ومن رقوب لونها أزرق، تطفو في بحر العراب كالزورق، ظهيرة دوسرة، منوفة بهزرة تطس الآكام وتثبت في أثواب ورق الحمام، موصوفة بالإعصاف معروفة بالأعناق والإيجاف، ومن أمون لونها جون، وكون مثلها في محاسن الكون، تميل أن شبهتها إلى الدجى، ولا تمل من السير ولو براها الوجا، لها فخذان لحمهما وافر، وذنب تكنفه جناحا طائر، تسابق الريح في خطراتها، وتطأ جمر القيظ بجمراتها، ومن وجناء لونها أصهب ورباطها الدمقسي مذهب، ترعى الحدائق وترعى الحادي والسائق، شكول عسبور، تسامي رأسها أعواد الكور غائرة الأحداق، سريعة الاندفاع والانطلاق.
ومن مصاح لونها أغمش، وكل من قوائمها أحمش، يخالط بياضها شقرة، يولد الاجتماع بها طريقاً إلى النصرة، هوجاء وفاق روعاء مزاق، ترض الحصا برصها وتستطلع الإخبار بنصها، ومن شمردلة لونها أحوى، مهارق البيض بغيرها لا تطوى، تجوب القفار وتجوس خلال الديار، مشفرها رقيق وسبيب وظيفتها وثيق، تختال في شنفها وزمامها، وتدهش الأبصار بسنا سنامها.
وحوص غدت سفن المهامه والفلا ... ألم ترها تطفو على بحر آلها
تخط حروفاً بالمناسم في الثرى ... يقصر عن تحريرها ابن هلالها
فلما تكامل العرض بعد الطول، وأفلت أقمار الإبل وغابت شموس الخيول، أخذ الحاضرون في تذكر أشكالها وأفاضوا في نعت محاسنها، وجمالها. ثم إن الملك أمر بإحضار الطعام، واشتغل الناس بالمائدة عن الأنعام". وامتدح البحتري سعيد بن حميد الكاتب طالباً منه فرساً بقوله:
جئناه إذ لا الترب في أفنائه ... يبس ولا باب العطاء بمرتج
والبيت لولا أن فيه فضيلة ... تعلو البيوت بفضلها لم يحجج
بطل يخوض الخيل وهي شوائل ... خلف الإسنة وهو غير مدجج
ومنها:
فأعن على غزو العدو بمنطوٍ ... أحشاؤه طي الرداء المدرج
إما بأشقر ساطع أغشى الوغى ... منه بمثل الكوكب المتأجج
متسربل شية طلت أعطافه ... بدم فما تلقاه غير مضرج
أو أدهمٍ صافي الأديم كأنه ... تحت الكمي مظهر بالنردج
ضرم يهيج السوط من شؤبوبه ... هيج الجنائب من حريق العرفج
خفت المراقع وطأه فلو أنه ... يجري برملة عالج لم يرهج
أو أشهب يققٍ يضي وراءه ... متن كمتن اللجة المترجرج
يخفي الحجول ولو بلغن لبانه ... في أبيضٍ متألقٍ كالدملج
أوفى بعرف أسودٍ متعرفٍ ... فيما يليه وحافرٍ فيروزج
أو أبلقٍ يلقى العيون إذا بدا ... من كل لون معجب بنموذج
جذلان تحسده الجياد إذا مشى ... عنقاً بأحسن حلة لم تنسج
أرمي به شوك القنا وأرده ... كالسمع أثر فيه شوك العوسج
وأقب نهدٍ للصواهل شطره ... يوم الفخار وشطره للشحج
خرق يتيه على أبيه ويدعي ... عصبية لني الضبيب وأعوج
مثل المزرع جاء بين عمومة ... في غافق وخؤولة في الخزرج
لاديزج يصف الرماد ولم أجد ... حالاً تحسن من رواء الديزج
وعريض أعلى المتن لو عليته ... بالزيبق المنهال لم يترجرج
خاضت قوائمه الوثيق بناؤها ... أمواج تجبيب بهن مدرج
ولأنت أبعد في السماحة همة ... من أن تضن بملجم أو مسرج
وقال علي بن موسى العنسي:
ولكم سرينا في متون ضوامر ... تثني أعنتها من الخيلاء
من أدهمٍ كالليل حجل بالضحى ... تنشق غرته عن ابن ذكاء
أو أشهبٍ يحكي غدائر أشيب ... خلعت عليه الشهب فضل رداء
أو أشقر قد نمقته بشعلةٍ ... كالمزج ثار بصفحة الصهباء
أو أصفر قد زينته غرة ... حتى بدا كالشمعة الصفراء
طيرٌ ولكن لا يهاض جناحه ... ريحٌ ولكن لم تكن برخاء
وقال دريد بن الصمة:
فآبت سكيباً من أناس تحبهم ... كئيباً ولولا طلعتي لم تطلق
بخيلٍ تنادي لا هوادة بينها ... شهدت بمزلال المعاقم محنق
عظيم طويل غير جاف نما به ... سليم الشظا في مكربات المطبق
معرض أطراف العظام مشرف ... شديد مشك الجنب نعم المنطق
من الكاتمات الربو ينزع مقدماً ... سبوق إلى الغايات غير مسبق
إذا ما استحمت أرضه من سمائه ... جرى وهو مودوع وواعد مصدق
وباض الشمال طعنه في عنانه ... وباع كبوع الخاضب المتطلق
دعته جواد لا يباع جنينها ... لمنسوبة أعرافها غير محمق
بصير بأطراف الحداب ترى له ... سراة تساوى بالطراف المروق
الباب الرابع في الغرة والتحجيل والدوائر وأسماء المفاصل والطبائع والصهيل وفيه ستة فصول
الفصل الأول في الغرة
وهي تسعة أنواع: لطمى وشادخة وسائلة وشمراخ ومنقطعة وسارحة وحنفا وشهبا ومتمصرة، فاللطمى ما أصاب بياضها عيني الفرس أو إحداهما أو خديه أو أحدهما. قال عبيد بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: "إذا كان سيفي ذا الوشاح ومركبي اللطيم فلم يطلل دم أنا طالبه". والشادخة، ما فشت في الوجه ولم تصب العينين ودقت وسالت. والسائلة، ما عرضت في الجبهة واعتدلت على قصبة الأنف أو سالت على أرنبته حتى رثمتها. والشمراخ، ما دقت وسالت في الجبهة وعلى قصبة الأنف ولم تبلغ الجحلفة قال مالك بن عوف:
وقد أعددت للحدثان عضباً ... وذا الشمراخ ليس به اعتلال
وقال آخر:
ترى الجون والشمراخ والورد يبتغي ... ليالي عشر وسطنا فهو عائر
والمنقطعة ما بلغت محل المرسن وانقطعت أو كانت ما بين العينين والمنخر وهي أحسن الغرر. والسارحة ما ملأت الوجه ولم تبلغ العينين. والحنفاء ما كانت إحدى عينيها زرقاء والأخرى سوداء. والشهباء ما كان فيها شعر يخالف البياض. والمتمصرة ما كانت على الجبهة وعلى قصبة الأنف وبين العينين منقطعة.
والحاصل إن كل بياض فشا في وجه الفرس فوق الدرهم يسمى غرة على اختلاف أنواعها فإن كان قدر الدرهم فما دونه يسمى قرحة. فإن كانت بين العينين تسمى نجمة، وهي أحسن القرح، وإن كانت على الجحفلة السفلى، سميت لمظاً، أو على قصبة الأنف سميت عيسوباً.
ومما يجري في الخيل مجرى الفراسة في الإنسان، أن الغرة إذا استدارت وحكت حرف الهاء تدل على اليمن والبركة. والشعرات القليلة خير ونجاة. والسائلة إن غطت عيناً واحدة دلت على الشؤم وقتلها مع راكبها، وقال بعضهم مخصوص بالعين اليسرى، فإن غطت الاثنتين دليل غصبها وقهر صاحبها، فإن كانت مائلة إلى الجهة اليمنى دليل الشؤم أو إلى الجهة اليسرى دليل الغنم، فإن سالت إلى الأنف دليل النسل والبركة والنجاح، والمنقطعة دون الأنف بعكسها وإن عمت الحاجب فلا فيها.
الفصل الثاني في التحجيل
وهو بياض في قوائم الفرس، يبلغ نصف الوظيف، مأخوذ من الحجل وهو الخلخال، فإن كان في القوائم كلها فمحجل أربع، وإن كان في ثلاث فمحجل ثلاث، مطلق يد أو رجل يمنى أو يسرى، وإن كان في الرجلين فقط فمحجل الرجلين، وهو ممدوح، قال الشاعر:
محجل رجلين طلق اليدين ... له غرة مثل ضوء الإراث
الإراث ككتاب: النار. وإن كان في اليدين، فأعصم اليدين فإن كان في وجهه وضح يقال له محجل لا أعصم وإن كان في يده اليمنى ورجله اليسرى أو بالعكس أو كان في يد ورجل من شق واحد فمشكول، وهو مكروه شرعاً وعند العرب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: "كان صلى الله عليه وسلم يكره من الخيل الشكال". وقال ابن النحاس: "إن الفرس الذي قتل عليه الحسين عليه السلام كان أشكل"، فإذا كان مع ذلك أغر زالت الكراهة عنه لأن الغرة تثلثه. فإن كان في إحدى يديه بياض قل أو كثر فأعصم. فإن كان في اليمنى فأعصم اليمنى أو في اليسرى فأعصم اليسرى، ومنكوس اليسرى وهو مكروه. وإن كان البياض في إحدى رجليه فأرجل، وهو مكروه إلا إذا كان البياض في اليسرى قال الشاعر:
أسيل نبيل ليس فيه معابة ... كميت كلون الصرف أرجل أقرح
الصرف بالكسر صبغ أحمر. والتحجيل إن جاوز أرساغ الفرس سمي تخديماً، فإن بلغ الجبب فما فوق ولم يبلغ الركبتين والعرقوبين سمي تجبيباً، فإن بلغهما أو جاوز العضدين والفخذين سمي تسرولاً، فإن بلغ الساقين والذراعين سمي إخراجاً. وكل قائمة فيها بياض تسمى ممسكة، والخالية منه تسمى مطلقة، والبياض المستطيل في التحجيل يسمى مستريحاً، لأن الشرط في التحجيل الإدارة، فإن خلا الفرس من البياض سمي بهيماً، وإن كان في ناصيته أو ذنبه أو قذاله خصلة بيضاء سمي أشعل. وقد أكثر الشعراء من مدح الغرة والتحجيل فمن ذلك قول ابن دريد:
كأنما الجوزاء في أرساغه ... والنجم في جبهته إذا بدا
وقال حازم:
كأنما أشرف من تحجيله ... سوار عاج مستدير بالعجا
وقال قسام من بني جعدة:
أغر قتامى كميت محجل ... خلا يده اليمنى فتحجيلة حسنا
وقال سلامة بن الخرشب:
تعادي من قوائمها ثلاث ... بتحجيل، وواحدة بهيم
كأن مسحتي ورق عليها ... وتحت قرطها أذن خديم
أي كأنها لبست صحيفة فضة من حسن لونها وبريق جلدها.
وقال امرؤ القيس:
كأن نجوماً علقت في مصامه ... بأمراس كتان إلى صم جندل
شبّه التحجيل ببياض نجوم السماء وأعصاب الساقين بحبال الكتان وصلابة الحافر بالحجر، وقال أبو سهل:
أطرف فات طرفي أم شهاب ... هفا كالبرق أضرمه التهاب
أعار الصبح صفحته نقاباً ... فقربه وصح له النقاب
فمهما حث خال الصبح وافى ... ليطلب ما استعار فما يصاب
إذا ما انقض كل النجم عنه ... وصلت عن مسالكه السحاب
فيا عجباً له فضل الدراري ... فكيف أزال أربعه التراب
سل الرواح عن أقصى مداه ... فعند الريح قد يلفى الجواب
وقال الحافظ الحجاري:
ومستبق يحار الطرف فيه ... ويسلم في الكفاح من الجماح
كأن أديمه ليل بهيم ... تحجل باليسير من الصباح
إذا احتزم التسابق صار جرماً ... تقلب بين أجنحة الرياح
وقال الصفي الحلي:
أغر تبري الإهاب مورد ... سبط الأديم محجل ببياض
أخشى عليه أن يصاب بأسهمي ... مما يسابقها إلى الأغراض
وقال:
أخمدت بالإدلاج أنفاس الفلا ... وكحلت طرفي في الظلام بسهده
بأغر أدهم ذي حجول أربع ... مبيضه يزهو على مسوده
خلع الصباح عليه سائل غرةٍ ... منه وقمصه الظلام بجلده
فكأنه لما تسربل بالدجى ... وطيء الضحى فابيض فاضل برده
قلق المراح فإن تلاطم خطوه ... ظن المطارد أنه في مهده
أدمى الحصى من حافريه بمثله ... وأراع ضوء الصبح منه بضده
وقال:
وأدهم نيق التحجيل ذي مرح ... يميس من تحته كالشارب الثمل
مضمر مشرف الأذنين تحسبه ... موكلاً باستراق السمع عن زحل
ركبت منه مطاليل تسير به ... كواكب تلحق المحمول بالحمل
إذا رميت سهامي فوق صهوته ... مرت تهاديه وانحطت عن الكفل
وقال البحتري:
جذلان تلطمه جوانب غرة ... جاءت مجيء البدر عند تمامه
وقال:
هل مبلغ الدار التي أغدو لها ... بمقلص السربال أحمر مذهب
لو يوقد المصباح منه لسامحت ... بضيائه شية كوهي الكوكب
إما أغر يشق غرته الدجى ... أو إرثماً كالضاحك المستغرب
متقارب القطار يملأ حسنه ... لحظات عين الناظر المتعجب
وأجل سيبك أن تكون قناعتي ... منه بأشقر ساطع أو أشهب
وقال:
وأغر في الزمن البهيم محجل ... قد رحت منه على أغر محجل
كالهيكل المبني إلا أنه ... في الحسن جاء كصورة في هيكل
وفى الضلوع يشد عقد حزامه=يوم اللقاء على معم مخول
أخواله للرستمين بفارس ... وجدوده للتبعين بموكل
يهوي كما تهوي العقاب وقد رأت ... صيداً وينصب انصباب الأجدل
يتوهم الجوزاء في أرساغه ... والبدر فوق جبينه المتهلل
متوجس برقيقتين كأنما ... تريان من ورق عليه موصل
ذنب كما سحب الرداء يذب عن ... عرف وعرف كالقناع المسبل
جذلان ينفض عذرة في غرة ... نيق تسيل حجولها في جندل
كالرائح النشوان أكثر مشيه ... عرضاً على السنن البعيد الأطول
ذهب الأعالي حيث تذهب مثلة ... فيه بناظرها حديد الأسفل
صافي الأديم كأنما عنيت به ... لصفاء نقبته مداوس صيقل
وكأنما نفضت عليها صبغها ... صهباء للبردان أو قطربل
لبس القنو مزعفراً ومعصفراً ... يدمي فراح كأنه في خيعل
وكأنما كسي الخدود نواعماً ... مهما تواصلها بلحظ تخجل
وتراه يسطع في الغبار لهيبه ... لوناً وشدّاً كالحريق المشعل
وتظن ريعان الشباب يروعه ... من جنة أو نشوة أو أفكل
هزج الصهيل كأن في لهواته ... نغمات معبد في الثقيل الأول
ملك العيون فإن بدا أعطيته ... نظر المحب إلى الحبيب المقبل
وقال يمدح محمد بن طاهر:
أراجعتي يداك بأعوجي ... كقدح النبع في الريش اللوام
بأدهم كالظلام أغر يجلو ... بغرته دياجير الظلام
تقدم في العنان فمد منه ... وضبر فاستزاد من الحزام
ترى أحجاله يصعدن فيه ... صعود البرق في الغيم الجهام
وما حسن بأن تهديه فذاً ... سليب السرج منزوع اللجام
فأتمم ما مننت به وأنعم ... فما المعروف إلا بالتمام
وقال آخر:
أدهم مصقول سواد الحقم ... قد سمرت جبهته بالنجم
وقال ابن نباتة:
وأدهم يستمد الليل منه ... ويقطع بين عينيه الثريا
سرى خلف الصباح يطير زهواً ... ويطوي خلفه الأغلاس طيا
فلما خاف وشك الفوت منه ... تشبث بالقوائم والمحيا
وقال يمدح سيف الدولة ابن حمدان حيث أعطاه فرساً أدهم أغر محجلاً:
يا أيها الملك الذي أخلاقه ... من خلقه ورواؤه من رأيه
قد جاءنا الطرف الذي أهديته ... هاديه يعقد أرضه بسمائه
أولايةً أوليته فبعثته ... رمحاً سبيب العرف عقد لوائه
يختال منه على أغر محجل ... ماء الدياجي قطرة من مائه
فكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه
متمهلاً والبرق من أسمائه ... متبرقعاً والحسن من أكفائه
ما كانت النيران يكمن حرها ... لو كان للنيران بعض ذكائه
لا تعلق الألحاظ في أعطافه ... إلا إذا كفكفت من غلوائه
لا يكمل الطرف المحاسن كلها ... حتى يكون الطرف من إسرائه
وقال أبو العلاء المعري:
وبعيدة الأطراف زعن بماجد ... يردين فوق أساود لم تطعم
ترعى خوافي الربد في حجرتها ... سغباً وتعثر بالغطاط النوم
يجمعن أنفسهن كي يبلغن ما ... يهوى، فمجفرهن مثل الأعظم
ضمرت وشزبها القياد فأصبحت ... والطرف يركض في مساب الأرقم
من كل معطية الأعنة سرجها ... ترقى فوارسها إليه بسلم
غراء سلهبة كأن لجامها ... نال السماء به بنان الملجم
ومقابل بين الوجيه ولاحق ... وأفاك بين مطهم ومطهم
صاغ النهار حجولة فكأنما ... قطعت له الظلماء ثوب الأدهم
قلق السماك لركضه ولربما ... نفض الغبار على جبين المرزم
مثل العرائس ما انثنت من غارة ... إلا مخضبة السنابك بالدم
سهرت وقد هجع الدليل بلابس ... برد الحباب مقيد فعل الضيغم
أدمت نواجذها الظبا فكأنما ... صبغت شكائمها بمثل العندم
وبنت حوافرها قتاماً ساطعاً ... لولا انقياد عداك لم يتهدم
باض النسور به وخيم مصعداً ... حتى ترعرع فيه فرخ القشعم
وسم إلى حوض الغمام فماؤه ... كدر بمنهاك الغبار الأقتم
جاءت بأمثال القداح مفيضة ... من كل أشعث بالسيوف موسم
فوجدن أمضى من سهام الترك إذ ... نفضت وأنفذ من حراب الديلم
حتى تركن الماء ليس بطاهر ... والترب ليس يحل للمتيم
المجفر: عظيم الجنبين، والأهضم: ضده، والتشزيب: معالجة الخيل حتى تضمر ويقل لحمها، ومعطية الأعنة: المنقادة لراكبها، والسلهبة: السريعة الطويلة، والمقابل: ما كان كريم الجدين، والوجيه واللاحق: فحلان معروفان ينسب إليهما كرائم الخيل، والمطهم: ما حسن منه كل شيء مقابل.
وقال:
وخيل لو جرت والريح شأواً ... ظننا الريح أوثقها إسار
غدت ولها حجول من لجين ... وراحت وهي من علق نضار
وأشبعت الوحوش فصاحبتها ... كأن الخامعات لها مهار
وكم أوردتها عدّاً قديماً ... يلوح عليه من خز خمار
تطاعن حوله الفرسان حتى ... كأن الماء من دمهم عقار
كذا الأقمار لا تشكو وناها ... وليس يعيبها أبداً سفار
وقال:
وقد أغتدي والليل تأسفاً ... على نجمه والنجم في الغرب مائل
بريح أعيرت حافراً من زبرجد ... لها الجسم تبر واللجين خلاخل
كأن الصبا ألقت إلي عنانها ... تخب بسرجي تارة وتناقل
إذا اشتاقت الخيل المناهل أعرضت ... عن الماء فاشتاقت إليها المناهل
وقال أبو تمام:
من قاده أشرٌ أو ساقه قدرٌ ... أو عمه عمرٌ فالحين مدلولُ
فالخيل مسرجةٌ والنبل ملحمةٌ ... والسمر مشرعةٌ والسيف مسلولُ
خيلٌ تصان ليومي حلبة ووغى ... يزينها غرر شدخ وتحجيلُ
وقال ابن الشهيد الأندلسي:
وأغر قد لبس الدجى ... برداً فراقك وهو فاحم
يحكي بغرته هلا ... ل الفطر لاح لعين صائم
وكأنما خاض الصبا ... ح فجاء مبيض القوائم
وقال ابن قلاقس:
وأدهم كالغراب سواد لونٍ ... يطير مع الرياح ولا جناح
كساه الليل شملته وولى ... فقبل بين عينيه الصباح
وقال ابن المعتز:
ولقد غدوت على طمر سابح ... عقدت سنابكه عجاجة قسطل
متلثم لجم الحديد يلوكها ... لوك الفتاة مساوكاً من إسحل
ومحجل غير اليمين كأنه ... متبخترٌ يمشي بكم مسبلِ
وقال أبو الوضاح المرسي:
ولقد غدوت مشرقاً حتى إذا ... ما لم أشم برقاً لأفق المغرب
بأغر أوجس للسماء بسمعه ... فرمته بين المقلتين بكوكب
وقال لسان الدين بن الخطيب:
صحبتهم غرر الجياد كأنما ... سد الثنية عارض متهلل
من كل منجردٍ أغر محجلٍ ... يرمى الجياد به أغر محجل
زجل الجناح إذا أطير لغايةٍ ... وإذا تغنى للصهيل فبلبل
جيد كما جيد الظليم وفوقه=أذن ممشقة وطرف أكحل
فكأنما هو صورة في هيكلٍ ... من لطفه وكأنما هو هيكل
ويشبهون قوائم الفرس المحجل إذا جرى بقوائم الكلب إذا ارتفعت إلى بطنه، فيصير تحجيلها كأنها أكلب تعدو، قال العماني:
كأن تحت البطن منه أكلباً ... بيضاً صغاراً تنتهشن المنقبا
وقال آخر:
كأن قطاً أو كلاباً أربعاً ... دون صفاقيْه إذا ما ضبعا
الفصل الثالث في الدوائر وتسمى في المشرق بالنياشين وفي المغرب بالنخلات
وهي قسمان ممدوحة ومذمومة، فالممدوحة دائرة العمود، وهي التي يكون في موضع القلادة قريبة من المعرفة، ودائرة السمامة، وهي التي تكون في وسط العنق، ودائرة الهقعة وهي التي تكون تحت الإبط وهو أبقى الخيل وأصبرها، والمذموم منها، ودائرة اللطاة إذا ثنيت وهما اللتان في وسط الجبهة، ودائرة اللاهز، وهي التي تكون في العظم الناتئ في اللحي تحت الأذن، ودائرة البينقة وهي التي في نحر الفرس، ودائرة القالع وهي التي تحت اللبد، ودائرة الناخس وهي التي تحت الفخذ، في محل ضرب الفرس بذنبه على فخذه وبقية الدوائر مسكوت عنها، وقد نظمها بعض المغاربة على اصطلاحهم بقوله:
فستة الأنخال للخير أتت ... وستة للشر، شرها ثبت
فإن أتت في الدير والحزام ... أو في العذار ثم في أمام
فرزقها يسهل ثم يقرب ... وفي التي خلف العذار يصعب
مقلوبة في الخلق طولاً لا ضرر ... وإن أتت بالعرض فالزم الحذر
وجوزة بأسفل العرقوب ... مقبولة عندي وذي مطلوبي
وعصرة الركاب أيضاً سادسه ... وما بقي خذه على المعاكسه
ما فوق حاجبٍ تسمى ناطحه ... ووسط الخد تسمى نائحه
ما فوق ركبةٍ تسمى سارقه ... أعني التي من خلف ليست لائقه
كذا التي تكون عند الحارك ... صاحبها يكون حقاً هالك
كما أتت في الفخذ من وراء ... معلومة بالشر والإيذاء
وعن يمين الذيل واليسار ... دوائر الأشرار، لا تمار
قد انتهت منظومة الأنخال ... مروية بالصدق عن بلال
ومما يتيمن به أهل الهند، إذا كان الفرس على حجفلته العليا دائرة أو في صدره أو على خاصرته أو على مذبحه أو في عنقه أو على أذنيه شعر نابت كزهر النبات كان ذلك مما يربط وتقضى عليه الحوائج ويتشاءمون مما كان في مقدم يده دائرة أو في ركبته أو في أصل أذنيه من الجانبين، أو على خده، أو على حجفلته السفلى، أو على ملتقى لحييه، أو على سرته أو على بطنه شعر منتشر، أو على خصيته شعر مخالف للونه، وقد اتفقوا مع العرب على شؤم الفرس، إذا كان في لسانه خطط سود، قال أبو داؤد:
عن لسان كجثة الورق الأح ... مر مج الندى عليه العرار
وقال حماد عجرد:
كأن لسانه ورق عليه ... بدار مضيئة مج العرار
أو داخل حجافله ولهواته وخارج لحييه سواد، أو داخل حجافله بياض، أو في لهواته، أو داخل منخريه نقط سود، أو خارج حجفلته نقط كحب السمسم، أو كانت شفته السفلى بياض.
الفصل الرابع في أسماء مفاصل الرأس ومنابت شعره وأسنانه وما يتعلق بذلك
سراة كل فرس أعلاه، والقونس أعلى الرأس وعظم ناتئ بين أذني الفرس، والناصية الشعر المسترسل على الجبهة، والعصفور أصل منبت الناصية، وعظم ناتئ في جنبيه، والقذال مجمع مؤخر الرأس وهو محل عقد العذار، والعرف ما ينبت من شعر العنق إلى عذرته، والعذرة الشعر الذي يقبض عليه الراكب حين ينهض على الفرس، ومحل منبت العرف يسمى معرفة.
ويكنف العرف عرقان يسميان علباءين. والناهقان عظمان أسفل عينيه، والوقبتان نقرتان فوقهما، والبلدة ما بينهما، والعجاجتان عظمان طائفان بهما، والخدان صفحتا الوجه والمرسن مصاب الرسن من أنفه، ونخرة الأنف ما رق من فوقه ولان، والغرضان ما انحدر من جانبي قصبة الأنف، والحجفلتان شفتاه، والغيد الشعر الذي على الحجفلة. وفي فمه أربع ثنايا وأربع رباعيات وبعدهن أربع تسمى قوارح، وأربعة أنياب وثمانية أضراس في كل شق ثنتان، والصليفان عرضا العنق والجران الجلدة بين المذبح والمنخر، واللبان ما جرى عليه سير اللبب، ويقال له لبة، والكلكل الصدر وهو ما عرض عند ملتقى أعلى يديه مما يلي العنق، والفهدان اللحمتان الناتئتان في الزور، والحارك أعلى الكاهل ومنبت أدنى العرف، والصردان عرقان يستبطنان اللسان، والصهوة مقعد الفارس، والمعدان موضع دقتي السرج، والمحزم الذي يجري عليه سير الحزام والحصير ما ظهر من أعلى ضلوعه، والحجبتان ما أشرف على صفاق البطن من وركيه، والعكوة أصل الذنب وعظمه وجلده يسمى عسيباً، والشعر الذي عليه يسمى سبيباً وسيباً، والسبيب يطلق على الناصية أيضاً والجاعرتان مضرب ذنبه على فخذيه، والصلوان ما عن يمين الذنب وشماله، والغائلتان عرقان مستبطنان في الفخذين، والنسا عرق من الورك إلى الكعب ويثنى فيقال نسوان، والوابلتان رؤوس العضدين والفخذين، والذراعات العضوان من تحت ومن فوقهما العضدان، ومنتهى حدهما من اليدين الركبتان، وفي الركبتين عظمان مدوران يسميان ضاغطين، وما بين الركبتين والرسغين من اليدين وظيفتان، والعجابة عظم في قوائم الفرس فيه نصوص من عظم تكون عند الرسغ كالكعاب، والثنة شعر مسترسل فوق الرسغ في الوظيف، والرسغ المفصل الذي يكنفه الحافر والوظيف، والسنبك طرق مقدم الحافر ويمينه ويساره حاميتان، والصحن جوف الحافر ويقال له الحوشب أيضاً، والجبة ما يكون الحوشب داخلها، والنسر ما شابه النوى في باطنه، والشوى اليدان والرجلان، والأطراف وقحف الرأس ما إذا أصيب به الفرس لا يقتله، وفي الفرس أشياء تسمى بأسماء بعض الطيور ستأتي إن شاء الله تعالى.
نادرة
قال الأصمعي: "حضرت أنا وأبو عبيدة عند الرشيد، فقال لي: كما كتابك في الخيل؟ فقلت مجلد واحد، فسأل أبا عبيدة عن كتابه فقال خمسون مجلداً. فقال له الربيع: قم إلى هذا الفرس وأمسك عضواً عضواً منه وسمه فقال: لست ببيطار وإنما أخذت شيئاً عن العرب. فقال: قم يا أصمعي وافعل ذلك فقمت، وأمسكت ناصيته، وجعلت أذكر عضواً عضواً، وأضع يدي عليه وأنشد ما قالت العرب فيه إلى حافره، فقال خذه فأخذته، وكنت إذا أردت أن أغيظ أبا عبيدة ركبته وأتيته".
الفصل الخامس في طبائعها
اعلم أن الخيل أقرب ما يكون من الإنسان مزاجاً، لأن الغالب على مزاجها الحرارة والرطوبة، وعنصرها الهواء، ومن ثم خصت بمزيد الجري، ولذا سماها بعض الحكماء: بنات الريح، وقال سيّار إنها أصح الحيوان مزاجاً ولذا تؤثر فيهما الرياضة، ومن أخلاق جيادها الدالة على شرف نفسها أنها لا تبوك ولا تروث ما دامت مركوبة، ولا تمكن غير صاحبها من ركوبها، ولا تأكل بقية علف غيرها ولا تشرب إلا بالصفير.
حكي عن عائشة بنت طلحة لما زفت إلى مصعب بن الزبير سمعت امرأة منها شخيراً ونخيراً وغطيطاً عند الجماع، فكلمتها في ذلك، فقالت: إن الخيل لا تشرب إلا بالصفير، وتحيض كالنساء. قال الجاحظ والحيض يعرض للإناث منهن ولا يحيض من الحيوانات غير الخيل والناقة والأرنب والكلبة، وللأنثى من الخيل شبق شديد ولذلك تطيع الفحل ولو كان من غير جنسها. وقال الشيخ الأكبر قدس الله سره: إذا وطأت الخيل أثر الذئب ارتعدت وخرج الدخان من جسدها وقيل إن قوائمها يعتريها الخدر حتى تكاد لا تتحرك.
الفصل السادس في الصهيل
فإن كان الصوت من الفم سمي شخيراً، أو من المنخرين فنخيراً أو من الصدر فكريراً، وأنواع الصهيل ثلاثة: أجش وصلصال ومجلجل، فالأجش ما جهر صوته، والصلصال ما حد ودق جداً، والمجلجل ما صفا ولم يدق، وكانت فيه غنة أي يخرج أكثر صهيله من منخريه وهو أحسن الصهيل. قال ابن أم حكيم:
أجش هزيم جريه ذو علالة ... وذلك خير في العناجيج صالح
وقال لبيد:
بأجش الصوت يعبوب إذا ... طريق الحي من الغزو صهل
وقال الحارث النجاشي:
ونجى ابن حرب سابح ذو علالة ... أجش هزيم والرماح دواني
وقال الجعدي:
ويصهل في مثل جوف الطوى ... صهيلاً تبين للمعرب
وقال أبو بكر بن بقي:
ونوبة من صهيل الخيل يسمعها ... بالرمل أطيب ألحاناً من الرمل
وقال المتنبي:
كرم تبين في كلامك ماثلاً ... ويبين عتق الخيل في أصواتها
وقال:
مررت على دار الحبيب فحمحمت ... جوادي وهل تشجو الجياد المعاهد
وما تنكر الدهماء من رسم منزل ... سقتها ضريب الشول فيها الولائد
أهم بشيء والليالي كأنها ... تطاردني عن كونه وأطارد
وحيداً من الخلان في كل بلدة ... إذا عظم المطلوب قل المساعد
وتسعدني في غمرة بعد غمرة ... سبوحٍ لها منها عليها شواهد
تثنَّى على قدر الطعان كأنما ... مفاصلها تحت الرماح مراود
وأورد نفسي والمهند يدي ... موارد لا يصدرن من لا يجالد
ولكن إذا لم يحمل القلب كفه ... على حالة لم يحمل الكف ساعد
فتشبيه الرماح بالمفاصل كالميل في العين في قوله تثني إلخ... فاسد لأنه خص الطعن بالمفاصل وليس كل طعن يكون فيها، وإذا كانت الرماح في المفاصل كالميل في العين فما الحاجة إلى تثنيها.
وقال النابغة الجعدي:
غدا هزجاً طرباً قلبه ... لقين وأصبح لم يلغب
الهزج صوت مطرب فيه بحة. وقال لسان الدين بن الخطيب:
جزل الجناح إذا أطير لغاية ... وإذا تغنى للصهيل فبلبل
وقال حبيب الطائي يمدح مالك بن طوق:
قالت وعي النساء كالخرس ... وقد يصبن الفصوص في الخلس
هل يرجعن غير خائب فرساً ... ذو نسب في ربيعة الفرس
كأنني بي قد زنت ساختها ... بمسبح في قياده سلس
احمر منها كالسبيكة أو ... أحوى به كاللمى أو اللعس
أو أدهم زينته كمتة فحلاً ... كأنه قطعة جاءت من الغلس
امتن متنٍ وصهوتين إلى ... حوافرٍ صلبة له ملس
فهو لدى الروع والحلائب ذو ... أعلى مندى وأسفل يبس
يكبر أن يستحم في الحر وال ... قر حميماً يزيد في البخس
مخلق وجهه على السبق تخلي ... ق عروس الأنباء للعرس
حر له سورة لدى السوط والزج ... ر وعند العنان والمرس
فهو يسر الرواض بالنزق السا ... كن منه واللين والشرس
صهصلق في الصهيل تحسبه ... أشرج حلقومه على جرس
تقتل عشراً من النعام به ... بواحد الشد واحد النفس
الحمحمة: ترداد الفرس صوته كالحنين. قال عنترة العبسي:
لما سمعت نداء قومي قد علا ... وابنا ربيعة في الغبار الأقتم
أيقنت أن سيكون عند لقائهم ... طعن تخر له فروخ الحوم
وكأن غارة ناجز بنسيمه ... شبت عوارضها إليك من الفم
ودعوت فهداً للنزال فأقحموا ... عند الطعان بكل ليث ضيغم
تحت الأغر وفوق جلدي تبرة ... تحكي لقعقعة الغدير الملجم
فكشفت عنهم والسيوف كأنها ... برق الأوادع بالرماح الحطم
مازلت أرميهم بغرة وجهه ... وثباته حتى تسربل بالدم
فازور من وقع القنا فزجرته ... فشكى إلي بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي
لما رآني لا أنفذ كربه ... عض الشفاه على اللجام وقمقم
والخيل عابسة الوجوه كأنما ... سقيت فوارسها نقيع العلقم
وقال:
وفرقت جيشاً كان في جنباته ... دمادم رعد تحت برق الصوارم
على مهرة منسوبة عربية ... تطير إذا اشتد الوغى بالقوائم
وتصهل خوفاً والرماح قواصد ... إليها وتنسل انسلال الأراقم
قحمت بها بحر المنايا فحمحمت ... وقد عرفت في موجه المتلاطم
وقال عبد عمر بن شريح:
طلقت إذا لم تسألي أي فارس ... حليلك إذ لاقى صداء وخثعما
أكر عليهم دعلجاً ولبانة ... إذا ما اشتكى وقع السلاح تحمحما
وقال سيدي الوالد قدس الله سره:
تسائلني أم البنين وإنها ... لأعلم من تحت السماء بأحوالي
ألم تعلمي يا ربة الخدر أنني ... أجلي هموم القوم في يوم تجوالي
وأغشى مضيق الموت لا متهيباً ... وأحمي نساء الحي في يوم تهوال
يثقن النسابي حيث ما كنت حاضراً ... ولا تثقن في زوجها ذات خلخال
أمير إذا ما كان جيشي مقبلاً ... وموقد نار الحرب إذ لم يكن صالي
إذا ما لقيت الخيل إني لأول ... وإن جال أصحابي فإني لها تالي
أدافع عنهم ما يخافون من ردى ... فيشكر كل الخلق من حسن أفعالي
وأورد رايات الطعام صحيحةً ... وأصدرها بالرمي تمثال غربال
ومن عادة السادات بالجيش تحتمي ... وبي يحتمي جيشي وتمنع أبطالي
وبي تثقن يوم الطعان فوارس ... تخالينهم في الحرب أمثال أشبال
إذا تشتكي خيلي الجراح تحمحماً ... أقول لها صبراً كصبري وإجمالي
وأبذل يوم الروع نفساً كريمة ... على أنها في السلم أغلى من الغالي
سلي الليل عني كم شققت أديمه ... على ضامر الجنبين معتدل عالي
سلي البيد عني والمفاوز والربى ... وسهلاً وحزناً كم طويت بترحالي
فما همتي إلا مقارعة العد ... وهزمي لأبطال شداد بأبطالي
فلا تهزئي بي واعلمي أنني الذي ... أهاب ولو أصبحت تحت الثرى بالي
تتمة: قد وضعت العرب لأصوات الحيوانات على اختلاف أجناسها أسماء، فيقولون صهل الفرس، وزأر الأسد، وثغت الشاة، ونهق الحمار، وشحج البغل، ورغا الجمل، وعوى الذين، ووعوع ابن آوى، ونبح الكلب، وضبح الثعلب، وقبع الخنزير، وضغا السنور، وبغم الظبي، وفحت الأفعى، ونقنقت الضفادع، وصأى الفرخ، ونعب الغراب، وصقع الديك، وهدر الحمام، وغرد، وهتفت الحمامة، وزقزق العصفور، ونقض العقاب، وهكذا يسمى صوت كل حيوان باسمه المختص به.
الباب الخامس في نعوت الخيل الممدوحة والمذمومة واختلافها باختلاف الأقاليم وفيه فصلان
الفصل الأول في تعوت الخيل الممدوحة
وقد التزمت أن أذكر لكل وصف شاهداً من كلام العرب إما نظماً أو نثراً، وأن استقصي أوصافها تفصيلاً أو إجمالاً ذكر الأصمعي أن ثلاثة من العرب لا يقاربهم أحد في وصف الخيل: أبو دؤاد، والطفيل، والجعدي، فأما أبو دؤاد فكان على خيل النعمان بن المنذر، والطفيل كان يركبها وهو أعزل إلى أن كبر، والجعدي سمع أوصافها من أشعار أهلها فأخذها عنهم، وقال أبو عبيدة: إن أبا دؤاد أوصف الناس للفرس في الجاهلية والإسلام وبعده طفيل الغنوي والنابغة الجعدي، وقال عمر بن شيبة: كان أبو عبيدة عالماً بأوصاف الخيل وكان يقول: ما التقى فرسان في جاهلية ولا إسلام إلاّ عرفتهما وعرفت فارسيهما. وعن ابن الأعرابي قال: لم يصف أحد قط الخيل إلاّ احتاج إلى أبي دؤاد، والخمر إلاّ احتاج إلى أوس بن حجر، ولا النعامة إلاّ احتاج إلى علقمة بن عبدة، ولا الاعتذار في الشعر إلاّ احتاج إلى النابغة.
وروى المسعودي عن محمد بن عبد الله الدمشقي قال: "لما انحدرنا مع المتقي بالله من الرحبة وسرنا إلى مدينة غانه فدعا بالرقي وغلامه للمسامرة فاتصل بهما الحديث إلى ذكر الخيل فقال المتقي أيكم يحفظ خبر سلمان بن ربيعة الباهلي، قال الغلام: ذكر عمرو بن العلاء أن سلمان كان يهجن الخيل ويعديها في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاءه عمرو بن معدي كرب بفرس كميت فهجنه فاستعدى عليه عمرو وشكاه إليه فقال سلمان ادع بإناء رحراح قصير الجدر، فدعا به، فصب فيه ماء، ثم أتى بفرس عتيق فمد عنقه وشرب ثم أتي بفرس عمرو الذي هجن فمد عنقه كما فعل العتيق ثم ثنى أحد السنبكين قليلاً فشرب فلما رأى ذلك عمر رضي الله عنه قال أنت سلمان الخيل. أقول: ومن العلامات أيضاً أن العتيق يضع منخريه في الماء حين الشرب، وغيره يضع طرف منخره فيه - ثم قال المتقي: فما عندكم عن علماء العرب في صفاتها؟ قال الرقي: ذكر الرياشي عن الأصمعي قال: إذا كان الفرس طويل أوظفة اليدين قصير أوظفة الرجلين طويل الذراعين قصير الساقين طويل الفخذين والعضدين منفرج الكتفين، لم يكن يسبق وإذا سلم منه شيئان لم يضرع عيب، عنقه مغروز في كاهله، ومغروز عجزه في صلبه، وإذا جادت حوافره فهو هو". وأنشد المبرد:
ولقد شهدت الخيل تحمل شكتي ... عنه كسرحان القضيمة مهنب
فرس إذا استقبلته فكأنه ... في العين جذع من أوائل مشرب
وإذا اعترضت له استوت أقطاره ... فكأنه مستدبر المتصوب
وسأل معاوية بن أبي سفيان مطر بن دراج فقال له: "أخبرني أي الخيل أفضل وأوجز. فقال: الذي إذا استقبلته قلت نافر، وإذا استدبرته قلت زاخر، وإذا استعرضته قلت زافر، سوطه عنانه، وهواه أمامه". (الزاخر: المشرف العالي، والزافر: عظيم الجنبين). وكان لعمرو بن معدي كرب فرس تسمى الكاملة من بنات البعيث، فعرضها على سلمان بن ربيعة فهجنها، فقال عمرو: أجل هجين يعرف الهجين وقال:
يهجن سلمان بنت البعي ... ث جهلاً لسلمان بالكامله
فإن كان أبصر مني بها ... فأمي لا أمه هابله
فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فكتب إليه: بلغني ما قلت لأميرك، وبلغني أن لك سيفاً تسميه الصمصامة، وعندي سيف اسمه مصمصم، وابم الله لئن وضعته على هامتك لا أقلعه حتى أبلغ رهايتك فإن سرك أن تعلم ما أقول فأعد (الرهاية: عظم في الصدر بشرف على البطن). وحكى أبو عمرو بن العلاء قال: كان لرجل من مقاول حمير ولدان عمرو وربيعة، وقد برعا في العلم والأدب، فلما بلغ أبوهما أقصى عمره، وأشفى على الفنا، دعاهما ليبلو عقلهما ويعرف مبلغ علمهما، فلما حضرا لديه، سألهما عن أشياء، من جملتها عن الخيل قال: فأخبرني يا عمرو أي الخيل أحب إليك عند الشدائد إذا التقى الأقران للتجالد؟ قال: الجواد الأنيق، الحصان العتيق، الكفيت العريق، الشديد الوثيق، الذي يفوت إذا هرب ويلحق إذا طلب قال والله نعم الفرس نعت، فما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أحب إلي منه. قال: فما هو؟ قال: الحصان الجواد الثبت القياد الشهم الفؤاد، الصبور إذا سرى، السابق إذا جرى، قال: فأي الخيل أبغض إليك يا عمرو؟ قال: الجموح الطموح النكول الأنوح الصردل الضعيف، الملول العنيف الذي إذا جاريته سبقته. قال ما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أبغض إلي منه. قال وماهو؟ قال البطيء الثقيل، الذي إذا ضربته قمص، وإن دنوت منه شمص، يدركه الطالب، ويفوته الهارب، ويقطع بالصاحب، وغيره أبغض إلي منه قال: فما هو؟ قال الجموح الخبوط، الركوض الشموص الضروط، القطوف في الصعود والهبوط، الذي لا يسلم الصاحب ولا ينجو من الطالب.
وقيل لأعرابي صف لنا الجواد من الخيل فقال: إذا اشتد نفسه ورحل متنفسه، وطال عنقه واشتد حقوه، وأبهر شدقه، وعظمت فصوصه، وصلبت حوافره فهو من الجياد. وسئل غيره عنه فقال: إذا عدا اسعلب وإذا قيض اجلعب وإذا انتصب اتلأب أي إذا ركض كان كالسابح (وقوله اجلعب أي مضى وجد في سيره وقوله اتلأب أي استقام) قال أبي بن سلمى الضبي:
وخيل تلافيت ريعانها ... بعجلزة جمزى المدخر
جموم الجراء إذا عوقبت ... وإن نوزقت برزت بالحضر
سبوح إذا اعترضت في العنان ... مروح ململمة بالحجر
دفعن على نعم بالعرا ... ق من حيث أفضى به ذو شمر
فلو طار ذو حافر قبلها ... لطارت ولكنه لم يطر
وعرضت على ابن قيصر من بني أسد بن خزيمة خيل فأومأ إلى بعضها وقال تجيء هذه سابقة. فسئل ما الذي رأيت فيها؟ فقال: رأيتها مشت فكتفت، وخبت فرجفت، وعدت فنسفت، فجاءت كما قال سابقة. وسئلت ابنة الخس: أي الخيل أحب إليك؟ فقالت: ذو المائعة الصنيع، السليط التليع، الأيد الضليع، الملهب السريع، فقيل لها: أي الغيوث أحب إليك؟ قالت ذو الهيدب المنبعق، الأضخم المؤتلق، الصخب المنبثق. (قولها: المائعة: ناصية الفرس إذا طالت وسالت، والصنيع السمين والسليط الشديد، والتليع الرافع رأسه والأيد القوي والصليع شديد الأضلاع، والملهب مثير الغبار في عدوه، والسريع ما يكون في أوائل الخيل، والهيدب السحاب المتدلي، والمنبعق المنبعج بالمطر، والأضخم الثقيل، والمؤتلق البرق اللامع، والصخب شدة الصوت، والمنبثق المنفجر.
وقيل لها: ما مئة من المعز؟ قالت: مويل يشف الفقر من ورائه، مال الضعيف وحرفة العاجز، قيل لها فما مئة من الضأن؟ قالت: قرية لا حمى لها، قيل لها فما مئة من الإبل؟ قالت: بخٍ جمال ومال ومنى الرجال، قيل لها: فما مئة من الخيل؟ قالت طغى من كانت له ولا توجد، قيل لها فما مئة من الحمر؟ قالت: عارية الليل وخزي المجلس، لا لبن لها فيحلب، ولا صوف فيجز، إن ربط عيرها أدلى، وإن ترك ولى. واجتمع خمس جوار من العرب وقلن: هلمن ننعت خيل آبائنا، فقالت الأولى: فرس أبي وردة، وما وردة؟ ذات كفل مزحلق، ومتن أخلق، وجوف أخرق، ونفس مروح، وعين طروح، ورجل ضروح، ويد سبوح، بداهتها إهداب، وعقبها غلاب.
وقالت الثانية: فرس أبي اللعاب، وما اللعاب، غيبة سحاب، واضطرام غاب، مرقص الأوصال، أشم القذال، ملاحك المحال، فارسه مجيد، وصيده عتيد، إن أقبل فظبي معاج، وإن أدبر فظليم هداج، وإن أحضر فعلج هراج.
وقالت الثالثة: فرس أبي خدمة، وما خدمة؟ إن أقبلت فقناة مقومة، وإن أدبرت فأثفية ململمة، وإن أعرضت فذيبة معجرمة، أرساغها مترقصة، وفصوصها ممحصة، جريها انشرار، وتقريبها انكدار.
وقالت الرابعة: فرس أبي خيفق، وما خيفق؟ ذات ناهق معرق، وشدق أشدق، وأديم مملق، لها خلق أشرف، ودسيع منفنف وتليل مسيف، وثابة ولوج، خيفانة رهوج، تقريبها إهماج، وحضرها ارتعاج.
وقالت الخامسة: فرس أبي هذلول؟ طريده محبول، وطالبه مشكول، دقيق الملاغم، أمين المعاقم، عبل المحزم، مخد مرجم، منيف الحارك، أشر السنابك، مجدول الخصائل، سبط الغلائل، معوج التليل، صلصال الصهيل، أديمه صاف، وسبيبه ضاف، وعلوه كاف.
فوردة في كلام الأولى: اسم الفرس، والمزحلق: الأملس، والأخلق: ناعم الجلد، والأحرق: واسع البطن، والمروح: السهل، والطروخ: حديد البصر، والضروح: قوة الجري التي تمد يديها في الجري كما يمد السابح في الماء يديه، والإهداب: نوع من الركض، والغلاب: إدامة الجري بلا تعب، والسحاب في قول الثانية: المطر، أي هو كالمطر في شدة الجري، ومرقص الأوصال: أي محكم الأعضاء، والقذال: محل عقد العذار، أي: مرتفعه، وملاحك المحال: أي متقارب فقرات الظهر، والظبي المعاج: الغزال المسرع، أي أنه كالظبي إذا أقبل، وكالظليم إذا أدبر، وكحمار الوحش إذا أحضر. والأثفية الململمة في قول الثالثة: أي الحجرة المدورة والمعجرمة المسرعة. والناهق في قول الرابعة: العظم الشاخص في الخد، والمعرق: قليل اللحم وأديم مملق: أي ناعمة الجلد، والدسيع: مركب العنق في الحارك، وثابة ثلوج: أي سريعة الوثب، وخيفانة رهوج: أي كالجرادة في سرعة جريها، والإهماج: أسرع العدو. والملاغم في قول الخامسة: الحجافل، والمعاقم المفاصم ومخد مرجم: أي قوي على السير كأنه يشق الأرض بحوافره.
وقال ابن الأثير: وطالما امتطيت صهوة مطهم فغنيت عن نشوة الكميت من ذات نهد يسابق الريح فيغبر وجهها دون شق غباره، وإذا ظهر عليها رجعت حسرى في مضماره، نسب إلى الأعوج وهو مستقيم في الكر والفر وقد حنقت عليه عين الشمس إذ لا يمكنها أن ترسم ظله على الأرض إذا مر، ليلي الإهاب لطم جبينه الصباح ببهائه، فعدا عليه وخاض يقتص منه في أحشائه كما قال ابن نباتة السعدي:
وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه
وقد أغتدي عليه والطير في وكناتها فلايفوتني الأجدل
وإذا أطلقته لصيد الوحوش رأيتني على منجرد قيد الأوابد هيكل وقال في وصف فرس: له من العربية حسب ومن الكردية نسب فهو من بينهما مستنتج لا ينتسب إلى خبيب ولا إلى أعوج. ومن صفاته أنه رحب اللبان، عريض البطان، سلس العنان، ينثني على قدر الطعان، وعلى قدر الكرة والصولجان، قد استوت حالاته قادماً ومتأخراً، وإذا أقبل خلته مرتفعاً وإذا أدبر خلته منحدراً كأنه في حسنه دمية محراب، وفي خلقه ذروة هضاب، وهو في سباقه ولحاقه مخلق بخلق المضمار وبدم الصراب والصوار فهو منسوب إلى ذوات القوادم، وإن كان محسوباً في ذوات القوائم، كأنما ثنى لجامه على سالفة عقاب وشد حزامه على بارقة سحاب، فقوله لا يتنسب إلى خبيب ولا إلى أعوج فالأول فرس كريم للأكراد والثاني فرس مشهور من العراب).
وكتب عبد الله بن طاهر إلى المأمون: قد بعثت إلى أمير المؤمنين بفرس يلحق الأرانب في الصعداء، ويجاوز الظباء في الاستواء، ويسبق في الحدور جري الماء كما قال تأبط شراً:
ويسبق وقد الريح من حيث تنتحي ... بمنخرق من شدة المتدارك
وقال محمد بن الحسن في وصف فرس: حسن القميص، جيد الفصوص، وثيق القصب، نقي العصب، يبصر بأذنيه، ويتبوع بيديه، ويداخل برجليه، كأنه موج في لجة، أو سيل في حدور، يناهب المشي قبل أن يبعث ويلحق الأرانب في الصعداء ويجاوز جواري الظباء في الاستواء ويسبق في الحدور جري الماء إن عطف جار وإن أرسل طار وإن كلف السير أمعن وسار وإن حبس صفن، وإن استوقف قطن، وإن رعي ابن.
وقال ابن المعتز: ساد فلان في جيوش عليهم أردية السيوف وأقمصة الحديد، وكأن رماحهم قرون الوعول، وكأن أدراعهم زبد السيول، على خيل تأكل الأرض بحوافرها، وتمد بالنقع سرادقها، قد نشرت في وجوهها غرر كأنها صحائف الورق، وأمسكها تحجيل كأنه إسورة اللجين، وقرطت عذاراً كأنها الشنف، تتلقف الأعداء أوائله ولم تنهض أواخره، قد صب عليهم وقار الصبر، وهبت معهم ريح النصر.
وسئل أعرابي عن سوابق الخيل فقال: إذا مشى ردى وإذا عدا دحا، وإذا استقبل أقعى وإذا استدبر حبا، وإذا اعترض استوى (دحا: انبسط على الأرض، وأقعى: تساند إلى وراء، والحبو: ارتفاع المنكبين إلى العنق).
وروي أن رجلاً خرج في الشهر الحرام لحاجة، فدخل في الحل فطلب رجلاً يستجير به، فرأى أغلمة يلعبون فقال لهم: من سيد هذا الحي؟ فقال له غلام: هو أبي. قال: ومن أبوك؟ قال باغث بن عويص، قال: صف لي بيت أبيك. قال: بيت كأنه حرة سوداء أو غمامة جماء بفنائه ثلاثة أفراس: أما أحدهم فمفزع الأكتاف، متماحل الأكناف، متماثل الأطراف؛ وأما الآخر فذيال جوال صهال أمين الأوصال أشم القذال؛ وأما الثالث فمغار مدمج محبوك مجملج كالقهق الأدعج، فمضى الرجل حتى انتهى إلى الخباء وقال: يا باغث جار علقت علائقه، واستحكمت وثائقه، فخرج إليه وأجاره.
وروي أن شاباً ابتاع فرساً فجاء إلى أمه، وقد كف بصرها، وقال: يا أماه قد اشتريت فرساً فقالت: صفه لي. قال: إذا استقبل فظبي ناصب وإذا استدبر فهقل خاضب، وإذا استعرض فسيد قارب، مؤلل المسمعين، طامح النظرين، فقالت: أجدت إن كنت أعربت، قال: إنه مشرف التليل، سبط الخصيل، وهواه الصهيل، فقالت: أكرمت فارتبط. وحكى زهير بن حباب أن علقمة بن جندل الطعان أغار على عبد الله بن كنانة بن بكر وهم بعسفان، فقتل عبد الله بن هبل ومالك بن عبيدة وصريم بن قيس بن هبل، وأسر مالك بن عبد الله بن هبل وأفلت من أفلت، فأقبلت جارية من عبد الله بن كنانة فقالت لزهير: يا عماه! ما ترى ما فعل أبي؟ قال: وعلى أي فرس كان أبوك؟ قالت: على شفاء ثفاء طويلة الإنقاء تمطق الشيخ بالمرق. قال: نجا أبوك. ثم أتته أخرى وقالت: يا عماه ما ترى ما فعل أبي؟ قال: وعلى أي فرس كان؟ قالت: على طويل بطنها قصير ظهرها هاديها شطرها يكبها حضرها فقال: نجا أبوك. ثم أتتع بنت مالك بن عبيدة فقالت: يا عماه ما ترى ما فعل أبي؟ قال: وعلى أي فرس كان؟ قالت: على الكزة الأنوح، التي يكفيها لبن اللقوح، فقال: هلك أبوك. فقال رجل: ما أسوأ بكاها فقال: لا تعلم اليتيم البكا فأرسلها مثلاً.
وروى أبو الفرج الأصبهاني أن خالد بن كلاب أتى النعمان بن المنذر بفرس فوجد عنده الحارث بن ظالم والربيع بن زياد فقبله منه وأكرمه فقام الحارث وقد له فرسه وقال أبيت اللعن نعم صباحك وأهلي فداؤك، هذا فرس من خيل بني قرة فلن تؤتى بفرس يشق غباره، إن لم تنسبه انتسب، كنت ارتبطه لغزو بني عامر بن صعصعة، فلما أكرمت خالداً أهديته إليك، فقام الربيع بن زياد وقدم له فرسه ثم قال: أبيت اللعن نعم صباحك وأهلي فداؤك، هذا فرس من خيل بني عامر ارتبطت أباه عشرين سنة لم يخفق في غزوة، ولم يعتلك في سفر، وفضله على هذين الفرسين، كفضل بني عامر على غيرهم، فغضب النعمان عند ذلك وقال: يا معشر قيس أي خيلكم أشباهنا؟ أين اللواتي كان أذنابها شقاق أعلام ومناخرها وجار الضباع، وعيونها بغايا النساء، رقاق المستطعم، تعالك اللجم في أشداقها، تدور على مذاودها، كأنما يقضمن حصى. فقال خالد: زعم الحارث أبيت اللعن أن تلك خيله وخيل آبائه فغضب النعمان عند ذلك على الحارث. وروي أن الحجاج سأل ابن القرية عن صفة الجواد فقال: هو الطويل الثلاث القصير الثلاث الرحب الثلاث العريض الثلاث الصافي الثلاث الأسود الثلاث الغليظ الثلاث فقال صفهن وبين قال: أما الطويل الثلاث فالأذن والعنق والذراع، وأما القصير الثلاث فالعسيب والرسغ والظهر، وأما الرحب الثلاث فالجوف والمنخر واللبب، وأما العريض الثلاث فالجبهة والصدر والكفل، وأما الصافي الثلاث فالأديم والعين والحافر، وأما الأسود الثلاث فالحدقة والحجفلة والحافر، وأما الغليظ الثلاث فالفخذ والوظيف والرسغ وقد نظم الصفي الحلي بعضها بقوله:
وطرف تخيرته طرفة ... وأحببته من جميع التراث
إذا انقض كالصقر في حلبة ... ترى الخيل في إثره كالبغاث
حوى ببدائع أوصافه ... مضاء الذكور وصبر الإناث
طويل الثلاث قصير الثلاث ... عريض الثلاث فسيح الثلاث
وقال آخر:
وقد أغتدي قبل ضوء الصباح ... وورد القطا في القطاة الحثاث
بصافي الثلاث عريض الثلاث ... قصير الثلاث طويل الثلاث
قال البديع الهمذاني: حدثنا عيسى بن هشام قال: حضرنا مجلس سيف الدولة يوماً وقد عرض عليه فرس فقال لجلسائه أيكم أحسن صفته جعلته صلته. فكل جهد جهده وبذل ما عنده، فقال بعض غلمانه: أصلح الله الأمير، إني رأيت بالأمس رجلاً يطأ الفصاحة بنعليه، وتقف الأبصار عليه، يسلي الناس ويشفي الباس، فلو أمر الأمير بإحضاره لفضلهم بأحضاره، فقال سيف الدولة: علي به في هيئته فسار الغلمان في طلبه، ولما جاؤوا به، أدخلوه وهو في طمرين فسلم، ولما رآه سيف الدولة أمر له بالجلوس وأدنى مجلسه وقال: بلغنا عناك حاضرة فاعرضها بهذا الفرس ووصفه. فقال: أصلح الله الأمير، كيف أصفه قبل ركوبه وكشف محاسنه وعيوبه. فقال: اركبه فركبه وأجراه ولما نزل عنه قال: هو طويل الأذنين قليل لحم الاثنين، لين الثلاث غليظ الأكرع، غامض الأربع، شديد النفس، لطيف الخمس، ضيق القلت رقيق الست، حديد السمع، غليظ السبع رقيق اللسان، عريض الثمان، شديد الضلع، قصير التسع، واسع الشجر، بعيد العشر، يأخذ بالسانح، ويطلق بالرامح، ويطلع بلائح، ويضحك عن قارح، بخروجه الكديد بمذاق الحديد، يحضر كالبحر إذا ماج، والسيل إذا هاج، فقال: خذه مباركاً عليك، فقال له: لا زلت تأخذ الأنفاس وتمنح الأفراس. قال عيسى فلما انصرف تبعته وقلت له: لك علي ما يليق بك من الحلل لركوب هذا الفرس إن فسرت ما وصفت، فقال: سل عما أحببت، فقلت ما معنى قولك قليل لحم الاثنين؟ قال: لحم الوجه والمتنين. قلت: فما معنى لين الثلاث؟ قال: المردغتين والفرق والعناق، قلت: فما معنى غامض الأربع؟ قال: أعلى الكتفين والمرفقين والحجاجين والشظا، فقلت: أحسنت. فما معنى لطيف الخمس؟ قال: الزور والنسر والجبة والعجاية والركبة، فقلت: أجدت ما معنى رقيق الست؟ قال: الجفن والسالفة والحجفلة والأديم وأعلى الأذنين والفرضين، فقلت: لله أبوك، فما معنى غليظ السبع؟ قال: الذراع والمخرم والعكوة والشوى والرسغ والفخذين والحبال، فقلت: حياك الله فما معنى عريض الثمان؟ قال: الجبهة والصهوة والكتف والجنب والعصب والبلدة وصفحة العنق، فقلت: لله درك فما معنى قصير التسع؟ قال: الشعرة والأطرة والعسيب والقضيب والعضدين والرسغين والنسا والظهر والوظيف، فقلت: ما معنى بعيد العشر؟ قال: بعيد النظر والخطو وأعالي الجنبين وما بين الوقبين والجاعرتين وما بين القرابين والمنخرين وما بين الرجلين، وما بين النقبة والصفاق، والقامة في السباق، فقلت له: من أين أخذت هذا العلم؟ قال: من الثغور الأموية وبلاد الاسكندرية، فقلت له: أنت مع هذا الفضل تعرض وجهك لهذا البذل، فقال:
ساخف زمانك جدا ... فالدهر جد سخيف
دع الحمية نسياً ... وعش بخير وريف
وقل لعبدك هذا ... يجيء لنا برغيف
وقال ابن عائشة:
قصرت له تسع ةطالت أربع ... وزكت ثلاث منه للمتأمل
وكأنما سأل الظلام بمتنه ... وبد الصباح بوجهه المتهلل
وكأن راكبه على ظهر الصبا ... من سرعة أو فوق ظهر الشمأل
فقوله زكت: أي نمت وطالت.
ومن أوصافها الممدوحة أن يكون شق شدقيها واسعاً. قال الشاعر:
هريت قصير عذار اللجام ... أسيل طويل عذار الرسن
الهريت: واسع الفم، وقصير عذار اللجام: دليل أسل الخد، وطول عذار الرسن: دليل طول العنق. وقال آخر:
طويل متن العنق أشرف كاهلاً ... أشق رحيب الجوف معتدل الجرم
وقال أبو دؤاد:
فهي شوهاء كالجوالق فوهاً ... مستجاف يضل فيه الشكيم
الشوهاء: واسعة الأشداق، ولا يقال للذكر أشوه. وقال آخر:
إذا ما نتبشت طرحت اللجا ... م في شدق الجرد والسلهب
يبذ الجياد بتقريبه ... ويأوي إلى حضر ملهب
كميت كأن على متنه ... سبائك من قطع المذهب
كأن القرنفل والزنجبي ... ل يعلو على ريقه الأطيب
ومنها أن تكون رحبة المنخر، قال امرؤ القيس:
وقد اغتدي ومعي القانصان ... فكل بمربأةٍ مقتفر
فيدركنا فعم داجن ... سميع بصير طلوب نكر
ألص الضروس حبي الضلوع ... تبوع طلوب نشيط أشر
فأنشب أظفاره في النسا ... فقلت هبلت ألا تنتصر
فكر إليه بمبراته ... كما خل اللسان المجر
فظل يرنح في غيظل ... كما يستدير الحمار النعر
وأركب في الروع خيفانةً ... كسا وجهها سعفٌ منتشر
لها حافرٌ مثل قعب الولي ... د ركب فيه وظيف عجر
وساقان كعباهما أصمعا ... ن لحم حماتيهما منبتر
لها عجز كصفاة المسي ... ل أبرز عنها حجاف مضر
لها متنتان خطاتا كما ... أكب على ساعديه النمر
وسالفةٌ كسحوق اللبا ... ن أضرم فيها الغوي السعر
لها غدرٌ كقرون النسا ... ء ركبن في يوم ريح وصر
لها جبهة كسراة المج ... ن حذقه الصانع المقتدر
لها منخر كوجار السباع ... فمنه تريح إذا تنبهر
لها ثننٌ كخوافي العقا ... ب سودٌ يفئن إذا تزبئر
وعين لها حدرة بدرة ... فشقت مآقيهما من أخر
إذا أقبلت قلت دباءةٌ ... من الخضر مغموسة في الغدر
وإن أدبرت قلت أثفيةٌ ... ململمةٌ ليس فيها أثر
وإن أعرضت قلت سرعوفةٌ ... لها ذنب خلفها مسبطر
وللسوط فيها مجالٌ كما ... تنزل ذو بردٍ منهمر
وتعدو كعدو نجاة الظبا ... ء أخطأها الحاذف المقتدر
لها وثبات كصوب السحاب ... فؤادٍ خطاءٌ وواد مطر
الوِجار: جحر الضبع، وضيق المنخر: عيب في الخيل، مدح في الصقر.
وقال بشر:
كأن حقيف منخره إذا ما ... كتمن الربو كير مستعار
يقال ربا الفرس إذا انتفخ منخره من عدو أو فزع وقال عدي بن زيد:
له ذنب مثل ذيل العروس ... ومنخره مثل جحر اللجم
اللجم: دويبة أصغر من العضاية، ومنها أن تكون واسعة الجبهة.
قال الأخطل:
صلت الجبين كأن رجع صهيله ... زجر المحاول أو غنا متوالي
وقال النابغة:
بعار النواهق سلط الجبي ... ن يستن كالتيس ذي الحلب
وقال يزيد بن ضبة يصف السندي فرس الوليد بن عبد الملك لما خرج إلى الصيد ولحق عليه حماراً فصرعه، ثم قال الوليد ليزيد صفه فقال:
وأحوى سلس المرس ... ن مثل الصدع الشعب
سما فوق منيفاتٍ ... طوال كالقنا سلب
طويل الساق عنجوجٍ ... أشق أصمع الكعب
على لام أصم مض ... مر الأشعر كالقعب
ترى بين حواميه ... نسوراً كنوى القسب
معالي شنج الأنسا ... ء سام جرشع الجنب
طوى بين الشراسيف ... إلى المنقب فالقنب
يغوص الملحم القائم ... ذو حد وذو شغب
عتيد الشد والتقري ... ب والإحضار والعقب
صليب الأذن والكاه ... ل والموقف والعجب
عريض الجبهة والخد ... والبركة واللهب
إذا ما حثه حاث ... يباري الريح في غرب
وإن وجهه أسر ... ع كالخذروف في النقب
وقفاهن كالأجد ... ل لما انضم للضرب
ووالى الضرب يختار ... جواشن بدن قب
ترى كل مدل قا ... ئماً يلهث كالكلب
كأن الدم في النحر ... قذال علّ بالخضب
يزين الدار موقوفاً ... ويشفي قدم الركب
فقال له الوليد: أحسنت الوصف وأجدت. وقال امرؤ القيس:
لها جبهةٌ كسراة المج ... ن حذقه الصانع المقتدر
ومنها أن يكون في عينيها السمو والحدة والاتساع، قال امرؤ القيس:
وعين لها حدرةٌ بدرة ... فشقت مآقيهما من أخر
الحدرة العظيمة والبدرة التي تبدر بالنظر والمآقي طرف العين الذي يلي الأنف وتوصف بالقبل وهو ميل النظر إلى طرف الأنف من عزة النفس لا من أصل الخلقة. قالت ليلى الأخيلية في فائض بن أبي عقيل وكان فر عن ثوبة حين قتل:
ولما أن رأيت الخيل قبلاً ... تبارة بالخدود شبا العوالي
نسيت وصاله وصددت عنه ... كما صد الأذب عن الضلال
وقال أبو الفضل ابن شرف يمدح المعتصم بالله الأندلسي:
أشوس الطرف علته نخوة ... يتهادى كالغزال الخرق
وامتطى من طرفه ذا خبب ... يلثم الغبراء إن لم يعنق
لو تمطى بين أسراب المهى ... نازعته في الحشا والعنق
حسرت دهمته عن غرة ... كشفت ظلماؤها عن يقق
لبست أعطافه ثوب الدجى ... وتحلى خده باليقق
وانبرى تحسبه أجفل عن ... لسعةٍ أو جنةٍ أو أولق
مدركاً بالمهل ما لا ينتهي ... لاحقاً بالرفق ما لم يلحق
ذو رضا مستتر في غضب ... ذو وقار منطوٍ في خرق
وعلى خدٍ كعضبٍ أبيض ... أذن مثل سنان أزرق
كلما نصبها مستمعاً ... بدت الشهب إلى مسترق
حاذرت منه شبا خطيةٍ ... لا يجيد الخط ما لم يمشق
كلما شامت عذار خده ... خفقت حفق فؤادٍ أفرق
في ذرى ظمآن فيه هيف ... لم يدعه للقضيب المورق
يتلقاني بكف مصقعٍ ... يقتفي شأو عذارٍ مقلق
إن يدر دورة طرفٍ يلتمح ... أو يجل جول لسان ينطق
عصفت ريح على أنبوبه ... وجرت أكعبه في زنبق
كلما قلبه باعد عن ... متن ملساء كمثل البرق
جمع السرد قوى أزرارها ... فتآخذن بعهدٍ موثق
أوجبت في الحرب من وخز القنا ... فتوارت حلقاً في حلق
كلما دارت بها أبصارها ... صورت منها مثال الحدق
زل عنه متن مصقول القوى ... يرتمي في مائها بالحرق
لو نضى وهو عليه ثوبه ... لتعرى عن شواظٍ محرق
أكهب من هبوات أخضر ... من فرند أحمر من علق
وارتوت صفحاه حتى خلته=بحميا من لكفيك سقي
يا بني معن لقد ظلت بكم ... شجر لولاكم لم تورق
لو سقي حسان من إحسانكم ... ما بكى ندمانه في جلق
أو دنا الطائي من حيكم ... ما حدا البرق لربع الأبرق
وقال امرؤ القيس:
وعين كمرآة الصناع تديرها ... بمحجرها من النصيف المنقب
الصناع: الحاذقة، والمحجر من العين: ما دار بها، والنصيف: شعر الجبهة.
وقال المتنبي:
تنام لديك الرسل أمناً وغبطةً ... وأجفان رب الرسل ليس تنام
حذاراً لمعروري الجياد فجاءةً ... إلى الطعن قبلاً ما لهن لجام
تعطف فيه والأعنة شعرها ... وتضرب فيه والسياط كلام
وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا ... إذا لم يكن فوق الكرام كرام
وقال ابن دريد:
شعثاً تعادى كسراحين الفضا ... قبل حماليق يبارين الشبا
الشعث: المغبرة، وتعادى: من العدو، والسراحين: الذئاب، والحماليق: بواطن الأجفان، والقبل: ميل النظر إلى الأنف في الخيل، وإذا كان في الإنسان سمي خزراً. قال المتنبي:
والقوم في أعينهم خزر ... والخيل في أعيانها قبل
وقال آخر:
إذا تخازرت وما بي من خزر ... ثم كسرت العين من غير عور
ألفيتني ألوي بعيد المستمر ... كالحية الصماء في أصل الشجر
وقال ابن الأطنابة:
إني من القوم الذين إذا انتدوا ... بدؤوا بحق الله ثم النائل
المانعين من الخنا جاراتهم ... والحاشدين على طعام النازل
والخالطين فقيرهم بغنيهم ... والباذلين عطاءهم للسائل
والضاربين الكبش يبرق بيضه ... ضرب المهجهج عن حياض الآبل
والقاتلين لدى الوغى أقرانهم ... إن المنية من وراء القاتل
والقائلين فلا يعاب كلامهم ... يوم المقامة بالقضاء الفاصل
خزر عيونهم إلى أعدائهم ... يمشون مشي الأسد تحت الوابل
ليسوا بأنكاسٍ ولا ميل إذا ... ما الحرب شبت أشعلوا بالشاعل
وقال عنترة العبسي:
ولرب مشعلة وزعت رعالها ... بمقلص نهد المراكل هيكل
سلس المعذر لاحق أترابه ... متقلب عبثاً بفأس المهجل
وكأن هاديه إذا استقبلته ... جذع أذل وكان غير مذلل
وكأن مخرج روحه في وجهه ... سربان كانا مولجين لجيال
وكأن متنيه إذا جردته ... ونزعت عنه الجل متنا أيل
وله حوافر موثق تركيبها ... صم الصخور كأنها من جندل
وله عسيب في سبيبٍ سابغ ... مثل الرداء على الفتى المتفضل
سلس العنان إلى القتال وعينه ... قبلاء شاخصةٌ كعين الأحول
وكأن مشيته إذا نهنهته ... بالنكل مشية شارب مستعجل
فعليه اقتحم الوقيعة خائضاً ... فيها وأنقض انقضاض الأجدل
وتوصف بحدة النظر قال المتنبي:
وينظرن من سود صوادق في الدجى ... يرين بعيدات الشخوص كما هيا
ومن ذلك قول العرب أبصر من فرس دهماء في ليلة ظلماء، ويقال أسمع من فرس بهماء. وقال عدي بن زيد:
له قصة فشغت حاجبيه ... والعين تبصر ما في الظلم
القصة: - بالضم - شعر الناصية، وفشغت: أي انتشرت. ومنها أن يكون شعر ناصيتها طويلاً.
قال امرؤ القيس:
وأركب في الروع خيفانة ... كسا وجهها سعف منتشر
الخيفانة: الفرس الطويلة القوائم الضامرة، ولا يقال للذكر خيفان. وقد غلط من علماء هذا الفن من غلط امرأ القيس في تشبيه ناصيتها بالطول بسعف النخلة حيث زعم أن شعر الناصية إذا غطى العين سمي غمماً والحق مع امرئ القيس ويؤيده قول عدي بن زيد:
غدا بتليل كجذع الخضا ... ب حر القذال طويل الغسن
لأن الغسن شعر الناصية، والذؤابة شعر في أعلاها، والحر من الفرس سواد في ظاهر الأذنين، ومنها أن تكون أذناها محددتين رقيقتين منتصبتين كثيرة التحريك لهما وإذا أميلت أذنها بلغت طرف عينها مما يلي الصدغ، قال ابن دريد:
يدير إعليطين في ملمومة ... إلى لموجين بألحاظ اللئا
الإعليط: وعاء ثمر المرخ - بالخاء المعجمة - شبه به أذني الفرس في الانتصاب والحدة، والملمومة: الهامة المجتمعة، كالحجر الملموم، واللموخ: العين، واللئا: البقر. وقال عتبة:
وترى أذنها كإعليط مرخ ... حدة في لطافة وانتصاب
وقال النمر بن تولب:
لها أذن حشرة مشرة ... كإعليط مرخ إذا ما صقر
وقال ابن مقبل:
يرخي العذار وإن طالت قبائله ... عن حشرة مثل سنف المرخة الصقر
الحشرة: الأذن اللطيفة المحددة. وقال حازم:
كم قد هدى هوادي الخيل إلى ... من ضل عن سبل الرشاد أو غوى
من كل سامي الطرف ما في لحظه ... من خذء ولا بأذنيه خذا
هوادي الخيل: أعناقها، وسامي الطرف: عاليه، روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا رأيتم خيل القوم رافعة رؤوسها، كثيراً صهيلها، فاعلموا أن الدائرة لهم. وإذا رأيتم خيل القوم ناكسة رؤوسها، قليلاً صهيلها، تحرك أذنابها، فاعلموا أن الدائرة عليهم"، ويكنى بسامي الطرف عن حدة نظر العين وطموحها، وهو مستحسن في الخيل.
قال أبو دؤاد:
حديد الطرف والمنكب ... والعرقوب والقلب
والخذا: استرخاء الأذن، وهو مكروه في الخيل، وهو غير مهموز. روي أن العماني دخل على الرشيد فأنشده في وصف فرس قوله:
كأن أذنيه إذا تشوّفا ... قادمةً أو قلماً محرفا
فلحن ولم يهتد منهم لإصلاحه إلاّ الرشيد، فإنه أبدل (كأن) ب(تخال) فقال:
تخال أذنيه إذا تشوفا ... قادمةً أو قلماً محرفا
وروي عن الأصمعي قال: سمعت أعرابياً يقول: خرجت علينا خيل مستطيرة النقع كأن هواديها أعلام وآذانها أطراف أقلام وفرسانها أسود آجام، فأخذ عدي هذا المعنى فقال:
يخرجن من مستطير النقع داميةً ... كأن آذانها أطراف أقلام
وقال عدي بن زيد:
له عنق مثل جذع السحوق ... وأذن مصنعة كالقلم
وقال ابن هاني:
وجاءت عتاق الخيل تردى كأنما ... تخط لها أقلام آذانها صحفا
والعرب تصف آذان الخيل بصدق السمع فتقول آذان الخيل أصدق من عينها، أي أنها إذا أحست بشيء تشوفت بآذانها وتوجست بهما فيتأهب فارسها لما عساه أن يحدث وأكثر البينات وإدلاج
الليل قال الشاعر:
يصهلن للنظر البعيد كأنما ... إرنانها ببوائن الأشطان
أي أنها إذا رأت شخصاً بعيداً طمحت إليه وصهلت فكأن صهيلها في آبار بعيدة القعر لسعة جوفها. قال كثير عزة:
تشوف من صوت الصدى كلما ... تشوف جيداء المقلد مغيب
تشوف الفرس: أي نصب عنقه وجعل ينظر، وروي أن بعض العرب أمر ولده بشراء إلى شيء، وأعضاؤه حشيت شيئاً في شيء، فقال له ابنه: من ملك مثل هذا لا يبيعه. وقال أبو العلاء المعري:
كأن أذنيه أعطت قلبه خبراً ... عن السماء بما يلقى من الغير
وقال: وأثبت الناس قلباً في الظلام سرى=ولا ربيئة إلاّ مسمع الفرس الربيئة: الطليعة، أي أربط الناس جأشاً من يسري في الظلام ولا لاطليعة له ترقبه إلاّ آذان فرسه. وقال أيضاً:
وأبصرت الذوابل منه عدلاً ... فأصبح في عواملها اعتدالا
وجنح يملأ الفودين شيباً ... ولكن يجعل الصحراء خالا
أردنا أن نصيد به مهاة ... فقطعت الحبائل والحبالا
ونم بطيفها الساري جواد ... فجنبنا الزيارة والوصالا
وأيقظ بالصهيل الركب حتى ... ظننت صهيله قيلاً وقالا
ولولا غيرة من أعوجي ... لبات يرى الغزالة والغزالا
يحس إذا الخيال دنا إلينا ... فيمنع من تعهدنا الخيالا
وقال المتنبي:
قاد الجياد إلى الطعان ولم يقد ... إلاّ إلى العادات والأوطان
كل ابن سابقة يغير بحسنه ... في قلب صاحبه على الأحزان
إن خليت ربطت بآداب الوغى ... فدعاؤها يغني عن الأرسان
في جحفل ستر العيون غباره ... فكأنما يبصرن بالآذان
الجحفل: الجيش العظيم كثيف الغبار الذي يستر الأعين حتى لا يرى، والخيل مع صدق حاسة نظرها إذا أحست بشيء نصبت آذانها كأنها تبصر بها. وقال أيضاً:
وتنصب للجرس الخفي مسامعاً ... يخلن مناجاة الضمير تناديا
وقال:
ويوم كليل العاشقين كمنته ... أراقب فيه الشمس إبان تغرب
وعيني إلى أذني أغر كأنه ... من الليل باق بين عينيه كوكب
له فضلة عن جسمه في إهابه ... تجيء على صدر رحيب وتذهب
شققت به الظلماء أدني عنانه ... فيطغى وأرخيه مراراً فيلعب
وأصرع أي الوحش قفيته به ... وأنزل عنه مثله حين أركب
وما الخيل إلاّ الصديق قليلة ... وإن كثرت في عين من لا يجرب
إذا لم تشاهد غير حسن شياتها ... وأعضائها فالحسن عنك مغيب
والمعنى: أنك لا تغتر بحسن شياتها فإنه لا فائدة فيه، إذا لم تكن ذات عدوٍ وجري وأدب، ومعنى قوله: دعيني إلى أذني، أنه كان ينظر إلى آذان فرسه، لأنه الفرس إذا أحس بشخص من بعيد نصب أذنيه نحوه، فيعلم أنه أبصر شيئاً، ثم وصفه بأنه كقطعة من الليل بقي كوكب منه بين عينيه، وهذا المعنى أخذه من قول أبو دؤاد:
ولها جبهة تلألأ كالشع ... رى أضاءت وعم منها النجوم
وقال البحتري: ومقدم الأذنين تحسب أنه=بهما يرى الشيء الذي لا يأمنه وقال آخر:
وجبت له أذنان يرقب سمعها ... بصر كناصية الشجاع المرصد
وقال حازم:
توحي إلى من يمتطيه أذنه ... بكل ما يسمع من أخفى الوحى
يكاد لا يبصره ذو مقلة ... من خفة وسرعة إذا دأى
الوحى: الإشارة والكلام الخفي. وقال أبو القاسم بن هاني الأندلسي يمدح المعز لدين الله:
وصواهل لا الهضب يوم مغارها ... هضب ولا البيد الحزون حزون
جنب الحمام، وما لهن قوادم ... وعلى الربود وما وما لهم وكون
فلهن من ورق اللجين توجس ... ولهن من مقل الظباء شفون
فكأنها تحت النضار كواكب ... وكأنها تحت الحديد رجون
عرفت بساعة سبقها لا إنها ... علقت بها يوم الرهان عيون
وأجل علم البرق فيها أنها ... مرت بجانحتيه وهي ظنون
فأمر له بدست قيمته ستة آلاف دينار. فقال له: يا أمير المؤمنين? ما لي موضع يسع الدست إذا بسطت، فأمر له ببناء قصر فغرم عليه ستة آلاف دينار، وحمل له آلة تشاكل القصر والدست قيمتها ثلاثة آلاف دينار.
وقال ابن حمديس الصقلي:
ومنقطع بالسبق من كل حلبةٍ ... فتحسبه يجري إلى الرهن مفردا
كأن له في أذنه مقلةٌ يرى ... بها اليوم أشخاصاً تمر به غدا
أقيد بالسبق الأوابد حوله ... ولو مر في آثارهن مقيدا
وقال امرؤ القيس:
له أذنان تعرف العنق فيهما ... كسامعتي مذعورةٍ وسط ربرب
العتق: الأصل والجمال، والسامعة: الأذن، والمذعورة: البقرة إذا ذعرت نصبت آذانها، والربرب: قطيع بقر الوحش، وخص المذعورة؛ لأنها أشد توخياً تسمعاً، ومنها أن تكون أسيلة الخد، ونواهقها عارية من اللحم. النواهق: مجاري الدمع، ويقال لها: سموم، قال حمد بن نور:
طرف أسيل معقد للريم ... عار لطيف موضع السموم
وقال طفيل:
معرقة الألحي تلوح متونها ... تثير القطافي منهل بعد مقرب
وقال امرؤ القيس:
قد أشهد الغارة الشعواء تحملني ... جرداء معروقة اللحيين سرحوب
كأن صاحبها إذ قام يلجمها ... مغدٌ على بكرةٍ زوراء منصوب
إذا تبصرها الرؤوان مقبلةً ... لاحت لهم غرةٌ منها وتجبيب
وقافها ضرمٌ وجريها جذمٌ ... ولحمها زيَمٌ والبطن مقبوب
واليد سابحةٌ والرجل ضارحةٌ ... والعين قادحة والمتن ملحوب
والماء منهمرٌ والشد منحدرٌ ... والقصب مضطورٌ واللون غربيب
كأنها حين فاض الماء واحتفلت ... سقعاء لاح لها في المرقب الذيب
وقال أيضاً:
وخد أسيل كالمسن وبركة ... كجؤجؤ هيق دقه قد تمورا
وقال عقبة بن سابق:
عريض الخد والجبهة ... والصهوة والجنب
وقال أيضاً:
ولها بركة كجؤجؤ هيق ... ولبان مضرج بالخضاب
وقال زهير بن مسعود الضبي:
ضافي السبيب أسيل الخد مشرفه ... جافي الضلوع شديد أسره تئق
وقال آخر:
يمتمه بأسيل الخد منتصب ... خاظي البضيع كمثل الجذع مشنوق
وقال أبو صدقة العجلي:
عارٍ من اللحم صبي اللحى ... مؤلل الأذن أسيل الخد
وقال أبودؤاد:
أسيل سلجم المقب ... للا شختٌ ولا جافي
أي: رقيق ضمر لا غليظ الخلقة ولا هزيل، ومنها أن يكون شعر معرفتها طويلاً غزيراً. قال امرؤ القيس:
لها غدر كقرون النسا ... ء ركبن في يوم ريح وصر
الغدر الشعر المتدلي من أمام القربوس إلى آذانها، شبهه بذوائب النساء في الكثرة إذا
نفشتها الريح، وقال حميد بن الأرقم:
قد أغتدي والصبح محمر الطرر ... والليل يحدوه تباشير السحر
وفي تواليه بخور كالشرر ... بسحق المبعة ميال الغدر
كأنه يوم الرهان محتضر ... وقد بدا أول شخص ينتظر
دون أنابي من الخيل زمر ... صار غداً ينفض صبيان المطر
وقال حازم:
ألقت توالي خيله أعراقها ... من فوق أطلاء الهوادي والعكا
تصاحب الخرصان حين تلتقي ... منه على جماجم مثل العلا
معروفة أعراقها ما عرفت ... أعرافها ولا نواصيها سفا
معتزة نفوسها مهتزةٌ ... أعطافها إلى الصريخ إن دعا
الأطلاء: الأصول، والهوادي: الأعناق، والعكوة: - بالضم - ذنب الدابة، حيث عري من الشعر من مفرزه، تقول: عكوت ذنب الدابة: إذا عقدته، والصخب: الصياح، والخرص: ما على الجبهة من السنان، ويطلق على الرمح، والجمجمة: عظم الرأس المشتمل على الدماغ، والعلاة: الزبرة التي يضرب عليها الحدادة الحديد أو الصخرة، والأعراق: أصول الأشياء، والسفا: خفة الشعر، وهو من عيوب الخيل وما ذكر من تنزيه أعرافها ونواصيها عن السفا ومعرفة أعراقها وأعرافها يدل على عتقها ونجابة أصلها واعتزاز نفوسها واهتزاز أعطافها لإجابة الصريخ، ويدل على كرمها ومبادرة فرسانها لنصرة المضطهد وإغاثة الملهوف.
روي أن عبد الملك بن مروان قال لجلسائه: أي المناديل أفخر؟ فقال بعضهم: مناديل مصر كأنها عرقي البيض، وقال البعض: مناديل اليمن كأنها زهر الربيع، فقال: ما صنعتم شيئاً، أفخر المناديل مناديل عبدة بن الطبيب حيث يقول:
لما نزلنا ضربنا ظل أجبيةٍ ... وفار للقوم باللحم المراجيل
وردٌ أشقر ما يونيه طابخه ... ما قارب النضج منها فهو مأكول
ثم انثنينا إلى جرد مسومةٍ ... أعرافهن لأيدينا مناديل
زيدت الياء بالمراجل للضرورة، والورد: القطيع من الطير، والأشقر: من الدم: ما صار علقاً. وقال الرمادي:
قامت قوائمه لنا بطعامنا ... غضاً وقام العرف بالمنديل
وقال امرؤ القيس:
وقلت لفتيان كرامٍ ألا انزلوا ... فعالوا علينا فضل بردٍ مطيب
ففئنا إلى بيتٍ مدرجٍ ... سماوته من أتحمي معصبٍ
وأوتاده عاديّة وعماده ... ردينيةٌ فيها أسنةُ قعضب
وأطنابه أشطان خوص نجائب ... وصهوته من أتحمي مشرعب
فلما دخلناه أضفنا ظهورنا ... إلى كل حاري حديد مشطب
فظل لنا يوم لذيذ بنعمةٍ ... فقل في مقيل نحسه متغيب
كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب
نمشُّ بأعرافِ الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن شواءٍ مضهب
ومنها أن تكون طويلة العنق، روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعا بفرسين عربي وهجين للشرب، فتطاول العتيق فشرب لطول عنقه، وتبازخ الهجين، أي: ثنى حافره؛ لقصر عنقه، والبزخ: تطامن الظهر، وإشراف القطاة والحارك، قال امرؤ القيس:
ومستفلك الذفرى كأن عنانه ... ومثناته في رأس جذعٍ مشذب
وهذا البت من قصيدة قالها حين تذكر الشعر مع علقمة بن عبدة وادعاه كل منهما فقال له علقمة: قل شعراً تمدح فيه فرسك والصيد، وأنا أقول مثل ذلك، والحكم بيني وبينك أم جندب فقال امرؤ القيس:
خليلي مرا بي على أم جندب ... لنقضي لبانات الفؤاد المعذبِ
إلى أن قال في وصف الفرس والصيد:
وقد أغتدي والطير وفي وكناتها ... وماء الندى يجري على كل مذنب
بمنجرد قيد الأوابد لاحهُ ... طرادُ الهوادي كل شأوٍ مغربِ
على الأين جياشٌ كأن سراته ... على الضمر والتعداء سرحة مرقب
يباري الخنوف المستقل زماعه ... ترى شخصه كأنه عود مشجب
له أيطلا ظبي وساقا نعامةٍ ... وصهوة عير قائمٍ فوق مرقب
ويخطو على صم صلابٍ كأنها ... حجارة غيل وارسات بطحلب
له كفل كالدعص لبده الندى ... إلى حاركٍ مثل الغبيط المذاب
وعين كمرآة الصناع تديرها ... بمحجرها من النصيف المنقب
له أذنان تعرف العتق فيهما ... كسامعتي مذعورةٍ وسط ربرب
ومستفلك الذفرى كأنه عنانه ... ومثناته في رأس جذع مشذب
وأسحم ريان العسيب كأنه ... عناكيل قنوٍ من سميحة مرطب
إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه ... تقول هزيز الريح مرت بأثأب
يدير قطاة كالمحالة أشرفت ... إلى سندٍ مثل الغبيط المذاب
ويخضد في الآري حتى كأنه ... به عرةٌ من طائف غير معقب
فيوماً على سرب نقيٍّ جلوده ... ويوماً على بيدانةٍ أم تولب
فبينا نعاجٌ يرتعين خميلةً ... كمشي العذارى في الملاء المهدب
تراهن من تحت الغبار نواصلاً ... ويخرجن من جعدٍ ثراه منصب
فكان تنادينا وعقد عذاره ... وقال صحابي قد شأونك فاطلب
فلأياً بلأيٍ ما حملنا غلامنا ... على ظهر محبوك السراة محنب
فللساق ألهوب وللسوط درة ... وللزجر منه وقع أهوج منعب
فأدرك لم يجهد ولم يثن شأوه ... يمر كخذروف الوليد المثقب
ترى الغار في مستنقع القاع لاحباً ... على جدذ الصحراء من شد ملهب
خفاهن من أنفاقهن كأنما ... خفاهن ودق من عشي مجلب
فعادى عداء بين ثور ونعجة ... وبين شبوب كالقضيمة قرهب
وظل لقيران الصريم غماغمٌ ... يداعسها بالسمهري المعلب
فكاب على حر الجبين ومتقٍ ... بمدرية كأنها ذلق مشعب
وقلنا لفتيان كرامٍ ألا انزلوا ... فعالوا علينا فضل ثوبٍ مطنب
ففئنا إلى بيتٍ بعلياء مدرج ... سماوته من أتحمي معصب
وأوتاده مازيةٌ وعماده ... ردينيةٌ فيها أسنة قعضب
وأطنابه أشطان خوص نجائب ... وصهوته من أتحميِّ مشرعب
فلما دخلنا أضفنا ظهورنا ... إلى كل حاري جديد مشطب
كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب
نمش بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن شواءٍ مضهب
ورحنا كأنا من جوائي عشية ... نعالي النعاج بين عدل ومحقب
وراح كتيس الربل ينفض رأسه ... أذاةً به من صائك متحلب
كأن دماء الهاديات بعرفه ... عصارة حناء بشيبٍ مخضب
وأنت إذا استدبرته سد فرجه ... بضاف فويق الأرض ليس بأصهب
وأنشد علقمة بن عبدة قصيدته التي مطلعها:
ذهبت من الهجران في غير مذهب ... ولم يك حقاً كل هذا التجنب
ثم وصف الفرس والصيد بقوله:
وقد أغتدي قبل الشروع بسابحٍ ... أقب كيعفور الفلاة مجلب
عظيم طويل مطمئن كأنه ... بأسفل ذي ماوان سرحة مرقب
كميت كلون الأرجوان نشرته ... لبيع الرداء في الصوان المكعب
ممر معقد الأندري يزينه ... مع العتق خلقٌ مفعم غير جانب
له حرتان تعرف العتق فيهما ... كسامعتي مذعورة وسط ربرب
وجوف هواء تحت متن كأنه ... من الهضبة زحلوق ملعب
قطاة ككردوس المحالة أشرفت ... إلى سند مثل الغبيط المذأب
وغلب كأعناق الضباع مضيغها ... سلام الشظى يغشى بها كل مركب
وسمر يفلقن الظراب كأنها ... حجارة غيل وارسات بطحلب
إذا ما اقتنصنا لم نخاتل بجنةٍ ... ولكن ننادي من بعيد ألا اركب
أخا ثقة لا يلعن الحي شخصه ... صبوراً على العلات غير مسبب
إذا أنفدوا زاداً فإن عنانه ... وأكرعه مستعملاً خير مكسب
رأينا شياهاً يرتعين خميلة ... كمشي العذارى في الملاء المهدب
فبينا تمارينا وعقد عذاره ... خرجن علينا كالجمان المثقب
وأقبل يهوي ثانياً من عنانه ... يمر كمر الرائح المتحلب
ترى الفأر عن مسترغب القدر لائحاً ... على جدد الصحراء من شد ملهب
خفا الفأر من أنفاقه فكأنما ... تجلله شؤبوب غيث منقب
فغادر صرعى من حمارٍ وخاضب ... وتيس وثورٍ كالهشيمة قرهب
فقلنا ألا قد كان صيد لقانصٍ ... فخبوا علينا فضل برد مطنب
فظل الأكف يختلفن بحانذٍ ... إلى جؤجؤ مثل المداك المخضب
وظل لنا يومٌ لذيذ بنعمةٍ ... فقل في مقيل نحسه متغيب
حبيب إلى الأصحاب غير ملعنٍ ... يفدونه بالأمهات وبالأب
فيوماً على بقعٍ دقاقٍ صدوره ... ويوماً على سفع المدامع ربرب
وراح يباري في الجناب قلوصنا ... عزيزاً علينا كالحباب المسيب
فلما فرغا من إنشادهما قالت أم جندب زوجة امرئ القيس لبعلها: علقمة أشعر منك لأنك قلت:
فللساق ألهوب وللسوط درةٌ ... وللزجر منه وقع أهوج منقب
فضربت فرسك بسوطك، وامتريته بساقيك، وزجرته بسوطك، وأما فرس علقمة فإنه أدرك ثانياً من عنانه، ولذا قال:
فأقبل يهوي ثانياً من عنانه ... يمر كمر الرائح المتحلب
فغضب امرؤ القيس من قولها وطلقها، فخلفه علقمة عليها ولذا سمي علقمة الفحل؛ لأن كل من عارض شاعراً وغلبه سمي فحلاً.
وقال امرؤ القيس أيضاً:
وسالفة كسحوق الليان ... أضرم فيه الغوي السعر
وقال أبو تمام يمدح الحسن بن وهب على فرس أهداه له:
نعم متاع الدنيا حباك به ... أروع لا جيدرٌ ولا جبسُ
أصفر منه كأنه محة البي ... ضة صافٍ كأنه عجس
هاديه جذعٌ من الأراك وما ... خلف الصلا منه صخرة جلس
يكاد يجري تلجادي من ماء عط ... فيه ويجنى من متنه الورس
هذب في جنسه ونال المدى ... بنفسه فهو وحده جنس
أحرز آباؤه الفضيلة مذ ... تفرست في عروقها الفرس
ليس بديعاً منه ولا عجباً ... أن يطرق الماء ورده خمس
يترك ما مر مذ قبيل به ... كأن أدنى عهد به الأمس
وهو إذا ما ناجاه فارسه ... يفهم عنه ما يفهم الإنسُ
وهو ولما تهبط ثنيته ... لا الربع في جريه ولا السدس
وهو إذا ما رنا بمقلته ... كانت سخاماً كأنها نقس
وهو إذا ما أعرت غرته ... عينيك لاحت كأنها برس
ضمخ من لونه فجاء كأن ... قد كسفت في أديمه الشمس
كل ثمين من الثناء له ... غير ثنائي فإنه بخس
هذب عمي به صقيل من ال ... فتيان أقطار عرضه ملس
سامي القذالين والجبين إذا ... نكس من لؤم فعله النكس
وقال أبو العلاء المعري:
أمامك الخيل مسحوباً أجلتها ... من فاخر الوشي أو من ناعم السرقِ
كأنما الآل يجري في مراكبها ... وسط النهار وإن أسرجن في الغسق
كأنها في نضار ذائب سبحت ... واستنقذت بعد أن أشفت على الغرق
ثقيلة النقض مما حليت ذهباً ... فليس تملك غير المشي والعنق
تسمو بما قلدته من أعنتها ... منيفة كصوادي يترب السحق
السرق: الحرير (فارسي معرب)، والآل: السراب. والمراكب: كل آلة تكون على الفرس وقت ركوبها، ويترب: - بالتاء المثناة فوق - هي اليمامة، وقال عقبة بن مكدم:
في تليل كأنه جذع نخل ... مستهل مشذب الأكراب
وقال امرؤ القيس:
ومرقبةٍ كالزج أشرفتُ فوقها ... أقلب طرفي في فضاء عريض
فظلتُ وظل الجون عندي بلبده ... كأني أعدي عن جناح مهيض
فلما أجن الشمس عني غوارها ... نزلت إليه قائماً بالحضيض
يباري شباة الرمح خد مذلق ... كصفح السنان الصلبي النحيض
أخفضه بالنقر لما علوته ... ويرفع طرفاً غير جافٍ غضيض
وقد أغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد عبل اليدين قبيض
له قصريا عيرٍ وساقا نعامة ... كفحل الهجان ينتحى للغضيض
يجم على الساقين بعد كلاله ... جموم عيون الحسي بعد المخيض
ذعرت به سرباً نقياً جلودها ... كما ذعر السرحان جنب الربيض
ووالى ثلاثاً واثنتين وأربعاً ... وغادر أخرى في قناة رفيض
فآب إياباً غير نكدٍ مواكلٍ ... وأخلف ماء بعد ماءٍ فضيض
وسن كسنيق سناء وسنماً ... ذعرتُ بمدلاج الهجير نهوض
فالشاهد في قوله: (يباري شباة الرمح خد مذلق... البيت)، فإنه وصف خده بكون أملس، وبأنه يباري حد الرمح إذا مد فارسه رمحه، وذلك من طول عنقه، وقال الوزير أبو عامر بن أرقم:
فتى الخيل يقتادها ذبلا ... خفافاً تباري القنا الذابلا
ترى كل أجرد سامي التلي ... ل تحسبه غصناً مائلا
وجرداء إن أوجست صارخاً ... تذكرك الظبية الخاذلا
إذا شنهن بأرض العدا ... يصير عاليها سافلا
وقال المتنبي:
في سرج ظامئة الفصوص طمرة ... يأبى تفردها بها التمثيلا
نيّالةِ الطلبات لولا أنها ... تعطي مكان لجامها مانيلا
تندى سوالفها إذا استحضرتها ... وتظن عقد عنانها محلولا
فقوله: (نيّالة الطلبات) أي: تدرك كلما تطلبه إن أحضرت ولو لم تعط رأسها لوضع اللجام في فيها ما ناله أحد من طول عنقها. وقال طفيل:
طوال الهوادي والمتون صليبةٌ ... مغادير فيها للأمير معقب
وقال الأعشى:
والقارح العدى وكل طمرة ... لا تستطيع يد الطويل قذالها
وقال: غدا بتليلٍ كجذع الخضا_ب حر القذال طويل الغسن الغسن شعر المعرفة والناصية والذنب. وقال مالك بن زغبة:
وذات مناسب جرداء بكر ... كأن سراتها كر مشيق
تنيف بصلهب للخيل عالٍ ... كأن عموده جذعٌ سحوق
تراها عند قبتنا قصيراً ... ونبذلها إذا باقت بؤوق
أي: منسوبة الأب والأم، وسراتها: أعلاها، والصلهب: العنق، أي: إذا أشرفت ترى عنقها كأنه نخلة طويلة من شدة طوله.
وقال غيلان بن حريث:
يستوعب البوعين من جريره ... من لد لحييه إلى منحوره
أي من لحييه إلى نحره يستوعب باعين من الخيل. وقال آخر:
الحمد يعذلني على إمساكها ... ويقول قد أفنيت ما لا يحسب
فحلفت لا أنفك عنه شظية ... جرداً وسياط المسدة سلهب
لما رأيت قبيلة مسعودة ... بالخيل يسعفها الرهان فتحلب
صافيت مهتز اللدان كأنه ... نار تراوحه اليدان مدرب
أما إذا استقبلته فكأنه ... جذع سما فوق النخيل مسردب
وإذا تصفحه الفراش معرضاً ... فيقول سرحان القطا المتنصب
أما إذا استدبرته فيشوقه ... ساق تقمصها وظيف أجذب
منه وجاعره كأن حماتها ... لما كشطت الجد عنها أرنب
ومفرق الجنبين دكت فوقه ... حصد وسابقة تظل تقلب
وترى اللجام يصل في أشداقها ... متنفس رحب وجوف حوشب
وحزامه باعٌ إذا ما قسته ... يعيى له حيزومه والمثقب
وقال عدي بن زيد:
مشرف الهادي له غسن ... يعرق العلجين إحضارا
وقال ابن مقبل:
يرخي العذار وإن طالت قبائله ... في حزةٍ مثل سنف المرخة الصفر
القبائل: سيور اللجام، واحدتها: قبلة، وقال:
وحاوطني حتى ثنيت عنانه ... على مدبر العلباء ريان كاهله
أي: عنقه طويل وفي علبائه إدبار. وقال ابن زمرك وزير الغني بالله الأندلسي:
وكتيبة أردفتها بكتيبةٍ ... والخيل تمرح في الحديد وترفل
من كل منخفر كلمعة بارق ... بالبدر يسرج والأهلة ينعل
أوفى بهاد كالظليم وخلفه ... كفل كما ماج الكثيب الأهيل
حتى إذا ملك الكمي عنانه ... يهوي كما يهوي بجوٍ أجدل
وقال زهير:
وملجماً ما إن ينال قذاله ... ولا قدماه الأرض إلا أنامله
القذال: جماع مؤخر الرأس، ومعقد العذار من الفرس خلف الناصية.
وقال ابن دريد:
سامي التليل في دسيعٍ مفعمٍ ... رحب اللبان في أمنيات العجى
سامي التليل: مرتفع العنق، والدسيع: مفرز العنق في الكاهل، والمفعم: الممتلئ من اللحم، والأمينة: الصلبة، واللبان: ما يجري عليه اللبب، والعجى: كل عصبة في يد أو رجل. وقال سلامة بن جندل:
يرى في الدسيع إلى هادٍ له تلع ... في جؤجؤ كمداك الطيب مخضوب
وقال ابن هانئ:
وكأنما الجرد الجنائب خردٌ ... سفرت تشوق متيماً متبولا
تعنو لمن تعنو الملوك لعزه ... فيكون أكثر مشيها تبجيلا
ويجل عنها قدره حتى إذا ... راقته كانت نائلاً مبذولا
من كل يعبوبٍ يجيد فلا ترى ... إلا قذالاً سامياً وتليلا
وكأن بين عنانه ولبانه ... رشأ يزيغ إلا الكناس خذولا
لو تشرئب له عقيلة ربرب ... ظنته جؤذر رملها المكحولا
إن شيم أقبل عارضاً متهللاً ... أو ريع أدبر خاضعاً إجفيلا
تتبين اللحظات فيه مواقعاً ... فتظن فيه للقداح مجيلا
يتزيل الأروى على صهواته ... ويبيت في وكر العقاب نزيلا
يهوي بأم الخشف بين فروجه ... ويقيد الإدمانة العطبولا
صلتان يعنف بالبروق لوامعاً ... ولقد يكون لأمهن سليلا
يستغرق الشأو المغرب صافناً ... ويجيء سابق حلبة مشكولا
والمرغوب من أوصاف إناث الخيل هو المرغوب من أوصاف ذكورها إلا أنه ينبغي أن تكون قليلة لحم اللهزمة أي موضع القلادة ورقة الخيشوم والشفة وقرب ما بين الفخذين لأنه إذا اتسع استرخت ودخلها الريح وطول القيام على المعلف وقلة النوم وأن يكون حضرها وثباً لا تمغطاً.
قال سنان العبدي:
أما إذا ما أقبلت فمطارة ... كالجذع شذبه نفي المنجل
أما إذا ما أعرضت فقليله ... ضخم مكان حزامها والمركل
أما إذا تشتد فهي نعامة ... تنفي سنابكها صلاب الجندل
وقال امرؤ القيس:
إذا أقبلت دباءةٌ ... من الخضر مغموسة في الغدر
وإن أدبرت قلت أثفية ... ململمة ليس فيها أثر
أو اعترضت قلت سرعوفة ... لها ذنبٌ خلفها مسبطر
شبهها بالدباءة: لرقة أولها وغلظ آخرها، والأثفية: الحجر التي تنصب عليها القدر، والململمة: المجتمعة، والأثر: - بالضم - أثر الجرح أي ليس بها خدش، والسرعوفة قليلة اللحم والمسبطر الطويل، أي: إن استقبلتها فكأنها مقعية لإشراف عنقها، وإن استدبرتها فكأنها تحبو من استواء عجزها، وإن استعرضتها فكأنها مستوية لإشراف أقطارها، وقال الشاعر:
أما إذا استقبلته فكأنه ... نار تكفكف أن يطير وقد جرى
أما إذا استدبرته فنزاله ... ساق قموص الدفع عاردة النسا
أما إذا استعرضته متمطراً ... فتقول هذا مثل سرحان الغضى
ولقد علمت على توقي الردى ... أن الحصون الخيل لا عدت العدا
إني وجدت الخيل عزاً ظاهراً ... تنجي من الغما ويكشفن الدجى
وتبين الثغر المخوف طلائعاً ... وتبين للصعلوك همة ذي الغنى
يخرجن من خلل الغبار عوابثاً ... كأصابع المقرور أقعى فاصطلا
وقال أبو دؤاد:
كالسيد ما استقبلته وإذا ... ولى تقول ململم ضرب
لام إذا استعرضته ومشى ... متتابعاً ما خانه عقب
يمشي كمشي نعامةٍ تبعت ... أخرى إذا هي راعها خطب
وقال الأعشى:
أما إذا استقبلته فكأنه ... جذع سما فوق النخيل مشذب
وإذا تصفحه الفوارس معرضاً ... فتقول سرحان الغضى المتصوب
أما إذا استدبرته فتسوقه ... ساق يقصمها وظيف أحدب
منه وجاعرة كأن حماتها ... لما كشفت الحبل عنها أرنب
وقال لبيد بن ربيعة العامري:
ولقد حميت الحي تحمل شكتي ... فرط وشاحي إذ غدوت لجامها
فعلوت مرتقباً على ذي هبوةٍ ... حرجٍ إلى أعلامهن قتامها
حتى إذا ألقت يداً في كافر ... وأجن عورات الثغور ظلامها
أسهلت وانتصبت كجذع منيفةٍ ... جرداء يحصر دونها جرامها
رفعتها طرد النعام وشله ... حتى إذا سخنت وخف عظامها
قلقت رحالتها وأسبل نحرها ... وابتل من زبد الحميم حزامها
ترقى وتطعن في العنان وتنتحي ... ورد الحمامة إذ أجد حمامها
مواقع النشر (المفضلة)