بحث مشترك للاساتذة الاجلاء
أ. د . الأمــين أبومـــنقة
أ. د . سليــمان يحـــيى
نشره بموقع سودانيز أون لاين الأستاذ أحمد حامد صالح
رأيت ان انقله هنا للفائدة العامة
1- الفلاتة الفولانيون: الأصل والموطن
يُعرف الفلاتة الفولانيون بمختلف المسميات، منها : فولاني (Fulani)، وفولا Fula(h))، و بيول (Peul)، وفلاتة (Fallata/Fellata). غير أن للمسمى الأخير، أي "فلاتة" مدلولاً شمولياً خاطئاً في مفهوم السودانيين بصورة خاصة، حيث يعني عندهم كل المجموعات المهاجرة من غرب إفريقيا بمختلف قبائلها وخلفياتها الإثنية، بما في ذلك الفولانيون أنفسهم. فالشعب المعني في هذا المقال هم مجموعات الفلاتة الفولانيين بشقيهم البدو (رعاة الأبقار) والمستقرون الذين ارتبط تاريخهم بحركات الجهاد ونشر الإسلام والعلم وتأسيس الممالك والإمبراطوريات الإسلامية في غرب إفريقيا، والذين إليهم ينتمي المجاهد الشيخ عثمان بن فودي. وهم المتحدثون باللغة الفولانية، ويسمونها "فلفلدي".
تتدرج ملامح الفولانيين الفيزيولوجية من السحنة النحاسية والشعر الطويل الناعم، وتقاطيع الوجه الدقيقة (كما هو الحال عند بعض المجموعات البدوية وشبه البدوية كالأمبرورو والودابي والويلا والدقرا) إلى السحنة الداكنه والشعر المجعَّد والأنف الأفطس (كما عند بعض البولار والبيول في السنغال ومالي وغينيا). من المؤكد أن للاختلاط والتصاهر والتمازج مع المجموعات الإفريقية الأخرى دوراً في هذا التباين. وكذلك تختلف أنماط حياتهم ومعيشتهم ومن ثم بعض الجوانب من ثقافاتهم، إذ منهم من يمارس حياة موغلة في البداوة مكرَّسة لتربية الأبقار (والضأن) وخدمتها، ومنهم مجموعات أصبحت تمتهن الزراعة وما عاد لها شأن بتربية الحيوان، ومنهم من يجمع بين الاثنين، وهناك بعض منهم لا شأن له بهذا أو ذاك، بل اقتفى خطى أجداده مؤسسى الممالك فكرَّس حياته للعلم والسياسة.
وفي ما يتصل باللغة والثقافة، فكل المجموعات البدوية الرعوية ما زالت محتفظة بلغتها العرقية (الفلفلدي) وبالثقافة الفولانية الأصلية (Pulaaku). أما المستقرون فيتفاوتون في هذا الأمر تبعاً لأوضاعهم الاجتماعية في مختلف أماكن وجودهم. فمنهم المحافظون على لغتهم وثقافتهم الأم، ولكن هناك مجموعات ذابت لغةً وثقافةً في مجتمعات الأغلبية التي يعيشون وسطها، حيث هناك من ذاب في مجتمعات الماندينقو في غينيا، والبمبرا والصنغي في مالي، والهوسا في نيجيريا، والمجتمعات العربية في السودان.
كما ذكرنا في المقدمة، لقد اختلف الباحثون أيما اختلاف حول أصل الفولانيين، حتى خلص عالم الأنثربولوجيا، س.ك. ميك C.K. Meek إلى القول بأن في أصلهم لغزاً ((Puzzle (كبيراً)[ii]. لقد تناقش العلماء حول هذا الأمر لقرابة القرن من الزمان دون الوصول إلى إجماع حوله، وما كان لنا أن نتطرق إليه في هذا المقال لولا أن ظهرت دراسات جديدة في بعض مجالات العلوم الإنسانية (تاريخ مصر الفرعونية وبلاد النوبة، حفريات أثرية، دراسات إثنولوجية، دراسات في الفنون الإفريقية، إلخ) ألقت نتائجها أضواء جديدة عليه، سيتم الاستشهاد بها في مواضع مختلفة من هذا المقال.
هناك ما لا يقل عن خمس عشرة نظرية حول أصل الفولانيين. منها إنهم من: الماليزيين، الهنود، الأثيوبيين، الباسك (فرنسا)، القوقاز، الهكسوس، الفينيقيين، اليهود السوريين، قدماء المصريين، الفلاحين المصريين (Fulah)، الحاميين، الليبيين، والعرب. والغريب في الأمر أن كل من أتى بإحدى هذه النظريات ساق معها الأدلة التي تعضدها، إما من ناحية التكوين الجسماني أو الثقافة. والقاسم المشترك بين معظم هذه النظريات، هو أنهم شعب قادم من خارج القارة الإفريقية. مهما يكن من أمر، فإننا لا نستبعد انتماءهم إلى أحد هذه الشعوب مع تأثرهم بالشعوب الأخرى (ربما لكثرة تجوالهم في العالم القديم). على أية حال، سيقتصر عرضنا ومناقشتنا هنا على النظريات ذات الصلة المباشرة بأطروحة هذا المقال.
من الذين صنَّف الفولانيين ولغتهم في السلالة الحامية، عالم اللغة الألماني كارل ماينهوف معتمداً في ذلك على سحنتهم (غير الداكنة) وتكوينهم الجسماني (الجسم النحيل) ونمط معيشتهم (الرعي)
. غير أنه ، حتى إن صدقت أدلته فيهم من حيث السلالة، من المؤكد أنه كان خاطئاً في تصنيفه لغة الفلفلدي لغة حامية.[iv]
أما س.ك. ميك فقد أشار إلى الشبه الكبير بين الفولانيين وقدماء المصريين، دون التطرق إلى مسألة الأصل أو الانتماء، حيث يقول:
إن الشبه في التكوين الجسماني بين العنصر النقي من الفولانيين وبين قدماء المصريين لملفت للنظر. فنجد في كليهما نفس شكل الجمجمة، والوجه المخروطي، وشكل الذقن، وغياب الشوارب، والشعر الزنجي المجعَّد. وقد أخذوا من الفراعنة طريقة تصفيف الشعر وعادة الختان.[v]
ولا يذهب شونتر (Chantre) وبروكا (Broca) بعيداً عن ملاحظة ميك، حيث ينسبانهم إلى الفلاحين المصريين في وادي النيل.[vi]
وهناك من نسب الفولانيين إلى الفينيقيين، ربما – حسب تفسير ميك – لأنهم حمر البشرة، والإغريق يسمون الفينيقيين بـ"الشعب الأحمر" (في رواية أخرى "ذوي الأشرعة الحمراء")، وأنهم ، أي الفولانيين، يلبسون القبعة الفينيقية ويصفِّفون شعرهم على شكل الخوذة الفينيقية[vii] (انظر الصورة رقم (1) ورقم(2) في ملحق الصور عند نهاية المقال).
بيد أن دولافوس يصفهم بأنهم شعب خليط من نسل يهودي-سوري[viii] استقر منذ زمن سحيق في سيرينايكا (ليبيا)، ومن هناك شقوا طريقهم إلى وادي النيجر الأعلى وأصبحوا الحكام البيض لمملكة غانا من القرن الرابع إلى الثامن أو التاسع الميلاديين[ix]. وهنا نجد دولافوس قد اتفق إلى حد كبير مع هيرودوتس الذي يصف شعباً كان يعيش في هذه المنطقة تتطابق معظم صفاتهم مع صفات الفولانيين، حيث كتب قائلاً:
المنطقة من مصر حتى بحيرة ترويتونيس (Troitonis) في ليبيا تسكنها قبائل متجولة، شرابهم اللبن، وأكلهم لحوم الحيوانات. لا نجد أحداً منهم قد ذاق لحم البقر، بل يبتعدون عنه مثلهم في ذلك مثل المصريين. ولا أحد منهم يربي الخنزير. وحتى في سيريني (أو كوريني) (Cyrene) (سرينايكا؟) تعتقد المرأة أنه من الخطأ أكل لحم البقرة، وذلك تقديراً لإيزيس المعبودة المصرية، والتي يعبدونها عن طريق الصوم وإقامة الاحتفالات لها.
يتبع ...
hgtghjm hgt,ghkd,k>>> hgHwg ,hgl,'k
مواقع النشر (المفضلة)