كيفيَّة الإيمان بالكتب

بقلم: الشيخ عبد الله بن صالح القصير
الإيمان بالكتب هو اعتقاد أنَّ لله تعالى كتبًا أنزَلَها على رسله هِدايةً لعباده، متضمِّنةً لأصول دِينه وقَواعد شريعته، وكُليَّات الأخلاق التي يحبُّها الله سبحانه ويَرضاها، ومُهمَّات ممَّا نهى عنه جلَّ ذِكره فهو التصديقُ بها كلها وبما اشتملتْ عليه، وأنها كلها حقٌّ وصِدقٌ وهُدًى لمن أُنزِلتْ إليهم.
وتحقيق الإيمان بالكتب يكون بأمور:
1- الإيمان بما سمَّى الله منها تفصيلاً: كصحف إبراهيم، وصحف موسى - وهي التوراة على الراجح - والزبور، والإنجيل، والقُرآن، وإجمالاً بما لم يُسمِّه منها.
2- اعتقاد أنَّها كلها كلام الله تعالى تكلَّم بها حقيقةً كما شاءَ بكيفيَّة لا يعلمها إلا هو سبحانه وأنها حقٌّ وصِدقٌ وهُدًى لمن خوطب بها من الأمم، ومشتملةٌ على الشرائع التي تعبَّد الله المخاطَبين بها.
3- اعتقاد أنَّها كلها دعوةٌ إلى عبادة الله تعالى وتفصيلٌ لحقِّه على خلقه، وبَيان حُقوق عباده بعضهم على بعض، وحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، وفيها نهيٌ لهم عن مخالفة الله تعالى وذِكر ثَواب المطيعين وعُقوبات العاصِين في الدُّنيا والآخِرة.
4- اعتقاد أنَّها يُصدِّق بعضُها بعضًا، فلا تَناقُض بينها ولا تَعارُض، فإنها سالمةٌ من ذلك، فإنْ وجد فيها ما يُوهِم التعارُض والتناقُض فهذا جاء من أفْهام بعض الناس وعُقولهم، وليس من جِهَتِها.
5- أنَّ الحجَّة قامَتْ بها على المخاطَبين بها، واتَّضحَتْ لهم بها المَحَجَّة - الطريق أو السبيل الموصلة إلى الله، تعالى - وزالتْ بها المعذرة، فوجَبَ العمل بها، فلا يحلُّ لهم مخالفتُها، ولا التحاكُم إلى غيرها، ولا تعطيلها؛ بل يجبُ عليهم قبولُها والعمل بهداها والحذر من مخالفتها.
6- أنَّ الكتب الأولى كانت مُوجَّهة لأزمنةٍ محدودة، ولطوائف مُعيَّنة، وأنَّ بعضها يَنسَخُ بعضًا، فالمتأخِّر منها ينسَخ المتقدِّم من حيث الأحكام.
7- الاعتقاد الجازم بأنَّ الله تعالى نسَخ جميع الكتب السابقة بالقُرآن العظيم، وجعَلَه مُشتَمِلاً على أحسن ما فيها، وزيادة على ما فيها، وجعَل الله فيه أحكامًا مُناسِبةً لعالميَّة الدِّين وختمه للأديان وبَقائه إلى آخِر الدَّهر، فهو هُدًى للأمَّة إلى أنْ يأتي الله بأمره، وصانَه عمَّا في الكتب السابقة من الآصار والأغلال، وما لا يُناسِب الأمَّة من أحكام الكتب السابقة، وحَفِظَه من أنْ تمتدَّ إليه يد التحريف والتبديل، فأغنى به سبحانه عنها، وجعَلَه حاكِمًا ومُهَيمِنًا عليها، فلا يسعُ أحدًا من أهل الكتب السابقة ولا غيرهم أنْ يَعبُدوا الله تعالى بعد نُزول القُرآن بغير ما جاء به، ولا أنْ يتحاكموا إلى غيره.
بيان ما نصَّ عليه من الكتب المنزلة وسُمِّي في القُرآن والسنة:
1- صحف إبراهيم: وكانت حِكَمًا كلها، وفيها عنايةٌ بالتوحيد وأصول الملَّة، والمُبايَنة للشرك وأهله.
2- صحف موسى: وهي التوراة - على المشهور عند أهل العلم - وإنما سُمِّيتْ صحفًا لأنها نزَلتْ مكتوبةً في الألواح، كتبها الله تعالى بيده، وفيها العنايةُ بالأحكام والتشريعات أكثر، وقد بقيت الشريعة العامَّة لبني إسرائيل حتى بعد نُزُول الإنجيل على عيسى عليه السلام إلى أنْ نُسِخت هي والإنجيل بالقُرآن العظيم.
3- الزبور: وأُنزِل على داود عليه السلام وكانت العِناية فيه - في جملة ما اشتملتْ عليه - بالثناء على الله تعالى والدعوات والأذكار.
4- الإنجيل: وأُنزِل على عيسى عليه السلام وكان من جُملة ما اشتَمل عليه العناية بالأخلاق؛ مثل: الأمر بالتواضُع والصبر والتسامح والصَّفح وحُسن الظن، كما يُفهَم ذلك ممَّا ورَد بشأنه من النصوص.
5- القُرآن: وهو آخِرها، والمهيمِن عليها، والخاتم لها، وأُنزِل على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وجعَلَه الله تعالى مشتملاً على خير ما اشتَملتْ عليه الكتب السابقة وزيادة، وسالمًا من التشريعات والأمور الخاصَّة بالأمم السابقة؛ ولذا نسَخَها الله به وأغنى به عنها.



;dtdm hghdlhk fhg;jf