لن أخوض في حياتها وأسباب وفاتها .. بل سأكتفي بنشر حادثة بسيطة تدل على إنسانية ملكة بحجم الراحلة الملكة ( علياء بهاء الدين طوقان ) التي توفيت بعد أقل من ست سنوات على زواجها من الملك الراحل طيب الله ثراه ( الحسين بن طلال ) رحمهما الله ...!
فقد حرصت الراحلة أن تكون الأقرب للفقراء والبسطاء وأبناء المناطق النائية حيث لم يعرف عنها سوى تواضعها الشديد وحرصها على ارتداء ملابس بسيطة جدا وبعدها طيلة وجودها في القصر الملكي عن ارتداء الحلي والمجوهرات كأي امرأة أخرى ...!


قبيل وفاتها بأشهر قامت الملكة علياء الحسين رحمهما الله بزيارة الى مدينة العقبة , حيث اعتادت ان تزور تلك المدينة أكثر من مرة في الشهر , وتقيم في القصر الملكي هناك كلما قامت بزيارة الى المناطق الجنوبية من المملكة , أو كلما شعرت بأنها بحاجة الى الراحة أو الخلوة التي تتيح لها فرصة للتأمل والتفكير على شواطىء تبك المدينة الوادعة ...!
وكانت الملكة قد أبدت في أكثر من مناسبة للمقربين منها ضيقها من حياة البذخ والرفاهية التي يعيشها " البريطانيون " الذين يهيمنون على ادارة القصور الملكية سواء في عمان أو العقبة .. والذين يستنزفون عشرات الملايين من مخصصات الديوان الملكي سنوياً , حيث كان من المعروف آنذاك أن مدراء القصور والوصيفات والمربين والمربيات هم من بريطانيا أو ايرلندا .. وكان الرجل القوي الذي يمسك بتفاصيل كل شيء في تلك القصور هو " مستر ينغ " كما كانوا يلقبونه , ويليه في القوة والسيطرة مدير القصر الملكي في العقبة وهو من الجنسية البريطانية ايضاً ...!
وفي إحدى رحلاتها التي سبقت وفاتها بعدة أشهر قامت الملكة الراحلة بزيارة الى العقبة وكان واضحا انها كانت تعاني من حالة عصبية لم يعتد عليها من عمل معها أو من كان يعرفها عن قرب .. وسمع الجميع صراخها على مدير القصر وهي تتصفح المبالغ الخيالية لمصاريف قصر العقبة , وخصوصا مصاريف الفواكه التي تجاوزت ألوف الدنانير في حين أنها والملك لم يزوران العقبة إلا مرة واحدة في ذلك الشهر .!
خرجت الملكة الى ساحة الحديقة وصرخت في الموطفين ( مين فيكم أردني ... ما فيكم واحد بيقدر يدير غرفتين وصالة ؟! ) فأشارت بيدها لشاب في مقتبل العمر وسألته ( أنت من وين ؟ ) فرد الشاب : أنا من وادي موسى سيدتي .. فقالت ( ما بتعرف تشرف على هالغرفتين ؟ ! ) تعني القصر لصغر حجمه .. قال : بعرف .. لكن ... فردت الملكة ( لا لكن ولا شي ... شو شغلك هون ؟ ) قال : مشرف على عمال الحديقة سيدتي ... فردت الملكة ( من الآن أنت مدير للقصر ) وقامت الراحلة فيما بعد بإقالة مدير القصر وطاقمه البريطاني وكذلك مدير اليخوت الملكية وعددا آخر من العاملين في ذلك القصر مما خلق توتراً في القصور الملكية بإقالة الرجل القوي " مستر ينغ " وشلّة أخرى من البريطانيين في القصور الملكية كلها .
لم يكن يحلم الشاب " احمد هارون الهلالات " الذي لم يكمل دراسته لضيق ذات اليد أن يصبح يوما مديرا لقصر ملكي أو حتى يتحدث لملكة بحجم وانسانية الملكة علياء .. لكنه اراد ان يثبت لها وللجميع انه " قد المسؤولية " فبدأ يعمل ليل نهار لتصويب الأمر وضبط النفقات في القصر الملكي والتي أضحكت الملكة الراحلة ذات يوم حينما وجدت ان مصاريف الفواكه في شهر كامل لا تتجاوز مصاريف أي اسرة اردنية متواضعة الدخل .. وقالت حينها لأحمد هارون ( إنته يا طُخّه يا اكسر مُخّه ) ؟! ( أريدك ان تكون كريما مع العاملين وان لا تبخلوا عليهم .. بحبحها شوي يا رجل ) ...!
في زيارتها الأخيرة للعقبة وحينها كانت الراحلة تتحدث مع الملك الراحل وعدد من الأصدقاء على شاطىء القصر الملكي .. اقترب منها طيار الملك الخاص الراحل " بدر الدين ظاظا " هامسا في أذنها قائلاً : والدة احمد هارون توفيت منذ عدة ساعات والرجل يصر ان يبقى حتى نهاية زيارتكما ومن ثم يذهب الى وادي موسى .. فتوجهت الملكة من فورها الى احمد هارون وعزّته بوفاة والدته وضرخت به غضباً لأنه لم يخبرها بوفاة والدته ولأنه لم يذهب الى هناك للمشاركة في تشييع جثمانها .. وطلبت من طيارها " بدر الدين ظاظا " ان يقل احمد هارون على الفور بالمروحية الى وادي موسى للحاق بجنازة والدته ...!
لكن المروحية عاودت الهبوط بعد أقل من خمس دقائق على اقلاعها بعد ان عانى احمد هارون الذي لم يكن قد ركب طائرة من قبل من حالة تقيء شديدة أوصلته الى حد الإغماء قبل ان تقلع ثانية ومعها طبيب لمرافقة احمد هارون في هذه الرحلة القصيرة ...!
وإمعانا في انسانيتها توجهت الملكة الراحلة والملك الراحل في مساء اليوم التالي الى منزل احمد هارون المتواضع لتقديم العزاء له بوفاة والدته , وقالت ( علمت انك لا تملك سيارة ايضا فصرفت لك سيارة وأمرت ان يكون بنزينها على حساب القصور الملكية مدى العمر سواء كنت في الخدمة أو خارجها ) وابتسمت جلالتها في محاولة للنخفيف عن احمد قائلة ( ألم أقل لك بحبحها شوي يا رجل ... من العيب أن يكون مدير قصر الملك الحسين بدون سيارة ) .
حادثة بسيطة أردت أن أرويها عن الملكة الراحلة في ذكرى رحيلها ... قصة رواها أحمد هارون مدير القصر الملكي في العقبة ...!
رحمها الله وأسكنها فسيح الجنان
*******



lk hg`h;vm >>>!