هل الملائكة معصومون ؟ - من الحبائك في اخبار الملائك للسيوطي


مسألة:
قال القاضي عياض: أجمع المسلمون أن الملائكة مؤمنون فضلاء، واتفق أئمة المسلمين أن حكم المرسلين منهم حكم النبيين سواء في العصمة مما ذكرنا عصمتهم منهم، وأنهم في حقوق الأنبياء والتبليغ إليهم كالأنبياء مع الأمم، واختلفوا في غير المرسلين منهم، فذهبت طائفة إلى عصمة جميعهم عن المعاصي واحتجوا بقول الله تعالى: )لاَ يَعصُونَ اللَهَ ما أَمَرَهُم وَيَفعَلونَ ما يُؤمَرون( التحريم: 6 وبقوله: )وَما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعلوم، وإِنّا لَنَحنُث المُسَبِحونَ( الصافات: 164-166 وبقوله: )وَمَن عِندَهُ لا يَستَكبِرونَ عَن عِبادَتِهِ وَلا يَستَحسَرونَ( الأنبياء: 19 ونحوه من السمعيات، وذهبت طائفة إلى أن هذا خصوص للمرسلين منهم والمقربين، واحتجوا بقصة هاروت وماروت، وقصة إبليس، والصواب عصمة جميهم وتنزيه نصابهم الرفيع عن جميع ما يحط من رتبهم وينزلهم عن جليل مقدارهم، قال: والجواب عن قصة هاروت وماروت أنها لم يرو فيها شيء لا سيقيم ولا صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن قصة إبليس أن الأكثر ينفون أنه من الملائكة ويقولن إنه أبو الجن كما أن آدم أبو الإنس. انتهى.
وقال الصفوى الأرموى في رسالته: الملائكة معصومون والدليل عليه من وجه:

أحدها: قوله تعالى في وصفهم: )وَيفعَلُونَ ما يُؤمَرون( وقوله تعالى: )وَهُم بأَِمرِهِ يَعمَلُون( الأنبياء: 27 وهما يتناولان فعل المأمورات وترك المنهيات؛ لأن النهي أمر بالترك، ولأنه سيق في معرض التمدح وهو إنما يحصل بمجموعها، وثانيها: قوله تعالى: )يُسَبِحونَ اللَيلَ وَالنَّهارَ لاَ يَفتَرونَ( الأنبياء: 20 وهو يفيد المبالغة التامة في الإشتغال بالعبادة وهو يفيد المطلوب، وثالثها: الملائكة رسل الله لقوله تعالى )جَاعِلُ المِلائِكَةِ رُسُلاً( فاطر: 1،والرسل معصومون لأنه تعالى قال في تعظيمهمك )اللَهُ أَعلَمُ حَيثُ يَجعَلٌ رِسالَتَهُ( الأنعام: 124 وهو يفيد المبالغة التامة في التعظيم، فيكونون أتقى الناس، احتج المخالف بقصة هاروت وماروت، وبقصة إبليس مع آدم وباعتراضهم على الله تعالى في خلق آدم بقولهم: )أتَجعَلُ فِيها مَن يُفسِدُ فِيها( "البقرة: 30" وجوابه على سبيل الإجمال: أن جميع ما ذكرتم محتمل احتمالا بعيدا وقريبا وعلى التقديرين لا يعارض ما دل على عصمتهم من الصرائح والظواهر،وهذا الجواب في قصة هاروت وماروت أقعد من الجواب الذي قبله لما تقدم عند ذكرهما من الأحاديث الصحيحة، وقال القرافي: ومن اعتقد في هاروت وماروت أنهما بأرض الهند يعذبان على خطيئتهما مع الزهرة فهو كافر، بل هم رسل الله وخاصته يجب تعظيمهم وتوقيرهم تنزيههم عن كل ما يخل بعظيم قدرهم، ومن لم يفعل ذلك وجب إراقة دمه، وقال البلقيني في منهج الأصوليين: العصمة واجبة لصفة النبوة والملائكية وجائزة لغيرهما، ومن وجبت له العصمة فلا يقع منه كبيرة ولا صغيرة ولذلك نعتقد عصمة الملائكة المرسلين منهم وغير المرسلين قال الله تعالى: )لا يَعصِمونَ اللَهَ ما أَمَرَهُم وَيَفعَلونَ ما يُؤمَرونَ( والايات في هذه المعنى كثيرة وإبليس لم يكن من الملائكة وإنما كان من الجن ففسق عن أمر ربه، وأما هاروت وماروت فلم يصح فيهما خبر. انتهى. وفي كتاب الجامع من المحلى لابن حزم: أن هاروت وماروت من الجن وليسا ملكين قلت: فإن صح هذا لم يحتج إلى الجواب عن قصتهما كما أن إبليس لم يكن من الملائكة، وإنما كان بينهم وهو من الجن ثم رأيت في عقيدة الإمام أبي منصور الماتريدي- وهو إمام الحنفية في الإعتقاديات كما ان الشيخ أبا الحسن الأشعري إمام الشافعية في ذلك- مانصه: ثم إن الملائكة كلهم معصومون خلقوا للطاعة إلا هاروت وماروت. هذا لفظه، وهذه العقيدة شرحها القاضي تاج الدين السبكي يشرح في مجلد لطيف سماه "السيف المشهور عن شرح عقيدة الإمام أبي منصور).



ig hglghz;m luw,l,k ? - lk hgpfhz; td hofhv hglghz; ggsd,'d