حلفا الجديدة ( أشريا) .. ( إبيا لايقا) !!..
د. حسن التيجاني
مدير إعلام السجل المدني محمد علي عبد الجابر دائماً يصنفني من الحلفاويين
«التايوانيين« يعني مش حلفاوي أصلي... رغم أنني حلفاوي أصيل ومخلوط
خلطة جعلية «ما تخرش ميَّة» على حد قول المصريين فك الله كربتهم وفرَّج
همهم فالحال هناك لا يسر... ودليل حلفاويتي وأصالتها أن أسرتي هاجرت من
حلفا القديمة في أقصى شمال السودان إلى أقصى شرقه في البطانة في عــام
1964م في الهجرة المنكوبة التي «فرَّطت» حكومة السودان أيام عبد الله خليل
«النوبي» والرئيس عبود في مدينة وادي حلفا ليقام مقامها «السد العالي»
الذي استفاد منه المصريون بتخزين كل مياه النيل فيه..
ويقال أن التخزين يمكن أن يسد حاجة مصر من المياه لأكثر من مائة عام...
بينما ذهب الحلفاويون إلى حلفا الجديدة التي لم تحترم حينها آدميتهم في أنهم
لا يعرفون بما يعرف بالأمطار ولا ملحقاتها من البرق والرعد، فكان بالنسبة لهم
بمثابة النشاط الإرهابي ضدهم وضد مشاعرهم، فكان الرعد يدخل الرعب في
قلوبهم والبرق يكسر خاطرهم بأنها النهاية والفناء... فمدينتهم حينها لم تشهد
مطراً ولا رعداً ولا برقاً.. إنه جو خاص... صَلُحَ لنخيلهم وزرعهم وضرعهم
وعاشوا في حلفا القديمة كرماء معززين شرفاء يأمرون وينهون، فالأرض
أرضهم والزرع زرعهم و «الرطانة» هي لغتهم وسيدة الموقف...
فالذي لا يرطن لا يصنف إلا حلفاوي «تايواني» كما يظن محمد علي الجابر
الذي حضر ذلك العهد بتفاصيله المملة، وحينها لم نكن على سطح البسيطة...
والحلفاويون اختاروا سكنهم بالقرى هاربين من المدينة التي جمعت بقية القبائل
المهاجرة كالبصاولة والأصولية والجعافرة والمتاتيك والكنوز والعليقات وأهلهم
«الصلحاب» وتوزعت هذه القبائل على مدن المدينة وأحيائها، فسكن العليقات
والصلحاب في حي العرب والمتاتيك في أركويت والأصولية في دبروسة والتوفيقية
ومعهم الجعافرة، أما البصاولة فتخيروا حي مربع «12» في وسط المدينة،
وجاورتهم بعض القبائل التي كانوا يطلقون عليها «السودانية».
وكانت الحياة طيبة للغاية في بدايتها بمدينة حلفا الجديدة والمعيشة رغدة،
فالحلفاويون كانوا مكتفين من الخضروات والقمح والألبان، فكله من صنيع
مزارعهم وحيواناتهم الخاصة، وهكذا الشأن في المدينة، فسرعان ما تبد
ل الحال في حلفا الجديدة، لأن غالبية الحكومات أهملتها، خاصةً حكومة مايو..
حكومة الاتحاد الاشتراكي التي كانت لا تظن في الحلفاويين خيراً فتصنِّفهم
شيوعيين ضد مايو.. هكذا كان يقص علينا الأخ محمد علي عبد الجابر وهو
شاهد عصر، وحينها لم تكن لنا قدرة على التميز والفهم كما هو الشأن لدى
الأخ محمد علي.
ولم تعد حلفا الجديدة هي المدينة التي عرفناها وعهدناها... فكل شيء تغير فيها
وتبدل وتدهور... علماً بأن حلفا هذه تعتبر من المدن الأكثر تخطيطاً في السودان
كله... حتى مزارعها الحكومية والخاصة مخططة بصورة رائعة وهكذا منازلها...
لكن «أيادي العبث» تدخلت في تغيير «خريطتها» وسلوك سكانها «فقلبوا»
عليهم الدنيا نكداً، فالكثيرون منهم ودعوا الحياة وماتوا، والباقون يعانون
المرض وكساد السوق وفشل الزراعة.
وبالمناسبة الحواشة الواحدة كانت تنتج ما يقارب المائة جوال من القمح، بينما
اليوم قد لا تتعدى عشرين جوالاً.. وفي حالة أخرى جوالاً ونصف الجوال..
سبحان الله.. وحتى الأرض صارت عنيدة، وهناك يقولون في فترة ما.. إن الوالي
كان غير راضٍ عن معتمد حلفا الذي أطاحه محمد يوسف آدم، فلذلك لم تشهد حلفا
تطوراً بسبب غضب الوالي.
لكن ربما تعود حلفا لرونقها وجمالها، فيقولون إن السيد الوالي ومهندس التخطيط
وأمين عثمان عبد القادر أحد أعيان حلفا قد عادت «المياه» بينهم إلى مجاريها، فقد
شوهد الوالي والسيد الوزير يشاركان الآخر في مناسبة زواج ابن أخيه الذي شرفه
السيد الوالي فجأة دون مقدمات، عسى ولعل أن تصب هذه العلاقة الجديدة التي كانت
عداءً لصالح المنطقة ومواطنها الذي ينتظر.
«إن قدر لنا نعود»




pgth hg[]d]m ( Havdh) >> Yfdh ghdrh) !!>>