آداب الذكر

وأعلم يا أخي أن الذكر ليس المقصود به الذكر القولي فحسب بل إن التوبة ذكر، والتفكر من أعلى أنواع الذكر، وطلب العلم ذكر، وطلب الرزق إذا حسنت فيه النية ذكر، وكل أمر راقبت فيه ربك وتذكرت نظره إليك ورقابته فيه عليك ذكر، ولهذا كان العارف ذاكراً على كل حالاته. ولابد ليكون للذكر أثره في القلب من مراعاة آدابه وإلا كان مجرد ألفاظ لا تأثير فيها وقد ذكروا له آداباً كثيرة أهمها وأولاها بالرعاية:
1-الخشوع والتأدب، واستحضار معاني الصيغ، ومحاولة التأثر بها، وملاحظة مقاصدها وأغراضها.
2-خفض الصوت ما أمكن ذلك مع اليقظة التامة والهمة الكاملة حتى لا يشوش على غيره. وقد أشارت الآية الكريمة إلى هذه الآداب فقال تعالى: "واذكر ربك في نفسك تضرعاً (10)وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين([1])".
3-موافقة الجماعة إن كان الذكر مع جماعة فلا يتقدم عليهم ولا يتأخر عنهم ولا يبنى على قراءتهم، بل إن حضر وقد بدؤوا ابتدأ معهم من أول صيغة ثم قضى ما فاته بعد انتهائه، وإن تأخر عنهم في أثناء القراءة قرأ ما فاته وأدركهم، ولا يبنى على قراءتهم أصلا، لئلا يكون بذلك قد حرَّف القراءة وغير الصيغ، وذلك حرام اتفاقاً.
4-النظافة في الثوب والمكان، ومراعاة الأماكن المحترمة والأوقات المناسبة، حتى يكون ذلك أدعى إلى اجتماع همته، وصفاء قلبه، وخلوص نيته.
5-الانصراف في خشوع وأدب، مع اجتناب اللغط واللهو الذي يذهب بفائدة الذكر وأثره.
(11)

فإذا لاحظ هذه الآداب فإنه سينتفع بما قرأ ويجد أثر ذكره حلاوة في قلبه، ونوراً لروحه، وانشراحاً في صدره، وفيضاً من الله، إن شاء الله تعالى.
4-الذكر في جماعة:
ورد في الأحاديث ما يشعر باستحباب الاجتماع على الذكر ففي الحديث الذي يرويه مسلم: "لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة([2]) وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده".
وكثيراً ما ترى في الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم خرج على جماعة وهم يذكرون الله في المسجد فبشرهم ولم ينكر عليهم([3]) (12) والجماعة في الطاعات مستحبة في ذاتها، ولا سيما إذا ترتب عليها كثير من الفوائد مثل: تألف القلوب، وتقوية الروابط، وقضاء الأوقات فيما يفيد، وتعليم الأميّ الذي لم يحسن التعلم وإظهار شعيرة من شرائع الله تعالى.
نعم إن الجماعة في الذكر تكره إذا ترتب عليها محظور شرعي كالتشويش على مصلّ، أو لغو وضحك، أو تحريف للصيغ، أو بناء على قراءة غيره، أو نحو ذلك من المحظورات الشرعية، فحينئذ تمنع الجماعة في الذكر لهذه المقاسد لا للجماعة في ذاتها، وخصوصاً إذا كان الذكر في جماعة بالصيغ المأثورة الصحيحة كما في هذه الوظيفة فحبذا لو اجتمع الإخوان على قراءتها صباحاً ومساء في ناديهم أو في مسجد من المساجد مع اجتناب هذه المكروهات ومن فاتته الجماعة فيها فليقرأها منفرداً ولا يفرط في ذلك.

[1]- "بالغدو والآصال" أي أول النهار وآخره. سورة الأعراف آية 205
[2]- "إلا حفتهم الملائكة"، أي طافت بهم ودارت حولهم "وغشيتهم الرحمة" أي عمتهم.
[3]- منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال ما أجلسكم؟ قالوا جلسنا نذكر الله. قال الله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثاً مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: "ما أجلسكم؟ قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا. قال: "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة". رواه مسلم والترمذي والنسائي.



h]hf hg`;v