الركابية الدواليب
الدواليب بطن من بطون الركابية منسوبون إلى جدهم دوليب بن محمد كري بن تركي بن عريبي بن حماد بن حاج بن عبد الله بن ركاب غلام الله . ومقرهم الأساسي دنقلا ، وقد أنجب دوليب بن محمد إدريس ونابري ومكي ومدني ودفن بالدبة . وأنجب إدريس محمد دوليب ، وهو دوليب الكبير ، وأنجب محمد دوليب محمداً الذي أنجب عبد الهادي ، وولد الشيخ عبد الهادي الشيخ السيد وأمه صاردية من الحلفاية ، كما أنجب الفقيه نابري من أم مشيخية من الحلفاية أيضاً .

ويذكرون في روايتهم عن هجرة الفقيه عبد الهادي بن محمد من دنقلا واستقراره بحلفاية الملوك ، فيقولون إنه نشأ وتعلم بدبة الفقراء في دنقلا موطن آبائه وأجداده ثم حدث أن شخصاً قتل آخر فطلب أهل القاتل من الفقيه عبد الهادي أن يذهب إلى سنار ليشفع للقاتل عند السلطان بادي أبو شلوخ بن السلطان نول ، وذلك لما عرف عنه من احترام وإجلال للعلماء والصالحين ، ولم يتوان عبد الهادي في الاستجابة للطلب ، فشد الرحال إلى سنار ، وفي الطريق نزل بالحلفاية ضيفاً على رجل من الصواردة من ذوي الثراء والمكانة يدعى عبد الوهاب الصاردي وفي المساء لاحظ الفقيه كثرة العمال الداخلين على منزل الصاردي وحملهم القدر الكبير من الذرة مما لفت انتباهه فاستفسر عن الأمر فقيل له إن الشيخ عجيب فرض عليقة الخيل على عبد الوهاب الصاردي لسعة ماله وغناه . فقال له الفقيه عبد الهادي إن شاء الل ستكون هذه آخر مرة يؤخذ فيها الذرة .

وتستمر الرواية لتذكر أن الخيل ظلت طوال الليل تحاول أكل الذرة فلم يمكنها ذلك ، وكانت دهشة القائمين على أمرها عظيمة حين وجدوا أن ما اعتبروه ذرة هو في واقع الامر حصى ، فهرعوا للمانجل وأخبروه بما حدث فغضب من الصاردي وجرأته في إطعام خيله الحصى ، وأرسل في طلبه ، وفي خلال ذلك استفسر عمن كان البارحة أن يكون هذا الضيف رجلاً صالحاً فعفا عن الصاردي إكراماً للفقيه ولم يترك عبد الوهاب الفرصة تمر دون أن يعرض على الفقيه عبد الهادي الزواج من إحدى بنتيه فوافق على زواج الصغرى بعد عودته من سنار ، وفي طريق العودة من سنار نزل مرة أخرى بالحلفاية لإتمام مراسم زواجه من الصاردية ، ولكن الناس حسنوا لأبيها إستبدالها بأختها الكبيرة التي لم تكن على حظ من الجمال مثل الصغرى ، وفي ليلة الزفاف أخبر الجيران الفقيه بما حدث ، فقال لهم دعوها فإن فيها إبناً صالحاً ، وفعلاً دخل بها وأنجب منها ولده السيد المشهور بالتقوى والصلاح والجاه ، وتزوج عبد الهادي من المشايخة فأنجب الفقيه نابري ، وظل عبد لهادي بالحلفاية إلى أن توفاه الله وقبر بها وتفرق أبناؤه بين الحلفاية والكدرو .

والواقع أن صلة الدواليب بالحلفاية أقدم من ذلك ، إذ كان محمد ولد دوليب . الذي جمع بين العلم والعمل ، واشتغل بتدريس الفقه وتحصيل كتبه ومطالعتها ، وجمع كتباً كثيرة كشرح الأجهوري والخراشي وغيرها . وكان ورعاً تقياً لا تأخذه في الحق لومة لائم غير مكترث بالملوك ومن دونهم وكان على صلات بأهل الحلفاية وقد أرسل له الملك أونسة بن ناصر يقول له : (حوارك على ود شابوش طعن جمال رفيقي محمد ولد

مصطفى هل يقوم يجي . فجاءه قواد الملك فقال له : مك الفونج أرسلني إلك . فقال له : أنا بلا الله والرسول وكتبي هذه رفيقاتي ما بعرف أحداً رفيقاتو الكدايس الحراسات الكتب ) وحين أغار عثمان ود حمد الشايقي على دار الجموعية وسبي خدماً للفقيه إمام بن الفقيه موسى الجعلى من أهل الحلفاية جاءه واقعاً عليه وقال له : (أنا رجل جعلي بدورك ترد لي فرخاتي من عثمان ، فذات يوم قام الجعلي الفجر بيقرأ القرآن فناداه وقال له : إنت بتحفظ القرآن . وقال له : أنا حافظ ومجود وأبوي كذلك ، فلامه وقال له : تقول أنا جعلي ! والله قال : إن أكرمكم عند الله أتقاكم ! ما قال جعليكم) وأرسل إلى عثمان فرد عليه جواريخ. ولعله لهذه الصلة القوية بالحلفاية جاء ابنه عبد الهادي محمد دوليب إلى الحلفاية واستقر بها وأبناؤه من بعده . وإلى عبد الهادي تنتسب القبة المشهورة بقبة ولد دوليب .

وتشير وثائقهم . إلى الأراضي التي منحها العبدلاب والفونج للشيخ محمد السيد . وأشارت وثيقة منها إلى أن محمد السيد وعمه دوليب اتصلا بالشيخ عبد الله والشيخ مسمار ، ويفهم من هذا أن الشيخ عبد الهادي قد توفي قبل أخيه دوليب ، وأن محمد السيد تولى زعامة الأسرة بعد أبيه الذي يتحمل أنه توفي في عهد السلطان بادي بن نول ، وتدل الوثائق على أن اتصالات الدواليب بدأت بالسلطان بادي بن نول ثم امتدت بعد ذلك إلى شيوخ قري والحلفاية وحكام المقاطاعات .وكان للشيخ عبد الهادي بن محمد مكانة رفيعة وشأن عظيم في بلاط سنار ، وقد تأكدت هذه المكانة وقويت على يد محمدالسيد وعمه دوليب واتسع نفوذهم إلى بلاط قري والحلفاية والولايات التابعة له . وتلوى الشيخ زين العابدين بن السيد الوزارة للوزير إدريس ، وكان لوزير السلطان وزراء في عهد الفونج ، وفي ذلك دلالة على المرئية الاجتماعية والسياسية التي بلغها الدواليب.

وكان للدواليب خلاويهم ومجال عملهم بالحلفاية ، فكان الفقيه دوليب بن محمد معاصراً للفيه ضيف الله بن محمد (1107-1182هـ) ومما يرويه عنه صاحب الطبقات إنه قال : (رأيت في المنام قائلاً يقول : الفقيه ضيف الله (ابن محمد) قام مقام الشيخ خوجلي لصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم ). وأول من سكن الحلفاية الفقيه عبد الهادي بن محمد ، وكان ذا مكانة علمية مرموقة ، وق ذكر ود ضيف الله حكمه هو والشيخ عوض الكريم حول ولاية الشيخ يعقوب والشيخ محمد سوار الدهب زمن السميح شيخ العبدلاب بقري (حوالي 1118هـ) وتحكيم دفع الله بن محمد الكاهلي (1080/1121هـ) في ذلك .

أما الفقيه نابري بن عبد الهادي فقد ولد كما رأينا بالحلفاية وحفظ القرآن بمسجدها على الفقيه دفع الله بن محمد الكاهلي (1080-1121هـ) وقرأ خليل على عمه الفقيه صغيرون في دنقلا ، وعلى الفقيه ضيف الله بن علي ، وسلك الطريق على الشيخ محمد ولد الطريفي في أبو حراز ، وطال عمره واشتهر ذكره وله خمسة وتسعون سنة ظل يشتغل فيه بالذكر والعبادة والتجرد لذلك . ومدة عمره ما اشتغل ببيع ولا تجارة بل شغلته الذكر والعبادة ودفن بالحلفاية . في مقبرته المسماة بترب نابري شمال الحلفاية . وكانت دياره بالقرب من هذه المقبرة ، ويقال إن شيخ العبدلاب .. قد وهبه موضع داره هذا إكراماً له . ويروي صاحب الطبقات على لسانه تقدير علماء عصره لشيخه دفع الله الكاهلي حين كان بديار الشايقية في حضرة الفقيه عبد الرحمن ود حاج فقال لنابري : أين أهلك ؟ فقال له : في الحلفاية فقال : حلفاية دفع الله ، فقلت له وأنا حواره ، فقال أشهد إنك سعيد .

وقد كان للدواليب صلات حميمة بالفونج والعبدلاب ووزراء الفونج من الهمج ، وكان سفر الفقيه عبد الهادي إلى سنار للشفاعة في قضية القتل التي رويناها دليلاً على مكانته عند ملوك سنار . ومن ثم لا عجب أن رأينا كثيراً من الدواليب يحتلون أكبر المناصب في دولة الفونج . ورغم صلاتهم بملوك سنار وشيوخ العبدلاب الذين منحوهم كما رأينا كثيراً من الأراضي إلا أن السلطة الحقيقة لم تكن في أيامهم ومنذ أيام بادي أبو شلوخ في أيدي الفونج أو العبدلاب ، بل كانت في يد وزراء الهمج الذين أصبحوا منذ أيام محمد أبو لكيلك بتصرفون في الدولة وكأنهم الحكا الفعليون ، فهم الذين يولون الحكام وهم الذين يعزلونهم في سنار وقري والحلفاية ، وبالتالي فقد كانت صلة الدواليب بهم أقوى وبلغت منزلتهم عندهم شأواً بعيداً إذ نال زين العابدين ولد السيد لقب الأرباب ، وهو شرف كبير لا يناله إلا الحاكمون من أصحاب السلطة . وقد تولى الأرباب زين العابدين الوزارة لشيخ الهمج إدريس الذي تولى الشياخة أوائل عام 1213هـ . واستمر يتولى تصريف منصبه لأكثر من ثماني سنوات إلى أن قتل عام 1221هـ في مكان بكسلا اسمه الهرابة حين التقى ود رجب من الهمج وود ناصر على رأس جيش الفونج وتناوشوا الحرب فقتل الفقيه زين العابدين ولد السيد وانهزم ودرجب إلى العيلفون . وقد كان الفقيه زين العابدين من الفقهاء الذين يحضرون مجلس الشرع في قري والحلفاية ، وقد ورد اسمه شاهداً في إحدى وثائق النزاع الخاصة بالأراضي ، وقد نظرت القضية أمام شيخ الحلاوين

وواصل السيد ولد زين العابدين مسيرة والده ، وقد كان عالماً فقيهاً عاملاً في خدمة الدولة مع وزراء الهمج إلى أيام وصول الأتراك إلى السودان ، وقد وقف إلى جانب المعارضين للأتراك ، فبعث إليهم إسماعيل باشا بعد استقراره بسنار عام 1236هـ جيشاً إلى شرق النيل ، وكان حسن ود رجب الهمج قد أعلن الثورة عليهم فطاردوهم وقتلوا بعضاً من جماعته ومن بينهم الفقيه السيد ولد زين العابدين .

ويتصل بالدواليب والمشايخة أسرة الحافظاب المنسوبون إلى جدهم عبد الحافظ تلميذ الشيخ عبد الهادي محمد دوليب وزوج إبنته تفوتي التي أنجبت نابري المسمى على خاله نابري بن عبد الهادي ، ومن نابري هذا تفرعت الأسرة إلى فورعها المذكورة في جداول الأنساب في القسم الثاني من هذا الكتاب ، وللحافظاب وجود في حلفاية الملوك وأم دوم وأم درمان والكدرو وغيرها . وإليهم ينتسب الفقيه عامر بن عبد الجليل تلميذ الشيخ خوجلي ومعاصر الفقهاء النور بن عبيد المغربي وعبد الدافع وضيف الله بن محمد وعبد المحمود بن عبد الحميد وموسى أب ريا وغيرهم ويرد اسم الفقيه عبد الجليل بن عام مع الأرباب زين العابدين بن السيد من ضمن أعوان أو وزراء وزير الهمج إدريس في أواخر أيام العبدلاب .




hgv;hfdm hg],hgdf