عن قريتي النافعاب أحدثكم
بقلم: محيي الدين مبارك
آثرت في هذه الإطلالة أن أنأى بنفسي عن تناول مجريات الأحداث التي تمور بها الساحة السياسية بعد أن أمضيت الأربعة عقود الماضية في خضمها أكتب عنها وأحلل مجرياتها، وفضلت في هذه الإطلالة أن أعود إلى جذوري أجتر معكم ذكريات أيام الصبا والشباب في مراتع الريف.. وهي الفترة التي تشكلت فيها شخصياتنا.
مرتع الصبا هي قرية النافعاب التي يحتضنها منحنى النيل.. وهي صغيرة الرقعة وتحتضن مجموعة صغيرة من السكان انتشرت مجموعة منهم في مناطق المقل ومساوي ونوري.. ومنهم من رحل جنوباًإلى شندي في المنطقة المتاخمة لأرض البطانة.. وفي هذه النقطة ظل يقول لي الدكتور نافع علي نافع وهو في المقام الأول رفيق دراسة بمدرسة وادي سيدنا.. ظل يقول إنهم النافعاب والمناطق الأخرى فروع وكنت أجيب عليه بالمنطق أن الهجرات منذ خرج التاريخ في هذه المنطقة تبدأ من الشمال متجهةجنوباً وأنتم رحلتم في هذه المنطقة جنوباً وانشأتم منطقة تميد النافعاب المعروفة الآن.
قريتي التي ترقد في حضن المنحنى تطل عليها قباب الصالحين الشيخ حاج عيسى والشيخ حي وحبوبة حمرة كريمة الشيخ حاج عيسى وكأن هذه القباب تحميها من الغرب ومنحنى النيل يحميها من الشرق من ويلات الزمان.. وتقع جوار القباب خلوة شهيرة لتحفيظ القرآن الكريم كان يشرف عليها أحد المشايخ المشهورين المنحدر أصله من أسرة دينية معروفة بالمنطقة.. وهي أسرة آل قشي.. هذه الخلوة شهدت بدايات رجل السياسة الشهير الأستاذ سيد أحمد الحسين خطوات في تلقي علوم القرآن الكريم قبل أن ينتقل إلى خلوة صالح فضل بمنطقة مورة.
مواطنو قرى النافعاب تميزوا بالخصال السائدة بالمنطقة والمتمثلة في الكرم والإيثار وتميزوا بخصال الذكاء الحاد وشهادتي مجروحة ولكن السياسي الشهير الأستاذ أحمد خير فطن إلى هذه الخصلة عندما جاء مدافعاً عنهم كمحامٍ مطلع الخمسينيات في نزاعهم حول أراضٍ زراعية مع مواطني الضفة الغربيةللنيل.. وقال قولته الشهيرة بأنه لم يقابل أذكى من هؤلاء القوم رغم أنهم لم يعرفوا دروب المدارس في ذلك الحين.
وجادت القرية بشخصيات مهمة تجاوزت شهرة بعضهم حدود الوطن كالشيخ ود المبارك الذي اشتهر بالعلاج النفسي.. وقد زاره دكتور طه بشير النطاس المشهور في هذا المضمار وأمضى معه الساعات في خلوة لا نعلم ماذا دار خلالها.. كما أن صاحب هذه السطور قد صحب طالبة دراسات أوربية في عام1968 م استعانت به في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراة التي تناولت فيها علم الروحانيات في أفريقيا وما زال مواطنو المنطقة رغم مرور السنين على زيارة الخواجية مسز بملا التي شهدت معهم حصاد البلح وأكلت القراصة وقدلت على تلك القرية، وهناك رموز عديدة أنجبتها القرية منهم السيد إبراهيم عبد الله الذي ساهم بجهد كبير في إرساء دعائم الخدمة المدنية بدولة الإمارات العربية الشقيقة حينما هاجر إليها مطلع الستينيات وبقي بين أهلنا الذين أحبوه حتى انتقل إلى جوار ربه قبل عامين، كما أنجبت القرية النطاس البارع دكتور عبد الحميد الذي عرف بدعمه لمشاريع القرية ومساعدته لأهله في الخفاء، وأنجبت القرية الشهير الفريق عبد المنعم الطاهر قائد معركة توريت الشهيرة الذي استشهد واقفاً في صمود كالنخلة.. والحديث يطول في هذا المجال ويكفي أن نذكر أن النافعاب أنجبت المذيع التلفزيوني القامة الطيّب عبد الماجد.
والمنطقة زاخرة بالرموز في كافة المجلات وإذا اتجهت جنوب قرية النافعاب تجد قرية الأركي وهي الوجه الآخر للنافعاب.. كما ظللت أصف العلاقة بين القريتين كأنهما عملة واحدة للعلاقات الوطيدة بينهما، فالأركي رفدت الوطن بالسياسي دكتور محمد خير الزبير والدبلوماسي الرقم السفير عبد المحمود عبد الحليم والمصرفي المعروف دكتور حاتم الزبير والشاعر الجيلي محمد صالح والبكباشا عبدالله بابكر. وإذا صوبت النظر تشمخ أمامك قرية البرصة الشهيرة معقل العجيمية الذين أرسوا قيم الدين الحنيف وقدموا للمشهد السياسي المهندس الحاج عطا المنان ومولانا معتصم العجيمي



uk rvdjd hgkhtuhf Hp]e;l