النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: مذكرة عن تاريخ قبيلة الكبابيش ( 1 ) و ( 2 )

مذكرة عن تاريخ قبيلة الكبابيش (1) A Note on the History of the Kababish Tribe بروفيسور طلال الأسد Professor TalalAsad ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي مقدمة: هذه ترجمة مختصرة

  1. #1
    كاتب في النسابون العرب
    تاريخ التسجيل
    14-11-2014
    المشاركات
    1,126

    افتراضي مذكرة عن تاريخ قبيلة الكبابيش ( 1 ) و ( 2 )

    مذكرة عن تاريخ قبيلة الكبابيش (1)


    A Note on the History of the Kababish Tribe

    بروفيسور طلال الأسد

    Professor TalalAsad

    ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

    مقدمة: هذه ترجمة مختصرة لبعض ما جاء في مقال للبروفسيور طلال أسد (1933م -) نشر في العدد السابع والأربعين من مجلة "السودان في مدونات ومذكرات" الصادر في عام 1966م.

    وبحسب ما ورد في مصادر مختلفة في الشبكة العنكبوتية فإن البروفسيور الأسد هو رجل سعودي/ أمريكي الجنسية (والدته سعودية ووالده يهودي من أصل نمساوي وباكستاني دخل الإسلام في عشرينيات القرن الماضي) يعد الآن من أشهر علماء الانثربلويجا (علم الإنسان) المختصين بدراسات الإسلام والمسيحية في مرحلة ما بعد الاستعمار.

    درس بجامعتي أدنبرا وأكسفورد ثم عمل بجامعة الخرطوم في ستينات القرن الماضي، وأصدر في عام 1970 كتابا شهيرا عن "عرب الكبابيش". يعمل الآن أستاذا غير متفرغ في مركز الدراسات العليا بجامعة نيويورك. المترجم.
    ***** *********** *******
    من الثابت منذ أمد بعيد أن القبائل العربية في شمال السودان ليست متجانسة عرقيا، وأنه توجد في دماء كل قبيلة من هذه القبائل عناصر متباينة من أصول مختلفة. بيد أن التداخل بين تلك العناصر وآثارها الاجتماعية والسياسية لم تحظ بكثير من الاهتمام البحثي، إذ أنصب غالب جهد الباحثين على دراسة أنساب القبائل وفروعها وبطونها وأفخاذها مثل دراسة ماكمايكل الصادرة عام 1910م عن أصول وأنساب الكبابيش. في هذه المقالة القصيرة سأستعرض وبإيجاز ما هو معروف عن البناء السياسي في تاريخ قبيلة الكبابيش الباكر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي.
    إن البناء السياسي المعاصر للكبابيش حديث العهد نسبيا، وهو يدور بصورة رئيسة حول أول ناظر للقبيلة الشيخ الداهية / علي التوم بعد استعادة المصريين والبريطانيين لحكم السودان في عام 1898م.


    إن معظم المعلومات التي سأوردها في هذا المقال هي مستقاة من كتابات الرحالة الأوربيين، وهي كتابات شحائح في العدد والمحتوى، ولكن هنالك من الدلائل ما يكفي للقول بأن النظام السياسي للكبابيش كان مختلفا جدا عما تلاه بعد ذلك عام 1898م.
    إن الكبابيش رعاة رحل يقطنون منطقة شبه الصحراء الواقعة في شمال كردفان على أطراف الصحراء الليبية، وتسمى منطقتهم تلك رسميا "المنطقة الريفية لدار كبابيش"، ويقوم على إدارتها "مجلس ريفي دار كبابيش".


    يشارك الكبابيش في السكن بهذه المنطقة عدد من القبائل الصغيرة ، بعضها مستقر والبعض الآخر يرتحل من مكان لآخر ( بحثا عن الماء والكلأ)، ولكل قبيلة من تلك القبائل الصغيرة نظام حكمها التقليدي الخاص من ناظر أو عمدة، ولكن للكبابيش "ناظر عموم" يرأس جميع نظار وعموم الكبابيش والقبائل الأخرى التي تشاطرهم السكن في المنطقة. وبهذا فإن "ناظر العموم" هذا يعد في واقع الأمر (وبحكم المنصب) نائبا لرئيس المجلس الريفي المحلي، والذي عادة ما يكون المفتش الحكومي لشمال كردفان، ورئيس المحكمة الأهلية أيضا في منطقته.
    إن سيادة ناظر العموم على كامل المنطقة (والتي أكدتها المحكمة العليا في عام 1953م بعد صراع نشأ بين الكبابيش والهواوير) تستند على الاعتراف الصريح من الحكومة بأن منطقة "دار كبابيش" هي للكبابيش، مع ملاحظة أن لبعض القبائل الأخرى التي تعيش في ذات المنطقة "حقوقا تقليدية" للانتفاع ببعض أجزاء من "دار كبابيش". وللتدليل الرمزي علي سيطرة وغلبة وسيادة "ناظر العموم" فقد أتخذ ذلك الناظر له طبولا تسمى "النحاس" تقرع في المناسبات الاحتفالية.



    تنقسم قبيلة الكبابيش في الوقت الحالي إلى 18 فرعا منهم النوراب وأولاد عقبة وأولاد حوال وأولاد سليمان وأولاد طريف والحمداب والحماداب والرواحلة والربيجات والكبيشاب والطوية والحواراب والربقاب وبررة والطوال والعويضة.




    يجب ذكر أن ليس لأي من هذه الفروع "هوية مؤسسية" غير فرع النوراب الذي ينتمي له ناظر عموم القبيلة.

    تنتشر سائر أفرع قبيلة الكبابيش في كل أرجاء مناطقهم ويختلطون ببعضهم البعض وينعمون بحقوق في الماء والمرعي مكفولة لكل فرد في القبيلة بحكم أنه فرد في القبيلة بغض النظر عن فرع القبيلة التي ينتمي إليها. تعد "العائلات الأولية" هي الوحدات الاقتصادية الأساسية في القبيلة، بحيث يعمل أفراد العائلة الواحدة بشكل جماعي مترابط في رعي الحيوانات التي يمتلكها كل فرد منهم بصورة فردية. تسند عند الكبابيش كل الأمور السيادية السلطوية وتلك المتعلقة بالقضاء والتقاضي إلى "أولاد فضل الله" وهم جماعة من النوراب (الفرع المهمين في القبيلة).



    ليس لشيوخ القبيلة الآخرين أي سلطة سياسية وينحصر عملهم فقط في جمع العشور والضرائب المفروضة على البهائم. يجدر بالذكر أن من لا يرغب من أفراد فرع من أفرع القبيلة في تسليم ضرائبه إلى شيخ منطقته – لأي سبب أو آخر- فيمكنه تسليمها مباشرة للناظر أو أحد مساعديه.


    يتضح من هذا عدم أهمية الانتماء لفرع من أفرع القبيلة، فللقبيلة تنظيم للسلطات ممعن في المركزية له اليوم هوية سياسية واضحة، من أهم معالمها ترك الحكومة للسلطة الفعلية فيما يتعلق بأمور الرعي والسقاية بـ "دار كبابيش" لناظر عموم القبيلة. كثيرا ما يعبر قادة "النوراب" عن وحدة أفراد قبيلة الكبابيش وإخلاصهم الشديد لناظرهم الذي يمثلهم. يقولون – وبصوت واحد – للحكومة وللقبائل الأخرى : "يقف الكبابيش وقفة رجل واحد".
    II
    كان أول مرجع أعثر عليه عن الكبابيش مخبوءا في كتاب بروس "الرحلات" (المقصود هو الرحالة الاسكتلندي جيمس بروس 1730 – 1794م الذي سعى لاكتشاف منابع النيل. المترجم). كان بروس موجودا في سنار عاصمة مملكة الفونج في عام 1772م عندما أخبره أحدهم عن وجود قبيلة الكبابيش (وأيضا "بني جرار" و"بني فزارة") في صحراء بيوضة. كتب الرحالة بروس ما يفيد بأن: "الطريق عبر هذه الصحراء... غير سالكة.... ففيها تجد الكبابيش وبني جرار وبني فزارة، وجميعهم من العشائر العرب الأقوياء القادمين من جهة الغرب بالقرب من كردفان... وقد استولى هؤلاء جميعا على كل الآبار الموجودة على الطريق الصحراوي، فلا مجال إذن لتحاشيهم." مضى بروس في القول "الكبابيش كثيرو العدد وينتشرون بعيدا في جل أصقاع صحراء سليما حتى الحدود مع مصر".
    وبعد نحو عقدين من ذلك التاريخ أشار براون (هو الرحالة البريطاني د. ج. براون والذي كان أول أوربي تطأ قدمه دارفور بين عامي 1793 – 1796م، ونشرنا ترجمة لمقاله بذات العنوان في الجزء الأول من "السودان بعيون غربية". المترجم) إلى أن الكبابيش يوجدون بالقرب من بير (بئر) المالحة (النطرون) حيث يقومون بنهب ما يطيقونه من القوافل التي تمر علي تلك المنطقة.



    يتضح من المراجع السالفة الذكر أن الكبابيش كانوا يعيشون بالقرب من ثلاثة من طرق القوافل الممتدة في الصحراء من مصر إلى دارفور والغرب: درب الأربعين ، ووادي الملك ووادي المقدم، وجميعها طرق تسلكها كثير من القوافل. أطنب الرحالة براون وثلة من الرحالة الآخرين الذين أتوا من بعده في وصف البضائع التي كانت تنقلها تلك القوافل وكمياتها.




    لا ريب أن الكبابيش كانوا يستفيدون من وجود تلك التجارة وطرقها حيث يتنقلون، ليس فقط بنهب بعض القوافل المحملة عندما يجدون الفرصة مواتية، بل أيضا بتأجير الأبل، وتوظيف بعضهم كمرشدين يدلون القوافل في طرق تلك الصحراء. من المحتمل جدا أن الكبابيش كانوا يمارسون التجارة أيضا بصورة من الصورة، مثل نقل "العطرون" من واحة النطرون، ويعملون أيضا في تجارة الرقيق، حيث ينقلون المستعبدين من دارفور إلى أسواق مديرية دنقلا.


    يجب القول هنا بأن الكبابيش لم يكونوا وحدهم هم سادة طرق الصحراء إذ نازعهم في تلك السيادة حكام سنار ثم حكام مملكة كردفان (بزعامة هاشم المسبعاوي) وأخيرا سلطان دارفور، وجميعهم كانوا قد أعلنوا – وفي فترات تاريخية مختلفة- سيادتهم على كل أو على الأقل جزء من المناطق التي يقطنها الكبابيش. كان للكبابيش بالإضافة لذلك بعض المنازعات مع قبائل أخرى تشاطرهم السكن في ذات البقعة من الأرض. بلا شك كان أشهر تلك القبائل هي "بني جرار" والذين كانت لهم عداوة تقليدية مع الكبابيش.



    أورد المفتش الإنجليزي هـ. سي. جاكسون في كتابه "سن النار: مملكة سنار القديمة" والصادر عام 1912م رواية أدلى بها له مك قبيلة الجموعية عن كيف أن "بني جرار" كانوا قد ضيقوا الخناق على الكبابيش في منتصف القرن الثامن عشر، فطلب الكبابيش العون من قبيلة الجموعية لقتال "بني جرار". كان مك الجموعية في تلك السنوات هو "أبو لكيلك" والذي استولى على مملكة كردفان وضمها للملك سنار في حوالي عام 1747م، وليس من المستبعد أن يكون دخول جزء من أفراد قبيلة الكبابيش إلى ما يسمى الآن "شمال كردفان" قد تزامن مع ضم كردفان لمملكة سنار. إن ما سجلته أنا شخصيا من التاريخ الشفاهي من بعض رجال الكبابيش يؤيد في معظمهأقوال ذلك المك الجموعي، والتيتخلص إلى أن "الكبابيش كانوا في دنقلا، وبني جرار كانوا في كردفان بالقرب من الأبيض". كان ذلك في أيام السلطنة الزرقاء في سنار. غزا "بني جرار" دنقلا فتراجع الكبابيش جنوبا بمحاذاة النيل حتى وصلوا لمنطقة الجموعية، حين عقدوا معهم اتفاقا توقفوا بموجبه عن الهروب جنوبا . بذا أحرق الكبابيش سفنهم وامتطوا إبلهم وتقدموا في عام 1780م لقتال "بني جرار" والمسبعاتفي منطقة"الحنيك" الواقعة شمال غرب جبل أولياء.



    ]تطرق الأستاذ حسن محمد صالح في مقال له بصحيفة "الصحافة" يوم 24/10/ 2012م لتلك الواقعة مستندا على كتاب الدكتور عبد الله علي إبراهيم "فرسان كنجرت- ديوان نوراب الكبابيش وعقالاتهم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر" الصادر عن دار نشر جامعة الخرطوم في 1999م. ومن المفارقات المحزنة (والمعتادة للأسف) ما جاء في ذات الصحيفة يوم 21/ 10/2010م ما نصه : "شهد معتمدو سودري وجبرة بشمال كردفان وأم درمان ووزير الأوقاف والإرشاد بولاية الخرطوم عثمان البشير الكباشي أمس في منطقة الحريقة بشمال كردفان مؤتمرا للصلح بين قبيلتي الكبابيش والجموعية بعد مقتل رجل من الكبابيش مؤخرا على يد شخص من الجموعية. وحضر الصلح ناظر الكبابيش وعمدة الجموعية ورجالات الادارة الاهلية وسط حشد كبير من القبيلتين اللتين أعلنتا فتح صفحة جديدة في علاقاتهما وتجاوز ما حدث" ... وليس في السودان تحت الشمس من جديد! المترجم[



    انتصر الكبابيش في موقعة "أم حنيك" ومضوا في التقدم غربا عبر وادي مجر ووادي أم سدر، ثم انتقلوا إلى "الصافية" و"كجمر" وجبرة الشيخ" ومناطق أخرى في الغرب تتوفر بها آبار مياه.
    وفي نهاية القرن الثامن عشر، ومع التدهور الذي حاق بمملكة سنار ، سقطت شمال كردفان على يد هاشم المسبعاوي. يبدو أن الكبابيش كانوا من أنصار هاشم في صراعه مع دارفور، والذي أدى لسقوطه في نهاية المطاف.



    بعد ذلك لم يعد هنالك ما يمكن تسجيله عن تاريخ الكبابيش حتى تاريخ غزو الجيش المصري – التركي للسودان في عام 1821م عدا القليل الذي سجله الرحالة بيركهاردت ( هو المستشرق والرحالة السويسري جون لويس بيركهاردت الذي عاش بين 1784 – 1817م . المترجم ) في مذكراته المعنونة "رحلات في بلاد النوبة " والصادرة في عام 1819م، والذي أشار فيها إلى ضلوع الكبابيش في تجارة الرقيق والتي كانت تتم بين دنقلا ودارفور.


    يتبع..


    l`;vm uk jhvdo rfdgm hg;fhfda ( 1 ) , 2


  2. #2
    كاتب في النسابون العرب
    تاريخ التسجيل
    14-11-2014
    المشاركات
    1,126

    افتراضي

    مذكرة عن تاريخ قبيلة الكبابيش ( 2 )
    A Note on the History of the Kababish Tribe
    بروفيسور طلال أسد
    Professor TalalAsad
    ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
    مقدمة: هذا هو الجزء الثاني والأخير من ترجمة مختصرة لبعض ما جاء في مقال للبروفسيور طلال أسد (1933م -) نشر في العدد السابع والأربعين من مجلة "السودان في مدونات ومذكرات" الصادر في عام 1966م. وبحسبما ورد في مصادر مختلفة في الشبكة العنكبوتية فإن هذا البروفسيور هو رجل سعودي/ أمريكي الجنسية (والدته سعودية ووالده هو الرجل المشهور محمد أسد (ليوبولدفاييس سابقا) اليهودي من أصل نمساوي والذي دخل الإسلام في عشرينيات القرن الماضي، ويعتبر من أكثر مسلمي أوروبا في القرن العشرين تأثيرا) . يعد بروفسيور طلال أسد الآن من أشهر علماء الانثربلويجا (علم الإنسان) المختصين بدراسات الإسلام والمسيحية في مرحلة ما بعد الاستعمار. درس بجامعتي أدنبرا وأكسفورد ثم عمل بجامعة الخرطوم في ستينات القرن الماضي، وأصدر في عام 1970 كتابا شهيرا عن "عرب الكبابيش". يعمل الآن أستاذا غير متفرغ في مركز الدراسات العليا بجامعة نيويورك.
    تناول الجزء الأول تاريخ الكبابيش وطرفا من طرائق عيشهم وحروبهم مع القبائل الأخرى قبل الغزو المصري – التركي للسودان في عام 1821م. المترجم.
    ***** *********** *******
    جاء أول ذكر للكبابيش بعد انتصار الغزو المصري – التركي للسودان في عام 1821م في ما أورده كلود في كتابه "رحلات في مروي" ( المقصود هوفيريدريك كلود الرحالة والعالم الطبيعي الفرنسي المتخصص في علم المعادن والقواقع والذي أتى للسودان مع حملة جيش محمد علي باشا كخبير معادن للبحث عن الذهب. المترجم). كتب كلود أن الكبابيش استسلموا طواعية للجيش الغازي بيد أنهم امتنعوا عن دفع أي ضرائب أو مكوس لحكومتهم بعد أن آبوا لصحرائهم. لا يعلم إن كان امتناعهم هذا أو العداء الذي أبدوه للجيش الغازي هو سبب قيام "محو بيه" وجنده، وبأوامر مباشرة من محمد علي باشا، بمهاجمة تجمعات الكبابيش (والحسانية أيضا) في صحراء بيوضة في عام1822م. نال الكبابيش الحمداب النصيب الأكبر من تلك "الحملة التأديبية" للجيش المصري – التركي.
    أفرد كذلك اقناتسبالمي والذي عاش في كردفان بين عامي 1837 – 1838م فصلا صغيرا عن الكبابيش في كتابه "رحلات في كردفان". وصفهم ذلك الكاتب بأنهم قبيلة صغيرة مترحلة وفقيرة تسكن في منطقة غرب النيل الأبيض، وذكر عرضا بأنهم مجموعة من القبائل المتحالفة في صحراء بيوضة. يشتغل الكبابيش بحسب وصف اقناتسبالمي بالتجارة، ولكنهم لا يربون (أو يكاثرون) الإبل، بيد أنهم يحصلون على ما يستخدمونه من هذه الحيوانات باستئجارها من قبيلة الحمر المجاورة. يعمل بعض أفراد الكبابيش في مجال إرشاد القوافل في طرق الصحراء وفي نقل البضائع عبرها، وبهذا ففائدتهم للحكومة وللقوافل التي تعبر الصحراء عظيمة.
    يعد الصمغ العربي والذي يتنج غالبه في كردفان هو المحصول الرئيس للبلاد وتحتكر تجارته الحكومة، بينما يقوم الكبابيش بنقله من الأبيض إلى دنقلا. وصف اقناتسبالمي ببعض التفصيل كيف كانت الحكومة المصرية – التركية تخدع وباستمرار تجار الصمغ العربي وتسلبهم أرباحهم المستحقة. أدى ذلك بحسب ما يعتقده اقناتسبالمي لاستياء وامتعاض هؤلاء التجار وهجرة بعضهم إلى دارفور في عام 1838م بقصد الاستقرار فيها. لم ترق تلك الهجرة لسلطان دارفور آنذاك فقام بصدهم وإخراجهم عنوة من مملكته وردهم من حيث أتوا. بدأ الكبابيش في قبول الأمر الواقع والتعايش مع النظام القائم خاصة مع زيارة الخديوي محمد علي باشا للخرطوم في عام 1838م. في تلك الزيارة استدعى الخديوي زعيم قبيلة الكبابيش سالم للمثول أمام حضرته وأثنى عليه وبذل جهدا واضحا في التقرب منه وكسب جانبه. بلغ من حسن استقبال الخديوي لزعيم الكبابيش أن أجلسه إلى يمينه واستمع باهتمام لشكواه مما يلقاه الكبابيش على يد جنود وعمال الحكم المصري – التركي. طيب الوالي خاطره ووعده بالعمل على إصلاح الأمور كلها. لا ريب أن الخديوي كان يدرك جيدا ضرورة كسب ود الكبابيش واتقاء شرهم لما لذلك من بالغ الأهمية في حفظ أمن طرق التجارة عبر الصحراء من الأبيض لدنقلا. كان أفراد من قبيلة "بني جرار" يغيرون على القوافل التجارية بين الأبيض ودنقلا وذلك بحسب ما أورده مانسفيلدباركنز في مقال له نشر في المجلة الجغرافية الملكية في عام 1851م . اضطرت الحكومة بعد تكاثر هجمات "بني جرار" على القوافل التجارية لتعيين بعض أفراد قبيلة الكبابيش كجنود حماية لتلك القوافل يجوبون الصحراء على ظهور الإبل والخيل بحثا عن "قطاع الطرق" من "بني جرار". لا ريب أن الحكومة المصرية – التركية أفلحت بهذا التخطيط في الاستفادة القصوى من العداء التقليدي بين القبيلتين ووظفته بذكاء لخدمة مصالحها.
    جاء في أقوال بعض من قابلتهم من كبابيش اليوم عن ما حدث بعد طرد الكبابيش لبني جرار من كردفان ودفعهم للاستقرار في دارفور في غضون سنوات النصف الثاني من القرن التاسع عشر:
    "حدث ذات مرة أن هاجم أفراد من قبيلة بين جرار قافلة كانت في طريقها لدنقلا تخص سلطان دارفور (جد علي دينار). عندما بلغ السلطان ذلك الخبر أرسل في أعقابهم جيشا عرمرما ردهم إلى "الصافية" بكردفان. كان ذلك في عهد زعامة فضل الله بيه سالم لقبيلة الكبابيش، والذي ضم بني جرار لقبيلته فصارت قبيلة الكبابيش بذلك قبيلة كبيرة العدد والقوة، وظلت كذلك حتى رحل فضل الله عن الدنيا. حدث ذلك قبل ظهور المهدية بستة عشر عاما".
    ليس هنالك من كتابات معلومة عن الكبابيش حتى منتصف القرن التاسع عشر غير كتاب اقناتسبالمي ومقال مانسفيلدباركنز الذي سبقت الإشارة إليه. يزعم مانسفيلدباركنز أنه عاش مع الكبابيش لفترة طويلة (بين أعوام 1844 – 1850م) مما أتاح له تصحيح كثير من الأخطاء التي وردت عن تلك القبيلة في كتاب اقناتسبالمي المذكور آنفا. يقسم مانسفيلدباركنز الكبابيش بحسب طرائق عيشهم إلى ثلاثة أقسام:
    1. فريق من الكبابيش يقضون كامل عامهم في الصحراء، ولا يغشون المناطق المستقرة إلا لماما لشراء الذرة.
    2. فريق آخر يقضي موسم الجفاف في المناطق المستقرة ويترحل في موسم الأمطار للصحراء.
    3. فريق أخير مستقر بصورة دائمة أو شبه دائمة ويربي الأبقار ويمارس الزراعة.
    خلافا لما زعمه اقناتسبالمي في كتابه المذكور فإن المجموعة الأولى والثانية من الكبابيش تمتلك وتربي أعدادا كبيرة من الأبل. عدد باركنز 32 فرعا للكبابيش وقدم وصفا دقيقا لأماكن وجودهم. لا بد من ذكر أن تصنيفه ذاك قد لا ينطبق على كبابيش اليوم، فبعض أفرع تلك القبيلة الموجودة اليوم لم يأت باركنز لها على ذكر.
    كتب مانسفيلدباركنز أن أفراد قبيلة الكبابيش لا يخشون من زعماء أفرع قبيلتهم ويصرحون أمامهم بكل ما يريدون قوله بحرية،ولا يأبهون لغير كبير قومهم. خص بالذكر هنا فضل الله ود سالم والذي كان يسود كل أفرع القبيلة عدا قليل منها في نواحي دنقلا حيث كان زعيمهم هنالك هو حاكم ود الديب.
    من المؤكد أن أفراد الكبابيش لم يقوموا إلا نادرا بعمل (سياسي) موحد يجمع كامل القبيلة، ولعل السبب في ذلك هو اتساع الرقعة الجغرافية التي كانوا ينتشرون فيها مما يجعل العمل الموحد شبه مستحيل. ضرب مانسفيلدباركنز لهذا مثلا بقيام بعض أفرع الكبابيش بالهجوم على "بني جرار" ورفضهم لطلب المساعدة من أفرع القبيلة الأخرى في ذلك الهجوم بدعوى أن "الغرباء الذين يحاربون إلى صفك دون أن يكون لهم معك مصلحة مشتركة سيكونون أول الهاربين من المعركة، وسيضعفون بذلكالروح المعنوية للمقاتلين الآخرين" كما قال لي أحد رجال الكبابيش.
    من الرحالة الأوربيين الذين كانوا يجوبون كردفان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أحصى الفرنسي الكونتدادكايراك في كتابه "صحراء السودان" 26 فرعا للكبابيش تختلف قليلا عما أحصاه باركنز. وقام كولستون (والذي جاب كردفان في بدايات سبعينيات القرن التاسع عشر) بنشر ورقة عن الكبابيش في غرب النيل وقبيلتي العبابدةوالبشاريين في شرق البلاد. زعم كولستون أن الكبابيش يتحدثون ذات اللغة التي يستخدمها العبابدة والبشاريون والتي تسمى البداوييت أو التبداوية. (يبدو أن هنالك خلطا ما في هذا الجزء إذ أن تلك اللغة هي لغة البجا، بيد أن خبيرا أنبأني بأن أحد فروع العبدلاب وهم "الأتمن" يقال أنهم في الأصل أبناء عثمان بن الشيخ عبد الله جماع جد العبدلاب وأمهم بجاوية يتحدثون بهذه اللغة. المترجم).لا بد أن الرجل قابل رجالا من الكبابيش في دنقلا يتحدثون بهذه اللغة، بيد أنه يجب التأكيد على أن ما من أحد من الكبابيش اليوم يتحدث بغير العربية، ولم يقل أحد من المؤرخين السابقين بغير هذا.
    أما فيما يخص وضع الكبابيش في غضون سنوات المهدية فأهم حدث فيها هو مقاومة الكبابيش (خاصة فرع النوراب) لحكم الخليفة عبد الله وهي مقاومة لم يكتب لها النجاح. سطر أحداث تلك المقاومة اوروفالدر وسلاطين ونيوفلدوروسيقونولي (وجميعهم من أسرى ذلك الخليفة. المترجم)، وتجد تلخيصا لكل تلك الكتابات في مؤلف هولت الشهير "دولة المهدية في السودان". يجب القول هنا بأن حكم الخليفة عبد الله قد وجد قبولا مبدئيا عند بعض أفرع قبيلة الكبابيش في بداية عهده . لخص لي أحد المخبرين من نوراب الكبابيش موقف الكبابيش من المهدية بما معناه: " عندما حز المهدي رأس التوم زعيم قبيلتنا في الأبيض أشعل بذلك الحرب بيننا وبين المهدية. صرح المهدي بعد قتله لزعيمنا بأن الكبابيش أنفسهم وما يملكون هي غنائم له ، مما أضطر معه بعض أفرد بعض أفرع الكبابيش كالكواهلة والعوضية والجهينة وآخرين للتنكر لأصلهم والتصريح علنا بأنهم ليسوا من الكبابيش. فقد الكبابيش في تلك الأيام كل شيء وتفرقوا في الأرض واستدعي بعضهم لأمدرمان".
    جاء في تقرير للمخابرات رقمه 50 صدر في مصر عام 1898م أن للكبابيش فرعان: كبابيش دنقلا وكبابيش أمدرمان، والفرع الثاني هو الأكبر عددا وينقسمون لثلاثة أفرع هم النوراب ( ولهم شيخان) وأولاد عقبةوالسراجاب(ولكل منهما شيخ واحد). أتفق هؤلاء جميعا على مناهضة تقدم الجيش الإنجليزي المصري في غزوه للسودان، وشاركوا مع الخليفة عبد الله في معركة أمدرمان في عام 1898م بأكثر من سبعمائة مقاتل.
    يتضح من روايات المؤرخين والرحالة المذكورين،رغم قلتها كما ونوعا، أن "الكبابيش" اسم جامع لكونفدرالية فضفاضة من القبائل التي تعيش في شمال غرب السودان، وليس لتلك القبيلة أي حدود سياسية محددة، ولا يمكن تحديد منطقة بعينها يمكن الجزم بأنها تخص الكبابيش وحدهم دون غيرهم. عدت بعض القبائل في فترات تاريخية معينة فروعا لقبيلة "الكبابيش" بينما لم تعد الآن كذلك. من تلك القبائل من تتحدث اللغة التبداوية على ضاف النيل بالقرب من دنقلا. من أمثلة تلك القبائل هي "الكواهلة" وهي ليست قبيلة الكواهلة (المعروفة) التي تقطن شمال كردفان، ويزعم أفرادها أنهم قبيلة منفصلة ولم يكونوا يوما من "الكبابيش". من القبائل التي عدت في فترة من الفترات (خاصة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر) من "الكبابيش" يمكن ذكر بني جرار والبطاحين والهواوير.
    في حوالي منتصف القرن التاسع عشر صرنا نسمع عن قسمين للكبابيش: كبابيش دنقلا وكبابيش كردفان، والقسم الأخير هو الأكبر انتشارا وعددا، ويتزعمه "شيخ المشايخ". كان ذلك بالطبع في غضون الحكم المصري- التركي والذي فرض على كل قبيلة أن تتخذ لها شيخا واحدا ليسهل عليها أمر إدارة البلاد وقبائلها الكثيرة. في تلك السنوات منحت الحكومة المصرية – التركية لقب "بيه" لشيخ الكبابيش فضل الله سالم، وأعطته أيضا عددا من طبول النحاس رمزا لسلطته. بيد أننا – كما أسلفت- نجهل للأسف مدى سلطة الشيخ أو "شيخ الشيوخ" في هذه القبيلة، لأن الحكومة لم تقم أبدا بتعريف تلك السلطات ولا حدودها، إذ أنها لم تكن في حاجة لذلك، فقد كانت قد أوكلت أمر إدارة الرحل بالكامل إلى شيوخ القبائل، ولم يكن يعنيها من أمرهم غير ضمان دفع الضرائب والمكوس والعوائد بصورة منتظمة، واستتباب الأمن والسكينة في مناطق الدولة الاستراتيجية. لابد أن قدرة "شيخ الشيوخ" على إرضاء الحكومة والإيفاء بمتطلباتها كان يعتمد بصورة كبيرة على قدرات ذلك الشيخ فيإقناع وتخويف كل أفراد كونفدرالية القبائل الفضفاضة التي يتزعمها، وهي قبائل قد لا تكون في واقع الأمر في حالة وحدة سياسية مع بقية القبائل، وهذا مما يجعل إدارتها أكثر صعوبة.
    من الحقائق اللافتة للنظر هو عدم احتفاء كبابيش اليوم بتاريخ قبيلتهم. كانت الفترة الذهبية في تاريخ تلك القبيلة هي فترة الناظر شيخ على الكريم في العقود الأربعة من هذا القرن. وهذا أمر يمكن فهمه، خاصة بعد معرفة ما حاق بقبيلة الكبابيش من كوارث في عهد المهدية، وعلو قدرها من بعد ذلك في غضون سنوات الحكم الثنائي (الإنجليزي- المصري). بيد أن هذا التفسير قد لا يكون كافيا أو مقنعا. في اعتقادي فإن قبيلة الكبابيش لم تبرز تماما إلا في عهد ناظرها الشيخ علي التوم. كان هذا بسبب توضيح هوية الكبابيش القبلية، وتحديد أماكنهم بدقة أكثر، وتنظيم عمليات جمع الضرائب منهم، وتركيز الحكومة للسلطات في يد الشيخ علي التوم دون منازع، مع منحه امتيازات إدارية ومالية واسعة. أفلح الشيخ علي التوم في جمع شتات وبقايا أفرع الكبابيش القديمة ونجح أيضا في إزالة ما كان لهذه الأفرع من القبيلة من هويات سياسية متباينة. صار في عهده كل حق أو منفعة تأتي للفرد الكباشي تكون بسبب أنه من قبيلة "الكبابيش" وليس بسبب انتمائه لفرع معين منها. قد يفسر لنا هذا غياب أي ذكر لسلسلة نسب أو أنساب genealogy للكبابيش ككل، وذلك على العكس مما هو حادث عند القبائل الكردفانية الأخرى مثل الكواهلة ودار حامد و الحمر والذي يعتزون بسلسلة طويلة من الأنساب. قد يفسر هذا الاختلاف ببساطة في أن الكبابيش لا يمتلكون "وحدات نسب lineage units" ذات أهمية سياسية، وبذا تنعدم الحاجة لتبرير وحدة أفرع القبيلة في قبيلة كبيرة موحدة بناءا على سلسلة نسب. لا تعتمد هوية الكبابيش على وحدة سياسية بين أفرع القبائل التي تكون قبيلتهم الكبيرة، بل تعتمد في الأساس على احتكار السلطة القبلية وتركيزها في يد شخص واحد هو ناظر القبيلة. كانت فترة زعامة الشيخ علي التوم كما ذكرنا هي فترة ذهبية بالفعل ، فبفضله ظهر الكبابيش ك "قبيلة" واحدة ومميزة ضمن النظام البريطاني للحكم غير المباشر في السودان.

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. تاريخ التعليم عند الكبابيش و مدارسهم الاولى
    بواسطة مفيد في المنتدى مجلس قبيلة الكبابيش
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-06-2019, 11:33 AM
  2. الكبابيش قبيلة جهنية
    بواسطة الارشيف في المنتدى مجلس قبيلة الكبابيش
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 28-05-2019, 11:35 PM
  3. قبيلة الكبابيش
    بواسطة الجذامي في المنتدى مجلس قبيلة الكبابيش
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 23-10-2016, 01:35 AM
  4. مذكرة, فيها نقض لجميع أقوال القداح عن نسب قبيلة عتيبة,
    بواسطة عتيبة في المنتدى ملتقى القبائل العربية . مجلس القلقشندي لبحوث الانساب .
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 01-04-2011, 10:23 AM
  5. قبيلة الكبابيش
    بواسطة الجذامي في المنتدى مجلس قبائل السودان العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 23-08-2010, 04:48 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum