النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: تراجم اصحاب القراءات العشرة و من روى عنهم

تراجم القراء أصحاب القراءات العشرة ومن روى عنهم بقلم : الشيخ محمد الامين تراجم القراء وبحث تواتر كل قراءة وميزاتها اللغوية باختصار. والعمدة في إثبات التواتر أن ما ثبت

  1. #1
    مشرف المجالس الاسلامية
    تاريخ التسجيل
    01-07-2017
    المشاركات
    619

    افتراضي تراجم اصحاب القراءات العشرة و من روى عنهم

    تراجم القراء أصحاب القراءات العشرة ومن روى عنهم
    بقلم : الشيخ محمد الامين

    تراجم القراء وبحث تواتر كل قراءة وميزاتها اللغوية باختصار. والعمدة في إثبات التواتر أن ما ثبت من القراءات شهرته بين أهل بلد القارئ، مع ثنائهم على صاحب القراءة وعدم انتقادهم له، دليل على صحتها عندهم. وهذا أعظم دليل على التواتر الذي هو نقل الكل عن الكل. قال إمام المقرئين محمد بن الجزري الدمشقي في "منجد المقرئين" (ص62) نقلا عن أحد مشايخه: «إن القراءات كالحديث، مخرجها كمخرجه. إذا كان مدارها على واحد، كانت أحادية. وخفي عليه (يعني الذي يظن تلك الأسانيد الأحادية تدل على عدم تواتر القراءة) أنها نسبت إلى ذلك الإمام اصطلاحاً. وإلا فكل أهل بلده كانوا يقرؤونها. أخذوها أمماً عن أمم. ولو انفرد واحد بقراءة دون أهل بلده، لم يوافقه على ذلك أحد، بل كانوا يجتنبونها، ويأمرون باجتنابها». قال ابن الجزري: «ومما يدل على هذا ما قال ابن مجاهد قال: قال لي قنبل: قال لي القواس في سنة 237 هـ: إلقَ هذا الرجل -يعني البزي- فقل له: "هذا الحرف ليس من قراءتنا -يعني {وما هو بميت} مخففاً- وإنما يخفف من الميت من قد مات ومن لم يمت، فهو مشدد". فلقيت البزي فأخبرته فقال لي: "قد رجعت عنه"». وقال ابن الجزري في غاية النهاية (2|294) في ترجمة ابن محيصن: «وقال ابن مجاهد: كان لابن محيصن اختيار في القراءة على مذهب العربية، فخرج به عن إجماع أهل بلده (مكة)، فرغب الناس عن قراءته، وأجمعوا على قراءة ابن كثير لاتباعه».

    المدينة
    نافع
    قالون
    ورش
    أبو جعفر القعقاع
    عيسى بن وردان الحذاء
    ابن جمّاز
    مكة
    ابن كثير المكي
    البزي
    قنبل
    البصرة
    أبو عمرو البصري
    الدوري
    السوسي
    يعقوب بن إسحاق الحضرمي
    الشام
    ابن عامر
    هشام
    ابن ذكوان
    الكوفة
    عاصم
    شعبة
    حفص
    حمزة
    خلف
    خلاد
    الكسائي
    أبو الحارث
    نافع

    هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي (70–169هـ)، مولاهم المدني. كان عالماً بوجوه القراءات، متمسكا بالآثار، إماماً للناس في القراءات بالمدينة. جيداً في رواية الحديث. انتهت إليه رئاسة الإقراء بها وأجمع الناس عليه بعد التابعين، مع كثرة ما في المدينة المنورة من قراء. فهذا يدل يقيناً على تواتر قراءته، بل هي أصح القراءات وأشدها تواتراً.

    نقل القراءة عنه قالون و ورش، وخلق آخرون يصعب إحصائهم. وقد أقرأ نافع الناس دهراً طويلاً نيفاً عن سبعين سنة. وانتهت إليه رياسة القراءة بالمدينة، وصار الناس إليها. وقال أبو عبيد: «وإلى نافع صارت قراءة أهل المدينة إليه، وبها تمسكوا بها إلى اليوم». وقال ابن مجاهد: «وكان الإمام الذي قام بالقراءة بعد التابعين بمدينة رسول الله r: نافع». قال: «وكان عالماً بوجوه القراءات متبعا لآثار الأئمة الماضيين ببلده». قال مالك: «نافع إمام الناس في القراءة». قال سعيد بن منصور: سمعت مالك بن أنس يقول: «قراءة أهل المدينة سنة». قيل: «قـراءة نافـع؟». قال: «نعم». وقال إمام مصر الليث بن سعد: أدركت أهل المدينة و هم يقولون: «قراءة نافع سُنّة». وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي: أي القراءة أحب إليك؟ قال: «قراءة أهل المدينة». قلت: فإن لم يكن؟ قال: «قراءة عاصم». وقال مالك لما سأله عن البسملة قال: «سلوا نافعاً. فكل علم يسأل عنه أهله. ونافـع إمام الناس في القراءة».

    قال قالون: «كان نافع من أطهر الناس خلقاً، ومن أحسن الناس قراءة. وكان زاهدا جوادا. صلى في مسجد النبي r ستين سنة». على أن نافعاً لم يكن من العرب بل من الموالي. وقد عيب نافع بقلة معرفته بالعربية حتى قال عنه أبو عثمان المازني في كتابه في التصريف: "إن نافعا لم يدر ما العربية"، انظر صبح الأعشى للقلقشندي (1|216). وأدى هذا إلى خلطه بين لهجة الحجاز ولهجة نجد التي أخذها من شيخه ابن جندب الهذلي. ومعلومٌ أن أهل المدينة لا يجمعون بين همزتين، بل قد كان بعضهم كأبي جعفر يزيد بن القعقاع يسهلهما معا، وهي لغة قريش. ومع أن أهل المدينة أصلهم من اليمن، فقد كانت لهجتهم حجازية قريبة من لهجة قريش. وقد اطلع على مصحف عثمان الشخصي، فقد أخرج ابن أبي حاتم (كما في تفسير ابن كثير) قال: قرأ علي يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا زياد بن يونس، حدثنا نافع بن أبي نعيم قال: «أرسل إلي بعض الخلفاء مصحف عثمان ليصلحه». قال زياد: فقلت له: «إن الناس ليقولون إن مصحفه كان في حجره حين قتل، فوقع الدم على {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم}». فقال نافع: «بصرت عيني بالدم على هذه الآية، وقد قدم».

    وقال الأعشى: «كان نافع يسهّل القرآن لمن قرأ عليه، إلا أن يقول له إنسان أريد قراءتك». وهذا الأثر يوضح سبب اختلاف رواية ورش عن رواية قالون، حيث قرأ قالون باختيار نافع، بينما قرأ ورش بما يوافق بين مشايخه في مصر وبين بعض مشايخ نافع، كما سيأتي. وممن قرأ عليه أيضاً: إسحاق بن المسيبي، وإسماعيل بن جعفر. وروى إسحاق المسيبي عن نافع قال: «أدركت عدة من التابعين. فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم، فأخذته. وما شذ فيه واحد تركته. حتى ألّفت هذه القراءة». وقال الأصمعي: قال لي نافع: «تركت من قراءة أبي جعفر سبعين حرفاً». وروى عنه موسى بن طارق أنه قال: «قرأت على سبعين من التابعين»، ولا أظنها قراءة كاملة. قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (7|336): «اشتهرت تلاوته على خمسة: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج –صاحب أبي هريرة (نحوي ثبت، وقد أخذ القراءة عرضاً على أبي هريرة وابن عباس)–، وأبي جعفر يزيد بن القعقاع –أحد العشرة–، وشيبة بن نصاح (ونافع أشد تأثراً به من أبي جعفر كما يذكر قالون)، ومسلم بن جندب الهذلي (نحوي، أخذ نافعُ وأهلُ المدينة الهمزَ منه)، ويزيد بن رومان. وحمل هؤلاء عن: أصحاب أُبَيِّ بن كعب، وزيد بن ثابت، كما أوضحناه في طبقات القراء. وصح أن الخمسة تلوا على مقرئ المدينة: عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي صاحب أُبَيّ. وقيل إنهم قرؤوا على أبي هريرة أيضاً وعلى ابن عباس، وفيه احتمال (صح هذا لابن هرمز وأبي جعفر فقط، وأما شيبة وابن رومان فلم يصح كما في معرفة القراء (ص76، 79)، ورجح ابن الجزري عدم سماع ابن جندب من أحد من الصحابة). وقيل إن مسلم بن جندب قرأ على: حكيم بن حزام وابن عمر (ولم يصح)».



    قالون

    هو عيسى بن مينا المدني النحوي (120–220هـ)، الملقب بقالون. وهو بالرومية "جيد". لقبه به نافع لجودة قراءته. قرأ على نافع سنة 150هـ، واختص به كثيراً. وكان إمام المدينة ونحويها. قال: «قرأت على نافع قراءته غير مرة، وكتبتها في كتابي». أخذ القراءة عرضا عن نافع: قراءة نافع، وقراءة أبي جعفر. وعرض أيضا على عيسى بن وردان.

    قال أبو محمد البغدادي: «كان قالون أصم لا يسمع البوق. وكان إذا قرأ عليه قارئ فإنه يسمعه». وقال ابن أبي حاتم: «كان أصم، يُقرئ القراء ويَفهم خطأهم ولحنهم بالشفة. وسمعت علي بن الحسين يقول: كان عيسى بن مينا قالون أصم شديد الصمم. وكان يقرأ عليه القرآن، وكان ينظر إلى شفتي القارئ، ويرد عليه اللحن والخطأ».



    ورش

    هو عثمان بن سعيد المصري القيرواني الأصل (110–197هـ). لقبه نافع بـ"ورش". كان مقرئاً في صعيد مصر، ثم رحل إلى المدينة ليقرأ على نافع، فقرأ عليه 4 ختمات في شهر واحد سنة 155. فرجع إلى مصر وانتهت إليه رئاسة الإقراء بها، فلم ينازعه فيها منازع. مع براعته في العربية ومعرفته في التجويد. وكان حسن الصوت، قال يونس بن عبد الأعلى: «كان ورش جيد القراءة حسن الصوت. إذا قرأ يهمز ويمد ويشدد ويبين الإعراب. لا يمل سامعه».

    له اختيار خالف به نافعاً. ذلك أنه كان قد قرأ على شيوخ له مصريين في مصر قبل أن يرحل إلى نافع (لم تذكر لنا الكتب أسمائهم). فلما رحل إلى نافع، قرأ عليه أربع ختمات بأوجه عديدة كان قد تحملها عن شيوخه المصريين. فوافق ذلك بعض الأوجه التي كان نافع تحملها عن شيوخه السبعين، فأقره على قراءته. فقالون قد طابقت قراءته اختيار شيخه نافع. أما ورش –وإن كانت قراءته عن نافع عن مشايخه المدنيين– فقد خالفت اختيار نافع. لكن كون نافع أقره على ما وافق بعض مشايخه المدنيين وصح عنده، وكان هذا قد صح كذلك عند ورش عن مشايخه المصريين، فيستحيل تواطؤ هؤلاء على الخطأ. ثم وجدنا ورشاً قد صار شيخ قراء مصر بلا منازع في زمانه، فهذا يدل على إقرارهم بإتقانه. هذا مع معرفتهم بقراءة أهل المدينة نتيجة مرورهم بها أثناء الحج، فضلاً عن معرفتهم بقراءة مشايخهم المصريين. فلا شك بعد ذلك بتواتر قراءة ورش. يقول الإمام مكي في كتابه الإبانة : «وهذا قالون ربيب نافع وأخص الناس به، وورش أشهر الناس المتحملين إليه، اختلفا في أكثر من ثلاثة آلاف حرف، من قطع وهمز، وتخفيف وإدغام وشبيهه. ولم يوافق أحد من الرواة عن نافع رواية ورش عنه، ولا نقلها أحد عن نافع غير ورش. وإنما ذلك لأن ورشاً قرأ عليه بما تعلم في بلده، فوافق ذلك رواية قرأها نافع عن بعض أئمته، فتركه على ذلك».

    روى عنه الأزرق (وهي القراءة المنتشرة في المغرب اليوم) والأصبهاني. قال الأزرق: «إن ورشا لما تعمق في النحو، اتخذ لنفسه مقرأ يسمى مقرأ ورش ‏(يعني اختياراً خاصاً به). فلما جئت لأقرأ عليه، قلت له: "يا أبا سعيد إني أحب أن تقرئني مقرأ نافع خالصاً، وتدعني مما استحسنت لنفسك". قال فقلدته مقرأ نافع». هذا يعني أن القراءة التي أخذها الأزرق عن ورش ، هي التي عرضها ورش على نافع، فلا يعني هذا أنها اختيار نافع لنفسه. ولا يمنع هذا أن ورشاً -كما ذكر في الإبانة- قد أخذها قبل ذلك عن شيوخ آخرين. ولا نعلم إن كان طريق الأصبهاني هو اختيار ورش لنفسه (أي ما استحسنه من مجموع قراءته على مشايخه)، أو يكون قراءة أخرى أخذها عن نافع. فقد قرأ أربع ختمات على نافع. والاحتمال الثاني هو الأرجح لأن الخلاف بين الأزرق والأصبهاني هو اختلاف أداء فقط، وعامة ما انفرد به الأصبهاني قد قرأه آخرون على نافع.

    أبو يعقوب الأزرق يوسف بن عمرو بن يسار المدني ثم المصري (240هـ) لزم ورشا مدة طويلة وأتقن عنه الأداء وخلفه في الإقراء بالديار المصرية. قال الذهبي: «انفرد عن روش بتغليظ اللامات، وترقيق الراءات، وغير ذلك». قال ابن الجزري الدمشقي: «لم ينفرد بذلك، بل شاركه يونس بن عبد الأعلى». وقد انتقد عليه الذهبي ترقيق الراءات حيث تفرد بها من بين جميع القراء. كما أنه يميل كثيراً إلى المد الطويل المشبع. أما تغليظ اللامات فهي من مميزات لهجة قريش.

    محمد بن عبد الرحيم الأصبهاني صاحب رواية ورش عند العراقيين (296هـ). قال ابن الجزري في غاية النهاية: «وطريق الأصبهاني تنفرد عن الأزرق بعدم الترقيق في الراآت، والتغليظ في اللامات، والإمالة، والمد الطويل، وما انفرد به الأزرق من ذلك حتى أنه يقصر المنفصل مطلقاً». ولعل قراءته هي أجمل القراءات كافة، والله أعلم.



    ابن كثير المكي

    هو عبد الله بن كثير أصله فارسي (45–120هـ). كان إمام الناس بمكة، لم ينازعه فيها منازع، ولذلك نقل عنه أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد والشافعي وسفيان بن عيينة وابن جريج وخلق كثير من الأئمة. كان ثقةً في الحديث. وكان فصيحاً بليغاً مع أنه مولى. قال جرير بن حازم: «رأيت عبد الله بن كثير، فرأيت رجلا فصيحا بالقرآن». وكان ابن كثير أعلم بالعربية من مجاهد، كما قيل. قال الأصمعي: قلت لأبي عمرو بن العلاء: «قرأت على ابن كثير؟». قال: «نعم. ختمت على ابن كثير، بعدما ختمت على مجاهد».

    وقد كان ابن كثير إمام الناس في القراءة بمكة، فلم ينازعه فيها منازع. وهذا من أعظم الدلائل على تواترها. فمكة المكرمة يقصدها علماءُ المسلمين كلهم للحج والعمرة، فلو أخطأ ابن كثير في حرف واحد، لأنكروا ذلك ولاشتهر. فلما علمنا أنه لم يحدث هذا البتة، وأنهم قد أجمعوا على إمامته وصحة قراءته، مع قرب العهد للصحابة آنذاك، علمنا يقيناً بتواتر تلك القراءة. فإنهم لم يختاروا قراءة ابن محيصن المكي، مع أنه شيخ ابن كثير، لأنه ينفرد عن أهل بلده بأشياء. واختاروا قراءة ابن كثير لأنه يقرأ بالقراءة المعروفة عن أهل مكة في زمنه.

    نشأ ابن كثير بمكة. ولقي من الصحابة عبد الله بن الزبير وأبا أيوب الأنصاري وأنس بن مالك. و ذكر أبو عمرو الداني المقرئ أنه أخذ القراءة عن عبد الله بن السائب المخزومي صاحب النبي r (الذي قيل أن عثمان أرسله بالمصحف المكي). وضعف الحافظ أبو العلاء الهمذاني هذا القول، وقال: «إنه ليس بمشهور عندنا». قال ابن الجزري: «وليس ذلك ببعيد، فإنه قد أدرك غير واحد من الصحابة وروى عنهم». وقد روى ابن مجاهد من طريق الشافعي النص على قراءته عليه. و المعروف أن ابن كثير أخذ القراءة عن مجاهد. وكذلك قرأ على درباس مولى ابن عباس. وقرأ درباس ومجاهد على ابن عباس. وقرأ ابن عباس على أُبَيّ وزيد بن ثابت. وقد قرأ مجاهد على ابن السائب كذلك. قال ابن مجاهد: «ولم يزل عبد الله هو الإمام المجمع عليه في القراءة بمكة حتى مات سنة عشرين ومئة».

    وقد قرأ الإمام الشافعي على عبد الله بن قسطنطين وعلى شبل وكلاهما من تلاميذ ابن كثير. وقرأ البزي على عكرمة بن سليمان، وقرأ عكرمة على شبل والقسط، وهما على ابن كثير. وقرأ قنبل على القواس، عن أبي الأخريط، عن شبل والقسط وهما على ابن كثير.
    وقرأ أيضا قنبل على البزي.



    البزي

    أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة (170–250هـ). مقرئ مكة ومؤذن المسجد الحرام. انتهيت إليه مشيخة الإقراء بمكة. وهو ثبت في القراءة، لكنه ضعيف في الحديث.

    والبزي أكبر رواة ابن كثير. وقد روى قراءة ابن كثير عن عكرمة بن سليمان عن عبد الله القسط، وعن شبل بن عباد عن ابن كثير. ولم ينفرد بقراءة ابن كثير بل روى معه جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب في قراءة ابن كثير. لكن البزي كان أشهرهم، ولذلك اشتهر بالرواية عن ابن كثير.

    ومن مناكيره في الحديث: حديث التكبير مرفوعا من آخر الضحى. وقد أخرجه الحاكم أبو عبد الله من حديثه في المستدرك (3|344): من طريق البزي قال: سمعت عكرمة بن سليمان (بن كثير بن عامر) يقول: قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين (مقرئ)، فلما بلغت {والضحى} قال: كبر كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم. وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك. وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك. وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك. وأخبره أبي أن النبي r أمره بذلك. وهذا حديث باطل، قال عنه الإمام أبو حاتم الرازي في العلل (2|76): «هذا حديث منكر». وقد عده الذهبي في ميزان الاعتدال (1|289) من مناكير البزي، وأقره ابن حجر في لسان الميزان (1|284).



    قنبل

    هو محمد بن عبد الرحمن بن خالد الملقب بقنبل (195–291هـ). وكان إماما في القراءة متقنا ضابطا. انتهت إليه مشيخة الإقراء بالحجاز، ورحل الناس إليه من الأقطار. وكان من أجل رواة ابن كثير وأوثقهم وأعدلهم. وقُدِّمَ البزي عليه، لأنه أعلا سنداً منه، إذ هو مذكور فيمن تلقى عنهم قنبل.

    وأخذ القراءة عرضاً عن أحمد بن محمد بن عون النبال، وهو الذي خلفه في القيام بها بمكة. وروى القراءة عن البزي. وقرأ على أبي الحسن أحمد القواس على أبي الأخريط وهب بن واضح على إسماعيل بن شبل ومعروف بن مشكان على ابن كثير. قال أبو عبد الله القصاع: وكان على الشرطة بمكة لأنه كان لا يليها إلا رجل من أهل الفضل والخير والصلاح ليكون لما يأتيه من الحدود والأحكام على صواب. فولوها لقنبل لعلمه وفضله عندهم. وقال الذهبي: إن ذلك كان في وسط عمره فحمدت مسيرته.



    أبو عمرو البصري

    أبو عمرو زبان بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري (68–154هـ)، أحد القراء السبعة، وهو عربي النسب. وكان إمام النحو في عصره. ولد أبو عمرو بمكة ونشأ بالبصرة ومات بالكوفة. وتوجه مع أبيه لما هرب من الحجاج، فقرأ بمكة والمدينة. وقرأ أيضا بالكوفة والبصرة على جماعة كثيرة. فليس في القراء السبعة أكثر شيوخاً منه. قال الذهبي: «عرض بمكة على مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وعكرمة بن خالد وابن كثير. وقيل إنه قرأ على أبي العالية الرياحي، ولم يصح مع أنه أدركه... وقيل إنه عرض بالمدينة على أبي جعفر ويزيد بن رومان وشيبة. وعرض بالبصرة على يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم والحسن (البصري) وغيرهم».

    قال الأصمعي (نحوي مشهور): قال لي أبو عمرو: «لو تهيأ لي أن أفرغ ما في صدري في صدرك لفعلت. لقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كُتِبَت، ما قدر الأعمش (على سعة حفظه) على حملها. ولولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قُرِأَ، لقرأت كذا وكذا وكذا»، وذكر حروفاً. وقال أبو عبيدة: «كانت دفاتر أبي عمرو ملء بيت إلى السقف. ثم تنسك فأحرقها، وتفرد للعبادة. وجعل على نفسه أن يختم في كل ثلاث ليال». وكان أعلم الناس بالقرآن والعربية، مع الصدق والثقة والزهد والأمانة والدين. واعتبر نحوي البصرة وقارئها. وقد وروى عنه الحروف سيبويه، نحوي البصرة المشهور. إضافة لخلق لا يحصون. وقال الأصمعي: «لم أر بعد أبي عمرو أعلم منه». وعن سفيان بن عيينة (وهو قرين مالك) قال: رأيت رسول الله r في المنام، فقلت: «يا رسول الله. قد اختلفت عليّ القراءات، فبقراءة من تأمرني أن أقرأ؟». فقال: «اقرأ بقراءة أبي عمرو بن العلاء». وقال الإمام أحمد بن حنبل: «قراءة أبي عمرو أحب القراءات إلي. قرأ على ابن كثير ومجاهد وسعيد بن جبير، على ابن عباس، على أُبَيّ، على رسول الله r». وقال: «عليك بقراءة أبي عمروٍ، لغة قريش وفصحاء العرب». وعدها مكي بن أبي طالب من أفصح القراءات.

    قال ابن مجاهد: حدثني محمد بن عيسى ابن حيان: حدثنا نصر بن علي قال: قال لي أبي: قال شعبة (إمام الحديث البصري المشهور): «انظر ما يقرأ أبو عمرو مما يختار لنفسه، فإنه سيصير للناس إسناداً». قال نصر: قلت لأبي: كيف تقرأ؟ قال: «على قراءة أبي عمرو». وقلت للأصمعي: كيف تقرأ؟ قال: «على قراءة أبي عمرو». قال ابن الجزري: «وقد صح ما قاله شعبة رحمه الله. فالقراءة عليها الناس اليوم بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو. فلا تجد أحدا يلقن القرآن إلا على حرفه خاصة، في الفرش. وقد يخطئون في الأصول. ولقد كانت الشام تقرأ بحرف ابن عامر إلى حدود الخمسمئة، فتركوا ذلك. لأن شخصا قدم من أهل العراق، وكان يلقن الناس بالجامع الأموي على قراءة أبي عمرو، فاجتمع عليه خلق واشتهرت هذه القراءة عنه، وأقام سنين. كذا بلغني، وإلا فما أعلم السبب في إعراض أهل الشام عن قراءة ابن عامر وأخذهم بقراءة أبي عمرو. وأنا أعد ذلك من كرامات شعبة».



    الدوري

    حفص بن عمر الدوري (150–246هـ): هو أبو عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان، عربي النسب. ويقال صهيب الدوري نسبة إلى دور: موضع ببغداد بالعراق. إمام القراءة في عصره. كان جيداً في رواية الحديث.

    قال أبو بكر الخطيب: «قرأ القرآن على جماعة من الأكابر، فمنهم: إسماعيل بن جعفر المدني، و شجاع بن أبي نصر الخرساني، و سليم بن عيسى، و علي بن حمزة الكسائي. و مال إلى الكسائي من بينهم، و كان يقرأ بقراءته و اشتهر بها». و قال ابن سعد: «كان عالما بالقرآن و تفسيره».

    رحل الدوري في طلب القراءات، وقرأ بسائر الحروف السبعة. وتعلم الشواذ، وسمع من ذلك شيئا كثيراً. قرأ على إسماعيل بن جعفر عن نافع. وقرأ أيضاً عليه وعلى أخيه: يعقوب بن جعفر عن ابن حجاز عن أبي جعفر، وسليم عن حمزة، ومحمد بن سعدان عن حمزة، وعلي الكسائي لنفسه ولأبي بكر عن عاصم، وحمزة بن القاسم عن أصحابه، ويحيى بن المبارك اليزيدي، وشجاع بن أبي نصر البلخي. وقول الهزلي أنه: "قرأ على أبي بكر نفسه" وَهْمٌ. بل على الكسائي عنه، وقرأ عليه.



    السوسي

    هو أبو شعيب صالح بن زياد السوسي الرقي (ت261). ثقة في الحديث، أخذ القراءة عرضاً وسماعاً عن أبي محمد اليزيدي، وهو من أجل أصحابه.



    ابن عامر

    هو عبد الله بن عامر بن يزيد (21–118هـ): عربي صحيح النسب على الراجح، من حِميَر من قحطان اليمن. كان ثقة في الحديث. وهو إمام أهل الشام في القراءة. أمّ المسلمين بالجامع الأموي سنين كثيرة في أيام عمر بن عبد العزيز وقبله وبعده. فكان يأتم به وهو أمير المؤمنين. وجمع له بين الإمامة والقضاء ومشيخة الإقراء بدمشق. ودمشق دار الخلافة ومحط رحال العلماء والتابعين. فأجمع الناس على قراءته وعلى تلقيها بالقبول، وهم الصدر الأول الذين هم أفاضل المسلمين.

    الأشهر أنه ولد عام 21هـ، أي توفي عن عمر 97 سنة. وقيل أنه ولد عام 8هـ، أي توفي عن عمر 110 سنين، وهو بعيد. وقد ثبت سماعه من جماعة من الصحابة منهم: معاوية بن أبي سفيان (ت60هـ) والنعمان بن بشير الخزرجي (ت65هـ) وواثلة بن الأسقع الليثي (ت85) وفضالة بن عبيد الأوسي (53هـ)، رضي الله عنهم أجمعين. قيل أنه سمع قراءة عثمان في الصلاة، وليس هذا ثابتاً إذ توفي عثمان بن عفان سنة 35، وعمر ابن عامر 14 سنة. وقد انتقل إلى دمشق وعمره 9 سنين. فيبعد سماعه منه مع تباعد البلدان. لكن أخذ القراءة عن المغيرة بن أبي شهاب، الذي أرسله عثمان مع المصحف الشامي، ليعلم أهل الشام القرآن. وواضح أن عثمان لن يرسل المغيرة حتى يكون قد عرف قراءته وارتضاها. وأما أخذ ابن عامر عن أبي الدرداء الخزرجي (32هـ)، فمحتمل جداً لكن في صباه، لأن أبا الدرداء توفي –على الأرجح– وعمر ابن عامر 11 سنة. وأبو الدرداء كان قاضي الشام ومقرئها وفقيهها. وكان الناس يحرصون على تعلم قراءته. ومن عادة الناس أن يقرؤوا القرآن في سن مبكرة. فيرجح أن يكون قد سمع ابن عامر من أبي الدرداء، وأما أن يكون قد قرأ عليه القرآن كله بغير واسطة، فبعيد. لكن قراءة أبي الدرداء لم تكن لتخفى عليه لشهرتها بين أهل الشام. وقد روى مسلم بن مشكم قال: قال لي أبو الدرداء: «اعدد من يقرأ عندي القرآن»، فعددتهم ألفاً وستمئة ونيفاً. وكان لكل عشرة منهم مقرئ، وكان أبو الدرداء يكون عليهم قائماً. قلت: فهذا يدل على تواتر قراءة أبي الدرداء زمن ابن عامر.

    قال الذهبي في معرفة القراء الكبار (ص85): «وروى محمد بن شعيب بن شابور (ثقة مقرئ) عن يحيى بن الحارث (ثقة مقرئ) عن عبد الله بن عامر: أنه قرأ على أبي الدرداء. (قال الذهبي): هذا خبر غريب، وعليه أعتمد الداني وغيره في أن ابن عامر قرأ على أبي الدرداء. والذي عند هشام وابن ذكوان والكبار أن ابن عامر إنما قرأ على المغيرة المخزومي عن عثمان، وهذا هو الحق». قلت: ليس في الخبرين أدنى تعارض. وأي شيء يمنع أن يكون ابن عامر قد قرأ على أبي الدرداء، وقرأ كذلك على المغيرة عن عثمان؟ وقد ذكر الذهبي (ص41): قال سويد بن عبد العزيز (ثقة من أئمة أهل الشام، ومن تلامذة ابن عامر): «كان أبو الدرداء إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه. فكان يجعلهم عشرة عشرة، وعلى كل عشرة عريفاً. ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره. فإذا غلط أحدهم، رجع إلى عريفه. فإذا غلط عريفهم، رجع إلى أبي الدرداء يسأله عن ذلك. وكان ابن عامر عريفاً على عشرة –كذا قال سويد–. فلما مات أبو الدرداء، خلفه ابن عامر». قلت: لم يخلف في نفس سنة وفاة أبي الدرداء، وإنما بعد بضع سنين.

    وقد سمع قراءة معاوية لبعض القرآن بلا ريب. لأن معاوية كان الخليفة يصلي في الناس في المسجد، ويسمعون منه. لكنه لم يتصدى لتدريس القرآن، فلم يقرأ عليه ابن عامر. وأما أنه قرأ على واثلة بن الأسقع وعلى فضالة بن عبيد فهو قول قوي. إذ أنه قد حدث عن واثلة، ونص الذهبي على أنه قد قرأ على فضالة. لكن عامة قراءته هي عن المغيرة عن عثمان.

    وقد ذكر ابن جرير الطبري مطعناً باطلاً في قراءة ابن عامر، لولا شهرته ما ذكرناه. قال ابن جرير: «وقد زعم بعضهم أن عبد الله بن عامر أخذ قراءته عن المغيرة بن أبي شِهاب المخزومي وعليه قرأ الْقُرْآن، وأن المغيرة قرأ على عثمان t. وهذا غير معروف عن عثمان! وذلك أنا لا نعلم أن أحداً ادعى أنَّ عثمان أقرأه الْقُرْآن!! بل لا نَحْفَظ عنه من أحرف الْقُرْآن إلا أحرفا يسيرة. ولو كان سبيله في الانتصاب لأخذ القرآن على من قرأ عليه السبيل التي وصفها الراوي عن المغيرة بن أبي شهاب ما ذكرنا، كان لا شك قد شارك المغيرة في القراءة عليه والحكاية عنه غيره من المسلمين، إما من أدانيه وأهل الخصوص به، وإما من الأباعد والأقاصي. فقد كان له من أقاربه وأدانيه من هو أمس رحماً، وأوجب حقا من المغيرة، كأولاده وبني أعمامه ومواليه وعشيرته من لا يحصي عدده كثرة. وفي عدم مدعي ذلك عن عثمان الدليل الواضح على بطول قول من أضاف قراءة عبد الله بن عامر إلى المغيرة بن أبي شهاب، ثم إلى أن أخذها المغيرة بن أبي شهاب عن عثمان قراءة عليه.

    وبعدُ، فإنَّ الَّذِي حكى ذلك وقاله رجل مجهول من أهل الشام لا يعرف بالنقل في أهل النقل، ولا بالْقُرْآن في أهل الْقُرْآن، يقال عراك بن خالد المري، ذكر ذلك عنه هشام بن عمار. وعراك لا يعرفه أهل الآثار (!!) ولا نعلم أحدا روى عنه غير هشام بن عمار. وقد حدثني بقراءة عبد الله بن عامر كلها العباس بن الوليد البيروتي، وقال حدثني عبد الحميد بن بكار عن أيوب بن تميم عن يحي بن الحارث عن عبد الله بن عامر اليحصبي أن هذه حروف أهل الشام التي يقرؤونها. فنسب عبد الله بن عامر قراءته إلى أنها حروف أهل الشام في هذه الرواية التي رواها لي العباس بن الوليد، ولم يضفها إلى أحد منهم بعينه. ولعله أراد بقوله: إنها حروف أهل الشام أنه قد أخذ ذلك عن جماعة من قرائها، فقد كان أدرك منهم من الصحابة وقدماء السلف خلقا كثيرا. ولو كانت قراءته أخذها كما ذكر عراك بن خالد عن يحي بن الحارث عنه عن المغيرة بن أبي شهاب عن عثمان بن عفان t، لم يكن ليترك بيان ذلك إن شاء الله تعالى مع جلالة قدر عثمان، ومكانه عند أهل الشام، ليُعَرِّفهم بذلك فضل حروفه على غيرها من حروف القراء».

    فالذي استنكره الطبري من السند –وهو عراك بن خالد– قد عرفه غيره ووثَّقه في النقل. ومن عرف حجة على من لم يعرف. والطبري ليس من علماء الحديث، ولم يزد إلا أن أعلن جهله بعراك. فعراك مقرئ مشهور له رواية في الحديث، وقد ذكره المحدثون في تراجمهم. وقد ذكر المزي من روى عنهم الحديث، وهم: إبراهيم بن أبي عبلة، وإبراهيم بن وثيمة النصري، وأبوه خالد بن يزيد المري، وأبو أمية عبد الرحمن بن السندي مولى عمر بن عبد العزيز، وعبد الملك بن أبان، وعثمان بن عطاء الخرساني، ويحيى بن الحارث الذِّماري، وقرأ عليه القرآن. ثمَّ ذكر من رووا عنه الحديث، وهم: أبو الوليد أحمد بن عبد الرحمن بن بكار الدمشقي، وأبو الفضل الربيع بن ثعلب المقرئ، وقرأ عليه القرآن، وعبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان المقرئ، ومحمد بن ذكوان الدمشقي، ومحمد بن وهب بن عطية السلمي، ومروان بن محمد الطاطري، وموسى بن عامر المريّ، وهشام بن عمار، وقرأ عليه القرآن. وأما عمن روى عنه القرآن، فأكثر من أن يستقصى. ونقل المِزِّيُّ في تهذيب الكمال عن المقرئ أبي علي أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني، قال: «عراك بن خالد من المشهورين عند أهل الشام بالقراءة والأخذ عن يحيى بن الحارث، وعن أبيه خالد، وعن غيره، بالضبط عنهم». فضلاً عن الأقوال الأخرى فيه. ومن كان هذا حاله في الآثار والقرآن، فقد ارتفعت عنه الجهالة التي حكم بها الطبري. فما كان بالنسبة له مجهولاً لا يُعرف، كان بالنسبة لغيره معروفًا موثَّقًا في نقل القراءة.

    وأما قوله بأنه لا يعرف أن عثمان علم الناس القرآن، فهذا مبلغ علمه. والأمر بخلاف ظنه. فمن روى حديث "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" لم يشغله شيء عن تعليم الناس للقرآن. حتى في أيام خلافته، فإنه بقي مواظباً على إقراء الناس للقرآن. وقد أن انتهى من جمع القرآن وتدوينه في المصاحف التي أرسلها للأمصار، فإنه أرسل مع كل مصحف مقرئ متقن يعلم الناس قراءة هذا المصحف. فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري. ومن البديهي أن يكون قد قرء القرآن لكل مقرئ من هؤلاء، وسمع قراءتهم، وأجازهم.

    وأما أن العباس البيروتي لم يذكر عمّن أخذ ابن عامر القراءة، فغيره قد ذكر ذلك مفصلاً، واشتهر ذلك شهرة متواترة عند أهل الشام. وقد ذكر مقرئ الشام الثقة هشام بن عمار (وهو من رواة قراءة ابن عامر) أن الوليد بن مسلم (ثقة فقيه) حدثه عن يحيى بن الحارث (وهو من أكبر تلامذة ابن عامر) عن ابن عامر نفسه، أنه قرأ على عثمان t. لكن هشام ذكر أن خبر عراك أصح، والظاهر أن الوليد قد اختصر الواسطة. لكنه ذكرها في خبر آخر، ولله الحمد. إذ قال علي بن موسى حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل (ثقة) حدثنا الوليد بن مسلم (ثقة) عن يحيى بن الحارث (ثقة) أنه: قرأ على ابن عامر، وأنه قرأ على المغيرة بن أبي شهاب، وأن المغيرة قرأ على عثمان. قال الذهبي: «قد ذكرنا رواية هشام عن الوليد. وفيها إسقاط المغيرة، وأن هشاما ضعَّف ذلك ووهّاه». فلم يتفرد عراك بذكر المغيرة كما وهم ابن جرير.

    ثم العجب من ابن جرير، إن لم يكن ابن عامر قد أخذ قراءته من المغيرة، فممّن إذاً؟ وكان ابن عامر مقرئ الشام وإمام مسجدها. والشام يومئذ فيها من الصحابة الخلق الكثير، ويأتيها –وهي عاصمة الخلافة– الناس من كل صوب. وما فيهم أحد طعن بقراءة ابن عامر. أفما يكفي هذا لصحتها وتواترها عند ابن جرير؟!

    وأما أسانيد القراءة فمعلومة عند أهل المعرفة. قال الحافظ أبو عمرو عن ابن عامر: «أخذ القراءة عرضا عن أبي الدرداء، وعن المغيرة بن أبي شهاب صاحب عثمان بن عفان. وقيل عرض على عثمان نفسه». قال ابن الجزري في الغاية: «وقد ورد في إسناده تسعة أقوال. أصحها: أنه قرأ على المغيرة. الثاني: أنه قرأ على أبي الدرداء، وهو غير بعيد فقد أثبته الحافظ أبو عمرو الداني. الثالث: أنه قرأ على فضالة بن عبيد، وهو جيد. الرابع: أنه سمع قراءة عثمان، وهو محتمل. الخامس: أنه قرأ عليه بعض القرآن، ويمكن (وقد أنكره الذهبي). السادس: أنه قرأ على واثلة بن الأسقع، ولا يمتنع. السابع: أنه قرأ على عثمان جميع القرآن، وهو بعيد ولا يثبت. الثامن: أنه قرأ على معاوية، ولا يصح. التاسع: أنه قرأ على معاذ وهو (واه). وأما قول من قال أنه "لا يدري على من قرأ" فإن ذلك قول ساقط، أقل من أنه ينتدب للرد عليه. وقد استبعد أبو عبد الله الحافظ قراءته على أبي الدرداء، ولا أعلم لاستبعاده وجهاً، ولا سيما وقد قطع به غير واحد من الأئمة واعتمده دون غيره الحافظ أبو عمرو الداني وناهيك به. وأما طعن ابن جرير فيه، فهو مما عد من سقطات ابن جرير. حتى قال السخاوي: قال لي شيخنا أبو القاسم الشاطبي: إياك وطعن الطبري على ابن عامر. وأما قول أبي طاهر بن أبي هاشم في ذلك، فلا يلتفت إليه. وما نقل عن ابن مجاهد في ذلك، فغير صحيح. بل قول ابن مجاهد (يعني عن ابن عامر): "وعلى قراءته أهل الشام والجزيرة"، أعظم دليل على قوتها. وكيف يسوغ أن يتصور قراءة لا أصل لها، ويجمع الناس وأهل العلم من الصدر الأول وإلى آخر وقت على قبولها وتلاوتها والصلاة بها وتلقينها، مع شدة مؤاخذتهم في السير؟! ولا زال أهل الشام قاطبة على قراءة ابن عامر: تلاوةً وصلاةً وتلقيناً إلى قريب الخمسمئة».

    وقال أبو علي الأهوازي: «كان عبد الله بن عامر إماما عالما، ثقة فيما أتاه، حافظا لما رواه، متقناً لما وعاه، عارفاً فهماً قيماً فيما جاء به، صادقاً فيما نقله من أفاضل المسلمين وخيار التابعين وأجلة الراوين. لا يتهم في دينه، ولا يشك في يقينه، ولا يرتاب في أمانته، ولا يطعن عليه في روايته. صحيح نقله، فصيح قوله، عالياً في قدره، مصيباً في أمره، مشهوراً في علمه، مرجوعاً إلى فهمه. لم يتعدّ فيما ذهب إليه الأثر، ولم يقل قولاً يخالف فيه الخبر». قال يحيى بن الحارث: «وكان رئيس الجامع (الأموي في دمشق) لا يرى فيه بدعة إلا غيرها».

    روى القراءة عنه عرضاً: يحيى بن الحارث الذماري (وهو الذي خلفه في القيام بها)، وأخوه عبد الرحمن بن عامر، وإسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر (وهو من أقرانه)، وربيعة بن يزيد، وجعفر بن ربيعة، وسعيد بن عبد العزيز، وخلاد بن يزيد بن صبيح المري، وغيرهم. ورواته هشام وابن ذكوان.



    هشام

    هو هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة أبو الوليد الدمشقي (153–245هـ)، عربي النسب. ثقة في الحديث، لكنه تلقن عند الكبر، فضعفوا حديثه المتأخر. وهذا لا يضره في القراءة. كان إمام أهل دمشق وخطيبهم ومقرئهم ومحدثهم ومفتيهم، مع الثقة والضبط والعدالة. وكان فصيحا علامة واسع الرواية.

    قرأ على عراك بن خالد المري وأيوب بن تميم على يحيى الزماري على عبد الله بن عامر. وأخذ القراءة عرضاً أيضاً عن سويد بن عبد العزيز والوليد بن مسلم وصدقة بن خالد ومدرك بن أبي سعد وعمر بن عبد الواحد. وروى الحروف عن عتبة بن حماد وعن أبي دحية معلى بن دحية عن نافع.

    وقال أبو علي أحمد بن محمد الأصبهاني المقري: «لما توفي أيوب بن تميم، رجعت الإمامة في القراءة إلى رجلين: ابن ذكوان وهشام». قال: «وكان هشام مشهورا بالنقل والقصاصة والعلم والرواية والدراية. رزق كبر السن وصحة العقل والرأي، فارتحل الناس إليه في القراءات والحديث».



    ابن ذكوان

    هو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان القرشي الفهري الدمشقي (173–242هـ)، عربي النسب من قريش. كان جيداً في الحديث. انتهت إليه مشيخة الإقراء، وصار إمام جامع دمشق، وشهد له الناس بالإتقان. قال أبو زرعة الدمشقي: سمعت الوليد بن عتبة يقول: «ما بالعراق أقرأ من عبد الله بن أحمد بن ذكوان». قال أبو زرعة: و أنا أقول من عندي: «لم يكن بالعراق و لا بالحجاز و لا بالشام و لا بمصر و لا بخراسان في زمان عبد الله بن ذكوان أقرأ عندي منه».

    أخذ القراءة عرضا عن أيوب بن تميم، وهو الذي خلفه في القيام بالقراءة بدمشق. قال أبو عمرو الحافظ: «وقرأ على الكسائي حين قدم الشام. وروى الحروف سماعاً عن إسحاق بن المسيبي عن نافع». وأنكر الحافظ الذهبي قراءة ابن ذكوان على الكسائي، وعدها من غرائب "النقاش" (صاحب التفسير الذي نقل عنه أبو عمرو). والأمر كما قال الذهبي.

    قال هارون بن موسى الأخفش: حدثنا عبد الله بن ذكوان قال: «قرأت على أيوب بن تميم، وقال لي إنه: قرأ على يحيى الذماري، وقرأ يحيى على ابن عامر، وقرأ ابن عامر على رجل». قال هارون: لم يسمه لنا ابن ذكوان، وسماه لنا هشام بن عمار، فقال: «إن الذي لم يسمه لكم ابن ذكوان هو: المغيرة بن أبي شهاب المخزومي، وقد قرأ المغيرة على عثمان t».



    عاصم

    هو عاصم بن بهدلة أبي النَّجُود أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي الحناط (ت128)، شيخ الإقراء بالكوفة، وأحد القراء السبعة. ويقال أبو النجود اسم أبيه وبهدلة اسم أمه، وقيل اسم أبيه. جيد في الحديث وله أوهام. وهو الإمام الذي انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة، بعد أبي عبد الرحمن السلمي (الذي قيل أن عثمان أرسله بالمصحف الكوفي). جمع بين الفصاحة والإتقان والتحرير والتجويد. وكان أحسن الناس صوتا بالقرآن.

    قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عنه، فقال: «كان رجلا صالحاً قارئاً للقرآن. و أهل الكوفة يختارون قراءته، و أنا أختار قراءته (يعني من بين الكوفيين). و كان خيرا ثقة. و الأعمش أحفظ منه، و كان شعبة يختار الأعمش عليه، في تثبيت الحديث». أقول: كان عاصم أقوى من الأعمش في القراءات، وكان الأعمش أحفظ للحديث من عاصم. واختار أبو حنيفة قراءة عاصم (بغير واسطة)، أما أحمد بن حنبل فقد مزج بين قراءة أبي بكر عن عاصم، وبين قراءة إسماعيل بن جعفر عن نافع، وبين قراءة أبي عمرو البصري.

    روى حفص عن عاصم عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: «لم أخالف علياً في شيء من قراءته. وكنت أجمع حروف علي، فألقى بها زيداً في المواسم بالمدينة، فما اختلفا إلا في التابوت: كان زيد يقرأ بالهاء وعلي بالتاء». وخلاف زيد بن ثابت الخزرجي مع بقية كتبة القرآن في هذه الكلمة مشهور. وقد جاء عن السلمي بأسانيد –أكثرها ضعيف– أنه أخذ قرأ على غير علي أيضاً (مثل عثمان وزيد ومثل أبيه)، وهو محتمل جداً. لكنه ينص (إن صدق حفص) على أنه لم يخالف علياً في قراءته. وروى أبان بن يزيد العطار (ثبت) عن عاصم بن بهدلة عن أبي عبد الرحمن قال: «أخذت القراءة عن علي». وقد بلغ إتقانه مبلغاً دعا الحسن والحسين إلى القراءة عليه. مما يدل على إجادته لقراءة أبيهما، رضي الله عنهم.

    و قال أبو يوسف يعقوب بن خليفة الأعشى، عن أبي بكر بن عياش: «قرأت على عاصم. و قال عاصم: "قرأت على أبي عبد الرحمن السلمي، و قرأ أبو عبد الرحمن على علي بن أبي طالب". قال عاصم: "وكنت أرجع من عند عبد الرحمن، فأعرض على زر بن حبيش. وكان زر قد قرأ على عبد الله بن مسعود"». قال أبو بكر: «قلت لعاصم: لقد استوثقت، أخذت القراءة من وجهين. قال: "أجل"». اهـ. وروى يحيى بن آدم عن أبي بكر مثل ذلك، إلا أن في أوله قول عاصم: «ما أقرأني أحد حرفاً إلا أبو عبد الرحمن». وقال حفص، عن عاصم: «قرأ أبو عبد الرحمن السلمي على عثمان بن عفان، و علي بن أبي طالب، و زيد بن ثابت».

    وهذا يدل على أن قراءته هي توليف بين قراءة عبد الله بن مسعود الهذلي t، وبين قراءة علي بن أبي طالب القرشي t. وظاهر ما سبق أن الغالب على قراءة عاصم هي قراءة علي بن أبي طالب r، لأنه قرأ على أبي عبد الرحمن، بينما عرض عرضاً على زر بن حبيش. لكن المتأمل لمعالم هذه القراءة، يجد قوة تأثير ابن مسعود عليها (إن لم تكن الغالبة). فإن الهمز –مثلاً– هو لغة هذيل، وليس لغة قريش. وهو شيء مشهور في كتب الأدب. حتى أنه سُئِل رجل قرشي: "هل تهمزون الفارة؟" فلم يفهم السؤال فقال: إنما تهمزها القطة :) وكذلك أهل المدينة قد تبعوا قريشاً على ذلك. قال الحلواني عن قالون: «كان أهل المدينة لا يهمزون. حتى همز ابن جندب (شيخ نافع، وهو هذلي)، فهمزوا: مستهزئون واستهزئ»، كما في كتاب السبعة في القراءات (ص60).

    وكان أبو عبد الرحمن السلمي تابعي ثقة يقرئ القرآن بالكوفة أربعين سنة من خلافة عثمان إلى إمرة الحجاج. وزر بن حبيش ثقة مخضرم من أعرب الناس، وكان عالما بالقرآن، قارئا فاضلا. وهو من أثبت الناس في عبد الله بن مسعود.

    وزعم حفص أن عاصماً قال له: «ما كان من القراءة التي أقرأتك بها، فهي القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن السلمي عن علي. وما كان من القراءة التي أقرأتها أبا بكر بن عياش، فهي القراءة التي كنت أعرضها على زر بن حبيش عن ابن مسعود». وواضح أن هذا باطل لا يصح. فما بال حفص يقرأ بالهمز إن كان قد أخذ قراءته عن علي؟ ومقولة أبي بكر بن عياش السابقة (أن قراءته هي توليف بينهما) أصح من مقولته، وأبو بكر أصدق منه. ولعله جاء بهذا الزعم حتى يروج لقراءته في الكوفة، التي كان غالب أهلها من شيعة علي t.

    قال أبو بكر بن عياش: لا أحصي ما سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول: «ما رأيت أحداً أقرأ للقرآن من عاصم بن أبي النجود». وقال يحيى بن آدم: حدثنا حسن بن صالح قال: «ما رأيت أحدا قط كان أفصح من عاصم. إذا تكلم كاد يدخله خيلاء». وروى القراءة عنه خلق لا يحصون. وروى عنه حروفاً من القرآن: أبو عمرو ابن العلاء والخليل بن أحمد وحمزة الزيات.



    شعبة

    أبو بكر (شعبة) بن عياش بن سالم الأسدي النهشلي الكوفي (95–193هـ): جيد في الحديث، إذا حدّث من كتابه فهو ثقة، وإن حدث من حفظه فهو كثير الخطأ. قال عنه يعقوب بن شيبة: «معروف بالصلاح البارع. و كان له فقه كثير، و علم بأخبار الناس». اختلف الناس على اسمه خلافاً كبيراً، والصواب أن اسمه "أبو بكر"، لكن اشتهر بين المقرئين باسم "شعبة".

    عرض القرآن على عاصم ثلاث مرات، وما تعلم غير قراءته. قال يحيى بن آدم قال: لي أبو بكر: «تعلمت من عاصم القرآن كما يتعلم الصبي من المعلم. فلقي مني شدة. فما أُحسِنُ غير قراءته. وهذا الذي أخبرتك به من القرآن، إنما تعلمته من عاصم تعلماً». وروى يحيى بن آدم عن أبي بكر قال: «تعلمت من عاصم خمساً خمساً، ولم أتعلم من غيره، ولا قرأت على غيره. واختلفت إليه نحواً من ثلاث سنين في الحر والشتاء والأمطار». وأما الرواية التي فيها أنه قرأ على عطاء بن سائب وأسلم المنقري، فقد قال عنها الحافظ الذهبي في "معرفة القراء الكبار" (ص138): «هذه رواية واهية»، لأن في إسنادها رجل مجهول وهي بخلاف ما نص عليه أبو بكر بنفسه.

    قال ابن مجاهد في كتاب السبعة (ص71): «أضبط من أخذ عن عاصم: أبو بكر بن عياش –فيما يقال– لأنه تعلمها منه تعلماً خمساً خمساً. وكان أهل الكوفة لا يأتمّون في قراءة عاصم بأَحَدٍ ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش». أقول: وائتمام أهل الكوفة بعاصم ثم بأبي بكر من بعده، لأقوى دليل على تواتر تلك القراءة عن علي وابن مسعود. مع كثرة من في الكوفة من المقرئين عن سائر الأمصار. ولو خالف في حرف من حروف المصحف، لأنكروا عليه ذلك ولعرفناه. فكان توثيقهم لعاصم ثم لأبي بكر، لأعظم دليل على قبولهم لهذه القراءة وارتضائهم لها. وأهل الكوفة لا يعدلون بابن مسعود وبعلي أحدا.



    حفص

    هو حفص بن سليمان بن المغيرة أبو عمر البزّاز (90–180هـ). وهو حفص بن أبي داود القارئ نزيل بغداد: ضعيف متروك، متهم بالكذب ووضع الحديث، وقد حدَّثَ عن جمعٍ أحاديثاً بواطل. أخذ القراءة عرضاً وتلقيناً عن عاصم، وكان ربيبه ابن زوجته. وقد زعم حفصاً أنه لم يخالف عاصماً في شيء من قراءته، إلا في حرف في سورة الروم {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضـعْفٍ...} (54) قرأه بالضم وقرأه عاصم (وحمزة) بالفتح. والفتح لغة تميم، والضم لغة قريش.

    على أن أبا بكر أنكر ذلك. قال البخاري: حدثنا الحسن قال: حدثنا شبابة قال: قلت لأبي بكر بن عياش: «أبو عمر. رأيتَه عند عاصم؟». قال: «قد سألني عن هذا غير واحد. ولم يقرأ على عاصم أحدٌ إلا وأنا أعرفه. ولم أر هذا عند عاصم». وقال أبو طاهر بن أبي هاشم كما في معرفة القراء (1|208): حدثنا محمد بن يونس، حدثنا أحمد بن صدقة، حدثنا أحمد بن جبير (ثقة كوفي من كبار القراء) بأنطاكية قال: سمعت أبا بكر بن عياش، وكنت أقول له: «فلان يقرأ عندنا كذا وكذا». فيقول: «كذب. كان عاصم يقرأ كذا وكذا».

    وقال أبو قُدامة السّرخسيّ، وعُثمان بن سَعيد الدّارمي عن يحيـى بن مَعِين: «ليسَ بثقة». قلت: هذا جرح لعدالته واتهام له بالكذب.

    وقال عليّ بنُ المَديني: «متروك، ضعيفُ الحديث، وتركتُه على عَمْد. روى عن عاصم عامة القراءات مسندة». قلت: وهذا طعن له في روايته عن عاصم.

    وقال إبراهيم بن يَعْقوب الجُوزْجانِي: «قد فُرِغَ منه من دَهْرٍ».

    وقال أحمد بن حنبل: «متروك الحديث».

    وقال البُخاري: «تركوه». وقال كذلك: «سكتوا عنه». قلت: وهذه والتي قبلها إحدى أردئ أنواع الجرح عند البخاري. وقد ذكره أيضاً في كتابه "الضعفاء" وهو كتاب مخصصٌ للمتروكين والهلكى، ولا يذكر البخاري فيه من كان ضعفه خفيفاً.

    وقال مُسلم: «مَتْروك».

    وقال النّسائِي: «ليسَ بثقة ولا يكتب حديثه». قلت: وهذا اتهام بالكذب. وقال النسائي في مَوْضع آخر: «متروك».

    وقال صالح بن محمّد البَغدادي: «لا يكتب حديثُه، وأحاديثه كلّها مناكير».

    وقال زكريا بن يَحْيَى السّاجي: «يحدّث عن سِماك، وعَلقمة بن مَرْثَد، وقَيْس بن مُسْلم، وعاصِم أحاديث بواطيل». فهو حتى عن شيخه عاصم ليس بثقة، فكيف عن غيره؟!

    وقال أبو زُرْعة: «ضعيفُ الحديث».

    و قال ابن حبان: «كان يقلب الأسانيد، و يرفع المراسيل. وكان يأخذ كتب الناس، فينسخها ويرويها من غير سماع».

    و قال الدارقطني: «ضعيف».

    و قال الساجي: «حفص ممن ذهب حديثه. عنده مناكير».

    وقال عبد الرحمن بن أبي حاتِم: سألتُ أبي عنه، فقال: «لا يُكْتَب حديثُه، هو ضَعيف الحديث، لا يَصدُق (وهذا اتهام بالكذب)، متروكُ الحديث». قلت: ما حاله في الحروف؟ قال: «أبو بَكْر بن عَيّاش أثْبت مِنْه».

    وقال عبد الرحمن بن يوسُف: «كذّاب متروك يَضَع الحديث». قلت: فهو يكذب ويتعمّد وضع الحديث.

    وقال الحاكم أبو أحمد: «ذاهبُ الحديث».

    وقال يَحْيَى بن سَعيد، عن شُعْبة: «أخذ مني حفص بن سليمان كتاباً، فلم يرده. وكان يأخذ كتب النّاس فينسخها». وهذا يسميه الحفاظ بسرقة الحديث.

    وقال صالح بن محمد: «لا يُكتَب حديثه... أحاديثه كلها مناكير».

    وقال أبو أحمد بن عَدِي، عن السّاجيّ، عن أحمد بن محمد بن قاسم البَغداديّ (أبو العباس بن محرز)، عن يَحْيَى بن مَعين: «كان حَفْص بن سُلَيمان، وأبو بَكْر بن عَيّاش مِن أعلم النّاس بقراءة عاصِم، وكان حَفْص أقْرأ مِن أبـي بَكْر، وكان كذّاباً، وكان أبو بكر صَدُوقاً». أي فحتى لو كان حفص أقرأ، فإنه يكذب بخلاف أبي بكر (شعبة) الذي كان صادقاً.

    وقد قام بعض المتأخرين من المقرئين بتحريف مقولة ابن معين إلى: «الرواية الصحيحة التي رويت عن قراءة عاصم رواية أبي عمر حفص بن سليمان». ثم تحرفت المقولة أكثر إلى: «وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش». سبحانك ربي هذا بهتان عظيم. نعم، يرى ابن معين أن حفصاً –وإن كان كذاباً في الحديث– فإنه أتقن من أبي بكر لقراءة عاصم. وقد خالفه في ذلك أبو حاتم الرازي، إذ يرى أبا بكر أتقن من حفص. ويظهر أن كلاهما متقن للقراءة، والله أعلم.

    قال ابن عدي بعد أن سرد عدداً من مناكيره: «و لِحَفْص غيرُ ما ذكرتُ مِن الحَديثِ (المُنكر)، وعامّة حديثه عمّن روى عنهم غير محفوظة».

    و قال صالح بن محمد البغدادي: «لا يكتب حديثه، و أحاديثه كلها مناكير».

    وحكى ابن الجوزي في "الموضوعات" عن عبد الرحمن بن مهدي قال: «و الله ما تحل الرواية عنه». أقول: الرواية عن الصادق حلال وإن كان ضعيفاً. لكن إن كان كذاباً فالرواية عنه حرام.

    فالنقاد هنا يرمونه: بـ"وَضعِ الحديث" و "الكذب" و "سرقة الكتب". فضعفه لا يتوقف على قلة عنايته واهتمامه بالحديث، وإنما يُرمى في أمانته ودينه. ولا شك أن الضبط في الحديث شيء، وفي القراءة شيء آخر. لكن الإشكال: أن ضعفه لا يتوقف على ضبطه وعنايته بالحديث. ولو كان الأمر كذلك فقط، لما كان هناك أي إشكال. فالأمر يختلف: بين ضعف في ضبط الحديث والعناية به، وبين ضعف في الدين والأمانة. لكن الطعن في دينه، وصدقه، وأمانته، ورميه بالكذب، والوضع. ورجل هكذا، كيف يؤمن على كتاب الله؟!

    قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (11|82): «ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل. لكنهم أكثر الناس صواباً وأندرهم خطأً وأشدهم إنصافاً وأبعدهم عن التحامل. وإذا اتفقوا على تعديلٍ أو جرحٍ، فتمسك به واعضض عليه بناجذيك، ولا تتجاوزه فتندم. ومن شذ منهم فلا عِبْرة به. فخَلِّ عنك العَناء، وأعط القوس باريها. فو الله لولا الحفاظ الأكابر لخطبت الزنادقة على المنابر. ولئن خطب خاطبٌ من أهل البدع، فإنما هو بسيف الإسلام وبلسان الشريعة وبجاه السنة وبإظهار متابعة ما جاء به الرسول r. فنعوذ بالله من الخذلان».

    يعني باختصار عاصم مطعون في عدالته، ومتهم بتعمّد الكذب، وله حروفٌ يتفرد بها لم يتابعه عليها أحد. فكيف نزعم أن قراءته متواترة؟ كيف يصح هذا التواتر ونحن لا نجد هذه الأحرف من طريق غيره؟! وقد ذكر ابن الجزري في ترجمة حفص في "غاية النهاية" (1|254): قال ابن مجاهد عن حفص: «بينه وبين أبي بكر من الخلاف في الحروف: خمسمئة وعشرين حرفاً (520) في المشهور عنهما». أقول: وهذه مخالفة كبيرة، خاصة أنها غير متواترة عن عاصم، وأنها تأتي من شخص متهم. وكثير منها لم يتابع عليها من إحدى القراءات العشرة بل ولا حتى الشاذة. فمن أين جاء حفص بها؟

    ومن الثابت أن طريق أبي بكر (شعبة) هو المقدم عند المتقدمين. وهذه الفائدة نصٌّ لابن مجاهد في كتاب السبعة (ص71)، قال فيه: «وإلى قراءة عاصم صار بعض أهل الكوفة، وليست بالغالبة عليهم. لأن أضبط من أخذ عن عاصم: أبو بكر بن عياش –فيما يقال– لأنه تعلمها منه تعلماً خمساً خمساً. وكان أهل الكوفة لا يأتمّون في قراءة عاصم بأَحَدٍ ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش. وكان أبو بكر لا يكاد يُمَكِّن من نفسه من أرادها منه، فقلَّتْ بالكوفة من أجل ذلك، وعَزَّ من يحسنها، وصار الغالب على أهل الكوفة إلى اليوم قراءة حمزة بن حبيب الزيات».

    وإذا تأملت هذا النصَّ ظهر لك أن قراءة حفص عن عاصم في وقت الطبري (ت 310) –الذي كان في طبقة شيوخ ابن مجاهد (ت 324)– لم يكن لها قبول كغيرها. فلو كانت قراءة حفص عن عاصم متواترة، وغاب طريق حفص عن الإمام الطبري، فهل من المعقول أن تخفى عليه من طرق أخرى على فرض أنها متواترة؟ أقول: هذا بعيدٌ جداً خاصة أن الطبري كوفي الأصول يعتمد على علمائهم. وحفص كوفي سكن في بغداد وأقرأ فيها. فالطبري هو عالمٌ بالتأكيد بقراءات أهل الكوفة، وهو كثير الذكر لرواية أبي بكر بن عياش عن عاصم، بل تجده يجزم بأنها قراءة عاصم، بينما لا يذكر البتة قراءة حفص. وهذا يدل على أنها غير معتبرة عنده. ولو كان قد تركها لمجرد كون حفص كذاباً، فلماذا لم يسندها عن غيره على فرض أنها متواترة؟ هذا يدل بالتأكيد إلى أن حفصاً قد شذ بروايته وتفرد بها. وهي لم تكن متواترة عند ابن جرير ولا صحيحة.

    وقد يقول القائل: هل من الممكن أن يكون الطبري لا يعرف حفصاً؟ أقول هذا بعيد جداً، فعاصم وابن عياش من أشهر الرواة عن عاصم. ولا ريب أن عالماً بالقراءات كالطبري يعرف كليهما فضلاً عن باقي الرواة عن عاصم. كيف لا وقد ألّفَ كتباً جامعاً في القراءات يدل على معرفة واسعة عنده. وتلميذه ابن مجاهد هو الذي وضع كتاب السبعة. وهو كان في بغداد، حاضرة العلم حينذاك. أما لماذا لم يذكر شيئاً عن قراءة عاصم، فلأنه رفضها ولم يعتبرها أصلاً. فليس من المستغرب أنه لم يشر إليها في تفسيره.

    والسؤال هنا طالما أن قراءة حفص عن عاصم ليست متواترة عند ابن جرير، فكيف صارت متواترة عند من أتوا بعده؟! لأنه حينئذٍ قد فُقِدَ التواتر في إحدى الطبقات. فهل يستطيع أحد من المتأخرين إثبات تواترها عن عاصم؟ قطعاً لا. ثم إن حفصاً ضعيف جداً عند علماء الحديث بل متروك ومجروح في عدالته ومتهم بالكذب. ولم يكن المقدّم عند أهل الكوفة كما يظهر من كلام ابن مجاهد، بل كانوا يقدمون قراءة أبي بكر عن عاصم عليه. وهذا لا يجوز إهماله.

    وأنا لم أقل ولا أقول أن قراءة حفص موضوعة، لأنه مع حدة كلام النقاد عنه، لم يرمه أحد بالكذب في حروف القرآن، بل كلامهم على الحديث النبوي فقط. فلو أنه خالف عاصماً في حرف واحد، لما تهاونوا في ذكر ذلك وتكذيبه. وقراءة عاصم لا تخفى عليهم، فهي المفضلة عند أهل الكوفة، وقد روى عن عاصم الجمع الغفير من كبار المقرئين. ثم هذا حمزة –مع إقرارهم بصلاحه وصدقه وإتقانه– فإن أئمة السلف لم يتوانوا في انتقاد قراءته أشد الانتقاد وإبطال الصلاة خلف من يقرأ بها، مع علمهم بأن أحرفها صحيحة، لكن أحكام التجويد التي فيها (من نحو المبالغة في المد ونحو ذلك) لم يقرأ بها أحد قبل حمزة. ولو كانت قراءة حفص كذلك، لما توانوا عن الطعن بها. فلما لم يحدث ذلك، عرفنا أن قراءة حفص صحيحة. والله أعلم بالصواب.



    بعض مفردات حفص:

    هذه بعض انفرادات حفص مما لا يتعلق بالأداء، مع ذكر من وافقه من القراءات الشاذة. والمراد هو المثال لا الحصر فانفراداته كثيرة جداً يصعب حصرها:

    1 ـ هُزُوا، وجميع ما ورد مثله | بالواو بدلا من الهمزة، وضم الزاي. وافقه الشنبوذي عن الأعمش.

    2 ـ يُرجعون ( آل عمرن: 83 ) | بياء الغيبة مضمومة.

    3 ـ يجمعون ( آل عمران: 157 ) | بياء الغيبة، والباقون بالتاء.

    4 ـ سوف يؤتيهم ( النساء: 152 ) | بالياء، والباقون بالنون.

    5 ـ استَحَقَّ ( المائدة: 107 ) | بفتح التاء والحاء، والباقون بضم التاء وكسر الحاء. وافقه الحسن.

    6 ـ تَلْقَفُ ( الأعراف: 117، طه: 69، الشعراء: 45 ) | بسكون اللام مع تخفيف القاف.

    7 ـ معذرةً ( الأعراف: 164 ) | بنصب التاء، والباقون بالرفع. وافقه اليزيدي.

    8 ـ مُوهِنُ كيد ( الأنفال: 18 ) | بسكون الواو مع تخفيف الهاء، وحذف التنوين وجرِّ الكيد. وافقه الحسن.

    9 ـ معيَ عدوًّا ( التوبة: 83 ) | فتح الياء، وأسكنها الباقون.

    10 ـ متاعَ ( يونس: 23 ) | بنصب العين، ورفعها الباقون. وافقه الحسن.

    11 ـ ويوم يحشرهم ( يونس: 45 ) | بياء الغيبة، والباقون بالنون. وافقه ابن محيصن والمطوعي.

    12 ـ من كلٍ زوجين ( هود: 40 ) | بتنوين ( كلٍ ) والباقون بترك التنوين. وافقه الحسن والمطوعي عن الأعمش.

    13 ـ يا بني ( يوسف: 6 ) | بفتح الياء.

    14 ـ دأَبًا ( يوسف: 47 ) | بفتح همزة ( دأَبا ) والباقون بالسكون.

    15 ـ نوحي إليهم ( يوسف: 109 ) وفي النحل والأنبياء | بالنون مع كسر الحاء، والباقون بالياء مع كسر الحاء.

    16 ـ ليَ عليكم ( إبراهيم: 22 ) | فتح الياء من ( ليَ )، والباقون بسكونها.

    17 ـ ورجِلِك ( الإسراء: 64 ) بكسر الجيم، والباقون بسكون الجيم.

    18 ـ لمَهلِكهم ( الكهف: 59 ) | بفتح الميم وكسر اللام، وشعبة بفتح الميم واللام، والباقون بضم الميم وفتح اللام.

    19 ـ تُسَاقِط ( مريم: 25 ) | بضم التاء وتخفيف السين وكسر القاف. وافقه الحسن.

    20 ـ إن هذان ( طه: 63 ) | بسكون النون في إن. وهذان بالألف مع تخفيف النون. وافقه ابن محيصن.

    21 ـ قال رب احكم ( الأنبياء: 112 ) إثبات الألف في قال، والباقون بحذف الألف على سبيل الأمر ( قُل ).

    22 ـ سواءً ( الحج: 25 ) بنصب الهمزة، والباقون برفعها.

    23 ـ والخامسةَ أن غضب ( النور: 9 ) | بنصب التاء من ( الخامسةَ )، والباقون بالرفع.

    24 ـ تستطيعون ( الفرقان: 19 ) بتاء الخطاب، والباقون بياء الغيبة. وافقه الشنبوذي.

    بيان أن الطبري لا يعتبر قراءة حفص خلافاً ولا يذكرها أصلاً:

    المثال الأول: قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} (الكهف:59). حيث أن الطبري في تفسيره (15|306 ط: دار هجر): ذكر قراءتين فقط: الأولى قراءة الجمهور، والثانية قراءة عاصم، وهي من طريق شعبة بن عياش. ولم يذكر القراءة الثالثة، وهي قراءة حفص عن عاصم {لِمَهْلِكِهم} بفتح الميم وكسر اللام. ولو كانت عنده معتبرة لما تركها، وقد ذكر قراءة عاصم بنصِّها. والمثال الثاني: قوله تعالى {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} (مريم:25). ذكر الطبري (15|513) فذكر عدة قراءات منها قراءات شاذة، ومع ذلك لم يذكر قراءة حفص. المثال الثالث: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْب} (القصص: 32). فقد ذكر قراءتين (18|246) ولم يذكر قراءة حفص. المثال الرابع: قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} (الأحزاب: 13). فذكر (19|43) قراءة نسبها إلى أبي عبد الرحمن السلمي، ولم يذكر أنه قد قرأ بها عاصم من طريق حفص. ومن ثَمَّ، فإنه لا يصحُّ في مثل هذا المقام أن يقال: إن الطبري ردَّ قراءة حفص عن عاصم، لأنه لا يعلمها، والله أعلم. المثال الخامس: قوله تعالى: {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لاظُنُّهُ كَاذِباً} (غافر: 37). فذكر (20|326) قراءة الجمهور وقراءة أخرى نسبها إلى حميد الأعرج، ولم يستجزها لأنها خلاف إجماع القراء، وهي قراءة حفص عن عاصم، ولكنه لم يذكرها عنه، لأنه لا اعتبار عنده برواية حفص. والعجيب أن المحققين لكسلهم أو لقلة بضاعتهم في القراءات قد طبعوا تفسير الطبري وغيره بحروف حفص، وهذا تحريف للنص الأصلي الذي هم مطالبون بتحقيقه. وكذلك في كتب أخرى.



    بيان أن غير الطبري كذلك لا يعتبر قراءة حفص:

    قال النحاس: «وحكى محمد بن الجهم عن الفراء قال: قرأ عاصم والأعمش {وليبدلنّهم} مشددة. وهذا غلط على عاصم. وقد ذكر بعده غلطا أشد منه، وهو أنه حكى عن سائر الناس التخفيف». وأنت إذا تأملت هذا، عرفت أن رواية حفص لم تكن مشهورة منتشرة عند النحاس، وإلا لم يعترض بهذا الاعتراض، ولاعتذر لقول الفراء بأنه أراد رواية دون رواية. بل إننا نجد القرطبي أحياناً لا يشير إلى خلاف حفص. وهذا يدل على أنها لم تكن رواية منتشرة مشهورة بين العامة في عصر القرطبي، والقرطبي في مصر سكن الإسكندرية. مع أن القرطبي في عصر قد دونت الكتب. وهو ينقل من كتب هذا الفن. ورواية حفص منتشرة بين القراءة في بلده الأصلي أو في مصر. وهو يعرف ذلك، ولكنها لم تكن منتشرة بين العامة. نجد في ترجمة بعض العلماء المتأخرين، وقد توفي سنة 755هـ: «وقرأ الشيخ زين الدين القرآن ببغداد على الشيخ عبد الله الواسطي... لعاصم من طريق أبي بكر». فرواية عاصم المنتشرة بالعراق إلى عصر متأخر هي رواية أبي بكر بن عياش عن عاصم، وليست رواية حفص. ولكنا نجد أن رواية حفص عن عاصم كانت منتشرة بين الحنفية في بلاد الروم، كما تجده في تفسير أبي السعود.



    حمزة

    هو حمزة بن حبيب بن عمارة الفارسي الأصل (80–156هـ). جيد في الحديث، لا يرتاب أحد في صدقه وصلاح دينه. وأما في الحديث فلم يكن حافظاً له. و قال أبو بكر بن منجويه وابن حبان: «كان من علماء زمانه بالقراءات». وروي عن أبي حنيفة أنه قال: «غلب حمزة الناس على القرآن والفرائض».

    لكن كره الناس قراءته، واعتبروها بدعة، لم يسبق إليها. قال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن سليمان بن أبي شيخ: كان يزيد بن هارون أرسل إلى أبي الشعثاء بواسط: «لا تقرئ في مسجدنا قراءة حمزة». و قال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: سمعت أحمد بن سنان يقول: «كان يزيد يكره قراءة حمزة كراهية شديدة». قلت: ويزيد بن هارون هو أحد أعلام واسط، كان محدثاً ثبتاً فقيهاً من العُبّاد.

    قال: و سمعت أحمد بن سنان يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: «لو كان لي سلطان على من يقرأ قراءة حمزة، لأوجعت ظهره و بطنه». قيل له: ما تنكر يا أبا سعيد؟ قال: «يجيء أيوب بن المتوكل فتسلونه». قلت: وابن مهدي هو إمام البصرة، وكان محدثاً ثبتاً فقيهاً من أعلم الناس. وابن المتوكل هو مقرئ بصري ثقة.

    و قال الساجي عن حمزة: «قد ذمه جماعة من أهل الحديث في القراءة، و أبطل بعضهم الصلاة باختياره من القراءة». و قال الأزدي: «يتكلمون في قراءته، و ينسبونه إلى حالة مذمومة فيه». وقال سلمة بن شبيب (ثقة حافظ): «كان أحمد يكره أن يصلي خلف من يقرأ بقراءة حمزة». و قال ابن دريد: «إني لأشتهي أن يخرج من الكوفة قراءة حمزة». قال الذهبي: «يريد ما فيها من المد المفرط، و السكت، و تغيير الهمز في الوقف، و الإمالة، و غير ذلك. و قد انعقد الإجماع بآخره على تلقي قراءة حمزة بالقبول (يقصد فرش الحروف كما سيأتي). و يكفي حمزة شهادة الثوري له، فإنه قال: ما قرأ حمزة حرفاً إلا بأثر». قلت: لا يثبت الأثر عن سفيان الثوري. إذ رواه ابن مجاهد في "السبعة في القراءات": ثنا مطين ثنا عقبة بن قبيصة ، ثنا أبي. وعقبة ليس فيه توثيق، وقبيصة ضعيف عن سفيان كثير الخطأ لأنه أخذ عنه وهو صغير لم يكن يحفظ الحديث. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا الطيب بن إسماعيل (أبو حمدون، مقرئ صدوق فاضل، ليس فيه توثيق) عن شعيب بن حرب، سمعت حمزة يقول: «ما قرأت حرفا إلا بأثر»، وهذا -لو صح- فإنه محمول على الفرش لا على الأداء. وقد استغرب السيد أحمد صقر رحمه الله من دعوى الإجماع التي ذكرها الذهبي، ومن قول الثوري في تزكية قراءة حمزة، واستغرب سكوت الذهبي عما قاله فيه السلف كيزيد بن هارون وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وعبد الله بن إدريس الأودي وأبو بكر بن عياش وابن دريد وحماد بن زيد والأزدي والساجي.

    قال ابن داود في "كتاب الشريعة": حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان، حدثنا ابن أبي بزة: سمعت سفيان بن عيينة يقول: «لو صليت خلف من يقرأ بقراءة حمزة، لأعدت (صلاتي)». قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (8|473): «وثبت مثل هذا عن ابن مهدي، وعن حماد بن زيد نحوه». أقول: ابن مهدي وحماد بن زيد من كبار علماء البصرة، فقهاً وحديثاً. وسفيان بن عيينة إمام كوفي سكن بمكة، وجعله الإمام الشافعي قريناً للإمام مالك (والشافعي تلميذ كلاهما). و قال عنه أحمد: «ما رأيت أحداً من الفقهاء أعلم بالقرآن و السنن منه». وقال ابن وهب: «ما رأيت أحداً أعلم بكتاب الله من ابن عيينة». فهذه شهادة إمام كوفي من أعلم أهل زمانه بالقرآن.

    والعجيب أن حمزة نفسه لم يكن يقرأ بقراءته في صلاته. حتى تعجب منه ابن قتيبة وقال: «ومن العجب أنه يُقرئ الناس بهذه المذاهب، ويَكْرَهُ الصلاة بها! ففي أي موضع تستعمل هذه القراءة إن كانت الصلاة لا تجوز بها؟!». قال ابن مجاهد: حدثنا ابن حيان (هو محمد بن عيسى بن حيان) قال حدثنا محمد بن يزيد أبو هشام (الرفاعي المقرئ) عن سليم (بن عيسى) عن حمزة أنه كان إذا قرأ في الصلاة لم يكن يهمز. والقراءة بغير همز موافقة لقراءة علي رضي الله عنه. ومعلوم أن سليم هو الذي نقل إلينا قراءة حمزة.

    وقال محمد بن عبد الله الحويطبي: سمعت أبا بكر بن عياش (هو شعبة، إمام مقرئي الكوفة بعد عاصم) يقول: «قراءة حمزة بدعة». قال الذهبي: «مرادهم بذلك ما كان من قبيل الأداء: كالسكت والاجتماع في نحو شاء وجاء، وتغيير الهمز. لا ما في قراءته من الحروف. هذا الذي يظهر لي، فإن الرجل حجة ثقة فيما ينقل». أقول: لقد صرح الذهبي بأن شرحه لمرادهم هو غلبة ظن، لكن قد جاءت بعض النصوص تؤيد ظنه.

    فقد جاء في طبقات الحنابلة (1|74): قال أبو الحارث (للإمام أحمد بن حنبل): قراءة حمزة؟ فقال (الإمام أحمد): «أنا أكرهها». قيل له: وما تكرهه منها؟ قال: «هذا الإدغام والإضجاع الشديد، مثل جاب وطاب وحاق». وجاء في طبقات الحنابلة (1|146): قال حرب: سألت أحمد عن قراءة حمزة، فقال: «لا تعجبني» وكرهها كراهية شديدة. وقال حبيش: سُئِل أبو عبد الله (أحمد بن حنبل) عن قراءة حمزة، فقال: «نعم. أكرهها أشد الكراهية». قيل له: ما تكره منها؟ قال: «هي قراءة مُحدَثَةٌ، ما قرأ بها أحد. إنما هي إيه».

    فخلاصة ما سبق نقله، من اجتماع أئمة الإسلام العارفين بالقراءات من الكوفة والبصرة وواسط والحجاز على كراهة قراءة حمزة كراهة شديدة، وأنها بدعة مُحدثة، ما قرأ بها أحد قبل حمزة. وبعضهم منع الصلاة خلف من يقرأ بهذه القراءة. فهذا يوجب بلا شك، أن قراءة حمزة قراءة غير متواترة، لأن أسانيده غير متواترة، ولأنه تفرد بها في عصره، ولإنكار أهل بلده وأهل الأمصار عليه تلك القراءة. لكن ما طعن أحد بفرش الحروف فيها، فهذا دليل صحتها.

    وقال أسود بن سالم: سألت الكسائي عن الهمز والإدغام ألكم فيه إمام؟ قال: «نعم. هذا حمزة يهمز ويكسر». فلو عرف الكسائي إماماً آخر لذكره، لكنه لم يجد إلا شيخه حمزة، مع علمه بكثرة ما تكلم الناس عليه في شذوذ قراءته.

    قال الذهبي: «قرأ القرآن عرضا على الأعمش وحمران بن أعين ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ومنصور وأبي إسحاق وغيرهم. وقرأ أيضا على طلحة بن مصرف وجعفر الصادق».

    وروى خلف بن هشام عن سليم قال: «قرأ حمزة على الأعمش وابن أبي ليلى. فما كان من قراءة الأعمش، فهي عن ابن مسعود t. وما كان من قراءة ابن أبي ليلى فهي عن علي t». وقال سليم عن حمزة: «قرأت القرآن أربع مرات على ابن أبي ليلى». وقال هارون بن حاتم: حدثنا الكسائي: قلت لحمزة: على من قرأت؟ قال: «على ابن أبي ليلى وحمران بن أعين». قلت: فحمران على من قرأ؟ قال: «على عبيد بن نضيلة الخزاعي. وقرأ عبيد على علقمة عن ابن مسعود. وقرأ ابن أبي ليلى على المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أُبَي».

    وقال عبد الله بن موسى والحسن بن عطية وغيرهما: قرأنا على حمزة. وقرأ على حمران بن أعين، وعلى ابن أبي ليلى، والأعمش، وأبي إسحاق. فأما حمران فقرأ على يحيى بن وثاب. وأما الأعمش فقرأ على زر وزيد بن وهب والمنهال بن عمرو. وقرأ زر وزيد على عبد الله (بن مسعود). وقال الأعمش: قرأ يحيى بن وثاب على علقمة والأسود وعبيد بن نضيلة ومسروق وعبيدة (وهؤلاء على عبد الله بن مسعود). وكان الأعمش يقول: يحيى أقرأ الناس. قالوا: وقرأ الأعمش أيضاً على إبراهيم النخعي. فأما أبو إسحاق فقرأ على أصحاب علي وابن مسعود. وأما ابن أبي ليلى فقرأ على الشعبي.

    وقيل بل قرأه على ابن أبي ليلى على علي. وعرض على أبي إسحاق. أقول: لم يدرك حمزةُ عبدَ الرحمن بن أبي ليلى صاحب علي، وإنما أدرك ابنه محمداً الذي لم يدرك علياً. قال محمد بن يحيى الأزدي: قلت لابن داود: قرأ حمزة على الأعمش؟ قال: من أين قرأ عليه؟ إنما سأله عن حروف. وقال أحمد بن جبير حدثنا حجاج بن محمد قلت: لحمزة قرأت على الأعمش؟ قال: لا ولكني سألته عن هذه الحروف حرفا حرفا. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثني عدة من أهل العلم عن حمزة أنه: قرأ على حمران، وكانت هذه الحروف التي يرويها حمزة عن الأعمش إنما أخذها عن الأعمش أخذا، ولم يبلغنا أنه قرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره. وقال يوسف بن موسى: قيل لجرير بن عبد الحميد: كيف أخذتم هذه الحروف عن الأعمش؟ قال: كان إذا جاء شهر رمضان جاء أبو حيان التيمي وحمزة الزيات مع كل واحد منهما مصحف، فيمسكان على الأعمش ويقرأ، فيستمعون قراءته، فأخذنا الحروف من قراءته.

    وقيل أنه قرأ على أبي عبد الله جعفر الصادق على أبيه أبي جعفر محمد الباقر على أبيه أبي الحسين علي زين العابدين على أبيه أبي عبد الله الحسين على أبيه علي بن أبي طالب t. والظاهر أن هذا الإسناد للتبرك، وإلا فعنده قراءة علي عن أهل الكوفة. ومن تأمل أسانيده لوجدها ترجع إلى علي وابن مسعود، وربما أُبي، مع الالتزام بموافقة مصحف عثمان. وكان حمران يقرأ قراءة ابن مسعود، ولا يخالف مصحف عثمان: يعتبر حروف معاني عبد الله، ولا يخرج من موافقة مصحف عثمان. وهذا كان اختيار حمزة.

    وقد عيب عليه أنه كان لا يقرأ باختياره في الصلاة بل له قراءة مختلفة. قال ابن مجاهد في "السبعة في القراءات": حدثنا ابن حيان (هو محمد بن عيسى بن حيان) قال: حدثنا محمد بن يزيد أبو هشام (الرفاعي المقرئ) عن سليم (بن عيسى) عن حمزة: أنه كان إذا قرأ في الصلاة لم يكن يهمز. والقراءة بغير همز توافق قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسائر القرشيين. قال خطيب أهل السنة ابن قتيبة (276هـ) في كتابه النفيس "تأويل مشكل القرآن" (ص58-61) بعد أن تعرض للحن اللاحنين من القراء المتأخرين، وأن لحنهم في القراءة ليس بمستغرب لأنه قل أن يسلم أحد من اللحن والخطأ، غير أن لحنهم وخطأهم لا يكون حجة على كتاب الله:

    «ثم خلف قومٌ من بعد من أهل الأمصار وأبناء العجم، ليس لهم طبع اللغة، ولا علم التكلف. فهفوا في كثيرٍ من الحروف وزلّوا، وقرءوا بالشاذ وأخلّوا. منهم رجلٌ (يعني حمزة الزيات المقرئ) ستر الله عليه عند العوام بالصلاح، وقرّبه من القلوب الدينُ. لم أر فيمن تتبعت وجوه قراءته: أكثر تخليطاً، ولا أشد اضطراباً منه. لأنه يستعمل في الحرف ما يدعه في نظيره، ثم يؤصل أصلاً ويخالف إلى غيره لغير ما عِلَّةٍ. ويختار في كثير من الحروف، ما لا مخرج له، إلا على طلب الحيلة الضعيفة. هذا إلى نبذه في قراءته مذاهب العرب وأهل الحجاز، بإفراطه في المد والهمز والإشباع، وإفحاشه في الإضجاع والإدغام، وحمله المتعلمين على المركب الصعب، وتعسيره على الأمة ما يسره الله، وتضييقه ما فسحه.

    ومن العجب أنه يُقرئ الناس بهذه المذاهب، ويَكْرَهُ الصلاة بها! ففي أي موضع تستعمل هذه القراءة إن كانت الصلاة لا تجوز بها؟! وكان ابن عيينة يرى لمن قرأ في صلاته بحرفه، أو ائتم بقراءته، أن يعيد. ووافقه على ذلك كثير من خيار المسلمين، منهم بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل.

    وقد شغف بقراءته عوام الناس وسوقهم. وليس ذلك إلا لما يرونه من مشقتها وصعوبتها، وطول اختلاف المتعلم إلى المقرئ فيها. فإذا رأوه قد اختلف في أم الكتاب عشراً، وفي مئة آية شهراً، وفي السبع الطوال حولاً، ورأوه عند قراءته مائل الشدقين، دارَّ الوريدين، راشح الجبينين، توهموا أن ذلك لفضيلة في القراءة وحذق بها.

    وليس هكذا كانت قراءة رسول الله r، ولا خيار السلف ولا التابعين، ولا القراء العالمين. بل كانت قراءتهم سهلة رَسْلةً. وهكذا نختار لقراء القرآن في أورادهم ومحاريبهم. فأما الغلام الريض والمستأنف للتعلم، فنختار له أن يؤخذ بالتحقيق عليه، من غير إفحاش في مد أو همز أو إدغام، لأن في ذلك تذليلاً للسان، وإطلاقاً من الحبسة، وحلاً للعقدة». ثم أخذ في سرد أمثلة كثيرة لما وقع فيه بعض القراء من الغلط والوهم. والإمام ابن قتيبة حجة في لغة العرب.

    روى القراءة عن حمزة: سليم بن عيسى وهو أضبط أصحابه وهو من نقل قراءته إلينا، وعلي بن حمزة الكسائي أجل أصحابه، وخلق كثير. وإليه صارت الإمامة في القراءة بعد عاصم والأعمش. قال ابن مجاهد في كتاب السبعة (ص71): «وإلى قراءة عاصم صار بعض أهل الكوفة، وليست بالغالبة عليهم. لأن أضبط من أخذ عن عاصم: أبو بكر بن عياش –فيما يقال– لأنه تعلمها منه تعلماً خمساً خمساً. وكان أهل الكوفة لا يأتمّون في قراءة عاصم بأَحَدٍ ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش. وكان أبو بكر لا يكاد يُمَكِّن من نفسه من أرادها منه، فقلَّتْ بالكوفة من أجل ذلك، وعَزَّ من يحسنها، وصار الغالب على أهل الكوفة إلى اليوم قراءة حمزة بن حبيب الزيات». فهذا سبب شيوع قراءة حمزة رغم شذوذها. وعلى أية حال فأهل الكوفة يحبون الشذوذ بخلاف باقي الأمصار. تجد ذلك عندهم في القراءات والاعتقاد والفقه والحديث بل حتى في اللغة العربية.

    وروي عنه أنه كان يقول –لمن يفرط في المد والهمزة–: «لا تفعل. أما علمت أن ما كان فوق البياض فهو برص، وما كان فوق الجعودة فهو قطط، وما كان فوق القراءة فليس بقراءة». ولو صح هذا القول، لكان معناه أن القراءة المنقولة عنه اليوم ليست له. وهذا بعيد كما ترى لأن حمزة من أكثر من يفرط في المد والهمز. والأثر يرويه عبد الرحمن بن شكيل (بلفظ مطوَّل)، ولم أجد فيه توثيقاً. ولم يجد ابن الجزري في الدفاع عنه إلا أن ظن أن كل هؤلاء الذين انتقدوه -على كثرتهم وعلمهم- لم يسمعوا قراءته! وهذا محال لأن أكثرهم من بلده، وكان هو إمام مسجد الكوفة، وكذلك تلميذه سليم من بعده. واحتج البعض بما رواه ابن مجاهد في "السبعة في القراءات": حدثني علي بن الحسن قال قال محمد بن الهيثم (قاضي عكبرا، ثقة قرأ على خلاد): «واحتج من عاب قراءة حمزة بعبد الله بن إدريس أنه طعن فيها. وإنما كان سبب هذا أن رجلا ممن قرأ على سليم، حضر مجلس ابن إدريس، فقرأ، فسمع ابن إدريس ألفاظا فيها إفراط في المد والهمز وغير ذلك من التكلف المكروه، فكره ذلك ابن إدريس وطعن فيه. قال محمد: وهذا الطريق عندنا مكروه مذموم، وقد كان حمزة يكره هذا وينهى عنه، وكذلك من أتقن القراءة من أصحابه». قلت: عبد الله بن إدريس الأودي: إمام كوفي أدرك حمزة، وقرأ على الأعمش وعلى نافع. وتوفي سنة 192. بينما ابن الهيثم توفي سنة 279، فلم يدرك الحادثة. وهذا الطريق المذموم هو الذي وصل إلينا اليوم. والله أعلم.

    تحرير سبب كراهية السلف لقراءة حمزة:

    تبيّن مما سبق اتفاق السلف على كراهية قراءة حمزة. وفي تراجم ورش أن بعض السلف كرهوها. وينبغي لطالب العلم أن يفهم معنى كراهتهم لها، فإنهم ما كرهوا القرآن ولا كرهوا ما قُرِئَ بالتواتر، ولكن كان القراء في سعة من أمرهم يختارون مما أقرئوه، فكان يجتمع لكل واحد من القراءة ما انتقاه لنفسه مما أقرأه إياه مشايخه مما هو غير خارج عن الأحرف السبعة. وقد اجتمع لورش من اختياراته كثير من المدود والإمالات والترقيقات في قراءته، فصارت من الصعوبة بمكان، فهذا كرههم لها. وقد ذكروا سبب كراهتهم لقراءة حمزة، وكله حقٌّ لا ريب فيه. يقول أبو بكر بن عياش (هو شعبة، إمام مقرئي الكوفة بعد عاصم) يقول: «قراءة حمزة بدعة». وقال حبيش: سُئِل أبو عبد الله (أحمد بن حنبل) عن قراءة حمزة، فقال: «نعم. أكرهها أشد الكراهية». قيل له: ما تكره منها؟ قال: «هي قراءة مُحدَثَةٌ، ما قرأ بها أحد. إنما هي إيه». فهذه القراءة بدعة لأنه لم يقرأ بها أحد قبل حمزة. لكن ما المقصود بالبدعة؟ قال الذهبي -وصدق الذهبي-: «مرادهم بذلك ما كان من قبيل الأداء: كالسكت والاجتماع في نحو شاء وجاء، وتغيير الهمز. لا ما في قراءته من الحروف».

    فحمزة لم يقرأ شيئا من الأحرف إلا بأثر، كما يقول (إن صح إسناد ذلك). لكن الإشكال في الأداء فقط. الفرش صحيح، لكن مسألة الأداء شيء آخر لا علاقة له بالتواتر. وسأعطي مثالاً عن هذا: قرئ الصحابة بعدة قراءات وكانت بشكل عام موافقة للهجات قبائلهم، وقد تختلف الحروف في نفس القبيلة (راجع قصة عمر مع هشام بن حكيم، وكلاهما من قريش). فمثلا قراءة قريش وقراءة الأنصار لم تكن فيها همزات ساكنة. فالقرشي لا يقرئ "بئر" بل يقرئ "بير"، ويقرئ "مومن" وليس "مؤمن". والهذلي يقرئ بالهمز. وأكثر قراءة أهل الكوفة هي مزيج بين قراءة عبد الله بن مسعود الهذلي وبين قراءة علي بن أبي طالب القرشي. وكان الأئمة في ذلك الزمان يختارون من قراءة مشايخهم ما شاءوا. فمثلاً، عاصم (وأكثر مقرئي الكوفة) أخذ قراءة علي وقراءة ابن مسعود ومزج بينهما. وكل من روى عنه رواها كذلك، لكن يتغير الاختيار في كل مرة. فعاصم مرة يقرأ القرآن بشكل أقرب لقراءة علي، ومرة يقرأه بشكل أقرب لقراءة ابن مسعود. وقد يختار مثلا أن يقرأ بحروف ابن مسعود لكن بدون همز (مثل قراءة علي) وغيرها. فعدد الاختيارات لا نهاية له. فالأعشى يقرئ على أبي بكر (شعبة) قراءة عاصم بغير همز، أي موافقة بالأداء لقراءة علي. وغيره يقرئها على أبي بكر (وعلى حفص كذلك) بالهمز، أي موافقة لقراءة ابن مسعود. أما حمزة فيقرئ في صلاته بغير همز (وليس في هذا إشكال)، لكن في خارجها يقرئ دوماً بالهمز إلا عندما يقِف فيَقرئ بدونه!

    طبعاً القراءة بغير همز متواترة والقراءة بهمز متواترة كذلك، لكن طريقة حمزة في المزج بينهما مستهجنة غير جميلة، ولم يكن أحد من العرب يقرئ كذلك. لذلك يقول ابن قتيبة: "هذا إلى نبذه في قراءته مذاهب العرب وأهل الحجاز، بإفراطه في المد والهمز والإشباع، وإفحاشه في الإضجاع والإدغام، وحمله المتعلمين على المركب الصعب، وتعسيره على الأمة ما يسره الله، وتضييقه ما فسحه... وليس هكذا كانت قراءة رسول الله r، ولا خيار السلف ولا التابعين، ولا القراء العالمين. بل كانت قراءتهم سهلة رَسْلةً". وهذا مثال فقط، لتبيين وجه الانتقاد على حمزة. ولذلك الذهبي الذي دافع عن قراءة حمزة واعتبرها متواترة، هو نفسه انتقدها ونص على أنها أبعد القراءات عن الخشوع. وقال الذهبي في "زغل العلم": «فأبعد شيء عن الخشوع وأقدم شيء على التلاوة بما يخرج عن القصد. وشعارهم في: تكثير وجوه حمزة، وتغليظ تلك اللامات، وترقيق الراآت. اقرأ يا رجل، واعفنا من التغليظ والترقيق وفرط الإمالة والمدود ووقوف حمزة. فإلى كم هذا؟!».

    والذين يحبون قراءة حمزة إنما يحبونها لحبهم لتلك الغرائب. أي تعجبهم القراءة البعيدة عن باقي القراءات، كما ذكر لي غير واحد منهم. وعلى ذلك تدل عبارة ابن قتيبة: "وقد شغف بقراءته عوام الناس وسوقهم. وليس ذلك إلا لما يرونه من مشقتها وصعوبتها، وطول اختلاف المتعلم إلى المقرئ فيها. فإذا رأوه قد اختلف في أم الكتاب عشراً، وفي مئة آية شهراً، وفي السبع الطوال حولاً، ورأوه عند قراءته مائل الشدقين، دارَّ الوريدين، راشح الجبينين، توهموا أن ذلك لفضيلة في القراءة وحذق بها".


    خلف

    خلف بن هشام بن ثعلب (150–229هـ): ثقة في رواية الحديث، وهو عربي النسب. قال أبو عمرو الداني: «قرأ القرآن عن سليم (عن حمزة). و أخذ حرف نافع عن إسحاق المسيبي، و حرف عاصم عن يحيى بن آدم. و هو إمامٌ في القراءات، و له اختيارٌ حُمِلَ عنه. متقدمٌ في رواية الحديث، صاحب سنة ثقة مأمون».

    حفظ القرآن وهو ابن عشر سنين، وابتدأ في الطلب وهو ابن ثلاث عشرة. أخذ القرآن عرضاً عن سليم بن عيسى وعبد الرحمن بن أبي حماد عن حمزة. وكتب قراءة عاصم عن يحيى بن آدم. وقرأ على أبي يوسف يعقوب بن خليفة الأعشى (وهو أجل من روى عن أبي بكر شعبة) لعاصم. وقرأ على يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم، أيضاً. وأخذ حرف نافع عن إسحاق المسيبي وإسماعيل بن جعفر. وسمع من الكسائي الحروف، ولم يقرأ عليه القرآن.

    وإضافة لروايته لقراءة حمزة، فقد كانت له قراءة خاصة من اختياره تعتبر القراءة العاشرة. وقراءة خلف أكثرها مأخوذ عن حمزة. وما قيل عن عدم تواتر قراءة حمزة، هو دليل على عدم تواتر قراءة خلف كذلك. قال ابن أشتة: «كان خلف يأخذ بمذهب حمزة، إلا أنه خالفه في مئة وعشرين حرفاً في اختياره». وقد تتبع ابن الجزري اختياره، فلم يره يخرج عن قراءة الكوفيين، بل ولا عن قراءة حمزة والكسائي وشعبة، إلا في حرف واحد وهو قوله تعالى {وحرام على قرية} بالأنبياء، فقرأها خلَف كحفص.

    أشهر من روى عنه إسحاق بن إبراهيم المروزي البغدادي (ت287هـ) وإدريس بن عبد الكريم الحداد البغدادي (189-292هـ).



    خلاد

    هو خلاد بن خالد الكوفي (130–220هـ). جيد في رواية الحديث، إمام في القراء. أخذ القراءة عرضا عن سليم، وهو من أضبط أصحابه وأجلهم. وروى القراءة عن حسين بن علي الجعفي عن أبي بكر نفسه عن عاصم، وعن أبي جعفر محمد بن الحسن الرواسي. وروى القراءة عنه عرضاً: القاسم بن يزيد الوزان وهو أنبل أصحابه، ومحمد بن شاذان الجوهري وهو من أضبطهم، ومحمد بن الهيثم قاضي عكبرا وهو من أجل أصحابه، وروى عنه خلق آخرون.



    الكسائي

    علي بن حمزة بن عبد الله الكسائي (119-189هـ). كان الكسائي من كبار النحويين، حتى قال الشافعي: «من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيالٌ على الكسائي». وهو مؤسس مدرسة النحو الكوفية، مع أنه مولى. ورحل إلى البصرة فأخذ اللغة عن الخليل. وقد أنكر أبو عمرو بن العلاء قراءة {لا يعذب} بالفتح في سورة الفجر. وهي متواترة عن الكسائي ويعقوب. وعلّل ذلك بأنه يتهم الواحد الشاذ إذا كان على خلاف ما جاءت به العامة. انظر جمال القراء (1|234). وهذا يشبه أن يكون خلافاً بين نحويي البصرة والكوفة، وبعض الحروف قد يختلف بين قراءة دون أخرى لاختلاف لهجات العرب، ولذلك نزل القرآن على سبعة أحرف.

    ألف الإمام الكسائي في شتى العلوم فألف كتاب معاني القرآن وكتاب القراءات وكتاب العدد وكتاب النوادر الكبير وكتاب النوادر الأوسط وكتاب النوادر الأصغر وكتابا في النحو وكتاب العدد واختلافهم فيه وكتاب الهجاء وكتاب مقطوع القرآن وموصوله وكتاب المصادر الحروف وكتاب الهاءات وكتاب أشعاره.

    أخذ القراءة عرضا عن حمزة أربع مرات، وعليه اعتماده. وعن عيسى بن عمر الهمداني الذي قرأ على عاصم والأعمش. وقيل أنه قرأ أيضاً على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب. وروى الحروف عن أبي بكر بن عياش عن عاصم. ولا يصح قراءته على نافع –كما ذكره الهزلي– بل ولا رآه.

    وقال أبو عبيد في كتاب "القراءات": «كان الكسائي يتخير القراءات. فأخذ من قراءة حمزة ببعض، وترك بعضاً. وكان من أهل القراءة، وهي كانت علمه وصناعته. ولم يجالس أحداً كان أضبط ولا أقوم بها منه». وقراءة الكسائي أكثرها مأخوذ عن حمزة. وما قيل عن عدم تواتر قراءة حمزة، هو دليل على عدم تواتر قراءة الكسائي كذلك. قال ابن قدامة في المغني (1|568) عن أحمد بن حنبل: «لم يكره قراءة أحد من العشرة، إلا قراءة حمزة و الكسائي، لما فيها من الكسر والإدغام والتكلف وزيادة المد».



    أبو الحارث

    هو الليث بن خالد أبو الحارث البغدادي (ت240هـ). حاذق ضابط للقراءة محقق لها. قال أبو عمرو الداني: «كان من جلة أصحاب الكسائي».



    وقد تقدم الكلام على أبي عمر الدوري في باب ترجمة أبي عمرو ابن العلاء البصري، لأنه روى عنه وعن الكسائي. فاكتفينا بذكره هناك عن ذكره هنا.



    أبو جعفر القعقاع

    يزيد بن القعقاع أبو جعفر (ت130): إمام فقيه مقرئ، ثقة في رواية الحديث، وهو عربي النسب على الراجح. روى عن بعض الصحابة مثل ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وجابر بن عبد الله. قال محمد بن سعد: «كان ثقة قليل الحديث. و كان إمام أهل المدينة في القراءة، فسمي القارئ بذلك». وقال مالك بن أنس: «كان أبو جعفر القارئ رجلا صالحا يفتي الناس بالمدينة». قال الأندرابي: «كان أبو جعفر أول من اختير (من) التابعين، وتصدر للإقراء قبل الحرة، وكان يوم الحرة سنة ثلاث وستين، فكان إمام دار الهجرة بلا منازع والصحابة في الأحياء».

    قال الذهبي: «قرأ القرآن على مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي وفاقاً. وقال غير واحد: قرأ أيضاً على أبي هريرة وابن عباس –رضي الله عنهم– عن قراءتهم على أبي بن كعب... قيل إنه: قرأ على زيد بن ثابت (-11هـ-55هـ)، ولم يصح». وأكثر هؤلاء تأثيراً عليه هو مولاه شيخ القراء ابن عياش، وكان من أهم أصحاب أبي وزيد. ومشايخ نافع الخمسة كذلك قرؤوا على ابن عياش. وذكر أبو جعفر: أنه كان يمسك المصحف على مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة. قال: وكنت أرى كل ما يقرأ، وأخذت عنه قراءته.

    والصحيح أن قراءته متواترة، فقد كان مقرئ المدينة أيام الصحابة قبل شيبة بن نصاح وقبل نافع، وكانوا يقدمونه على ابن هرمز. لكن قد تفرد أحمد بن زيد الحلواني (وهو من كبار الحذاق المقرئين، ت250هـ) برواية قراءته إلينا، مما جعل البعض يطعن بتواتر قراءته. واعتبروا أن قراءته –وإن تواترت في عصره– فإنها لم تصل إلينا متواترة.

    وقد روى القراءة عنه: نافع بن أبي نعيم، وعيسى بن وردان، وسليمان بن محمد بن مسلم بن جماز، وعبد الرحمن زيد بن أسلم، وأبو عمرو بن العلاء، وغيرهم. وقال الذهبي: «فأما قراءة أبي جعفر، فدارت على أحمد بن يزيد الحلواني، عن قالون، عن عيسى بن وردان، عن أبي جعفر. قرأ بها الفضل بن شاذان الداري وجعفر بن الهيثم عن الحلواني. وأقرأ بها (أي الحلواني): الزبير بن محمد العمري، عن قراءته على قالون بإسناده. وأقرأها (الحلواني): سليمان بن داود الهاشمي، عن سليمان بن مسلم بن جماز، عن أبي جعفر. وأقرأها الدوري، عن إسماعيل بن جعفر، عن أبي جعفر، أو عن رجل عنه. وأقرأه أبو جعفر طرقاً عدة مذكورة في "الكامل"».

    قال ابن الجزري: «وقد أسند الأستاذ أبو عبد الله القصاع قراءة أبي جعفر من رواية نافع عنه في كتابه "المغني". وروينا قراءته عنه في كتاب "الكامل" لأبي القاسم الهذلي. وكذلك أقرأ بها أبو عبد الرحمن قتيبة بن مهران. وقرأ بها على إسماعيل بن جعفر، وصحت عندنا من طريقه. والعجب ممن يطعن في هذه القراءة أو يجعلها في الشواذ، وهي لم يكن بينها وبين غيرها من السبع فرق، كما بيناه في كتابنا "المنجد"». وروى الأصمعي عن نافع قال: «تركت من قراءة أبي جعفر سبعين حرفاً». وقال قالون: «كان نافع أكثر اتباعاً لشيبة (بن نصاح)، منه لأبي جعفر».

    وأشهر رواته اثنان: عيسى بن وردان وسليمان بن جماز.



    عيسى بن وردان الحذاء

    أبو الحارث المدني القارئ (ت160هـ). قرأ على أبي جعفر القارئ وشيبة بن نصاح، ثم عرض على نافع بن أبي نعيم. وروى عنه القراءة عرضاً إسماعيل بن جعفر المدني وقالون والواقدي وغيرهم.



    ابن جمّاز

    أبو الربيع سليمان بن مسلم بن جماز المدني (ت170هـ).



    يعقوب بن إسحاق الحضرمي

    قارئ أهل البصرة في عصره يعقوب بن إسحاق مولى الحضرميين (117-205هـ): ثقة في القراءة، لين في الحديث. قال أبو حاتم السجستاني: «هو أعلم من رأيت بالحروف والاختلاف في القرآن وعلله ومذاهبه، ومذاهب النحو». قال طاهر بن غلبون: «وإمام أهل البصرة بالجامع لا يقرأ إلا بقراءة يعقوب رحمه الله تعالى»، يعني في الصلوات. وقال علي بن جعفر السعيدي: «كان يعقوب أقرأ أهل زمانه، وكان لا يلحن في كلامه». وقال أبو القاسم الهذلي: «لم ير في زمن يعقوب مثله. كان عالما بالعربية ووجوهها والقرآن واختلافه، فاضلا تقيا نقيا ورعا زاهدا».

    قرأ يعقوب على أبي الأشهب العطاردي الذي قرأ على أبي رجاء العطاردي (عمران بن تيم البصري) الذي قرأ على أبي موسى الأشعري t، وقرأ أبو موسى الأشعري t على رسول الله r. قال ابن الجزري: «هذا إسناد في غاية العلو والصحة، وله أسانيد أخر». وأبو رجاء هذا (ت105هـ): أخذ القراءة عرضاً عن ابن عباس t، وتلقن القرآن من أبي موسى t. حتى أنه قال: «كان أبو موسى يعلمنا القرآن خمس آيات خمس آيات».

    كما أن يعقوب قد قرأ القرآن على أبي المنذر سلام بن سليم ومهدي بن ميمون وشهاب بن شرنفة.

    قرأ عليه روح بن عبد المؤمن (أبو الحسن البصري، ت234هـ)، ومحمد بن المتوكل رويس (أبو عبد الله اللؤلؤي، ت238هـ)، وأبو حاتم السجستاني، وأبو عمر الدوري، وخلق سواهم.



    jvh[l hwphf hgrvhxhj hguavm , lk v,n ukil


  2. #2
    عضو مشارك
    تاريخ التسجيل
    20-09-2018
    العمر
    44
    المشاركات
    33

    افتراضي

    معلومات مفيدة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. تواتر القراءات العشر . بحث
    بواسطة خادم القران في المنتدى مجلس علم القراءات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-07-2017, 01:07 PM
  2. تراجم**أعلام**معالم**((آل أبي بكر الصديق رضوان الله عنهم))
    بواسطة حازم زكي البكري في المنتدى مجلس القبائل البكرية و التيمية العام
    مشاركات: 33
    آخر مشاركة: 21-12-2016, 10:32 AM
  3. علماء القراءات
    بواسطة حسن جبريل العباسي في المنتدى موسوعة التراجم الكبرى
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 14-03-2013, 01:56 PM
  4. مصاحف القراءات
    بواسطة قاسم سليمان في المنتدى مجلس علم القراءات
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 26-03-2012, 05:54 PM
  5. أكبر موسوعة كتب في التجويد و القراءات
    بواسطة الارشيف في المنتدى مجلس أحكام التجويد و الترتيل
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 23-10-2010, 10:20 AM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum