الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أحقا إن : أنساب " الحراطين " من أصول أمازيغية بربرية ؟
أم زنوجا تعربوا ؟ أم أن بعض مؤرخي موريتانيا يزيفون التاريخ والأنساب لغايات سياسية واجتماعية ؟ .
قبل الإجابة على هذه الأسئلة نستعرض خلاصة ماتوصل إليه بعض المؤرخين الموريتانيين ودعاة القومية العربية في هذا الصدد من أمثال : الباحث الحسين ولد محنض الديماني ، والدكتور حماه الله السالم البساتي ... وغيرهما ، إذ يرون أن : أصول " الحرطاني " الذي أعتق ، والمولى الذي لا زال تحت الرق " آزكر " تعود إلى الفئات الأمازيغية البربرية حسب زعمهم : إيحراضن ، وآرنيك ، وإثكرن ، وإيزكارن ، وإيرناكن .

فقد انتصر لهذا الرأي واستمات في الدفاع عنه وتحمس له كثيرا : المؤرخ الدكتور حماه الله السالم أستاذ التاريخ بجامعة نواكشوط حيث أولى اهتماما كبيرا بهذه القضية في العديد من مؤلفاته وتوصل إلى أن : ( فيئة الحراطين من أصل بربري أمازيغي ليبي إمتزجوا بالأحباش السمر من أثيوبيا فسموا " الجرمنتيين " : " إيحراضن " أي المختلطون. ومن اسم " إيحراضن " أشتق مسمى " الحراطين " كما عرفوا بأصحاب الوجوه المحروقة نظرا لتعرضهم لأشعة الشمس الحارقة . وهم بنو عمومة صنهاجة . وقد أسس الحراطين الجرمنتيون مملكة بليبيا عاصمتها " جرمة " وقد هاجروا منها إلى الجزائر مرورا بجنوب المغرب إلى شمال موريتانيا ووسطها إلى أن انتهى بهم الترحال في جنوب موريتانيا حيث أسسوا مملكتي غانة ومالي ومارسوا استرقاق سكانهما من الزنوج الأصليين. وبعد سقوط ملكهم في كل من غانة ومالي تفرقوا فى القرى والأرياف حيث لا زالت بعض قراهم تعرف ب :" آدواب " جمع : " أدباي " إلى اليوم ).
وإليكم التفاصيل من كتابه : " جمهورية الرمال " صفحات : 45 _ 48 ونصها : ( يلح الإخوة الزنوج الموريتانيون دائما على أنهم اول من سكن البلاد الصحراوية التي ستسمى موريتانيا ، وأن الدليل على ذلك وجود قطع الفخار المستخدمة من قبلهم والنقوش الصخرية على جدران كهوف الجبال والمغارات ، وحتى أسماء المواضع والأمكنة . لكن الدراسات الغربية ، وهي محايدة تجاه البيضان على الأقل ، اكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الذين كانوا يعمرون المجال الصحراوي الحالي " موريتانيا وأحوازها " هم مجموعات " الجرمنت lesgaramantes" ينطق إسمهم بالكاف المعقودة أيضا: الجرمنت ، كما يسميهم السكان المحليون " أغرمان " أي: الرومان الصغار أو أتباع الرومان، أو ما شابه، لأنهم إنطلقوا من ليبيا حيث مقر مملكتهم الشهيرة وعاصمتها " جرمة " إلى الصحراء مدشنين ما يسمى طريق العربات التي تجرها الخيول والتي كانوا أول من استخدمها وشق بها طريقا سالكا من صحراء ليبيا والجزائر إلى جنوب المغرب نحو الشمال الموريتاني مخترقا بلاد تكانت وبلاد الحوض الحالية نحو نهر النيجر ، ولعله هو أصل طريق اللمتوني الذي نهج نفس المسلك وصار يسمى طريق الملح بعد ذلك ولازالت القوافل تسلكه بين الحوض جنوبا وآدرار شمالا.
هؤلاء الجرمنتيون هم من البرلر الأوائل " Lybico _ berbers" وهم الأسلاف الحقيقيون لمجموعة " الحراطين " وهي الطبقة الثالثه في المجتمع الأمازيغي البربري ومعنى التسمية متأت من اللفظ " إيحراضن " : المختلطون . وهو اختلاط نتج من الامتزاج بين البربر البيض من الجرمنتيين والأحباش السمر السود من أثيوبيا، وهم في الأصل ساميون أيضا ؛ فتأمل !
لقد كان الإيحراضن هؤلاء من أول سكان القرى الصحراية وكانوا يمارسون الغارات الاسترقاقية على الزنوج ، وكان لهم دور بارز مع بني عمومتهم من صنهاجة في تاريخ المرابطين ولذلك نجد منهم ولاة لكبريات الحواضر الإسلامية وقتها : تلمسان كانت تحت سلطة واليها أبو يزيد الحرضاني وكان ابنه أبو عبدالله رئيس ناحية أخرى. وغيرها وهم المؤسسون الأوائل لدولتي غانة ومالي حسب المؤرخ والجغرافي المسلم الخوارزمي ، وهو ما يؤيده المؤرخ التنبكتي عبدالرحمن السعدي في كتابه تاريخ السودان مبينا أن كل الملوك الأوائل لغانة ومالي هم من البيض !
وقبل الدراسات الغربية أشار هيرودوت إلى قبائل من أسلاف البربر كاتت تعمر المجال الصحراوي مثل : الناسامونيين والجرمنتيين والأمونيبن وذكر دورهم في التجارة عبر الصحراء وحضورهم هناك وذكر بعضهم بالأثيوبيين أصحاب الوجوه المحروقة ، وهو وصف دقيق لسكان الصحراء آنذاك. رغم محاولة مؤتمر داكار 1974 تفسير ذلكالوصف بأنه يعني الزنوج ! وهو مجرد تمحل لأن هيرودوت وغيره من مؤرخي حقبته يعرفون السود ويصفونهم بلونهم وبصفاتهم المورفولوجية ، مع أن النقاء العرقي لا معنى له ، ولذلك كان الجرمنتيون ، وهم أمازيغ ليبيون ، ذوو شعور مجعدة وشفاه غليظة لاختلاطهم بالمجموعات الجنوبية ، فتأمل! وللتذكير فلم يخلص المؤتمرون هناك إلى نبإ يقين بشأن تفسير " أصحاب الوجوه المحروقة" ولا تزال بقية من " أغرمان " في عداد مجتمع البيضان في " آدواب " وهي أصل الكثير من شريحة " الحراطين " التي يعتقد البعض لجهله أنها جميعا من أصل " زنجي متعرب" ! ومن " أغرمان " بقية في ولوف السنغال وفي قبائل التوارق....). إنتهى نص ما كتبه الدكتور حماه الله السالم البساتي عن نسب وأصل مجموعة الحراطين الموريتانيين.
ولأن النصوص لا تعارض إلا بالنصوص ، نستعرض هذا النص
الذي يثبت أن : " الحراطين " من مختلف قبائل السودان الغربي : ( السنونكي والبمبارا والولوف والسرير والموشي والتكارير وصوصو .... وغيرهم ، وليسوا من أصل أمازيغي حرقته الشمس ). وأنه ثم إسترقاق بعضهم لبعض أولا ، ثم إسترقاقهم من قبل الطوارق الملثمين : " البيظان " ثانيا ، والعرب بني حسان ثالثا ، والمحتل الأوروبي : ( البرتغالي والإسباني والفرنسي والإنجليزي ) رابعا . وتأكيدا لما سبق من إسترقاق السودان بعصهم لبعض وأن : الاسترقاق في بلاد صنهاجة الرمال : " الطوارق الملثمين " أي : أرض البيظان وماوراءها من بلاد السودان : يقع على السودان وحدهم دون البيظان هو ما ذكره العلامة التكروري أبو العباس أحمد بابا بن أقيت الصنهاجي في كتابه : "معراج الصعود " وما نقله أيضا المؤرخ الشيخ أبو العباس أحمد بن خالد الناصري في المجلد الخامس من كتابه: " الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى " ص : ١٣١ _ ١٣٣ .
( قد تبين لك بما قصصناه عليك من أخبار السودان ما كان عليه أهل تلك البلاد من الأخذ بدين الإسلام من لدن قديم ، وأنهم من أحسن الأمم إسلاما وأقومهم دينا وأكثرهم للعلم وأهله تحصيلا ومحبة . وهذا الأمر شائع في جل ممالكهم الموالية للمغرب كما علمت ، وبهذا يظهر لك شناعة ما عمت به البلوى ببلاد المغرب من لدن قديم ، من إسترقاق أهل السودان مطلقا ، وجلب القطائع الكثيرة منهم في كل سنة ويبيعونهم في أسواق المغرب حاضرة وبادية يسمسرون بها كما تسمسر الدواب بل أفحش ، قد تما لأ الناس على ذلك وتوالت عليه أجيالهم حتى صار كثير من العامة يفهمون أن موجب الاسترقاق شرعا هو اسوداد اللون وكونه مجلوبا من تلك الناحية ، وهذا لعمر الله من أفحش المناكر وأعظمها في الدين ، إذ أهل السودان مسلمون لهم مالنا وعليهم ما علينا ، ولو فرضنا أنهم فيهم من هو مشرك أو متدين بدين آخر غير الإسلام فالغالب عليهم اليوم وقبل اليوم بكثير إنما هو الإسلام ، والحكم للغالب ، ولو فرضنا أن لا غالب وإنما الكفر والإسلام متساويان هنالك ، فمن لنا بأن المجلوب منهم هو من صنف الكفار لا المسلمين ، والأصل في نوع الإنسان هو الحرية والخلو عن موجب الاسترقاق ، ومدعي خلاف الحرية مدع لخلاف الأصل ، ولا ثقة بخبر الجالبين لهم والبائعين لهم لما تقرر وعلم في الباعة مطلقا من الكذب عند بيع سلعهم وإطرائها بما ليس فيها وفي باعة الرقيق خصوصا مما هو أكثر من ذلك ، كيف ونحن نرى أن الذين يجلبونهم أو يتجرون فيهم إنماهم من لا خلاق لهم ولا مروءة ولا دين ، والزمان كما علمت ، وأهله كما ترى . ولا يعتمد أيضا على قول ذلك العبد نفسه أو الأمة نفسها كما نص عليه الفقهاء لاختلاف الأغراض والأحوال في ذلك ، فإن البائع لهم قد يضربهم حتى لا يقرون إلا بما لا يقدح في صحة بيعهم ، وقد يكون للعبد أوالأمة غرض في الخروج عن ملك من هو بيده بأي وجه كان فيهون عليه أن يقر على نفسه بالرقية كي ينفذ بيعه عاجلا إلى غير ذلك من الأغراض.
وقد استفاض عن أهل العدل و غيرهم أن أهل السودان اليوم وقبل اليوم يغير بعضهم على بعض ويختطف بعضهم أبناء بعض ويسرقونهم من الأماكن النائية عن مداشرهم وعمرانهم . وإن فعلهم ذلك كفعل أعراب المغرب في إغارة بعضهم على بعض واختطاف دوابهم ومواشيهم أوسرقتها ، والكل مسلمون وإنما الحامل لهم على ذلك قلة الديانة وعدم الوازع . فكيف يسوغ للمحتاط لدينه أن يقدم على شراء ما هو من هذا القبيل ؟ وكيف يجوز له التسري بإناثهم ، وفي ذلك ما فيه من القدوم على فرج مشكوك .
وقد قال الشيخ أبو حامد الغزالي رضي الله عنه في كتاب : " الحلال والحرام " من : " إحياء علوم الدين " ، مانصه : "..... وصرح بأن البائع إذا كان متهما على ترويج سلعته لا يعتمد على قوله . فإذا كان هذا في الأموال فكيف باسترقاق الرقاب وملك الأبضاع الذين للشارع بهما مزيد اعتناء كما هو معلوم من الشرع وأصوله .... ). إنتهى.
وإذا سلمنا بصحة هذه الفرضيات التي يتشبث بها بعض المثقفين الموريتانيين من كون أصل الحراطين من سلالة بربرية بيضاء نقية إمتزجت بالأحباش وكاتت ملوكا بشمال وغرب أفريقيا . فلماذا خصت بالاسترقاق وحدها دون غيرها من بني جلدتها من قبائل صنهاجة : " الطوارق أصحاب اللثام " البيظان ؟ وكيف أحرقتها الشمس وحدها حتى سودت لونها دون أن تحرق غيرها من البربر والعرب ؟ وما الأسباب التي حولتها من طبقة أستقراطية حاكمة تسترق وتستعبد الزنوج إلى طبقة مسترقة ومستعبدة وحدها ؟
وللإجابة على هذه الأسئلة وتلك التي سبق ذكرها نقول : إن الخلط بين الأمازيغ "الجرمنت " أو البربر البيضان المؤسسين لمملكة غانة وبين أصل الحراطين السودان المستعربين كالخلط بين الليل والنهار والسماء والأرض ، إذ أن كل كتب التاريخ والأنساب والجغرافيا والرحلات والمسالك والممالك والبلدان القديمة تؤكد أن الاسترقاق _ في صحراء الطوارق الملثمين " موريتانيا " وممالك السودان التي قامت على ارضها أو على جزء منها وتلك المجاورة لها _ وقع على أجناس من السودان وحدهم دون غيرهم من البيضان. وقد وردت أسماء لبعض تلك القبائل السودانية التي تم استرقاقها من بعض بني جلدتها من ملوك السودان قبل البيضان . وكان ذلك في العهد الوثني قبل دخول الإسلام إلى المنطقة بصفة رسمية مطلع القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي، واستمر الحال بعد الإسلام لقرون متتالية وازدهرت تجارة النخاسة بعد سقوط الممالك السودانية الكبرى وقيام الإمارات السودانية محلها في الغرب والجنوب، تزامنا مع قيام إمارات بني حسان المعاقلة وبقايا إمارات صنهاجة في الوسط والشمال. وقد بلغ الإسترقاق ذروته في الفترة مابين مطلع القرن الخامس عشر ونهاية القرن التاسع عشر مع الغزو البرتغالي والإسباني للمنطقة أولا ، وليتم تتويج ذلك الاسترقاق مع دخول الاحتلال الإنجليزي والفرنسي وإخضاع كل سكان المنطقة بالقوة ثانيا، والقضاء على كل أشكال الجهاد والمقاومة للإحتلال ثالثا. وفي كل ذلك كان للزنوج نصيب الأسد من الإسترقاق والإستعباد . وما مجموعة " الحراطين " في موريتانيا وما جاورها إلا بقية لتلك الأكثرية الزنجية التي تم استرقاقها ونقلها عبر المحيطات إلى أوروبا وأمريكا فضلا عن بلدان العالم الإسلامي المجاورة كشمال أفريقيا وشرقها ووسطها.
و تحقيقا لأصل ونسب : " الحراطين " نستعرض ثلاثة نصوص كتبها مؤرخوا الإسلام في الفترة ما قبل منتصف القرن الرابع الهجري إلى منتصف القرن السادس الهجري .
النص الأول :
كتبه المؤرخ الجغرافي الإصطخري إبراهيم بن محمد المتوفى في النصف الأول من القرن الرابع الهجري في كتابه
: " المسالك والممالك " ص 34 ، طبعة الحيني ، القاهرة 1961م.ونصه :
( السودان : وبلدان السودان بلدان عريضة ، إلا أنها قفرة قشفة جدا ، ولهم في جبال لهم عامة ما يكون في بلاد الإسلام من الفواكه ، إلا أنهم لا يطعمونه ، ولهم أطعمة يتغذون بها من فواكه ونبات وغير ذلك مما لا يعرف في بلدان الإسلام. والخدم السود الذين يباعون في بلدان الإسلام منهم ، وليس هم بنوبة ولا بزنج ولا بحبشة ولا من البجة ، إلا أنهم جنس على حدة ، أشد سوادا من الجميع وأصفى. ويقال إنه ليس في أقاليم السودان من الحبشة والنوبة والبجة وغيرهم إقليم هو أوسع منه ، ويمتدون إلى قرب البحر المحيط ممايلي الجنوب ... ) .
النص الثاني :
كتبه أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الزهري الأندلسي المتوفى في أواسط القرن السادس الهجري في كتابه : " الجغرافيا " _ عن إسترقاق أهل غانة ويسميهم " جناوة " وأهل تادمكة وأهل نسلى وأهل قرافون لقبيلتي : ( بربرة : السنونكية ، واميمة ) وهما قبيلتان من سودان غانة _ وهذا نص ما كتبه تحت عنوان : ( جلب الرقيق من " بربرة وأميمة " ومن هذه البلاد يجلب رقيق الصحراء وذلك ان أهل غانة يضربون إلى بلاد بربرة وأميمة ويكسبون : " يسبون " أهلها كما كانوا يصنعون حين كانوا كفرة ، وأميمة قبيلة من جناوة يسكنون على ساحل البحر الأعظم بالمغرب ، وهم متشرعون بدين المجوسية ، ولكفرهم لا يدخل إليهم أحد ولا يجلب إليهم من الأمتعة شيء ، وهم يلبسون جلود الغنم وعندهم كثير من العسل ، ويسكنون في الرمال دون بناء إلا خوائم يعملونها من حشيش الصحراء وأهل غانة يغزونهم في كل سنة تارة يغلبونهم وتارة يغلبون ...... وأهل بربرة متشرعون بدين النصرانية ، فأهل نسلى وتادمكة يغيرون عليهم ويسبون ما وجدوا منهم ، وهم يسكنون في وسط الصحراء لا لقربها ولا لشرفها، وملوكهم يرمون بالنبل كالأغزاز في بلاد العراق، ولأهل بربرة حدة وبأس ، وإنما يؤخذون بالمكر والخديعة والحيل، وأما بالطاقة والحرب ، فلا يقدر عليهم أحد ، وهم موسومون رجالا ونساء بتشاريط في وجوههم لكي يمتازوا في جناوة .... وأهل تادمكة وأهل قرافون ، وهم ينضافون إلى مدينة غانة لأنها حاضرتهم ودار مملكتهم . وأهل قرافون يسبون أهل " أميمة " قبيلة من جناوة يسكنون في شرقي الصحراء ..).
النص الثالث :
كتبه أبو عبدالله : محمد بن محمد بن عبد الله الشريف الإدريسي الحسني المتوفى سنة 560 هجرية في المجلد الأول من كتابه " نزهة المشتاق في اختراق الآفاق " الجزء الأول والثاني ص 17 _ 26 : عن إحراق الشمس لسكانه السودان واسترقاق أهل : " بريسي وأهل سلى وتكرور وغانة وأهل مدينة غيارة " لقبيلة : " لملم " السودانية : " البنبارية المالنكية " ، ما نصه :
( وفي هذا الجزء الذي رسمناه من المدن أوليل وسلى وتكرور وبريسي ودو ، ومورة وهذه البلاد من أرض مقزارة السودان ..
... ومثل هذه المجابة كثير في بلاد السودان وأكثر أرضها أيضا رمال تنسفها الرياح وتنقلها من مكان إلى مكان فلا يوجد بها شيء من الماء، وهذه البلاد كثيرة الحر حامية جدا ولذلك أهل هذا الإقليم الأول والثاني وبعض الثالث لشدة الحر وإحراق الشمس لهم كانت ألوانهم سوداء وشعورهم متفلفلة بضد ألوان الإقليم السادس والسابع..... وفي الجنوب من بريسي أرض لملم وبينهما نحو من عشرة أيام وأهل بريسي وأهل سلى وتكرور وغانة يغيرون على " بلاد لملم " ويسبون أهلها ويجلبونهم إلى بلادهم فيبيعونهم من التجار الداخلين إليهم فيخرجهم التجار إلى سائر الأقطار. وليس في جميع أرض لملم إلا مدينتان صغيرتان كالقرى إسم إحداهما " ملل " واسم الثانية " دو " .... فأما مدينة " ملل " التي هي من بلاد لملم فقد ذكرناها فيما تقدم وهي مدينة صغيرة كالقرية الجامعة لا سور لها وهي على تل تراب أحمر منيع جانبه وأهل " ملل " متحصنون فيه عمن يطرقهم من سائر السودان ....... امم كثيرة سودان عراة لا يستترون بشيء وهم يتناكحون بغير صدقات ولا حق ، وهم أكثر الناس نسلا ولهم إبل ومعز يعيشون من ألبانها ويأكلون الحيتان المصيدة ولحوم الإبل المقددة وأهل تلك البلاد المجاورة لهم يسبونهم في كل الأحايين بضروب من الحيل ويخرجونهم إلى بلادهم فيبيعونهم من التجار قطارا ويخرج منهم في كل عام إلى المغرب الأقصى أعدادا كثيرة. وجميع من يكون في بلاد لملم موسوم بالنار في وجهه وهي لهم علامة كما ذكرناه ... ومدينة غيارة هذه على ضفة النيل وعليها حفير دائر بها وبها خلق كثير وفي أهلها نجدة ومعرفة وهم يغيرون على بلاد" لملم " فيسبونهم ويأتون بهم ويبيعونهم من تجار غانة ).
تحليل ونقاش على ضوء النصوص أعلاه :
أقول ومن الله جل جلاله القبول : إن وصف المؤرخ الجغرافي الإصطخري إبراهيم بن محمد للخدم السود المجلوبين من سودان المغرب الأقصى جنوب المحيط الأطلسي _ إلى أقطار العالم الإسلامي _ بأنهم ليسوا من جنس النوبة ولا الزنج ولا الحبشة ولا البجة _ وأنهم جنس على حدة أشد سوادا من الجميع وأصفى ينسف فرضية القائلين بأن أصل " الحراطين " من السلالات البربرية البيضاء : ( الجرمنت ، إيحراضن
وإيزكارن ، وإيرنكانن ) التي سودتها الشمس الحارقة إذ أن حرارة الشمس تشتد كلما بدأنا في اتجاه الجنوب من الإقليم الأول إلى الثاني إلى الثالث والعكس تماما كلما اتجهنا شمالا حتى نصل إلى البحر الأبيض المتوسط . وإنما يشتد إحراق الشمس للسودان سكان بلاد التبر خاصة .
يقول ياقوت الحموي المتوفى سنة 626 هجرية / 1228 م في هذا الشأن حكاية عن تجار سجلماسة الذين يشترون الذهب من السودان القاطنين في أقصى جنوب غانة والذين لا يظهرون للتجار ولا يراهم أحد ويتبايعون من وراء حجاب : ( ويقال : إنهم في مكان وأسراب تحت الأرض ، عراة لا يعرفون سترا كالبهائم ، مع أن هؤلاء القوم لا يدعون تاجرا يراهم أبدا ..... وليس وراء هؤلاء مايعلم. وأظنه لا يكون ثم حيوان لشدة إحراق الشمس ). أنظر : " معجم البلدان / مادة التبر ". ويضيف المؤرخ زكريا بن محمد القزويني المتوفى ( سنة 628 هجرية / 1283م ) : ( بلاد التبر : هي بلاد السودان في جنوب المغرب. قال ابن الفقيه : هذه البلاد حرها شديد جدا ، أهلها في النهار يكونون في السراديب تحت الأرض. والذهب ينبت في رمل هذه البلاد كما ينبت الجزر بأرضنا ، وأهلها يخرجون عند بزوغ الشمس ويقطفون الذهب ). أنظر : ( آثار البلاد وأخبار العباد ، ص : 18 _ 19 ). و يقع الاسترقاق لسودان لملم وبربرة وأهل لمي غالبا كما مر معنا وقد أكد ابن سعيد الغرناطي المتوفى سنة 685 هجرية أن أهل تكرور رغم فشو الإسلام فيهم لا زالوا يسبون " لملم " ووصف جنس " لملم " بقوله : ( ... ومعظمه يستغرقه مجالات لملم. وهم كفار مهملون يأكلون الناس. وموضع مدينة تكرور حيث الطول ١٧ درجة والعرض ١٣ درجة و٣٠ دقيقة ، وصاحبها يسبي رقيق لملم .... مدينة لمي. وهذه المدينة كالقرية تحت طاعة كفار لملم ، وأهلها يهود يعرف جنسهم في الرقيق ببلاد المغرب ). أنظر : ( بسط الأرض في الطول والعرض / ص : 24 _ 25 ) .
وهناك سؤالا يطرح علينا نفسه ولا مفر لنا من الإجابة عليه .
مادامت كتب التاريخ والأنساب والجغرافيا والرحلات والمسالك والممالك والسير والتراجم والبلدان قد أثبتت لنا أن الاسترقاق في منطقة غرب أفريقيا وقع على أجناس السودان وحدهم. فمن هم ياترى قبائل : ( الجرمنت ، وإيحراضن ، وآرنيك ، وإثكرن ، وإيزكارن وإيرناكن ، وكدالة ، ومسوفة ، ولمطة ، وجزولة ، وهسكورة وهنتاتة ، وزناتة ، وبني وارث ، والأسر الرومية. التي كانت ساكنة موريتانيا اليوم ؟ ).
الجواب باختصار : أنهم جل قبائل البيظان المنتسبون اليوم _ من الصحراء الغربية إلى أزواد بشمال مالي مرورا بموريتانيا _ إلى : ( آل البيت وقريش والأنصار وحمير ).
ولا يرضون بأي نسب عربي آخر خارجا عن هذه القبائل الأربعة . فقد اختاروا من حمير : ( ملوكها ، أقيالها أنصارها ). واختاروا من مضر : ( أشرافها أهل بيتها ، وآسادها ).
وإن سأل سائل عن الدليل والبرهان على صحة هذا الانتساب المزعوم إلى مضر وقحطان : يصيح في وجهه شاعرهم :
إن لم تقم بينات أننا عرب #
ففي اللسان بيان أننا عرب #
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
كتبه نقيب بني صالح : أبي محمد الحسن بن الشيخ سليمان بن موسى بيدي الراشدي الصالحي الحسني .


Hw,g ,Hkshf " hgpvh'dk hgl,vdjhkddk ">