وإنى وإن كنت لا ألحق منزله أولئك فى العلم والفهم فأنى قد ذكرت أشياء مما تكلموا عليها ومما إستحسن وجرب من كلامهم وأرائهم وكثيرًا مما رأيناه من البياطرة والذرادقة وجربناه وذكره والدي رحمه الله ورأيته من الصناع بمصر والشام نقلاً عن الثقاة وعملاً بالعيان وعملاً باليد وقد جعلته عشر مقالات تختص كل مقاله منها بنوع من الأنواع ليكون أشد تمكنا من فهم من أراد علمه ومعرفته قبل قرائته فيعرف مكان ما يريد من الكتاب فيقصده فى موضعه والله الموفق للصواب وكرمه آمين .
بداية خطبة المؤلف * التعريف بالمؤلف : هو أبو بكر بن بدر الدين البيطار ، وهو صاحب خيل السلطان الناصر محمد بن قلاوون . (709هـ ـ 741هـ / 1309م ـ 1340م ). كبير بياطرته وكذلك كان والده من قبله .
* يحدثنا أبى المحاسن يوسف بن تغرى من كتابه النجوم الزاهرة ص 164 ، 177. عن السلطان الناصر محمد بن قلاوون :
مدة سلطنته ، يقول أبى المحاسن : فقد تسلطن ثلاث مرار ، فأول سلطنته كانت بعد قتل أخيه الأشرف خليل بن قلاوون فى سنة ثلاث وتسعين وستمائة فى المحرم ، وعمره تسع سنين وُخلع بالملك العادل كتبغا المنصورى فى المحرم سنة أربع وتسعين ، فكانت سلطنته هذه المرة دون السنة ، ثم توجه إلى الكرك ، إلى أن أعيد إلى السلطنة بعد قتل المنصور حسام الدين لاجين فى سنة ثمان وتسعين وستمائة فأقام فى الملك والأمر إلى لاروبيبرس الجاشنكير إلى سنة ثمان وسبعمائة ، وخلع نفسة وتوجه إلى الكرك وتسلطن بيبرس الجانشكير وكانت مدته فى هذه المرة الثانية نحو التسع سنين . ثم ُخلع بيبرس وعاد الملك الناصر إلى السلطنة ثالث مرة فى شوال سنة تسع وسبعمائة وإستبد من يوم ذاك بالأمر من غير معارض إلى أن مات فكانت مدة حكمه فى هذه المرة الثالثة إثنين وثلاثين سنة وشهرين وخمسة وعشرين يوماً .
عرف عن السلطان الناصر محمد بن قلاوون أنه كان مشغوفاً بالخيل فجلبت له من البلاد ، لاسيما العرب آل مهنا وآل فضل ، فإنه كان يقدمها على غيرها ولهذا كان يكرم العرب ويبذل لهم الرغائب فى خيولهم فكان إذا سمع العربان بفرس عند بدوى أخذوها منه بأغلى القيمة ، وأخذوا من السلطان مثلي ما دفعوا فيها . وكان فى كل طائفة من طوائف العرب عَيٌن يدله على ماعندهم من الخيل من الفرس السابق الأصيل بل ربما ذكروا له أصل بعضها لعدة جدود ، حتى يأخذه بأكثر مما كان فى نفس صاحبها من الثمن فتمكنت منه بذلك العربان ونالوا المنزلة العظيمة والسعادات الكثيرة ، وكان يكره خيول برقة فلا يلاحظ منها إلا ما بلغ الغاية فى الجودة وما عدا ذلك إذا جلبت إليه فرقها ، وكان له معرفة تامة بالخيل وأنسابها يذكر من ويمتنع من قودها ، ثم يقترح ماشاء ولا يزال حتى يبلغ غرضه من السلطان فى ثمن فرسه .
عرف عنه أيضا أنه هو أول من إتخذ من ملوك مصر ديواناً للإسطبل السلطانى ، عمل له ناظراً وشـهوداً وكتاباً لضبط أسماء الخيل وأوقات ورودها وأسماء أربابها ومبلغ أثمانها ومعرفة سواسها وغير ذلك من أحوالها كان لايزال يتفقد الخيول فإذا أصيب منها فرس أو كبر سنه بعث به مع أحد الأوجاقية إلى الجشار بعد ما يحمل عليها حصاناً يختاره ويأمر بضبط تاريخه فتوالدت عنه خيول كثيرة حتى أغنته عن جلب سواها ومع هذا كان يرغب فى الفرس المجلوب إليه أكثر مما تولد عنده فعظم العرب فى أيامه لجلب الخيل وشمل الغنا عامتهم وكانوا إذا دخلوا إلى مشاتيهم أو إلى مصايفهم يخرجون بالحلي والحلل والأموال الكثيرة ولبسوا فى إيامة الحرير الأطلس المعدنى الطرز الذركش والشاشات المرقومة ولبسوا الخلع البابلى والإسكندرية المطرز بالذهب وصاغ السلطان لنسائهم الأطواق الذهب المرصع وعمل العناتر بالأكر الذهب والأساور المرصعة بالجوهر واللؤلؤ وبعث لهن بالقماش السكندرى وعمل لهن البراقع الذركش ولم يكن لبسهم قبل ذلك إلا الخشن من الثياب على عادة العرب وأجل ما لبس مهنا أميرهم إيام الملك المنصور لاجين طرد وحش لمودة كانت بين لاجين وبين مهنا بن عبس فأنكر الأمراء ذلك على المنصور لاجين فإعتدز لهم بتقدم صحبته واياديه عنده , انه أراد أن يكافأه على ذلك .أحضرها له فى وقتها وكان إذا إستدعى بفرس يقول لأمير آخور : الفرس الفلانية التى أحضرها فلان وإشتريتها منه بكذا وكذا وكان إذا جاءه شيئ منها عرضها وقلبها بنفسه فإن أعجبته دفع فيها العشرة آلاف إلى أن إشترى بنت الكرماء بمائتى ألف درهم وهذا شيئ لم يقع لأحد من قبله ولا من بعده ، فإن المائتى ألف درهم كانت يوم ذاك بعشرة آلاف دينار . وأما ما إشتراه بمائة ألف وسبعين ألف وستين ألف وما دونها فكثير ، وأقطع آل مهنا وآل فضل بسبب ذلك عدة إقطاعات فكان أحدهم إذا أراد من السلطان شيئاً قدم عليه فى معنى أنه يدله على فرس عند فلان ويعظم أمره ، فيكتب من فوره بطلب تلك الفرس فيشتد صاحبها .
إحدى الصفحات وقد أضاف لها المؤلف بض الشروحات
مواقع النشر (المفضلة)