المختصر عن تاريخ قبيلة بني حسين بالسودان
(الحلقة الخامسة)
نحاس بني حسين (أداة الحكم و الولاية ورمز العز والفخار):
1.5 ملامح عن تاريخه المدون:
· يعتبر النحاس أحد أهم أدوات الحكم و الإدارة ، وهو مصدر فخر وإعزاز القبائل التي تمتلكه وعنوان أصالتها ورفيع مكانتها.ونحاس بني حسين يعد من أهم النحاسات القبلية بدارفور وهو من ضمن النحاسات القبلية التي تناولها المؤرخ السوداني البروفسير إبراهيم أبو سليم في كتابه(أدوات الحكم والولاية في السودان).
· تناول أبو سليم تاريخ نحاس بني حسين من نهاية القرن التاسع عشر إلى أواسط القرن العشرين، مشيرا إلى دور الإدارة الأهلية و النحاس في توحيد ولم شمل قبيلة بني حسين ، وفي هذا الصدد يقول:( كانت قبيلة بني حسين قبيلة مهمة على عهد سلاطين الفور ، ولما تم ضم دارفور إلى الحكم التركي المصري ، حاول النور عنقرة استمالة القبيلة وأهدى إلى حامد تورجوك رئيس القبيلة نحاساً، و ظل النحاس عندهم حتى غنمه منهم الأمير عثمان جانو، وبذلك ضاع هذا النحاس، وقد تشتت القبيلة في عهد المهدية وفي عهد علي دينار).[1]
· بعد ذلك أشار البروفسير أبوسليم إلي مجهودات حكومة العهد الثنائي لجمع شتات القبائل بدارفور، حيث يقول:(وببداية الحكم الثنائي إثر سقوط سلطنة علي دينار واجهت الحكومة الخراب الذي حل بدارفور وشجعت جمع شتات القبائل و تسكينها في دورها ، وإعادة تنظيمها. وجرياً على هذه السياسة وجهت نظرها إلي قبيلة بني حسين،وقد تولى الشيخ حامد يعقوب قيادة القبيلة تحت إدارة (ماكمايكل) ولنجاحه كفأه المستر (سافيل) الذي خلفه في إدارة المديرية بالإذن في عام 1918م بشراء نحاسين، وبالفعل اشترى حامد نحاسين ، وبقيادته تجمعت القبيلة في دارها الأصلية وهي دار العطاش، وتقدمت إدارته وقرر الإداريون الإنجليز بضرورة الاعتراف بنحاسه لما له من مفعول في تقوية إدارته وسياسة جمع بني حسين...).[2]
· لقد جرت مكاتبات عديدة بين الإداريين الإنجليز بشأن ضرورة الاعتراف بنحاس بني حسين نسبة لدوره الكبير، وفي هذا الصدد يقول البروفسير أبو سليم:(في 17/1/1936م كتب مدير مديرية دارفور إلى السكرتير الإداري يقولـ إن نحاس بني حسين يقدم خدمة جليلة كعامل توحيد ، وإن سياسة الحكومة تهدف إلى تجميع القبيلة واستيطانها في دارها، ثم يقترح انتهاز فرصة مناسبة لإعلان اعتراف الحكومة بهذا النحاس).[3]
· وفي خطاب آخر كتب مفتش كتم إلي المدير الإداري مخاطباً إياه بضرورة مكافأة الشيخ حامد يعقوب لنجاحه في إدارة القبيلة وذلك بالاعتراف بنحاسه ، حيث يقول: )...يقول مفتش كتم في خطابه إلي المدير الإداري بتاريخ 31/7/1937م ، وبعد سرد تاريخ النحاس:إنه يرى مكافأة حامد يعقوب على نجاحه في جمع القبيلة و إدارتها في وجه مصاعب كثيرة ، ويقترح إن يعترف بنحاسه كما اعترفوا بنحاس البرتي، ويقول أن المدير سمح لحامد يعقوب بضرب نحاسه في الاحتفالات القبلية في فبراير 1937م، ولذلك فإنه لا يرى وجهاً للاعتراض على اقتناءه النحاس... ).[4] ويشير أبوسليم إلى مذكرة مدير مديرية دارفور إلي السكرتير الإداري بتاريخ5/5/1937م، والتي يقول فيها:(... إنه من الضروري الاعتراف بنحاس بني حسين نظراً إلى إن هذا يقود إلى إتجاهم نحو الوحدة وتوجهم نحو المستقبل).[5]
· أما السكرتير الإداري ، فقد قام بالرد على مذكرة مدير مديرية دارفور مبدياً استعداده للتجاوب مع الطلب المقدم من قبله كما يقول أبو سليم: (... في 19/5/1937م أبدى السكرتير الإداري استعداده للتوصية بنحاس بني حسين ، وقد اتضح أن نحاسات حامد قديمة و أنه لابد من استبدالها ، وقد أوصى الحاكم بتدبير ذلك ، وأن ينقش عليه بأنه هدية من الحاكم العام...) (أبوسليم، ص219).
· وختاماً وبعد كل المساعي التي بذلت اعترفت الحكومة بنحاس بني حسين وقدمته لهم في احتفال كبير، حيث يقول أبو سليم: (...في 14/12/1937م أبلغ السكرتير الإداري المدير بتدبير نحاس بني حسين والاعتراف به. وفي فبراير 1938م قدم الحاكم العام في احتفال نحاسين يتكونان من تور وبقرة ، وعند وفاة الشيخ حامد تم تعيين ابنه آدم حامد يعقوب ناظراً ، وقد ظهر اسمه بهذه الصفة في تقسيم إدارات مركز كتم في أواسط الأربعينيات).[6]
· 2.5 رويات شفاهية عن النحاس:
· كما أسلفنا أن الرواية الشفاهية تعتبر مصدر من مصادر كتابة وإعادة كتابة التاريخ وفيما يلي نورد أهم المقابلات والمعلومات التي استقيناها من الرواة عن تاريخ نحاس بني حسين الشفاهي.
· يقول (أحمد مهدي،مقابلة شخصية،1996م) أن النحاس حسين رمز العزة والفخار لبني حسين، وهو عنوان تاريخي للقبيلة ويشير إلى أن هنالك بعض النحاسات منحت في فترة الحكم الإنجليزي المصري للقبائل التي كان لها دور أساسي في النواحي الأمنية والسياسية بدارفور، وكانت قبيلة بني حسين منهم. ولنحاس بني حسين ثلاثة نبرات أو إيقاعات رئيسية وهي نبرة الحرب ونبرة السلم ونبرة المناسبات والاحتفالات الاجتماعية، وتعرف هذه الإيقاعات محلياً بثلاثة أسماء هي:(ردم – ردم) و(جنقل) و(سلطان قو).[7]
· ويعتبر النحاس شئ أساسي في الزفات والاجتماعات القبلية وهو فاكهة الزفة وبدونه تصبح بلا طعم، والزفة تعتبر مباراة للتنافس الشريف و لقبيلة بني حسين وضع مميز في الزفات بالولاية، ودائماً ما يقود الزفة ناظر القبيلة راكباً على جواده، و يأتي من بعده النحاس ويحمل على جملين يقودهما ضاربي النحاس وتتقدمها الحكامات فيصدحن بالغناء للنحاس وللقبيلة وفرسانها وعزتها ومجدها، يأتي بعد ذلك موكب الفرسان في تشكيلات رباعية متراصة ومتشابهة في ألوانها ودائما ما يحتشد الفرسان في أعداد كبيرة في الزفة حيث تكون المسافة بين مقدمة الزفة ومؤخرتها مسافة بعيدة جداً وذلك لكثرة الخيول، وتأتي من بعدها الجمال بذات التنظيم والتشكيل، ويلاحظ تفوق قبيلة بني حسين في الكرنفالات والمحافل القبلية التي نظمت في مدن كتم وكبكابية و ونيالا وغيرها، الأمر الذي جعل وجود القبيلة في مثل هذه المناسبات شئ ضروري[8].
· أما الراوي هرون حامد[9]، فيقول إن نحاس بني حسين الأول ضاع إبان حروبات المهدية التي قادها عامل المهدية عثمان جانو،وتم تعويضهم بنحاس آخر في زمن الحكومة الانجليزية المصرية بواسطة الحاكم العام الملقب ب(المرفعين أبو حجول)، وهو النحاس الحالي للقبيلة و يسمى بـ(أم جرسان).كما يضيف هرون أن هنالك بعض العادات والتقاليد والممارسات المتعلقة بنحاس بني حسين، فالنحاس شئ أصيل، يجب الإهتمام به، وعليه يجب تجليده كلما قدم و لتجليد النحاس طقوس و (عوايد)من ذلك انهم يأتون بالتمر و اللبن و السمن والعسل ومن ثم يغسل النحاس ويحجب ب(ورقة ومحايا )ويسكب السمن على جلد النحاس حتى يكون طرياً و صوته عالياً، وبعد تجليده يوضع النحاس في السمش حتى ينشف الجلد وبعد ذلك يستخرج منه الصوف. ويقول أن نحاس بني حسين كان يجلد(بتور كامل) ويغطى هذا النحاس دوماً بقماش ملون،ويقول ان ضرب النحاس يحتاج لمعرفة و مهارة و (حرفنة) ولابد أن يكون هنالك(خلف) في الضربات[10].
· بناء على ما سبق يمكننا القول أن للنحاس أهميته القبلية نتيجة للهالة التي تحيط به ، فاسم الطبل يرتبط بالقبيلة فهو موروثها الثقافي والرمز الدال على هويتها ووحدتها وقوتها، بجانب ذلك فهو جهاز إعلام شعبي للقبيلة لنقل الرسائل التي تتطلب تجاوباً عاجلاً في حالة الاستنفار لمواجهة خطر الحرب أو درء الكوارث الطبيعية وغيرها مما يستلزم التعاون وتضافر الجهود. ذلك هو شأن هذه الآلة الشعبية العظيمة ، ويلاحظ عند ذكر النحاس لابد من ذكر الحكامات اللاتي يقمن بالغناء لتمجيد القبيلة وذكر مآثر رجالها وبطولاتهم، وحالما يضرب النحاس سرعان ما يتجمع الناس من كل حدب وصوب ، شيباً وشباباً ، نساءً ورجالاً و أطفالا، فإن كان الأمر فرحاً أو نصراً عندئذ تتغنى الحكامات فخراً ومدحا، وإن كان الأمر شراً من عدو قادم أو فعل يمس الأرض والعرض والمال ، حينها تتغنى الحكامات حماساً لتعبئة الفرسان ودفعاً لهم لرد الظلم والعدوان.
· مما ذكر عن نحاس بني حسين من خلال الروايات الشفاهية يتضح مدي غزارة المادة الفولكلورية التراثية حول النحاس ، فالزفة وتنظيمها والخيل والهجن وغناء الحكامات و ضربات النحاس تمثل ملمح فولكلوري هام شكلاً ومضموناً، هذا فضلاً عن العادات والتقاليد والمعتقدات المتعلقة بالنحاس ، بجانب الأشعار والأغاني والأمثال التي تخصه.
3.5 نماذج من أغاني النحاس:

لا غرو أن نحاس قبيلة بني حسين يمثل لها رمز للعزة والفخار والعنوان التاريخي لذلك فهو موضع احتفاء دائماً من قبل الشعراء و الحكامات،حيث تؤدى أغانيه في الاحتفالات والزفات والأفراح. ومن نماذجها قول الحكامة مريم (الجيك) التي تتغنى بإحدى اغاني النحاس المتواترة:[11]
الشبيكةعده.. العطاش بلد جده
البيابي العيب بالروح بسده
دربه وعر بلحيل ياتوه بيا عده
الـهجـين الـبتـزقل بي شـــــده
عِــزه قـديـم ما دهــابة جَــدّه
وتقول الحكامة زهراء حامد لأخيها:
سـلامي لـيـه أبو قـلـاً ســندالـه
أبــوه سلطـان وأهـلـه جـبـاره
أبـو أم بكوتي قبل تعال
دار الناس هـبـاله
أما الحكامة مريم حامد (تُسه) فتقول عندما سجن اخوها ظلماً:
السجن حق الرجال أبو قلباً سنداله
أبو الفاتح تور جاموس حق الرجالة
/////////////////////////////////////////
الهوامش:
[1]. محمد ابراهيم ابو سليم، أدوات الحكم و الإدارة في السودان ، ص218
.[2]نفسه، ص218 .

[3]
. نفسه، ص218.

[4]
. نفسه، ص218.

[5]
. نفسه، ص219.

[6]
.محمد ابراهيم ابو سليم، مراجع سابق.

[7]
. أحمد مهدي حامد، راوي سابق.

[8]
. أحمد مهدي ، الراوي السابق.

[9]
. هرون حامد يعقوب، 78 سنة، مقابلة شخصية، 2000م.

[10]
. هرون حامد يعقوب، الراوي سابق.

[11]
. مريم (الجيك): شاعرة شعبية مشهمورة بالسريف بني حسين، منطقة الحريقة.

[12]. على محمد عثمان، الملقب ب(تبجكي) أحد شعراء المنطقة الشباب.



kphs fkd psdk (H]hm hgp;l , hg,ghdm ,vl. hgu. ,hgtohv)