[align=right]
وروى عدنان المنصوري لرصيف22 قصة تحكيم شيخ قريته في قضية تقسيم أرض زراعية: "اختلفنا مع أحد أبناء القرية على نصيب كل منّا من الأرض وتصاعد الخلاف، وكنّا على وشك الاقتتال، لذا قدمنا العدل (شيء ثمين يقدمه طرفا النزاع لضمان القبول بالحكم، وتنفيذه كالسيارات أو البنادق أو غيره)، إلى شيخ القرية للفصل في القضية. ففصل بيننا ورضينا بحكمه". وتابع: "اخترنا الشيخ ولم نختر المحكمة، لأن الاحتكام إلى المشايخ أسرع كما أن التحكيم ليس مكلفاً، وليس لدينا شك في نزاهة حكم الشيخ مقارنة بأحكام بعض القضاة المرتشين، الذين قد يحيدون عن الحق عند إصدارهم الأحكام. فخلال أقل من أسبوع يفصل الشيخ في القضية ويقبل الطرفان الحكم الصادر ويعملان بمقتضاه".
القضاء القبلي في اليمن
التحكيم القبلي شائع في اليمن ويحلّ فوق القانون في حالات كثيرة. وأحياناً تلجأ إليه الدولة بأجهزتها وحكومتها لحل قضية معقدة وشائكة، نتيجة ضعف سيطرتها على القبائل التي يمتلك كلّ منها جيشاً إمرته بيد شيخها.
الشيخ محمد المحيقني، شيخ قبيلة بني أيوب في محافظة شبوة جنوب شرق اليمن، شرح لرصيف22 طبيعة التحكيم القبلي، أو ما يسمى بالعرف القبلي. قال: "هو قوانين غير مكتوبة يتم اللجوء إليها لحل الإشكالات. معظم القضايا التي يختلف عليها الناس يجري حلها عندنا بالعرف القبلي. يرى الكثير من الناس أن الإجراءات القانونية معقدة وغير مجدية، فيأتون إليّ لحل قضاياهم، وغالبية القضايا التي أقوم بحلها خلافات حول ملكية أراضٍ ونزاعات تجارية، إضافة إلى الشجارات وقضايا القتل. وغالباً ما يقتنع جميع الأطراف بأحكامي".
وأكمل: "هناك طريقتان يتم اتباعهما في العرف القبلي. الأولى هي طريقة التراضي ولا يكون فيها ضمانات ملزمة لأي طرف. والثانية هي الطريقة الإلزامية، وفيها يقدّم المتخاصمون ضمانات مادية كأسلحة الكلاشنكوف والسيارات والعقارات، وتسمى بالعدل. وتحتاج بعض القضايا إلى اعتماد الطريقتين معاً، وإذا تراجع أحد الأطراف عن الحكم فإن تلك الضمانات هي الوسيلة الضاغطة لإرغامه على التنفيذ".
وأضاف: "في قضايا القتل، يقوم الجاني وقبيلته بوضع ما يسمى بعدل اللوم. وعدل اللوم هو غرامة مالية تزداد أو تنقص بحسب ملابسات قضية القتل، وتراوح بين مئتين وثلاثين ألف دولار. ويحكم شيخ قبلي يختاره المجني عليهم على أهل الجاني بهذه الغرامة، ولا يحق للجاني وقبيلته إبداء أي اعتراض مهما كان الحكم المالي". واستطرد: "هذا اللوم مع الأسف لا يسقط الدية أو القصاص بحسب العرف القبلي، وهذا أبرز عيوبه".
ازدهار التحكيم القبلي مع انهيار الدولة
وقال لرصيف22 الشيخ سالم عوض أبو زيد الخليفي، أحد مشايخ قبيلة آل خليفة في مدينة عتق: "العرف هو فوق القانون خاصة في ظل الوضع الأمني الراهن. ففي هذه الأيام، الأعراف هي التي تحكم البلاد. أما المحاكم فهي مغلقة".
وتابع: "إذا لم يلتزم واحد من أفراد القبيلة الأعراف، فإن القبيلة تهدر دمه وتقطع صلتها به وتعلن ذلك أمام الملأ ويصير قتله مباحاً سواء من قبيلته أو من أي قبيلة أخرى، وهذا يدل إلى أن الأعراف قوية جداً، وهي العمود الفقري للقبيلة، فلا مكان للعصابات بيننا. وفي العرف القبلي هناك ما يسمى بالحكم المحدش، وهو الحكم المضاعف ويصل إلى مئات آلاف الدولارات، ويأتي عقاباً على جرائم القتل العمد والغدر وقطع الطريق. والحمد لله الناس واثقون بأحكامنا العرفية أكثر من المحاكم، التي فقدوا ثقتهم بها وفقدت صدقيتها في عموم المحافظات اليمنية".
مواطنون كثر قالوا لرصيف22 إن القضاء بشكل عام يماطل في قضاياهم، فيستغرق حلها في المحاكم وقتاً طويلاً قد يصل إلى سنوات. هذه المماطلة في القضايا البسيطة تؤدي إلى الاقتتال في غالبية الاحيان وقد تسبب التناحر بين القبائل.
وقال المحامي فيصل الخليفي لرصيف22 إنه "في ظل غياب الدولة، تحلّ الأعراف والتقاليد محل القانون. في الأساس، يمتاز الحل العرفي بالسرعة وإن كان مجحفاً، أما المحاكم فهي تنهك المتقاضين وقد لا تخرج بحل، كما أنها تنهك صاحب الحق وقد لا تعطيه نتائج مرضية. وفي بعض الحالات، حين تثبت المحكمة حقوق المدعي، لا تستطيع الدولة استرداد حقوق صاحب الحق، وتكتفي بإصدار أحكام وأوامر تبقى من دون متابعة".
بقلم عبد الرحمن شكري - جريدة رصيف 22
[/align]
مواقع النشر (المفضلة)