرباب حمد في ذرى كل عسّال
    57) ترى خيلهم عند البيوت صوافن // لهن بالعدا وقعٍ ورجفٍ وزلزال
    58) بنو حسنٍ مثل الكواكب إن بدت // لهم في ذرى العليا شعاعٍ وإشعال
    59) وأنت كبدرٍ في سما الأفق طالع // يجلي دجا الديجور في غرّته جالي
    60) أجارك رب العالمين عن الردى // وادامك في عزٍّ على مرتب عالي
    61) فلولاك ما جزنا بالاقطار فدفد // خلا ربعها غير الوحش فيه تجتال
    62) سمردحةٍ قفرٍ فجوجٍ مخيفه // بها القلب من كثر الهوالات جوّال
    63) بيومٍ من الشعرا تزايد حرورها // وحمي نقا المرماض واتّقد اللال
    64) مددت رجا صحبي بمدحك وانتهت // بنا قود الانضا بين هذبٍ وإهذال
    65) وأبديت لاصحابي قريض الحكا طرب // وقطعنا مهام البعد في رد الامثال
    66) وإن جا بمدح الخيرين لنا رجا // فمدحك ياتاج اشرف الناس أرجا لي
    67) وضربي إليك العيس أقوى لهمتي // إذا اهديت غال القيل في مدحي الغالي
    68) وصلى إله العرش ما وطئ الحصا // على أحمدٍ والآل والصحب إجمال
    69) كما قلت في مبدا جوابي ختمتها // لمن طللٍ بين الخمائل والخالي
    وشعر السمين شعر مجلجل يطفح بالاعتزاز بالنفس والاعتداد بالذات مما يذكرنا بشخصية الشاعر علي ابن المقرب العيوني. وربما اعتبر السمين نفسه شاعر الدولة الجبرية مثلما كان ابن المقرب شاعر الدولة العيونية، وابن زيد شاعر أجود، أو مثلما كان الخلاوي فيما بعد شاعر منيع بن سالم. ويبدو أن عامر السمين قد كرس مدائحه في الشطر الأول من حياته لأمراء الدولة الجبرية وانقطع لهم ولم يقصد غيرهم بحكم ما بين بني خالد، قبيلة الشاعر (حسب رأي الربيعي)، وبني عقيل، قبيلة الجبريين، من أواصر الروابط القبلية. ومن المحتمل أنه بعدما ضعف الجبريون وتضعضعت قوتهم اتجه السمين في آخر حياته مضطرا، بعدما يئس من الجبريين، لمدح أمراء آخرين. ومما يسند هذا الاحتمال أن المتمعن في قصيدتيه اللتين يمدح فيهما الشريف أحمد والشريف بركات يحس بنبرة الأسى المتمثلة في البكاء على الأطلال الدارسة وندب الحظ العاثر والتحسر على ما فات، مما يوحي بأنه كان يرى أن مصيره كان مرتبطا بمصير الدولة الجبرية وأن زوالها كان يعني بالنسبة له زوال ما كان ينعم به عند أمرائها من إعزاز وتكريم. وليس من المستبعد أن المقصود بإشاراته المتكررة إلى خلافه مع قومه وتشتت رأيهم وتفرق كلمتهم هو ما حدث بين أمراء الجبريين من الشقاق وما آل إليه أمرهم من وهن وضعف.
    وقصيدة السمين في مدح الشريف أحمد لا تخلو من نبرة الأسى التي نتبينها في بعض أبيات القصيدة السابقة. ولم يسبق نشر هذه القصيدة إلا عند محمد الهطلاني في الدرر الممتاز من الشعر النبطي والألغاز وها نحن نوردها كاملة. ويلقب السمين ممدوحه أبا دريد في قوله: فإذا لفيت ابا دريد سالم. وكلمة "سالم" لا تعني أن أبا دريد اسمه سالم لكنها دعاء للمرسول أن يصل أبا دريد سالما. والقصيدة على بحر الرجز واستهلالها فصيح. يبدأ القصيدة بداية حماسية يضمنها بعض الأبيات التي يتذمر فيها من قومه وخمولهم وتقاعسهم عن طلب العلا. ثم يعرج على مدح الشريف بأبيات مؤثرة ويسترسل في الحديث عن شجاعة الشريف وعدة حربه وطريقته في خوض المعارك. ويختم القصيدة بالحديث عن كرم الشريف وجوده. ولو تمعنا في القصيدة لوجدناها قصيدة فصيحة بنسبة لا تقل عن 75%. لكن ما مصدر هذا الخلط بين الفصحى والعامية؟ هل مرد الفصاحة أننا لا زلنا نعيش العصر الكلاسيكي بلغته الفصيحة وما يشوب القصيدة من تراكيب ومفردات عامية مردها في جزء منها إلى عبث النساخ والرواة والجزء الباقي يمثل بدايات زحف العامية على الفصحى في لغة أهل نجد ومناطق الجزيرة الأخرى؟ أم أن الشاعر يحاول أن ينظم قصيدة فصيحة لكنه بحكم عدم تمكنه من قواعد اللغة الفصيحة ينزلق أحيانا دون أن يشعر في العامية التي أصبحت آنذاك هي اللغة الأم؟ الاحتمال الثاني هو الأرجح لأننا نجد قصائد للسمين نفسه ولشعراء جاءوا قبله عاميتها واضحة، مما يعني أن العامية كانت قد طغت آنذاك ولم يعد يستطع النظم بالفصحى إلا من نال قسطا وافرا من التعليم. ولو نظرنا إلى القصيدة التالية فإننا نستطيع قراءتها بالنطق الفصيح عدا بعض المواقع التي يضطرنا فيها الوزن إلى تخفيف الهمزة وإلى التسكين حسب النطق العامي بدل التحريك الذي يقتضيه النطق الفصيح؛ هذا عدا بعض الصيغ والتراكيب العامية، مثل "اللي" في البيت الثاني عشر بدلا من "الذي" و"ماني" في البيت الثامن عشر بدلا من "ما أنا" و"مِـقادَه" في البيت التاسع والثلاثين بدلا من "مقادها" للجمع غير العاقل. ومن الكلمات العامية "البزّون" في البيت الثامن وهو القط و"الرفاقة" في البيت الواحد والعشرين وهم الجماعة الأدنون و"المحتمِ" في البيت الثاني والعشرين أي الحامي و"ايتفا" في البيت الرابع والعشرين بمعنى "اتفق" و"تراني" في البيت الثامن والعشرين بمعنى "إنني" و"طَـلّن" في البيت الخامس والأربعين بمعنى "نظرن" و"لوفاتها" في البيت السادس والأربعين إشارة إلى قحط السنين. ومن باب محاولة الابتعاد عن أساليب العامة في نطقهم والتفاصح الذي ينم عن عدم معرفة بحقيقة قواعد الفصحى استبدال الألف المقصورة بألف ممدوة تنتهي بهمزة حتى في الحالات التي لا يجوز فيها ذلك، كأن يحول الشاعر "الدجى" إلى "الدجاء" في البيت الثالث و"الفتى" إلى "الفتاء" في البيت الثاني والعشرين و"الظما" إلى "الظماء" في البيت الثاني والأربعين، وإن لم ننطق الكلمات هذا النطق الخاطئ ما استقام الوزن.
    01) قم أيها الرجل المقل المعدَمِ // فالعجز باب مذلة لوتعلمِ
    02) قم قام ناعيك ان أقمت بمنزلٍ // تخشى به انك تستهان وتهضم
    03) جرّد صفاح سيوف عزمك وادّرع // سربال ديجور الدجاء المظلم
    04) واجهد وجدّ وجذّ حبل قرابةٍ // ما ينفعون إذا الحزام استحكم
    05) واصرم حبال وصال خلان الرخا // لم يرض يلدغ مرتين المسلم
    06) واترك لعل وهل وليت وربما // وعسى وسوف فما بهن تنعّم
    07) ياناصحي خل الملام فإنني // خالفت من قبلك نصايح لوّمي
    08) فاللوم غاشي من يقيم بديرةٍ // يخشى من البزّون فيها الضيغم
    09) للعمر حدٍّ لا يزال حسابه // فإلى انقضى فاخش العقوبة واعلم
    10) فالله لا يرعى ولا يرضى على // من عاش في ذلٍّ ويلقى منجم
    11) للظيم عندي في الجنان مرارة // والعز حلوٌ في سعير جهنم
    12) ومكابدي لج البحور إلى طمت // بامواجه اللي كالجبال وأعظم
    13) وتحمّلي في كل هول تنوفةٍ // ما للرجال على لقاها سلّم
    14) عندي ألذّ من المقام ولو صفا // لي مشربْ وحلوٍ مذاقة مطعمي
    15) من بين قومٍ ما الذميم بصاقطٍ // عنهم ولا الحر الكريم يكرّم
    16) ما لي عليهم ناصرٌ إلا يدي // ومثقّفٌ ومهنّدٌ ومعلّم
    17) ما تطمئن إلى المليح قلوبهم // يومٌ وليس من القبيح تألّم
    18) ما ني وحالي والزمان وهمتي // وقبيلتي إلا بأمرٍ معظم
    19) وتقول همّاتي تعَدّ إلى العلا // لا تركنَنّ فتستهان وتظلم
    20) فإلى نظرت لمن يشير لهمّتي // خذلان قومٍ يجهلون وأحلم
    21) والحلم في بعض الامور مذلّةٌ // والصبر عن ضيم الرفاقه يذمم
    22) صبر الفتاء على القريب أشد من // صطوات مسنون الحديد المحتمي
    23) والعز قد ضمنته اطراف القنا // ومن عدم عز الله فليس بمنجم
    24) أبني وأنتم تهدمون ولا ايتفا // باني وخلف بنائه من يهدم
    25) وما الزمان إلا تبيع ما مضى // ما للفتى عن ضيمهن من مهزم
    26) جر يازمان بما تشا لي ما تشا // ما شئت فاحكم في زمانك واظلم
    27) فإلى لفيت ابو دريدٍ سالم // سول المنى وحجا المخيف المجرم
    28) قل له تراني عن تصاريف النيا // بالله ثم به ألوذ وأحتمي
    29) السيد السند المسمى أحمد // وافي ذرى العليا الأجلّ الأكرم
    30) المرتقي درج المكارم والعلى // باني خراب المجد وافي المقدم
    31) لم تخل أرضٌ من سحاب نواله // اما بجودٍ مستهلٍّ أو دم
    32) يرد الوطيس على صهات مقلّص // ضخم الدسيع كبيرها والمقدم
    33) سبّاحُ سيّاحٌ غليض حوامل // عبل الشوا نهد المراكل شيظم
    34) متباعدٍ متقاربٍ متقاصر // متطاولٍ متأخرٍ متقدم
    35) عبثٍ ومن حسن السياسه طايع // لو تركبه عاري ولو لم يلجم
    36) سامي النواظر والسوامع للسما // يوهمن به يوم الطراد ويقدم
    37) روّاغ كالخاطوف عالي فوقه // سرجٍ وفوق السرج ليثٍ ضيغم
    38) ومضوفرٍ زغفٍ وأبيض صارم // ومثقّفٍ عدل الكعوب مقوّم
    39) عَزَميّةٍ علويّةٍ نَبَويّة // حَسَنيّةٍ ما من مقاده منجم
    40) يومٌ ينال به الشجاع مرامه // واليوم الاخر بالحديد ململم
    41) والخيل تسبح بالنقيع ولم تُرى // قبوة حوافرهن من نقع الدم
    42) فيه الشفايا بالظماء لواغب // والموت داني والرماح تحطّم
    43) والباترات هواتفٌ وشبا القنا // حاكى الوشيع وهن مثل الأنجم
    44) ومن الجياد صرايعٍ وقلايع // ومن الكماة مجندلٍ ومكلّم
    45) والبيض طلّن والجيوب حواسر // ذَهَلَنّ ذاك اليوم لوث الملثم
    46) والى السنين تتابعت لوْفاتها // وكشّرْن عن ناب الزمان المحطم
    47) واغبَرّ وجه الأرض واستعر الفلا // وأبت عن الجود النفوس البُحّم
    48) فله الصمات الثابت البحر الذي // ما عنه من خاف المجاعه يلزم
    49) وهو الذي لولاه لم يكن الندى // يذكر ولا له نوض برقٍ يُعْلَم
    50) ثم الصلاة على النبي محمد // ما ناض برقٌ في سحابٍ مظلم
    ويورد الدخيل للسمين ثلاث قصائد فصيحة كلها على بحر البسيط لم أجدها عند غيره. وأكاد أجزم أن السمين قال هذه القصائد وفي ظنه أنه ينظم شعرا فصيحا لا نبطيا. أي لو أن السمين نفسه روى لنا هذه القصائد وألقاها علينا لألقاها على أساس أنه يلقي شعرا فصيحا. لكنني أشك أنه وصل إلى مستوى من التعليم يؤهله لنظم قصائد عربية فصيحة متقنة وخالية تماما من الركاكة وشوائب العامية. أولى هذه القصائد تبلغ أبياتها إثنين وثلاثين بيتا يمدح بها شخصا لم يصرح باسمه لكن يبدو من القصيدة أنه شخص ذو شأن ويحتمل أنه من أمراء الجبريين لأنه يلقبه في البيت العشرين "تاج الملوك وإبن السادة النجبا" ويقول عنه في البيت الثاني والعشرين إنه "موضي سنا عامر". ويبدأ القصيدة على نمط يذكرنا بالمتنبي وحماسياته. وربما نستشف تأثره بالمتنبي من البيت الثاني عشر الذي تتتابع فيه أفعال الأمر كما في قول المتنبي: أقل، أنل، أقطع، احمـل، عـل، سـل، أعـد// زد، هش، بش، تفضل، أدن، سر، صل. وهذه القصيدة كسابقتها في الفصاحة المتشربة بالعامية. ومن الأمثلة على تسهيل الهمزة وعدم تحقيقها كلمة "نبا" في البيت الثامن وكلمة "سبا" في البيت التاسع عشر. وتفرض علينا استقامة الوزن أن نحذف الهمزة من "جاءه" وننطقها "جاه" في البيت التاسع عشر ونحذف همزة "جاءك" في البيت الواحد والثلاثين وننطقها "جاك" وتخفف همزة "وأسياف" في البيت الثلاثين. كما تفرض علينا استقامة الوزن أن ننطق ضمير الغائب في بداية البيت الخامس عشر نطقا عاميا. ومن الكلمات العامية "النوخذا" في البيت الثامن عشر وهو ربان السفينة و"تغدي" في البيت الثالث والعشرين و"غدى" في البيت الثامن والعشرين بمعنى "صار، أصبح". واستخدام كلمة "عرب" كما يستعملها الشاعر في البيت الرابع عشر بمعنى جماعة من الناس استخدام عامي غير معروف في الفصحى. ونلاحظ في البيت الخامس والعشرين أن حرف الجر لا يؤثر في أحد الأسماء الخمسة الذي وجدناه مكتوبا في المخطوطة "ذو" بدلا من "ذي"، ويستبعد أن مصدر هذا الخطأ إهمال النساخ؛ الاحتمال الأرجح عدم تمكن الشاعر من قواعد الفصحى وتسلط العامية على لسانه.
    01) نيل العلا بالتقاك الهول والنصبا // وعن مصاحبة العزم الحشوم أبا
    02) العز ياسائلي عن أصل منتجا // بين السيوف وأطراف الرماح ربا
    03) فمن أراد ارتقا العليا ولى تعب // فليمتطي كل أمرٍ هايل نصبا
    04) من دوس ملحمةٍ أو بذل مكرمةٍ // أو ضرب ذو شطبٍ من روس ذو طنبا
    05) فاعزم على طلب العلياء مجتهد // فلا يلام الفتى إن فاته الطلبا
    06) إن نال طالبها غالي مطالبها // والا فهو بالمعالي غلب أو غلبا
    07) واصدم صعاب صروف الدهر معتزم // وابذل بها عضبا تبدي لك العجبا
    08) وابعث من الحلم رأي العزم مفتكر // يعطيك قبل حلول الحادثات نبا
    09) فان الذي ما يدير الحلم في سعد // من قبل ورده مضايق طارد النوبا
    10) توريه الايام ما لا كان مُحْتَسِبا // وأصعب الأمر ما لو كان مُحْتَسَبا
    11) نجّم فكم عزم رايٍ فَكّ معضلة // وصار منه لنيل معزّةٍ سببا
    12) وإرض واغضب في كل الأمور ورف // بالملك واقطع وصل وارفع وضع رتبا
    13) كن واعيا ما مضى لفظ المقال به // من در بحرٍ غزيرٍ صافي الغببا
    14) ومع أخا ثقةٍ بالحلم معترف // كم قد أتى عرباً بالعلم من عربا
    15) وهو على من بنات اليم ساجية // سيارةٍ ما بها خدوٍ ولا خببا
    16) ما بين عرشتها العليا وفرشتها // معالجٌ من بطون المنشآت ربا
    17) ولو رمى قدمها بالبلد ما التفتت // أعيان راعيه إلا قد لها عقبا
    18) يحدا بها طاعة اليمنى وميسرة // إلى نوى النوخذا مصراعها جذبا
    19) كعرش بلقيس لما جاه مختطف // إلى سليمان ساعٍ من رسوم سبا
    20) إلى الملاذ عن احداث الزمان إلى // تاج الملوك وإبن السادة النجبا
    21) إلى الذي لم تكن تحصى فضائله // ولم يكدّر بمن الجود ما وهبا
    22) موضي سنا عامرٍ قيدوم محفلها // وِمْقيت معسرها إن وقتها كهبا
    23) يوميه يوم صخاً أو يوم هيزعة // تغدي عصا لام من يلقى لها شعبا
    24) سفكت بين سحاب الدم فانسكبت // لاطلال نبت غيث زهره الذهبا
    25) بكل مرجفةٍ دهيا مزلزلة // تجري بذو حسب من روس ذو عربا
    26) توضي بوارقها ورواق طارقها // ومظلمٌ من دياجي غبوها كهبا
    27) كصيّبٍ من غمام السحب مرتكب // يفيض منه إلى بلغ السما لهبا
    28) غدت بهم كنجوم الخسف هاوية // غدى شلايا شغايا شملهم شعبا
    29) ظنّوا بأن قلاع الصخر تمنعهم // هيهات هل شملهم ينجي لهم هربا
    30) أودعت هاماتهم شروى منابرهم // واسياف عزّك في أوداجهم خطبا
    31) وبعد ما جاك نصر الله مفتتح // ضحك الزمان بثغر العز واعتجبا
    32) ثم الصلاة على المختار سيدنا // عْداد ما بان قرن الشمس أو غربا
    والقصيدة الثانية تبلغ أبياتها ثمانية وعشرين بيتا قالها في مدح شخص يدعى محمد ابن ماجد الذي يضفي عليه في البيت السادس والعشرين لقب "ملك". ويبدو لي من كثرة استخدام هذا اللقب في أشعار تلك الحقبة أنه لم يكن له آنذاك نفس المدلول الذي نعرفه الآن وإنما كان مرادفا لقولنا "شيخ" أو "أمير" في وقتنا الحاضر. يبدأ القصيدة بالغزل ثم يطلب السقيا لدار محبوبته ليخلص من ذلك إلى المدح على الطريقة المعتادة. وفي صدر البيت السادس عشر يصادفنا مرة أخرى مصطلح "ميقات موسى". ومن الكلمات العامية "بِـدّه" في البيت الثاني و"سوّاه" أي "عمله" و"فقسا" أي "فقأ" في البيت التاسع و"احتوسا" في البيت التاسع عشر و"هايبة" أي خائفة و"حَـيْلِه" بمعنى "جهده وقوته" في البيت الرابع والعشرين. ومن التراكيب العامية "ياصل" بدلا من "يصل" في البيت الرابع عشر. ومن أمثلة تخفيف الهمزة "الارداف" في البيت الثامن بدلا من "الأرداف" (بالهمزة) و"وانا" في البيت التاسع بدلا من "وأنا" و"واخلت" في البيت السابع عشر بدلا من "وأخلت" و"خضرا" في البيت الثامن عشر بدلا من "خضراء". والتكلف البديعي واضح في البيت الثامن. والحركة التي تسبق الروي هي الفتحة ما عدا في البيت الرابع فهي سكون.
    01) عسى تجود الليالي بالمنى وعسى // نحضى بقرب تداني ظبية الوعسا
    02) ما زال غصن الصبا مني يلين فلا // بدّه إلى ما تعلاه المشيب قسا
    03) شخصٌ يشوق الأمارا حسن قامته // لنواعم الحب في لاج الحشا غرسا
    04) مجمول معزول ما تحت الثياب نشا // بربيب طيبٍ غريب الحسن والجنسا
    05) وضّاح لمّاح كالمصباح غرّته // يسوم سن قليل الغيض والحمسا
    06) في مشيها رجزٌ في لحظها حور // في ثغرها دررٌ في خدها لعسا
    07) داجي سواد الليالي من ذوائبه // كما من انوارها نور الدجى قُبِسا
    08) ثوى فؤادي بحمل الحب منه كما // تثويه الارداف عند قيامه ان جلسا
    09) يتيه وانا لما سوّاه من عمل // راضيه لو هو لموضي ناظري فقسا
    10) سقى ربى دارها من كل ناشية // ربابها لمراديف السحاب كسا
    11) عنه الطيور هوارب لاوكارها // والوحش في غامض الأكناس قد كنسا
    12) أنوار بارقها كالشمس شارقها // ولصوت صاعقها في مزنها رجسا
    13) لكن طيّار طفّاح الرباب بها // نقانقٌ نافرٌ من حس أو ونسا
    14) ما ياصل الأرض هامي وبل ماطرها // إلا وبالسيل روس الدوم قد طمسا
    15) سبتين هاميةً بالودق حامية // القاع من جود ماها والسماء وسا
    16) وتم ميقات موسى الأربعين وفا // يحظى قضاها واللي فوقها حبسا
    17) ثم انجلى غيمها واخلت مخايلها // من بعد ما فوق ربع ديارها حرسا
    18) حتى بقت من جنان الخلد ناعمة // خضرا يعطّ نداها بكرةً ومسا
    19) من نور غيّاف زاهي نبتها وبها // معروف نبتٍ ومجهولٍ قد احتوسا
    20) لكن فيها رنين الطير من طرب // في روس غيّاف زاهي نبتها جرسا
    21) لكن بهجتها للملتجين بها // بعد الخلا باختلاف الجدب واليبسا
    22) جود ابن ماجدٍ النخي إلى // في شدة الوقت كالوب الزمان قسا
    23) محمد زبن وندات العياد إلى // نقع السبايا على وجه المهاة كسا
    24) يثني على الخيل والفرسان هايبة // وسور من جاذيٍ حيله وقد خنسا
    25) وحجاب عنها وهي صلجٍ مسامعها // وقبل ذا لا بها صلجٌ ولا خرسا
    26) مَلْكٌ فرايسه ارباب التخوت وفي // كلتا بنانيه أنف الجود قد عطسا
    27) وجسام جل العطايا من وهايبه // الهجن والخيل والعطعاط والفرسا
    28) ثم الصلاة على المختار سيدنا // ما قام من قايمٍ أو جالس جلسا
    والقصيدة الثالثة غزلية تبلغ أبياتها ثلاثة وعشرين بيتا. ويصدق على هذه القصيدة ما قلناه عن سابقاتها بالنسبة للفصحى والعامية. و"كاظمة" في البيت الثاني عشر يقصد بها الثعبان السام كما يوضح ذلك البيتان الثالث عشر والرابع عشر من قصيدة سنوردها لرميزان يرثي بها أخاه محمد. والأماكن التي يذكرها في البيت الثامن عشر مثل الوصيل وبنبان والحجر والسلي قد تدل على أن عامر السمين من أهل العارض وتسند القول بأنه من ملهم حسب بعض الروايات.
    01) يامرحبا بالذي قد زارني وهن // والليل ثوبه فوق الأرض قد طاحِ
    02) والناس في طيب حلو النوم هاجعة // وعن عيوني لذيذ النوم منزاحِ
    03) أهلا بمن لا أطيع العاذلين به // ولا به اسمع من العذال نصّاحي
    04) أهلا بمن سقم حالي من مفارقه // ومن عليه كنين الصبر قد باح
    05) ياعذب الانياب ياترف الشباب ويا // معدوم الاوصاف يابدري الاصباح
    06) يافاتر اللحظ ياغال الوصال ويا // سميح الاقبال ياسلال الارواح
    07) يامن يميل كغصن البان مندجر // ياشمس ياقمر ياغاية ارياحي
    08) يامن وداده نشا باقصى الحشا وغشى // من قد نشا برق حبّه بالحشا لاح
    09) كيف انت قد زرتني والناس هاجعة // وانا بعيدٌ على مرباك منزاح
    10) لا تحسب اني على فرقاك منسيني // ذكراك يامنيتي من دون نصّاحي
    11) قعدت والناس م الاوسان شاربة // كاس النعاس من الوسنات سياح
    12) لكنني مغرمٌ من سن كاظمة // أو شاربٌ من غشيم معتّق الراح
    13) من كاس شرطا شمولٍ غير محدثة // حمرا مشعشعةٍ لارواح الارواح
    14) تسبي العقول بعينا عين مغزلة // والجيد جيد مهاةٍ من مها الضاحي
    15) سقى ربى دارها بالدلو ناشية // سبتين هامية ممسى وإصباح
    16) متهلهل هامي تلقى مساحبه // بضّاض نضّاض هامي الودق سحاح
    17) رجّاس فرّاس لجب الرعد ملتبس // برقه بمزنه غزير المزن ضحضاح
    18) يسقي الوصيل وبنبان وما الحجر // واجا وبطن السليّ ولايحٍ لاح
    19) جزوى لمن حل فيها من نشعت به // ومن فراقه لسر القلب قد باح
    20) من كان ينفل جميع البيض إن برزت // دومٍ لميزانها بالزين رجاح
    21) تركي قيسي عراقيٌّ مجاذبه // بَدْرِيُّ دُرّيُّ في خدّيه تفاح
    22) هو داي ودواي واسقامي وهو مرضي // يامسلمين وهو أسباب إصلاحي
    23) ثم الصلاة على المختار سيدنا // ما هل هلال فوق الأرض أو ساح
    ومن قصائد عامر السمين التي لم تنشر هذه النصيحة على البحر الهلالي. ولغة هذه القصيدة العامية تؤيد زعمنا بأن الفصاحة في القصائد السابقة فصاحة غير سليقية، لأن سليقية الفصحى تعني عدم ظهور العامية وتفشيها بعد. والبيت الرابع عشر يذكرنا بقصيدة المهادي.
    01) يقول ابو سلطانٍ فتى الجود عامر // الاقوال م الاجواد ما نستعيرها
    02) رأيت أنا باريا الرجال رميقه // عين البصير وغيرها يستنيرها
    03) عمى الراي للرجّال يوطيه ما درى // وهو جاهلٍ من كل بيرٍ غزيرها
    04) فلا خير في رجلٍ إلى عاد شوره // كلون الرحى من جا إليها يديرها
    05) وصار الذي يخفى على الضد ظاهر // والاجواد تخفي سرّها في ضميرها
    06) غدى في مثاني ما غدى في مذاهب // لو ارضى أوايلها كرهنا أخيرها
    07) ومن يرجي الأعدا برجوى صداقه // كالافعى إلى جاها جهولٍ يجيرها
    08) يلقى إلى خانوه ريحٍ خبيثه // حقيقٍ بهذا الحال لا رحم صيرها
    09) اخبر دليل الناس الى كنت جاهل // بافعال ما كد ما مضى من مسيرها
    10) إلى داس رجلٍ زلةٍ فاعلم انه // لزومٍ عليه ان عاش سوّى نظيرها
    11) عجبت لمن يعطي قصاياه ضدّه // من الناس أمسى غلّ داها عسيرها
    12) ترى اكثر خلان الرخا قلّبِيّه // إلى اشتدت الشطّه تراخى كثيرها
    13) فلا يروي العطشان عن لاهب الظما // إلى ورّد الما من حباله قصيرها
    14) والانذال لا تذري ولا ينذرى بها // والاجواد تعطي نصحها مستشيرها
    15) على مثل بيتٍ قيل في ماضيٍ مضى // الاقوال يغني قلها عن كثيرها
    16) فإن يد سرّت عداها وحاربت // عزاها بداه اللوم واللي مثيرها
    17) كرتبة مجدٍ يذكر الناس فضلها // بعيده وعِدّي نيلها عن قصيرها
    18) فيانفس داري مجلس الظلم واحذري // دقاق المعاني واعلمي في نديرها
    19) من ضيع الحسنى من الناس قادر // كمن خان في عاريّةٍ يستعيرها
    20) الاسرار تبغى من ورا سد عارف // أخا فكرةٍ في كل خيرٍ يديرها
    21) ولاضداد تبقى عقدها من يحلّها // إلى حل مربوع القدى من وسيرها
    22) ترى كسر عظم الساق يرجى جبوره // وعيب السلاما ما يداوى كسيرها
    23) خذها كوصف الدر مني وصيه // أجارك من سو الليالي مجيرها


    jhvdo hg],gm hg[fvdm >> p;hl ,sgh'dk


  2. #2

    افتراضي

    قطن بن قطن والعليمي
    من فرع الجبريين الذين حكموا في شمال عمان يرد اسم قطن بن قطن (الحميدان 1980:84؛ 1981:212-214) الذي ربما يكون له صلة بالأمير الذي مدحه الشاعر العليمي بقصيدتين نشرهما الحاتم في الجزء الأول من مجموعة (1952، ج1: 37-40). يقول مطلع أحد القصائد:
    يازايرن في عمانٍ قبل ينجالِ // جنح الدجى والملا بالنوم ذهّالِ
    ويقول مطلع القصيدة الأخرى:
    ألى ياأيها المترحّلينا // على اكوار النضا ياراشدينا
    ولا ندري من هو العليمي هذا ولا ما إذا كان العليمي اسمه أو لقبه. لكن من المؤكد أنه من وادي حنيفة في منطقة العارض، فهو يقول في إحدى قصائده:
    يازايرن في عمانٍ قبل ينجالِ // جنح الدجى والملا بالنوم ذهّال
    ياطول خطوتك من نجدٍ إلى مَلَحٍ // ومن دونك الأرض قفرٍ صحصحٍ خالي
    أنا بوادي عمانٍ عنكِ منتزحٍ // وانتِ بوادي حنيفه عال الاوشالِ
    والموقع الذي يرد في نهاية الشطر الأول من البيت الثاني يرد اسمه "ملح" في بعض المخطوطات و"منح" في البعض الآخر. ولم أعثر على أي ذكر لموقع بأي من هذين الرسمين لا في فهارس مجلة العرب ولا في المجاز بين اليمامة والحجاز ولا في معجم اليمامة لابن خميس، ومن المؤكد أن المقصود هو موقع في عمان يسمى "منح" حيث لا يورد ياقوت في معجم البلدان أي ذكر لمنح لكنه يورد مَلَح ويقول عنه "موضع في ديار بني جعدة باليمامة" ويورد أبياتا للشاعر جرير تذكرنا بأبيات العليمي يقول فيها وهو منتزح عن ملح في الغور:
    ياأيها الراكب المزجي مطيته // بلغ تحيتنا، لُقّيت حُملانا
    نهدي السلام لأهل الغور من ملح // هيهات من ملحٍ بالغور مُهدانا
    ويثبت العليمي في قصيدته الأخرى انتسابه إلى منطقة العارض حيث يقول:
    من العارض إلى وادي عمانٍ // على هجنٍ مواطيهن حفينا
    إلى قطنٍ معاد الجود قطن // حجاً للجار وريف الممحلينا
    في هذا البيت الأخير يسمي العليمي ممدوحه قطن ويصفه بالأريحية والكرم، وهذه رواية ابن يحيى. وتكاد تتفق رواية الربيعي مع ابن يحيى عدا اختلاف طفيف كما يتبين هنا:
    من العارض إلى وادي عمان // على قودٍ مواطيها حفينا
    فقلت الى قطن بن قطن // حجا الجاني وريف الممحلينا
    لجا الوفّاد من شرقٍ وغرب // ابن جبرٍ غناة الوافدينا
    وهذه الرواية تؤكد أن الممدوح من أمراء الجبريين. أما نسبته إلى تميم في رواية الحاتم للبيت:
    لقطن معدن الجود قطن // تميميٍّ وريف الممحلينا
    فهذا يدخل في باب الخطأ. ونجد في رواية الحاتم لقصيدة العليمي الأخرى التي يمدح بها قطن بن قطن تصريحاً بأن قطن من أحفاد هلال بن زامل، أخي أجود. يقول البيت:
    قطن بن قطن بنخا قطن // ولد هلالٍ عريب الجد والخال
    ويروي الربيعي البيت بصورة تتفق مع رواية الحاتم في أن قطن الأب ابن أخ لشخص آخر اسمه قطن:
    قطن بن قطن بن آخي قطن // عيد اليتاما عريب الجد والخال
    أما في رواية ابن يحيى للبيت نفسه فإن قطن الأب ليس ابن أخ قطن بل "نجيب قطن" أي ابن قطن مما يعني أن الاسم الكامل هو قطن بن قطن بن قطن. تقول الرواية:
    قطن بن قطن نجيب قطن // ولد هلالٍ عريب الجد والخال
    وهذا يتفق مع الرواية التي أوردها سليمان الدخيل في مخطوطته والتي يبدو أنها هي الرواية الصحيحة:
    تنجع إليه ضعاف الممحلين كما // ينجع لابن جبرٍ المضيوم والجالي
    قطن بن قطن بن النخي قطن // ولد عليٍّ نجيب الجد والخال
    أي أن "ابن اخي قطن" حسب رواية الربيعي و"بنخا قطن" حسب رواية الحاتم تحريف لعبارة "ابن النخي قطن" في رواية الدخيل وهذا وصف للجد قطن بأنه نخي أي صاحب نخوة. وكلمة نخي من الكلمات التي يكثر استخدامها آنذاك في قصائد المدح. يقول النابغة ابن غنام يمدح محمد بن اجود:
    صخيٍّ نخيٍّ اريحيٍّ مجرّب // حبيبٍ لبيبٍ للشكالات طالب.
    ويقول عامر السمين في مدح ابن ماجد:
    جود ابن ماجدٍ النخيّ إلى// في شدة الوقت كالوب الزمان قسا.
    ويقول شاعر متأخر:
    أضاميم احلافٍ مْولين امرهم // أخا المجد عثمان النخي ابن مانع.
    أما الخلاف حول ما إذا كان الجد الأعلى للمدوح هو هلال (الحاتم وابن يحيى) أو علي (الدخيل) فهو خلاف ظاهري يزول إذا ما عرفنا أن قطن جد الممدوح اسم أبيه علي واسم جده هلال، وبعض الرواة يقفز علي ويذهب مباشرة إلى هلال لأنه الأشهر. ومن تدبر هذه الروايات المختلفة للبيت ومقارنتها يبدو أن الممدوح هو قطن بن قطن بن قطن بن علي بن هلال بن زامل، والذي نقدر أنه ولي أمر عمان في النصف الثاني من القرن العاشر، ربما في آخره.
    ومن الألقاب التي أطلقها العليمي على الأمير قطن "أبو منيف"، يقول في أحد قصائده حسب رواية الربيعي:
    ينخن سور الظعن ابو منيف // والموت يمشي معه قصّاف الآجالِ
    ويقول في الأخرى:
    وهذا اطرف عطايا بو منيف // مجوّز علثة المتعلثّينا
    ويرد اللقب "أبو منيف" للإشارة إلى قطن أيضا في قصيدة تغلب عليها الفصاحة على بحر البسيط وجدتها في مخطوطة سليمان الدخيل قالها شاعر اسمه موافق يمدح بها قطن. هذا الاتفاق في اللقب "أبو منيف" في قصيدة موافق والقصيدة السابقة برواياتها المختلفة يشير إلى أن ممدوح موافق هو نفس ممدوح العليمي، قطن بن قطن بن قطن بن علي بن هلال.
    ونورد هنا قصيدة موافق وهي من الناحية الموضوعية قصيدة مركزة يبدأها بالغزل ولا يشذ عنه كعادة من مر بنا من الشعراء الذين يخوضون في مقدماتهم الشعرية في الحديث عن الطيف والأطلال والمطر وما لاقوه من أهوال في طريقهم إلى الممدوح. ومن الغزل ينزلق موافق برشاقة شعرية في البيت الثاني عشر إلى مدح قطن بأبيات قوية منوها بشجاعته وكرمه والهبات التي حصل عليها منه. ثم يشكو إليه الوشاة الذين فرقوا بينه وبين حبيبه. ولا يفصح الشاعر حقيقة عن مراده فهو يختتم قصيدته مشيرا إلى أن قطن أنبه وأذكى من أن يحتاج إلى شرح وتصريح ليدرك ما يريده الشاعر. وهكذا تنتهي القصيدة وتترك في الذهن إيحاء بأن الشاعر جاء ليشكو إلى قطن من لواعج الحب. والشكوى من الحب وطلب العون في تحقيق اللقاء والوصال مع المحب من المواضيع التي يطرقها شعراء النبط كثيرا في إخوانياتهم ومراسلاتهم الشعرية، وهذا الموضوع يشكل فنا قائما بذاته في التراث الشعري النبطي. لكن هذه المشاكاة الشعرية عادة تكون بين شعراء نظراء وأنداد، أدبياً واجتماعيا. وعادة ما يلجأ الشعراء إلى هذا الأسلوب فيما بينهم حينما يريدون التعرف على بعضهم البعض والتقرب من بعضهم البعض. والتشكي إلى شخص آخر من آلام الحب يعني نوعاً من الندية ورفع الكلفة بين الشاعر وذلك الشخص الآخر. هل وصلت المعرفة والعلاقة بين الشاعر موافق والأمير قطن إلى حد رفع الكلفة؟ هذا ما يوحي به البيت الثالث والعشرين. هذه الصورة تجعل من قطن شخصية قريبة إلى الناس ومحبوبة منهم. ومما يزيد في جاذبية هذه الشخصية أنها نذرت نفسها لمساعدة العشاق والمغرمين، كما تصور ذلك المخيلة الشعبية. وبهذه الآلية تحول قطن بن قطن من شخص تاريخي إلى رمز أسطوري وشخصية خيالية تحاك حولها الكثير من الحكايات الطريفة التي مرت بنا واحدة منها حينما تناولنا قصة أبي حمزة العامري مع زوجته ودور قطن في القصة، على الرغم من البون الزمني الشاسع بين هاتين الشخصيتين. ومما يعزز هذه الأساطير عن شخصية قطن المقدمات الغزلية التي تستهل بها القصائد التي قيلت في مدحه مثل قصائد موافق والعليمي. وفسر المتأخرون هذه المقدمات الغزلية تفسيرا حرفيا دفعهم إلى الاعتقاد بأن كل من لديه مشكلة غرامية ذهب إلى قطن بن قطن يطلب العون منه ويتوسل إليه أن يسعى في تخفيف معاناته ويتوسط له في لم شمله مع من يحب.
    ومن الكلمات العامية في القصيدة "سحن" بمعنى "سحق" و"يقادي" أي "يشابه ويماثل" و"يجي" بدلا من "يأتي"، وعبارة "أوي ظن" في البيت الرابع عشر تعني "ياله من ظن وحدس!". ومن الواضح أن حركة الروي هي الكسرة لكن الالتزام بالكسرة في كل أبيات القصيدة يعني ارتكاب أخطاء لغوية شنيعة بمقاييس الفصحى هي كسر الفعل الماضي المبني على الفتح في البيت الأول وكسر المفعول المطلق في البيت الثالث وكسر الفاعل في البيت الثامن، وهكذا. تقول قصيدة موافق:
    01) بان الخليل ومن نهوى عن القمن // ومنه حبٌّ بلاج القلب قد مكن
    02) وفْراق من نهتويه ان بات منتزحا // عنا بعيد النيا محنٌ من المحن
    03) ما ناح نايحه أو راح رايحه // إلا بقى القلب يسحنه الهوى سحن
    04) ولا ذكرت ليالينا التي سلفت // إلا بقى الجسم مني ناحل البدن
    05) ولا طرى أو سرى طيفٌ يذكّرني // لياليا قد مضت في سالف الزمن
    06) ولا تجاوب قمريٌّ مفاجيه // ضيم الزمان ومفجوعٌ على شجن
    07) ولا حدى حاديٌ إلا وقلت له // ياحادي العيس بالله لي عليك عن
    08) حتى تتابع من الأجفان منتثر // دمعٌ يقادي جمانٍ خانه القرن
    09) يجي بغير اختياري لا أرد له // ترعٌ قد احرق حامي فيضه الوجن
    10) من صاحبٍ نازحٍ خال الوصال قصى // عني قد اختلفت في هجره الظنن
    11) والله يدري بحالي لو كتمتها // عن الوشاة مداراةً عن الفتن
    12) خضعت راسي لها كرهاً علَيّ كما // تخضع رقاب العدا لقطن بن قطن
    13) ركنٌ سنادٌ على الشدات مدّخر // إلى علَيّ زمان النابيات عن
    14) ومنه قد نلت نيلاً من حماه ومن // لي فيه ظنٌّ على الشدات أوي ظن
    15) ومن عطاني عطايا من وهايبه // دَعَنّ عني عصاف النايبات عن
    16) ليته يرى أو درى باللي بُليت به // من الوشاة ومن فقد الأليف حن
    17) عرج على التالي عسى ردته // يثني على طايحٍ بالأرض مرتهن
    18) من فوق عبل الشوا سلمٍ معربّها // أوراد حوض وطيس الضرب والطعن
    19) وشيحفٌ آفةٌ زرقا مطرّقة // مسقيةٌ من شبا المرّاد ربع من
    20) وطاسةٌ ناصحٌ صلدٌ مذكّرةٌ // وابو منيفٍ منى ضيف الشتا قطن
    21) نهّاب وهّاب ما تملك أنامله // محمود معروف لى انوى هيبة الوطن
    22) إلا وراعي عطايات تأملها // يوم ولو هزل من جزلها بمن
    23) إليك أشكي أموراً قد بليت بها // والسد ينشر على الخلان ما يكن
    24) الحال تنبيك عن رد السؤال ولا // يغبى على العارف العنوان واللحن
    25) ثم الصلاة على المختار سيدنا // ما لاح برقٌ وما داج الظلام وجن
    ويحكي الرواة الشعبيون رواية أسطورية عن صلة الشاعر العليمي بالأمير قطن يجد القارئ نماذج منها في الجزء الثالث من مجموعة منديل الفهيد من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية (1403: 25-26)، وفي كتاب إضمامة من التراث لسعد بن محمد بن نفيسة (1981: 47-52)، وتقول رواية النفيسة والفهيد إن العليمي من العيينة. كما ترد القصة في الجزء الثالث من كتاب أساطير شعبية من قلب الجزيرة العربية لعبد الكريم الجهيمان (1400، ج3: 193-214)، وتقول رواية الجهيمان إن العليمي من القصيم، وفي هذا خلط بينه وبين الشاعر الشعيبي من عنيزة والذي مدح بركات الشريف. ولا يقف الخلط بين العليمي والشعيبي عند تحديد موطنهما، بل إن المرحوم عبدالله الزامل (1398: 120-123) وكذلك النفيسة (1981: 47-52) يوردان ظروف اتصال الشعيبي بالشريف بركات في حكاية تشبه حكاية اتصال العليمي بالأمير قطن. ونتيجة تداخل الأحداث الأسطورية في السرد الشعبي نجد خلطا في أذهان الرواة بين الشاعر الشعيبي وعلاقته بالشريف بركات وبين الشاعر العليمي وعلاقته بالأمير قطن بن قطن. وقد يؤدي هذا التشابه والتداخل إلى الاضطراب لو عمدنا إلى قراءة هذه الشخصيات بمنطق التاريخ. الحكايات التي تنسج حول هذه الشخصيات أقرب إلى التاريخ في شكلها السردي لكنها أقرب إلى الشعر في فك رموزها واستنباط معانيها. التداخل الحادث بين هذه الأساطير، بين هذه الأعمال الإبداعية، لا يختلف في ذلك عن الشعر وما نشاهده من اشتراك القصائد في الموضوعات والصور والتشبيهات والاستعارات وغير ذلك من الأدوات الفنية. لا بد من الاحتكام لمنطق الأدب والفن بدلا من منطق العلم والتاريخ في تعاملنا مع هذه الأساطير. تستعير الأساطير من بعضها البعض المواضيع والأحداث وعناصر السرد مثلما تستعير القصائد من بعضها البعض المقدمات الطللية والغزلية ووصف الرحلة والناقة ومناظر الطرد ووصف الغيث.
    وملخص حكاية العليمي مع قطن أن ابن حاكم البلد التي يقطنها العليمي وزوجته وأمها استطاع بذهبه البراق أن يغري أم البنت الجشعة التي أرغمت ابنتها الجميلة والمغلوبة على أمرها على التنكر لزوجها العليمي الذي كانت تحبه لتمهد لزواجها من ابن الأمير. وشد العليمي رحاله إلى أمير عمان قطن بن قطن ليستنجد به ضد الأمير وابنه. فهب قطن لمساعدته واتفق وصولهما إلى البلدة في نفس الليلة التي كانت فيها زوجة العليمي تزف إلى ابن الأمير. فاحتال قطن وتمكن من الوصول إلى مخدع العروسين وقتل ابن الأمير وخلص المرأة منه وردها إلى زوجها. وكادت خطة قطن في الوصول إلى مخدع العروسين أن تفشل حين مرت بالقرب منه حينما كان مختبئا في أحد زوايا المنزل عجوز بدأت تعرك أنفها وتتشمشم وقالت: أشم زبادا من النوع الفاخر الذي لا يتطيب به إلا قطن بن قطن. عندها مد قطن يده إليها من الخلف وفرك رقبتها بحركة سريعة ماهرة فماتت في الحال دون أن تحدث ضجة أو تسيل دما. فأسندها إلى أحد الحيطان وتركها كما لو كانت جالسة وغشاها النعاس. ويقول الفهيد والنفيسة إن اسم زوجة العليمي حصة؛ وهذا أيضا هو الاسم الذي يرد في أحد مخطوطات هوبير في مقدمة القصيدة اللامية التي تقول "أيضا له في قطن يوم تجيه حصه بالرويا".
    والقصيدتان اللتان قالهما العليمي في مدح قطن من القصائد الرائجة التي تناولتها أيدي النساخ ونشرت في أكثر من مكان. وقد حاولت التوفيق بين هذه المصادر، مع التركيز على المصادر الخطية، للخروج بنص كامل مستقيم. وبالرغم من ذلك يبقى النص الذي اجتهدت في تحقيقه من المصادر المتاحة لي يعاني الكثير من الخلل والاضطراب. وقد مر بنا في بداية هذا الجزء حينما تحدثنا عن منشأ العليمي وعن من يكون قطن كيف تختلف كلمات الأبيات ورواياتها من مصدر لآخر. ونبدأ بالقصيدة اللامية والتي يتحدد مضمونها في ثلاثة مواضيع: موضوع الطيف والنسيب والذي يستغرق تسعة عشر بيتا ثم المطر من البيت العشرين حتى السادس والعشرين ثم المدح في الأبيات الإحدى عشر الأخيرة. وتخلصه في البيت السادس والعشرين من المطر إلى المدح تخلص بديع لكننا نصادفه كثيرا في شعر شعراء آخرين مثل عامر السمين وجعيثن اليزيدي وغيرهما. أما بالنسبة للبيتين الثالث والثلاثين والرابع والثلاثين فلا ندري هل تشابههما مع البيتين الرابع والخمسين والخامس والخمسين من قصيدة عامر السمين في مدح قضيب بن زامل من نوع وقع الحافر على الحافر أم هو خلط من الرواة بين القصيدتين اللتين تتفقان في البحر والقافية. والقصيدة قصيدة مدح عادية ليس فيها ما يوحي بأي حال من الأحوال بأن العليمي جاء قطن مستصرخا ليرد له زوجته. حتى المقدمة الغزلية، وهي مقدمة طويلة نسبيا، ليس فيها ما يدل على أن العليمي يقصد بها زوجته، وإنما هي مقدمة تقليدية لا تختلف عن مثيلاتها في القصائد الأخرى. وواضح من هذه القصيدة ومن القصيدة التي سنوردها بعدها أن العليمي وفد على قطن مستجديا لا غير ومدحه أملا في عطائه، كما هي عادة الشعراء مع الأمراء.
    والقصيدة على بحر البسيط ولغتها عامية عدا أن الكلمة الأخيرة في صدر كل بيت من أبيات القصيدة تقريبا يلزم نطقها نطقا فصيحا لإقامة الوزن. وقد يمتد النطق الفصيح ليشمل الجزء الأكبر من الصدر، إن لم يكن كله. والصيغة "لا تطع" في البيت التاسع صيغة فصيحة يقابلها في العامية "لا تطيع"، أي أن العامة لا تحذف عين الفعل الأجوف في صيغة الأمر والنهي.
    01) يازايرن في عمانٍ قبل ينجالِ // جنح الدجى والملا بالنوم ذهّالِ
    02) ياطول خطوتك من نجدٍ إلى مَلَحٍ // ومن دونك البيد قفرٍ صحصحٍ خالي
    03) أنا بوادي عمانٍ عنكِ منتزحٍ // وانتِ بوادي حنيفه عالى الاوشال
    04) أهلا هلا مرحبا بالطارش الهاشل // في تالي الليل عندي نافقٍ غالي
    05) حيّه ولا تجعله أتلى مواصله // وان تجعله أوّلٍ ما ييزي التالي
    06) أهلا بمن صابني بالبعد والنيا // له بالضماير مقرٍّ فيه نزّال
    07) يامايث العطر ياغض الشباب ويا // حوريّ الالحاظ ياجرّار الاذيال
    08) وراي انشّد طروشك عنك محتفي // والا انت من جاك ما سايلت عن حالي
    09) قال اقبل العذر مني لا تكذّبني // ولا تطع يالعليمي فيّ الاقوال
    10) والله ما زلّ يومٍ ما ذكرتك به // في طول غيبتك انا انشد عنك واسال
    11) مفجوع ماجوع جسمي منك منتحل // وفي ضميري على فرقاك ولوال
    12) يانور عيني وياسيدي وياسندي // وممنوع وضع روابط لمواقع اخرىممنوع وضع روابط لمواقع اخرىممنوع وضع روابط لمواقع اخرىممنوع وضع روابط لمواقع اخرىاي ان جرح الحب قتّال
    13) تلّيت عرفه وزندي فوق منكبه // وشربت من فاه علٍّ عقب الانهال
    14) من سلسبيلٍ كما ثلجٍ مخالطه // شهد النحل ديث في مربوب الاطسال
    15) واصبحت كني ملكت الهند مع حلب // مع مصر والشام وما يخزن من المال
    16) يالايمين العليمي في مودّته // ما اظن فيكم ورب البيت عِقّال
    17) لو تنظره نظرتي ما كان تعذلني // وتشهد بقول العليمي والذي قال
    18) مجمول مدلول كاللولو ضواحكه // معزول مهزول خصره طيّب الفال
    19) حيّال ميّال قتّالٍ بنظرته // ما عاضني فيه من أجناسه ابدال
    20) الله يسقي ديارٍ حل جانبها // من مدلهمٍّ طوال الليل هطّال
    21) جرّاف ذرّاف مرتكبٍ سحائبه // تلجب رعوده وبرقه يشعل اشعال
    22) لكن بعياز مزنه يوم تنظره // سفنٍ من الهند جاه الموج من عالي
    23) تشوف نسف الغثا على جوانبه // سفّاح طفّاح شال هشيمه البالي
    24) يسقى الدجاني إلى بركٍ إلى مَلَحٍ // إلى سنامٍ إلى معمورة الجال
    25) من عقب خمسين وشي الزهر مختلف // يشادي لزل الزوالي عند دلال
    26) تعني إليه ركاب الممحلين كمايعني // إلى قطن المضيوم والجالي
    27) قطن بن قطن بن النخي قطن // ولد هلالٍ عريب الجد والخال
    28) شيخٍ عطاياه جرد الخيل ملبسة // وكل اجرد عطعيطٍ وصهّال
    29) والحمر والتمر صفطٍ من وهايبه // وهجاهج الهجن منتوبات الآصال
    30) خوّاض جمع العدا في كل هيزعة // خرسٍ تجاول بها فرسان الابطال
    31) والبيض فيها كشمس الصبح شارقة // يَنْخَن فوق الْحِنِيْ في حسّها العالي
    32) ينخن سور الظعن ابو منيف قطن // والموت يمشي معه قصّاف الاجال
    33) عسى يباريه في دنياه أربعة // عزٍّ ونصرٍ وتوفيقٍ وإقبال
    34) وملازمٍ كل من عاداه أربعة // غلٍّ وذلٍّ وخذلانٍ مع اقلال
    35) حيثه حبيبٍ لبيبٍ ما وطا زله // ريف المقاوى إلى من جوه هِشّال
    36) ثم الصلاة على المختار سيدنا // ما طاف بالبيت من حرمه ورجال
    37) والآل والصحب ما زار الحبيب وقلت // يازايرن في عمانٍ قبل ينجال
    وقصيدة العليمي الثانية في مدح قطن تتفق مع معلقة عمرو بن كلثوم
    "ألا هبي بصحنك فاصبحينا" في القافية وكلاهما على بحر الوافر. والبيت الثلاثون وما بعده يذكراننا بقول ابن كلثوم في معلقته:
    متى ننقل إلى قوم رحانا// يكونوا في اللقاء لها طحينا.
    ولا ندري إذا كان هذا الشبه مجرد اتفاق ومصادفة أم تقليداً واتباعاً ناتجاً عن قراءة واطلاع. ومما يوحي أيضا بأن العليمي رجل متعلم تهجيته لكلمة "غش" في البيت الثامن والستين. إلا أن القصيدة عامية صرف ما عدا قليلا من المفردات الفصيحة أو العبارات والكلمات التي يساعد نطقها بالفصحى على إقامة الوزن، وسوف نجد أن نسبة الفصاحة أقل في هذه القصيدة عن سابقتها. ومن الكلمات الفصيحة كلمة "قرينا" التي ترد في البيت الثالث بمعنى "ضرب من السير" وفي البيت العاشر بمعنى "صديق" أو "رفيق" وفي البيت الخامس والسبعين بمعنى "ند". وفي البيت العشرين يستخدم الشاعر كلمة "يرونني" الفصيحة بدلا من "يشوفونني" العامية، وصيغة النداء "ألى ياأيها" صيغة فصيحة وكذلك الصيغة "عُـجا" في البيت الرابع صيغة فصيحة يقابلها في العامية "عوجوا"، أي أن العامة لا تحذف عين الفعل الأجوف في صيغة الأمر والنهي ولا تستعمل المثنى، كذلك صيغة النهي "لا تلمني" في البيت الخامس والأربعين فصيحة يقابلها في العامية "لا تلومَـنْ". ومع ذلك فإن قصيدة العليمي هذه والقصيدة التي قبلها وتلك التي بعدها قصائد عامية تشير إلى استقرار العامية وتأصلها كلغة شعرية في عصر العليمي. ومع ابتعاد شعر العليمي عن الفصحى فإننا لا زلنا نشعر أنه يمثل مع أبي حمزة العامري، الذي يفتتح بقصائده بداية التأريخ للشعر النبطي، تراثا شعريا وفنيا واحدا. فقصيدة العليمي التي سنوردها الآن هي في الواقع قصيدة نموذجية في عمودها حيث أنها ليست إلا محاولة للتأليف بين أكبر عدد ممكن من العناصر الفنية والموتيفات الشعرية التي كان الشعراء يتداولونها من أيام أبي حمزة ومرورا بابن زيد وجعيثن والسمين.
    يبدأ العليمي قصيدته مصورا نفسه واقفا على الطريق في انتظار قافلة ذاهبة إلى عمان ليسير برفقتها إلى هناك. وتأتي القافلة فيتوسل لهم أن يتريثوا قليلا حتى يتم استعداداته للذهاب معهم. ويستطرد في وصف إبلهم النجيبة وصلابتها وصلابة أهلها. ويبرر هذه المجازفة التي تتمثل في الذهاب إلى هذه البلاد البعيدة وتكبد مشاق السفر وأهوال الطريق بأن ذلك، على ما فيه من تعب ونصب، أخف وطأة على نفس الرجل الحر من القعود والكسل الذي يؤدي إلى الخمول والمهانة. وحينما يقل مال الرجل ينظر إليه الناس بانتقاص غير آبهين باستقامته الخلقية ومواقفه الرجولية ورأيه الصائب وشجاعته. المجتمع يحترم الغني ولا يحترم الفقير. هذه هي مشكلة العليمي مع جماعته الذين يتأهب الآن لمفارقتهم. فلابد له أن يخاطر بنفسه ويبحث عن الغنى ليكتسب احترام الناس وتقديرهم. وهو علاوة على ذلك يمتلك من الشجاعة والجلد وحصافة الرأي ما يجعله قادرا على تحمل المخاطرة ومخاوف الطريق. ويتوقف الشاعر هنا قليلا لينثر بعض أبيات الحكمة عن الصفات الرجولية وعن طبائع البشر وعن القيم التي ينبغي أن يراعيها الإنسان النبيل. ويردف قائلا بأن المال لا يوجد مكنوزا إلا عند شحاح الناس وأراذلهم، وقد سبق لنا سماع هذه الشكوى عند أبي حمزة. وشكوى الشاعر من قومه وتذمره منهم موضوع يتردد كثيرا في أشعار الحقبة الجبرية كما في القصيدة التالية وكما مر بنا في قصائد ابن زيد والسمين وفي مقدمة القصيدة التي قالها جعيثن اليزيدي في ذم ابن حراش، وكأن الشاعر بذلك يريد أن يضع نفسه أمام الممدوح في موضع العزيز الذي ذل فهو يستحق الرحمة أو الكريم الذي عثر فهو يستحق الإقالة. أو ربما أنه يريد أن يؤكد أنه، على الرغم من زهد جماعته فيه، رجل صاحب رأي وشجاع ويعتمد عليه ويمكن الانتفاع به لذا يستحسن تقريبه وصلته واصطناعه. وأصبح هذا الموضوع من العناصر الفنية التقليدية التي تقوم عليها قصيدة المدح مثلما كان العذول أو اللُـوّم مثلا عنصرا فنيا من عناصر قصيدة الفخر في شعرنا الكلاسيكي.
    وفي البيت الأربعين يبدو وكأن القصيدة تبدأ بداية ثانية. فهو مرة أخرى يتكل على الله ويتأهب للمسير ويركب مطيته. وهنا نصادف مشهدا سبق أن مر بنا في لامية أبي حمزة التي مدح فيها الشريف كبش بن منصور، أقصد مشهد زوجة العليمي وهي تسير وراءه تودعه وتحاوره وتعلن حزنها على فراقه ليتخذ الشاعر من ذلك مدخلا لطيفا إلى المدح واستدرار عطف الممدوح ومروءته. ويمدح العليمي قطن بالشجاعة والكرم ويصف مهابته في أعين المتخاصمين أمامه فلا أحد منهم يستطيع بحضوره وفي مجلسه أن يقتص من غريمه. وفي البيت الرابع والستين يصف العليمي قطن بأنه "مجوّز علثة المتعلثينا". و"العلثة" هي الحيلة التي يلجأ إليها صاحب الحاجة ليدرك بها حاجته. والمقصود الحيل الفنية والطريفة التي يلجأ إليها الشعراء وغيرهم ممن ألحت بهم الحاجة واضطرهم العوز للحصول على عطاء الأمراء الذين يعرفون حقيقة هذه الحيل لكنهم لشهامتهم ومروءتهم يتظاهرون بتصديقها ويقضون حاجة الوافدين والمسترفدين دون التحقق من صحة دعاويهم التي يحتالون بها على الممدوح. وفي البيتين الواحد والسبعين والثاني والسبعين يقول الشاعر بأنه يلوذ بالممدوح من الفقر ومن الخوف مثلما تلوذ الوعول بشعاف الجبال. وهذه أول مرة نصادف هذه الصورة لكننا سنصادفها كثيرا بعد الآن، كما في البيت الرابع والستين من قصيدة محمد بن منيع العوسجي في مدح سعدون بن محمد بن غرير، وكما في البيت الأخير من سينية سعود بن مانع.
    01) ألى ياأيها المترحّلينا // على اكوار النضا ياراشدينا
    02) على هجنٍ هجاهيجٍ هجافٍ // كما وصف القياس إلى حنينا
    03) مشاويحٍ مراويحٍ صلابٍ // على قطع التنايف والقرينا
    04) عُجا لي واوقفا لي فان حالي // براها الهم والعسر المبينا
    05) عسى ياخلتي ننال خير // على اكوار النضا يوم اعتلينا
    06) إلى سرنا يوافقنا السعود // وفال الرشد فال السامعينا
    07) كما احرارٍ من الاوكار طارت // تفوج الجو حينٍ بعد حينا
    08) يْقَطِّعْن الفجوج معوّدات // وفي ذا عبرةٍ للعارفينا
    09) وظربك موج لج البحر أشوى // من الحاجات لادنى الأقربينا
    10) وأشوى من قعودي بالهوان // وشوف الحيف ياتي من قرينا
    11) فلا مثلي يقيم بربع دار // على ذلٍّ وهو ثقةٍ ذهينا
    12) يشوف الهنقمه بين الرجال // خسيس القدر مسفوه مهينا
    13) مَعَ ناسٍ كما رجلٍ غريب // لملفوظي وقولي سافهينا
    14) إلى جادلتهم لجّوا جميع // ولا لي بالجماعه من يعينا
    15) وكم من سفلةٍ يلوي لسانه // يتهزّا بي وذا أمرٍ بطينا
    16) فلا لي في ملايمهم صلاح // إلى عادوا بحالي زاهدينا
    17) أبيع اوطانهم بيعة قلاط // وأهجرهم على طول السنينا
    18) ولا في خاطري رقٍّ ولين // لملايمهم زمان وكل حينا
    19) إلين ارد من عسري ليسري // انشاء الله رب العالمينا
    20) عسى يرونني في حال خير // بمد أفضال من جوده عنينا
    21) وافرّح كل من هو لي صديق // واغِمّ قلوب من لي حاسدينا
    22) ترى الكفّين لو خلين يوم // فهن اليوم الاخر يمتلينا
    23) وكم صادمت في برٍّ وبحر // مخافه من شمات الشامتينا
    24) بعزمٍ في ضحى حامي الهجير // على الانضا ومرٍّ بالسفينا
    25) عسى في غيبتي مفتاح خير // وعمر العبد له حتنٍ وحينا
    26) فليس يموت ابو عشرٍ بخمس // وهذا عند كل العارفينا
    27) ثلاث خصال بي حرصٍ عليهن // إلى عِدّ الرجال بهن أبينا
    28) إكرام الضيف في عسر الليالي // وضرب بالسيوف إلى بلينا
    29) فلا يومٍ تضعضع لي مقام // ولا أوري العدا رقٍّ ولينا
    30) إلى دارت رحى قومٍ علينا // صبرنا له وقلنا يامعينا
    31) والى دارت على قومٍ رحانا // طحنّاهم ودقّقْنا الطحينا
    32) وكل رجال باسماهم رجال // ولا هم بالمراجل متّسينا
    33) ترى فيهم رجال وفيهم انذال // وترى خيار الرجال المستحينا
    34) ولا مدح الرجال بكثر مال // ولا تذمّهم من قل شينا
    35) وراع المال محشومٍ مطاع // وكذبه عندهم ما هوب شينا
    36) هفت لاجواد في هذا الزمان // والانذال الهفايا معتلينا
    37) وصار المال عند اوباش قوم // نجوسٍ ما بهم دنيا ودينا
    38) وكل مرابيٍ ما فيه خير // كثير الهذر حلافٍ مهينا
    39) نطول خطول من بعيد // إلى ما عاد له مطلوب دينا
    40) على الله اعتمادي واتكالي // مجيبٍ مطلب المتوكلينا
    41) عزمت وشمت والله لي عوين // فياسعد الذي هو له عوينا
    42) ركبت مطيّتي ثم التفت // إلى ان عشيرتي تمشي الهوينا
    43) تباريني كما بدرٍ منير // سبت قلبي بعرنينٍ وعينا
    44) تزج الدمع من عينين نجل // فقلت اضفي الغطا لا تفضحينا
    45) فقالت يالعليمي لا تلمني // ترى قلبي من الفرقا حزينا
    46) فقالت آه من فقد الوليف // فلا بدّه يعاود للحنينا
    47) فقلت اني لكم جمّاع خير // أجيكم بالغنايم سالمينا
    48) فقالت يافدى روحي ومالي // متى ارجي زولك الغالي يجينا
    49) فقلت اجي براي الله سريع // قريبٍ لا تباطين السنينا
    50) فقالت لي بتيسير الإله // فهو ربي أمان الخايفينا
    51) وودّعتك إله ما يخون // وداعة عين راعية الجنينا
    52) عسى ياقاك شر الحادثات // إله الناس محيي الميتينا
    53) وقالت سر تراك وداعة الله // لعلك تنثني والحال زينا
    54) فقلت عوايد الله الجميله // فياما قد تغرّبنا وجينا
    55) من العارض إلى وادي عمان // على قودٍ مواطيها حفينا
    56) وقالت يالعليمي من نويت // بنشر الحمد بين العالمينا
    57) فقلت اني نويت ابن الكرام // ولولا فضل جوده ما عنينا
    58) قطن هو معدن الجود بن قطن // حجا الجاني وريف الممحلينا
    59) لجا الوفّاد من شرقٍ وغرب // ابن جبرٍ غناة الوافدينا
    60) صخيّ الكف شغمومٍ كريم // بشوش الوجه وجهه ما يشينا
    61) أقل عطاه بزٍّ من حزوف // ونقد ألوف من حمرٍ تجينا
    62) نقود آلاف ما يحصى عداده // قياسٍ في عقول الذاهنينا
    63) صخى بالجيش والخيل الاصايل // جمارٍ من غياها جاذبينا
    64) وهذا اطرف عطايا بو منيف // مجوّز علثة المتعلّثينا
    65) وكل من هو وفد يثني عليه // إلى جو يم اهلهم غانمينا
    66) لكن مضيفته موسم بلاد // بها بدوٍ وحضرٍ قاطنينا
    67) وكلٍّ شاكيٍ حاله إلى جا // يلوذ بضف زبن الخايفينا
    68) بجون بمجلسه لَمّا جميع // وكلٍّ في ضميره غين شينا
    69) أهل دعوى واهل طلاب ثار // واهل دينٍ واهل طعن وطعينا
    70) ولا يِعْوِج خصيم الى خصيمه // مخافه من ملاذ اللايذينا
    71) نلوذ ونلتجي به من هموم // بنكبات الزمان إلى بلينا
    72) كما تلجي وعولٍ في طويق // مخافة من وراها الذاعرينا
    73) والى امحل ذا الزمان فله جفان // على الضيفان تِنْقَل كل حينا
    74) غريريٍّ قطاميٍّ شجاع // ذرى الفرسان من ضرب السنينا
    75) خيال الموت أشوى من خياله // إلى ما لَدّ عينه للقرينا
    76) نهار الكون طعّانٍ شجاع // ومن رمحه غدى كم من طعينا
    77) هشيم القوم في دربه رجوم // تُرى بالقاع صرعى جاثمينا
    78) وصلى الله على سيد قريش // نبي الحق أزكى العالمينا
    ووجدت في مخطوطات ابن يحيى قصيدة غزلية للعليمي لم يسبق نشرها وهي أيضا على بحر الهزج مع بعض الاضطرابات التي تعود إلى أخطاء النساخ، كما في المصراع الثاني من البيت الأول.
    01) بدا بالقيل من قلبه حزينِ // وجيع في حب الطفلتينِ
    02) لاقنّي فجنّي عيد الاضحى // وداسنّي بذرعان اليدين
    03) بمقرن سكّتينٍ صادفنّي // خذن الروح معهن قسمتين
    04) عليهن زَيّ ما شفته بعمري // يكود بهن نسج الخشفتين
    05) أنا قلت البدر والشمس قطعا // وهذا اللي تحقّق في يقيني
    06) فلما درت انا شوفي وبصري // إلى هن الحباب الطفلتين
    07) يساون مملكة قيصر وكسرى // وشرق وغرب عند المثمنين
    08) وانا من عرضهم أفدي بروحي // وعمري والجسم والمقلتين
    09) طويلات الذوايب والترايب // لهن شيٍّ كما فنجال صين
    10) طويلات العنوق مسلوعات // هضيمات البطون مظمّرين
    11) خميصات الوسوط من المكالي // ثقيلات النهوض بقبتين
    12) تشوف الدر وصط الثغر يوضي // ومديوث الشهد بالشفتين
    13) ضربني واحدٍ منهم بلحظه // وشرّعني بسيف الحاجبين
    14) ضربني لحظةٍ من قلب مصخر // صفح خَدّي ولجلج لي بعيني
    15) فلما أن تيقّنّي وعرفني // نقض مجدولةٍ مثل العريني
    16) سكرت ودخت ما ادري وين ايمم // ولا اعرف الخنين من الرنين
    17) رشفني ريحته وذهلت عقلي // وخمر الروس نوجات الخنين
    18) سألت وقلت اهلكم باي يِمّه // ظعنكم شال والا مرتعين
    19) عطين الصدق ياغر الثنايا // عساكم مسعدين ومرشدين
    20) عطون الصدق قالوا شرق اهلنا // يمين الجال شفهم نازلين
    21) وحنا ناخذ قلوب الهبايل // وعلى ذبح العيال معلمّين
    22) ونوري بالجوق من غير شين // نهيّض به غرام الدايخين
    23) وغير الشوق ما تلقى ورانا // ياكود البرق يقضب باليدين

    بركات الشريف والشعيبي

    بركات الشريف شخصية فذة بز أقرانه ومعاصريه من الشعراء والفرسان. وعلى الرغم من شح الأخبار الموثقة عن بركات التاريخي فإن الذاكرة الشعبية خلقت منه رمزا لكل معاني الإباء والشمم والفحولة الشعرية. وحفظت لنا المخطوطات الشعرية ثلاث قصائد لبركات؛ اثنتان من هذه القصائد، تلك التي قالها في جواده وتلك التي قالها متغزلا، لا بأس بهما. لكن قصيدته البائية بوصل الهاء قصيدة جزلة ومؤثرة لا يسأم الرواة من تردادها ولا يتوقف متذوقو الشعر النبطي عن الاستمتاع بسماع أبياتها وتدبر معانيها والاعجاب بما تحتويه من نبل وسمو. وللأستاذ أحمد العريفي دراسة هي أوفى ما كتب عن بركات الشريف واستطاع من خلالها أن يلقي بعض الضوء على شخصية هذا الشاعر الأمير ويصحح بعض ما يتعلق به من أخطاء تاريخية.
    من الأخطاء الشائعة اعتقاد كثير من الرواة أن بركات الشريف من أشراف مكة. والواقع أنه من أمراء الدولة المشعشعية. بعد أن يستشهد بأبيات متفرقة أخذها من قصائد بركات يقول العريفي (1413: 7) إن بركات لا يمكن أن يكون من الأشراف الذين حكموا مكة خلال القرنين العاشر والحادي عشر لأنه حسيني بينما ينتمي أشراف مكة من بني قتادة إلى الحسن بن علي. ونسب بركات الشريف هو بركات بن مبارك بن مطلب بن حيدر بن المحسن بن محمد بن فلاح المشعشعي أحد أمراء الدولة المشعشعية التي تأسست عام 840هـ على يد محمد بن فلاح القرشي الهاشمي وامتد نفوذها على مناطق الحويزة وعربستان لمدة خمسة قرون. (العريفي 1413: 11).
    ومما يسند القول بأن بركات من أمراء المشعشعين ذكر الشاعر الشعيبي لمعاركه مع الترك (الروم) في السويق التي يقول العريفي إنها تصحيف السويب وهي قلعة على نهر بالعراق يحمل هذا الاسم. وحينما يحدد الشعيبي مسار رحلته إلى بركات نجده يتجه إلى الشمال من منطقة القصيم، مما يعنى أنه ذاهب جهة العراق لا الحجاز، كما يقول في البيتين التاسع والثلاثين والأربعين من قصيدته المسماة القرنفلية. وفي البيت الثاني والخمسين من نفس القصيدة يذكر الفيحا، أي البصرة، كإحدى المحطات التي يتوقف فيها في طريقه إلى بركات.
    وقد سجلت بعض المصادر المنشورة نتفا من الأساطير التي ترددها المصادر الشفهية عن بركات الشريف وحياته وعلاقته مع والده وزوجة والده ( الفهيد، 1413: 44-46، النفيسة 1981: 17-20، (Socin I: 125. وينفرد الربيعي من بين نساخ المخطوطات بإيراد نتف من الحكايات الأسطورية التي تحاك حول بركات والتي لا تختلف كثيرا عما جاء في المصادر المنشورة. وفي تقديمه لقصيدة بركات المثبتة في الصفحة 32 من المخطوطة الخامسة يقول الربيعي عنه إنه من شعراء أواخر القرن الحادي عشر. وفي تقديمه لقصيدة الشعيبي في مدح بركات المثبتة في الصفحة 101 من المخطوطة الثامنة يقول الربيعي "مما قال الشعيبي في بركات الشريف في ثامن القرن". وفي الصفحة 299 من المخطوطة الثامنة يقدم الربيعي نفس القصيدة بقوله "مما قال الشعيبي راعي عنيزه في بركات الشريف سنة 1085". وهذه ثلاثة مواضع ترد فيها المعلومة ذاتها عند الربيعي بصيغ مختلفة، والمعلومة هي أن بركات من شعراء آخر القرن الحادي عشر. وفي تقديمه لقصيدة الشعيبي في مدح بركات يحدد الربيعي وقت هذه القصيدة مرة بقوله "سنة 1085" ومرة بقوله "في ثامن القرن". في التقديم الأخير لم يخطئ الربيعي في الحساب لكنه أخطأ الفهم والتعبير. كان بحسه الشعبي وأسلوب تفكيره العامي يعتقد أن الرقم العشري الذي هو ثمانون في الرقم خمس وثمانين هو الذي يشتق منه تسمية العقد فتصبح بذلك السنوات من واحد وثمانين إلى تسع وثمانين سنوات العقد الثامن من القرن وليس التاسع. وحسب تفسير الدكتور عبدالله الفوزان فقد وقع الشاعر حميدان الشويعر في خطأ مماثل في قوله من قصيدته الاعتذارية لابن معمر "شاهدت بالحادي شياطين مذهب// محاريث سوٍ بل نجوسٍ مناجسه". يقول الفوزان في شرحه لهذا البيت "ولكون الدلائل تشير إلى أن القصيدة قالها الشاعر في مطلع القرن الثاني عشر، فإن تفسير اللبس هو أن الشاعر -في اعتقادي- يظن أن القرن الثاني عشر هو الحادي عشر، وسبب الخطأ هو الرقم (11) الذي يتصدر بداية تاريخ القرن الثاني عشر "1120هـ" وهكذا." (الفوزان 1408: 112). ومن الأدلة الأخرى على هذا الخطأ الشائع المقدمة التي كتبها سليمان بن محمد الهطلاني في الجزء الثالث من مجموع شعراء عنيزة الشعبيون للشاعر شايع الحسن الخالدي والتي يقول فيها "عاش في القرن الحادي عشر الهجري وفي قصيدته التي بين أيدينا يستحث ابنه حسن للقدوم إليه ويمدح أمير الجناح رشيد الذي الذي حكم من 1155 حتى 1174هـ." (الهطلاني 1415، ج3: 49).
    وتفيد المصادر التاريخية الموثوقة أن زمن بركات أقدم مما تصوره الربيعي. وليس من المستبعد أن هذا الوهم الذي وقع فيه الربيعي أتى نتيجة تصحيف الرقم 1085 عن الرقم 1025، خصوصا أن كتابة الرقم 2 قديما تشبه كتابة الرقم 8 حديثا. والرقم 1025 هو التاريخ الذي توفي فيه مبارك، أبو بركات. ومات بركات قبل أبيه سنة 1024 وقيل 1019هـ.
    ولا أحد ينكر أن بركات الشريف شخصية حقيقية لها وجود تاريخي. ولكن بحكم تميزه في مجال الفروسية وقول الشعر استقطب اهتمام القصاص ومع مرور الوقت صارت تنسج حوله حكايات أسطورية غلفت شخصيته التاريخية حتى طمستها. وتعنقدت هذه الحكايات الأسطورية وتداخلت في بعضها البعض لتشكل سردا شفهيا مختصرا عن نشأة بركات ومآسيه ومغامراته البطولية. وأول عقدة يحاول السرد الشفهي لحياة بركات حلها هي كيفية التوفيق بين وجوده، الثابت تاريخيا، في منطقة الأهواز وبين كونه شريفا من الأشراف حيث تكاد تقتصر دلالة كلمة "الشريف" في المخيلة الشعبية على أشراف مكة والمدينة. يقول أحمد العريفي:
    إن لقب الشريف كما هو معروف يسبق اسم كل من ينتمي إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في أي بقعة من الأرض. . ولكن لهذا اللقب مدلول خاص في وسط الجزيرة، فهو يعني بالتحديد أمير مكة من عائلة الأشراف الحاكمة في الحجاز.. فإذا قيل الشريف (هكذا مجردا) اتجهت الأذهان تلقائيا إلى أحد أمراء الحجاز.. كما هو الحال في إطلاق ألقاب (ابن سعود) و(ابن رشيد) و(ابن صباح) و(ابن عريعر).. الخ، والمقصود في كل ذلك الأمراء الحاكمين منهم وليس كل من ينتمي إلى تلك الأسر. ولهذا اعتقد الناس أن بركات لا بد وأن يكون من أمراء (أشراف) الحجاز! (العريفي 1992: 31-32).
    هذا الفهم المحدود لدلالة لقب "الشريف" هي البذرة التي فرخت الأسطورة الشعبية. كيف يفسر الرواة الشعبيون
    سر انتقال بركات من مكة إلى الأهواز؟
    لا بد من سبب لهذا الانتقال، لا بد من دافع. هنا تطل علينا الأسطورة التي تقول إن بركات شب فتى وسيما في حضن والده مبارك، شريف مكة، أو عمه حسب رواية أخرى. وكانت امرأة أبيه قد صَـبَـت به وصارت تتحين الفرصة لمراودته عن نفسها. وصدها بركات ولما طال إلحاحها شجها في وجهها. وخافت الزوجة أن يجهر بركات بخيانتها أمام والده فقررت أن تستبقه. وجاءت بجربوع صغير سلخت جلده ولطخت جثته بالدماء ولفتها. وحينما عاد الشريف مبارك إلى البيت تظاهرت الزوجة بأنها تعاني من آلام مبرحة وأرته الجربوع الملفوف مدعية أنه جنينها أسقطته في محاولتها الدفاع عن نفسها حينما هاجمها بركات بعنف وقسوة بغية النيل منها. غضب مبارك من بركات وقسى عليه في الكلام وأهانه في مجلسه. هذا ما حدا ببركات إلى الابتعاد إلى منطقة الأهواز. وتذكرنا هذه الأسطورة بأسطورة مماثلة جرت لعمرو بن قميئة مع عمه مرثد بن سعد بن مالك والتي يرويها صاحب الأغاني على النحو التالي:
    كانت عند مرثد بن سعد بن مالك عم عمرو بن قميئة امرأة ذات جمال، فهويت عمراً وشغفت به ولم تظهر له ذلك، فغاب مرثد لبعض أمره -وقال لقيط في خبره: مضى يضرب بالقداح- فبعثت امرأته إلى عمرو تدعوه على لسان عمه، وقالت للرسول: ائتني به من وراء البيوت، ففعل، فلما دخل أنكر شأنها، فوقفت ساعة ثم راودته عن نفسه فقال: لقد جئت بأمر عظيم، وما كان مثلي ليدعى لمثل هذا، والله لو لم أمتنع من ذلك وفاءاً لعمي لأمتنعن منه خوف الدناءة والذكر القبيح الشائع عني في العرب. فقالت: والله لتفعلن أو لأسوأنك، قال: إلى المساءة تدعينني، ثم قام فخرج من عندها، وخافت أن يخبر عمه بما جرى، فأمرت بجفنة فكفئت على أثر عمرو، فلما رجع عمه وجدها متغضبة، فقال لها: مالك، قالت: إن رجلا من قومك قريب القرابة جاء يستامني نفسي ويريد فراشك منذ خرجت، قال: ومن هو؟ قالت: أما أنا فلا أسميه، ولكن قم فاقتف أثره تحت الجفنة، فلما رأى الأثر عرفه. (الأصفهاني 1981؛ 18:77).
    وتدور الأيام وتسير الأحداث مما يؤدي بشكل أو بآخر إلى أن يتولى بركات حكم الأهواز. ثم يأتيه الخبر أن أباه أحاطت به الأعداء مما يهدد بزوال ملكه. هنا تبرز شهامة بركات ونخوته. نسي ما حدث له من أبيه وهب حالا لمساعدته قاطعا كل هذه البراري الشاسعة الموحشة من الأهواز إلى حيث كانت تدور رحى الحرب بين أبيه وخصومه. ويباشر بركات المعركة ضد الأعداء في النهار متنكرا لا يعرفه أحد، ولا حتى أبيه. وفي الليل ينام مع ابنة عمه التي يبدو أنه تزوجها قبل مغادرته مكة لكنه لم يصطحبها معه إلى الأهواز. وكان بركات كلما طعن فارسا من الأعداء وجندله عن فرسه لا يأخذ الفرس لكنه يحتفظ بلجامها. ولما انتهت المعركة وانهزم الأعداء انصرف بركات دون أن يعرفه أحد أو يعلم بوجوده. لكنه قبل أن يغادر أعطى أعنة الخيل لابنة عمه كدليل على وجوده معها. لو حدث أنها حملت من مضاجعته لها كل تلك الليالي التي قضياها معا خلال وجوده لمدافعة الأعداء عن أبيه من سيصدق كلامها ويعتقد براءتها لو حاولت إقناعهم دون أن يكون تحت يدها دليل مادي؟ الدليل المادي الوحيد الذي يمكن أن تبرهن به على صدق قولها هو هذه الأعنة التي في حوزتها. وحالما رأت الفرسان يقودون الخيول التي قتل بركات أصحابها ويدعون أنهم هم الذين قتلوهم وأخذوا خيولهم لم تطق صبرا وسارعت بإظهار الأعنة لتضع حدا لهذه الادعاءات الباطلة. ولما علم مبارك بأن ما حدث كان بسبب وجود ابنه سارع في تجهيز ركائبه ليلحق به ويطلب منه العودة إلى بلاده. وتصالح الاثنان لكن بركات لم يشأ التفريط بملك الأهواز واستمر ملكا هناك.
    ومن يتتبع شعر بركات يستشف أن علاقته مع أبيه مرت بمرحلة من التوتر لكن التفسير الذي تقدمه الأسطورة لهذا الجفاء غير مقنع تاريخيا. كانت لهجة بركات تجاه أبيه في قصائده لهجة مفعمة بالوقار والتقدير والاحترام والافتخار المطلق بالانتساب إليه. هذا يوحي بأن الأمور بينهما لم تتعد مستوى العتاب والشره إلى مستوى الهجر والقطيعة. والمتتبع لمصادر التاريخ الموثوقة يستنتج أن أزمة بركات مع أبيه كانت أزمة عابرة أولا لأن المصادر لم تورد أي ذكر لهذه الحادثة وثانيا لأن المصادر تؤكد اعتماد مبارك المطلق على ابنه في تدبير شؤون مملكته، خصوصا في آخر أيامه. يقول جاسم شبر، مؤرخ الدولة المشعشعية، عن بركات إنه كان "ذا رأي وتدبير ثاقب، قدمه والده على الأباعد والأقارب مفوضا إليه جميع أمور الدولة، ولم يخالفه قط . . . وقد كان عفيفا تقيا وشجاعا مقداما ظهرت شجاعته في المعارك التي خاضها مع أبيه ضد آل غزي وهو صغير السن ومع قابليته هذه لم ينازع إخوته على الولاية والحكم، بل كان عونا لهم في الملمات والشدائد، وحل المنازعات." (العريفي 1992: 24).
    وعلى الرغم من النسيج الأسطوري الذي يغلف شخصية بركات فإنه لا يراودنا أدنى شك في نسبة شعره، حتى وإن اختلفت رواية قصائده من مصدر لآخر. وفي تلك الفترة الحرجة، فترة خلافه مع أبيه، قال بركات أجمل قصائدة والتي يعدها النقاد درة من درر الشعر النبطي وهي قصيدته البائية بوصل الهاء.
    كثيرا ما يبدأ شعراء النبط قصائدهم بأبيات يعبرون فيها عما يمرون به من معاناة نفسية وذهنية. وغالبا ما يكون المقصود هو المعاناة الإبداعية المتمثلة في بحث الشاعر عن الصور الفنية الجميلة والقوالب اللفظية المناسبة التي يصب فيها رسالته الشعرية. لكن هناك حالات يكون المقصود فيها ما سببه الحدث الباعث على قول القصيدة من ألم نفسي. تتلخص معاناة بركات في أن أباه، أقرب الناس إليه وأجدرهم بحبه وثقته واحترامه، يضعه في موقف صعب بإهانته له في مجلسه المكتظ بأشراف القبيلة وأعيانها. وهذا يضع بركات في مأزق، فهو إما أن يقبل الإهانة ويركن إلى الدعة والراحة في حماية العشيرة وإما أن يقدم على المخاطرة ويضرب دروب الهلاك مبتعدا عن أبيه الذي أهانه وعن العشيرة التي أهين أمامها. الخيار الثاني ليس سهلا ولما فيه من المخاطر نهاه أصحابه عن تجشمه. لكن أنفة بركات وعزة نفسه تأبيان عليه الإقامة في دار الذل والهوان. أيّا من هذين الخيارين لا بد أن يحسب له بركات ألف حساب ولا بد أن يقلبه على كل وجه. هذه مرحلة حرجة في حياة بركات تجعله يعيد حساباته في كل شيء ويعيد تقييمه للأمور وشؤون الحياة. هذه التجربة تبين لنا أصالة بركات ونبله وقوة عزيمته فهو يصمم على اختيار طريق الشرف الصعب مخالفا بذلك نصحائه الخلص الذين يشفقون عليه وعلى حياته.
    بعد هذه التوطئة ينتقل بركات لمدح والده ليدلف بعد ذلك إلى معاتبته معاتبة رقيقة على ما بدر منه تجاهه. والبيت السابع عشر يوحي بأن بركات يحاول أن ينفي عن نفسه تهمة ألصقها به الوشاة وصدقها والده ويؤكد لوالده أنه لم ينكر جمائله قط ولم تحدثه نفسه يوما بالإساءة إلىه، وهذا أمر يرفضه بركات أصلا لأن من واجب الابن تجاه أبيه ألا يغضبه. وتحمل المخيلة الشعبية زوجة الأب مسؤولية إيغار صدر مبارك ضد ابنه. ويبوح بركات بأن عتابه لوالده دافعه ما سمعه منه من توبيخ وكلمات جارحة ووصفه إياه بأنه "ثبر"، وهذه صفة تطلق على الإنسان الخامل الذكر والضعيف العزيمة والقليل الحيلة، ومنها اشتقوا فعل الأمر "انثبر" الذي يوجه بقصد التبكيت والتحقير لأي شخص يحاول التطاول على الآخرين أو القيام مقاما أعلى من مقامه.
    وفي البيت الخامس والعشرين يعلن بركات عن عزمه على الرحيل والابتعاد عن أبيه. وموضوع الصرم والقطيعة والرحيل يتردد كثيرا في الشعر العربي القديم وفي الشعر النبطي، وقد ورد في أبدع أمثلته في لامية الشنفرى ومعلقتي طرفة ولبيد. وهو موضوع يتمشى في قيمته الفنية ووظيفته النفسية مع طبيعة الحياة البدوية الرعوية التي تقوم على التنقل والترحال وتؤكد الاستقلالية والاعتماد على النفس. ولا ندري هل نفذ بركات تهديده بالرحيل أو أنه طرحه كمجرد خيار يمكن اللجوء إليه عند الضرورة. لكن الرواة الشعبيين التقطوا المعنى الحرفي لهذا التهديد ونسجوا حوله أسطورة ابتعاد بركات عن أبيه في مكة وذهابه إلى الحويزة.
    وكلمة "خطوب" في البيت السابع والعشرين كلمة فصيحة تعني عظائم الأمور والمصائب التي تعترض أصحاب الهمم الرفيعة وتحول دونهم ودون الوصول إلى ما يريدون. واستخدام بركات لهذه الكلمة بمعناها الفصيح ينم عن ثقافته واطلاعه على دواوين الأدب العربي. لكن هذه الكلمة اندثرت في الاستخدام العامي ولم تعد مفهومة للرواة الأميين الذين يتناقلون شعر بركات. لذا تحورت هذه الكلمة معنى ومبنى على ألسنة الرواة الأميين إلى الكلمة التي تقاربها في اللهجة العامية وبموجب ذلك تحولت العبارة "لو كثرت خطوبي" على ألسنة هؤلاء الرواة وفي بعض المخطوطات إلى "لو قلت اخطبوا لي" مما فتح الباب أمام التخريجات التي أدت إلى تثبيت هذا الخطأ في الفهم اللغوي والتاريخي بدلا من تصحيحه. فهناك من اعتقد أن بركات طلب من والده أن يخطب له زوجة ومنهم من فهم المقصود بالخطبة الدعاء لولي الأمر في خطبة الجمعة. فقد فهم العريفي مثلا أن سبب المغاضبة بين بركات ووالده "وشاية وصلت الأخير تتهم بركة بمحاولة الإطاحة بوالده وتولي حكم الإمارة! والخطبة لفلان (في قوله لو قلت اخطبوا لي) تعني في اعتقادي تولية الإمارة حيث كان تعبيرا شائعا أن يقال قطعت الخطبة لفلان وخطب لفلان بمعنى أن الإمارة انتقلت من الأول إلى الأخير." (العريفي 1992: 30). وهكذا نجد أن الفهم الخاطئ لكلمة "خطوب" وكلمة "الشريف" قبلها لعب دورا في تشكيل الأسطورة التي أحكم الخيال الشعبي نسجها حول شخصية بركات.
    وابتداء من البيت الثامن والعشرين يصور بركات المواقف التي يعرف فيها والده قدره وشجاعته وحاجته إليه. وقد تكون هذه الأبيات هي الأساس الذي بنت عليه المخيلة الشعبية حادثة تضييق الأعداء على مبارك وكيف هب ابنه بركات لمساعدته رغم ما بينهما من جفاء. ونلاحظ أن بركات لا يلجأ إلى استدرار العطف من والده ولا يخاطب فيه عاطفة الأبوه وإنما يذكره بمواقفه معه وفداحة الخسارة التي سيجنيها الأب من تفريطه بابنه، وكأنه يتمثل بقول الشاعر: أضاعوني وأي فتى أضاعوا؛ أو قول الآخر: سيذكرني قومي إذا جد جدهم// وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر. وبنفس الدرجة من التأكيد على حاجة والده له نجد بركات يؤكد استقلاليته واكتفاءه ذاتيا واستغناءه بنفسه وقوة عزيمته وعلو همته عن الآخرين. فهو يعود في البيت الأربعين إلى موضوع القطع والصريمة ويلجأ إلى صورة طريفة ليعبر فيها عن الوحشة التي تباعد بين الناس والبغضاء التي تفرقهم فتتباعد منازلهم وتنقطع الزيارة بينهم فيصبحون غرباء عن بعض حتى أن كلاب الحي تنكرهم لأنها لم تعد تذكرهم ولا تذكر رائحتهم فتنبحهم كما تنبح الأغراب وتمنعهم من الوصول إلى المنازل. ويجسد البغضاء على شكل عقرب تبحث عن أي جسم حي لتنهشه وتنفث فيه سمومها. وفي الأبيات الأخيرة من القصيدة يحاول بركات أن يوجز على شكل حكم مقتضبة بعض العبر والدروس التي استفادها من تجربته الأليمة.
    01) عفا الله عن عينٍ للاغضا محاربه // وقلبٍ دنيفٍ زايد الهم شاعبه
    02) أسهر إلى نام المعافى ومدمعي // كد انهلّ من فوق النضيرين ساكبه
    03) أقول لما عيل صبري ولجّ بي // رفيقٍ شفيقٍ جيّداتٍ مذاهبه
    04) دع العذل عني يانصوحي وخلّني // فشرواك ما يرضى هوانٍ لصاحبه
    05) إذا ما هدانٍ أضعف البعد عزمه // يعيش بذلٍّ راكبٍ فوق غاربه
    06) شهرت عن الزهدا وهي لي فِضِيّه // ولا يدفع المخلوق ما الله كاتبه
    07) وقد قلت لما اشرفت ذات عشيةٍ // على مرقبٍ عالى الذرى من مراقبه
    08) فيامبلغ عني ذوى الجود والصخا // ومن شب شارات المعالي مكاسبه
    09) مبارك زبون الجاذيات ابن مطلب // ذرى الجار والجالين عن كل نايبه
    10) ثم ابلغه مني سلامٍ مضاعف // عدد ما همل وبل السما من سحايبه
    11) وقل ياحمى دنّ السبايا من القنا // إلى احمَرّ من عود البلنزا ذوايبه
    12) يامورد الأسياف بيضٍ حدودها // ومصدّره حمرا من الدم شاربه
    13) يازبن راعي عودةٍ قصّرت به // مْعَقّبِةٍ في تالي الخيل تاعبه
    14) ياكعبة الوفّاد للضيف بالقسا // إذا النذل ذلّ ولاذ واغضى بحاجبه
    15) إلى قلّ درّ المرزمات وأجدبت // وقل الحيا واوقات الامحال كاهبه
    16) بنيت لنا بيتٍ من العز شامخ // سل الله ألا يهدم الضد جانبه
    17) لا تحسب اني بعد حسناك والرضا // أبغضبك بالدنيا ولا هيب واجبه
    18) فلا شك جاني منك ملفوظ كلمه // على حضرة الرمّاق والخلق قاطبه
    19) تقول لي ياثبر وانا غذوّتك // ولا ثِبْرٍ الا من يفاجي قرايبه
    20) ولا ثِبْرٍ الا من يهد وينثني // في ساعةٍ والهوش حامٍ جوانبه
    21) وعاتبتني من غير ذنبٍ جنيته // عساه يحظى بالغنى من تعاتبه
    22) أراك تعاتبني ولا دست زله // والغير لو داس الخنا ما تعاتبه
    23) ترى عرق وجهي وجاهي وشيمتي // معي حاضره بالوجه ما هيب غايبه
    24) ولا ني غويٍّ بك ولا بي سفاهه // عزيزٍ ولا نفسي لدنياك طالبه
    25) وانا اخترت بعد الدار في نازح النيا // ولا قولةٍ بركات كد هين جانبه
    26) وفي كل دارٍ للرجال معيشه // والارزاق كافلها جزالٍ وهايبه
    27) وربك لو كثْرت خطوبي فإنني // صِبِيّ الشقا ما لان للضد جانبه
    28) عساك تذكرني إلى جاك ضيقه // وجا المال يحدى جافلٍ من معازبه
    29) ولك بان مركاضي إلى اشرفت للعدا // وتماوجت بالعج فيها سلاهبه
    30) بيومٍ كداجي الليل ضافي قتامه // فيه السبايا كالخواطيف لاعبه
    31) كأن القنا ما بين ذولا وبيننا // كما أرشية بيرٍ طوالٍ مجاذبه
    32) وريش القنا حومه كغربان دمنه // على رمَمٍ بين الخميسين عاطبه
    33) تسمع هويد الخيل من شد وقعها // كصلصال رعدٍ في مثاني سحايبه
    34) وانا فوق قبّا تقحم العود عندل // شعوا مرفّعْةٍ طوالٍ حواجبه
    35) طويلة عظم الساق وافي شبورها // لها مثل عرف الديك طوعٍ أجاذبه
    36) لي فوقها درعٍ ونصبٍ وطاسه // وسيفٍ بيمنى أبلجٍ يستلاذ به
    37) مع طول عشرٍ فيه زرقا سنينه // كما النجم تاضي في دجى الليل ثاقبه
    38) بيومٍ فرح بي من يودّون حضرتي // إلى شاف ما يكره والاضداد حاضبه
    39) والى ما شكت روس البلنزا من الظما // سيفي ورمحي من دما الضد شاربه
    40) فالى نبحتنا من قريبٍ كلابهم // ودبّت من البغضا علينا عقاربه
    41) نحيناه باكوار المطايا ويَمّمت // بنا صوب حزمٍ صارخاتٍ ثعالبه
    42) بيومٍ من الشعراء يستوقد الحصا // تلوذ بأعضاد المطايا جخادبه
    43) قلته على بيتٍ قديمٍ سمعته // على مثل ما قال التميمي لصاحبه
    44) إذا الخل أورى لك صدودٍ فأوره // صدودٍ ولو كانت جزالٍ وهايبه
    45) وكن عنه أغنى منه عنك ولا تكن // جزوعٍ إلى حقّت بالاقفا ركايبه
    46) ترى ما يعيب الدوحه الا من اصلها // وما آفة الإنسان إلا قرايبه
    47) ولا قلته الا والركايب زوالف // عن الواش والحساد والنجم قاطبه
    48) موت الفتى في كل دو سِمَلّق // خليٍّ من الأوناس قفرٍ جوانبه
    49) قفرٍ يحير به الدليل مخافه // شجر المفالي طامساتٍ مراقبه
    50) على الرجل أشوى من قعوده بديره // يقيم بها والذل دومٍ مطانبه
    51) من قلّط الهندي ومن وخّر العصا // جلى الهم واصبح نازحٍ عن قرايبه
    52) ومن وخّر الهندي ومن قلّط العصا // يصبح بذلٍّ راكبٍ فوق غاربه
    53) خاطر بنفسك في لقى كل هيّه // تحوش الغنايم والمقادير غالبه
    54) فلا خطرٍ يومٍ بيدني منِيّه // ولا حذرٍ ينجي من الموت صاحبه
    55) وشم واغتنم واطلب من الله بالدجى // فهو خير من يعطى العطايا لطالبه
    56) وصلوا على خير البرايا محمد // نبي الهدى وازكى قريشٍ مناسبه
    وواضح من أبيات هذه القصيدة أن بركات يعاني جرحا عميقا بسبب سوء ظن والده به وأن ما لقيه من والده أكبر من كونه مجرد إهانة صغيرة. ويعود بركات إلى الموضوع ذاته في قصيدة أخرى على بحر الهزج يبدأها بمدح جواده ثم ينتقل إلى التعبير عن تأثره بما حدث بينه وبين أبيه ويشير في الأبيات الأخيرة إلى أن أباه كان يهينه ويحط من قدره. وبأسلوب لطيف يحاول بركات أن يذكر أباه بأن تربية الأبناء من مسؤولية الآباء وأن الأب الذي يشمت بابنه إنما هو في واقع الأمر يشمت بنفسه ويؤكد على فشله في تنشئة فلذة كبده تنشئة صحيحة. ولا يستبعد أن مبارك كان يسيء معاملة بركات لسبب لم ترصده المصادر التاريخية، أو ربما كان يقسو عليه في المعاملة إلى حد مبالغ فيه حينما كان شابا ليعوده على الخشونة والصلابة. ولربما عاد السبب إلى أن مبارك، الأب الحنون والشيخ المحنك، كان يشفق على إبنه الشاب ويحاول الحد من اندفاعه وطيشه وردعه عن طموحاته التي تبدو أكبر من طاقته وقدراته نظرا لحداثة سنه وقلة خبرته. وغالبية النساخ يقدمون هذه القصيدة في مخطوطاتهم بعبارة "وله في جواده"، وهذا هو ما يبدو لأول وهلة لأن الخمسة عشر بيتا الأولى من القصيدة تتحدث عن الفرس وعدة الحرب. لكن موضوع القصيدة الأساسي هو الأزمة الذاتية التي كان يمر بها بركات جراء التوتر القائم في العلاقة بينه وبين أبيه والتي تعبر عنها الأبيات الأخيرة من القصيدة.
    01) قال بركات الحسيني الذي له // جوادٍ ما تِدَنّى للمبيعه
    02) قصيرٍ قينها وافي جماها // كبيرة راس منتجها رفيعه
    03) معارفها كما بسلة حرير // وذات مناخرٍ جِلْقٍ وسيعه
    04) وحاركها كما ذيبٍ مويق // على الرعيان ضاري للفديعه
    05) حوافرها كما قدحان بدو // مكفّاتٍ على جال الشريعه
    06) لها صدرٍ وسيع الشبح رحب // منَفّجْةٍ جواجيها تليعه
    07) مليحٍ وصفها وافي شِبَرْها // بِرِيّ القين ليّنْة الطبيعه
    08) منَتّجْة الغيا من خيل نجد // طفوح الجري لِعْسافي مطيعه
    09) إلى ما سمعت الصوت المذيّر // تنطّ عيونها كنّه خريعه
    10) أبدّيها بما تملك يميني // من البان الخلايا والنفيعه
    11) أدنّيها لمنقوشٍ عياضي // ولي من صنع داودٍ صنيعه
    12) كرقراق الغدير بصفق ريح // على جنباته القلعا رصيعه
    13) ومع ذا طاسةٍ صلدٍ ضمان // مخفّضةٍ مرفّعةٍ منيعه
    14) وسيفٍ من سيوف الهند عضب // شباته باللحم ما له وقيعه
    15) ومطّرد الكعوب من البلنزا // وبه كالنجم سطواته فنيعه
    16) أريد المدح في ذولي وذولي // إلى ما جان جلابه يبيعه
    17) ألى يامدنيٍ مني سنادي // فنى العدوان وان شاف القطيعه
    18) مباركٍ الذي للجود منهل // وبذل الجود من كفّه نريعه
    19) سلامي مع تحياتي عليه // وقل ياسيّدي وش هالفجيعه
    20) تعاتبني بذنبٍ ما جنيته // وظني فيك حسنٍ ما أضيعه
    21) انا ان عيّرتني فانا غذوَّك // وهذي قالةٍ كودا فنيعه
    22) أنا ابن مباركٍ زبن المجنّى // إذا الممنوع أشفى في منيعه
    23) أنا وافى الذمام نقي عرض // عن المنقود لي نفسٍ رفيعه
    24) ولا خلّيت ربعي في مضيق // وكم من واحدٍ خلّى منيعه
    25) أنا ابذل مهجتي من دون وجهي // وروحي بالوغى خوف الشنيعه
    26) واعلّم سابقي عند التلاقي // على المطروح ردّتها سريعه
    27) وكيف ارضى بخفض القدر عندك // ولي نفسٍ عن الزهدا رفيعه
    28) أنا ان عِدّت خصال الجود عني // تخيّر من معانيك القريعه
    29) وصلى الله على سيد قريش // نبي الحق نصّاب الشريعه
    ولبركات قصيدة أخرى على نفس الوزن يقدمها النساخ في مخطوطاتهم بعبارة "وله يتغزل" لأن موضوع القصيدة في ظاهره هو الغزل. والمتمعن في القصيدة يلحظ أنها أقرب إلى الفخر منها إلى الغزل، والغزل ليس إلا إطارا يلجأ إليه الشاعر للافتخار بنفسه ونسبه. وغالبا ما يوظف الغزل في الشعر العربي كمدخل أو رمز لمواضيع أخرى. مثلا تغزل الشيخ بفتيات الحي اللائي يرفضنه بعدما علا الشيب رأسه رمز للوهن الذي يصيب الإنسان في سن الهرم وانخفاض قدره عند الناس مع زوال قوته. وأحيانا يرمز الشعراء للدنيا الغرور وتقلبات الدهر بفتاة لعوب تتبسم لمحدثها وتطمعه بنفسها وتسخى له بالمواعيد لكنها مواعيد كاذبة وسرعان ما تحول هذه الفتاة اهتمامها ونظراتها من عاشق إلى آخر، لا ترعى وداً ولا تصدق وعداً. والشعراء الأمراء والفرسان يصورون جرأتهم وطموحاتهم الكبيرة واستماتتهم في سبيل تحقيقها على صورة فتاة جميلة عفيفة مصونة في قلعة حصينة محاطة بالحراس الأشداء. وربما تجاهلت الفتاة طالبها وأنكرت نسبه وهذه حيلة فنية يلجأ لها الشاعر ليتيح المجال أمام نفسه للفخر بأصله وفصله. من هذا المنظور ينبغي لنا فهم قصيدة بركات الغزلية. وتنتهي القصيدة نهاية سعيدة حيث يتم لبركات الوصل من فتاة أحلامه بعد أن عرفت قدره ومكانته. هذه النهاية السعيدة ربما ترمز إلى انتهاء الخلاف القائم بين بركات وبين والده. لاحظ انتسابه إلى بني الحسين في البيت 23. تقول القصيدة:
    01) إلى كم لا تجود الدمع عينا // من الفرقا ولا القى لي معينا
    02) على لاما غضيض الطرف عندل // طويل الجيد ازجّ الحاجبينا
    03) أغرٍّ أدعجٍ حلو الثنايا // سلب عقلي بخد وشفّتينا
    04) ألى ياعاذلي دع عنك لومي // هوانا قبل خط العارضينا
    05) فلا همّي فراق اهلي وحيي // ولو هم بين أحباب وبنينا
    06) بلى هي شف بالي ياعذولي // لحاك الله لا تبدى الكنينا
    07) ودون وصالها فرسان حرب // مناعيرٍ كما أسد العرينا
    08) ولما جيت راس العين بانت // معالمها وقد صح اليقينا
    09) وجيت مغلّسٍ في جنح ليل // وفي يمناي ماضي الشفرتينا
    10) وقد نبّهتها بذباب سيفي // وكل الناس جمله نايمينا
    11) وقد ذهلت وراعت من فعالي // وقالت كف عنا لا تجينا
    12) فقلت أنا لها خوفي من الله // تراني مبتلى صبٍّ حزينا
    13) بحق الله وآياته عليك // إله المصطفى والمرسلينا
    14) فإما لي حصل لا ذا ولا ذا // رضيت ولو بمطلٍ توعدينا
    15) فقالت من تكون من البرايا // أشوفك عند روحي مبتلينا
    16) فقلت لها قتيل الشوق وانتي // تصدّي بالزعَم ما تعرفينا
    17) أنا بركات جرّار السبايا // إلى غاروا وقد بان الكمينا
    18) أنا خيّالها وان حق جفل // فما يحتاج إنك تجهلينا
    19) أنا هدّام شاشات المعادي // بكل مهنّدٍ شطرٍ سنينا
    20) إلى راحت تنازى بالبلنزا // لتالي الجاذيات أنا الضمينا
    21) وإن قلتي أبي أنظر بعيني // تعالي يوم هولٍ وانظرينا
    22) أنا اقحم سمحة السمحوق عمد // إلى من جن بالمستشهرينا
    23) ومع ذا تفهمين اصلي وفصلي // أنا من روس روس بني الحسينا
    24) أنا ابن مباركٍ زبن المجنا // وغيث الناس في غبر السنينا
    25) فقامت خجلةٍ مني وقالت // جهلتك ياعريب الوالدينا
    26) فلكن العفو منكم سجِيّه // أنا في ما تبي دنيا ودينا
    27) وحل الوصل من بيني وبينه // وبتنا باللذاذه آمنينا
    28) فياله ليلةٍ ما الذ منها // قصار الليل ضد العاشقينا
    29) ختمنا القول صلى الله وسلم // على المختار سيد المرسلينا
    30) عدد ما قلت من فرقا حبيبي // إلى كم لا تجود الدمع عينا
    وليس لبركات من الأشعار في المخطوطات التي بين أيدينا إلا هذه القصائد الثلاث والتي يبدو أنها. نظرا للشبه الواضح بينها في جوها النفسي وفيما تعبر عنه من قيم ومشاعر، قيلت في فترات متقاربة وفي نفس المرحلة التي كانت فيها علاقة مبارك بوالده تمر بأزمة.
    وهناك قصيدة كافيّة عبارة عن نصيحة يوجهها قائلها إلى ابنه مالك ومطلعها:
    يامرقب بالصبح ظلّيت باديك // ما واحدٍ قبلي خَبَرته تعلاك
    وقد نسب ابن يحيى هذه القصيدة للشريف بركات وتابعه في ذلك الحاتم وتابعهما من جاء بعدهما. وقد نفى أحمد العريفي (1992: 54-56) نسبة هذه القصيدة لبركات المشعشعي بناء على قراءة تحليلية لمضمونها لكنه لم ينسبها إلى أحد بعينه. وقد وجدت رواية لهذه القصيدة في الصفحات 41-44 من المخطوطة الخامسة من مخطوطات الربيعي وقد نسبها الربيعي للشريف راجح من أشراف مكة. وواضح من بحر القصيدة وقافيتها المزدوجة أنها قيلت في وقت متأخر عن وقت بركات.
    وقد سبق أن أوضحنا بأن القصيدة الذهبية لعامر السمين لم يقلها في مدح بركات المشعشعي وإنما في مدح بركات آخر يحتمل أنه من أشراف مكة. والشاعر الذي تتفق المصادر على أنه مدح بركات المشعشعي هو الشعيبي الذي يلقبه الربيعي "راعي عنيزه" كما مر بنا. وهذا ما يؤيده تأكيد الشعيبي في البيتين التاسع والثلاثين والأربعين من قصيدته اللامية بأن نقطة انطلاقه إلى بركات من القصيم. ولا خلاف بين المصادر فيما يتعلق بنسبة الشعيبي إلى عنيزة لكنها لا تتفق في معنى اسمه هل هو مشتق من كونه من قبيلة المشاعيب أم لأنه من أهل حارة الشعيبي.
    ومدح الشعيبي بركات بقصيدتين على بحر الرجز إحداهما تسمى أم الفرقدا لقوله فيها: ومهالكٍ لا يستطيع مراحها// الا سروح الربد وام الفرقدا. والأخرى تسمى القرنفلية وتستوحي اسمها من قول الشعيبي في أحد أبياتها: تكسى المتون بقذلةٍ مغذيّة// باطياب مسك وعنبرٍ وقرنفل.
    يبدأ الشعيبي قصيدته أم الفرقدا بالحديث عن الطيف ويسهب في ذلك ويخرج منه إلى النسيب حتى البيت الثالث والثلاثين حينما ينتقل إلى موضوع الغيث ووصف المطر. وهذا ترتيب تقليدي في عمود القصيدة النبطية القديمة منذ أيام أبي حمزة. وطريقته في حسن التخلص من وصف الغيث إلى المدح هي نفس الطريقة التي سبق أن مرت بنا في قصائد السمين وجعيثن اليزيدي والعليمي. وفي وصفه للغيث نصادف نفس العبارات التي مرت بنا عند الشعراء السابقين مثل قوله "ميقات موسى" في البيت السابع والثلاثين وقوله "دمار عمار" في البيت الرابع والثلاثين.
    يتسم مناخ الصحراء ودورة الحياة الطبيعية فيها، وكذلك الاجتماعية، بالتضادية والمراوحة الحادة على مدار العام بين فصول الشدة وفصول والرخاء، بين برودة متجمدة في ليالي الشتاء إلى حرارة ملتهبة في حمارة القيظ، من جدب ومحل في الصيف إلى رخاء وخير عميم أيام الربيع، من تجمع في أوقات المقاطين إلى تشتت في أوقات النجعة. وقد عبر شعراء النبط عن هذه التضادية في وصفهم للمطر بأنه "عمار دمار"، المطر في الصحراء، على شحه وندرته، إذا هطل ينهمر غزيرا على شكل زخات سريعة تتحول في لحظات إلى تلاع جارية ووديان جارفة تنسف كل ما يعترض طريقها من بيوت وحلال وتقتلع الأشجار وتغرق الزواحف والسباع في جحورها. وحينما يصف الشعراء النبطيون المطر فإنهم، مثلهم في ذلك مثل شعراء الفصيح، يبدأون بالحديث عن آثاره المدمرة. وكلما كان الدمار أكبر كلما دل على غزارة المطر وجودته. وهذا يعني خيرا أعم وحياة أرغد لأنه ستنبعث من هذا الدمار حياة جديدة في الصحراء التي ما تلبث أن تدب فيها الحياة فتورق أشجارها وتزهر أعشابها وتملأ طيورها الجو بالتغريد وتنهض ظباؤها وغزلانها من كل مجثم. وهكذا تتحول الصحراء الجرداء، ذلك الشبح المخيف والوجه المكفهر، وبكل ما يحمله ذلك من معاني الجدب والعقم والموت والفناء، إلى مفالي ورياض غناء تعج بالحياة وتنبض بالحيوية. كأن المطر بذلك يمسح الحياة ليعيد تشكيلها ويجدد خطوطها. هذه الصورة،كما يرسمها الشعراء، تعيد إلى الأذهان أسطورة أدونيس/تموز التي فسرها علماء الأساطير بأنها ترمز إلى دورة الحياة الطبيعية وتجددها.
    ومما يدل على تأخر زمن الشعيبي نسبيا إشارته في البيت الثاني والستين إلى أجود واستحضاره من ذاكرة التاريخ وذكره مقرونا بذكر ابن الزبرقان بن بدر. وكغيره من شعراء المدح الذين مروا بنا، لا ينسى الشعيبي في آخر القصيدة أن يتحدث عما لاقاه في رحلته إلى الممدوح من أهوال الطريق ومشقة السفر. والمقطع الذي يبدأ من البيت التاسع والستين قريب من قول ربيعة بن مقروم يمدح مسعود بن سالم بن أبي سلمى:
    وجسرة أجد تدمى مناسمها // أعملتها بي حتى تقطع البيدا
    كلفتها فرأت حتماً تكلفها // ظهيرة كأجيج النار صيخودا
    في مهمه قذف يخشى الهلاك به // أصداؤه لا تني بالليل تغريدا
    لما تشكت إلي الأين قلت لها // لا تستريحين ما لم ألق مسعودا
    ما لم ألاق امرأ جزلا مواهبه // رحب الفناء كريم الفعل محمودا
    يقول الشعيبي:
    01) زارت وقد نهج الدجى وتجرهدا // وانجال جلباب الظلام الأسودا
    02) وتمايزت الافلاك ثم تحدّرت // جل النجوم إلى المغيب تورّدا
    03) واغتال ساري الليل نومه وانطوى // متلذّذٍ في طيب حلو المرقدا
    04) هذا وحسنا في بلادٍ دونها // سفك الدماء ونار حربٍ توقدا
    05) ومهالكٍ لا يستطيع مراحها // الا سروح الربد وام الفرقدا
    06) كم ذا يتيه بها الدليل إذا سرى // ليلٍ ولا لحزومها يتعهّدا
    07) مما يراه من المهالك والظما // ومكابد الحزم العريض إلى بدا
    08) من دونها نفد الضواحي واللوى // وعنيزتين وطيب نومي قد بدا
    09) من بعد ما جنح الظلام إلى اكتسى // عين المهاة وغاب قرن الأسودا
    10) والى ان حسنا بالمنام تمدّ لي // كفٍّ مخضّبةٍ بصاف العسجدا
    11) تقول ما انت الا صليب عزايم // عن من تودّ وللمحبه تجحدا
    12) واقسمت بالبيت المعظم والضحى // والتين والزيتون وآيات الهدى
    13) ما لي سواك من الملاح نحيلة // من فنتق الشرقي الى وادي كدا
    14) ودنت تحاورني فبتّ كأنني // بالكوثر المبعوث صرت مخلّدا
    15) متبجّحٍ بوصال ضامرة الحشا // حوريّةٍ للزين فيها معهدا
    16) نقوة أناثي حرّةٍ هركونة // ما مثلها في نسل حوا يوجدا
    17) تنفل جميع المحصنات بوارد // متعثكلٍ ضافى الخصايل أسودا
    18) وبعين مغزلةٍ واشافٍ ذبّل // حمر المراشف ما علقهن الصدا
    19) ومن الظبا جيدٍ يحفّ مناكب // حم تلوح بها عقود المقلدا
    20) ياما تحمّل خصرها من ردفها // عجزا إلى رامت تقوم وتقعدا
    21) له مثل غصن الموز ساقٍ ناعم // بحلٍ به الخلخال جضّ وغرّدا
    22) وانفٍ كما حد الحسام يزينه // ريح الشمطري بالسفاه يردّدا
    23) وترايبٍ بيضٍ وعنقٍ راكز // وصدرٍ ترى فيه النواهد قعّدا
    24) وحشا لطيفٍ ما نشا فيه الظنا // ولا لها عقب العتيم تلجّدا
    25) أمست تردّن للهوى رعبوبة // هيفا صموت الحجل فايحة الردا
    26) خريدةٍ تسبى العقول بحسنها // تلعي وتصبي له قلوب العبّدا
    27) لو أنها عبرت كنيسة راهب // بزمان عيسى للعباده مجهدا
    28) لرمى الكتاب وخرّ اليها ساجدا // وصبا لها ونسي متابعة الهدى
    29) سمح الزمان لنا بطيب وصالها // بالعرق من شرقيِّ وادي ثرمدا
    30) واستنفرت مما عهدت ودابها // بالمطل في ديني تقر وتجحدا
    31) لو ان حسنا تعلم إني قبل ذا // قاسٍ على فرقا الحبيب معوّدا
    32) ما كان تنسى وصلنا بمدارج // والواش عنا والحواسد بعّدا
    33) الله يسقي دارها بمحنتم // لجبٍ كداجي الليل لونه أسودا
    34) جرّاف ذرّافٍ دفوقٍ رافق // دمّار عمّارٍ لما يتعهّدا
    35) يدعي جميع رياضها وفياضها // منها المغاني والمكالي حشّدا
    36) تشوف حيّات التراب لكنها // قطع الحبال على غثاه المزبدا
    37) فإلى قضى ميقات موسى زادها // بالسمك دمّارٍ لما يتجددا
    38) وتخالف النوّار فيها واصبحت // خضرٍ مفاليها يعط بها الندى
    39) تلقى وحوش الريم فيها رتّع // والريل فيها والنعايم شرّدا
    40) تلجي مفاليح الرجال لها كما // تلجى لجود ابن الكريم السيدا
    41) وافي الذمام عن الملام بمعزل // تاج الملوك خليفة آل محمدا
    42) بركات من خير المناسب دوحته // بركات باعلى ذروةٍ متجوّدا
    43) نهار فتح الروم جانا ذكره // في نجد وديار العراق مشيّدا
    44) يجي ثناه بشرقها وبغربها // بتذكار فعل ابن الكريم يمجّدا
    45) وان زعزع الثار القديم وجذّبوا // يوم التلاقي كل شرثٍ مغمدا
    46) بيومٍ عبوسٍ قمطريرٍ باسه // ذاك النهار يشيب راس المولدا
    47) ومباركٍ ذاك النهار تشوفه // القرم عند اعقابها يتصيدا
    48) من فوق نابية القطاة شْمِرّة // من أعوجيات الأصول تردّدا
    49) بالعهد عنها ما يفوت طريدها // وبها الوناة ان كان خيله تطردا
    50) تدنى له الصفرا ودرعٍ ضافي // من نسج داودٍ جْلي عنه الصدا
    51) مع ربع ستينٍ براسه شلفا // منها بواليد الدروع تقدّدا
    52) ومصقّلٍ صافي الحديده صارم // كم ذا على روس القروم يورّدا
    53) لو تنطق الروس التي قطعت به // بفمٍ فصيحٍ فالجماجم تشهدا
    54) والدم يجري في الجيوب كأنه // من سيف ابو بدرٍ بحرها المزبدا
    55) صرايع ذاك النهار تشوفها // شروى نخيلٍ جاثيات بثرمدا
    56) والبيض غضّات الشباب حواسر // شروى الجمان دموعهن تبدّدا
    57) بلطافةٍ ورشاقةٍ ورفاقة // تاطا الوطيس على ضياه الموقدا
    58) من شِدّ ما يوحنّ من وقع القنا // والبيض واطراف الرماح تورّدا
    59) ياما علا بالسيف روس رجالها // واقفوا كما وصف النعايم شرّدا
    60) يتلون مَلْكٍ لا يزال حريبه // عينيه في طول النعاس تسهّدا
    61) مَلْكٍ عظيمٍ بالأمور مجرّب // مَلْكٍ بصولات الكفاح معوّدا
    62) أصخى من الملك الغريري واجود // وافرس من ابن الزبرقان إلى عدا
    63) يحكي ثناه بكل وادٍ طايل // ثقات عن فعل الشريف تمجّدا
    64) لولاك ما جزنا حزومٍ كنها // تطلى إلى حمي الهجير زمردا
    65) ولولاك ما دسنا سباريت الخلا // وديار ساكنها المهامه والصدى
    66) فالى جرى عرق الهجين من الونى // واوزا بها سوج الرحال الملهدا
    67) وتزفّرت تشكي علَيّ مطيّتي // الدوب والحولات مع طول المدى
    68) مسّيت ملقى زورها لذراعها // بالعقب ثم اتليتها بالجلمدا
    69) واقسمت بمنزّل تبارك والضحى // والصف والإخلاص وآيات الهدى
    70) ما تبركن على الوطا باثفانكن // يومٍ ولا عنك النجير يبرّدا
    71) حتى نجي لابن الكريم ونلتجي // باركان كعبة جوده المتعهّدا
    72) يمحى خطايا الفقر عني شوفه // شيخٍ يبش صباح وجهه بالندى
    73) ملك مضيفه لم يزال مدلّق // لجميع وفّاد البرايا مقصدا
    74) هذا يشد وذا بعيشه راغد // طول الزمان وذا يروح موفّدا
    75) لو ان مثله بالمروّه واحد // غدى الفقر عنا زمانٍ وابعدا
    76) دامت له العليا ودام وجوده // ودامت ليال العز له طول المدى
    77) ثم الصلاة على النبي محمد // ما لعلع القمري وناح وغرّدا
    78) والآل والأصحاب ما نجمٍ بدا // زار وسرى جنح الدجى وتجرهدا
    ونورد الآن قصيدة الشعيبي القرنفلية والتي تعطينا بعض المعلومات الإضافية عن بركات. لاحظ في البيتين السابع والأربعين والثامن والأربعين من هذه القصيدة براعة الشاعر في حسن التخلص إلى غرضه وهو مدح بركات والاستطراد في تحديد نسبه وتعداد المواقف التي ظهرت فيها شجاعته. والترويح عن رفاق السفر بسرد القصص والأخبار التي تروى عن كرم الممدوح وأريحيته كما في هذه القصيدة، مثله مثل وصف المطر وما يتلوه من غيث عميم يلجأ إليه طلاب المرعى، مدخل من المداخل التقليدية التي يوظفها الشعراء، فصيحهم وعاميهم، للولوج إلى موضوع المدح. انظر إلى قول ذي الرمة:
    ونشوان من طول النعاس كأنه // بحبلين من مشطونة يتأرجح
    إذا مات فوق الرحل أحييت روحه // بذكرك والعيس المراحيل رجح
    وقول المجاشعي، وهو شاعر فصيح متأخر توفي عام 479، أورد له الباخرزي، الذي يلقبه شاعر الحرمين، مقطوعة منها (الباخرزي 1986، ج1: 37):
    وركب نشاوى قد سقتهم يد الكرى // بكأس عقار فوق قود طلائح
    وميل على الأكوار صيد كأنهم // سرى صبحوا الصهباء من كف صابح
    فنبهتهم والنوم كحل عيونهم // بمدح نظام الملك أهل المدائح
    وفي البيت الرابع والخمسين من القصيدة السابقة يلقب الشعيبي بركات "أبو بدر" وفي البيت الثامن والأربعين من القصيدة التالية يلقبه "بو علي"، كما يسمي أباه وجده وعمه في البيت السابع والخمسين. وكما في القصيدة السابقة يبالغ الشعيبي في هذه القصيدة في تضخيم المتاعب والأهوال التي اجتازها ليصل إلى ممدوحه، بما في ذلك اضطرارهم لشرب الماء المالح كما يشير إلى ذلك البيتان الخامس والأربعون والسادس والأربعون واللذان يعودان بنا إلى نفس المعنى الذي تطرق إليه أبو حمزة في البيت الثالث من قصيدته التي يبدأها بقوله: طرقت أميم والقلوص سجودا. والجزاء طبعا على قدر المخاطرة والتعب، كما سبق وأن قلنا في تعليقنا على أبيات مماثلة مرت بنا في المقاطع الأخيرة من "الذهبية" لعامر السمين. وفي البيت الثاني والخمسين يرد ذكر الفيحا ويقصد بها البصرة، تلك المدينة التي لم يصلها الشعيبي ورفاقه إلا بعد أن أنضوا رواحلهم حتى لم تعد تستطيع الهرب من الإعياء، وبذلك فهم لم يعودوا مضطرين لقيدها بالعقل والحبال وأصبحوا يهمّـلونها حينما ينزلون في الضحى أو العشاء أو في وقت القيلولة.
    وبعد الإطناب في وصف شجاعة بركات وسخائه ينتقل الشاعر من البيت السابع والسبعين إلى الاستجداء المباشر مدعيا أنه غارق في الديون، وربما يكون هذا الادعاء صحيحا وربما يكون مجرد حيلة مكشوفة، أو وسيلة فنية من الوسائل التي يلجأ إليها الشعراء لاستدرار عطف ممدوحيهم والذين يعرفون ذلك لكنهم يتـظاهرون لأريحيتهم وشهامتهم أن الحيلة انطلت عليهم فيجزلون العطاء للسائل. وفي البيت التاسع والسبعين يصف كرم مبارك وكثرة الضيوف الذين يطرقون منزله. فلربما يفد الوافد ويقيم ضيفا في منزل مبارك ويطول مثواه حتى تلد راحلته وحتى يستن حوارها، أي يشب وتشتد عضلاته ويقوى على الجري السريع، دون أن يسأله أحد من تكون أو أين أنت ذاهب أو غير ذلك من الأسئلة التي قد تسبب حرجا للضيف وتشعره بأنه أثقل الزيارة. وتقول الأسطورة إن الشعيبي أوفى بالنذر الذي قطعه على نفسه في البيتين الأخيرين وهو أنه سوف يجازي رواحله التي أوصلته بركات بأن يتركها تهيم على وجهها مع الوحوش في البراري حرة لا يمسها أحد لا لركب ولا حمل، وهذا يذكرنا بالسائبة والبحيرة. ولأول مرة في الشعر النبطي ترد في البيت الواحد والسبعين من هذه القصيدة إشارة مقتضبة للأسلحة النارية.
    01) أطلب لأطلال الديار الممحلِ // يعتادها نوّ السعود المقبلِ
    02) بالدلو هطّال السحاب محلتم // سحبٍ لكن بها السيوف تسلل
    03) لجب الخيال لكن في جنباته // طبلٍ بسيرات الملوك يزلزل
    04) يسقي ديارٍ حلّ في عرصاتها // سوّ البلا وامست بلاقيعٍ خْلي
    05) دارٍ لحسنا بين سيطان اللوى // والسرّ والضاحي وبين مجزّل
    06) لعبت بها غبر السنين وأصبحت // خليٍّ بلاقعها بهاها منجلي
    07) حل البلا في ربعها وتغيّرت // مما شهدت من العمار وشهد لي
    08) خليت حذا شروى الجماجم جثّم // سمر الجباه من امتحان المرجل
    09) من عقب ما كانت تريف بحيّها // عساكرٍ وصهيل خيلٍ حيّل
    10) ومراكبٍ عوجٍ وعزٍّ قاطب // يأمن بها المترحّل المتوجّل
    11) وخرايدٍ خمص البطون نواعم // صافيتهن ايّام حظّي مقبل
    12) جعد الذرى ياطول ما مازحتهن // أيام عجّات السفاه موجهلي
    13) ياطول ما صافنّني وجفنّني // وخدمتهن على الرضا وخدمن لي
    14) الين لاح الشيب فيّ انكرنني // والشيب لى من لاح ما يتبدّل
    15) واليوم ما يصخن لي بنظرة // لو كنت مَلْكٍ بالنبوّه مرسل
    16) وانا بحمد الله لو فارقنني // زل الصبى ودنا المشيب يعجّل
    17) قرب المساجد للإله مجاور // خلف الإمام على الهدايه مقبل
    18) يغنين عن تذكارهنّ خريدة // فيها الجمال اليوسفي مكمّل
    19) ميّاحة الخصرين هافية الحشا // غرّا لكن حجاجها السجنجل
    20) نشت بزومات الشباب منعّمه // بضلال منفوحٍ رفيع المنزل
    21) طول الحياة وعن مصاريد الشتا // في كن ذاك المقلحزّ الأطول
    22) تكسى المتون بقذلةٍ مغذيه // باطياب مسك وعنبرٍ وقرنفل
    23) مع مقلةٍ نجلا وجيد فريدة // مع شفّة حمرا وحمٍّ ذبّل
    24) ومذارعٍ فيها الأساور والحلي // والساق من عظم الردايف مثقل
    25) ونواهدٍ يزهن صدرٍ ما لجا // فيه الجنين وخصرها متحمّل
    26) وردف كما طعس النفود الى مشت // كلفٍ عليها بالقفا والمقبل
    27) حيّالةٍ ميّالةٍ قتّالة // بالعشق من بوصالها متبدّل
    28) مصيونةٍ عن كل عيب فاضح // في غيرها ومن العقال الثقّل
    29) ما سامرت حي الفريق ولا بعد // يوم قواها حيلة المتحيّل
    30) في غرّته ينباج نورٍ كنه // شمسٍ مشعشعةٍ تنير وتشعل
    31) كنّي وقد شدّ الرحيل لحيّها // والجوخ يدنى والسوام تعزّل
    32) والحي من واد الغضا متفاخت // ذا مجنبٍ عن ذا وهذا مشمل
    33) خَلْيت منازلها ياكود رسومها // ولا عاد فيها من يحل ويرحل
    34) سمح الزمان لنا بطيب وصالها // ثم انتحت عني بقاصي المنزل
    35) باتت توادعني وبت كأنني // لحَمٍ على جال المليله يصطلي
    36) ومعلّقٍ بي ناب راصد حيّه // مقذوف سمّه بالعظام مغلغل
    37) ناديت ربعي للرحيل وقرّبوا // والكل منهم لي مطيعٍ مجمل
    38) دنّوا قلاصٍ كنهن نعايم // يطربن صدر الوافد المترحّل
    39) نهضن من دار القصيم قواصد // بي مطلع النجم الشمالي عن هلي
    40) عشرٍ من اوطان القصيم نحثّها // مرٍّ تخبّ بنا ومرٍّ تهذل
    41) وانا على هبّاعةٍ ربّاعة // تنفى مناسمها صليب الجندل
    42) تْتِلّ الجرير بعزمها ويتلّها // كفّي وهي عند الرحيل تجفّل
    43) واوزيتها في قطع كل تنوفة // تيها تكِلّ بها النضا وتململ
    44) محلٍ محالاتٍ لكن اشجارها // شْوَشٍ على جنٍّ بخبث المنزل
    45) متوقّمٍ ماء الصميل ولو بقى // همجٍ لكنه في مراجيلٍ غْلي
    46) من منهلٍ مرّ الشراب لكنه // يخلط بماه الصبر هو والحنظل
    47) وإلى شكوا طول المسير رباعتي // واستنعس النذل الهدان الزمّل
    48) الهيتهم بعجايبٍ وغرايب // وتذكار كسّاب المروّه بو علي
    49) حتى بقت نضواتنا لو أهملت // بِمْضَحّىً أو بِمْعَشّىً أو بمقيّلي
    50) أمن الفؤاد من الشرود ولو بقت // بموثّقات حبالها لم تُعقل
    51) ما تنتهض تقوى القيام ولو بغت // غِبّ السرى وتذارع الدوّ الخلِي
    52) لفن بنا الفيحا وهن توالف // نضواتنا شروى الجريد النحّل
    53) ألفن بنا بركات أبرك من مشى // الفارس الشهم الإمام الفيصل
    54) من يوم قابلنا النجيب وبرّكن // باكناف من يلجي بذراه المبتلي
    55) شيخٍ حوى طرق المعالي كلها // بشجاعةٍ ومروءةٍ وتفضّل
    56) حاش المراجل والشجاعه والندى // إلى جذى عنها الردي الأخطل
    57) من جده المحسن وابوه مبارك // تاج الملوك وعمه المولى علي
    58) قيدوم كل سريّةٍ علوية // نبويّةٍ ما عن لقاها معزل
    59) زيزومها ياما حمى من ساقه // سيفه إلى ذل الردي واستجفل
    60) مرجف مقام الترك في أوطانها // لى جا محارمهم يدوس ويقتل
    61) ياما رمى بين السويب وواصل // من راس روميٍّ لسبعٍ مرمل
    62) قطّع سوابلهم وخلى اوطانهم // فيها الرغيف بدرهمٍ ما يحصل
    63) وان ذعذع الثار القديم ولبّسوا // يوم الملاقى كل قبّا تعجل
    64) حتم فلا ركب السروج ولا وطا // فوق الوطا من حافي ومتنعّل
    65) شرواك يابركات لى من جرّدوا // بيض الضبا وحمي وطيس القسطل
    66) لا عنترة عبسٍ ولا عمرو الدها // ولا حاتم الطائي ولا ابن الشمعل
    67) أيضا ولا ابن الزبرقان ولا الذي // حبس الفوارس من يمينٍ عن علي
    68) تلقى الحسيني والوجوه عوابس // يحظى حياض وطيس حامي الجحفل
    69) من فوق نابية القطاة شْمِرّة // او قارحٍ سلم القيون معزّل
    70) متقلّدٍ صافي الحديده صارم // يضحك إلى ما ناش حد المفصل
    71) في ذات يومٍ قمطريرٍ باسه // حمي الرصاص وكل رمحٍ مرسل
    72) والبيض من فوق الحنايا فرّع // والخيل من ضرب العوالي جفّل
    73) وان غرّز ابكار العشار ولا لقوا // والدر به من كل مرزمةٍ خلي
    74) فصحون مجده للضيوف مشرّعه // ذا فارغٍ منها وهذا ممتلي
    75) وخلاف ذا يامن رقى درج العلا // لا زلت بالنصر القديم مشمّل
    76) ياسيّدٍ من سيّدٍ متسلسل // بين البتول وبين طه والولي
    77) ياسيّدي أندبك ندبة مدرك // بالحبس دونه ألف بابٍ مقفل
    78) أو نادرٍ مطروح باتلى الساقه // كسر السلاما وايقن انه قد ولي
    79) ياإبن من لقحت مطيّة ضيفه // واستنّ تابعها وهو ما يسأل
    80) انا اتديّن في رجاك بحيله // لولاك ما دِيّنْت حبّة خردل
    81) وانا لديون الزمان رهينة // ياسيدي وإليك عنها مجفلي
    82) أيضا وعش واسلم ودم في نعمة // واقطع وصل وافصل بملكٍ واعدل
    83) ترى المراجل صعبةٍ مرقاتها // لولا صعوبتها رقتها الزمّل
    84) والمال لو هو عند عنزٍ شيورت // ويقال ياام قرين وين المنزل
    85) ركايبٍ ودّنّنيك حقايق // ان يرتعن مع النعام الجفّل
    86) يعفين عن شد الرحيل جزا لما // بلّغْنَنيك مع السعود المقبل
    87) خذها لديك عروس شعرٍ ما حبت // لوصال غيرك ياشريف المنزل
    88) بكرٍ عن اوباش الملا مصيونة // امست لشخصك يالحسيني تهذل
    89) وختام قيلي بالصلاة على النبي // ما غرد القمري بصوته يعول
    تتفق هذه القصيدة التي قالها الشعيبي في مدح الشريف بركات في البحر والقافية والنفس الشعري مع أول قصيدة أوردناها لأبي حمزة العامري يمدح فيها الشريف كبش بن منصور بن جماز لدرجة أن المخطوطات تخلط فيما بين القصيدتين في بعض الأبيات. هذا يوضح لنا إلى أي مدى يمكن القول بأن القصائد النبطية القديمة تشكل إرثا شعريا متناصا، متداخلا ومتشابها في عناصره وآلياته، وأن هذا الإرث يمثل امتدادا للإرث الكلاسيكي الذي ورثناه منذ العصر الجاهلي. تتفق قصائد شعراء النبط مع الشعراء الكلاسيكيين في مقدماتها الغزلية الطويلة. بل إن اتفاقهم يذهب إلى أبعد من ذلك؛ كلهم يتغزلون بطيف الحبيبة الذي يزورهم آخر الليل في القفار الموحشة حينما يحطون عن رحالهم التي أنضاها السفر وتحاول أجسادهم المنهكة وعيونهم المتعبة اختلاس جرعة من النوم. والتغزل بالطيف ليس فيه حرج ديني ولا اجتماعي لأن ما حصل ليس إلا مجرد حلم جميل. والأهم من ذلك من الناحية الفنية أن الشاعر من خلال موضوع الطيف يستطيع أن يرسم صورة مشخصة عن المتاعب والمخاطر والأهوال التي يخوضها والمسافات الشاسعة التي تبعده عن موطنه وعن حياة الرغد والنعيم مع من يحب. هذا التقابل بين الرخاء والشدة، بين الترف والشظف يشكل بناءا فنيا ممتازا، وهو أيضا وسيلة مؤثرة لتحريك عاطفة الممدوح واستجدائه. وتتداخل مواضيع الطيف والنسيب والأطلال والمطر لتشكل مع بعضها البعض مركّبا فنيا تتفاوت عناصره وجزئياته من قصيدة إلى أخرى بشكل يبرز فيه تفرد كل شاعر وتميزه من الناحية الإبداعية ولكن دون الخروج من دائرة التقليد.
    ومثلما تتشابه قصائدهم في طريقة حبكها وفيما تتضمنه من مواضيع شعرية وما تتوسل به من أدوات فنية تتداخل أحداث السرد الأسطوري في حياة الشعراء القدامى ويتشابهون في الطريق الذي تسلكه شخصياتهم في انتقالها من عالم التاريخ إلى عالم الأسطورة، والذي يأتي عادة إما لسوء فهم الرواة وجمهورهم لمفردة من المفردات، كما مر بنا، وإما لتفسير حرفي يفرضونه على معنى مجازي أو صورة فنية متداولة أو موضوع تقليدي ورد في القصيدة. ومن مظاهر التفسير الحرفي اعتقاد الرواة أن تغزل الشاعر بالمرأة التي يورد اسمها في قصيدته يحكي تجربة حب شخصية خاضها مع فتاة حقيقية. وقد ألمحنا إلى الكيفية التي حيكت الأساطير فيها حول عشق الشعيبي لحسناء وأبي حمزة لأميمة. كما قد مر بنا أن مقدمة العليمي الغزلية في قصيدته التي يمدح فيها قطن بن قطن فهمها الرواة لا على أنها مجرد موضوع مكرر تفرضه تقاليد الشعر بل على أن العليمي لم يذهب أصلاً إلى قطن في عمان إلا ليستنجد به ويطلب حمايته ونجدته ضد ابن أمير العيينة الذي يحاول خطف زوجته التي يحبها والتي تحدث عنها في مقدمته الغزلية.

    المطوع راعي وشيقر
    يقول بركات الشريف في قصيدته البائية بوصل الهاء:
    قلته على بيتٍ قديمٍ سمعته // على مثل ما قال التميمي لصاحبه
    إذا الخل أورى لك صدودٍ فأوره // صدودٍ ولو كانت جزالٍ وهايبه
    هناك ما يشبه الإجماع بين رواة الشعر النبطي بأن ما يقصده الشريف بركات بذلك هو قول الشاعر:
    من باعنا بالهجر بعناه بالنيا // ومن جَذّ حبلي ما وصلت رشاه
    الاقفا جزا الاقفا ولا خير في فتى // يتبع هوى من لا يطيع هواه
    ويرد هذان البيتان في قصيدة مثبتة في معظم مخطوطات الشعر النبطي وينسبها الرواة لشخص تسميه بعض المخطوطات عبدالرحمن وبعضها تسميه عبدالرحيم وبعضها تسميه ابن عبدالرحيم وينسبونه إلى تميم ويلقبونه بالمطوع ويقولون إنه من أهل وشيقر. ويسميه الشيخ صالح بن عثمان القاضي ابن عبدالرحيم ويقول إنه توفي عام 1015هـ. (القاضي 1414، ج1: 02). وفي مخطوطة حررها الشاعر المعروف جبر بن سيار في التاريخ والأنساب سماه ابن عبدالرحيم وأورد له بيتا من الشعر لم يرد عند غيره وهو:
    يقول التميمي الذي رَدّ في الصبا // خباياه من بعد الصدير حيام
    ولعل هذا البيت بداية القصيدة التي أثبتها سعود اليوسف في كتابه أشيقر والشعر العامي، وتبلغ عنده خمسة عشر بيتا تبدأ بهذا البيت:
    ياجانيات العصفر الغض بالضحى // عليكن يانجل العيون سلام
    ويورد اليوسف في كتابه (1416: 20-37) بعض الأخبار الظنية عن ابن عبدالرحيم ويورد له بعض القصائد قصيدتان منهما لم تقع عيني عليهما فيما اطلعت عليه من مخطوطات الشعر النبطي؛ واحدة منهما تلك التي أشرنا إليها آنفا والأخرى لامية من ستة وعشرين بيتا يقول مطلعها:
    حورية العين حورا الجبين // من البدو من شافها يهبل
    إن عنت يَمّ بدوٍ فيدنى لها // ظِلّةٍ حس جرسانها يعول
    وللتميمي حكاية غريبة أقرب إلى النسج الأسطوري منها إلى الواقع التاريخي. يقولون إنه هام بحب فتاة بارعة الجمال لكنها لا تكافئه في النسب، فهي ابنة صائغ وهو من قبيلة تميم، فتزوجها سرا. ولما علم أهله بذلك حاولوا إرغامه على طلاقها فامتنع. فاصطحبوه معهم في أحد أسفارهم ونيتهم أن يجبروه على طلاق الفتاة أو يقتلوه. ولما وصلوا الدهناء صارحوه بخطتهم فطلب منهم أن يتركوه لوحده ليصلي صلاة الاستخارة. فصعد كثيبا رمليا "نقا" قريبا منهم ولما اعتلاه رأى ظبية ذكرته بفتاته وبجمالها وتأكد لديه أنه لن يستطيع أن يمحو حبها من قلبه. فقام بقطع أصبعه وكتب بدمه، قبل أن ينزف ويموت، قصيدة غزلية رقيقة من أجمل ما قيل في الشعر النبطي. وتقول الرواية إن ذلك النقا لا زال يعرف بـ"نقا المطوع". (الفهيد 1398: 200، ابن خميس 1407: 471). وفي كتابه كيف يموت العشاق يورد الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل أشعار المطوع ويناقش حكاية عشقه نقاشا مستفيضا يخلص منه إلى أن الحكاية محض خيال وأسطورة لا تمت للواقع التاريخي بأي صلة (1418: 394-457).
    وسواء أكان التميمي شخصية حقيقية أم خيالية فإن استشهاد الشريف بركات بأبيات من قصيدة يفترض أنه قالها يقوم دليلا على تداول القصيدة والقصة المتعلقة بها في ذلك العصر، وعلى هذا الأساس رأينا إدراج الأشعار المنسوبة للتميمي هذا في الحقبة الجبرية، خصوصا أنها مثبتة في مخطوطات هوبير، أقدم مخطوطات الشعر النبطي، وغيرها من المخطوطات. ومما يدعم هذا الرأي أن القصائد المنسوبة إلى التميمي تنسجم في مضمونها ومفرداتها مع الموروث الشعري الذي وصلنا من الفترة الجبرية، فأنت تجد في هذه القصائد مفردات وعبارات مثل "جما" و"ميقات موسى" وغيرها مما كان شائعا في أشعار الحقبة الجبرية ثم ينقرض استعمالها في الحقب اللاحقة. وذكر العقيليين في هذه الأشعار وعدم ذكر القيسيين ربما يوحي بأنها قيلت بعد الحقبة العيونية بعدما استتب الأمر للعقيليين، أي الجبريين.
    01) يقول التميمي والذي شَبّ مترف // مدى العمر ما شا في زمانه جاه
    02) ياركب ياللي من عقيلٍ تقلّلوا // من نجد للريف المريف مداه
    03) حْدَروا بنا من جَوّ عِكْلٍ وقوّضوا // على كل هباع اليدين خْطاه
    04) علاكِم تِجِدّ السير لكن وصفها // الى هْكَعَن بالريدا احلّي سراه
    05) صليخة نجمٍ هدّها فجثمت // على الأرض من عالى السما بوطاه
    06) ياأيها الركب الذي كل ما غبى // يبين لي من جانبيه جماه
    07) ثلاثٍ كنقاط الثا على جال موقه // يطير من نسم الرياح هباه
    08) فلما ان جوا الدهنا والانسان ما له // ملاذٍ وما يكتب عليه وطاه
    09) لقوا شادنٍ في زريها مستكنّه // حماه عن لفح السموم ذراه
    10) كنس طلعة الجوزا والاطلال ما جزى // صروف الليالي وامتحان قضاه
    11) غشاها لذيذ النوم والنوم كم غشى // من القوم حذرٍ وايتلوه عداه
    12) خذوها فلا بالرمح زرقٍ ولا العصا // ولا دْفَنوا لها حبل العقال تطاه
    13) فقلت لخلاني ومثلي لمثلهم // يشكي إلى من الزمان وطاه
    14) دعوها تخوض الغَيّ والغَيّ غِيّه // يموت الفتى فيه وينول مناه
    15) ياشمل يامامونة الهجن هوذلي // إلى دار من يصعب علَيّ لقاه
    16) دقاق حجل الطوق ياناق وان طرى // على البال زاده من عناه بلاه
    17) خليلي إلى شافن تبسّم واستحى // ويضفي على الوجه السميح غطاه
    18) محى الله قصرٍ حال بيني وبينه // بنجمٍ من المولى يهدّ بْناه
    19) باغٍ ليا هَدّ العلي من ركونه // وذَهْلن عطرات الجيوب حياه
    20) يظهر خليلي حاسرٍ من ربوعه // هذاك غايات الفتى ومناه
    21) يارب تجعل رجفةٍ تجمع الملا // عسى بها خلّي يطير غطاه
    22) ألى واعنا عيني إلى ريت صاحبي // جليسٍ لغيري واحترمت لقاه
    23) وسيره ممروعٍ لغيري ويهتوي // وساقيه ما ينحى علَيّ بماه
    24) دع ذا وسل والي السما في محلتم // سرى يشعق الظلما رواق سناه
    25) لكن بامر الله يوم تطلّقت // عزاليه واضفى بالسحاب رداه
    26) حوارك تبني في الزعازيع زجّها // من الريح زعّاجٍ بِزِجّ سِفاه
    27) غطى ما وطى والى غطى بعد ما وطى // غطى ما وطى واللي وطاه غطاه
    28) محى ما نحى والى محى بعد ما نحى // محى ما نحى واللي نحاه محاه
    29) نفا ما غثا والى نفا بعد ما غثا // نفا ما غثا واللي غثاه نفاه
    30) عصى ما نصا والى عصى بعد ما نصى // عصى ما نصى واللي نصاه عصاه
    31) ان كان لي ظنٍّ وبالظن هاجس // قد حال بين البازمين غثاه
    32) فالى مضى ميقات موسى وضفدعت // مغانيه واخضرّت عليه شباه
    33) إلى ما الثريا في سنا الصبح كنها // وشاحٍ جلا سوف اليدين صداه
    34) وقابلت الجوزا لكن نظيمه // تتابع غزلان المها وظْباه
    35) وقابلت الشعرا ومن منك الصبا // وهب من ارياح السعود صباه
    36) وقابلت نجم الجليسين ظاهر // ولاح سهيلٍ من جنوب سماه
    37) تقلّل عن خبري وما كنت عاهد // وحالت عْدانا بيننا وعْداه
    38) من باعنا بالهجر بعناه بالنيا // ومن جَذّ حبلي ما وصلت رْشاه
    39) الاقفا جزا الاقفا ولا خير في فتى // يتبع هوى من لا يطيع هواه
    40) خليلي يشادي خاتم العاج وسطه // غدى مزق لولا ان البريم زواه
    41) خليلي خلا قلبي من الولف غيره // وعفت الاخله والخدون حْذاه
    42) فلا واعلا حيث ان لقياه منوتي // لعله إلى شافن بقيت مناه
    43) فلا واعلا حيث العزا منه بايح // لعله إلى شافن يبيح عزاه
    44) خليلي لو جا البحر بيني وبينه // حذفت نفسي فوق لجة ماه
    45) خليلي لو يزرع زْريعٍ سقيته // بالدمع وان شح السحاب بماه
    46) خليلي لو يرعى الجراد رعيته // واسرّحه واهظّله على هواه
    47) خليلي لو ياطا على جمرة الغضا // وطيت ما ياطا وجيت حْذاه
    48) خليلي لو يذلق على الشري ريقه // غدى عسلٍ واغنى التجار شراه
    49) خليلي لو ياطا على قبر ميت // تكلم راعى القبر حين وطاه
    50) خليلي معسول الشفاتين فاتني // كما فات لقّاي الدلي رشاه
    51) كن عن دقاق الشوق حذرٍ ولا تكن // دنوعٍ إلى حَدّ الفطام غْذاه
    52) اذا لم يكن يبلغ ثلاثٍ مع اربع // وعشرٍ فلا يشفي الفؤاد لقاه
    53) إذا لم يكن هلباجةٍ ما يهمّها // دينٍ ولا بينٍ يشط لماه
    54) تعاديه ما يدري تصافيه ما درى // ما سمع من غالي الحديث حكاه
    55) ألى واوجعي واطول عصرٍ مضى إلى // مِدى العمر ما يدرى بداي وداه
    56) فعضّيت من حِرّ الشكيه أناملي // وقلت آه من حر المصيبه آه
    57) ولو ان قولة آه تبري مواجعي // كثّرت انا في ضامري قول آه
    وتشبيه الشاعر سرعة الركب بسرعة النجم المنقض من السماء تشبيه غريب لكنه غير نادر الوجود في الشعر النبطي فهو يتكرر مثلا في البيتين التاسع عشر والعشرين من قصيدة عبدالله السيد التي قالها في مدح الإمام سعود بن عبدالعزيز والتي سنوردها في فصل لاحق. كما نجده في قصيدة وجهها سرداح بن هزاع لمحسن الهزاني يقول فيها يصف الذلول:
    أو فرخ ما توّه على الصيد جايع // أمس الضحى من كف راعيه ضايع
    أو نقنقٍ له بعض الازوال رايع // أو نجم داوي قَضّ في راس شيطان
    وفي الأبيات الثامن عشر حتى الواحد والعشرين يتمنى الشاعر أن يسقط على قصر حبيبه نجم يدكه ويهد أركانه كما يدعو عليه بالرجفة والزلزلة. وهذا من الأساليب المتبعة عند شعراء النبط، ومنهم من يتمنى لو شن الأعداء غارة شعواء على أهل الحبيب؛ كل ذلك رغبة منهم في أن تذهل المحبوبة ويصيبها الرعب فينحسر لثامها وينكشف غطاؤها ليتمتع الشاعر برؤية وجهها وأجزاء من جسدها. ومنهم من يدعو على دار الحبيب بالسيل الغزير والغرق، كما عند الهزاني، حتى يضطر الحبيب إلى الخوض في الماء والكشف عن ساقيه ليتمتع الشاعر برؤيتهما، كما في قول جري الجنوبي:
    ضحى شفتها بالسيل في عرصة النيا // تخوض مع البيض العذارى غديره
    يخوضن خوض الوز بالما وبان لي // حلايا لمجمول الحلا من ستيره
    هذه ليست إلا موتيفات شعرية ومواقف تصويرية لا يقصد منها الرغبة في إلحاق الأذى بالحبيبة أو بأهلها وديارها وإنما مجرد تخيل أي فرصة، مهما كانت وتحت أي الظروف، يمكن أن تسنح ويغتنمها الشاعر للتمتع بمفاتن المحبوبة حينما تذهل سترها. وهذا قريب الصلة بالمواقف التي يصورها الشعراء لما يحدث في الحرم نتيجة الزحام وتداحم الرجال والنساء أثناء السعي والطواف أو حينما تكشف إحدى الحسناوات عن وجهها لتقبل الحجر الأسود أو ما يحدث في الأعياد وغير ذلك من المناسبات التي تتجمل فيها النساء والفتيات ويتحللن من بعض القيود الصارمة فيما يتعلق بإظهار المحاسن والرقص والغناء وما إلى ذلك.
    ونسبة الخوارق إلى المحبوب كما في قوله "حبيبي لو ياطا على قبر ميت" من المواضيع المطروقة في الشعر العربي القديم، كما في قول عمر بن أبي ربيعة:
    ولو تفلت في البحر والبحر مالح // لأصبح ماء البحر من ريقها عذبا
    وقوله:
    لو سقي الأموات ريقتها // بعد كأس الموت لانتشروا
    وقول جميل بثينة:
    مفلجة الأنياب لو أن ريقها // يداوى به الموتى لقاموا من القبر
    وقد مر بنا أن الأسطورة غالبا ما تنشأ من محاولة الرواة الشعبيين إضفاء تفسير حرفي على العناصر الفنية في القصيدة وعلى لغتها المجازية. ولو تأملنا أبيات القصيدة السابقة لوجدنا فيها ذكرا لركب يمر من الدهناء ويصادف في طريقه ظبية مختبأة في كناسها. ربما تكون هذه هي البذرة التي نبتت منها أسطورة التميمي مع إبنة الصائغ. ويورد الرواة هائية التميمي السالفة كشاهد على قصة انتحاره حينما حاول أهله الضغط عليه وإجباره على طلاق محبوبته. ويفسر بعض القصاصين الشطر الثاني من البيت الرابع والخمسين بقولهم إن ابن عبدالرحيم لما تزوج بنت الصائغ، وكانت صغيرة السن، حذرها من إفشاء سر زواجه منها. وفي إحدى المرات ذهبت البنت إلى بستان زوجها في غيابه لجني بعض الخضروات أو الفواكه فانتهرتها أخت زوجها، والتي لم تكن علمت بعد بزواج أخيها من الفتاة، فقالت الفتاة: أنا لم أسرق فهذا بستان زوجي. فعرفت الأخت بحقيقة الأمر وأخبرت أهلها بهذا السر الخطير مما أودى بحياة الشاعر. ولا نجد في القصيدة ذكرا للنقا الذي تقول القصة إن المطوع صعده ليكتب قصيدته قبل أن ينهي حياته. لكننا نجد إشارة لذلك في البيت الأخير من القصيدة اللامية التي نشرها سعود اليوسف والذي يقول:
    شربت الحمام قضيت النحب // براس أبرقٍ نايفٍ معتلي
    وفي قصيدة أخرى تنسب للشخصية نفسها يرد ذكر وشيقر مما يجعلنا نتساءل هل هو فعلا من أهالي وشيقر أم أن مجرد ورود الاسم في القصيدة كاف لينسبه الرواة إلى هذا المكان، كعادتهم في إعطاء المجازات الشعرية والاستعارات البلاغية تفسيرا حرفيا. والقصيدة تتفق في بحرها وقافيتها مع قصيدة لحميدان الشاعر ومع قصيدة ينسبها الرواة للشريف شكر بن هاشم، لذلك تتداخل أبيات هذه القصائد الثلاث مع بعضها البعض. وهذه الأبيات المنسوبة للتميمي:
    01) ألى ياحماماتٍ بعالي وشيقر // وراكن فرقٍ والحمام ربوع
    02) ألى ياحماماتٍ بليتن بنادر // حِرٍّ خطوفٍ صاطيٍ به جوع
    03) وراكن ما تبكن خِلٍّ غدى لي // وتِهِلّن من أعيانكن دموع
    04) ألى واسفا بالجازي ام محمد // فارقتها واثر الفراق يروع
    05) حليّها بالوصف ياجاهلٍ بها // شحم الكلى بين اليدين يموع
    06) بكيت عليها لين حرقت نواظري // ولا نيب من أمر الاله جزوع
    07) ألى يامشيحينٍ بدنياكم ايقنوا // وراكم حصاصيدٍ تَحَصْد زروع
    08) ترى ما يدٍ الا يد الله فوقها // ولا طايرات الا وهن وقوع
    09) ولا ضحكٍ الا والبكا مردفٍ له // ولا شبعه الا مقتفيها جوع
    10) فلا بد عقب الجوع لي من شباعه // ولا بد من عقب الشباعه جوع
    11) ولا بد عقب الدهر من وابل الحيا // ومن بارقٍ يوضي سناه لموع
    12) تمنيت لا حافاني الله بالمنى // إلى لي بواليد الحديد ظْلوع
    13) يردن قلبٍ طار من مستكنه // قلبٍ على فرقى الخليل جزوع
    وذكر الجازية أم محمد في القصيدة واتفاقها في البحر والقافية مع قصيدة ينسبها الرواة للشريف شكر بن هاشم يثير العديد من الأسئلة. وسبق أن أوردنا نصا لابن خلدون يذكر فيه أن من القصص التي يحتفي بها الهلاليون قصة الجازية، أخت حسن بن سرحان، التي يتزوجها الشريف ابن هاشم المدعو شكر بن أبي الفتوح وتنجب له غلاما اسمه محمد. ويورد ابن خلدون القصة كمثال على الأخبار المصنوعة التي لا يوثق بها تاريخيا. ولا يزال الرواة عندنا يتناقلون هذه القصة. ومما يزيد في حيرتنا ورود اسم شكر في قصيدة ثالثة منسوبة للتميمي تقول:
    01) أبحت العزا ياشَكِر في راس مرقب // وجرّيت بالحانٍ علَيّ عْجاب
    02) على مثل غصن الموز غَضٍّ شبابه // يقود الهوى بين اشفتين عذاب
    03) بايعتها والسوق بيني وبينه // والبيع في بعض الأمور كْذاب
    04) ولحقته إلى باب العطيفات ظاهر // إلينه غدى بين البيوت ذهاب
    05) وهو باديٍ وانا مع الحضر قاعد // وطرد البوادي للحضور عذاب
    06) فياليت زمل البدو يوم رحيله // تكون في ذاك النهار ذهاب
    07) نطحني غِب السيل بالوادي الذي // إلى قلت أنحى في مسيله هاب
    08) نشدته من يعزى عليه وقال لي // أنا من عقيلٍ ما علَيّ طلاب
    09) وقفّى يخوض الما بخمصٍ نواعم // وساقين فيهن الحجول لباب
    10) كشف عن ردوفٍ لكنهن // طعسين رملٍ علّهن سحاب
    11) تبسّم عن عْذابٍ وغِرٍّ ذوابل // يردّن من عاف السفاه وتاب
    12) واقول تقطيف الثمر من غصونه // يزيد الفتى ما دام فيه شباب
    13) وانا اقول جنات ومن لا جنى الثمر // يخيب ومن لا ذاق جنيه خاب
    14) ألى ياحمامات النجيمي وما حلى // غْناكن لولا ان الضمير مصاب
    15) مصاب من عينٍ وخدٍّ ومبسم // وجيد ومجدول زهاه خضاب
    16) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما أضا برقٍ وهل سحاب
    وهذه أبيات من القصيدة العينية التي يتداولها الرواة الشعبيون وينسبونها إلى الشريف شكر بن هاشم ويقولون إنه قالها يتحرق على فراق الجازية. وتصنيفه للبشر في القصيدة بين من يود رؤيتهم ومن لا يود رؤيتهم يذكرنا بقصيدة المهادي ومقارنته بين الأجواد والأنذال:
    01) يقول الفتى شَكْر الشريف ابن هاشم // شوف الديار الخاليات يروع
    02) نطّيت انا سندا سنودٍ من النيا // وهلّيت من حجر العيون دْموع
    03) يا طقّت الوسطى بهامي تذكّرَت // عصرٍ مضى ما عاد فيه رجوع
    04) ياماض لا دب الحيا في دياركم // ولا جاه من نجد العذيّ نجوع
    05) نجوعٍ إلى وردوا عليكم تهضّموا // وان صدّروا ما وادعوك ودوع
    06) زينين لى وردوا وشينين لى قفوا // يحطّون قلب العاشقين ولوع
    07) نجوعٍ إلى جا صايحٍ يم اهلهم // يجونك حماقا لابسين دروع
    08) من الناس ناسٍ ما أبالي ولو غدوا // وناسٍ إلى راحوا نهل دموع
    09) ومن الناس نوّار الربيع إلى زهى // تضل البوادي في هواه نجوع
    10) ومن الناس طلع التين حلوٍ مذاقه // إلى ذاقه الجيعان ظل هنوع
    11) ومن الناس طلع الشري مِرٍّ مذاقه // إلى ذاقه الجيعان ظل يزوع
    12) ألى ياحماماتٍ بوادي دِمْشِق // أراكن شتاتٍ والحمام جموع
    13) هو ليه ما تبكن من فقد صاحبي // وتهلّن ياورق الحمام دموع
    14) بليتن يافرق الحمام بنادر // من الجوّ مِهْذابٍ رمى به جوع
    15) لكن عطيط الريش من حد مخلبه // كما حفّ زراعٍ يحف زروع
    16) ألى يانخلات الغي في دار عامر // ياعل الحيا يسقي لكن فروع
    17) ياطول ما نلقى بكن صاحبٍ لنا // صخيف الحشا طلق اللسان هلوع
    18) صخيف الحشا ما بات بلشٍ من العشا // ولا بات قويانٍ بليلة جوع
    19) تريّض يارهو العراق نقول لك // لعلك يارهو العراق سموع
    20) تريّض يارهو الذي جا دليله // من الشام خفّاق الجناح لموع
    21) يغاغي مغاغات الرضيع مع امه // وهن مخاضيعٍ بغير وقوع
    22) يقول الفتى شكر الشريف ابن هاشم // ما طرب الا مقتفيه فجوع
    23) ولا ضحكٍ الا والبكا مردف له // ولا شبعه الا مقتفيها جوع
    24) ولا من يدٍ إلا يد الله فوقها // ولا طايرات الا وهن وقوع
    25) ثمانين انا صافيت بيضا غريره // لكن ملاقى آفامهن شموع
    26) خمسين مهضومات الاوساط رِجّح // يدسن الهوى في قلب كل ولوع
    27) وثلاثين منهن تو ما بدا لهن // صغارٍ وتو اثمارهن طلوع
    28) ولا عاضني بالجازي ام محمد // عليها ثياب الطيلسان لموع
    29) هلاليّةٍ ما دقت العرن بالصفا // شحم الكلى بين اليدين يموع
    30) يحرم علي اكل الثلاث كوامل // لو قيل فيهن الدوا ونفوع
    31) منهن عيني كل ما نامت الملا // تهل وتملا الحاجرين دموع
    32) ومنهن كبدي كل ما زامها الطنى // يعزى لها بعض المرار تفوع
    33) ومنهن قلبي كل ما حل ذكره // يحاول ما بين الظلوع طلوع
    34) وانا كما حرٍّ على الصيد عالم // حرٍّ ليا بار الزمان رثوع
    35) العنك رجلٍ ما يصيبك الطنى // هذاك يحسب بالرجال رتوع
    36) يا صار ما تبريه بمجاول السبا // ورمحٍ شطير وهنديٍّ لموع
    37) يحرم علي سقاي ضيفي إلى بكى // لو هل بين الحاجرين دموع
    38) ما اسقيه الا در حمرا سمينه // جذعيّةٍ وقت العتيم طيوع
    39) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما أضا برقٍ وكل اسبوع
    وقصيدة الشريف شكر ترد في المصادر المخطوطة والشفهية بروايات مختلفة. والطريف أن بعض هذه الروايات يلحق بالقصيدة أبياتا يوضح فيها الشريف سبب شربه للدخان، ومعلوم أن شرب الدخان ظاهرة متأخرة نسبيا. وهذا مثال على مدى ما تتعرض له المادة الشعبية جراء الرواية الشفهية من تحوير وتغيير وعلى ميل الراوية الشعبي، بوعي منه أو بدون وعي، إلى تحديث المادة الشعبية لتتواءم مع معطيات العصر. تقول بعض الأبيات:
    ياشاربين التتن لا تشربونه // قليل الحلا ويزاود الملقوع
    شربته من وجلا الجازية ام محمد // غديه يبري علّته وشْنوع

    فيصل الجميلي
    ومثلما استشهد الشريف بركات بأبيات من قصيدة منسوبة للتميمي يأتي رميزان بعده ليستشهد بأبيات من قصيدة لفيصل الجميلي في قوله:
    قلته على بيت الجميلي فيصل // والامثال يرثاها من الناس فاهمه
    يعد عن الفٍ بالملاقى وكم وكم // قرى الألف في عسرٍ من الدهر زاحمه
    قال رميزان قصيدته يرثي بها أخاه محمداً الذي توفي بعد عودته من الحج. أما فيصل الجميلي فله قصيدة يرثي فيها أخاه هجرس الذي لدغته حية فمات. وفي تقديمه لقصيدة فيصل الجميلي في رثاء أخيه هجرس يقول منديل الفهيد "من أبيات لفيصل الجميلي من سبيع أهل الخرمة يرثي أخاه الشجاع هجرس عندما مات لديغا وكان جاليا لدم عليه وقد جرت له بطولات في غربته." (الفهيد 1403: 47). ويورد ابن خميس في كتابه من أحاديث السمر (1397: 34-35) قصة المثل "رمح الجميلات في فرسهم" وبطل القصة شخص يدعى فيصل الجميلي ذكر ابن خميس أنه ربما يكون من جميلة وربما يكون من بني صخر. وفي تاريخ اليمامة ينسب ابن خميس فيصل الجميلي الذي نحن بصدده إلى قبيلة جميلة من عنزة التي كانت تقطن الهدار في الأفلاج قديما. (ابن خميس 1407: 479). ويورد ابن فضل الله العمري في كتابه مسالك الأبصار جميلة من ضمن القبائل التي تسكن منطقة العارض. (الجاسر 1401-1402: 779). أما عبدالله بن عبار العنزي فيؤكد أن فيصل الجميلي من الجميلات من عنزه ويورد له بعض الحكايات والأشعار (1412: 87-94). وندرج فيصل الجميلي ضمن شعراء الحقبة الجبرية لأن رميزان، الذي جاء بعده واستشهد بأبياته، توفي مع بدء الحقبة الغريرية التي تأتي بعد الحقبة الجبرية. وهذه قصيدة فيصل الجميلي في رثاء أخيه هجرس:
    01) يقول الجميلي والجميلي فيصل // وهو موقفٍ والدمع جارٍ وحايم
    02) وقفت وعاج الركب لي روس ضمّر // نصيفين منهم عاذلٍ لي ولايم
    03) ياراعي القبر الذي فوقه الحصى // لعلك في خلد الجنان النعايم
    04) جنيت الجنايا ثم خلّيتني لها // على الدار مظهودٍ كثير الجرايم
    05) أبكي على هجرس الى ما ذكرته // أعْوِل ولا كنه مسوٍّ جرايم
    06) ألى ياوخوي عند ازغر العين جاده // قريص الافاعي دافقات السمايم
    07) ليته كفاني شر بقعا وليتني // كفيته مِغْبَرّ القبور الهدايم
    08) كنه ما غنّى لركبٍ عشيه // على فاطرٍ حضّايةٍ للغنايم
    09) وكنه ما قاد السبايا ولا غزا // صغيرٍ ويتلونه كبار العمايم
    10) وكنه ما بدّى بجزواه غيره // وبات ظميانٍ مع الناس نايم
    11) وكنه ما عشّى القوايا ذلوله // وبات محرّمها يقول انا صايم
    12) تصوم رحى البدو من عقب هجرس // وتفطر الى جا هجرسٍ بالغنايم
    13) حشّاش لى حشّوا وروّاي لى رووا // وريفٍ لنا يوم الدهور العظايسم
    14) استنّت العدوان من عقب هجرس // علينا تثاري بالديون القدايم
    15) استنّوا العيال من عقب موته // كما استن بالريدا صليب القوايم
    ولفيصل الجميلي قصيدة أخرى يأتي فيها على ذكر أخيه هجرس يقول فيها:
    01) يقول الجميلي والجميلي فيصل // وراسه من لَيّ العمامه باد
    02) يبيد الفتى ما بين يومٍ وليله // يبيد وهو ما يحسب انه باد
    03) الايام ابادني وابادن هجرس // وابادن شدّاد بن عاد وباد
    04) نهارٍ وليلٍ ذا لهذا طروده // غدن بْشِرّاتي وهن جداد
    05) انا كل ما خايلت بالعين مربع // الى انه قبلي للرجال مراد
    06) الى قلت هذا مربعٍ ما يجونه // الى ان اثرهم درّسٍ وجْداد
    07) محا الله ياصبيان مخلّي قلوصه // من عْقاله ولا باليدين قياد
    08) محا الله قيدٍ غرّني من زمالتي // مَنّين واثر احد المناين باد
    09) تناوشتها وانا من الموت خايف // الى ان خطاها عن خطاي بعاد
    10) وانا سبب ذبحي على الما حمامه // مخضّبةٍ ورقا رِبُوّة واد
    11) انا صادرٍ علّقت حوضي بمنكبي // وخلّيتها للي دْلاه جداد
    12) الى مت حطّوني على جال منهل // عذيّ الجبا دُبّ الزمان يراد
    13) حطّوا على قبري ثمانٍ صفايح // يبيد الفتى واسمالهن جْداد
    14) باغٍ الى مرّت علَيّ ظعاين // ظعاين بدوٍ قاصدين بْلاد
    15) يقولون راع القبر ياما من الصخا // وراعى الصخا دُبّ الليال يراد
    الأبيات الثلاثة الأخيرة تذكرنا بالأبيات الأخيرة من لامية أبي حمزة التي مطلعها: حي المنازل منقادات الاطلالِ؛ كما أن البيتين الخامس والسادس يذكراننا بقول عنترة: هل غادر الشعراء من متردم. فالشاعر هنا يريد أن يقول إنه ليس من السهل على المبدع أن يأتي بشيء جديد لم يسبق إليه. والأبيات السابع والثامن والتاسع تذكرنا بقصة وأبيات ينسبها الرواة إلى شايع الأمسح الذي شردت منه مطيته وهو مسافر في فصل الصيف في إحدى المفازات الموحشة القاحلة.
    ونجد في مخطوطات العمري مقطوعتين قصيرتين لفيصل الجميلي لا نجدهما في باقي المخطوطات. من المقطوعة الأولى قوله:
    01) يقول الجميلي والجميلي فيصل // ما للعذارى بالجميل عْهود
    02) عافنّ شيخٍ يطعن الخيل بالقنا // يذبح ويرمي بالعجاج ركود
    03) منهن جنّاتٍ تداعج نهوره // ومنهن نيرانٍ بغير وْقود
    04) ومنهن من تسوى ثمانين بكره // ومنهن من ترخص بقيد قعود
    وقد وجدت البيت الأخير عند منديل الفهيد (1413، ج6: 61) ضمن قصيدة منسوبة لدليان عبد ابن فاضل. كما يتفق البيتان الأخيران في معناهما وصياغتهما مع بيتين وجدتهما في تاريخ المستبصر لابن المجاور (ابن المجاور 1951: 226). والتاريخ عبارة عن وصف لرحلة قام بها ابن المجاور لليمن ابتداء من الحجاز وانتهاء بعمان والبحرين وذلك في العقد الثاني أو الثالث من القرن السابع، مما يعني أن البيتين قيلا في بداية القرن السابع أو قبل ذلك. والكلمة الأخيرة في الشطر الثاني تصغير "بزر"، أي طفل صغير. يقول البيتان:
    ففيهن من تسوى ثمانين بكرة // وفيهن من تسوى عقال بعير
    وفيهن من لا بيض الله وجهها // إذا قعدت بين النساء بزير
    وهذه هي المقطوعة الأخرى التي وجدتها عند العمري لفيصل الجميلي:
    01) يقول الجميلي والجميلي فيصل // على دالهاتٍ كنهن جْمال
    02) لهن ظلالٍ بالضحى تابعاته // ومستتبعاتٍ بالعشيّ ظْلال
    03) ترى ديرتي بالوصف ياجاهلٍ بها // عليها من فيّ العرين ظلال
    04) يجيها مالٍ من نعومه وارد // مالٍ يجيها أوَيّ والله مال
    05) مربّيته الصبيان نثّارة الدما // ويبرى له قبٍّ كنهن سْيال
    ويورد ابن عبار (1412: 90) قصيدة ينسبها لفيصل الجميلي تبلغ ثلاثة عشر بيتا شبيهة بالأبيات السابقة منها قوله:
    01) قال الجميلي والجميلي فيصل // والراس من تحت العمامه مال
    02) قعدت في سوق العراقين جالس // لا سايلٍ حيٍّ ولا من سال
    03) وجدي على ربعي على اكوار ضمر // على دالهاتٍ كنهن جْمال
    04) عليهن من اولاد الجميلات غلمه // عشرين منهم ينطحون حْلال
    05) لهن ظلالٍ بالضحى طارداته // ومستقفياتٍ بالعصير ظلال
    06) ترى ديرتي ياجاهلينٍ بديرتي // عنها الجبال النايفات شمال
    07) ملكت بالهدّار تسعين عيلم // مسايله بالريف يوم تسال
    ويورد ابن عبار حكاية عن مغامرات فيصل الجميلي وزواجه من فتاة تدعى جهم. وبعد أن ولدت له ثلاثة أولاد حن إلى أهله ووطنه فودع زوجته ونظم قصيدة يوصيها فيها أن لا تتزوج إلا من الرجال الطيبين. يقول مطلع القصيدة:
    ياجهم لى شامت بنا منك نيّه // حذار من ادباش الرجال حذار
    وفي الجزء الخامس من مجموعه يورد الشيخ منديل الفهيد (1411: 220) بيتا واحدا يقول إنه مطلع قصيدة لفيصل الجميلي وهو:
    قال الجميلي والذي بات ما غفا // عينه غَمَر ريش المواقي دموعها
    وفي الجزء الثاني من كتابه معجم اليمامة يورد الشيخ ابن خميس (1400: 453) تحت مادة الهدار بيتين من قصيدة يقول إنها لفيصل الجميلي يبدو من قافيتها ووزنها أنها من ضمن القصيدة التي أورد منديل الفهيد مطلعها، والبيتان هما:
    لي ديرةٍ بين الوطاة وخرطم // سقاها الحيا وابتلّ بالما فروعها
    سقاها الحيا من مزنةٍ عقربية // يطم الحيا من فوق عالي جزوعها
    وقد أورد ابن عبار القصيدة، وهي تبلغ عنده خمسة وعشرين بيتا، وقال إن الشاعر يخاطب في القصيدة ابنه حماد (1412: 93-94)، وقد وجدت القصيدة نفسها برواية مختلفة في مخطوطة سليمان الدخيل منسوبة إلى شخص سماه غنام بن سيف الجميلي وبلغت عنده أربعة وثلاثين بيتا. وتدور معاني القصيدة حول الشكوى من المشيب وما يصحبه من وهن وضعف. ويرد اسم حماد في البيت الخامس والعشرين، إلا أنه من غير الواضح طبيعة العلاقة التي تربط الشاعر بهذا الشخص، كما يرد في البيت الثلاثين اسم شخص آخر يدعى أبو حسين، والاثنان لا شك أنهما من جماعته. وقد رد على القصيدة شخص يدعى عبدالله بن زيزير لا نعرف عنه شيئا. ويبعث الشاعر قصيدته إلى جماعته الذين يدعوهم في البيت الثالث والعشرين "أولاد بدر" مما يدل على أنه قالها وهو بعيد عنهم في الغربة أو جلاوي. وهذا ما وجدناه في مخطوطة الدخيل:
    01) يقول الجميلي الذي بات ما غفا // بعينٍ برى ريش المواقي دموعها
    02) جهوشٍ بجار الما إلى نامت الملا // قليلٍ على طول الليالي هجوعها
    03) فلا ادري أنا ابكى العمر أو لام خِلّه // أو ابكي على روحي وحَلْوا طبوعها
    04) ياليت الصبا وانا إلى الله راجع // ورُبّت نفسٍ راشدٍ في رجوعها
    05) على ديرةٍ بين الوطاة وخرطم // سقاها الحيا وافتنّ عالي فروعها
    06) سقاها الحيا من ليلةٍ عقربيه // يجي سيلها من فوق عالي جزوعها
    07) إلى من نشت من لفق واقتادها الحيا // لكن مشاعيل المصارى لموعها
    08) من النير والشعرا إلى وادي اللوى // إلى روضة المغنى سقى الما زروعها
    09) حمينا رباها من عدانا بفعلنا // بضرب اليمانيّات نحمى ربوعها
    10) أقمت بها وانا صبيٍّ وشايب // إلى شب من نار المعادي لموعها
    11) فعدت لها عن كل ما كان عايف // والاشيا إلى رب البرايا وقوعها
    12) ولا هْمزت رجلي إلى بيت جارتي // إلى زارها من لا يداري شنوعها
    13) وان اغتاض جاري صار نومي مشافق // أخاف على روحي معانٍ تصوعها
    14) أقمت بها تسعين عامٍ وصابر // على ضيمها واللي يجي من صقوعها
    15) أقمت بها ما نلت فيها تجاره // وخير الليالي نومتي في ربوعها
    16) شفاتي بها قولي للاجناب سلّفوا // وعيراتهم ما فِكّ عنها شنوعها
    17) إلى جفنةٍ من مَدّ ربي عبيتها // لكن حياض المال بالما شروعها
    18) مقابلة درب الشمالي وقبله // وريح الصبا واللي جنوبٍ جزوعها
    19) واقرا بها الخطّار في زمن القسا // إلي ما حكر زاد القرايا زِلوعها
    20) فليت موازين الرجال رفيعه // على الحق يعرف من جذى عن نفوعها
    21) فدع ذا وياغادي على عيدهيه // جماليةٍ يطوى الزيازي هبوعها
    22) وصبّحت أو ماسيت منا جماعه // كْرام اللحا رَدّ النقا ما يروعها
    23) من اولاد بدرٍ شمعة البدو والقرى // إلي شب من نار المعادي شموعها
    24) فأقرِهم التسليم لي وانت موقف // وشمس الضحى ما بان منها طلوعها
    25) واختصّ حمّادٍ منى هاشل الشتا // إلى غار من نَوّ الثريا لموعها
    26) وحامي قصار الشِبِر عن ذارع القنا // إلى ليّنوا من جرد الايدي صروعها
    27) وقل له كبدي من زمانٍ وجيعه // والاذنين مني قد خلَوا من سموعها
    28) وقل له راس العود مني قد انحنى // وياسالم الجارات عما يروعها
    29) وقل له شرار الشوف ياكاسب الثنا // . . . . . . . . . . . . . . . .
    30) وبلغ سلامي بو حسينٍ ومن له // يمينٍ ترى زين المعاني طلوعها
    31) فليت الصبا يابو حسينٍ جلوبه // ونشريه باموال الغلا من هزوعها
    32) وليته مجلوبٍ ونشريه بالغلا // بما حاشت ايدينا وغالي سروعها
    33) رعى الله أيام الصبا لو يرمن لي // فهي من هوى روحي وهي من طموعها
    34) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما لعى القمري بعالي فروعها
    وهذا رد عبدالله بن زيزير على الجميلي الذي يسميه غانم في البيت العاشر:
    01) أيامن لورقا تالي الليل روجعت // بجبّارةٍ فيما على من فروعها
    02) تغنّي بصوتٍ لا درى عن مصيبه // أو البين شاظه لامها عن ربوعها
    03) فذارت عن عيني كرى النوم مثلما // تذير من عين الجوازي رتوعها
    04) فقلت لها ان كنتي تغنيّن طربه // فلا بد عيناك ان تجارى دموعها
    05) فإن كان غاضك فايتٍ فات ما انثنى // إلى حيث ما يدعي البرايا رجوعها
    06) مضى ذا وياغادي على عيدهيه // جماليةٍ كثر السرى ما يصوعها
    07) عليها ابن حيزان الهتيمي مهذّب // منقّله امثالٍ طريفٍ سموعها
    08) تنوفتها يومٍ وتلقى جماعه // جميليّةٍ رد النقا ما يروعها
    09) حموا فرعة الهدّار بالسيف والقنا // وشمٍّ شغاميمٍ تغارا طلوعها
    10) فاختص غنّامٍ منى هاشل الخلا // إلى سَنَةٍ قل الجدا من رموعها
    11) ومنوة خطارٍ لفوا عقب هجمه // مقاديمها تشكي حفاها وجوعها
    12) يرحّب بهم بتحيّةٍ ثم ينثني // ينبّه بيضاً بالعشا في سروعها
    13) ويثني لهم بتحيةٍ ولباقه // ونفس الفتى تعتاد ما في طبوعها
    14) وقل له شكواه الذي دَزّ صوبنا // إلى الله شكوى ما قصى من صروعها
    15) شكا قبلك الزعبي ذياب بن غانم // مطفي من نار المعادي طلوعها
    16) مقدّم غلبا من هلال بن عامر // منكت من ارقاب المعادي دروعها
    17) شكى قل سمعٍ والضروس تناصلت // وعينيه ما له من قداها دموعها
    18) وزهدت فيه البيض ثم تْرِكَنّه // وهو كان ستر البيض عمّا يروعها
    19) وقبلك شكا ريف المقلّين أجود // مقدّم اسلافٍ كبارٍ جموعها
    20) فمن عاش بالدنيا ولو بسطت له // فلا بد ما يشكى الردى من قطوعها
    21) فليت الصبا يابا حسينٍ جلوبه // بسوق الغلا يحكم علينا بيوعها
    22) ونشريه بارقاب الزناجا وسِبّق // وباموالنا واللي بقى من خلوعها
    23) ولكن ما قد فات ما عاد ينثني // إلى حيث ينصب للبرايا شروعها
    24) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما أضا برقٍ تلالا لموعها
    25) صلاةٍ وتسليمٍ وأزكى تحيه // من الله ما أذّن لشمسٍ طلوعها
    التعديل الأخير تم بواسطة نواف الخالدي ; 26-08-2011 الساعة 11:08 PM

  3. #3

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم السلام
    عليكم ورحمة الله وبركاته
    اشكرك اخي الخالدي لكن الثابت والمتعارف عليه ان الجبور من بني عامر بن صعصعه واحب ان اضيف ان القرامطة كانوا يجرون لبني عامربن صعصعه عطاء وذلك يدل على ان هذه القبيلة كانت ذات قوة وباس يخشى منه ومن بعدهم اتت الدوله العيونية ومنعوا العطاء في بادىء الامر ثم تحت ضغط بني عامر بن صعصعة اعادوا لهم العطاء الذي كان لهم ووهذا يدلك على قوة بني عامر وهم اصحاب القوة في الصحراء والتى كانت القوافل تسير تحت حمايتهم ومن بعدها واثر تعرض البلاد لخطر القوى الخارجيه ومن ملوك جزيرة قيس بالتحديد الذين قاموا بعدة هجمات بحريه على جزر وسواحل البحرين وامام عجز الاسرة العيونيه عن دفع هذه الاخطار اتفق وجهاء واعيان الاحساء على تسليم السلطه الى زعيم بني عامر المحنك عصفور بن راشد بن عميرة بن سنان العامري الذي تمكن من بسط نفوذه وسيطرته على بلاد البحرين واليمامه وعمان باستثناء جزيرة البحرين التى كانت تحت سيطرة احد الامراء العيونيين والتى تم احتلالها لاحقا من قبل اتابكة فارس السلغريين وتم تحريرها من قبل العصفوريين وثم دب الخلاف بين الامراء العصفوريين واستعان بعضهم بالقوى الخارجية والتى ادت الى زوال امارتهم وبعدها حكم بني جروان من بني عبد القيس ثم انتزع الحكم منهم الجبور من بني عقيل بن عامر بن صعصعه وقد ذكر انتساب الجبور الى عامر بن صعصعه عبداللطيف الحميدان وكذلك فقد ناقش نسب الجبور ابوعبدالرحمن بن عقيل وخلص الى انهم من بني عامر بن صعصعه وكذلك الشيخ حمد الجاسر وكثير من الناسابه والمورخين نسبوهم الى عامر بن صعصعه ومن المعاصرين للجبور والذي نسبهم الى عامر بن صعصعه الربان العالم احمد بن ماجد في كتابه
    (الفوائد في اصول البحر والقواعد )
    وهو يصف جزيرة البحرين يقول( جزيرة البحرين المتقدم ذكرها وتسمى اوال فيها ثلاثمائة وستون قرية وفيها الماء الحالي (الحلو)من جملة جوانبها واعجب مافيها مكان يقال له القصاصير يغوص الانسان في البحر المالح بالقربه ويملاوها من الماء الحالي وهو غرقان في الماء المالح وحواليها معادن اللؤلؤ وعدة جزر كلها معادن اللؤلؤ وياوي اليها قريب من الف مركب وفيها جملة قبائل العرب وجملة تجار والابل والبقر والاغنام وفيها عيون جاريه ورمان وتين واترج وليم وهي في غاية العمارة وهي في تاريخ الكتاب لاجود بن زامل العامري )واحمد بن ماجد من الناس الثقات العلماء المعاصرين والذي كانت بينه وبين الامراء الجبرين مراسلات ويزورهم في مقر الحكم لانه احد الرموز والعلماء من رعايا تلك الدولة

  4. #4
    رئيس مجلس الإدارة الصورة الرمزية د ايمن زغروت
    تاريخ التسجيل
    01-10-2009
    الدولة
    مصريٌ ذو أصولٍ حجازية ينبعية
    المشاركات
    12,200

    افتراضي

    الرفع للنفع

  5. #5

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د ايمن زغروت مشاهدة المشاركة
    الرفع للنفع
    رفع الله من قدرك ونفع بك

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مختصر تاريخ الدولة العثمانية
    بواسطة د ايمن زغروت في المنتدى تاريخ العصر العثماني
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 23-11-2016, 01:06 AM
  2. تاريخ التجسس في الدولة العباسية
    بواسطة عبدالمنعم عبده الكناني في المنتدى تاريخ الدولة العباسية
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 24-03-2016, 07:07 AM
  3. (الحلقه الاولي من تاريخ الدولة الأيوبية )الدولة الأيوبية.. ودور الدولة الزنكية في نشأتها
    بواسطة عبدالمنعم عبده الكناني في المنتدى تاريخ الدولة الأيوبية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 15-03-2016, 05:44 PM
  4. مختصر تاريخ حكام مصر في المائة عام الاخيرة
    بواسطة القلقشندي في المنتدى مجلس قبائل مصر العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 27-01-2013, 06:31 AM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum