مكونات المجتمع الأندلسى في ظل سماحة الحضارة الاسلامية

مكونات المجتمع الاندلسي , المجتمع الاندلسي , المستعربين , المولدين , المولدون , الاندلس , القوط , زغروت , فتحي زغروت

مكونات المجتمع الأندلسى في ظل سماحة الحضارة الاسلامية

مكونات المجتمع الاندلسي و سماحة الحضارة الاسلامية

نقلا عن كتاب " لقاء الحضارات على ارض الاندلس " للدكتور محمد فتحي زغروت (والد مؤسس الموقع)

سوف نتكلم عن قضية اجتماعية من أهم القضايا التي تؤثر على الثقافة تأثيرا كثيرا وهى مكونات المجتمع الأندلسى وخاصة قرطبة فقد كان مجتمع أهل قرطبة يتكون من العرب والمولدين والمستعربين النصارى الذين بقوا على دينهم و اليهود .

وقد جاء العرب مع الفتح الإسلامي ثم استقروا بها وأصبح العرب كثرة فى قرطبة منذ القرن الأول بعد الفتح وازدادوا كثرة على مضى الأيام وتكاثروا بالتناسل تكاثرا سريعا .

ومن سكانها أيضا البربر الذين استوطنوا قرطبة واندمجوا مع العرب وصاروا جميعا أنسابا يتباهون بالانتساب إلى قرطبة(2) وقد تزايد عدد البربر فى القرن الرابع وكانوا يؤلفون طائفة عنصرية وكانت طبقة مرتزقة منحصرة فى الجيش ولم تكن طبقة مستقلة أو أصيلة.

كذلك احتوت المدينة على القوط الذين بقوا فيها بعد الفتح وقد استعربوا ودخل الكثيرون منهم الإسلام عن رغبة لا إجبار فقد كانت تعاليمه السمحة العادلة هى التى رغبتهم فى الدخول فى الإسلام كما أنهم وجدوا فى الإسلام الحصن الذى يحميهم من الذل والإهانة التى كانوا يذوقونها فى عهد الحكم القوطى وهؤلاء القوط المسيحيون أصلا هم الذين كانوا يسمون المسالمة أو المولدون(3)
فقد استعرب هؤلاء المولدون بعد أن أسلموا وأضحوا بعد جيلين أو ثلاثة مثلهم مثل العرب لا فرق ولا تفريق بين هؤلاء وهؤلاء فى اللغة والسلوك واتخذوا الأسماء العربية أو المستعربة وغدا الجميع يعدون من أهل قرطبة عربا مسلمين واقتصرت طائفة المولدين بعد ذلك على طائفة المسيحيين الذين أسلموا فى العهود التالية والذين جاء اعتناقهم للإسلام متأخرا عن بداية الإسلام فى مراحله الأولى ، وكان العرب والمولدون يكونون الفئة الغالبة من أهل قرطبة .

فئة المستعربين:
وكانت تعيش إلى جانبهم وبينهم فئات أخرى منها فئة الصقالبة وفئة قليلة من السودان أو العبيد وأهم هذا كله فئة المستعربين الذين كانوا يسمون أحيانا العجم أو المعاهدون وهم المسيحيون الذين بقوا فى قرطبة واحتفظوا بديانتهم وكانوا يعيشون فى أمان واطمئنان ويسر وكثيرا ما كانوا يحظون بعطف الأمراء والخلفاء وثقة الوزراء والحكام والحجاب وكان هؤلاء المعاهدون يلقون من الأهالى كل تسامح بل كل رعاية ومودة (4)

وكان هؤلاء المعاهدون مستعربين حقا إذ كانوا يعرفون اللغة العربية ويتكلمونها بطلاقة بل وكان كثير منهم يتذوق آدابها يقرضون بها الشعر وكانوا مندمجين فى الحياة العامة اندماجا إذ لم يميزهم عن غيرهم شيء .
كما تميز بعضهم بالثراء وامتلاك العبيد والأرقاء من ديانتهم واحتل بعضهم مراكز مرموقة فى الدولة وأبدى معظمهم مظاهر الولاء لمدينتهم ومشاعر الحب والإخلاص لحكامهم وقد فرضت عليهم الجزية باعتبارهم معاهدين ولكن الحكام الأمويون كان يعتبرونها تذكرة للمواطنة الصالحة حتى يتم الاندماج الكامل بين هؤلاء المعاهدين وبين طبقات المجتمع ويصيرون جميعا نسيجا واحدا ، في دولة الإسلام ، وقد حرصت الدولة على تنفيذ ذلك فكان يترأس المعاهدين" قومس " منهم ومقره فى مكان عرف بسويقة القومس اتخذوا منه مركزا لهم تسجل فيه أسماءهم ، كما كان لهم قاض يسمى قاضى النصارى أو قاضى العجم .
وقد اشتهر منهم الكثيرون مثل القومس " أبو سعيد " الذى كان جد المؤرخ ابن القوطية والقومس " معاوية بن لبه " فى عهد الحكم المستنصر بالله .

وذكر بن حيان أنه كان فى سنة 361هـ من بين وجهاء المعاهدين الأسقف عيسى بن منصور ، والقاضى إصبغ بن عبد الله بن نبيل ووليد بن حيزون ويلاحظ أن المستعربين كانوا يتخذون معظمهم أسماء عربية بجوار أسمائهم اللاتينية ولعل هذه خاصية أخرى من خواص الثقافة الإسلامية السمحة التى أحبها هؤلاء المعاهدون وتسموا بها وهذا وجه رائع للسماحة الإسلامية التى تمتع بها الجميع. ولعل من الغريب أن ذراريهم قد احتفظوا بهذه الأسماء بعد سقوط الأندلس أو على الأقل بالكنية منها ([1])

وقد أطلنا الحديث في هذا الجانب نظرا لان ذلك من سمات الثقافة الإسلامية التي تستوعب الجميع وتزيل الهوة بين أفكارهم حتى تسودهم جميعا ثقافة الإسلام السمحة
ومن أشهر هؤلاء الأساقفة فى عهد عبد الرحمن الناصر والحكم المستنصر بالله هو ربيع بن زيد أو " ريثموندوا " وكان عالما باللغتين العربية واللاتينية وكان مقربا من الناصر لهذا أرسلهم فى سفارة سنة 344هـ إلى ملك ألمانيا ثم إلى القسطنطينية ليتسلم حوضا من الرخام أهداه الإمبراطور البيزنطى إلى الخليفة الأندلسى وهو الذى أقامه الناصر فى مدينة الزهراء التي تحدثنا عنها سابقا .

اليهود في قرطبة:
وكان اليهود يعيشون أيضا فى قرطبة ويطلق عليهم أهل الذمة وعلى ما يبدوا أن عددهم كان قليلا فى قرطبة وكان لهم حى فيها يعرف باسم حى اليهود وكانت شهرة اليهود فى تجارة الفراء والرقيق والخصيان ونفائس السبى والسلب ولم يسجل التاريخ من أسمائهم غير نفر قليل من بينهم الطبيب ابن يوسف بن إسحاق بن شبروط الذى كان عبد الرحمن الناصر يخصه بعطفه .
وكان اليهود يعيشون حياة هنيئة وينعمون بحياة العطف والتسامح وقد اندمج اليهود فى المجتمع القرطبى اندماجا كاملا ولم يعيشوا معزولين عن الدولة وكان لهم قاض يحكم لهم وبيع يتعبدون فيها وقد أقبلوا على تعلم اللغة العربية فكانوا يحسنونها حديثا وكتابة غير أن حرصهم على مصالحهم التجارية مع المعاهدين فى قرطبة والأندلس ومع المسيحيين خارج الأندلس جعلهم يحتفظون بمعرفتهم باللغة العربية ([2])

تسامح العرب مع بقية الفئات الاندلسية
احد سمات الحضارة الاسلامية
ومما لا شك فيه أن العرب الأوائل الفاتحين كانوا يجرون على التسامح مع أهل الذمة وكان هذا الخلق نابع عن إيمان هؤلاء العرب برسالتهم الإنسانية والتى كان لها أثرها الكبير فى اجتذاب أهل الذمة إلى الإسلام واقتناعهم بعدالة الدولة العربية ولعل هذا هو السر فى إقبال أهل الذمة على الدخول بأعداد كبيرة فى الإسلام لقد أثرت سياسة التسامح التى اتبعها العرب فى غير المسلمين تأثيرا كبيرا أدى إلى وشائج الألفة والمحبة بين العرب وغيرهم ولعل هذا العدد الكبير من الكنائس التى بناها النصارى أيام الحكم العربى لأكبر دليل على احترام العرب لمعتقدات الأمم التى خضعت لسلطانهم إذ غدا اليهود والنصارى مواطنين فى الدولة الإسلامية شأنهم شأن المسلمين ومساوين لهم فى الحقوق والواجبات و تقلد الكثيرون منهم مناصب تؤكد فاعليتهم فى المجتمع ([3]).
وإقبالهم على الإنتاج العلمي والأدبي ومشاركتهم في صنع الحضارة في ذلك البلد الإسلامي الحبيب وسوف نبين ذلك الإنتاج والمساهمات التي ساهم بها هؤلاء المعاهدين في صنع الحضارة في فصول لاحقة.
إذن لم يكن الفتح العربى لأسبانيا احتلالا عسكريا بل كان حدثا حضاريا وثقافيا على أعلى مستوى لمضامين الحضارة وحركة تحرير للشعوب الأسبانية التى كانت صاحبة حضارة سابقة كالرومانية والقوطية وقد امتزج هذا كله مع حضارة جديدة هى الحضارة العربية الإسلامية ونتج عن هذا المزج والانصهار حضارة تمثل الأندلس معبرة عن هويتها سبحت فى سماء المنطقة وهبطت على الشعوب الأوروبية نورا وتقدما وعلما نافعا وما زلنا نلمس آثارها حتى اليوم .

فليس غريبا إذن على حكام المسلمين فى الأندلس أن يتعاملوا مع غيرهم من العناصر الغير مسلمة بجو من التسامح أوصى به دينهم الحنيف وحثت عليه شريعتهم الغراء واقتضته طبيعة الثقافة الإسلامية آنذاك.
فلا عجب أن أدى ذلك إلى استقرار الحكم الأموى فى الأندلس استقرارا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا دفع بالأندلس أن تكون أكبر قوة سياسية فى المنطقة آنذاك

تسامح الاسلام مقابل همجية محاكم التفتيش النصرانية
وإذا ما تأملنا تلك السياسة التى يفوح منها التسامح لوجدنا فرقا هائلا بين هؤلاء الأمويين المتسامحين وبين سياسة الاضطهاد المشين والقهر الذى وقع على المسلمين من جراء محاكم التفتيش في فترة ما بعد سقوط الأندلس فكم من مسلمين ذبحهم النصارى وكم من مسلمين أكلتهم النيران وكم من جثث إسلامية مزقتها السكاكين وكم من إنتاج علمي ومراجع عديدة ألتهمتها النيران على أيدى أولئك المتعصبين من النصارى .

المراجع:

1 ـ أحمد فكرى 245
2 ـ أسبانيا الإسلامية فى القرن العاشر ليفى بروفنسال ص 37 ، 38
1. المقرى نفح الطيب ص247

المصدر: ..ٌ::ٌ:: النسابون العرب ::ٌ::ٌ.. - من قسم: تاريخ الاندلس

---

l;,khj hgl[jlu hgHk]gsn td /g slhpm hgpqhvm hghsghldm l;,khj hgl[jlu hghk]gsd hgl[jlu hghk]gsd hglsjuvfdk hgl,g]dk hgl,g],k hghk]gs hgr,' .yv,j tjpd .yv,j

انعم و اكرم بالدكتور فتحي زغروت

[align=right]حياك الله يا مهندس محمد و شكرا لمرورك الفواح[/align]