أريد ان ابين لكم ايها الاخوة ان عقيدتنا العسكرية الاسلامية التى حققت النصر فى معركة اليرموك كانت ناضجة ورائعة على أعلى مستوى وهى التى حققت النصر مع المسلمين طوال تاريخهم .
ولما جاء المستعمر الى الأمة الاسلامية سرح جيوشها وألغى العقيدة الإسلامية وأصبح فى الوطن العربى أكثر من عقيدة عسكرية مستوردة طبقا لإستيراد السلاح لا خير فيها. ونتمنى ان نرى اليوم الذى تأخذ فيه العسكرية الاسلامية مكانها بين العسكريات الأخرى.
ومما يؤكد حصافة العبقرية الاسلامية فى موقعة اليرموك ما يلى :ـــ
1- اختيار موقع المعركة
لقد احسن المسلمون اختيار موقع المعركة وهذه حاسة تمتع بها القادة المسلمون منذ وقت مبكر إذ كان نهر اليرموك ينبع من جبال حوران ويجرى قرب الحدود من سوريا وفلسطين ثم ينحدر جنوبا ليصب فى غور الأردن وينتهى مصبه فى جنوب الحولة وقبل أن يلتقى بنهر الأردن بمسافة تقرب من الأربعين كيلو مترا يوجد وادى فسيح تحيط به الجبال الشاهقة من جهاته الثلاث وهذا الوادى يقع فى الجهة اليسرى لليرموك هذا هو المكان الذى اختاره الروم لأنه يتسع لجيشهم الضخم الذى يبلغ مائتين وأربعين ألف مقاتل وقد طلب هرقل هذا المكان على وجه الخصوص إذ كتب إلى بطارقته عندما علم بمجئ خالد" أن اجتمعوا لهم وانزلوا روما منزلا واسع العطن,واسع المطرد ضيق المهرب وعلى الناس التزارق.. ففعلوا ونزلوا الواقوصة وهى على ضفة اليرموك وصار الوادى خندقا لهم وصار فرجة بين الجبلين لا يدرك من قبل الروم،وإنما أراد باهان وأصحابه أن تتثبت الروم ويأنسوا بالمسلمين وترجع إليهم أفئدتهم عن طيارتها.
وأما المسلمون فقد عبروا النهر إلى الجهة اليمنى,وأقاموا معسكرهم هناك فى واد فسيح يقع على الطريق المفتوح لجيش الروم,وبذلك أغلقوا الطريق أمام جيش الروم بأعداده الغفيرة وعُدده الكثيرة, فلم يعد للروم طريق يسلكون منه, أو يفرون إذ اضطروا للفرار, لأن جيش المسلمين قد أخذ عليهم مسلكهم الوحيد" الفرجة التى بين الموقعين".
فلما رأى عمرو بن العاص ذلك قال : "أيها الناس ابشروا حُصرت والله الروم وقلما جاء محصور بخير!"
ومما لاشك فيه أن اختيار المسلمين لهذا الموقع يدل على عبقرية فذة إذ تحيط بمعسكرهم الجبال من الجهات الثلاثة وبذلك تحميهم تلك الجبال من الإغارة من جهاتها الثلاث كما تمنع التفاف العدو من جهة النهر أيضا لأنه شديد الانحدار وبذلك أصبح معسكر المسلمين محصنا من كل الجهات تقريبا وأصبح لديهم مخرجا يفرون منه عند اللزوم ويتلقون من خلاله الإمدادات من المدينة المنورة بينما حرم الروم تلك الميزة ولعل فقدهم لهذه الفرجة أتاح لجيوش المسلمين الالتفاف حول جيوش الروم ثم فتح الفرجة بالمستنقعات لذا كان الجميع يتهافتون للخروج ولا يدرى أخرهم ما حدث لأولهم إذ قتل كل من فر من تلك الفرجة والتى فتحها لهم القائد الفذ خالد بن الوليد.
2- حشد القوى عند المسلمين
حشد خالد جيوشه فى تعبئة جديدة لم يعرفها العرب ولا الروم من قبل إذ كانوا يحاربون فى صفوف متراصة وهذه الصفوف تحتاج الى اعداد غفيرة ورأى خالد ان جيوش المسلمين أقل بكثير من جيوش الروم فلجأ الى تلك التعبئة التى تعرف بنظام الكراديس فقسم قوته البالغة 46ألف الى كرديس اى مجموعات تضم الواحده مابين 600الى 1000والكردوس ينقسم الى اجزاء عشرية يقود كل عشره من الرجال عريف ويعد خالد اول من استحدث هذا النظام, بينما الروم فقد لجأوا الى تعبئة دينيه إذ رفعوا صلبانهم وقد قيدوا ثمانين ألف مقيدا وأربعون الفا مسلسلا للموت وأربعون الفا يربطون بالعمائم وثمانون الف فارسا وثمانون الف راجلا.
3- الشئون المعنوية
عين خالد ابا الدرداء قاضيا وابا سفيان واعظا وجعل على الطلائع قوباس بن اشيد وعلى الاقباض عبد الله بن مسعود وكان قارئ القرآن لهم هو المقداد .وكان لأبى سفيان بن حرب دوره العظيم فقد عمل واعظا بتلك المعركة وكان يمشى بين الكراديس ويقول :" يا معشر المسلمين انتم العرب وقد اصبحتم فى دار العجم منقطعين عن الأهل .... والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم ولا يبلغ بكم رضوان الله غدا إلا بصدق اللقاء والصبر فى المواطن المكروها" ووقف ابو هريره بعد ابى سفيان فقال :"سارعوا الى الحور العين وجوار ربكم عز وجل فى جنات النعيم "
4- المسلمون ومرحلة القتال المتلاحم
زحفت صفوف الروم الجراره من مكانها نحو المسلمين وهى تدوي كدوي الرعد وقد هجموا على ميسرة المسلمين فأنكشفت ثم شدوا على الميمنه ايضا فأنكشفت وكان عمرو بن العاص يقول :"((أيها الناس غضوا أبصاركم واجثوا على الركب وأشرعوا الرماح والزموا مراكزكم ومصافكم, فإذا حمل عليكم عدوكم فأمهلوهم حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا فى وجوهم وثوب الأسد فو الذي يرضى الصدق ويثاب عليه ويمقت الكذب ويعاقب عليه ويجزي بالإحسان, لقد بلغني أن المسلمين سيفتحونها كفرا كفرا وقصرا قصرا, فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم , فإنكم لو صدقتموهم الشدة لقد إنذعروا إنذاعار أولاد الحجل)).
5- اصطحاب النساء فى المعركة
كان العرب يصطحب معهم النساء فى المعارك وخاصة البعيدة وذلك ليقمنَّ بأعداد الطهى والشراب للمحاربين ومدوات الجرحى والمصابين وكنَّا رضوان الله عليهن يشجعن الرجال على القتال حتى لا يقعن فى الاسر وفى هذه المعركة استقبلت النساء المسلمات الجنود المسلمين وهم منهزمون هاربون ومعهن العناهر " عمد البيوت" التى تقام عليها الخيام فأخذنّ يضربنّ بها وجوههم ومن أمثلة البطولة النسائية خولة ابنة ثعلبة بن مالك حيث أخذت عمودا من تلك العمد ثم أقبلت نحو المهزمين وهى ترتجز وتقول:
يا هاربا عن نسوة تقيات رميت بالسهم وبالمنيات
فعن قليلا ما ترى سبيات غير خطيات ولا راضيات
6- إدخار القوى
كان خالد بن الوليد يحجز جيشا من الكراديس يركنه ولا يدخل المعركة إلا وقت الحاجة وقد تراجعت الروم امام ثبات عكرمة واصحابة الذين تبايعوا على الموت ولما رأى خالد تراجع الروم زحف بفرسانه الذين لم يقاتلوا إذ كان يدخرهم لتك الساعة فأنقض بهم على جنود الروم الذين أنهكهم التعب فأختلت صفوفهم
7- المطاردة
يذكر بعض المؤرخين ان بعضا من المنهزمين الروم قد فروا من اليرموك حتى بلغوا دمشق وحمص والأردن وقد امر القائد بأن يطاردهم المسلمون بتلك البلدان وقاموا بذلك فطهروها من جنود الروم وقد حاصروهم ثم افنوهم اما هرقل فأنه لما بلغه هزيمتهم وكان مقيما بحمص فتركها وودع سوريا الوداع الأخير وعينه تفيض بالحسرة والألم .
8-وفاة الصديق وعزل خالد
لما انتهت المعركة أظهر ابو عبيدة الكتاب الذى ارسله عمر يخبر فيه بوفاة الصديق ويطلب عزل خالد من أمارة الجيوش وتوليتها لأبى عبيدة بن الجراح حينئذا تسلم ابو عبيدة القيادة وانتظم خالد فى الجيش كجندى راضيا غير ساخط ولا متبرم تحت امرة ابى عبيدة
المراجع :
1- الكامل لأبن الاثير ج2
2- الطبري تاريخ الرسل والملوك ج3
3- عبد الله بن الأسدى فتوح الشام تحقيق عبد المنعم عبد الله عامر
4- د.فتحى زغروت عقيدة تغدق نصرا
بمشيئة الله سوف نجمع كل ما كتب عن اليرموك فى بحث واحد يستوفى الفكرة


hgwphfi td l,h[ii hgh.lhj-hgpgrm hgHodvm -p,g luv;m hgdvl,; ,hgus;vdm hghsghldm-frgl ]>tjpd .y.,j