النتائج 1 إلى 17 من 17

الموضوع: نحبّه ... والله يشهد !

نحبه ... اللهم فاشهد ! ما سياتي من المباحث المختصة بالرسول صلى الله عليه وسلم لم تجتمع في غيره .. ولا يستغني عن علمها باحث مسلم , وفيها الخير

  1. #1
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي نحبّه ... والله يشهد !


    نحبه ... اللهم فاشهد !

    ما سياتي من المباحث المختصة بالرسول صلى الله عليه وسلم لم تجتمع في غيره .. ولا يستغني عن علمها باحث مسلم , وفيها الخير كله , فيجدر بكل مسلم باحث أن يستوعبها استيعاباً تاماً ويعرف جميع ما فيها عن النبي الكريم وهو كما قال القاضي عياض :
    ( أزكى الخلق محتداً ومنمى , وأرجحهم عقلاً وحلماً , وأوفرهم علماً وفهماً , وأقواهم يقيناً وعزماً , وأشدهم رأفة ورحماً , وقد زكاه الله تعالى روحاً وجسماً , ونزّهه عيباً ووصماً , وآتاه حكمة وحكماً , وفتح به أعيناً عُمياً وقلوباً غُلفاً وآذاناً صُماً , فآمن به ونصره من جعل الله له في مغنم السعادة حظاً وقسماً , ففاز في أخراه بالنعيم المقيم خالداً فيها , والحمد لله رب العالمين ) .
    ومن لم يغتنم هذه المباحث في دنياه فاته الخير الكثير , فعليك أيها لأخ المسلم الكريم بالعناية به مطالعة والدعوة إليه إرشاداً , والحث البالغ على مطالعته وتدريسه ونشره بين الأمة إهتماماً , وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا .
    بهذا التمهيد المتواضع ندعوا كل قارىء كريم أن يتابع ما سندونه هنا على شكل مقالات متتالية والتي ستكون على ابواب متتابعة بحول الله تعالى وتوفيقه , وسنبدأ بالباب الأول منها والذي سيحمل عنوان :

    ( تكميل الله له المحاسن خَلْقاً وخُلقاً ) وفيه 27 فصلاً ...

    وبسم الله نبدأ
    في تكميل الله تعالى له المحاسن خَلقاً وخُلقاً وقِرانه جميع الفضائل الدينية والدنيوية فيه نسقاً
    اعلم أيها المحب لهذا النبي الكريم الباحث عن تفاصيل جُمَل قدره العظيم أن خصال الجمال والكمال في البشر نوعان .. ضروري دنيوي اقتضته الجبلًة وضرورة الحياة الدنيا .. ومكتسب ديني وهو ما يُحمد فاعله ويُقَرّب إلى الله تعالى زلفى , ثم هي على فَنّين أيضاً منها ما يَتَخَلّص لأحد الوصفين ومنها ما يتمازج ويتداخل .

    فأما الضروري المحض فما ليس للمرء فيه اختيار ولا اكتساب مثل ما كان في جبلّته من كمال خِلقته وجمال صورته وقوّة عقله وصحّة فهمه وفصاحة لسانه وقوّة حواسّه وأعضائه واعتدال حركاته وشرف نسبه وعِزّة قومه وكرم أرضه , ويلحق به ما تدعوه ضرورة حياته إليه من غذائه ونومه وملبسه ومنكحه وماله وجاهه , وقد تلحق هذه الخصال الآخرة بالأُخرويّة إذا قُصِد بها التقوى ومعونة البدن على سلوك طريقها وكانت على حدود الضرورة وقواعد الشريعة .
    وأما المكتسبة الأُخروية فسائر الأخلاق العَليّة والآداب الشرعية من الدين والعلم والحلم والصبر والشكر والعدل والزّهد والتواضع والعفو والعفّة والجود والشجاعة والحياء والمروّة والصمت والتّؤدّة والوقار والرحمة وحُسن الأدب والمعاشرة وأخواتها وهي التي جماعها حُسن الخُلق , وقد يكون من هذه الأخلاق ما هو في الغريزة وأصل الجبلّة لبعض الناس وبعضهم لا تكون فيه فيكتسبها ولكنه لا بد أن يكون فيه من أصولها في أصل الجبلّة شُعبة كما سنبينه إن شاء الله تعالى .

    وتكون هذه الأخلاق دنيوية إذا لم يُرَد بها وجه الله والدار الآخرة , ولكنها كلها محاسن وفضائل باتفاق أصحاب العقول السليمة , وإن اختلفوا في موجب حسنها وتفضيلها .

    يتبع فصل جديد بحول الله !


    kpf~i >>> ,hggi dai] !


  2. #2
    مشرف عام مجالس قبائل المملكة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    17-08-2016
    المشاركات
    682

    افتراضي

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد

  3. #3
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي


    فصل - نحبه والله يشهد !


    قال القاضي عياض رحمه الله : إذا كانت خصال الكمال والجلال ما ذكرناه ورأينا الواحد منّا يَشْرُف بواحدة منها أو اثنتين إن اتفقت له في كل عصر , إما من نسب أو جمال أو قوّة أو علمٍ أو حلمٍ أو شجاعة أو سماحة حتى يعظُم قدره ويُضرب باسمه الأمثال ويتقرّر له بالوصف بذلك في القلوب أثَرَةٌ وعظمة , وهو منذ عصور خوالٍ رِمَمٌ بَوالٍ فما ظنّك بعظيم قدر من اجتمعت فيه كل هذه الخصال إلى ما لا يأخذه عَدٌّ ولا يُعبّر عنه مقال !.
    ثم لا يُنال بكسبٍ ولا حيلة إلا بتخصيص الكبير المتعال من فضيلة النبوة والرسالة والخُلّة والمحبة والاصطفاء والإسراء والرؤية والقُرب والدّنوّ والوحي والشفاعة والوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود والبراق والمعراج والبعث إلى الأحمر والأسود والصلاة بالأنبياء والشهادة بين الأنبياء والأمم وسيادة ولد آدم ولواء الحمد والبشارة والنّذارة والمكانة عند ذي العرش والطاعة ثم الأمانة .
    والهداية ورحمة للعالمين وإعطاء الرضا والسّؤل والكوثر وسماع القول وإتمام النعمة والعفو عما تقدّم وما تأخّر وشرح الصدر ووضع الوِزر ورفع الذّكر وعزّة النصر ونزول السكينة والتأييد بالملائكة وإيتاء الكتاب والحكمة والسبع المثاني والقرآن العظيم وتزكية الأمة والدعاء إلى الله وصلاة الله تعالى والملائكة والحكم بين الناس بما أراه الله ووضع الإصر والأغلال عنهم والقسم باسمه وإجابة دعوته وتكليم الجمادات والعُجم وإحياء الموتى وإسماع الصُّم .
    وكذا نبع الماء من بين أصابعه وتكثير القليل وانشقاق القمر وردّ الشمس وقلب الأعيان والنصر بالرعب والاطلاع على الغيب وظل الغمام وتسبيح الحصا وإبراء الآلام والعصمة من الناس إلى ما لا يحويه مُحْتَفِلٌ ولا يحيط بعلمه إلا مانِحُهُ ذلك ومُفَضّلُهُ به لا اله غيره إلى ما أعَدّ له في الدار الآخرة من منازل الكرامة ودرجات القُدْس ومراتب السعادة والحسنى والزيادة التي تقف دونها القُوَلُ ويحار دون إدراكها الوهْم .

    يتبع فصل آخر بحول الله !

  4. #4
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    فصل ... نحبه ... والله يشهد !

    إن قُلت أكرمك الله لا خفاء على القطع بالجُملة أنه صلى الله عليه وسلم أعلى الناس قدراً وأعظمهم مَحْلاً وأكملهم محاسن وفضلاٍ وقد ذهبت في تفاصيل خصال الكمال مذهباً جميلاً شَوَّقَني إلى أن أقف عليها من أوصافه صلى الله عليه وسلم تفصيلاً .
    فاعلم نَوَّر الله قلبي وقلبك وضاعف في هذا النبي الكريم حبي وحبك أنّك إذا نظرت إلى خصال الكمال التي هي غير مكتسبة وفي جبلّة الخلقة وجدته صلى الله عليه وسلم حائزاً لجميعها مُحيطاً بشتات محاسنها دون خلاف بين نَقَلَة الأخبار لذلك , بل قد بلغ بعضها مبلغ القطع .
    اما الصورة وجمالها وتناسُب أعضائه في حسنها فقد جاءت الآثار الصحيحة والمشهورة الكثيرة بذلك من حديث " عليٍّ وأنس بن مالك وأبي هريرة والبراء بن عازب وعائشة أم المؤمنين وابن أبي هالة وأبي جحيفة وجابر بن سمرة وأم معبد وابن عباس ومُعرّض بن مُعيقيب وأبي الطفيل والعدّاء بن خالد وخُرَيم بن فاتك وحكيم بن حزام " وغيرهم رضي الله عنهم من أنه صلى الله عليه وسلم كان :
    أزهر اللون , أدعج , أنجل , أشكل , أهدب الأشفار , أبلج , أزَج , أفلج , مُدوّر الوجه , واسع الجبين , كثّ اللحية تملأ صدره , سواء البطن والصدر , واسع الصدر , عظيم المنكبين , ضخم العظام , عبْل العَضُدَين والذراعين والأسافل , رحب الكفّين والقدمين , سائل الأطراف , أنور المتجرَّد , ربعة القد , ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد .
    ومع ذلك فلم يكن يماشيه أحد يُنسب إلى الطول إلا طاله عليه الصلاة والسلام , رَجِل الشّعر إذا افترَّ ضاحكاً افترّ عن مثل سنا البرق وعن مثل حب الغمام .. إذا تكلم رِئِيَ كالنور يخرج من ثناياه .. أحسن الناس عنقاً ليس بمُطَهّم ولا مُكَلّم متماسك البدن ضرب اللحم , قال البراء : ما رأيت من ذي لمّةٍ في حلّة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وقال ابو هريرة رضي الله عنه : ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه , وإذا ضحك يتلألأ في الجُدُر .. وقال جابر بن سمرة : وقال له رجل كان وجهه صلى الله عليه وسلم مثل السيف فقال : لا .. بل مثل الشمس والقمر وكان مستديراً .. وقالت أم معبد في بعض ما وصفته به : أجمل الناس من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب .. وفي حديث أبي هالة : يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر .. وقال علي رضي الله عنه في آخر وصفه له : من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبّه يقول ناعته لم أرَ قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم .
    والأحاديث في بسط صفته مشهورة كثيرة , فلا نُطَوّل بسردها وقد اختصرنا في وصفه نكت ما جاء فيها وجملة مما فيه الكفاية في القصد إلى المطلوب وختمنا هذه الفصول بحديث جامع لذلك تقف عليه هناك ان شاء الله تعالى .

    يتبع فصل آخر بحول الله تعالى

  5. #5
    ضيف شرف النسابون العرب الصورة الرمزية الشريف محمد الجموني
    تاريخ التسجيل
    19-06-2010
    الدولة
    بلاد العرب اوطاني
    المشاركات
    6,876

    افتراضي

    نتابع ... ببكل حرص.
    الا يفوتنا لفظ او وقفة على خبر.

  6. #6
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي


    فصل جديد في ... نحبه ... والله يشهد


    وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه ونزاهته عن الأقذار وعورات الجسد , فكان قد خصّه الله تعالى في ذلك بخصائص لم توجد في غيره .. ثم تمّمها بنظافة الشرع وخصال الفطرة العشر وقال : بُنِيَ الدين على النظافة .
    حدثنا سفيان بن العاصي وغير واحد قالوا : حدثنا أحمد بن عمر قال : حدثنا أبو العباس الرازي قال : حدثنا أبو أحمد الجُلودي قال : حدثنا ابن سفيان قال : حدثنا مسلم قال : حدثنا قتيبة قال : حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال : ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً ولا شيئاً أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وعن جابر بن سمرة أنه صلى الله عليه وسلم مسح خدّه قال : فوجدت ليده برداً وريحاً كأنما أخرجها من جونة عطّار , قال غيره : مسّها بطيب أو لم يمسّها يُصافح المُصافح فيظل يومه يجد ريحها .. ويضع يده على رأس الصبي فيُعرف من بين الصبيان بريحها , ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار أنس فعَرِق .. فجاءت أمّه بقارورة تجمع فيها عرقه , فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك , فقالت : نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب .
    وذكر البخاري في تاريخه الكبير عن جابر : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه , وذكر اسحق بن راهويه أن تلك كانت رائحته بلا طيب صلى الله عليه وسلم , وروى المزني والحربي عن جابر : أردفني النبي صلى الله عليه وسلم خلفه فالتقمت خاتم النبوة بفمي فكان ينِمّ عليّ مسكاً .
    وقد حكى بعض المعتنين بأخباره وشمائله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد أن يتغوّط انشقت الأرض فابتلعت غائطه وبوله وفاحت لذلك رائحة طيبة صلى الله عليه وسلم , وأسند محمد بن سعد كاتب الواقدي في هذا خبراً عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم " إنك تاتي الخلاء فلا نرى منك شيئاً من الأذى ! فقال : يا عائشة أوَ ما علمتِ أن الأرض تبتلع ما يخرج من الأنبياء فلا يُرى منه شيء ؟ وهذا الخبر وإن لم يكن مشهوراً فقد قال قوم من أهل العلم بطهارة هذين الحدثين منه صلى الله عليه وسلم .
    وهو قول بعض أصحاب الشافعي , وحكاه الإمام أبو نصر بن الصباغ في شامله وقد حكى القولين عن العلماء في ذلك أبو بكر بن سابق المالكي في كتابه البديع في فروع المالكية وتخريج ما لم يقع لهم منها على مذهبهم من تفاريع الشافعية , وشاهد هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن منه شيء يُكرَه ولا غير طيّب .
    ومنه حديث عليّ رضي الله عنه : غسّلت النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أجد شيئاً فقلت طبت حيّاً وميّتاً , وسطعت منه ريح طيبة لم نجد مثلها قط , ومثله قال ابو بكر رضي الله عنه حين قبّل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته , ومنه شُرب مالك بن سنان دمه يوم أحد ومصّه إياه وتسويغه صلى الله عليه وسلم ذلك له وقوله له ( لن تصيبه النار ) .. ومثله شُرب عبد الله بن الزبير دم حجامته فقال له عليه الصلاة والسلام : ( ويل لك من الناس وويلٌ لهم منك ) ولم ينكر عليه .
    وقد روي نحو من هذا عنه في امرأة شربت بوله فقال لها : ( لن تشتكي وجع بطنك أبداً ) ولم يأمر واحداً منهم بغسل فمه ولا نهاه عن عَودَه , وحديث هذه المرأة التي شربت بوله صحيح ألزم الدار قطني ومسلماً والبخاري إخراجه في الصحيح , واسم هذه المرأة بركة واختلف في نسبها .. وقيل : هي أم أيمن وكانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم .
    قالت وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يوضع تحت سريره يبول فيه من الليل , فبال فيه ليلة ثم افتقده فلم يجد فيه شيئاً ! فسأل بركة عنه فقالت : قُمت وأنا عطشانة فشربته وأنا لا أعلم .. روى حديثها ابن جريج وغيره , وروي عن أمّه آمنة أنها قالت : ولدته نظيفاً ما به قذر , وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد وُلد مختوناً مقطوع السرّة .
    وعن عائشة رضي الله عنها : ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط , وعن عليّ رضي الله عنه : أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم لا يُغسّله غيري فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طُمِسَت عيناه .. وفي حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم نام حتى سُمِع له غطيط فقام فصلى ولم يتوضأ , قال عكرمة : لأنه صلى الله عليه وسلم كان محفوظاً .

    يتبع فصل آخر بحول الله !

  7. #7
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي


    فصل في ... نحبه ... والله يشهد !


    وأما في وفور عقله وذكاء لُبّه وقوة حواسّه وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحُسن شمائله .. فلا مرية أنه كان أعقل الناس وأذكاهم , ومن تأمّل تدبيره أمْر بواطن الخَلق وظواهرهم وسياسة العامة والخاصة مع عجيب شمائله وبديع سِيَرِه فضلاً عما أفاضه من العلم وقرّره من الشّرع دون تَعَلّمٍ سبق ولا ممارسة تقدّمت ولا مطالعة للكتب منه لم يَمْتَرِ في رُجحان عقله وثَقوب فهمه لأوّل بديهة وهذا مما لا يحتاج إلى تقريره لتحقيقه .
    وقد قال وهب بن منبه : قرأت في أحدٍ وسبعين كتاباً فوجدت في جميعها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلاً وأفضلهم رأياً , وفي رواية أخرى فوجدت في جميعها أن الله تعالى لم يُعْطِ جميع الناس من بَدْء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله صلى الله عليه وسلم إلا كحبّة رمل من رمال الدنيا , وقال مجاهد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة يرى من خلفه كما يرى من بين يديه وبه فُسِّرَ قوله تعالى : { وتقلبك في الساجدين } .
    وفي الموطّأ عنه عليه الصلاة والسلام : ( إني لأراكم من وراء ظهري ) ونحوه عن أنس في الصحيحين , وعن عائشة رضي الله عنها مثله قالت : زيادة زاده الله إياها في حُجّته , وفي بعض الروايات ( إني لأنظر من ورائي كما أنظر إلى من بين يدي ) وفي أخرى ( إني لأبصر من قفاي كما أبصر من بين يدي ) وحكى بقيُّ بن مخلد عن عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم يري في الظُّلمة كما يرى في الضَّوء والأحاديث كثيرة صحيحة في رؤيته صلى الله عليه وسلم للملائكة والشياطين .
    ورُفِع النجاشي له حتى صلى عليه .. وبيت المقدس حين وصفه لقريش .. والكعبة حين بنا مسجده .. وقد حُكِيَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يرى في الثريّا أحد عشر نجماً .. وهذه كلها محمولة على رؤية العين .. وهو قول احمد بن حنبل وغيره .. وذهب بعضهم إلى ردّها إلى العلم والظواهر تخالفه , ولا إحالة في ذلك وهي من خواص الأنبياء وخصالهم كما أخبرنا أبو محمد عبد الله بن احمد العدل من كتابه .. حدثنا أبو الحسن المُقرىء الفرغاني حدثتنا أم القاسم بنت أبي بكرعن أبيها حدثنا الشريف أبو الحسن علي بن محمد الحسني حدثنا محمد بن محمد بن سعيد حدثنا محمد بن احمد بن سليمان حدثنا محمد بن محمد بن مرزوق حدثنا همّام حدثنا الحسن عن قتادة عن يحيى بن وثّاب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لمّا تجلّى الله عزَّ وجلَّ لموسى عليه السلام كان يُبصِر النملة على الصفا في الليلة الظلماء مسيرة عشرة فراسخ ) .
    ولا يَبعُد على هذا أن يختصّ نبينا صلى الله عليه وسلم بما ذكرناه من هذا الباب بعد الإسراء والحُظوة بما رأى من آيات ربه الكبرى , وقد جاءت الأخبار بأنه صرع رُكانة أشد أهل وقته وكان دعاه إلى الإسلام , وصارع أبا رُكانة في الجاهلية وكان شديداً وعاوده ثلاث مرات كل ذلك يصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وقال أبو هريرة رضي الله عنه : ما رأيت أحداً أسرع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشيه كأنما الأرض تُطوى له انا نجهد أنفسنا وهو غير مكترث , وفي صفته عليه الصلاة والسلام أن ضحكه كان تبسّماً , إذا التفت التفت معاً , وإذا مشى مشى تقلُّعاً كأنما ينحط من صبب .


    يتبع فصل جديد بحول الله !

  8. #8
    رئيس مجلس الإدارة الصورة الرمزية د ايمن زغروت
    تاريخ التسجيل
    01-10-2009
    الدولة
    مصريٌ ذو أصولٍ حجازية ينبعية
    المشاركات
    12,200

    افتراضي

    حشرك الله مع من احببت يا شريف ابو عمر , و صلى الله و سلم و بارك على سيدي و قدوتي و مصطفاي محمد بن عبد اللع الهاشمي القرشي سيد ولد ادم و صفوة خلق الله .

  9. #9
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي


    فصل جديد من .. نحبه ... والله يشهد !


    وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل والموضع الذي لا يُجهل سلاسة طبع وبراعة منزَع وإيجاز مقطع ونصاعة لفظ وجزالة قول وصِحّة معان وقِلّة تكلّف , أوتِيَ جوامع الكلم وخُصَّ ببدائع الحِكَم وعُلّم ألسنة العرب .
    كان يُخاطب كل أمّة منها بلسانها ويحاورها بلُغتها ويباريها في منزع بلاغتها حتى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه وتفسير قوله .. ومَن تأمّل حديثه وسِيَرَه عًلِمَ ذلك وتحقّقَه وليس كلامه مع قريش والأنصار وأهل الحجاز ونجد ككلامِهِ مع ذي المِشعار الهمداني وطِهفَةَ النهدي وقطن بن حارثة العُليمي والأشعث بن قيس ووائل بن حُجر الكِندي وغيرهم من أقيال حضرموت وملوك اليمن .
    وانظر إلى كتابه إلى همدان : ( إن لكم فِراعهَا ووهاطَها وعَزازَها .. تأكلون عِلافها وترعَون عِفاءها .. لنا من دفئهم وصِرامهم ما سلّموا الميثاق والأمانة .. ولهم من الصدقة الثّلْب والنّاب والفصيل والفارض الدّاجن والكبش الحواري وعليهم فيها الصّالغ والقارح ).
    وقوله لِنَهْدٍ : ( اللهم بارك لهم في محضِها ومَخضِها ومَذقِها وابعث راعيها في الدّثر وافجُر له الثَّمَد وبارك لهم في المال والولد .. من أقام الصلاة كان مسلماً ومن آتى الزكاة كان مُحسناً ومن شهد أن لا اله الا الله كان مُخلصاً .. لكم يا بني نهدٍ ودائع الشّركِ ووضائع المِلك , لا تُلطِط في الزكاة ولا تُلحد في الحياة ولا تتثاقل عن الصلاة .. وكتب لهم في الوظيفة الفريضة .. ولكم الفارض والفريش وذو العنان الرّكوب والفَلُوُّ الضّبيس , لا يُمنع سرحكم ولا يُعضد طلحكم ولا يُحبس درّكم ما لم تُضمِروا الرّماق وتأكلوا الرّباق .. من أقَرّ فله الوفاء بالعهد والذمّة , ومن أبى فعليه الرِّبوَة ).
    ومن كتابه لوائل بن حُجر : ( إلى الأقيال العَباهلة والأوزاع المشايب .. وفيه في التّيعة شاةٌ لا مُقَوّرِةُ الألياط ولا ضِناك وأنطوا الثّبِجَةَ وفي السّيوب الخُمْس ومن زِنى مم بِكر فاصقَموهُ مائة واستوفضوه عاماً .. ومن زنى مم ثيّب فضَرّجوهُ بالأصاميم .. ولا توصيم في الدين ولا عَمَهَ في فرائض الله وكُلّ مُسْكرِ حرام .. ووائل بن حُجر يترفّل على الأقيال ).
    أين هذا من كتابه لأنس في الصدقة المشهور ! لما كان كلام هؤلاء على هذا الحد وبلاغتهم على هذا النّمط وأكثر استعمالهم هذه الألفاظ استعملها معهم ليُبيّن للناس ما أُنزِل إليهم , وليُحدّث الناس بما يعلمون ! وكقوله في حديث عطيّة السّعدي : ( فإن اليد العُليا هي المُنطية واليد السُّفلى هي المُنطاة ) قال : فكلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغتنا .. وقوله في حديث العامري حين سأله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( سَلْ عَنْكَ ) أي سَل عما شئت وهي لغة بني عامر .
    وأما كلامه المعتاد وفصاحته المعلومة وجوامع كَلِمِه وحِكَمِه المأثورة فقد ألّف الناس فيها الدواوين وقد جُمِعَت في ألفاظها ومعانيها الكُتب ومنها ما لا يُوازى فصاحته ولا يُبارى بلاغته كقوله : المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمّتهم أدناهم وهم يدٌ على من سِواهم .. وقوله الناس كأسنان المشط .. والمرء مع من أحَب .. ولا خير في صحبة من لا يرى لك ما ترى له .. والناس معادن .. وما هلك امرؤٌ عرف قدره .. والمستشار مؤتمن وهو بالخيار ما لم يتكلّم .. ورحم الله عبداً قال خيراً فغَنِم أو سكَت فسَلِم .
    وأسلِم يؤتِك الله أجرك مرّتين .. وإن أحبّكم إلَيَّ وأقربكم منّي مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموَطّؤون أكنافاً الذين يألفون ويُؤلَفون .. وقوله : لعلّه كان يتكلم بما لا يعنيه ويبخل بما لا يُغنيه .. وقوله : ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً .. ونهيُه عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ومنعٍ وهات وعُقوق الأمّهات ووأد البنات .. وقوله : إتّق الله حيث كنت وأتبع السيّئة الحسنة تمحُها .. وخالق الناس بخلق حسن .. وخير الأمور أوساطها .. وقوله : أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما .. وقوله : الظلم ظلمات يوم القيامة .
    وقوله في بعض دعائه : ( اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها أمري وتلُمّ بها شعثي وتُصلِح بها غائبي وترفع بها شاهدي وتُزكّي بها عملي وتُلهمني بها رُشدي وتَرُدّ بها أُلفتي وتعصمني بها من كل سوء .. اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء ونُزُل الشهداء وعيش السُّعداء والنصر على الأعداء .
    إلى ما روته الكافّة عن الكافّة من مقاماته ومحاضراته وخُطبه وأدعيته ومخاطباته وعهوده مما لا خلاف أنه نزل من ذلك مرتبة لا يُقاس بها غيره وحاز فيها سبقاً لا يُقَدَرُ قدْرَه .. وقد جمعت من كلماته التي لم يُسبق إليها ولا قَدَرَ أحدٌ أن يُفْرِغَ في قالبه عليها كقوله : حمي الوطيس .. ومات حتف أنفه .. ولا يُلدغ المؤمن من حُجر مرتين .. والسعيد من وُعِظ بغيره , مما يُدرك الناظر العجب في مُضّمّنِها ويذهب به الفكر في أدانى حِكَمِها .. وقد قال له أصحابه : ما رأينا الذي هو أفصح منك ! فقال : ( وما يمنعني وإنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين ) .
    وقال مرة أخرى : ( أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش ونشأت في بني سعد ) فجُمع له بذلك صلى الله عليه وسلم قوة عارضة البادية وجزالتها ونصاعة ألفاظ الحاضرة ورونق كلمها إلى التأييد الإلهي الذي مدّدُهُ الوحي الذي لا يحيط بعلمه بشريٌّ .. وقالت أم معبد في وصفها له صلى الله عليه وسلم : حُلوُ المنطق .. فصلٌ لا نَزْرٌ ولا هذْرٌ كأن منطِقَهُ خرزات نُظِمْن .. وكان جهير الصوت حسن النّغَمة صلى الله عليه وسلم .


    يتبع فصل آخر بحول الله !

  10. #10
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي


    فصل جديد من ... نحبه والله يشهد !


    وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشئه فمما لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه ولا بيان مُشكِلٍ منه فإنه نُخبة بني هاشم وسُلالة قريش وصميمها وأشرف العرب وأعزّهم نفراً من قِبَل أبيه وأمّه ومن أهل مكّة من أكرم بلاد الله على الله وعباده .
    حدثنا قاضي القضاة حسين بن محمد الصدفي رحمه الله قال : حدثنا القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف حدثنا أبو ذر عبد بن احمد حدثنا أبو محمد السرخسي وأبو إسحق وأبو الهيثم .. حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن اسماعيل حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بُعِثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى كنت من القرن الذي كنت منه ) .
    وعن العباس رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم من خير قرن ثم تخيّر القبائل فجعلني من خير قبيلة ثم تخيّر البيوت فجعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً ) .. وعن وائلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ) قال الترمذي : وهذا حديث صحيح .
    وفي حديث عن ابن عمر رضي الله عنهما رواه الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله عزّ وجلّ اختار خلقه فاختار منهم بني آدم ثم اختار بني آدم فاختار منهم العرب ثم اختار العرب فاختار منهم قريشاً ثم اختار قريشاً فاختار منهم بني هاشم ثم اختار بني هاشم فاختارني منهم فلم أزل خياراً من خيارٍ ألا من أحب العرب فبحُبي أحبهم ومن أبغض العرب فببُغضي أبغضهم .
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت روحه نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يَخلُق آدم بألفي عام يُسَبّح ذلك النور وتُسَبّح الملائكة بتسبيحه .. فلما خلق الله آدم ألقى ذلك النور في صُلبه فأهبطني الله إلى الأرض في صُلب آدم وجعلني في صُلب نوح وقذف بي في صُلب ابراهيم ثم لم يزل الله تعالى يَنقُلني من الأصلاب الكريمة والأرحام الطاهرة حتى أخرجني من أبوَيّ لم يلتقيا على سِفاح قط .
    ويشهد بصحة هذا الخبر شعر العباس المشهور في مدح النبي صلى الله عليه وسلم .


    يتبع فصل آخر بحول الله !

  11. #11
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي


    فصل جديد من ... نحبه ... والله يشهد !


    وأما ما تدعوه ضرورة الحياة إليه مما فصّلناه فعلى ثلاثة ضروب .. ضربٌ الفضل في قِلّتِه وضربٌ الفضل في كثرته وضربٌ تختلف الأحوال فيه .
    فأما التمدُّح والكمال بقِلّته اتفاقاً وعلى كل حالٍ عادةً وشريعةً كالغذاء والنوم .. ولم تزل العرب والحكماء تتمادح بقِلّتهما وتذُمُّ بكثرتهما لأن كثرة الأكل والشرب دليلٌ على النّهم والحرص والشَّرَه وغَلَبَة الشّهوة مُسببٌ لمضار الدنيا والآخرة , جالبٌ لأدواء الجسد وخثارة النفس وامتلاء الدماغ وقِلّته دليل على القناعة ومِلك النفس وقمع الشهوة مُسببٌ للصحة وصفاء الخاطر وحِدّة الذّهن .. كما أن كثرة النوم دليلٌ على الفسولة والضعف وعدم الذكاء والفطنة مسببٌ للكسل وعادة العجز , وتضييع العمر في غير نفع وقساوة القلب وغفلته وموته .
    والشاهد على هذا ما يُعلَم ضرورة ويوجد مشاهدة ويُنقل متواتراً من كلام الأمم المتقدمة والحكماء السالفين وأشعار العرب وأخبارها وصحيح الحديث وآثار من سَلَف وخَلَف مما لا يحتاج إلى الاستشهاد عليه وإنما تركنا ذكره هنا اختصاراً واقتصاراً على اشتهار العلم به , وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ من هذين الفنّين بالأقل , هذا ما لا يُدفع من سيرته وهو الذي أمر به وحضَّ عليه لا سيما بارتباط أحدهما بالآخر .
    حدثنا أبو عليّ الصدفي الحافظ بقراءتي عليه حدثنا أبو الفضل الأصفهاني قال : حدثنا أبو نُعَيم الحافظ قال : حدثنا سليمان بن احمد حدثنا أبو بكر بن سهل قال : حدثنا عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح حدثه عن المقدام ابن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما ملأ ابن آدم وعاءً شرّاً من بطنه حسب ابن آدم أُكُلات يُقِمن صُلبه فإن كان لا محالة فثُلُثٌ لطعامه وثُلُثٌ لشرابه وثُلُثٌ لنَفَسِه ) .
    ولأن كثرة النوم من كثرة الأكل والشرب قال سفيان الثوري : بقِلّة الطعام يُمْلَك سَهَر الليل , وقال بعض السّلف : لا تأكلوا كثيراً فتشربوا كثيراً فترقدوا كثيراً فتحَسَّروا كثيراً , وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان أحب الطعام إليه ما كان على ضففِ أي كثرة الأيدي , وعن عائشة رضي الله عنها : لم يمتلىء جوف النبي صلى الله عليه وسلم شِبَعاً وأنه كان في أهله لا يسألهم طعاماً ولا يتشهّاه , إن أطعموه أكل وما أطعموه قَبِل وما سقوه شَرِب.
    ولا يُعتَرَض على هذا بحديث بريرة وقوله ( ألم أرَ البُرمة فيها لحم ) إذ لعلّ سبب سؤاله ظنه صلى الله عليه وسلم اعتقادهم أنه لا يحل له فأراد بيان سنته إذ رآهم لم يقدموه إليه مع علمه أنهم لا يستأثرون عليه به فصدق عليهم ظنه , وبيّن لهم ما جهلوه من أمره بقوله ( هو لها صدقة ولنا هديّة ) وفي حكمة لقمان : يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة .
    وقال سحنون : لا يصلح العلم لمن يأكل حتى يشبع .. وفي صحيح الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : ( أما أنا فلا آكل مُتّكئاً ) والاتكاء هو التمكن للأكل والتقعدد في الجلوس له كالمتربّع وشِبْهِهِ من تمكن الجلسات التي يعتمد الجالس على ما تحته, والجالس على هذه الهيئة يستدعي الأكل ويستكثر منه , والنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان جلوسه للإكل جلوس المُستَوفِز مُقْعِياً ويقول : ( إنما أنا عبدٌ آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد ) وليس معنى الحديث في الاتّكاء الميل على شِقٍّ عند المحققين .
    وكذلك نومه صلى الله عليه وسلم كان قليلا شهدت بذلك الآثار الصحيحة , ومع ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم : (
    إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي
    ) وكان نومه على جانبه الأيمن استظهاراً على قلّة النوم لآنه على الجانب الأيسر أهنأ لهدوء القلب وما يتعلق به من الأعضاء الباطنة حينئذٍ لميلها إلى الجانب الأيسر فيستدعي ذلك الاستثقال فيه والطّول , وإذا نام النائم على الأيمن تعلّق القلب وقلِق فأسرع الإفاقة ولم يغمره الاستغراق .


    يتبع فصل آخر بحول الله !

  12. #12
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي


    فصل جديد من ... نحبه ... والله يشهد !


    والضرب الثاني ما يتّفق التّمدّح بكثرته والفخر بوفره كالنكاح والجاه , أما النكاح فمتفق فيه شرعاً وعادةً فإنه دليل الكمال وصِحّة الذُّكوريّة , ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة والنماذج به سيرةً عاديّةً , وأما في الشّرع فمُنّةٌ مأثورةٌ .. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : أفضل هذه الأمّة أكثرها نساء .. مشيراً إليه صلى الله عليه وسلم .
    فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( تناكحوا تناسلوا فإني مُباهٍ بكم الأمم يوم القيامة ) ونهى عن التبتّل مع ما فيه من قمعٍ للشهوة وغَضِّ البصر اللذين نَبَّهَ عليهما النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( من كان ذا طَولٍ فليتزوّج فإنه أغَضُّ للبصر وأحصن للفرج ) حتى لم يَرَهُ العلماء مما يقدح في الزُّهد , وقال سهل بن عبد الله : قد حُبّبن إلى سيد المرسلين فكيف يُزْهَدُ فيهِن , ونحوه لابن عيينة .
    وقد كان زُهّاد الصحابة رضي الله عنهم كثيري الزّوجات والسّراري كثيري النكاح , وحُكِيَ عن عليٍّ والحسن وابن عمر رضي الله عنهم وغيرهم غير شيء , وقد كَرِه غير واحد أن يلقى الله أعزباً .. فإن قيل : كيف يكون النكاح وكثرته من الفضائل وهذا يحيى بن زكريا عليهما السلام قد أثنى الله تعالى عليه أنه كان حصوراً فكيف يُثني الله عليه بالعجز عما يُعَدُّ فضيلة ؟ وهذا عيسى عليه السلام قد تبتّل عن النساء ولو كان فضيلة لنَكَح .
    فاعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى عليه السلام بأنه كان حصوراً ليس كما قال بعضهم أنه كان هيوباً أو لا ذَكَر له ! بل قد أنكر هذا حُذّاق المفسرين ونُقّاد العلماء وقالوا : هذه نقيصة وعيبٌ ولا تليق بالأنبياء وإنما معناه أنه كان معصوماً من الذنوب .. أي لا يأتيها كأنه حُصِر عنها وقيل مانعاً نفسه من الشهوات وقيل ليست له شهوة في النساء .
    فقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقصٌ , وإنما الفضل في كونها موجودة ثم قمعها إما بمجاهدة كعيسى عليه السلام أو بكفاية من الله تعالى كيحيى عليه السلام فضيلة زائدة لكونها شاغلة في كثير من الأوقات حاطّةً إلى الدنيا , ثم هي في حق من أُقدِر عليها ومُلِّكَها وقام بالواجب فيها ولم تُشغله عن ربّه درجة علياء .
    وهذه هي درجة نبيّنا صلى الله عليه وسلم الذي لم تُشغله كثرتهن عن عبادة ربّه ! بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهُن وهدايته إيّاهُن , بل صرّح أنها ليست من حظوظ دنياه هو وإن كانت من حظوظ دنيا غيره فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( حُبّب إلَيّ من دنياكم ) فدلّ أن حُبّه لما ذُكِر من النساء والطيب اللذين هما من أمر دنيا غيره واستعماله لذلك ليس لدنياه بل لآخرته للفوائد التي ذكرناها في التزويج وللقاء الملائكة في الطيب .
    ولأنه أيضاً مما يحُض على الجماع ويُعين عليه ويُحَرّك أسبابه , وكان حُبّهُ لهاتين الخصلتين لأجل غيره وقمع شهوته وكان حبه الحقيقي للمختص بذاته في مشاهدة جبروت مولاه ومناجاته , ولذلك ميّز بين الحُبّين وفصل بين الحالتين وقال : ( وجُعِلَت قُرّة عيني في الصلاة ) فقد ساوى يحيى وعيسى في كفاية فتنتهن وزاد فضيلةً بالقيام بهن , وكان صلى الله عليه وسلم ممن أُقدِر على القوّة في هذا وأعطي الكثير منه .. ولهذا أُبيح له من عدد الحرائر ما لم يُبَح لغيره .
    وقد روي عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان يدور على نسائه في الساعة من الليل والنهار وهُنّ إحدى عشرة ! قال أنس : وكنا نتحدث أنه أُعطي قوة ثلاثين رجلاً " خرّجه النسائي " .. وروي نحوه عن أبي رافع وعن طاووس : أعطي عليه الصلاة والسلام قوة أربعين في الجماع ومثله عن صفوان بن سليم .
    وقالت سلمى مولاته : طاف النبي صلى الله عليه وسلم ليلة على نسائه التّسع وتطهّر من كل واحدة قبل أن يأتي الأخرى وقال : ( هذا أطهر وأطيب ) .. وقد قال سليمان عليه السلام : لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين وإنه فعل ذلك , وقال ابن عباس رضي الله عنهما : كان في ظهر سليمان ماء مائة رجل وكان له ثلاثمائة امرأة وثلاثمائة سُرّيّة .
    وحكى النقّاش وغيره سبعمائة امرأة وثلاثمائة سُرّية , وقد كان لداود عليه السلام على زهده وأكله من عمل يده تسع وتسعون امرأة وتمّت بزوج أوريا مائة .. وقد نبّه الله على ذلك في الكتاب العزيز بقوله تعالى : { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة } ! وفي حديث أنس عنه عليه الصلاة والسلام ( فُضّلتُ على الناس بأربعٍ بالسخاء والشجاعة وكثرة الجماع وقوة البطش ) .
    وأما الجاه فمحمود عند العقلاء عادةً وبقدر جاهه عِظَمُهُ في القلوب .. وقد قال الله تعالى في صفة عيسى عليه السلام : { وجيهاً في الدنيا والآخرة } لكن آفاته كثيرة فهو مُضِرٌّ لبعض الناس لعُقبى الآخرة , فلذلك ذمّهُ من ذمّهُ ومَدَحَ ضدّهُ .. وورد في الشرع مدح الخمول وذمُّ العُلُوّ في الأرض , وكان صلى الله عليه وسلم قد رُزِق من الحشمة والمكانة في القلوب والعظمة قبل النبوة عند الجاهلية وبعدها وهم يُكذبونه ويؤذون اصحابه .
    ويقصدون أذاه في نفسه خِفية حتى إذا واجههم أعظموا أمره وقضوا حاجته وأخباره في ذلك معروفة سيأتي بعضها , وقد كان يُبْهُت ويَفْرُق لرؤيته من لم يرَه كما روي عن قَيْلة بنت مخرمة العنبرية وقيل الكندية أنها لما راته أُرعدت من الفَرَق فقال : ( يا مسكينة عليك السكينة ) وفي حديث أبي مسعود أن رجلاً قام بين يديه فأُرعد فقال له " ( هوّن عليك فإني لست بملِك ) الحديث .
    فأما عظيم قدره بالنبوة وشريف منزلته بالرسالة وإنافة رتبته بالاصطفاء والكرامة في الدنيا فأمرٌ هو مبلغ النهاية .. ثم هو في الآخرة سيد ولد آدم .. وعلى هذا الفصل نظمنا هذا المقال بأسرِه .


    يتبع فصل آخر بحول الله !

  13. #13
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي


    فصل جديد من .. نحبه ... والله يشهد !

    وأما الضّرب الثالث فهو ما تختلف الحالات في التّمَدّح به والتّفاخر بسببه والتفضيل لأجله ككثرة المال فصاحبه على الجُمْلَةِ مُعَظّم عند العامّة لاعتقادها تَوَصُّلَهُ به إلى حاجاته وتَمَكُّنِ أغراضه بسببه , وإلا فليس له فضيلة في نفسه , فمتى كان المال بهذه الصورة وصاحبُه مُنفِقاً له في مُهِمّاته ومُهِمّات من اعتراهُ وأمّلَهُ وتصريفه في مواضعه مُشتَرِياً به المعالي والثّناء الحسن والمنزلة من القلوب , كان فضيلة في صاحبه عند أهل الدنيا .
    وإذا صرفه في وجوه البِر وأنفقه في سبيل الخير وقصد بذلك الله تعالى والدار الآخرة كان فضيلة عند الكُل بكلّ حال , ومتى كان صاحبه ممسكاً له غير مُوَجّهه وجوهَهُ حريصاً على جمعه عادت كثرته كالعدم وكان منقصة في صاحبه ولم يقف به على جَدَد السلامة , بل أوقعه في هُوّة رذيلةٍ البُخل ومَذَمّة النَّذالة .
    فإذاً .. التمَدُّح بالمال وفضيلته عند مُفَضّلِهِ ليست لنفسه وإنما هو للتوصّل به إلى غيره وتصريفه في متصرّفاته , فجامعه إذا لم يضعْه مواضعهُ ولا وجّهَهُ وجوهَهُ غيرُ مَلِىءٍ بالحقيقة ولا غنيٍّ بالمعنى ولا مُمتَدَحٍ عند أحدٍ من العقلاء , بل هو فقيرٌ أبداً غير واصلٍ إلى غرضٍ من أغراضه إذ ما بيده من المال الموصل لها لم يُسَلّط عليه فأشبه خازن مال غيره ولا مال له فكأنه ليس في يده منه شيء .
    والمُنفق مَلِيٌّ غنيٌّ بتحصيله فوائد المال وإن لم يبقَ في يده من المال شيء , فانظر سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم وخُلُقَهُ في المال تجده قد أوتيَ خزائن الأرض ومفاتيح البلاد وأُحِلّت له الغنائم ولم تُحَل لنبي قبله وفُتِحَ عليه في حياته صلى الله عليه وسلم بلاد الحجاز واليمن وجميع جزيرة العرب وما دانى ذلك من الشام والعراق وجُلِبت إليه من أخماسها وجِزيتها وصدقاتها ما لا يُجبى للملوك إلا بعضه وهادّه جماعة من ملوك الأقاليم فما استأثر بشيء منه ولا أمسك منه درهماً ! بل صرفه مصارفه وأغنى به غيره وقوّى به المسلمين , وقال : ( ما يسُرُّني أن لي أحُداً ذهباً يبيت عندي منه دينارٌ إلا ديناراً أرصدُهُ لدَيْني ) .
    وأتته دنانير مرة فقسمها وبقيت منها ستة فدفعها إلى بعض نسائه فلم يأخذه نوم حتى قام وقسمها وقال : ( الآن استرحت ) ومات ودرعه مرهونة في نفقة عياله , واقتصر من نفقته وملبسه ومسكنه على ما تدعو ضرورته إليه وزَهَد فيما سواه , فكان يلبس ما وجده فيلبس في الغالب الشملة والكِساء الخشن والبُرْد الغليظ ويقسم على من حضره أقبية الديباج المُخَوّصةَ بالذهب ويرفع لمن لم يحضر , إذ المباهاة في الملابس والتّزَيُّن بها ليست من خصال الشرف والجلالة , وهي من سمات النساء , والمحمود منها نقاوة الثوب والتّوَسّط في جنسه وكونه لُبِسَ مثلِه غير مُسْقِطٍ لمروءة جنسه مما يؤدي إلى الشّهرة في الطرفين .
    وقد ذمَّ الشرع ذلك وغاية الفخر فيه في العادة عند الناس إنما يعود إلى الفخر بكثرة الموجود ووُفور الحال وكذلك التباهي بجودة المسكن وسعة المنزل وتكثير آلاته وخَدَمه ومركوباته , ومن مَلَك الأرض وجُبِيَ إليه ما فيها وترك ذلك زُهداً وتنزُّهاً فهو حائز لفضيلة المال ومالكٌ للفخر بهذه الخِصلة إن كانت فضيلة .
    زائدٌ عليها في الفخر ومُعْرقٌ في المدح بإضرابه عنها وزُهدِهِ في فانيها وبَذْلِها في مظانّها .


    يتبع فصل آخر بحول الله !

  14. #14
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي


    فصل جديد من .. نحبه ... والله يشهد


    وأما الخصال المُكتسبةُ من الأخلاق الحميدة والآداب الشريفة التي اتّفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها وتعظيم المُتّصِف بالُأقل الواحد منها فضلاً عمّا فوقه وأثنى الشرع على جميعها وأمر بها ووعَد السعادة الدائمة للمُتَخَلّق بها ووصَف بعضها بأنه من أجزاء النبوّة وهي المسمّاة بحُسن الخلُق وهو الاعتدال في قوى النفس وأوصافِها والتوسّط فيها دون المَيْل إلى منحرف أطرافها .
    فجميعها كانت خُلُق نبينا صلى الله عليه وسلم على الانتهاء في كمالها والاعتدال إلى غايتها حتى أثنى الله عليه بذلك فقال تعالى : { وإنّك لعلى خُلُقٍ عظيمٍ } قالت عائشة رضي الله عنها , كان خُلُقُهُ القرآن يرضى برضاه ويسخط بسخطه .. وقال صلى الله عليه وسلم : ( بُعِثْتُ لأُتَمّمَ مَكارِمَ الأخلاقِ ) .. قال أنس رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقاً .
    وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثلُه , وكان فيما ذكره المحققون مجبولاً عليها من أصل خِلقتِه وأوّل فطرته لم تحصُل له باكتساب ولا رياضة إلا بجودٍ إلهيٍّ وخصوصية ربّانيّة , وهكذا لسائر الأنبياء , ومن طالع سيَرهم منذ صباهم إلى مبعثهم حقّق ذلك , كما عُرِف من حال موسى وعيسى ويحيى وسليمان وغيرهم عليهم السلام , بل غُرِزَت فيهم هذه الأخلاق في الجبلّة وأودعوا العلم والحكمة في الفطرة .
    قال الله تعالى : { وآتيناه الحكم صبيّا } قال المفسرون أعطى الله يحيى عليه السلام العلم بكتاب الله في حال صباه , وقال مَعْمَر : كان ابن سنتين او ثلاث .. فقال له الصبيان : لم لا تلعب ؟ فقال : ألِلّعِبِ خُلِقت ؟ , وقيل في قوله تعالى : { مُصدّقاً بكلمةٍ من الله } صدّق يحيى بعيسى وهو ابن ثلاث سنين فشهد له أنه كلمة الله وروحه وقيل صدّقه وهو في بطن أمّه فكانت أم يحيى تقول لمريم : إني أجد ما في بطني يسجد لما في بطنك تحيّة له .
    وقد نصَّ الله تعالى على كلام عيسى لأمّه عند ولادتها إيّاه بقوله : { لا تحزني } على قراءة من قرأ مَن تحتها وعلى قول مَن قال إن المنادى عيسى على كلامه في مهده فقال : { إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً } ! وقال تعالى : { ففهمناها سليمان وكلاًّ آتينا حكماً وعِلماً } وقد ذُكر من حكم سليمان وهو صبي يلعب في قضيّة المرجومة وفي قصة الصبي ما اقتدى به داود أبوه , وقال الطبري إن عمره حين أوتي المُلك اثنا عشر عاماً , وكذلك قصة موسى مع فرعون وأخذه بلحيته وهو طفل .
    قال المفسرون في قوله تعالى : { ولقد أتينا إبراهيم رشده من قبل } أي هديناه صغيراً , قال مجاهد وغيره وقال ابن عطاء اصطفاه قبل ابتداء خلقه , وقال بعضهم لمّا وُلِد ابراهيم عليه السلام بعث الله تعالى مَلَكاً يأمره عن الله أن يعرفه بقلبه ويذكره بلسانه فقال : قد فعلت ولم يقُل أفعل فذلك رُشده وقيل إن إلقاء ابراهيم عليه السلام في النار ومحنته كانت وهو ابن ست عشرة سنة .
    ونبي الله يوسف عليه السلام .. قيل أوحى الله تعالى إليه وهو صبي عندما همّ إخوته بإلقائه في الجُب , يقول الله تعالى : { وأوحينا إليه لتُنَبّئنّهم بأمرهم هذا } الآية ... إلى غير ذلك مما ذُكر من أخبارهم , وقد حكى أهل السِّيَر أن آمنة بنت وهب أخبرت أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم وُلِد حين وُلِد باسطاً يديه إلى الأرض رافعاً رأسه إلى السماء .
    وقال في حديثه صلى الله عليه وسلم : ( لمّا نشأت بُغِّضَت إليَّ الأوثان وبُغّض إليَّ الشّعر ولم أهُمَّ بشيءٍ مما كانت الجاهلية تفعله إلا مرتين فعصمني الله منهما ثم لم أعُد ) .. ثم يتمكن الأمر لهم وتترادف نفحات الله تعالى عليهم وتشرق أنوار المعارف في قلوبهم حتى يصلوا إلى الغاية ويبلغوا باصطفاء الله تعالى لهم النبوة في تحصيل هذه الخصال الشريفة النهاية دون ممارسة ولا رياضة .
    قال الله تعالى : { ولمّا بلغ أشدّه واستوى آتيناه حكما وعلما } وقد نجد غيرهم يُطبع على بعض هذه الأخلاق دون جميعها ويولد عليها فيسهُل عليه اكتساب تمامها عناية من الله تعالى كما نشاهد من خِلقةِ بعض الصبيان على حُسن السّمت أو الشهامة أو صدق اللسان أو السماحة , وكما نجد بعضهم على ضدّها فبالاكتساب يُكْملُ ناقصها وبالرياضة والمجاهدة يُستَجلَب معدومها ويَعتدل منحرفها وباختلاف هذين الحالين يتفاوت الناس فيها وكلٌّ مُيَسّر لما خُلِق له , ولهذا قد اختلف السلف فيها هل هذا الخُلق جبلّة أو مكتسبة .
    حكى الطبري عن بعض السلف أن الخُلُق الحسن جبلّة وغريزة في العبد وحكاه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه والحسن وبه قال هو والصواب ما أصلناه .. وقد روى سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كل الخلال يُطبع عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب ) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديثه : ألجرأة والجُبن غرائز يضعهما الله حيث يشاء , وهذه الأخلاق المحمودة والخصال الجميلة الشريفة كثيرة ولكننا نذكر أصولها ونشير إلى جميعها ونحقق وصفه صلى الله عليه وسلم بها إن شاء الله .


    يتبع فصل آخر بحول الله !

  15. #15
    عضو مجلس إدارة "النسابون العرب" الصورة الرمزية د جعفر المعايطة التميمي
    تاريخ التسجيل
    27-07-2017
    الدولة
    الاردن / عَمان
    المشاركات
    841

    افتراضي

    لو عاد الزمان وتجددا لكنت تحت اقدامه خادما
    هو رسول الله المحمود المختار المصطفى الاحمدا

  16. #16
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    [align=center]أحسنت القول أخي الكريم
    مع ان الزمان لا يعود لكنه في القلوب موجود والرب المعبود
    حفظك الله وزادك قرباً ممن أحببته يوم الخلود[/align]

  17. #17

    افتراضي

    صلى الله عليه وسلم

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. النسابة محمد مبارك اللمتوني الكبير يشهد بصحة نسب تنواجيو
    بواسطة محمد التنواجيوي الإدريسي في المنتدى مجلس قبائل موريتانيا
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 19-11-2016, 07:11 AM
  2. والله هذه خباله
    بواسطة بلاشِي في المنتدى قهوة الحرافيش .اوتار القلوب
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 22-05-2016, 10:22 AM
  3. هل يشهد الغرب صحوة إسلامية ؟؟؟
    بواسطة أبو مروان في المنتدى الاسلام باقلامنا
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 25-02-2016, 01:45 PM
  4. الضب يشهد بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    بواسطة نسمات القرب في المنتدى الاسلام باقلامنا
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 19-01-2015, 01:05 AM
  5. نحبكم ... والله يشهد
    بواسطة الشريف ابوعمر الدويري في المنتدى قهوة الحرافيش .اوتار القلوب
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 03-10-2014, 11:40 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum