حياك الله اخي الكريم , و ما اسعدني بردودك المثمرة , و من اجل ذلك افتتحت الدراسات الجادة , فأنعم و اكرم بحرب الكريمة و بباحثيها من امثالك اخي الكريم.
و تجدني اتفق معك في اكثر ما قلت , و أولها ضرورة تعديل عنوان الدراسة , و قد بادرت الى ذلك :
نصوص (مرجحة) تعضد نسب حرب الخولاني المجيد
ثم اننا نختلف برقي في نقاط قليلة , و لعلنا ان تبادلنا الرأي ان نتوافق ان شاء الله , فدعنا نوضح مواطن الاختلاف ..
لعلك ان راجعت الدراسة مرة أخرى توقن اننا حللنا كل ما لدينا من روايات لنصل الى اقربها للحقيقة من وجهة نظرنا.
لاشك انني على دراية به ولم اتناوله لأنه رأي انفرد به د. الرحيلي حيث ارتجل رأيا من قريحته يستند فقط الى فخ المتشابه لان هناك رجلا من قبيلة أود المذحجية اسمه حرب .
و قد اخطأ الرحيلي عدة مرات:
* فأولا فان حرب هذا ليس بن سعد بن اود , انما هو حرب بن سعد بن منبه بن أود.
* و ثانيا فان حرب لقبه الزعافر و به يشتهر و يقال لولده الزعافريين.
* ثالثا : فان أود و منهم الزعافريين اشتركوا في فتوح العراق و سكنوا الكوفة و لم يعودوا باليمن.
و انقل لكم النص عنهم في جمهرة انساب العرب لابن حزم:
ولد أود بن صعب بن سعد العشيرة: منبه، وكعب. فولد منبه: سعد، بطن ضخم؛ وعوف، بطن؛ وعامر، بطن. فمن بطون سعد بن منبه: بنو الزعافر، وهو حرب بن سعد بن منبه بن أود بن صعب بن سعد العشيرة. ومنهم: الفقيه المحدث الكوفي عبد الله بن إدريس الزعافري. هذا على أن المسعودي يقول: إنه طاف البلاد ولقي الناس، وهو كوفي الدار، وهي دار أود، فما لقي قط أودياً إلا متعصباً لبني أمية، مائلاً عن علي -رضي الله عنه.
مع العلم ان مجرد تشابه الاسم لا يكفي لتنسيب قبيل عملاق مثل حرب الحجاز , خصوصا انك تستطيع ان تكتب بسهولة عشرة بطون و قبائل تحمل اسم حرب في العرب و لا دليل على انها هي من نتحدث عنها , لأننا اخترنا الروايات التي تتحدث عن ادلة أخرى تخص حرب الحجاز الحالية مثل ذكر بعض فروعها التاريخية او ذكر احد شيوخها او شعرائها و ما الى ذلك من ادلة توجب الاختيار.
و في حالة حرب الاودية فلا ادلة للدكتور الرحيلي على انها نفسها الحجازية.
.
نتفق معا على ذلك.
.
اختلف معك في ذلك و سأعيد طرحه ادناه. و حقيقة هذه هي مشكلة الباحث ابن عقيل الظاهري و عدد من الباحثين المعاصرين الذين افترضوا وهْما منهم ان تنسيب حرب الى خولان انفرد به الهمداني فقط او لم يسبقه به احد , و هذا غير صحيح البتة.
فقد سبقه عدد من المؤرخين المعتبرين و عاصره عدد اخر:
* أحمد بن سهل البلخي (235هـ - 322هـ)
* ابو زيد الراوية (غير معلوم تاريخ وفاته) الذي نقل عنه ياقوت الحموي (574 - 626 هـ)
* ابي علي هارون بن زكريا الهجري وهو معاصر للحسن بن أحمد الهمداني (ت 336هـ)
و لاحظ اخي الكريم تباعد الرقعة الجغرافية لهؤلاء من بلخ شرقا الى حماة شمالا و هجر ثم صنعاء , مما يؤكد استفاضة شهرة هذا النسب و انه لم يكن مقصورا على اهل اليمن كما ظن بعض المعاصرين.
ألست معي في هذا الاستنتاج العلمي الواضح ؟
.
هذا غير صحيح , وانت قدمت مثالا في سياقك عن طرد الشريف قتادة لحرب , فما زال الحجاز طوال العصور الوسطى يمور كالموج تحت وطأة الأيام الدامية.
و يمكنك مراجعة حملة بغا الكبير على الحجاز و صدمه لبني مرة بن عوف بن ذبيان فادى ذلك الى قلتها و كذلك ما فعل مع بقية قيس مما أدى الى انتقال جملة منهم الى الاحساء و دخولهم في حلف القرامطة.
و كذلك استقدام حاكم القاهرة لجهينة و بلي الى الصعيد لشكوى اهل مكة منهم , مما اضعفهم بالحجاز و أدى الى انتقال جم غفير منهم الى الصعيد ثم الى السودان و مازالوا الى اليوم هم غالبية عرب السودان.
ثم استقدام الفاطميين بني هلال و بني سليم الى مصر و منها الى بلاد المغرب لضرب ابن باديس , و هو ما خلخل التركيب الديموجرافي للحجاز بشدة و ظهرت بعد تغريبتهم قبائل و خفتت قبائل.
سأكتفي بهذا القدر لضيق المقام.
.
أؤيد ذلك مثلك , فقط هو افترض انه ينبغي ان تظل هذه القبائل مستقلة , بينما انا و انت نرى جواز دخولها في كيانات اقوى , فما يمنع ذلك ؟ اليس هناك في سبيع العامرية حلفاء من طابخة ؟ اليس في عتيبة حلفاء ؟ اليس في عنزة حلفاء ؟
اذن لم لا نقول له : أليس في حرب حلفاء ؟
طبعا لابد لكل قبيلة قوية ان يكون فيها حلفاء و هذا يعرفه كل خبير بالشأن القبلي.
.
حدث ذلك تاريخيا من قبل و لا ينكره احد .. ألم يهاجر الأزد من اليمن فسكنوا مكة و حجبوا الكعبة دون بقية العدنانية ( اقصد خزاعة) و انساب قسم منهم فحكموا المدينة دون أهلها من اليهود ؟
و اكمل قسم منهم فحكم الشام لبني الأصفر من الروم و هم الغساسنة ؟
لعل هذا هو بيت القصيد , فغيرة بعض الباحثين من القبائل الأخرى تجعل من الصعب عليهم التسليم بهذا الحدث القبلي.
لكني استطيع ان اخفف وطأة هذا الحدث فأقول ان هذا لم يحدث مباشرة , و انما دخلت حرب الصغيرة آنذاك (600 رجل) في حلف بني هلال حتى صارت في عدادهم و نسبهم بعض المؤرخين الغير مطلعين الى حرب صليبة , فأهّلهم ذلك الى التقدم بين القبائل الحجازية , حتى اذا خرجت بني هلال و سليم الى بلاد المغرب استمر التقدم لحرب في هذه الاصقاع كزعماء لحلف قبلي كان ينضوي تحته عدنانيون و قحطانيون اخرون من قبل ابان وجود بني هلال.
.
سأترك هذه النقطة للأستاذين وائل بهجت السلمي و أحمد الشواف الجيسي المشرفين العامين لساحة البصمة الجينية للتعليق حول هذه الفرضية.
.
سأنقل لك تحديدا ما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني المصري في شرح حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الناس سيكثرون وتقلون ) و هو واضح جدا و ليس كما نقل الدكتور الرحيلي:
" إن الموجودين الآن من ذرية علي بن أبي طالب ممن يتحقق نسبه إليه أضعاف من يوجد من قبيلتي الأوس والخزرج ممن يتحقق نسبه وقس على ذلك ولا التفات إلى كثرة من يدعي أنه منهم بغير برهان " أ . هــ
ثم أقول كيف تكون حرب الكبيرة ملح على الطعام في الحجاز وسط قبائلها ؟؟
.
أنا اتفق مع ما تذهب اليه من إمكانية وجود انصار في حرب دخلوها بالحلف , لكنهم ليسوا عمود حرب و قلبها .
.
هي حجة لسبب هام جدا ان الأنصار ليسوا بادية بكل هم متحضرون و جاء عليهم الإسلام و هم كذلك , فكيف لمتحضرين ان لا تكون انسابهم مسجلة او مدونة في كتاب او شعر ؟
و عامة الأنصار في بلاد الإسلام اليوم هم اسرة متحضرة و بها اعداد كبيرة من العلماء.
.
.
خاتمة مرجحة بقوة:
و اختم بتذكيرك و انت اللبيب بقاعدة علمية مهمة , انه لا اجتهاد مع النص.
و لو تأملت كل النصوص الواردة لوجدتها بين خبر منقول و برهان مستنتج , الا نصا واحدا لابي علي هارون بن زكريا الهجري, أقرأه معي مرة أخرى بتمعن:
قال الهجري في كتابه التعليقات والنوادر :
"الحربيُّ من خولان : أنشدني المُسلّمُ بن أحمد بن يزيد بن عبد الله بن الخيار الحربي " انتهى .
فأقول لك اخي الكريم أن قوله: " انشدني" يعني انه قابله مشافهة , فالهجري رحمه الله هنا هو شاهد عيان لا ناقل خبر , و شتان بين الحالين.
ان ابطال شهادة اديب عالم بالأنساب و الآداب كالهجري و هو من شهدت له الامة بذلك , ليحتاج شرعا و في الميزان العلمي الى شهادة مثلها او اقوى منها , و لا اره متوفرا لدى احبابنا.
دعني أرى ما اتفقت معي بشأنه و ما لازلت لا تتفق لتعم الفائدة ان شاء الله ..
مواقع النشر (المفضلة)