تعريف الإيمان بالقضاء والقدر ومراتبه

بقلم: على محمد مقبول الاهدل
تعريف الإيمان بالقضاء والقدر:
القضاء لغة تدور معانيه حول إحكام الشيء وإتمام الأمر، وقدر ورد معنى القضاء في القرآن كثيراً ومنها: الأمر، الإنهاء، الحكم، الفراغ، الأداء، الإعلام، الموت.
والقدر لغة يأتي بمعنى: الحكم والقضاء، والطاقة ﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 236]، وبمعنى التضييق[1].
أما القضاء والقدر اصطلاحاً فهو: تقدير الله تعالى الأشياء في القدم وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة، وكتابته سبحانه لذلك ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدره وخلقه لها[2].
وقيل: "إيجاد الله الأشياء على قدر مخصوص، وتقدير معين في ذواتها وأحوالها طبق ما سبق به العلم وجرى به القلم[3].
وجوب الإيمان بالقضاء والقدر:
القضاء والقدر هو أحد الأركان الستة للإيمان؛ ولا يتم إيمان العبد حتى يؤمن بالقضاء والقدر؛ بمعنى التصديق الجازم بأن كل ما يقع من الخير والشر فهو بقضاء الله وقدره، وأن جميع ما يجري في الآفاق والأنفس من خير أو شر فهو مقدر من الله، ومكتوب قبل خلق الخليقة، وكل شيء بإرادة الله تعالى ولا يخرج عن مشيئته في الأرض ولا في السماء، ولو أراد الله أن يعبده كل خلقه ما عصاه أحد، بيده كل شيء يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22، 23]، ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، فهو سبحانه لا يخرج عن إرادته وسلطانه شيء، ولا يصدر شيء إلا بتقديره وتدبيره سبحانه، ولا يسأل عما يفعل؛ وذلك لكمال حكمته وقدرته وعظيم سلطانه[4].
مراتب الإيمان بالقضاء والقدر:
مراتب الإيمان بالقضاء والقدر تتضمن أربعة أمور هي باختصار:
أولاً: الإيمان بعلم الله القديم (مرتبة العلم):
وهو الإيمان بأن الله تعالى علم بكل شيء جملة وتفصيلاً، أزلاً وأبداً، بما في ذلك أفعال العباد طاعتهم ومعاصيهم، قال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحشر: 22].
ثانيا:ً الإيمان بالكتاب الأول (مرتبة الكتابة):
وهو الإيمان بأن الله كتب ما سبق علمه من مقادير الخلائق إلى يوم القيامة في اللوح المحفوظ - وهو أم الكتاب - قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج: 70]، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص بـ - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كتب الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة"[5].
ثالثاً: الإيمان بعموم المشيئة (مرتبة الإرادة والمشيئة):
وهو الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله سواء أكانت مما يتعلق بفعله سبحانه أم مما يتعلق بفعل المخلوقين، قال تعالى فيما يتعلق بفعله: ﴿ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 137].
وأنه لا يكون شيء في السموات والأرض إلا بإرادته ومشيئته الدائرة بين الرحمة والحكمة، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء برحمته، فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فما شاء كونه فهو كائن بقدرته لا محالة: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82].
رابعاً: الخلق (مرتبة الخلق):
وهو الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله بذواتها وصفاتها وحركاتها: ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2].
إذن هو الخالق لكل شيء فلا خالق غيره، ولا رب سواه، فهو خالق كل عامل وعمله، وكل متحرك وحركته، وكل ساكن وسكونه، ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 96] [6].

[1] راجع: لسان العرب مادة (قضى) ومادة (قدر)
[2] القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس فيه، د. عبدالرحمن المحمود، (ص:39).
[3] القضاء والقدر، د. عمر سليمان الأشقر، (ص:25).
[4] العقيدة الصافية، سيد عبدالغني، (ص:217).
[5] أخرجه مسلم في كتاب القدر باب (2) (حجاج آدم وموسى) (3/2044) حديث رقم (16).
[6] راجع للتوسع فيما سبق: القضاء والقدر، د. عبد الرحمن المحمود، (ص:55)، والقضاء والقدر، د. عمر الأشقر، (ص:29)، الإيمان، د. محمد نعيم ياسين، (ص:148).



juvdt hghdlhk fhgr]v