مقدمة:
الحمدلله الذي خلق الإنسان من طين، وجعل نسله من ماء مهين، وكلفه يحمل الأمانة وعمارة الأرض وإقامة الدين،القائل وهو أصدق القائلين:"إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير". الآية (13) الحجرات
والصلاة والسلام على النبي الهادي إلى سواء السبيل (القائل في حجة الوداع فيما رواه الامام البيهقي " أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى" وفي حديث آخر رواه الترمذي وأبو داوود"الناس بنو آدم وآدم من تراب".
إن مما يؤدي إلى عمارة الأرض المشي في مناكبها فراراً بالدين أو بحثاً عن الرزق في هجرات كثيرة، قام بها بنو البشر من مكان إلى مكان فعمروا الأرض، وشادوا الحضارات، وهناك أمثلة كثيرة في التاريخ الإنساني لهذه الهجرات.
ومن أشهر الهجرات بالدين في التاريخ ، هجرة المسلمين من مكة إلى الحبشة في الهجرتين الأولى والثانية والهجرة إلى المدينة المنورة على ساكنها أكمل الصلاة وأتم التسليم، وممن هاجر إلى الحبشة الصحابي الجليل الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي القرشي - رضي الله عنه - وهو الجد الأكبر لقبيلة الكواهلة، وقد أثبت الدكتور عبدالله الطيب – رحمه الله – في بحثه القيم "الهجرة إلى الحبشة وما وراءها من نبأ" بالشواهد الجغرافية والتاريخية لمناطق القرن الأفريقي وساحل البحر الأحمر إن الهجرة كانت لأقاليم السودان الحالية وليست للحبشة الحالية أي الأراضي الأثيوبية كما ثبت إن الزبير بن العوام رضي الله عنه هاجر وترك زوجته أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها بمكة المكرمة، ويعتقد أن الزبير رضي الله عنه تزوج من قبائل البجة بشرق السودان. وكانت له ذرية من تلك الزوجة وتقول الروايات إنهم أبناء المرأة الكبيرة، ويدعى بعضهم إن هناك شجرة على نهر أتبرة إن جدهم الزبير قد ربط حصانه فيها حين هم بعبور النهر ولا زالت هذه الشجرة موجودة حتى يومنا هذا ويعرفها أبناء الزبير ويعظمونها، ويظن إن هؤلاء الأبناء من ذرية الزبير هم الذين زارهم ابن بطوطة والمقدسي، وتحدثا عنهم بأنهم من العرب الذين سكنوا مع البجة ونسوا اللغة العربية ولكن واقع الحال إن المهاجرين الأوائل قد غادروا أرض البجة وعادوا إلى مكة وبالتالي تربى بنوهم مع أمهاتهم وأخوالهم وتعلموا لغاتهم ولهجاتهم وليس هناك سبيل لتعلم اللغة العربية. وهذا هو الرأي الأرجح.
تحدثت كتب التاريخ إنه بعد استشهاد أمير المؤمنين الامام على بن أي طالب -رضي الله عنه وكرم الله وجهه- بايع غالبية أهل الحجاز وبقية الأمصار عبدالله بن الزبير -رضي الله عنهما- أميراً للمؤمنين في عام 64هـ واستمرت خلافته لقرابة عشرة أعوام وتمددت دولته خلالها حتى وصلت العراق وخراسان من بلاد فارس شرقاً وضواحي دمشق من بلاد الشام شمالاً.
دخل ابن الزبير -رضي الله عنه- في حروب طويلة ومريرة مع الأمويين انتهت باستشهاده واستشهاد أخوته في عام 73هـ وتعرض الزبيريون بعد ذلك إلى المضايقات من قبل الأمويين وكان طريق الهجرة أمام الأحفاد منهم مفتوحة للأقاليم السودانية التي لهم فيها قرابة ورحم فهاجروا عبر البحر الأحمر وعبر سيناء إلى السودان.
واستقر الكثير منهم بأقاليم السودان حيث ولد جد الكواهلة الشيخ محمد كاهل في حوالي القرن الرابع عشر الميلادي (التاسع الهجري) في شرق السودان، وكانت عاصمة نظارتهم في (أكرأ باي) وتعني بالعربية (الجبل القوي) وهي بجوار محطة "كمسانا" الحالية من أقاليم البحر الأحمر، وكانوا يحاورون قبيلة الأرتيقة والأمرأر وتصاهروا معهم وجاءت تسميتهم
بالكواهلة نسبة إلى الشيخ محمد كاهل"
وسيعرض هذا البحث إلى هجرة الكواهلة من شرق السودان إلى بقية أقاليمه ويحدد بشئ من التفصيل أماكن وجودهم، وكذلك فروعهم التي انتشرت في غالبية مناطق السودان الشمالي.
إن هذا البحث لا يدعو لعصبية ولا لحمية قبلية، وإنما يهدف إلى إحياء الصلات بين فروع القبيلة ومد جسور التواصل بين أبنائها، والتعريف بالأصول والفروع الناشئة وقد جاءت كتب الأحاديث تحث على تعلم الضروري من النسب بهدف الصلة كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر، يعني زيادة في العمر".
وقال الطيالسي حدثنا اسحاق بن سعيد حدثنا أبي قال" كنت عند ابن عباس -رضي الله عنهما- فأتاه رجل فسأله من أنت فمت له برحم بعيدة فألان له القول وقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم – "اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم فإنه لا قرب للرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة ولا بعدلها إذا وصلت وإن كانت بعيدة".
يتبع...
مواقع النشر (المفضلة)