ص -142-"سورة النور":
قوله تعالى:
{الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} الآية 3.
الترمذي ج4 ص152 حدثنا عبد بن حميد نا روح بن عبادة عن عبيد الله بن الأخنس قال: أخبرني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد وكان رجلا يحمل الأسرى من مكة ويأتي بهم المدينة قال وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق وكانت صديقة له، وأنه كان وعد رجلا من أسارى مكة يحمله، قال فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة قال فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط فلما انتهت إليَّ عرفت فقالت: مرثد، فقلت: مرثد، فقالت مرحبا وأهلا. هلم فبت عندنا الليلة، فقلت: يا عناق حرم الله الزنا. قالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم قال فتبعني ثمانية، وسلكت الخندمة، فانتهيت إلى غار أو كهف فدخلت. فجاءوا حتى قاموا على رأسي وعماهم الله عني، قال: ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته وكان رجلا ثقيلا، حتى انتهيت إلى الآخر ففككت عنه أكبله فجعلت أحمله ويعييني حتى قدمت المدينة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناقا، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يرد على شيئا حتى نزلت {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "يا مرثد{الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} فلا تنكحها". هذا حديث حسن غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه.
ص -143-الحديث أخرجه أبو داود ج2 ص176، والنسائي ج6 ص54، وابن جرير ج18 ص71 وفي السند عنده مبهم، والحاكم ج2 ص166 مختصرا وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي.
قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} الآيات 6 و7 و8 و9.
البخاري ج10 ص64 حدثنا إسحاق حدثنا محمد بن يوسف الفريابي حدثنا الأوزاعي قال حدثني الزهري عن سهل بن سعد أن عويمرا أتى عاصم بن عدي وكان سيد بني عجلان فقال: كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلا يقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ سل لي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك. فأتى عاصم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله فكره رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المسائل، فسأله عويمر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كره المسائل وعابها قال عويمر والله لا أنتهي حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فجاء عويمر فقال يا رسول الله، رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبتك" فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالملاعنة بما سمى الله في كتابه فلاعنها، ثم قال يا رسول الله إن حبستها فقد ظلمتها. فطلقها، فكانت سنة لمن كان بعدهما في المتلاعنين ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "انظروا فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين خدلج الساقين فلا أحسب عويمر إلا قد صدق عليها، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أحسب عويمر إلا قد كذب عليها، فجاءت به على النعت الذي نعت به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من تصديق عويمر فكان بعد ينسب إلى أمه.
ص -144-الحديث أخرجه البخاري أيضا في كتاب الطلاق ج11 ص282 و369 و376 وج17 ص40، ومسلم ج10 ص120 وص123، وأبو داود ج2 ص241، والنسائي ج6 ص140، وابن ماجه رقم 2206، وأحمد ج5 ص334 و337، ومالك ج2 ص89، والدارمي ح2 ص150، والدارقطني ج3 ص274، وابن جرير ج18 ص85.
وقد أخرج البخاري ج10 ص65، والترمذي ج4 ص154 وحسنه، وأبو داود ج4 ص243 وص244، وابن ماجه رقم 1067، وأحمد ج1 ص238 و273"1" والدارقطني ج3 ص277، وابن جرير ج18 ص83، والحاكم ج2 ص202 وقال صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي. من حديث ابن عباس نحو حديث سهل إلا أنه قال: إن القاذف هلال بن أمية.
وأخرج مسلم ج10 ص124، والترمذي وصححه ج2 ص224، وج4 ص154، والنسائي ج6 ص144، وأحمد ج2 ص19 و42، والدارمي ج2 ص150، وابن الجارود ص252، وابن جرير ج18 ص84 من حديث ابن عمر نحوه والسائل عن الحكم والملاعن مبهم لكن فسر في حديث عند مسلم والنسائي أنه العجلاني.
وأخرج مسلم ج10 ص127، وأبو داود ج2 ص242، وابن ماجه رقم 2068، وأحمد ج1 ص448، وابن جرير ج18 ص84 عن ابن مسعود نحوه وعند مسلم وبعضهم أنه رجل من الأنصار.
وأخرج مسلم ج10 ص128، والنسائي ج6 ص141 من حديث أنس نحوه وفيه أن هلال بن أمية قذف امرأته وذكر الحديث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وأخرجه الطيالسي ج2 ص319.
ص -145-وأخرج البزار عن حذيفة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي بكر: "لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به؟" قال: كنت والله فاعلا به شرا. قال: "فأنت يا عمر" قال: كنت والله قاتله، كنت أقول لعن الله الأعجز. فإنه خبيث، فنزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ}.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص74 رجاله ثقات.
أقول حديث حذيفة لا يحتاج إلى أن نتكلف في الجمع بينه وبين الحديثين السابقين لأنه من رواية زيد بن يثيع كما في تفسير ابن كثير ولم يرو عنه سوى أبي إسحاق ولم يوثقه سوى ابن حبان والعجلي كما في تهذيب التهذيب وهما متساهلان في التوثيق وأيضا قد اختلف في وصله وإرساله، والذي أرسله أتقن وهو أقوى من الذي وصله1 وهو يونس بن أبي إسحاق وأيضا أبو إسحاق مدلس كما في تهذيب التهذيب ولم يصرح بالتحديث. ويبقى النظر في الجمع بين الحديثين المتقدمين. فأقرب الأقوال عندي أن هلال بن أمية سأل وصادف مجيء العجلاني فنزلت فيهما الآية معا. والله أعلم.
وإن كنت تريد المزيد فعليك بالفتح فقد ذكر هنالك أقوال أهل العلم ج10 ص65 و66.
قوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} من الآية 11 إلى الآية 22.
البخاري ج6 ص198 حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود وأفهمني بعضه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وقد رجح أبو حاتم إرساله كما في العلل لابنه ج1 ص445.
ص -146-أحمد قال حدثنا فليح عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص الليثي وعبيد بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله منه. قال الزهري وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم أوعى من بعض وأثبت له اقتصاصا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا زعموا أن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها أخرج بها معه1. فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت معه بعد ما أُنزِلَ الحجاب فأنا أُحمَلُ في هودج وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل، فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه.
فأقبل الذين يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوه علي بعيري الذي أركب وهو يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يثقلن ولم يغشهن اللحم، وإنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه. وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد فأممت منزلي الذي كنت، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليَّ، فبينما أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، وأتاني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته فوطئ يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 للنسفي ولأبي ذر عن غير الكشميهني وفي رواية الكشميهني والباقين خرج وهو الصواب ولعل الأول "أُخرج" بضم أوله على البناء للمجهول ا. هـ. الفتح.
ص -147-حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن سلول. فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ويريبني في وجهي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض إنما يدخل فيسلم ثم يقول: $"كيف تيكم"، لا أشعر بشيء من ذلك حتى نقهت فخرجت أنا وأم مسطح قِبَلَ المناصع مُتَبَرَّزَنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل -وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في البرية أو في التنزه- فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم نمشي فعثرت في مرطها، فقالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا شهد بدرا. فقالت: يا هنتاه ألم تسمعي ما قالوا؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا إلى مرضي. فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسلم فقال: "كيف تيكم"، فقلت: ائذن لي إلى أبوي. قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأتيت أبوي، فقلت لأمي: ما يتحدث به الناس، فقالت: يا بنية هوني على نفسك الشأن فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. فقلت: سبحان الله ولقد يتحدث الناس بهذا، قالت فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يَرْقَأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت، فدعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار عليه الذي يعلم في نفسه من الود لهم، فقال أسامة: أهلك يا رسول الله ولا نعلم والله إلا خيرا.
وأما علي فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله بريرة فقال: "يا بريرة هل رأيت فيها شيئا يريبك". فقالت بريرة لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت منها أمرا
ص -148-أغمصه عليها قط أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين، فتأتي الداجن، فتأكله. فقام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي". فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من أخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك. فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا وكان احتملته الحمية فقال: كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على ذلك. فقام أسيد بن الحضير، فقال كذبت لعمر الله والله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيَّانِ الأوسُ والخزرجُ حتى هموا ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المنبر فنزل وخفضهم حتى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي، وقد بكيت ليلتي ويوما حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي. قال: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي، فبينما نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل فيَّ ما قيل قبلها، وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء قالت: فتشهد ثم قال: "يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه". فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، وقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ص -149-فيما قال. قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قالت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن فقلت إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس، ووقر في أنفسكم وصدقتم به، ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني لبريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة، لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيا، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله، فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات، فلما سُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يضحك، فكان أو لكلمة تكلم بها أن قال لي: "يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله". فقالت أمي: قومي إلى رسول الله. فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله فأنزل الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} – الآيات – فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قاله لعائشة، فأنزل الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إلى قوله {غَفُورٌ رَحِيمٌ}. فقال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه. وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال: "يا زينب ما علمت ما رأيت". فقالت: أحمي سمعي وبصري والله ما علمت عليها إلا خيرًا. قالت وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع.
ص -150-قال وحدثنا فليح عن هشام بن عروة عن عائشة وعبد الله بن الزبير مثله. قال وحدثنا فليح عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن بن سعيد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر مثله.
الحديث أخرجه في مواضع منها ج8 ص436 وج10 ص68 وص106 وج14 ص373 مختصرا وج17 ص32 مختصرا أيضا، ومسلم ج17 ص102، والترمذي ج4 ص155، وعبد الرزاق في المصنف ج5 ص410، وأحمد ج6 ص59 وص103 مختصرا، وابن جرير ج18 ص90 وفي التاريخ ج3 ص67، وابن إسحاق كما في السيرة لابن هشام ج2 ص297.
قوله تعالى:
{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} الآية 33.
مسلم ج18 ص162 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب جميعا عن أبي معاوية واللفظ لأبي كريب حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال كان عبد الله بن أبي بن سلول يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئا، فأنزل الله عز وجل: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
الحديث أخرجه أيضا مسلم من طريق أخرى تنتهي إلى الأعمش عن أبي سفيان به. وفيه أن جارية لعبد الله بن أبي بن سلول يقال لها مسيكة، وأخرى يقال لها أميمة، فكان يكرههما على الزنا فشكتا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأنزل الله الآية. وأخرجه أبو داود ج2 ص264 وفيه أن جارية لبعض الأنصار يقال لها مسيكة، وابن جرير ج18 ص132 و133، والبزار كما في تفسير الحافظ ابن كثير ج3 ص288 وفيه تصريح
ص -151-الأعمش بالسماع من أبي سفيان والحاكم ج2 ص211 وص397، وقال في الموضعين على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي. وفي الموضع الأول أن المكره رجل وأن اسمه مسكين فلعله تحريف. وقول الحاكم في الأول على شرط مسلم، وإقرار الذهبي له في نظر؛ فإن محمد بن الفرج الأزرق ليس من رجال مسلم، وإنما ذكره الحافظ في التهذيب في التمييز وفيه أيضا كلام.
وفي مجمع الزوائد ج7 ص82 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت لعبد الله بن أبي جارية تزني في الجاهلية، فلما حرم الزنا قالت: لا والله لا أزني أبدا فنزلت الآية.
رواه الطبراني والبزار بنحوه ورجال الطبراني رجال الصحيح. وذكره الحافظ ابن كثير عازيا له للطيالسي بسنده.
قوله تعالى:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} الآية 55.
الحاكم ج2 ص401 حدثني محمد بن صالح بن هانئ، حدثنا أبو سعيد محمد بن شاذان ، حدثني أحمد بن سعيد الدارمي، حدثنا علي بن الحسين بن واقد، حدثني أبي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة كانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه، فقالوا ترون أنا نعيش حتى نكون آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله فنزلت {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} إلى {فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ} يعني بالنعمة {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
ص -152-الحديث في سنده علي بن الحسين بن واقد وقد ضعفه أبو حاتم وتركه البخاري وقال كان إسحاق سيئ الرأي فيه ووثقه ابن حبان وقال النسائي ليس به بأس ا. هـ. تهذيب التهذيب. لكن قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص83 رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. وذكره الطبري ج18 ص159 مرسلا عن أبي العالية.
قوله تعالى:
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} الآية 61.
قال الإمام أحمد بن عمرو بن عبد الخالق الشهير بالبزار كما في كشف الأستار ج3 ص61 حدثنا زيد بن أخزم أبو طالب الطائي ثنا بشر بن عمر ثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان المسلمون يرغبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيدفعون مفاتيحهم إلى ضمناهم1 ويقولون لهم قد أحللنا لكم أن تأكلوا ما أحببتم فكانوا يقولون إنه لا يحل لنا أنهم أذنوا من غير طيب نفس فأنزل الله عز وجل {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ} إلى قوله {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ}.
قال البزار لا نعلمه رواه عن الزهري إلا صالح.
قال الحافظ الهيثمي في المجمع ج7 ص84 رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
وقال السيوطي في لباب النقول سنده صحيح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في مختار الصحاح: الضمانة الزمانة وقد ضمن الرجل من باب طرب فهو ضمن أي زمن مبتلى.
ص -153-"سورة الفرقان":
قوله تعالى:
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} إلى قوله {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} الآيات 27 و28 و29.
في الدر المنثور ج5 ص68 أخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أبا معيط كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمكة لا يؤذيه وكان رجلا حليما، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام، فقالت قريش: صبأ أبو معيط وقدم خليله من الشام ليلا فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشد مما كان أمرا. فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت: صبأ. فبات بليلة سوء! فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه فلم يرد عليه التحية فقال: مالك لا ترد علي تحيتي؟ فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت؟ فقال: أوقد فعلتها قريش؟ قال فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟ قال: تأتيه في مجلسه وتبزق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلمه من الشتم، ففعل، فلم يزد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن مسح وجهه من البزاق ثم التفت إليه فقال: "إن وجدتك خارجا من جبال مكة أضرب عنقك صبرا" فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج، فقال له أصحابه: اخرج معنا. قال قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرا، فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك فلو كانت الهزيمة طرت عليه، فخرج معهم فلما هزم الله المشركين وحل1 به جمله في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الوحل الطين الرقيق ووحل الرجل أي وقع في الوحل. ا. هـ مختار الصحاح باختصار.
ص -154-جدد من الأرض فأخذه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسيرا في سبعين من قريش، وقدم إليه أبو معيط، فقال: تقتلني من بين هؤلاء. قال: "نعم بما بزقت في وجهي"، فأنزل الله في أبي معيط: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} إلى قوله {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا}.
الحديث لم يتيسر لي الوقوف على سنده لكن في مصنف عبد الرزاق ج5 ص355، 356 وتفسير ابن جرير قصة تشبهها وهي مرسلة لكن بدل عقبة بن أبي معيط أبي بن خلف. ونحن الآن متوقفون من الحكم عليه لأن السيوطي رحمه الله متساهل.
قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} الآية 68.
البخاري ج10 ص109 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثني منصور عن أبي وائل عن أبي ميسرة عن عبد الله قال1 وحدثني واصل عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه سألت أو سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك"، قلت: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك"، قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني بحليلة جارك" قال: ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ}.
الحديث ذكره البخاري رحمه الله في مواضع منها ج15 ص204، وج17 ص289، ومسلم ج2 ص80، والترمذي ج4 ص157 وعنده
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فاعل قال هو سفيان الثوري كما في الفتح.
ص -155-وتلا هذه الآية، أبو داود ج2 ص263، وأحمد ج1 ص380، ص431، وابن جرير ج19 ص41، وأبو نعيم في الحلية ج4 ص145، 146.
سبب آخر:
أخرج البخاري ج10 ص170، ومسلم ج2 ص139، والنسائي ج7 ص80 عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا فأتوا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} ونزل {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} ولا مانع أن تكون الآية نزلت للسبيين معا والله أعلم.
قوله تعالى:
{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} 70.
البخاري ج8 ص167 حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن منصور، حدثني سعيد بن جبير وقال حدثني الحكم عن سعيد بن جبير، قال: أمرني عبد الرحمن بن أبزي قال: سل ابن عباس عن هاتين الآيتين ما أمرهما {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} فسألت ابن عباس فقال: لما أنزلت التي في الفرقان قال مشركو أهل مكة فقد قتلنا النفس التي حرم الله ودعونا مع الله إلها آخر وقد أتينا الفواحش فأنزل الله {إِلَّا مَنْ تَابَ} وأما التي في النساء الرجل إذا عرف الإسلام وشرائعه ثم قتل فجزاؤه جهنم خالدًا فيها. فذكرته لمجاهد فقال: إلا من ندم.
الحديث أعاده في تفسير الفرقان ج10 ص12، وأخرجه مسلم ج18 ص159، وأبو داود ج4 ص168، وابن جرير ج19 ص42.
ص -156-"سورة القصص":
قوله تعالى:
{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} الآية 51.
ابن جرير ج20 ص88 حدثني بشر بن آدم قال حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال نزلت هذه الآية في عشرة أنا أحدهم {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.
الحديث أخرجه الطبراني ج5 ص46 و47، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص88 رواه الطبراني بإسنادين أحدهما متصل رجاله ثقات وهو هذا، والآخر منقطع الإسناد.
قوله تعالى:
{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} الآية 56.
مسلم ج1 ص216 حدثنا محمد بن عباد وابن أبي عمر قالا حدثنا مروان عن يزيد وهو ابن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمه عند الموت: $"قل لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله". فأبى فأنزل الله {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية. وأخرجه من طريق أخرى تنتهي إلى يزيد بن كيسان وفيه قال لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها1 عينك فأنزل الله الآية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هذا رد على من يدعي إسلام أبي طالب وإن كنت تريد المزيد راجعت الإصابة.
ص -157-الحديث أخرجه الترمذي ج4 ص159 وقال حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن كيسان، وأحمد ج2 ص441، وابن جرير ج2 ص91، وابن خزيمة في كتاب التوحيد ص343 و344، والبيهقي في شعب الإيمان ص54، وقد تقدم الحديث المتفق عليه من حديث المسيب بن حزن في سورة التوبة.
ص -158-"سورة العنكبوت":
قوله تعالى:
{وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} الآية 8.
مسلم ج15 ص185 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا: حدثنا الحسن بن موسى حدثنا زهير حدثنا سماك بن حرب حدثني مصعب بن سعد عن أبيه أنه نزلت فيه آيات من القرآن قال: حلفت أم سعد ألا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب قالت: زعمت أن الله وصاك بوالديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا، قال: مكثت ثلاثا حتى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة فسقاها فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي} وفيها {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} قال وأصاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم غنيمة عظيمة فإذا فيها سيف فأخذته فأتيت به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت: أنفلني هذا السيف فأنا من قد علمت حاله فقال: "رده من حيث أخذته" فانطلقت حتى إذا أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي فرجعت إليه فقلت: أعطنيه، قال فشد لي صوته: "رده من حيث أخذته". قال: فأنزل الله عز وجل {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} قال ومرضت فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأتاني، فقلت دعني أقسم مالي حيث شئت قال: فأبى، قلت: فالنصف، قال: فأبى، قلت: فالثلث، قال: فسكت فكان بعد الثلث جائزا. قال: وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين فقالوا تعال نطعمك ونسقيك خمرا وذلك قبل أن تحرم الخمر قال: فأتيتهم في حش
ص -159--والحش البستان- فإذا رأس جزور مشوي عندهم وزق من خمر قال: فأكلت وشربت معهم قال فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم فقلت: المهاجرون خير من الأنصار فأخذ رجل أحد لحى الرأس فضربني به فجرح بأنفي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخبرته فأنزل الله عز وجل فيَّ –يعني نفسه- شأن الخمر {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}. الحديث أخرج الترمذي منه الخصلة الأولى، وأشار إلى بقيته وقال هذا حديث حسن صحيح، وأحمد ج1 ص181، 186 بتمامه في الموضعين، وفي الموضع الأول ذكر الآية التي في سورة لقمان، والطيالسي ج2 ص18، والبخاري في الأدب المفرد ص23، والطبري ج21 ص70 وفيه آية لقمان. فإما أن تكونا نزلتا معا، وإما أن يكون اضطرب فيها سماك بن حرب فإنه رحمه الله يضطرب في كثير من الأحاديث والله أعلم.
قوله تعالى:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} الآية 10 تقدم سبب نزولها في سورة النحل.
ص -160-"سورة لقمان":
قوله تعالى:
{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} الآية 13.
البخاري ج1 ص95 حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة ح قال وحدثني بشر قال حدثنا محمد عن شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أينا لم يظلم نفسه؟ فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
الحديث أخرجه أيضا في كتاب التفسير ج9 ص363، وأخرجه الطيالسي ج2 ص18.
تنبيه:
قال الحافظ في الفتح ج1 ص95: اقتضت رواية شعبة هذه أن هذا السؤال سبب نزول الآية الأخرى التي في لقمان، لكن رواه البخاري ومسلم من طريق أخرى عن الأعمش وهو سليمان المذكور في حديث الباب ففي رواية جرير عنه –فقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال: "ليس بذلك ألا تسمعون إلى قول لقمان"، وفي رواية وكيع عنه فقال: "ليس كما تظنون" وفي رواية عيسى بن يونس: "إنما هو الشرك ألم تسمعوا إلى ما قال لقمان". وظاهر هذا أن الآية التي في لقمان كانت معلومة ولذلك نبههم عليها. ويحتمل أن يكون نزولها وقع في الحال فتلاها عليهم ثم نبههم فتلتئم الروايتان. ا. هـ.
ص -161-"سورة السجدة":
قوله تعالى:
{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} الآية 16.
قال الترمذي ج4 ص161 حدثنا عبد الله بن أبي زياد حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك عن هذه الآية {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة، هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأخرجه ابن جرير ج12 ص100، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره سنده جيد.
ص -162-"سورة الأحزاب":
قوله تعالى:
{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} الآية 5.
البخاري ج10 ص136 حدثنا معلى بن أسد حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا موسى بن عقبة حدثني سالم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى أنزل الله {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}.
الحديث قال الحافظ ابن كثير ج3 ص466 أخرجه مسلم والترمذي1 والنسائي من طرق عن موسى بن عقبة به وأخرج البخاري ج11 ص34، وأبو داود ج2 ص181والنسائي ج6 ص53، وأحمد ج6 ص271، وعبد الرزاق ج7 ص460، 461 والدارمي ج2 ص158، وابن الجارود ص231 عن عائشة رضي الله عنها قالت: أتت سهلة بنت سهيل بن عمرو "وكانت تحت أبي حذيفة بن عتبة" رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: إن سالما يدخل علينا وإنا فضل وإنا كنا نراه ولدا وكان أبو حذيفة تبناه كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيدا فأنزل الله {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} الحديث. فلعل الآية نزلت فيهما معا والله أعلم.
قوله تعالى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال الترمذي ج4 ص165 هذا حديث حسن صحيح.
ص -163-{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} الآية 23.
البخاري ج6 ص361 حدثنا محمد بن سعيد الخزاعي حدثنا عبد الأعلى عن حميد قال سألت أنسا. قال وحدثني عمرو بن زرارة حدثنا زياد قال حدثني حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه قال غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع.
فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني اعتذر مما صنع هؤلاء –يعني أصحابه- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء –يعني المشركين- ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه. قال أنس كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} إلى آخر الآية.
هذا الحديث ذكره أيضا في كتاب التفسير ج10 ص136 مختصرا بسند آخر ينتهي إلى أنس، وقال الحافظ في الفتح ج6 ص361، والحافظ ابن كثير في التفسير ج3 ص475 وقد أخرجه مسلم والترمذي1 والنسائي من رواية ثابت عن أنس. وأخرجه أحمد ج3 ص194، والطيالسي ج2 ص22، وابن جرير ج21 ص147 وأبو نعيم في الحلية ج1 ص121، وعبد الله بن المبارك في الجهاد ص68.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال الترمذي ج4 ص163 هذا حسن صحيح.
ص -164-قوله تعالى:
{كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} الآية 25.
النسائي ج2 ص15 – أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا ابن أبي ذئب قال حدثنا سعيد بن أبي سعيد عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل الله عز وجل {كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلالا فأقام لصلاة الظهر فصلاها كما كان يصليها لوقتها، ثم أقام للعصر فصلاها كما كان يصليها في وقتها ثم أذن المغرب فصلاها كما كان يصليها في وقتها، الحديث رجاله رجال الصحيح وأخرجه ابن جرير ج21 ص149.
قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} الآيتان 28، 29.
البخاري ج6 ص39 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اللتين قال الله لهما {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} فحججت معه فعدل وعدلت معه الإداوة فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضأ، فقلت يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اللتان قال الله عز وجل لهما: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} فقال واعجبًا لك يا ابن عباس، عائشة وحفصة ثم استقبل عمر الحديث يسوقه فقال إني كنت وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على
ص -165-النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره وإذا نزل فعل مثله، وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصحت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني، فقالت ولم تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليراجعنه وإن إحداهن لتهجره النهار حتى الليل. فأفزعني فقلت: خابت من فعلت منهن بعظيم، ثم جمعت علي ثيابي فدخلت على حفصة فقلت: أي حفصة، أتغاضب إحداكن رسول الله اليوم حتى الليل؟ فقالت: نعم، فقلت: خابت وخسرت، أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتهلكين لا تستكثري على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه واسأليني ما بدا لك ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم –يريد عائشة- وكنا تحدثنا أن غسان تنعل النعال لغزونا فنزل صاحبي يوم نوبته فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال: أنائم هو؟ ففزعت فخرجت إليه وقال حدث أمر عظيم قلت ما هو أجاءت غسان؟ قال: لا بل أعظم منه وأطول، طلق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نساءه، قال قد خابت حفصة وخسرت، كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون فجمعت علي ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدخل مشربة له فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي قلت ما يبكيك أولم أكن حذرتك، أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قالت: لا أدري هو ذا في المشربة، فخرجت فجئت المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي هو فيها فقلت لغلام له أسود استأذن لعمر، فدخل فكلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم خرج فقال ذكرتك له فصمت، فانصرفت
ص -166-حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد، فجئت الغلام فذكر مثله، فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد، فجئت الغلام فقلت استأذن لعمر فذكر مثله، فلما وليت منصرفا فإذا الغلام يدعوني قال أذن لك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدخلت عليه فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئ على وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم: طلقت نساءك يا رسول الله، فرفع بصره إلي فقال: "لا" ثم قلت وأنا قائم: طلقت نساءك يا رسول الله، فرفع بصره إلي فقال: "لا" ثم قلت وأنا قائم أستأنس: يا رسول الله لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم –فتبسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثم قلت يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم –يريد عائشة- فتبسم أخرى فجلست حين رأيته تبسم ثم رفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاث فقلت ادع الله فليوسع على أمتك، فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله. وكان متكئا فقال: "أوفي شك أنت يابن الخطاب! أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا". فقلت: يا رسول الله استغفر لي فاعتزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة عن عائشة وكان قد قال: "ما أنا بداخل عليهن شهرا" من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: إنك أقسمت ألا يدخل علينا شهرا وإنا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة أعدها عدا. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "الشهر تسع وعشرون" وكان ذلك الشهر تسع وعشرون قالت عائشة: فأنزلت آية التخيير فبدأ بي أول مرة فقال: "إني ذاكر لك أمرا ولا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك" قالت قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقك1. ثم قال "إن الله قال{يَا أَيُّهَا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في البخاري في هذا الموضع وفي الترمذي ج4 ص305 لم يكونا يأمراني بفراقه وهو أقرب.
ص -167-النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} إلى قوله {عَظِيمًا} قلت: أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم خير نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة.
الحديث أعاده ج11 ص188 وأخرجه مسلم ص93 ج10 والترمذي ج4 ص163 و203 وصححه في الموضعين مقتصرا في الحديث الأول على آخر الحديث أعني حديث عائشة وذكره بتمامه ج4 ص203، والنسائي ج6 ص130 وص46 مقتصرا في الموضعين على حديث عائشة، وابن ماجه رقم 2053 كذلك، والإمام أحمد ج6 ص78 وص163 وص185 و 212 و248 و264 مقتصرا في الجميع على حديث عائشة، وابن الجارود ص274، وابن جرير ج21 ص158 – وذكره الإمام أحمد بتمامه ج1 ص33.
وأخرج مسلم ج1 ص81 وأحمد ج3 ص328 من حديث جابر نحوه وعند مسلم ثم نزلت عليه هذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} حتى بلغ {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}.
قوله تعالى:
{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الآية 35.
الترمذي ج4 ص116 حدثنا عبد بن حميد حدثنا محمد بن كثير حدثنا سليمان بن كثير عن حصين عن عكرمة عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت هذه الآية {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الآية هذا حديث حسن غريب وإنما يعرف هذا الحديث من هذا الوجه.
وأخرج الحاكم ج2 ص416 من حديث أم سلمة نحوه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي. لكن مجاهد كثير الإرسال عن
ص -168-الصحابة فلا يدري أسمعه من أم سلمة أم لا وإنما ذكرته شاهدا وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس نحوه قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص91 وفيه قابوس وهو ضعيف وقد وثق. ثم رأيت الحافظ ابن كثير رحمه الله قد ذكر لحديث أم سلمة في تفسيره ج3 ص47 طريقين آخرين فجزاه الله خير الجزاء على حرصه على جمع طرق الحديث.
قوله تعالى:
{وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} الآية 37.
البخاري ج10 ص124 حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا معلى بن منصور عن حماد بن زيد حدثنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن هذه الآية {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} نزلت في شأن زينت بنت جحش وزيد بن حارثة.
الحديث أعاده ج17 ص184 من حديث ثابت وأخرجه الترمذي ج4 ص168 وصححه. وأحمد ج3 ص150، والحاكم ج2 ص417، وأشار له الذهبي برمز البخاري ومسلم أي أنه على شرطهما.
قوله تعالى:
{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} الآية 37.
ابن سعد ج8 ق1 ص73 – أخبرنا عارم بن الفضل حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال نزلت في زينب بنت جحش {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} قال فكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تقول: زوجكن أهلكن وزوجني الله من فوق سبع سموات. رجاله رجال الصحيح.
أخبرنا عفان بن مسلم وعمرو بن عاصم الكلابي قالا حدثنا سليمان بن
ص -169-المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال: لما انقضت عدة زينت بنت جحش قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لزيد بن حارثة ما أجد أحدا آمن عندي وأوثق في نفسي منك ائت إلى زينب فاخطبها علي قال فانطلق زيد فأتاها وهي تخمر عجينها فلما رأيتها عظمت في صدري فلم أستطع أن أنظر إليها حين عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي وقلت يا زينب أبشري إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكرك قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا}.
الحديث رجاله رجال الصحيح وأخرجه أحمد ج3 ص195 وأخرجه مسلم ج9 ص228.
قوله تعالى:
{ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} الآية 51.
قال البخاري ج10 ص144 حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا أبو أسامة قال هشام حدثنا عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.
الحديث رواه مسلم ج1 ص49، وأخرجه أحمد ج6 ص158، وابن جرير ج22 ص26، والحاكم في المستدرك ج2 ص436 وفيه فأنزل الله هذه الآية في نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم قال: هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة وأقره الذهبي.
وأقول: البخاري لم يرو لمحاضر بن المورع إلا تعليقا، ومسلم لم يرو له إلا
ص -170-حديثا واحد متابعة كما في تهذيب التهذيب فعلى هذا ليس هو على شرطهما والله أعلم.
قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} الآية 53.
البخاري ج10 ص149 حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الله بن بكر السهمي حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه قال أَوْلَمَ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين بنى بزينب ابنة جحش فأشبع الناس خبزا ولحما، ثم خرج إلى حجر أمهات المؤمنين كما كان يصنع صبيحة بنائه فيسلم عليهن ويدعو لهن، ويسلمن عليه ويدعون له فلما رجع إلى بيته رأى رجلين جرى بهما الحديث فلما رآهما رجع عن بيته فلما رأى الرجلان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجع عن بيته وثبا مسرعين فما أدري أنا أخبرته بخروجهما أم أخبر فرجع حتى دخل البيت وأرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب وقال ابن أبي مرمي أخبرنا يحيى حدثني حميد سمع أنسا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الحديث أخرجه في مواضع من صحيحه منها ص147 من هذا الجزء وفيه فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} وص148 وج11 ص134 و139 وص519 وج13 ص259 وص305، وأخرجه مسلم ج9 ص229 و230 و232 و233 من طرق عن أنس بألفاظ مختلفة والترمذي ج4 ص168 وص169 قال في الأولى حسن، وفي الثانية حسن صحيح، وأحمد ج3 ص105 و168 و169 و242 و246، والبخاري في الأدب المفرد ص632، وابن سعد في الطبقات ج1 ص75، وابن جرير ج22 ص37، 38، والحاكم ج2 ص418 وقال صحيح
ص -171-الإسناد، وأقره الذهبي. وأقول هو على شرط الشيخين، لكن قد أخرجه مسلم بهذا السند وبهذا اللفظ ج9 ص233 فلا معنى لاستدراكه.
وأخرجه البخاري ج1 ص259 وج13 ص260، ومسلم ج14 ص152، وابن جرير ج22 ص39 وص40 عن عائشة رضي الله عنها قالت كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم احجب نساءك. قالت: فلم يفعل وكان أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخرجن ليلا إلى ليل قبل المناصع فخرجت سودة بنت زمعة وكانت امرأة طويلة فرآها عمر بن الخطاب وهو في المجلس، فقال: عرفناك يا سودة. حرصا على أن ينزل الحجاب قالت: فأنزل الله عز وجل آية الحجاب.
وأخرج الطبراني في الصغير ج1 ص83، وعزاه الهيثمي ج7 ص93 إلى الأوسط وقال: رجاله رجال الصحيح غير موسى بن أبي كثير وهو ثقة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قعب، فمر عمر فدعاه فأكل فأصابت إصبعه إصبعي، فقال حسن أوه أوه لو أطاع فيكن ما رأتكن عينٌ فنزلت آية الحجاب.
طريق الجمع بين هذه الروايات: قال الحافظ في الفتح ج1 ص260، وطريق الجمع بينهما أن أسباب نزول الحجاب تعددت، وكانت قصة زينب آخرها أخرجها للنص على قصتها في الآية أو المراد بآية الحجاب في بعضها قوله تعالى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} الآية. ا. هـ.
وأقول في كون المراد بآية الحجاب قوله {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} نظر. إذ قد صرحت الروايات في شأن قصة زينب بنزول قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية وفي شأن قول عمر1 عند الطبري ج12.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وقال الحافظ في الفتح ج1 ص260 زاد أبو عوانة في صحيحه من طريق الزبيدي عن ابن شهاب فأنزل الله الحجاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية ا. هـ.
ص -172-ص40 فأنزل الله آية الحجاب قال الله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا} الآية فالقول بتعدد الأسباب أولى.
تنبيه مهم: يفهم من هذا الحديث أن قول عمر: قد عرفناك يا سودة. قبل الحجاب وفي بعضها أنه بعد الحجاب، فما الجمع قال الحافظ في الفتح ج10 ص150 قال الكرماني: فإن قلت وقع هنا أنه كان بعد ما ضرب الحجاب وتقدم في الوضوء أنه كان قبل الحجاب فالجواب لعله وقع مرتين، قال الحافظ قلت: بل المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني، والحاصل أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نقرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي حتى صرح بقوله له عليه الصلاة والسلام: احجب نساءك. وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب، ثم قصد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلا ولو كن مستترات، فبالغ في ذلك فمنع منه وأذن لهن في الخروج لحاجتهن دفعا للمشقة ورفعا للحرج.
ص -173-"سورة يس":
قوله تعالى:
{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} الآية 12.
ابن كثير ج3 ص556 قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا عباد بن زياد الساجي حدثنا عثمان بن عمر حدثنا شعبة عن الجريري عن أبي نضرة1 عن أبي سعيد رضي الله عنه قال إن بني سلمة شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بُعد منازلهم من المسجد فنزلت: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنحوه وفيه غرابة من حيث ذكر نزول هذه الآية والسورة بكمالها مكية ا. هـ.
الحديث رجاله رجال الصحيح إلا عباد بن زياد وفيه كلام كما في تهذيب التهذيب لكنه قد توبع كما ترى وقد أخرجه الترمذي ج4 ص171 وحسنه. والحاكم ج2 ص428 وصححه وأقره الذهبي من حديث أبي سعيد الخدري لكن فيه عندهما طريف بن شهاب وهو ضعيف جدا كما في الميزان وهو عند الحاكم سعيد بن طريف فلعله غلط فيه بعض الرواة. هذا والحديث له شاهد عند ابن جرير رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كانت منازل الأنصار متباعدة من المسجد فأرادوا أن ينتقلوا إلى المسجد فنزلت {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} وسنده صحيح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو المنذر بن مالك.
ص -174-وأما قول الحافظ ابن كثير رحمه الله إن فيه غرابة لأن السورة بكمالها مكية فلم يظهر لي اتجاهه، فإذا ثبت أن هذه الآية نزلت بمكة فلا مانع من نزولها مرتين وإن لم يثبت نزولها بمكة فقد تكون السورة مكية إلا آية كما هو معروف. والله أعلم.
قوله تعالى:
{أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ} الآية 77 إلى آخر السورة.
ابن أبي حاتم كما في ابن كثير ج3 ص581 حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا محمد بن العلا حدثنا عثمان بن سعيد الزيات عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال إن العاص بن وائل أخذ عظما من البطحاء ففته بيده ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أيحيى الله هذا بعد ما أرم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "نعم يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك جهنم". قال: ونزلت الآيات من آخر يس.
الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك ج2 ص429 من طريق عمرو بن عون عن هشيم به، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
ص -175-"سورة الزمر":
قوله تعالى:
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} الآيات 23، 24، 25 تقدم الكلام عليها في سورة يوسف.
قوله تعالى:
{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} الآية 53.
الحاكم ج2 ص435 حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل القاري حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا عبد الله بن إدريس حدثني محمد بن إسحاق قال وأخبرني نافع عن عبد الله بن عمر عن عمر قال كنا نقول ما لمفتتن توبة وما الله بقابل منه شيئا فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة أنزل فيهم {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} والآيات بعدها قال عمر فكتبتها بيدي1 في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاص قال هشام بن العاص فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه وأصوب ولا أفهمها حتى قلت اللهم فهمنيها قال: فألقى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا قال فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو بالمدينة قال الحاكمِ، هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من هنا من السيرة بهذا السند لأن السياق في المستدرك غير مفهوم وقع فيه سقط وهو في مجمع الزوائد كما في السيرة.
ص -176-الحديث أيضا أخرجه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام ج1 ص475 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج6 ص61 رواه البزار ورجاله ثقات1. هذا وقد تقدم بعض ما يتعلق بهذه الآية في سورة الفرقان.
قوله تعالى:
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية 67.
أحمد ج1 ص378 حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم أبلغك أن الله عز وجل يحمل الخلائق على أصبع والسموات على أصبع والأرضين على أصبع والشجر على أصبع، فضحك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى بدت نواجذه فأنزل الله عز وجل {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية.
الحديث رجاله رجال الصحيح وأخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص76، وابن جرير ج24 ص27، والبيهقي في الأسماء والصفات ص333، وقد أخرج أحمد ج1 ص151، والترمذي وصححه ج4 ص177، وابن خزيمة في التوحيد ص78، والطبري ج14 ص26 من حديث ابن عباس نحوه وفي عطاء &ابن السائب وهو مختلط.
تنبيه:
قال الحافظ السيوطي في الإتقان ج1 ص34: الحديث في الصحيح بلفظ "فتلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم" وهو أصوب فإن الآية مكية.
وأقول لفظ "تلا" الواقع في الصحيح لا ينافي أنها نزلت ثم تلاها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما كونها مكية فإن ثبت نزولها –أعني هذه الآية- بمكة فلا مانع من نزولها مرتين وإن لم يثبت نزولها بمكة بالسند الصحيح فقد تكون السورة مكية إلا آية، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث في كشف الأستار ج1 ص302 وفيه صدقة بن سابق وهو مستور الحال لم يوثقه إلا ابن حبان لكنه قد تابعه عبد الله بن إدريس كما عند الحاكم.
ص -177-"سورة فصلت":
قوله تعالى:
{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ} الآية 22.
البخاري ج10 ص182 حدثنا الصلت بن محمد حدثنا يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن منصور عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} الآية.
كان رجلان من قريش وختن لهما من ثقيف –أو رجلان من ثقيف وختن لهما من قريش- في بيت فقال بعضهم لبعض أترون أن الله يسمع حديثا. قال بعضهم يسمع بعضه، وقال بعضهم لئن كان يسمع بعضه لقد يسمع كله، فأنزلت {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ} الآية.
الحديث أعاده ج17 ص276، وأخرجه مسلم ج17 ص122، والترمذي ج4 ص178 من طريقين صحح أحدهما وحسن الأخرى، وأحمد ج1 ص381، 408، 426، 442، 444، الطيالسي ج2 ص23، وابن جرير ج24 ص109 والبيهقي في الأسماء والصفات ج1 ص177، والطحاوي ج1 ص37 في مشكل الآثار، وفي بعض طرقه في الصحيح وغيره فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا؟ فقال الآخر إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه وإذا لم نرفعه لم يسمعه، فقال الآخرون: إن سمع منه شيئا سمعه كله، قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأنزل الله عز وجل الآية.
ص -178-"سورة الشورى":
قوله تعالى:
{قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} الآية 23.
أحمد ج1 ص229 حدثنا يحيى عن شعبة حدثني عبد الملك بن ميسرة عن طاووس قال أتى ابن عباس رجل فسأله. وسليمان بن داود قال أخبرنا شعبة أنبأني عبد الملك قال سمعت طاووسا يقول سأل رجل ابن عباس المعنى عن قول الله عز وجل: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فقال سعيد بن جبير قربى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ابن عباس عجلت إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن بطن من قريش إلا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم قرابة فنزلت {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} –إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم-.
الحديث في البخاري من حديث شعبة به وليس عنده فنزلت وقد أخرجه الطبري كما هنا ج25 ص23 وفيه إلا القرابة التي بيني وبينكم أن تصلوها وعزاه الحافظ في المطالب العالية ج3 ص368 إلى أحمد بن منيع وقال صحيح.
قوله تعالى:
{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} الآية 27.
ابن جرير ج25 ص30 حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال أبو هانئ1 سمعت عمرو بن حريث وغيره يقولون إنما أنزلت هذه الآية في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو حميد بن هانئ الخولاني.
ص -179-أصحاب الصفة {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ}. ذلك بأنهم قالوا لو أن لنا فتمنوا.
حدثنا محمد بن سنان القزاز قال حدثنا أبو عبد الرحمن المقري قال حدثنا حيوة قال أخبرني أبو هانئ أنه سمع عمرو بن حريث يقول إنما أنزلت هذه الآية وذكره.
الحديث قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص104 رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح وفيه "لأنهم تمنوا الدنيا" وأخرجه الواحدي في أسباب النزول وأبو نعيم في الحلية ج1 ص338.
وأخرج الحاكم وصححه، وأشار الذهبي إلى أنه على شرط الشيخين ج2 ص445 عن علي بن أبي طالب مثله.
تنبيه:
عمرو بن حريث مختلف في صحبته كما في الإصابة.
ص -180-"سورة الزخرف":
قوله تعالى:
{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} الآية 57.
أحمد ج1 ص317 حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا شيبان عن عاصم عن أبي رزين1 عن أبي يحيى مولى ابن عقيل قال: قال ابن عباس لقد علمت آية من القرآن ما سألني عنها رجل قط، فما أدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها أم لم يفطنوا فيسألوا عنها، ثم طفق يحدثنا، فلما قام تلاومنا ألا نكون سألناه عنها، فقلت: أنا لها إذا راح غدا. فلما راح الغد قلت: يابن عباس ذكرت أمس أن آية من القرآن لم يسألك عنها رجل قط فلا تدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها أم لم يفطنوا لها، فقلت: أخبرني عنها وعن اللاتي قرأت قبلها قال نعم، إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لقريش: "يا معشر قريش إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير" وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى بن مريم وما تقول في محمد فقالوا يا محمد ألست تزعم أن عيسى كان نبيا وعبدا من عباد الله صالحا فلئن كنت صادقا فإن آلهتم كما تقول، قال فأنزل الله عز وجل {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} قال قلت ما يصدون؟ قال: يضجون. {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} قال: هو خروج عيسى بن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة.
الحديث أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار ج1 ص431.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أبو رزين اسمه مسعود بن مالك وثقه أبو زرعة. وأبو يحيى اسمه مصدع روى عنه جماعة ولم يوثق بل ضعف كما في تهذيب التهذيب فالحديث بهذا السند ضعيف.
ص -181-والحديث قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص104 رواه أحمد الطبراني بنحوه "إلا أنه قال فإن كنت صادقا فإنها لكآلهتهم" وفيه عاصم به بهدلة وثقه أحمد وغيره، وهو سيئ الحفظ، وبقية رجاله رجال الصحيح قال السيوطي في لباب النقول إن سنده صحيح. وأقول الذي قرره الإمام الذهبي في الميزان إن حديث عاصم حسن.
تنبيه:
في المسند وتفسير ابن كثير "وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى ابن مريم وما تقول في محمد". وفي مجمع الزوائد "وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى بن مريم وما يقول محمد" فلينظر أي اللفظين أصح، قال شيخنا حفظه الله: لعله ما في مجمع الزوائد لوضوح معناه.
ص -182-"سورة الدخان":
قوله تعالى:
{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إلى قوله {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} الآيات 10-15.
البخاري ج1 ص192 حدثنا يحيى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال: قال عبد الله إنما كان هذا لأن قريشا لما استعصوا على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد فأنزل الله تعالى {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقيل يا رسول الله: استسق الله لمضر فإنها قد هلكت، قال: "لمضر؟ إنك لجريء". فاستسقى فسقوا فنزلت {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية فأنزل الله عز وجل {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} قال يعني يوم بدر.
الحديث أخرجه مسلم ج17 ص141 وفيه جاء إلى عبد الله رجل فقال تركت في المسجد رجلا يفسر القرآن برأيه يفسر هذه الآية {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} قال يأتي الناس يوم القيامة دخان فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم منه كهيئة الزكام فقال عبد الله من علم علما فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم فإن من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به الله أعلم، إنما كان هذا... فذكره وهو في البخاري أيضا.
وأخرجه أحمد ج1 ص381.
ص -183-"سورة الجاثية":
قوله تعالى:
{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} الآية 24.
ابن جرير ج25 ص152 حدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: كان أهل الجاهلية يقولون إنما يهلكنا الليل والنهار وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحيينا فقال الله في كتابه: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} قال فيسبون الدهر، فقال الله تبارك وتعالى "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار".
حدثنا عمران بن بكار الكلاعي قال حدثنا أبو روح قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نحوه.
الحديث ذكره السيوطي في اللباب موقوفا على أبي هريرة وعزاه لابن المنذر وفيه فأنزل الله وذكر الآية. وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره ج4 ص151 وقد أورده ابن جرير بسياق غريب جدا، فذكره ثم قال وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن منصور عن سريج1 بن النعمان عن ابن عيينة به، فما أدري ما وجه غرابة سياقه فأما سنده فرجاله رجال الصحيح وقد ذكره الحافظ في الفتح ج10 ص195 وسكت عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في ابن كثير شريح بالشين المعجمة وبعد الياء حاء والصواب ما أثبتناه.
ص -184-"سورة الأحقاف":
قوله تعالى:
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الآية 10.
أحمد ج6 ص25 حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن حجاج قال حدثنا صفوان بن عمرو قال حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك قال: انطلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوما وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيد لهم، فكرهوا دخولنا عليهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "يا معشر اليهود أروني1 اثني عشر رجلا منكم يشهدون أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يحط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه" قال: فسكتوا فما أجابه2 منهم أحد، ثم رد عليهم فلم يجبه أحد ثم ثلث فلم يجبه أحد، فقال: "أبيتم فوالله إني لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا النبي المصطفى آمنتم أو كذبتم". ثم انصرف وأنا معه حتى إذا كدنا نخرج نادى رجل من خلفنا: كما أنت يا محمد قال: فأقبل فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني3 يا معشر اليهود. قالوا: والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك ولا أفقه منك ولا من أبيك ولا من جدك قبل أبيك. قال: فإني أشهد له بأنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة. قالوا: كذبت. وردوا عليه قوله، وقالوا فيه شرًّا. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "كذبتم لن يقبل قولكم أما آنفا فتثنون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في المسند كلام غير مفهوم فكتبناه من مجمع الزوائد.
2 كذا من المجمع.
3 كذا من المجمع.
ص -185-عليه من الخير ما أثنيتم ولما آمن أكذبتموه وقلتم فيه ما قلتم فلن يقبل فيه قولكم". قال فخرجنا ونحن ثلاثة، رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنا وعبد الله بن سلام وأنزل الله عز وجل فيه {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
الحديث قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص106 رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه ابن حبان كما في موارد الظمآن ص518، والطبراني ج26 ص12، والحاكم في المستدرك ج3 ص416، وقال صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي.
وأقول الحديث على شرط مسلم، لأن البخاري لم يخرج لعبد الرحمن بن جبير ولا لأبيه، وكذا صفوان بن عمرو لم يخرج له إلا تعليقا كما في ترجمته في تهذيب التهذيب، والله أعلم.
تنبيه:
الذي جاء في الصحيحين أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه هو الذي أتى إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند مقدمه من مكة وذكر نحو هذه القصة وليس فيه سبب النزول وهذه القصة تفيد أنه ذهب صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى كنيستهم فما الجمع؟ لم يحضرني الآن كلام للمتقدمين ويمكن أن يقال إن عبد الله لما أسلم بعد إتيانه إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذهب إلى جماعة من اليهود ولم يعلموا بإسلامه فلما أتاهم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لهم ما قال والله أعلم، فإن ارتضيت هذا الجمع أو فتح الله عليك بأحسن منه، وإلا رجحت حديث الصحيحين لا سيما وعوف بن مالك قال الواقدي أسلم عام خيبر وقال غيره شهد الفتح وقال ابن سعد آخى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بينه وبين أبي الدرداء ا. هـ. من الإصابة ج3 ص43
ص -186-وفي الاستيعاب وأول مشاهده خيبر ج3 ص131 مع الإصابة، وفي الطبقات ج7 ق2 عوف بن مالك الأشجعي أسلم قبل حنين وشهد حنينا إلى آخره، وفي المستدرك ج3 ص546 عن الواقدي نحو ما هنا فالظاهر عدم صحة هذا الحديث، والله أعلم.
قوله تعالى:
{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} الآيات 29-30 إلى قوله { فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.
الحاكم ج2 ص456 حدثنا أبو عمر الحافظ أنبأ عبدان الأهوازي حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن عاصم عن زر عن عبد الله قال هبطوا على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه أنصتوا قالوا: صه، وكانوا تسعة أحدهم زوبعة فأنزل الله عز وجل {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} الآية إلى {ضَلالٍ مُبِينٍ} صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي، وأخرجه الحافظ البيهقي من طريق الحاكم بهذا السند في دلائل النبوة ج2 ص13.
ص -187-"سورة الفتح":
البخاري ج10 ص210 حدثنا أحمد بن إسحاق السلمي حدثنا يعلى حدثنا عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال أتيت أبا وائل أسأله، فقال: كنا بصفين فقال رجل: ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله تعالى. فقال علي: نعم. فقال سهل بن حنيف اتهموا أنفسكم فلقد رأيتنا يوم الحديبية- يعني الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمشركين- ولو نرى قتالا لقاتلنا، فجاء عمر فقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل، أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، قال: "بلى"، قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا فقال: "يابن الخطاب، إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا". فرجع متغيظا، فلم يصبر حتى جاء أبا بكر، فقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: يابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا. فنزلت سورة الفتح.
الحديث أخرجه مسلم ج2 ص141 وفيه، فنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه فقال: يا رسول الله أوفتح هو؟ قال: "نعم"، فطابت نفسه.
وأخرجه أيضا أحمد ج3 ص486، وابن جرير ج26 ص70.
وقد أخرج البخاري ج10 ص205 والترمذي وصححه، وأحمد ج1 ص31 من حديث عمر نحوه وظاهره الإرسال عند البخاري، لكن زيد بن أسلم قد صرح بالسماع عند الترمذي فعلم اتصاله. قاله المباركفوري في التحفة ج4 ص185، وأخرجه أحمد وأبو داود في الجهاد.
ص -188-وأخرج ابن جرير ج26 ص71، والحاكم ج2 ص459 عن مجمع بن جارية رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الحديبية حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كراع الغميم فإذا الناس يرسمون1 نحو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال بعض الناس لبعض: ما للناس؟ قالوا أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال لبعض الناس فحركنا حتى وجدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند كراع الغميم واقفا فلما اجتمع عليه الناس قرأ عليهم {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} فقال بعض الناس أوفتح؟ هو قال: "والذي نفسي بيده إنه لفتح".
قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وقال الذهبي قلت: لم يخرج مسلم لمجمع ولا لأبيه شيئا وهما ثقتان، ومجمع أحد رجال السند وليس بالصحابي هنا.
قوله تعالى:
{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الآية 5.
أحمد ج3 ص134 حدثنا بهز حدثنا همام عن قتادة عن أنس أنها نزلت على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرجعه من الحديبية وأصحابه يخالطون الحزن والكآبة وقد حيل بينهم وبين مساكنهم، ونحروا الهدي بالحديبية {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} إلى قوله {صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} قال: "لقد أنزلت علي آيتان هما أحب إلي من الدنيا جميعا". قال: فلما تلاهما قال رجل هنيئا مريئا يا رسول الله قد بين لك ما يفعل بك فما يفعل بنا؟ فأنزل الله عز وجل الآية التي بعدها {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} الآية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يرسمون: أي يذهبون إليه سراعا كما في النهاية.
ص -189-الحديث أخرجه الإمام أحمد في مواضع من مسنده منها ص196 من هذا الجزء وص215 و252، وأخرجه البخاري ج8 ص456 وبين أن قوله: "هنيئا مريئا" من قول عكرمة، ومسلم ج12 ص143 عنده أصل الحديث وليس عنده نزول الآية، والترمذي ج4 ص185، وابن جرير ج26 ص69، وابن حبان كما في موارد الظمآن ص436، والحاكم ج2 ص459 وقال صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي وفيه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} قال: فتح خيبر.
قوله تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} الآية 24.
البخاري ج6 ص257 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال أخبرني الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين" فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش وسار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس حل1 حل فألحت فقالوا خلأت القصواء فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل"، ثم قال: "والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها" ثم زجرها فوثبت، قال فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه2 الناس تبرضا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشكى إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كلمة تقال للناقة إذا تركت السير.
2 التبرض هو الأخذ قليلا قليلا كذا في الفتح.
ص -190-رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم العطش، فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أهل تهامة فقال إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية ومعهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشا نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا أمددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جمعوا، وإن هم أبوا، فوالذي نفسي بيده لأقاتلهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن الله أمره" فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشا، قال: إنا قد جئناكم من هذا الرجل، وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة بنا أن تخبرنا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته. قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال عروة بن مسعود: أي قوم ألستم بالولد1. قالوا: بلى. قال: أولست بالوالد؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني. قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد، اقبلوها ودعوني آته. قالوا: ائته. فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نحوا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلك: أي محمد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا لأبي ذر ولغيره بالعكس ألستم بالوالد وألست بالولد وهو الصواب وهو الذي في رواية أحمد وابن إسحاق وغيرهما ا. هـ فتح الباري باختصار.
ص -191-قبلك؟ وإن تكن الأخرى فإني والله لا أرى وجوها، وإني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: امصص بظر اللات: أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكلما تكلم أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضرب يده بنعل السيف, وقال له أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ فقالوا المغيرة بن شعبة. فقال: أي غدر ألست أسعى في غدرتك. وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء". ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعينيه قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم محمدا. والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فذلك بها وجهه وجلده، فإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آتيه. فقالوا: ائته، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه
ص -192-قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له" فبعثت له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت. فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن وقد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص وقال: دعوني آتيه. فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "هذا مكرز وهو رجل فاجر". فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو، وقال معمر فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن عمرو، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد سهل لكم من أمركم قال معمر: قال الزهري في حديثه فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات أكتب بيننا وبينك كتابا. فدعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الكاتب، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم". فقال سهيل: أما الرحمن، فوالله ما أدري ما هي ولكن اكتب "باسمك اللهم" كما كنا نكتب. فقال المسلمون: والله لا تكتبها إلا "بسم الله الرحمن الرحيم" فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "اكتب باسمك اللهم" ثم قال: "هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله". فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "والله إني لرسول اله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله" قال الزهري: وذلك لقوله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها فقال لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به" فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أُخِذْنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل فكتب، فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما. فبينما هم
ص -193-كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال: سهيل هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إنا لم نقض الكتاب بعد". قال: فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدا. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "فأجزه لي" قال: ما أنا بمجيزه لك. قال: "بلى فافعل"، قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: بلى قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين أُرَدُّ إلى المشركين وقد جئتُ مسلما؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله قال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت: ألست نبي الله حقا. قال: "بلى"، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: "بلى". قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: "إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري". قلت: أولست كنت تحدثنا أنا نأتي البيت فنطوف به؟ قال: "بلى فأخبرك أنا نأتيه العام"؟ قال قلت: لا، قال: "فإنك آتيه ومطوف به". قال: فأتيت أبا بكر، فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا. قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق. قلت: أليس كان يحدثنا أنا نأتي البيت ونطوف به، قال: بلى فأخبرك أنك آتيه العام. قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به، قال الزهري قال عمر: فعملت لذلك أعمالا، فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأصحابه: "قوموا فانحروا ثم احلقوا". قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك، اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك
ص -194-فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك. نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما. ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ}1 حتى بلغ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك. فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية. ثم رجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة. فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغ ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد، لقد جريت به ثم جريت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه به فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لقد رأى هذا الرجل ذعرا" فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قتل صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله قد أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد"، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر قال، وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعيرٍ لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تناشده بالله والرحم لما أرسل فمن أتاه فهو آمن،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تعليق قال الحافظ في الفتح ج6 ص276 ظاهره أنهن جئن إليه وهو بالحديبية، وليس كذلك، وإنما جئن إليه بعد في أثناء المدة.
ص -195-فأرسل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليهم فأنزل الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} حتى بلغ {الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم. وحالوا بينهم وبين البيت.
الحديث أخرجه عبد الرزاق ج5 ص342، وأحمد ج4 ص331، وابن جرير ج26 ص101. وأخرج مسلم ج2 ص187، والترمذي ج4 ص185، وأبو داود ج3 ص13, وأحمد ج3 ص122، 125، وابن جرير ج26 ص94 عن أنس بن مالك أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، فأخذهم سلما فاستحياهم فأنزل الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}.
وأخرج أحمد ج4 ص87 قال الهيثمي ج6 ص145 رجاله رجال الصحيح، الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي ج2 ص461، وابن جرير ج26 ص94، والبيهقي ج6 ص319 من حديث عبد الله بن مغفل نحوه.
تنبيه:
قال الحافظ في الفتح على حديث البخاري حيث قال البخاري بسنده، فأنزل الله وذكر الآية، قال الحافظ: كذا هنا وظاهره أنها نزلت في شأن أبي بصير وفيه نظر، والمشهور في سبب نزولها ما أخرجه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع ومن حديث أنس بن مالك وأخرجه أحمد والنسائي من حديث
ص -196-عبد الله بن مغفل بإسناد صحيح أنها نزلت بسبب القوم الذين أرادوا من قريش أن يأخذوا من المسلمين غرة فظفروا بهم فعفا عنهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنزلت الآية وقيل في نزولها غير ذلك ا. هـ. أقول: ويؤيد ما قاله الحافظ رحمه الله أن في الآية {بِبَطْنِ مَكَّةَ} وأبو بصير وجماعته لم يكونوا ببطن مكة، والله أعلم.
ص -197-"سورة الحجرات":
قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية1.
البخاري ج9 ص147 حدثني إبراهيم بن موسى حدثني هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم عن ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبرهم أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد بن زرارة، فقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس، قال أبو بكر: ما أراد إلا خلافي. قال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت في ذلك{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِْ} حتى انقضت.
الحديث أعاده أيضا في التفسير ج10 ص214، من طريق الحسن بن محمد حدثنا حجاج عن ابن جريج به.
قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآية 2.
البخاري ج10 ص212 حدثنا بسرة بن صفوان بن جميل اللخمي حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما؛ رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع. وأشار الآخر برجل آخر، قال نافع: لا أحفظ اسمه فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك
ص -198-فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية قال ابن الزبير فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر.
الحديث أخرجه أيضا في كتاب الاعتصام ج17 ص39، وأخرجه الترمذي ج4 ص185، وعنده تصريح عبد الله بن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير حدثه به، وحسنه، وأحمد ج4 ص6، والطبري ج26 ص119 وفيه قول نافع حدثني ابن أبي مليكة عن ابن الزبير فعلم اتصال الحديث كما أشار إليه الحافظ في الفتح ج10 ص212.
قوله تعالى:
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} الآية 9.
البخاري ج6 ص226 حدثنا مسدد حدثنا معتمر قال سمعت أبي أن أنسا رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لو أتيت عبد الله ابن أبي، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وركب حمارا فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: إليك عني فوالله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أطيب ريحا منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتما1، فغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والنعال والأيدي، فبلغنا أنها أنزلت {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}.
الحديث ذكره الحافظ ابن كثير ج4 ص211 من طريق معتمر من مسند أحمد، ثم قال رواه البخاري في الصلح عن مسدد، ومسلم في المغازي عن محمد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال الحافظ في الفتح كذا للأكثر أي شتم كل واحد منهما الآخر وفي رواية الكشيهمني "فشتمه".
ص -199-ابن عبد الأعلى كلاهما عن المعتمر بن سليمان عن أبيه به، وأخرجه ابن جرير ج26 ص128.
قوله تعالى:
{وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} الآية 11.
الترمذي ج4 ص186 حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري البصري حدثنا أبو زيد صاحب الهروي عن شعبة عن دواد بن أبي هند قال سمعت الشعبي يحدث عن أبي جبيرة بن الضحاك قال: كان الرجل منا يكون له الاسمان والثلاثة فيدعى ببعضها فعسى أن يكره فنزلت هذه الآية {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} هذا حديث حسن صحيح حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف حدثنا نحوه وأبو جبيرة بن الضحاك هو أخو ثابت بن الضحاك الأنصاري.
الحديث أخرجه أبو داود ج4 ص445، وابن ماجه رقم 3741، وأحمد عن أبي جبيرة عن عمومته ج4 ص69، قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص111: رجاله رجال الصحيح، وذكره أيضا أحمد ج5 ص380 عن عمومة له، والبخاري في الأدب المفرد ص121، وابن حبان كما في موارد الظمآن ص436، وابن جرير ج26 ص132 والحاكم ج2 ص463، ج4 ص282 وقال في الأول صحيح على شرط مسلم وفي الثاني صحيح الإسناد وأقره الذهبي في الموضعين.
تنبيه:
أبو جبيرة مختلف في صحبته قال أبو أحمد وتبعه ابن عبد البر، قال بعضهم له صحبة، وقال بعضهم لا صحبة له، وقال ابن أبي حاتم لا أعلم له صحبة، قال الحافظ في الإصابة: قلت أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن، وصححه الحاكم، وحسنه الترمذي ثم ذكر هذا الحديث.
ص -200-أقول الظاهر ثبوت صحبته إذ لو كان تابعيا لنبه هؤلاء الذين أخرجوا حديثه أنه مرسل، ومن علم حجة على من لا يعلم، على أنه قد روى هذا الحديث كما في مسند أحمد ج4 ص69 وج5 ص380 عن عمومة1 له قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وليس أحد منا إلا له لقب أو لقبان. الحديث. قال الهيثمي ج7 ص111 رجاله رجال الصحيح، فثبت الحديث والحمد لله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وفي أسباب النزول للواحدي عن أبيه وعمومة له.
ص -201-"سورة القمر":
الترمذي ج4 ص191 حدثنا عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم آية: فانشق القمر بمكة مرتين فنزلت {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} إلى قوله {سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} أي ذاهب. هذا حديث حسن صحيح.
الحديث أصله في الصحيحين لكن ليس عندهما التصريح بنزول الآيات. وأخرج الطبري ج27 ص85، والبيهقي في دلائل النبوة ج2 ص42، والحاكم وقال على شرط الشيخين 2 ص471، وأقره الذهبي وقال أصله في الكتابين، من حديث ابن مسعود نحوه.
وأخرج الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: سحر القمر، فنزلت {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ج3 ص120: سنده جيد وفيه أنه كسف تلك الليلة فلعله حصل له انشقاق في ليلة كسوفه ولهذا خفي أمره على كثير من أهل الأرض، ويقال إنه أرخ ذلك في بعض بلاد الهند وبني بناء تلك الليلة وأرخ بليلة انشقاق القمر ا. هـ. وقال ج6 ص75، 76 وهذا سياق غريب وذكر نحوه ما تقدم.
قوله تعالى:
{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} الآيتان 48، 49.
مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا وكيع عن سفيان عن زياد بن إسماعيل عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي عن أبي هريرة قال:
ص -202-جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في القدر فنزلت {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}.
الحديث أخرجه الترمذي ج3 ص204، ج4 ص191 وقال في الموضعين حسن صحيح وابن ماجه رقم 83 وأحمد ج2 ص444، و476 وابن جرير ج27 ص110 والبيهقي في شعب الإيمان ج1 ص136 والبخاري في خلق أفعال العباد1 ص19 وذكر له شاهدا فقال: حدثنا محمد بن يوسف ثنا يونس بن الحارث ثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نزلت هذه الآية: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} في أهل القدر، ثم قال البخاري رحمه الله: ويروى عن ابن عباس ومعاذ بن أنس رضي الله عنهم. وأخرجه الطبري في الكبير ج5 ص319 من حديث زرارة غير منسوب وفي سنده ابن زرارة مبهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رووه كلهم من طريق إسماعيل بن زياد المخزومي وقد قال ابن معين إنه ضعيف وقال علي بن المديني رجل من أهل مكة معروف، وقال أبو حاتم يكتب حديثه، وقال النسائي ليس به بأس. ا. هـ. من تهذيب التهذيب فمن مجموع كلام هؤلاء الأئمة يستفاد أن حديثه أنزل من الحسن لكن يتقوى الحديث بالشواهد التي ذكرت، والله أعلم.
ص -203-"سورة الواقعة":
قوله تعالى
{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} الآية 82.
مسلم ج2 ص60 حدثنا عباس بن عبد العظيم العنبري، حدثنا النضر بن محمد، حدثنا عكرمة وهو ابن عمار، حدثنا أبو زميل، قال: حدثني ابن عباس، قال: مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر"، قالوا: هذه رحمة. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا فنزلت هذه الآية: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} حتى بلغ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}.
قال النووي رحمه الله قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله يعني ابن الصلاح ليس مراده أن جميع هذا نزل في قوله في الأنواء فإن الأمر في ذلك وتفسيره يأبى ذلك، وإنما النازل في ذلك قوله تعالى {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} والباقي نزل في غير ذلك ولكن اجتمعا في وقت النزول فذكر الجميع أجل ذلك، قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله: ومما يدل على هذا أن في بعض الروايات عن ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك الاقتصار على هذا القدر اليسير فحسب. هذا آخر كلام الشيخ رحمه الله.
ص -204-"سورة المجادلة":
أحمد في المسند ج6 ص46 ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن تميم بن سلمة عن عروة عن عائشة قالت الحمد لله الذي وسع سمعه الأصواب لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إلى آخر الآية.
الحديث أخرجه البخاري تعليقا ج17 ص143، والنسائي ج6 ص137، وابن ماجه رقم 188 ورقم 2063، وابن جرير ج28 ص5 وص6 والحاكم ج2 ص481 وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي.
قوله تعالى:
{وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} الآية 8.
أحمد ج2 ص170 حدثنا عبد الصمد ثنا حماد عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: سام عليك، ثم يقولون في أنفسهم، لولا يعذبنا الله بما نقول، فنزلت هذه الآية {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} إلى آخر الآية.
الحديث قال الهيثمي ج7 ص122 رواه أحمد والبزار والطبراني وإسناده جيد لأن حمادا سمع من عطاء بن السائب في حالة الصحة.
وأخرج مسلم ج14 ص147، وأحمد ج6 ص229، وابن جرير ج28 ص14 من حديث عائشة نحوه.
ص -205-وقوله تعالى:
{وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} الآية 14.
أحمد ج1 ص240 ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "يدخل عليكم رجل ينظر بعين شيطان أو بعيني شيطان". قال فدخل رجل أزرق فقال: يا محمد علام سببتني أو شتمتني أو نحو هذا قال وجعل يحلف، قال: ونزلت هذه الآية في المجادلة {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} والآية الأخرى.
الحديث أيضا أعاده ص267، ص350، قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه أحمد والبزار ورجاله الجميع رجال الصحيح، إلا أن فيه أن الرسول هو الذي قال له علام تشتمني أنت وأصحابك، وكذا في المسند ص350 وص267، وأخرجه الحاكم في المستدرك ج2 ص482، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وابن جرير ج28 ص25.
وأخرجه ابن جرير ج10 ص185، وعزاه الشوكاني ج2 ص384 إلى الطبراني وأبي الشيخ وابن مردويه من حديث ابن عباس نحوه إلا أنه قال: ونزلت {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} إلى آخر الآية التي في سورة التوبة، فإما أن تكونا نزلتا معا في سبب واحد، وإما أن يكون اضطراب في سماك بن حرب، فإنه مضطرب الحديث لاسيما بعد كبره، والله أعلم، وكون آية المجادلة التي نزلت أثبت لأن الراوي عنه شعبة وقد سمع منه قديما كما في التهذيب التهذيب.
ص -206-"سورة الحشر":
البخاري ج10 ص253 حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة التوبة. قال: التوبة هي الفاضحة ما زالت تنزل، ومنهم ومنهم حتى ظنوا أنها لم تبق أحدا منهم إلا ذكر فيها، قال: قلت سورة الأنفال، قال: نزلت في بدر. قال: قلت سورة الحشر، قال: نزلت في بني النضير.
الحديث أخرجه مسلم ج18 ص165.
وأخرج الحاكم ج2 ص483، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي والبيهقي في دلائل النبوة ج2 ص444 عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من غزوة بدر وكان منزلهم ونخلهم بناحية المدينة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة –يعني السلاح- فأنزل الله فيهم:
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إلى قوله {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} فقاتلهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى صالحهم على الجلاء، فأخلاهم إلى الشام، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي وأما قوله: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} فكان ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام.
تنبيه:
الحديث –أي حديث الحاكم- ليس على شرط الشيخين؛ لأنهما لم يخرجا
ص -207-لزيد بن المبارك ومحمد بن ثور وهما ثقة، فالحديث صحيح. لكن في قوله على شرطهما ما فيه.
قوله تعالى:
{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} الآية رضي الله عنهما قال:
حرق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نخل بني النضير, وقطع، وهي البويرة فنزلت:
{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}.
الحديث ذكره أيضا في كتاب التفسير، وأخرجه مسلم ج12 ص50 وص51، والترمذي ج2 ص377 وج4 ص195 وقال في الموضعين هذا حديث حسن صحيح، وأبو داود ج2 ص342 و343، وأحمد ج2 ص123 و140، وابن جرير ج28 ص34، والبيهقي في دلائل النبوة ج2 ص452. وأخرج الترمذي ج4 ص196 وحسنه عن ابن عباس في قول الله عز وجل {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} قال: اللينة النخلة. {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} قال: استنزلوهم من حصونهم، قال: وأمروا بقطع النخل فحك في صدروهم، فقالوا: قد قطعنا بعضا وتركنا بعضا، ولنسألن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هل لنا فيما قطعنا من أجر، وهل علينا فيما تركنا من وزر فأنزل الله {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} الآية.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: وأخرجه النسائي، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.
ص -208-قوله تعالى:
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الآية 9.
البخاري ج8 ص120 حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن فصيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فبعث إلى نسائه. فقلن ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من يضم أو يضيف هذا". فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء. فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه كأنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: "ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما"، فأنزل الله {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
الحديث ذكره أيضا في كتاب التفسير ج1 ص256، وأخرجه مسلم ج4 ص12 و13، وأخرجه الترمذي ج4 ص149، وابن جرير ج28 ص43، والبخاري في الأدب المفرد ص258، والحاكم ج4 ص130 قال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، كذا قال. وأنت ترى أنهما قد أخرجاه.
ص -209-"سورة الممتحنة":
الحاكم ج2 ص485 –أخبرني عبد الرحمن بن الحسن القاضي بهمذان، حدثنا إبراهيم بن الحسين، ثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} إلى قوله {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} نزل في مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة ومن معه إلى كفار قريش يحذرونهم. وقوله {إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ} نهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه فيستغفروا للمشركين. وقوله تعالى {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك، فيقولون: لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
وقد أعرضت عن حديث على عند الشيخين؛ لأن الحافظ في الفتح ج10 ص260 قال وقد بين السياق على أن هذه الزيادة مدرجة، وأخرجه مسلم أيضا عن إسحاق بن راهوية عن سفيان وبين أن تلاوة الآية من قول سفيان.
فعلم بهذا أن القصة ثابتة في الصحيحين، لكن نزول الآية وذكرها معضل؛ لأن سفيان من أتباع التابعين.
وهكذا آية {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ} فإن ذكر النزول من طريق سفيان، وهي أيضا من قوله كما في البخاري ج13 ص17، وكذا في الأدب المفرد ص23، وجاءت من طريق أخرى عند الطيالسي وأبي يعلى وابن جرير وغيرهم، وفيها مصعب بن ثابت وهو ضعيف كما في الميزان لذلك ما كتبتها.
ص -210-قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} الآية 10.
البخاري ج6 ص240، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع مروان والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، وخليت بيننا وبينه. فكره المؤمنون ذلك وامتعضوا منه، وأبي سهيل إلا ذلك، فكاتبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذلك فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو، ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما. وجاء المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يؤمئذ وهي عاتق، فجاء أهلها يسألون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يرجعها إليهم، فلم يرجعها إليهم لما نزل فيهن {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} إلى قوله {وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}.
قال عروة: فأخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يمتحنهن بهذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} إلى {غَفُورٌ رَحِيمٌ}1.
قالت عروة قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط منهن قال لها رسول الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا وفي المصحف {عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
ص -211-صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد بايعتك كلاما يكلمها به، والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة وما بايعهن إلا بقوله.
الحديث أعاده أيضا ص276 من هذا الجزء في جملة الحديث الذي قد تقدم في سورة الفتح، وأحمد ج4 ص331 في جملة الحديث الطويل، وعبد الرزاق ج5 ص430، وابن جرير في التاريخ ج3 ص82 وسنده ص80، وفي التفسير ج26 ص100 وج28 ص71.
ص -212-"سورة الصف":
الدارمي ج2 ص200 أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملناها، فأنزل الله تعالى {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا} حتى ختمها، قال عبد الله: فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى ختمها، قال أبو سلمة فقرأها علينا ابن سلام، قال يحيى قرأها علينا أبو سلمة، وقرأها علينا يحيى، وقرأها علينا الأوزاعي، وقرأها علينا محمد.
الحديث أخرجه أحمد ج5 ص452، والترمذي ج4 ص199 وبين ما فيه من الاختلاف على الأوزاعي، وابن حبان ص383 من موارد الظمآن، الحاكم ج2 ص69 وص299 وص487، وقال في الثلاثة المواضع صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي وبين في الموضع الأول ما فيه من الاختلاف على الأوزاعي، وقال الحافظ في الفتح ج10 ص265 وقد وقع لنا سماع هذه السورة مسلسلا في حديث ذكر في أوله سبب نزولها، وإسناده صحيح. قل أن وقع في المسلسلات مثله مع مزيد علوه ا. هـ. وقال في شرح نخبة الفكر: إنه أصح المسلسلات.
ص -213-"سورة الجمعة":
البخاري ج3 ص75 حدثنا معاوية بن عمرو قال حدثنا زائدة عن حصين عن سالم بن أبي الجعد قال حدثنا جابر بن عبد الله قال: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ أقبلت عير تحمل طعاما، فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا اثنا عشر رجلا، فنزلت هذه الآية {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}.
الحديث أخرجه ج5 ص200 وص204 وج10 ص268، ومسلم ج6 ص150 و151، والترمذي ج4 ص200 وقال هذا حديث حسن صحيح، وأحمد ج3 ص370، وابن جرير ج28 ص104 و105.
وقد أخرج الطبري بسند رجاله رجال الصحيح وأبو عوانة في صحيحه كما قاله الحافظ في الفتح ج3 ص76 عن جابر بن عبد الله قال كان1 الجواري إذا نكحوا كانوا يمرون بالكبر والمزامير، ويتركون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائما على المنبر وينفضون فأنزل الله {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هكذا في تفسير ابن جرير وفي الفتح أنهم كانوا إذا نكحوا تضرب الجواري بالمزامير فيشتد الناس إليهم ويدعون رسول الله قائما فنزلت هذه الآية. وفي الدر المنثور ج6 ص221 –أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يخطب الناس يوم الجمعة، فإذا كان نكاح لعب أهله وعزفوا ومروا باللهو على المسجد وإذا نزلت بالبطحاء جلب قال وكانت البطحاء مجلسا بفناء المسجد الذي يلي بقيع الغرقد وكانت الأعراب إذا جلبوا الخيل والإبل والغنم وبضائع الأعراب نزلوا البطحاء فإذا سمع ذلك من يقعد للخطبة قاموا للهو والتجارة وتركوه قائما فعاتب الله المؤمنين لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}. وإنما نقلته من الدر المنثور لأن عبارة الطبري غير واضحة ولأن فيه الجمع بين السببين.
ص -214-"سورة المنافقون":
البخاري ج10 ص296 حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم قال: كنت في غزاة، فسمعت عبد الله بن أبي يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليخرجن الأعز منها الأذل، فذكرت ذلك لعمي أو لعمر، فذكره للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فدعاني فحدثته، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا فكذبني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصدقه، فأصابني هم لم يصبني مثله قط. فجلست في البيت فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومقتك فأنزل الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَْ} فبعث إلي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقرأ فقال: "إن الله قد صدقك يا زيد".
الحديث ذكره أيضا ص271 و272 و273، وأخرجه مسلم ج17 ص120، والترمذي ج4 ص200 وصححه، وأحمد ج4 ص273، والحاكم ج2 ص489 – أطول مما ها هنا وقال: صحيح. وأقره الذهبي، وابن جرير في التاريخ ج3 ص65، وفي التفسير ج28 ص109.
قوله تعالى:
{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا}.
البخاري ج10 ص272 حدثنا آدم حدثنا شعبة عن الحكم قال سمعت محمد بن كعب القرظي، قال سمعت زيد بن أرقم رضي الله عنه لما قال عبد الله
ص -215-ابن أبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله وقال أيضا لئن رجعنا إلى المدينة أخبرت به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلامني الأنصار، وحلف عبد الله بن أبي ما قال ذلك، فرجعت إلى المنزل فنمت فدعاني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأتيته فقال إن الله قد صدقك ونزل: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا} الآية.
الحديث أخرجه الترمذي ج4 ص201 وقال هذا حديث حسن صحيح وعزاه المباركفوري إلى أحمد، وأخرجه ابن جرير ج28 ص109 وص113 من حديث ابن أبي ليلى عن زيد بن أرقم.
ص -216-"سورة التغابن":
قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} الآية 14.
الترمذي ج4 ص202 حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا إسرائيل، حدثنا سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس سأله رجل عن هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} قال هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة، وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأوا أصحابهم قد فقهوا في الدين، هموا أن يعاقبوهم، فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} الآية.
هذا حديث حسن صحيح.
الحديث أخرجه ابن جرير ج28 ص124، والحاكم ج2 ص490، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير ج4 ص376.
والحديث يدور على سماك عن عكرمة ورواية سماك عن عكرمة مضطربة فالحديث ضعيف.
ص -217-"سورة التحريم":
البخاري ج11 ص293 حدثني الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول سمعت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يمكث عند زينب ابنة جحش، ويثرب عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلتقل: إني لأجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير. فدخل على إحداهما فقالت له ذلك، فقال: "لا بأس شربت عسلا عند زينب ابنة جحش ولن أعود له". فنزلت {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى {تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} لعائشة وحفصة {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} لقوله بل شربت عسلا.
الحديث أعاده مسندا مع تغيير في المتن يسير ج14 ص385 ثم قال إبراهيم مسلم ج10 ص75، وأبو داود ج3 ص386 وقال صاحب عون المعبود قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا ا. هـ. وهو في النسائي ج6 ص123 وج17 ص13، وابن سعد ج8 ص76 ق1 –وأبو نعيم في الحلية ج3 ص276.
وأخرج النسائي كما في تفسير ابن كثير ج4 ص386، والحاكم ج2 ص493 وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانت له أمة يطؤها فلم نزل به عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حراما فأنزل الله هذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} إلى آخر الآية.
ص -218-قال الحافظ في الفتح بعد غزوة إلى النسائي: إن سنده صحيح ج11 ص292.
وفي مجمع الزوائد ج7 ص126 عن ابن عباس {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} قال نزلت هذه في سريته. رواه البزار بإسنادين والطبراني ورجال البزار رجال الصحيح غير بشر بن آدم وهو ثقة.
وأخرج الهيثم بن كليب في مسنده كما في تفسير ابن كثير ج4 ص386 عن ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لحفصة "لا تخبري أحدا، وإن أم إبراهيم علي حرام" فقالت: أتحرم ما أحل الله لك. قال: "فوالله لا أقربها". قال فلم يقربها حتى أخبرت عائشة، قال فأنزل الله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} قال الحافظ ابن كثير بعد ذكره بسنده: وهذا إسناد صحيح ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة وقد اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المستخرج.
قال الحافظ في الفتح ج10 ص283 يحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معا ا. هـ. أي بسبب تحريمه العسل وتحريمه جاريته. وقال الشوكاني في تفسيره ج5 ص252 فهذا سببان صحيحان لنزول الآية، والجمع ممكن بوقوع القصتين: قصة العسل وقصة مارية، وأن القرآن نزل فيهما جميعا وفي كل واحد منهما أنه أسر الحديث إلى بعض أزواجه.
قوله تعالى:
{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} الآية 5.
مسلم ج10 ص82 حدثني زهير بن حرب حدثنا عمر بن يونس الحنفي حدثنا عكرمة بن عمار عن سماك أبي زميل حدثني عبد الله بن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نساءه قال: دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون طلق رسول الله
ص -219-صلى الله عليه وعلى آله وسلم نساءه، وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب، فقلت: لأعلمن ذلك اليوم. قال فدخلت على عائشة، فقلت: يابنة أبي بكر أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: مالي ومالك يابن الخطاب عليك بعيبتك. قال: فدخلت على حفصة فقلت لها: يا حفصة أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يحبك، ولوا أنا لطلقك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فبكت أشد البكاء، فقلت لها أين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: هو في خزانته في المشربة، فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاعدا على أسكفة المشربة مدل رجليه على نفير من خشب، وهو جذع يرقي عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وينحدر، فناديت يا رباح استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي فلم يقل شيئا، ثم قلت: يا رباح ستأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي فلم يقل شيئا. ثم رفعت صوتي فقلت: يا رباح استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بضرب عنقها لأضربن عنقها، ورفعت صوتي فأومأ إلي أن ارقه، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو مضطجع على حصير فجلست فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ومثلها قرظا وإذا أفيق معلق، قال: فابتدرت عيناي. قال: "ما يبكيك يابن الخطاب"؟ قلت: يا نبي الله وما لي لا أبكي، وهذا الحصير قد أثر في جسمك، وهذه خزانتك
ص -220-لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وانت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصفوته وهذه خزانتك.فقال: "يابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا". قلت: بلى. قال ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب. فقلت: يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء، فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل ومكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك وقلما تكلمت وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول ونزلت الآية، آية التخيير {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ}{وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت يا رسول الله: أطلقتهن؟ قال: "لا". قلت: يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى يقولون طلق رسول الله نساءه. فأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن. قال: "نعم إن شئت". فلم أزل أحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه وحتى كشر فضحك وكان من أحسن الناس ثغرا ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونزلت، فنزلت أتشبث بالجذع، ونزل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كأنما يمشي على الأرض ما يمسه بيده فقلت: يا رسول الله إنما كنت في الغرفة تسعة وعشرين قال:
"إن الشهر يكون تسعا وعشرين". فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نساءه ونزلت هذه الآية: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر وأنزل الله عز وجل آية التخيير.
وقد تقدم في سورة البقرة قول عمر وافقت ربي في ثلاث وذكر منها:
{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ}.
ص -221-"سورة الجن":
البخاري ج10 ص296 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين. فقالوا: مالكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب. قال: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث. فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها بنظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء. قال: فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنخلة، وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر. فلما سمعوا القرآن تسمعوا له فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين السماء. فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} وأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}.
الحديث أخرجه مسلم ج4 ص167، والترمذي ج4 ص207، وقال هذا حديث حسن صحيح، وأحمد ج1 ص252، وابن جرير ج29 ص102، والحاكم ج2 ص503 وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة كذا قال، وقد أخرجاه بأحسن من سياقه، والبيهقي في دلائل النبوة ج2 ص12، وأبو نعيم في الحلية ج4 ص301.
ص -222-"سورة المزمل":
أبو داود ج1 ص503، حدثنا أحمد بن محمد يعني المروزي، نا وكيع عن مسعر عن سماك الحنفي عن ابن عباس قال: لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان، حتى نزل آخرها، وكان بين أولها وآخرها سنة.
الحديث رجاله رجال الصحيح إلا أحمد بن محمد المروزي أبا الحسن بن شبويه وهو ثقة، وأخرجه ابن جرير ج29 ص124 و125 رجاله رجال الصحيح.
وأخرجه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير ج4 ص436 ورجاله رجال الصحيح.
ص -223-"سورة المدثر":
البخاري ج10 ص303، حدثني يحيى1 حدثنا وكيع بن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} قلت: يقولون {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فقال أبو سلمة: سألت جابر عن عبد الله رضي الله عنهما عن ذلك، وقلت له مثل الذي قلت، فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت. فنودي فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي فرأيت شيئا، فأتيت خديجة فقلت: "دثروني وصبوا علي ماء باردا، قال: فدثروني وصبوا علي ماء باردا". قال فنزلت: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ}.
الحديث ذكره ص305 و306 وص351 وج1 ص31، وأخرجه مسلم ج2 ص206 و207 و208، والترمذي ج4 ص208، وأحمد ج3 ص377 وص392، وعبد الرزاق في المصنف ج5 ص324، والطيالسي ج2 ص7، وابن جرير في التاريخ ج2 ص208 و209 وفي التفسير ج29 ص143، والحاكم في المستدرك ج2 ص251 وفيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي، ثم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه اللفظة، والبيهقي في دلائل النبوة ج1 ص410 و411.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال الحافظ في الفتح: يحيى هو ابن موسى البلخي أو ابن جعفر.
ص -224-استدراك:
قال الحاكم رحمه الله ولم يخرجاه بهذا اللفظة يعني وهو يحدث عن فترة الوحي، وقد أخرجه البخاري في باب بدء الوحي ج1 ص31، وفي كتاب التفسير في تفسيره سورة المدثر ج10 ص305 وص306، وفي تفسير اقرأ ص350، ومسلم ج2 ص205 و206.
تنبيه:
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره ج4 ص440 ما معناه: خالف جابر بن عبد الله الجمهور في قوله: إن أول ما نزل المدثر. فذهبوا إلى أن أول القرآن نزولا سورة اقرأ. ثم ذكر حديث الصحيحين، فقال: وقد روى مسلم من طريق عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة قال: أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: "فبينما أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري قبل السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعدا على كرسي بين السماء والأرض، فجئت منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت إلى أهلي، فقلت زملوني زملوني" فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ} إلى {فَاهْجُرْ} قال أبو سلمة: والرجز الأوثان. ثم حمى الوحي وتتابع. هذا لفظ البخاري، وهذا السياق هو المحفوظ وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا لقوله: "فإذا الملك الذي كان بحراء" وهو جبريل حين أتاه بقوله {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} ثم أنه حصل بعد هذا فترة ثم نزل الملك بعد هذا ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة ثم ساق الأدلة على ذلك.
وذكر الحافظ نحو هذا في الفتح ج1 ص31 وج10 ص304 و305.
ص -225-قوله تعالى:
{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} الآيات.
البداية والنهاية ج3 ص60 قال إسحاق: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه، فقال: "يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا". قال: لم؟ قال: ليعطوكه فأنت أتيت محمد لتعرض ما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له. قال: وماذا أقول، فوالله ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا. ووالله إن لقوله الذي يقوله حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته. قال: لا يرضي عنك قومك حتى تقول فيه. قال: قف عني حتى أفكر فيه. فلما فكر قال: إن هذا إلا سحر يؤثر يأثره عن غيره فنزلت: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا، وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا، وَبَنِينَ شُهُودًا}. الآيات، هكذا رواه البيهقي عن الحاكم1 أبي عبد الله عن محمد بن علي الصنعاني بمكة عن إسحاق به وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلا. ا. هـ. قال أبو عبد الرحمن: والظاهر ترجيح المرسل لأن حماد بن زيد أثبت الناس في أيوب وأيضا معمر قد اختلف عليه في كما في دلائل النبوة للبيهقي ج2 ص199 فالحديث ضعيف، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الذي في البداية والنهاية عن عبد الله بن محمد الصنعاني، والذي في المستدرك هو ما أثبتناه، وكذا في الدلائل للبيهقي. وهذا الحديث رواه الحاكم ج2 ص507، وقال صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، ورواه البيهقي ج1 ص56 من دلائل النبوة.
ص -226-"سورة القيامة":
قوله تعالى:
{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} الآيتان 16، 17.
البخاري ج1 ص32 حدثنا موسى بن إسماعيل، قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا موسى ابن أبي عائشة قال حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه، فقال ابن عباس فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحركهما. وقال سعيد أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما فحرك شفتيه، فأنزل الله تعالى {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال جمعة له في صدره وتقرأه. فكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قرأه.
وأخرجه مسلم ج4 ص165 و166، والترمذي في ج4 ص209 وقال هذا حديث حسن صحيح، والنسائي ج2 ص115، وأحمد ج1 ص343، والطيالسي ج2 ص25، وابن سعد ج1 ص132، وابن جرير ج29 ص187، والحميدي ج1 ص242، وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير ج4 ص449.
قوله تعالى:
{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} الآيتان 34، 35.
ص -227-النسائي كما في تفسير ابن كثير ج4 ص452 حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبو النعمان حدثنا أبو عوانة. وجدنا أبو داود حدثنا محمد بن سليمان حدثنا أبو عوانة عن موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} قال: قاله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي جهل ثم أنزله الله عز وجل.
الحديث رجاله رجال الصحيح فإن يعقوب بن إبراهيم هو الدورقي روى عنه الجماعة، وأبو النعمان هو محمد بن الفضل المقلب بعارم من رجال الجماعة، وأبو عوانة هو وضاح بن عبد الله اليشكري من رجال الجماعة، وفي الطريق الأخرى الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث صاحب السنن، ومحمد بن سليمان هو الملقب بلوين من رجال أبي داود، والنسائي ثقة، وبقية السند معروفون مشهورون، وأحرجه ابن جرير ج29 ص200 عن شيخه محمد بن حميد الرازي وفيه كلام.
ص -228-"سورة النازعات":
قوله تعالى:
{يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} الآيات.
ابن جرير ج30 ص49 حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت لم يزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأل عن الساعة حتى أنزل الله عز وجل {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا، إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا}.
الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك ج1 ص5، وأبو نعيم في الحلية ج7 ص314 وقال الحاكم هذا حديث لم يخرج في الصحيحين وهو محفوظ صحيح على شرطهما معا وج2 ص513، وقال هذا حديث صحيح على شرطهما1، ولم يخرجاه لأن ابن عيينة كان يرسله بآخرة، والخطيب ج11 ص321. هذا وقد ذكر هذا الحديث الحافظ ابن أبي حاتم في كتاب العلل، وقال سمعت أبا زرعة، وذكر حديث الزهري عن عروة عن عائشة قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأل عن الساعة حتى نزلت عليه {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} فقال أبو زرعه الصحيح مرسل بلا عائشة. وأقول: الذي يظهر لي والله أعلم أن هذه علة ليست بقادحة؛ لأن الذي وصله عن ابن عيينة الحميدي عبد الله بن الزبير كما عند الحاكم، وهو أثبت الناس في ابن عيينة ورئيسهم كما في تهذيب التهذيب، ويعقوب بن إبراهيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وأقره الذهبي.
ص -229-الدورقي كما عند ابن جرير وهو إمام كبير، فهذان إمامان وصلاه، وزياد الثقة مقبولة قال ابن الصلاح في علوم الحديث ص64 ومنهم من قال "الحكم لمن أسنده إذا كان عدلا ضابطا فيقبل خبره وإن خالفه غيره سواء كان المخالف له واحدا أو جماعة، قال الخطيب هذا هو القول الصحيح". قال ابن الصلاح: قلت وما صححه هو الصحيح1 في الفقه وأصوله إلى آخر ما ذكره رحمه الله.. ثم إن الحديث له شاهد قال ابن جرير رحمه الله:
حدثنا أبو كريب، حدثنا وكيع عن إسماعيل2 عن طارق بن شهاب قال كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يزال يذكر شأن الساعة حتى نزلت {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} إلى قوله {مَنْ يَخْشَاهَا}.
الحديث قال الذهبي الهيثمي رحمه الله رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ج7 ص133 من المجمع وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره ج2 ص273 بعد ذكره بهذا السند وهذا إسناد جيد قوي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ثم رأيت في توضيح الأفكار للصنعاني وشرح علل الترمذي لابن رجب أن لحفاظ الحديث تفصيلا حول زيادة الثقة. وقد بسطت ذلك في مقدمة الإلزامات والتتبع.
2 إسماعيل هو ابن أبي خالد.
ص -230-"سورة عبس":
الترمذي ج4 ص209 حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي قال حدثني أبي قال: هذا ما عرضنا على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنزلت {عَبَسَ وَتَوَلَّى} في ابن أم مكتوم الأعمى أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعرض عنه، ويقبل على الآخر. ويقول: "ترى بما أقول بأسا" ففي هذا نزل.. هذا حديث حسن غريب وروى بعضهم هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه قال أنزل عبس وتولى في ابن أم مكتوم ولم يذكر عائشة.
الحديث قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء ج4 ص244 رجاله رجال الصحيح. وقد أخرجه ابن حبان كما في موارد الظمآن ص438، وابن جرير ج30 ص50، والحاكم ج2 ص514 وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه فقد أرسله جماعة عن هشام بن عروة قال الذهبي وهو الصواب.
الحديث له شاهد قال الشوكاني في فتح القدير ج5 ص386 وأخرج عب الرزاق وعبد بن حميد وأبو يعلى عن أنس قال جاء ابن أم مكتوم وهو يكلم أبي ابن خلف فأعرض عنه فأنزل الله {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} فكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك يكرمه.
وسنده في تفسير ابن كثير ج4 ص470 رجاله رجال الصحيح إلا شيخ أبي يعلى محمد بن مهدي فلم يتيسر لي الوقوف على ترجمته لكنني أظن أنه
ص -231-تصحف من محمد بن مهران فقد ذكروه من الرواة عن عبد الرزاق فهو من رجال الصحيح وعلى كل فلا يضر الحديث ما دام أنه قد رواه عبد الرزاق فرجاله رجال الصحيح وهذا سنده من ابن كثير قال أبو يعلى في سنده حدثنا محمد بن مهدي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه في قوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} قال جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره.
ص -232-"سورة المطففين":
ابن ماجه رقم 2223 حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم ومحمد بن عقيل بن خويلد قالا حدثنا علي بن الحسين بن واقد حدثني أبي حدثني يزيد النحوي أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال لما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله سبحانه وتعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} فأحسنوا الكيل وبعد ذلك.
الحديث أخرجه النسائي كما قال الحافظ ابن كثير ج4 ص483 من طريق محمد بن عقيل به.
وسنده رجاله ثقات إلا علي بن الحسين بن واقد ففيه كلام، وأما محمد بن عقيل فهو مقرون فلا يضر السند ما فيه من الكلام، وأخرجه ابن حبان ص438 من موارد الظمآن، ابن جرير ج29 ص91 وعنده متابعة لعلي بن حسين بن واقد فقد تابعه يحيى بن واضح وهو الحافظ من رجال الجماعة لكن شيخ ابن جرير فيه كلام أعني محمد بن حميد الرازي الحافظ، والحاكم ج2 ص33 وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي. وعنده أيضا متابعة لعلي بن الحسن بن شقيق من رجال الجماعة كما في تهذيب التهذيب لكن في الطريق إليه محمد بن موسى بن حاتم القاشاني وقد قال تلميذه هنا القاسم بن القاسم السياري أنا بريء من عهدته، وقال ابن أبي سعدان كان محمد بن علي الحافظ سيء الرأي فيه كذا في لسان الميزان، لكن مجموع هذه المتابعات تدل على ثبوت الحديث. والله أعلم.
ص -233-"سورة الضحى":
البخاري ج10 ص339 حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الأسود بن قيس قال سمعت جندب1 بن سفيان قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة فقالت يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثا فأنزل الله عز وجل: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}.
الحديث أخرجه أيضا في فضائل القرآن ص382، وفي كتاب الصلاة ج3 ص250، وأخرجه مسلم ج12 ص156، والترمذي ج4 ص214، وقال هذا حديث حسن صحيح، وأحمد ج4 ص311 وص312، والطيالسي ج2 ص25، وابن جرير ج30 ص231، والحميدي ج2 ص342 والخطيب في موضح أوهام الحمع والتفريق ج2 ص22.
قوله تعالى:
{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} الآية 5.
تفسير ابن كثير ج4 ص522 قال: وقال أبو عمر الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله2 بن أبي المهاجر المخزومي عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال عرض على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما هو مفتوح على أمته كنزا كنزا، فسر بذلك فأنزل الله {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} فأعطاه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي نسب إلى جده كذا في الإصابة. وموضح أوهام الجمع والتفريق ج2 ص21 و22 و23.
2 في الأصل عبد الله والصواب ما أثبتناه.
ص -234-في الجنة ألف ألف قصر في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريقه وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ومثل هذا ما يقال إلا عن توقيف.
الحديث رواه ابن جرير كما قال الحافظ ابن كثير ج30 ص232 من طريقين عن الأوزاعي في أحدهما عمرو بن هشام البيروني الراوي عن الأوزاعي وهو ضعيف وفي الأخرى رواد بن الجراح مختلف فيه. فأظن من وثقه لصدقه وديانته ومن جرحه فلأنه اختلط.
وأخرجه الحاكم وصححه ج2 ص526، وتعقبه الذهبي قائلا: انفرد به عصام بن رواد عن أبيه وقد ضعف وأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط، قال الهيثمي ورواية الأوسط قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "عرض علي ما هو مفتوح لأمتي من بعدي فسرني" فأنزل الله {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} فذكر نحوه وفيه معاوية بن أبي العباس ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وإسناد الكبير حسن، وأخرجه أبو نعيم في الحلية ج3 ص212 عن الطبراني1 وفيه عمرو بن هاشم البيروتي ثم قال هذا حديث غريب من حديث علي بن عبد الله بن العباس لم يروه عنه إلا إسماعيل ورواه سفيان الثوري عن الأوزاعي عن إسماعيل مثله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه في الكبير ج10 ص336.
ص -235-"سورة العلق":
قوله تعالى:
{كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى} الآيات.
مسلم ج17 ص139 حدثنا عبيد الله بن معاذ ومحمد بن عبد الأعلى القيسي قال حدثنا المعتمر عن أبيه حدثني نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، ولأغفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته، قال فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهو لا وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لو دنا لاختطفته الملائكة عضوا عضوا". قال فأنزل الله عز وجل لا ندري1 في حديث أبي هريرة أو شيئ بلغه {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى، إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى، أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى، عَبْدًا إِذَا صَلَّى، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى، أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى، أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} -يعني أبا جهل- {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى، كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ، فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ، كَلَّا لا تُطِعْهُ} زاد عبيد الله في حديثه قال وأمره بما أمره به وزاد ابن عبد الأعلى فليدع نادية يعني قومه.
الحديث قال الحافظ ابن كثير في تفسيره ج4 ص529، وقد رواه أحمد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا التردد يعتبر قادحا في صحة سبب النزول لكن كتبه لكثرة شواهده.
ص -236-ابن حنبل، ومسلم، والنسائي، وابن أبي حاتم من حديث معتمر بن سليمان به، ورواه ابن جرير ج30 ص256، والبيهقي ج1 ص438 من دلائل النبوة وأخرج ابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس نحوه وفيه فأنزل الله {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى، عَبْدًا إِذَا صَلَّى} إلى قوله {كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} فقال: لقد علم أني أكثر هذا الوادي ناديا. فغضب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتكلم بشيء قال داود يعني أحد رجال السند: ولم أحفظه فأنزل الله {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} فقال ابن عباس فوالله لو فعل لأخذته الملائكة من مكانه.
وأخرج الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب صحيح ج4 ص216 وابن جرير ج3 ص256 وأحمد كما في مجمع الزوائد ج7 ص139 وقال: رجاله رجال الصحيح عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي فجاء أبو جهل فقال ألم أنهك عن هذا؟ ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فزبره1 فقال أبو جهل إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني فأنزل الله تبارك وتعالى {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} قال ابن عباس لو دعا ناديه لأخذته ربانية الله. هذا لفظ الترمذي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فزبره أي نهر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنا جهل وفي رواية ابن جرير فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وانتهزه ا. هـ. تحفة الأحوذي.
ص -237-"سورة الكوثر":
ابن كثير ج4 ص559 قال: وقال البزار حدثنا زياد بن يحيى الحساني حدثنا ابن أبي عدي عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية، فقال: أنتم خير منه، قال: فنزلت {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} رواه البزار وهو إسناد صحيح.
الحديث أخرجه ابن جرير ج3 ص330 من طريق شيخه محمد بن بشار ثنا ابن أبي عدي به. وزاد فيه أنزلت عليه { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} إلى قوله {نَصِيرًا}.
وقد تقدم في سورة النساء ذكر بعض مخرجيه.
ثم ترجح لي أن الصحيح إرساله كما أوضحته في تخريج تفسير ابن كثير في سورة النساء.
ص -238-"سورة اللهب":
البخاري ج10 ص118 حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال حدثني عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} صعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الصفا فجعل ينادي: "يا بني عدي" لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال: "ارأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟" قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا قال: "إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا. فنزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}.
الحديث أعاده في تفسير سورة تبت ص368 وص369 من هذا الجزء وأخرجه في آخر كتاب الجنائز ج3 ص54 وأخرجه مسلم ج3 ص83 والترمذي ج4 ص220 وأحمد ج1 ص281 وابن جرير في التاريخ ج2 ص216 وفي التفسير ج19 ص121 وج30 ص337 والبيهقي في دلائل النبوة ج1 ص431.
قال شيخنا حفظه الله: وأخرجه النسائي في التفسير كما في عمدة القارئ ج16 ص93 وهذا الحديث مرسل لأن ابن عباس كان حينئذ أما لم يولد أو كان طفلا وبه جزم الإسماعيلي. انظر عمدة القارئ ج19 ص102 ثم قال: أقول هو مرسل صحابي ومرسل الصحابي لا ضير عليه ولا مطعن فيه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
مواقع النشر (المفضلة)